مقال فهلا حيث لا يراك الناس؟

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 5

‫ا‬

‫فهَّل حيث ال يراك الناس‬

‫امليثاق الغليظ عَّلقة مقدسة محت الشريعة الغراء حوهلا احلمى ‪ ،‬للحفاظ على كينونتها‬
‫اخلاصة من كل املخاطر اليت قد تؤثر على استقرارها ‪ ،‬أو ختدش تلك العَّلقة السماوية‬
‫‪ ،‬أو تورث الطمع فيها أو التخبيب أو احلسد أوالغرية أو غري ذلك ‪ ،‬فقال النيب صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪((:‬إ ان من ِّ‬
‫أشر الناس عند هللا منزلةً يوم القيامة‪ :‬الرجل يُفضي إىل امرأته‪،‬‬
‫وتُفضي إليه‪ ،‬مث ينشر س ارها‪ ،‬وتنشر س اره)) ‪ ،‬وما أعظم كشف الستار عن هذه احلياة‬
‫حتما وعلى‬
‫أبي صورة كانت ؛ ألهنا اللبنة األوىل يف اجملتمع ‪ ،‬وبيئة الفرد اليت تؤثر عليه ً‬
‫إجياًب ‪ ،‬وهي املسؤولية العظمى لكل راع ًبحلفاظ‬
‫تصرفاته وسلوكه يف اجملتمع سلبًا أو ً‬
‫عليها من كل متسول ال يرقب إال والذمة ‪ ،‬ومن أعني السراق ‪ ،‬وعبث العابثني املاكرين‬
‫املخببني‪ ،‬وأهل األطماع اخلفية‪ ،‬إال أنه يف عصر الصورة العصر الرقمي انتهك هذا‬
‫ا مليثاق الغليظ وهذه العَّلقة املقدسة وأمسى ما يظهر منها أكثر مما خيفى؟‬
‫فهل غريت الشبكات االفرتاضية معامل هذه العَّلقة؟‬
‫كما غريت الكثري من األفكار وًبلتايل املعتقدات اليت كنا نؤمن هبا ساب ًقا وختلينا عنها‬
‫اليوم؟‬
‫لقد أدرجت بعضنا حتت أتطري مفاهيمها ولعبة مصطلحاهتا!‪،‬‬
‫يسري على منوال اخلطط املرسومة له ‪ ،‬بَّل عقل انقد ‪ ،‬أو انقباض نفس ِّمن ٍ‬
‫شيء‬
‫احلق‪ ،‬فهم‬ ‫حذرا عن اللاوم فيه‪ ،‬أواجتناب للقبيح‪ ،‬أواملنع ِّمن التقصري يف ِّ‬
‫حق ذي ِّ‬ ‫أوتركه ً‬
‫حتت مفهوم التمدن والتحضر ‪ ،‬ارتدوا ثيابه ذات األشواك اخلفية اليت تنخر يف املروءات‬
‫‪ ،‬وتظهر السوءات حتت مسميات كثرية ‪ ،‬يتخلى فيها املرء عن عقله الصريح وعن‬
‫فطرته السليمة اليت لطاملا سلكت به وبنا طريق األوبة وكانت كسياط الداللة ‪ ،‬لكن يف‬
‫زمن تغري املفاهيم ما أنكر ًبألمس فعل اليوم بَّل حياء وال مروءة وال شهامة وال أتنيب‬
‫ضمري؛ لتبدوا اجملتمعات كم ا يراد منها يف عقول الناس وأرائهم وأسراب القطا‪ ،‬ال كما‬
‫يريد هللا جل وعَّل منا ‪..‬‬

‫فها هي نوافذ بعض البيواتت فتحت لكل ساقط والقط ‪ ،‬يف احلركات والسكنات بل‬
‫ويدنو أحدهم من زوجه وأنفاسه يسمعها كل مشاهد‪ ،‬ويرى زوجه وعرضه وكأهنا ماثلة‬
‫أمام عينيه ‪ ،‬ورمبا تلك األحداث املعروضة على مواقع التواصل (السوشيل ميداي) هي‬
‫اجلزء الوحيد املمتلئ من الكأس الفارغ يف احلياة الزوجية ‪ ،‬وأما خلف الشاشات‬
‫الصغرية‪ ،‬فقد طوقت أفراد األسرة جبدار العزلة ‪ ،‬النكباب كل أحد منهم على هاتفه‬
‫يتصفح اجملرايت‪ ،‬أو يبحر يف غمار أسر الظل ‪ ،‬أو يضيع وقته الثمني يف احلوارات مع‬
‫االفرتاضيني ‪ ،‬ويثق هبم وثوق الناصح األمني‪ ،‬ليذهب مجرة الشتات اليت يعيشها بسكن‬
‫الشاشات ‪ ،‬وإال فكل واحد منهما يف واد سحيق يشغله عن األخر وحيكم عليه‬
‫ًبالنزواء بنفسه واالنزالق يف متاهات ضبابية غامضة ج ًدا‪ ،‬فَّل يكاد يبني منها إال ما‬
‫خطرا ‪ ..‬لو كانوا يعلمون لو كانوا‬
‫يرغب االفرتاضي إبظهاره ‪ ،‬وما خفي أعظم وأشد ً‬
‫يفقهون ‪!!!...‬‬
‫معا فقط أمام الشاشات الصغرية‪،‬‬ ‫لذلك هم يعيشون ً‬
‫فمىت أراد أحدهم أن ميأل الكأس أظهره عَّلنية رجاء أن يقال ‪ :‬فَّلن كرمي متحضر راقي‬
‫(رومنسي) نبيل ‪ ..‬يف لغة أهل الدنيا‪ ،‬أو للرتويج لقصة احلب الناجحة يف عقوهلم‪.‬‬

‫فاختار واختارت فتح الباب على مصراعيه أمام الغرًبء لَّلطَّلع على التفاصيل اخلاصة‬
‫اليت كانت يف السابق غري قابلة للسرد أو النشر ؛ تسوًال لتحقيق أكرب درجة من‬
‫اإلعجاب للمحتوى املنشور‪ ،‬ولكثرة املشاهدات‪ ،‬والثناء واإلطراء املكذوب املزيف؛‬
‫لتعويض النقص الذي يعيشانه يف العامل الواقعي ‪ ،‬وهلذا تعبات خطرية ج ًدا يف إفساد‬
‫اجملتمعات وتدمري األسر وفتح أبواب املقارانت واحلسد والنزاعات والطَّلق واالبتزاز‬
‫والتشهري وكل ما يثري الضغائن يف نفوس البعض‪ ،‬بل وكل ما هو من شأنه أن يهدد‬
‫العَّلقات االجتماعية ‪..‬‬

‫وها قد كشفت لنا مواقع التواصل اجلانب املظلم عند بعضهم من قلب املوازين وتغيري‬
‫السمات االجتماعية للفرد واجملتمع ‪ ،‬اليت جعلت الفرد يتسابق لعرض احلياة اخلاصة‬
‫على هذه املنصات‪ ،‬بل ويبالغ يف املظهر على حساب اجلوهر‪ ،‬ويهتف حبب الذات‬
‫وأتطريها ًبالنفتاح‪ ،‬على حساب الدين والقيم واملبادئ أو العادات والتقاليد العربية‬
‫احملافظة اليت تتسم ًبخلصوصية‪ ،‬وهذا ما ينبئ بعواقب وخيمة يف املستقبل القريب إذا مل‬
‫يكن هناك رادع أو انصح أمني يعتلي كل منرب يوضح خطورة ذلك ‪..‬‬

‫ك َكي ًدا إِّ ان الشايطَا َن لِّ ِّإلنس ِّ‬


‫ان‬ ‫ال اي بَن الَ تَ ْقصص رْؤاي َك علَى إِّخوتِّ َ ِّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك فَيَكي ُدواْ لَ َ ْ‬ ‫ُ ْ ُ َ َ َْ‬ ‫«قَ َ َ َُ ا‬
‫ني» [يوسف‪.]5 :‬‬ ‫َع ُد ٌّو ُّمبِّ ٌ‬
‫قال نيب هللا يعقوب عليه السَّلم البنه يوسف عليه السَّلم ‪ :‬اي بَن‪ ،‬ال تذكر رؤايك‬
‫إلخوتك‪ ،‬فيفهموها‪ ،‬وحيسدوك‪ ،‬فيدبروا لك مكيدة حس ًدا منهم‪ ،‬نيب خيرب ابنه النيب‬
‫وحيذره من رؤاي دون أتويل ؟ فكيف بصور ماثلة أمام الغرًبء ‪ ،‬وتلك القلوب خزائن‪،‬‬
‫وال خيلو أحد من حسد فكيف بك ِّ‬
‫وبك وقد عرضت النعم إىل األكلة ال تبقي منها‬
‫وال تذر وأفسدمت على الناس حياهتم ؟!‬

‫وامليثاق الغليظ أمانة يف أعناقكم‪ ،‬ولكل بيت رسالة سرية مقدسة ال يعلم تفاصيلها إال‬
‫أهله !!‬

‫وجاء يف األثر أن عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه مر برجل يكلم امرأة على ظهر الطريق‬
‫فعَّله ِّ‬
‫ًبلدرة‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬اي أمري املؤمنني إهنا امرأيت‪ ،‬فقال عمر ‪ « :‬ا‬
‫فهَّل حيث ال‬
‫يراك الناس »‬
‫مكارم األخَّلق للخرائطي (‪)٤٧٩‬‬

‫وإن كان املراد ما يستحب للمرء من التحرز أن يساء به الظن ‪ ،‬فإن احلفاظ على كينونة‬
‫هذه العَّلقة املقدسة من أوجب الواجبات !‬

‫ف م ا م ن درةٍ ك انت َستُكسر‬


‫رؤوس أصحاب املواقع‬ ‫على ِّ‬
‫ف م ا م وق ف ال ف اروق م ن ا‬
‫وقد شاهد عيشنا رؤاي وواقع‬

‫وأما أهل الفقه هبذا امليثاق الغليظ فهم الذين جعلوا من بيوهتم أسر ًارا ال خيرتقها أقرب‬
‫قريب وال صاحب وال حبيب وال معلم وال أي أحد أ ااي كان مهما كانت مكانته‬
‫جناحا يف حتقيق معاين االستقرار‬‫أوسلطته ‪ ، ..‬وًبلتايل جتد هؤالء أعقل الناس وأكثرهم ً‬
‫األسري وأحسنهم يف حتقيق األمان النفسي واالشباع الوجداين يف لغات احلب واملودة‬
‫والعشرة ًبملعروف ‪ ،‬حمققني أس التواصل السليم ‪ ،‬واحلوار الناجح بشكل عقَّلين بعي ًدا‬
‫عن مواقع التواصل كي ال تصل هبم أراء اآلخرين ونفوسهم املريضة إىل هناايت مأساوية‬
‫يف العَّلقات الزوجية‪ ،‬خمالفني يف ذلك الدين والقيم واملبادئ أوالعادات والتقاليد!!‬

‫وهلذا كان من واجب الوقت اليوم بيان خطورة هذه الظواهر السلبية والتحذير منها‬
‫وتصحيح مفاهيمها وإال كان الغرق مصري اجلميع !!‬

‫شيخة اهلامشي‬

You might also like