Professional Documents
Culture Documents
الترجمة والمثاقفة... بين هجرة الذات وتأصيل الآخر
الترجمة والمثاقفة... بين هجرة الذات وتأصيل الآخر
الترجمة والمثاقفة... بين هجرة الذات وتأصيل الآخر
الجزائر، أحمد بن بلة1 جامعة وهران، دريس محمد أمين.أ
acculturation
acculturation
Cultural Original Patterns
the other
theories of translation
l’altérité-otherness
acculturation
Abstract
Translation and acculturation… between self-migration and the
other’s rooting
107
its affiliated members, with its physical and sensory components, subs-
tituents, variables and properties- are subjected to influence, change
and mutation because of being in touch with the other who differs.
This is what have been established by various theories of translation
and its advocated trends from different intellectual backgrounds that
is otherness what should draw the attention of the translator, and any
translation has only a huge impact on the target audience. Thus, it
stands out the relationship of give and take within the simple realm
of the translated text. Our attempt is to simplify for the reader the
essence of acculturation and its fundamentals through the most no-
table samples taken from history full of such examples which have
managed -thanks to translation- to become worldwide models being
celebrated in every time and place.
Keywords: translation- acculturation- cultural original patterns-
otherness- self-migration- other’s rooting.
اﳌ ة للفعل ال ج بوصفه »اس اتيجية لتوليد الفوارق واقحام اﻵخر الذات ،إ ّ ا ما
يفتــح الثقافــة ،مــا يفتــح اللغــة ع ـ ا ــارج ،مــا يفتــح النصــوص ع ـ آفــاق لــم تكــن لتتوقع ــا
ً
و ﻻ تتوخا ا«) .(2وﻻ ع ذلك مطلقا ّأن ال جمة شاط عم فيه الفو و سيطر عليه
ً
العشــوائية ،بــل ع ـ العكــس تمامــا ثمــة إواليــات أساســية تخلص ــا مــن ذلــك ،و تضع ــا ـ
ســياق اسـ اتيجية ثقافيــة مضبوطــة إ ـ أ عــد ا ــدود.
ُ
ّإن ال جمــة فعــل إ ســا ي بالدرجــة اﻷو ـ عـ ّـرف ع ـ أ ــا قيمــة مضافــة إ ـ رصيــد
ّ
ل لغة/ثقافــة مســتقبلة .و قــد أثب ــث ــذه الظا ــرة و ﻻزالــت ّأن اﻹ ســان الســوي ﻻ بــد
مــن أن ينفتــح ع ـ اﻵخر ــن ع ـ جســور التواصــل ليتأثــر و يؤثــر ،و يأخــذ و عطــي .و شـ ل
ــذا التأث ـ و التأثــر ،اﻷخــذ و العطــاء مف ــوم اﳌثاقفــة الفاعلــة ال ـ تحــدد اﳌراكــز و اﻷدوار
ب ــن مختلــف الثقافــات بحســب شــيوع ا ،و مــدى بلــوغ اﻹنتــاج العل ـ و اﻷد ــي عند ــا .وﻻ
يمكــن أن تحــوز أمــة مــن اﻷمــم ع ـ ــذا الــدور الر ــادي ،اﳌتمثــل ـ اﳌشــعل ا ضــاري،
إ ـ اﻷبــد م مــا بلــغ صي ــا اللغــوي و الثقا ـ ،و ســقف انتاج ــا العل ـ و اﻷد ــي ،إذ ثمــة
ً
نظر ــة تقــول ّإن »ل ضــارة أطــوار و مراحــل و ّإن ل ـ ل طــور و مرحلــة شــعبا مــن الشــعوب
يحمــل مشــعل ا ضــارة ) (...إذ ل ــس باســتطاعة أي شــعب أن يحمــل ــذا اﳌشــعل إ ـ اﻷبــد
ً
...بــل ــو يأخــده مــن شــعب ســابق و ســلمه إ ـ شــعب ﻻحــق ) (...مســتفيدا مــن مجمــل
اﻻنجــازات ال ـ توصلــت إل ــا الشــعوب اﻷخــرى قبلــه«) .(3كمــا ﻻ يمكــن ﻷي أمــة مــن اﻷمــم،
ً ً
سـ ﻷن ت ــون طرفــا فاعــﻼ ـ ــذا ا ـراك الثقا ـ و ا ضــاري ،أن ت ـ وي ع ـ نفسـ ا،
ّ ً
وتتقوقــع بداخل ــا ظنــا م ــا أنــه الس ـ يل إ ـ اﻻســتمرار ،ذلــك ّأن ــذا اﻻنــزواء ســيقود إ ـ
ً
اﳌــوت ا تــم ،ف ـ ان لزامــا عل ــا إذن أن تمــد جســور ا ــوار و التبــادل مــع اﻷمــم اﻷخــرى
ّ
ح ـ يتــم التﻼقــح و اﻹخصــاب ﻷنــه قــدر محتــوم و ســنة ونيــة و قانــون طبي ـ و اجتما ـ
يؤطــر حيــاة الشــعوب كمــا لــو ّأن اﻷمــر يتصــل علــة دواؤ ــا طــب ا ضــارات الــذي يؤكــد ّأن
اﻻنــزواء و العزلــة ا ضار ــة ﻻ بــد أن يؤديــا إ ـ الذبــول و اﻻضمحــﻼل مثــل ا ســم الــذي
)(4
يتقــوت ع ـ ذاتــه مــن دون أي مــدد.
acculturation.II
اســتطاعت ا تمعــات ال شــر ة أن تﻼحــظ مختلــف وقا ــع و حــاﻻت اﻻحتـ اك ب ــن
العديــد مــن الثقافــات قبــل أن يظ ــر إ ـ الوجــود مف ــوم اﳌثاقفــة ) (acculturationبكث ـ ،
تفســره و لكــن ــذا الو ـ التــام بمثــل ــذه اﻻحت ـ ا ات لــم يخضــع لنظر ــات علميــة ّ
شرح ما يته ،بل ات أ مجمله ع أح ام تتصل باﻵثار اﳌ تبة ع مثل ذه التقار ات
ً ً
الثقافية .و قد اعت العديد من أولئك اﳌﻼحظ ن ّأن ذا اﳌزج الثقا عد سلبيا و مرضيا
حالــه حــال اﳌــزج البيولو ـ .و يمكــن التأر ــخ ل لمــة ) (acculturationبأ ّ ــا ظ ــرت العــام
1880ع ـ يــد جــون و س ـ بــاول ،John Wesley Powellإذ نجــد ّأن ا ــرف البــادئ )(a
109
مشتق من الﻼتي ية ) (adالدال ع حركة تنم عن )اﻻق اب من() .(5و مع حلول ثﻼث نات
ً
القــرن العشــرن ،شـ د ــذا اﳌف ــوم تطــورا ـ التفك ـ اﳌ ـ حــول ظا ــرة تﻼ ـ الثقافــات
ً
بفضــل ج ــود علمــاء اﻷن و ولوجيــا اﻷمركي ــن ،و منــه أصبــح التــداول ــذا اﳌف ــوم مقننــا.
وقــد قــام مجلــس البحــث ـ العلــوم اﻻجتماعيــة العــام 1936ـ الوﻻيــات اﳌتحــدة
اﻷمر كيــة بت ليــف نــة للقيــام بأبحــاث ترتبــط بوقا ــع اﳌثاقفــة .و قــد أصــدرت ــذه ال نة
)مذكــرة لدراســة اﳌثاقفــة( و ال ـ تمثــل ل مــا تــم جمعــه مــن مــادة علميــة ـ ــذا الشــأن.
عرفــت ذات اﳌذكــرة اﳌثاقفــة بأ ّ ــا »مجمــوع الظوا ــر الناتجــة عــن احتـ اك مســتمر و قــد ّ
و مباشــر ب ــن مجموعــات أف ـراد ت ت ـ إ ـ ثقافــات مختلفــة تــؤدي إ ـ غ ـ ات ـ اﻷنمــاط
)(6
الثقافيــة اﻷوليــة ل ماعــة أو ا ماعــات« .
وقــد م ّ ـ علمــاء اﻷن و ولوجيــا اﻷمركي ــن ب ــن مف ومــي اﳌثاقفــة و التغ ـ الثقا ـ
ﻷن اﳌثاقفــة ل ســت ســوى أحــد أش ـ ال التغ ـ الــذي تداولــه نظرا ــم ال يطانيــون ،ذلــك ّ
ً
الثقا ـ الــذي ســتجد ﻷســباب داخليــة .و ي ب ـ علينــا أن نم ّ ـ أيضــا ب ــن مف ــوم اﳌثاقفــة
ّ
ومف ــوم التماثــل الثقا ـ الــذي ينظــر إليــه ع ـ أنــه آخــر مرحلــة مــن مراحــل الفعــل التثاقفــي
ً ً
أيــن يتــم غي ــب ثقافــة جماعــة مــا غي بــا ائيــا واســتظ ار ثقافــة ا ماعــة اﳌ يمنــة
ً ً
اســتظ ارا ليــا.
ً ً
وقــد أسـ مت مذكــرة مجلــس البحــث ـ العلــوم اﻻجتماعيــة اسـ اما كب ـ ا ـ تأصيــل
ً
مجــال البحــث حــول اﳌثاقفــة و تحكيمــه بأعمــال نظر ــة املــة ،فنجــد مثــﻼ تص يف ــا
تلــف أنــواع اﻻحت ـ ا ات الثقافيــة واﻷســباب اﳌؤديــة إل ــا وال ـ تكمــن ـ :
ً
-تبعــا لوقــوع اﻻحتـ ا ات ب ــن ا موعــات ل ــا ،أو ب ــن سـ ان بأكمل ــم و مجموعــات خاصــة
من سـ ان آخر ن )البعثات الت شـ ية ،اﳌســتعمر ن ،اﳌ اجرن .(...
ً
-تبعا ل ون اﻻحت ا ات ودية أو معادية.
ً
-تبعــا ل ــون ــذه اﻻحت ـ ا ات تقــع ب ــن مجموعــات ت ســاوى ـ ا ــم ،أو ب ــن مجموعــات
مختلفــة ا ــم.
ً ً
-تبعــا ل ــون ــذه اﻻحت ـ ا ات تقــع أوﻻ ب ــن مجموعــات ثقافيــة ذات مســتوى واحــد مــن
التعقيــد.
ً
)(7
-تبعا ل ون ذه اﻻحت ا ات ت شأ عن اﻻستعمار أو ال رة.
ّإن من ب ن اس امات اﻷن و ولوجي ن اﻷمركي ن النظر ة حقل اﳌثاقفة تحليل م
ّ
مف ــوم اﳌيــل أو اﻻتجــاه ) (tendanceالــذي وظفــه ســاب Sapirمــن منطلــق لســا ي لتفسـ
طرحــه اﳌتمثــل ـ ّأن اﳌثاقفــة ل ســت مجــرد عمليــة تحــول ســيطة مــن ثقافــة إ ـ أخــرى،
بــل ّإن غ ّ ـ النمــاذج الثقافيــة البدئيــة يتــم عــن طر ــق اختيــار عناصــر ثقافيــة مق ضــة ،و
110
ً ً
الــذي يحــدث تلقائيــا تبعــا للميــل أو اﻻتجــاه العميــق للثقافــة اﳌق ضــة .فاﳌثاقفــة بالتا ـ ﻻ
غيب الثقافة اﳌق ضة و ﻻ أصول ا الداخلية .و قد اق ح ميلفيل س وفي س Melville ّ
ً ً
J. Herskovitsمف ومــا جديــدا ليو ـ مختلــف مســتو ات اﳌثاقفــة .يتمثــل ــذا اﳌف ــوم
عرفــه ب ونــه »العمليــة ال ـ يتــم مــن خﻼل ــا ـ إعــادة التأو ــل) (la réinterprétationالــذي ّ
سب الدﻻﻻت القديمة إ عناصر جديدة ،أو ال من خﻼل ا تقوم القيم ا ديدة بتغي
)(8
الدﻻلــة الثقافيــة لﻸشـ ال القديمــة« .
لقــد ركــز العديــد مــن الباحث ــن ع ـ مف ــوم البقــاء الثقا ـ )la survivance cultu-
(relleالــذي يتمثــل ـ قــدرة العناصــر الثقافيــة القديمــة ع ـ ا افظــة ع ـ نفس ـ ا كمــا
ـ و مــن دون غي ـ ـ الثقافــة ا تــواة .و قــد يحــدث أن يــؤدي ــذا الوضــع إ ـ نــوع مــن
الطبعنــة الثقافيــة ) (la naturalisation culturelleسـ العناصــر الثقافيــة القديمــة إ ـ
إثبــات اســتمرار ا ع ـ الرغــم مــن التغ ـ ات الظا ر ــة .و قــد ان ﻷعمــال روجيــه باس ـ يد
- Roger Bastideاﻷســتاذ و الباحــث الفر ـ ـ الثقافــة اﻷفروأمر كيــة -الــدور الر ــادي
ـ التعر ــف باﻷن و ولوجيــا اﻷمر كيــة ـ شــق ا اﳌتعلــق باﳌثاقفــة .كمــا ان لــه الفضــل
ً ً
الكب ـ ـ اﻻع ـ اف بميــدان ــذا البحــث بوصفــه حقــﻼ أساســيا مــن حقــول الثقافــة
واﻷن و ولوجيــا الثقافيــة .و ينطلــق روجيــه باس ـ يد ،ـ ـ يصه لظا ــرة اﳌثاقفــة ،مــن
ّ
مســلمة أنــه ســتحيل علينــا أن نفصــل ب ــن الدراســات الثقافيــة و الوضــع اﻻجتما ـ الــذي
تمخضــت عنــه ،و أعــاب ع ـ اﳌدرســة الثقافو ــة اﻷمر كيــة غيي ــا للعامــل اﻻجتما ـ
اﳌؤســس ل ـ ل حركــة ثقافو ــة.
عــارض روجيــه باس ـ يد ال ـرأي القائــل بوجــود مجموعت ــن ت ــون اﻷو ـ مجموعــة
معطيــة و اﻷخــرى مجموعــة متلقيــة ـ الظا ــرة التثاقفيــة ،بحيــث ﻻ يوجــد ـ نظــره ثقافــة
ً معطيــة أو ثقافــة متلقيــة ش ـ ل ثابــت و ا ـ ّ
ﻷن اﳌثاقفــة ﻻ ت ــون أبــدا أحاديــة اﻻتجــاه ر
ى ً
و ــو مــا دفعــه إ ـ اق ـ اح مفا يــم اصطﻼحيــة أخــر بــدﻻ مــن لمــة مثاقفــة ال ـ ﻻ ش ـ
ً
إ ـ ذلــك التأث ـ اﳌتبــادل و اﳌع ــوس ،فنجــده مثــﻼ يتحــدث عــن التداخــل الثقا ـ اﳌتبــادل
وتقاطــع الثقافــات.
ّإن انخراط ال جمة تفعيل ذا ا وار الثقا و تث يت ر ائزه ل س وليد التار خ
اﳌعاصر ،بل و فعل واكب تطور اﻷمم وا ضارات منذ إر اصاته اﻷو ،وإن ان يتخذ
ً
مفا يمــا متعــددة مــن بي ــا مف ــوم )اﳌقا ســة( الــذي نحتــه أبــو حيــان التوحيــدي )745ه(،
ً
و الــذي عت ـ اﻷبلــغ عب ـ ا عــن ــذا التفاعــل الثقا ـ ؛ لتتحــول ال جمــة و مع ــا اﳌثاقفــة إ ـ
)(9
» عب ـ مكثــف عــن ا تمــع ـ تحوﻻتــه اﻹ ســانية الشــاملة ،ع ـ اﳌســتو ات افــة« .
ّإن ل ترجمــة ـ باﻷســاس فعــل تثاقفــي بالدرجــة اﻷو ـ .و قــد ي ــون ــذا التثاقــف
ّ
إمــا بنــاء ـ مضمونــه و آثــاره ـ أن يجلــب معــه مــا يدعــم ال ـ اث القومــي ـ فكــره و فنــه بــل
111
ً
ـ ما يتــه ل ــا ،و إمــا ّدامــا يئــد اللــون الطبي ـ القومــي اﻷول شـ صفاتــه اﻷصيلــة مــن
صية و دي ية و أيديولوجية و غ ا ،ما يجعل ذا الوسط ال شري مجرد تا ع ﻻ أك .
و قــد عـ ّـرف م شــال دوكس ـ Michel De Costerــذه اﳌثاقفــة بأ ّ ــا »مجمــوع التفاعــﻼت
ال ـ تحــدث ن يجــة ش ـ ل مــن أش ـ ال اﻻتصــال ب ــن الثقافــات ا تلفــة التأث ـ و التأثــر و
اﻻســت اد و ا ــوار و الرفــض و التمثــل و غ ـ ذلــك ممــا يــؤدي إ ـ ظ ــور عناصــر جديــدة ـ
طر قــة التفك ـ و أســلوب معا ــة القضايــا و تحليــل اﻻش ـ اليات ،ممــا ع ـ ّأن ال كيبــة
الثقافيــة و اﳌفا يميــة ﻻ يمكــن أن تبقــى أو عــود بحــال مــن اﻷحــوال إ ـ مــا انــت عليــه قبــل
)(10
ــذه العمليــة« .
.III
لقــد شـ دت اﻹ ســانية ع ـ تار خ ــا ا افــل بال جمــة نمــاذج عديــدة ل ــذه اﳌثاقفــة
ال ـ أس ـ مت ـ تقر ــب الــرؤى و وج ــات النظــر ب ــن اﻷمــم و الشــعوب ،و إغنــاء تجار ــا
ا ضار ــة ،و توســيع آفاق ــا ،و إشــاعة ال ـ اث ال شــري ،و إتاحــة الفرصــة ميــع اﻷجنــاس
ً ً
لﻼطــﻼع عليــه و اﳌشــاركة فيــه .و لــم يكــن أبــدا متاحــا تلــف القوميــات أن ت ـ ز ذوا ــا
و ع ـ عمــا عتمــل بداخل ــا مــن دون ــذا التﻼقــح الثقا ـ ،إذ ّإن التعــدد اللغــوي ـ الكث ـ
مــن ا تمعــات و التنــوع اﻹثنوغرا ـ ف ــا يديــن شـ ل كب ـ إ ـ ارتحــال اﻷنــا نحــو اﻷنــا اﻵخــر
و العكــس .و مــا يضفــي شــرعية أك ـ حيــال ذلــك ــو ت اثــف ا ــوذ و مشــاركة ل اﻷطـراف
ـ ــذا اﻻرتحــال مــن ضفــة إ ـ أخــرى» ،فح ـ لــو أمكــن ﻷمــة مســتقلة منفــردة أن ت تــج
وتبــدع و عطــي ،إﻻ ّأن اﻻحتـ اك و التﻼقــح و التعــاون والتبــادل يضاعــف كميــة اﻻنتــاج،
)(11
و رفــع نوعيــة اﻻبــداع ،و يوســع ســاحة العطــاء« .
ّإن مــن اﻷمثلــة التثاقفيــة ال ـ أصبحــت عاﳌيــة بفعــل ال جمــة تجر ــة وم ـ وس
Homèreو اﻹليــاذة ) .(The Iliadعــاش وم ـ وس ـ أواخــر القــرن التاســع قبــل اﳌيــﻼد
عــد ان ــاء حــرب طــروادة و قبــل ازد ــار الشــعر الغنا ــي بقــرون ،فاعتمــد ـ وصفــه ﻷحــداث
ــذه ا ــرب ع ـ الروايــات ال ـ ســمع ا و اﻵثــار ال ـ شــا د ا ـ ر ــوع اليونــان ثــم عــرض
ذلــك ـ قالــب قص ـ و أســلوب روا ــي يجمــع ب ــن ا قيقــة وا يــال.
ً ً
لقــد ان وم ـ وس لليونــان معلمــا ورســوﻻ جمــع شــمل م و غ ـ بتار ــخ أســﻼف م
ً ً
فبعث ض م و أوجد م م أمة قو ة .و قد أ ب به اﻷمراء و اﳌلوك إ ابا شديدا حال
اﻹسكندر الذي انت اﻹلياذة كتابه اﳌفضل الذي ﻻ يفارقه .كما اقتفى البطالسة أثره
تمجيد الشاعر ،فا تم بطليموس الثا ي بجمع أشعاره ،و أمر بطليموس الرا ع عبادته و
ً ً
تأل ه .و ان وم وس نموذجا لشعراء الرومان أيضا ،إذ بدؤا ب جمته إ لغ م و اعت وا
مﻼحمــه أول اﻷعمــال اﻷدبيــة ال ـ يجــب تﻼو ــا .ولــم يبــدأ القــرن اﻷول قبــل اﳌيــﻼد ح ـ
ً
أصبــح تأث ـ وم ـ وس شــامﻼ ـ اﻷدب الﻼتي ـ و ـ جميــع اﳌؤلفــات .وزالــت اﻹم اطور ــة
112
ــو مــن أحســن الكتــب ـ تقو ــم اﻷخــﻼق بالعظــة و ر اضــة العقــول با كمــة .كتبــه باللغــة
ً ً
الس ســكر ية بيدبــا ال نــدي لد شــليم اﳌلــك منــذ عشــر ن قرنــا و نيفــا ع ـ ألســنة ال ائــم
ً
و الطيــور ،و عقــده ع ـ اث ـ عشــر بابــا ثــم ترجــم إ ـ الف لو ــة ،و نقلــه ابــن اﳌقفــع ع ــا إ ـ
العر ية .و قد تنافست اﻷمم ا ادة ادخار ذا الكتاب منذ أن كتب ،و حرصت ع أن
تنقلــه إ ـ لغ ــا.
ا ســمت ترجمــة ابــن اﳌقفــع للكتــاب بخصوصيــة ظرف ــا الزما ــي و اﳌ ا ــي ،حيــث
ً
أضــاف عــض القصــص مــن ـ تأليفــه و عـ ّـدل ـ عض ــا ،و أكســب اﳌ جــم م ــا روحــا
)(14
جديــدة أضاف ــا أســلو ه اﳌشــوق و عرضــه الرا ــع.
وﳌــا انــت حاجــة اﻹ ســان إ ـ الرحيــل و ال حــال ب ــن ر ــوع اﻷرض ل ــا ألــف
ً ً ً ً ً ً
ع شــا جديــدا ،وأحــب أدبــا بد عــا ،ول ــس ثو ــا يجــا ،فب جمــة ألــف ليلــة و ليلــة تخلــص
الفر ســيون مــن قبضــة العقــل التنو ر ــة لفولت ـ voltaireو أتباعــه و صرام ــم و يمن ــم
ً ع مجتمع بال امل؛ و ّ
عرف م بأدب جديد ما انوا ليعرفوه أبدا لوﻻ ال جمة .فاك شفوا
ً
بفضل ــا ـ ر الليا ـ الــذي ﻻ ي ت ـ بفعــل العاطفــة و ا مــال و ا رافــة بــدﻻ مــن العقــل
و أغﻼلــه ،و ﻻمســوا ذلــك ا انــب ا فــي يــاة ال شــر افــة :ال شــوة و ا ــس ) ـ قصــة
ً
ا ّمــال و البنــات الثــﻼث مثــﻼ( ،و اختــﻼط العبيــد باﻷســياد ،و ارتقــاء النفــس اﻹ ســانية إ ـ
قمــم الفظاعــة وال ـ وات.
ول ــس ــذا فحســب ،بــل عكــف اﻷور يــون ع ـ جمــع آدا ــم الشــعبية و تص يف ــا
ـ مجموعــات ،ففــي فر ســا شــرت ح ايــات شــعبية و خرافيــة كث ـ ة مســتمدة مــن اﻷدب
اﳌــروي ـ اﻷر ــاف :أعيــد طبــع مجموعــة شــارل ب ـ و ((Charles Perrautالشـ ة ،و شــرت
مجموعــة ل ســن ،((De Lusinو مجموعــة اﻵ ســة دولي ـ ت ،((De Lubertو مجموعــة
املتــون ،((Hamiltonو ل ــا مستق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاة مــن مصــادر شــفو ة ر فيــة أعيــدت صياغ ــا
ق )(15
بأســلوب جميــل مشــر .
وقطعــت ح ـ الليا ـ التخــوم الفر ســية ،ففــي أﳌانيــا شــر اﻷخــوان جر ــم ) عقــوب
و فل لــم( ســنة 1812مجموعــة مــن القصــص الشــع سـ )ح ايــات اﻷطفــال و الب ــت(،
واعتمــدا ـ عمليــة ا مــع ع ـ مصــادر شــفو ة شــعبية .و لقــد اع فــا ـ عليق مــا ع ـ ــذه
ا موعة أ ما استمدا من ألف ليلة و ليلة أصول ثمان من ذه ا ايات الصياد و
زوجته ،اﳌاكر و ســيده ،ســتة يدرعون الدنيا ،جبل الذ ب ،الطيور الثﻼثة ،ع ن ا ياة،
الــروح ـ الزجاجــة ،حبــل) .(16و انــت ــذه ا ركيــة اﻷدبيــة بمثابــة ا طــوة اﻷو ـ ـ ظ ــور
مذ ب الرومان يكية ع أور ا.
ً ً
مــن نــا أخــذت قصــص ألــف ليلــة و ليلــة طا عــا عاﳌيــا ،إذ ذاع ص ــت عــﻼء الديــن
114
واﳌصباح ال ري ،و السندباد و رحلته ال يبة ،و مغامرات ا ن و الغيﻼن .و انتقلت
شـ رزاد ،اﳌـرأة الشــرقية ا ميلــة و الذكيــة ،إ ـ بــﻼط ملــوك أورو ــا و قصور ــم اﳌتعاليــة
فغ ت نظرة مجتمعات بأكمل ا إ الذات ال شر ة .و لقد »حملت ش رزاد ألف ليلة وليلة
الكث ـ مــن أحﻼم ــا وحركيا ــا و شـ و ا اﳌكبوتــة و غ ـ اﳌكبوتــة ال ـ شـ ل ـ مجموع ــا
ً
تمــردا ع ـ الســلطة و النظــام و القانــون غيــة التخلــص م ــا .و ركبــت ا اطــر لتتحــرر ولــم
ً
)(17
يكــن ذلــك ممكنــا لــوﻻ جــذور الرفــض ال ـ ـ أعماق ــا« .
وقد أس م أنطوان جاﻻن Antoine Gallandو معاونيه أن تتعزز م انة ش رزاد
بليال ــا ـ ا تمعــات اﻷورو يــة ،و ــو مــا جعــل ــذا القــرن عــرف بقــرن ش ـ رزاد مصــدر
ً
اﻹل ــام و الو ـ .و قــد مكنــت ــذه ال جمــة أيضــا مــن التعــرف أك ـ ع ـ العالــم الشــر ،
ف ـزاد اﻻ تمــام بالدراســات الشــرقية ،و شــأت مدرســة املــة ع ـ بدراســته و اســتقصاء
أخبــاره .و ع ـ الرغــم مــن ّأن قصــص ألــف ليلــة و ليلــة تضمنــت العديــد مــن جوانــب ا يــاة
شــق ا الثقا ـ و اﻻجتما ـ الســائدة لــدى الشــرقي ن ـ ا قبــة الزمنيــة ال ـ كت ــت ف ــا،
ً
إﻻ ّأن ذلــك ﻻ ير ـ أبــدا إ ـ مســتوى التعميــم و اﳌطابقــة ال ـ تف ـ ع ــا رؤ ــة الكث ـ مــن
كتــاب أورو ــا ـ توظيفا ــم ا تلفــة) .(18و ــذا اﻻعتيــاص ع ـ اﻷدبــاء الغر ي ــن ـ تمثيــل
نفــس اﳌــادة ا ائيــة الغز ــرة ال ـ حــوت غرائــب اﻷخبــار و ائــب اﻷمصــار مــن عفار ــت
و ـ رة و إباحيــة قابلــه ولــوج سـ ل لشـ رزاد اﳌـرأة الرمــز إ ـ ثقافــة بأكمل ــا ،مــن دون أن
تحمــل أي ســﻼح ،أو أن ع ـ ض طر ق ــا أي مقاومــة أو كفــاح ،لتن ـ ش ـ رزاد خــﻼل مــدة
قص ـ ة » ـ تحقيــق مــا فشــلت بــه ا يــوش خــﻼل ا ــروب الصلي يــة .لقــد غــزت العالــم
اﳌســي معتمــدة ـ ذلــك ع ـ القــوة الوحيــدة ال ـ تملك ــا ،أي قــوة ال لمــات ،فانقــاد
اذبي ــا الز ــاد ال اثوليكيــون و ال و ســتان يون واﻹغر ــق واﻷرثوذكســيون تباعــا .(19)«...
لي ــون بذلــك كتــاب ألــف ليلــة و ليلــة ،ع ـ حــد عب ـ أنــدري جيــد André Jideأحــد أم ــات
الكتــب العاﳌيــة ،ال ـ حصر ــا ـ ثــﻼث ،إ ـ جانــب الكتــاب اﳌقــدس وأشــعار وم ـ وس.
و انت بداية تأث ش رزاد ع من حول ا تأث ا ع اﳌلك ش ر ار نفسه ،إذ تحول
من قاتل شره إ سامع م شوق ،واستطاعت بفضل حنك ا و ذ ا ا أن عيد للمرأة عنده،
و لــو لبعــض الوقــت ،اﳌ انــة الطبيعيــة ال ـ ســتحق ا ،و خلص ــا مــن وصــف اﳌـرأة القر ــان
كمــا ـ الطقــوس الدي يــة القديمــة؛ و أصبــح الشــغف لــه ،عنــد الكث يــن عــد أن تذوقــوا
مع ا يال و ال ر و تخلصوا من مظا ر ال آبة و السأم ،معرفة ما ي تظر ا من مص
عــد ان ــاء الليا ـ .و نــا راح اﻷدبــاء اﻷورو يــون ي ـ ون ايــة عالــم شـ رزاد الســاحر بمــا
ً
يتوافق و قناعا م الذاتية أوﻻ ،ثم مع رؤى ا تمعات الســائدة ذلك العصر و روح ا.
ً
و قــد ان تجــاوب اﳌـرأة اﻷورو يــة مــع شـ رزاد كب ـ ا للغايــة ،كيــف ﻻ و ـ صاحبــة الفضــل
ـ أن عرف ــا أك ـ بأنوث ــا ،و لقن ــا كيــف تخطــو نحــو اﻷمــام و ل ــا ثقــة بالنفــس .يــرى جــون
115
ً ً
جوﳌب ـ ّ John Jeanlambertأن » ـ صية ش ـ رزاد أثــرت تأث ـ ا حاســما ـ تار ــخ اﳌ ـرأة
اﻷورو يــة .و جعلــت القــرن الثامــن عشــر أعظــم القــرون ـ حيا ــا ،و ان مال ــا و ثق ــا
بنفسـ ا و تصد ــا و تحد ــا لشـ ر ار الــذي قــد ــز ل الرجــال أن يوقظــوه و اســتخدام ا
ً
)(20
لسﻼح اﻷنوثة و اﳌعرفة معا .ان ل ذا له أثر كب ت و ن صية اﳌرأة اﻷورو ية« .
و انــت ســاء الطبقــة الراقيــة مــن مرك ـ ات و ونت ســات و أم ـ ات أول مــن عرفــن
ً ً
شـ رزاد عنــد ارتحال ــا إ ـ فر ســا .و قــد شـ ل ذلــك منعرجــا حاســما ـ تار ــخ ا يــاة اﻷدبيــة
ﻷن موضــة الصالونــات اﻷدبيــة ـ تلــك الف ـ ة انــت مقتصــرة ع ـ و الفكر ــة بفر ســا ،ذلــك ّ
أولئــك ال ســوة دون ســوا ن ،بــل انــت ســيدات الطبقــة الراقيــة تملك ــا ل ــا .و انــت ــذه
الصالونــات اﻷدبيــة فضــاء للتعــارف و ا ديــث عــن مســتجدات الســاحة اﻷدبيــة و الفكر ــة
و الفنيــة ،و مــن ثــم نقــد أ شــط ا و تقييم ــا ،و تقليــد أوســمة الش ـ رة ﻷ ا ــا ،بــل أك ـ
ق )(21
مــن ذلــك لــه ،انــت عمــل ع ـ شــر الفكــر ا ديــد متحكمــة ـ معاي ـ التــذو .
لقــد أسـ مت الكث ـ مــن ســيدات فر ســا ،عــد أن اســتفدن مــن تجر ــة شـ رزاد ،ـ
الدفع با ركة اﻷدبية نحو اﻷمام ،إذ م ن من كن شــاعرات ينظمن الشــعر و يقرأنه ع
الوافديــن عل ــن ،و م ــن مــن كــن م جمــات كمــدام داســيه Madame Dacierم جمــة
وم ـ وس ،و م ــن مــن كــن ذوات ميــول إ ـ الكتابــة ،و ــو حــال الروائ ت ــن دوجوم ـ و
ّ
ودوفيليــدو اللتــان ضر تــا ـ كتابا مــا با يــاء و اﻻح شــام عــرض ا ائــط عنــد حدي مــا
عــن ا ــب و ا ــس ،و ال ونت ســا دولنــوا D’enoloyال ـ برعــت ـ مجــال كتــب اﻷطفــال
ً
وأدب اﳌراســﻼت الذي اق ب من نمط ن أدبي ن ســي ون ل ما ﻻحقا شــأن كب ما السـ ة
)(22
الذاتيــة والروايــة.
ــذا عــن اﻻســتقبال الفكــري الباط ـ لش ـ رزاد و ح ايا ــا ،أمــا عــن اﻻســتقبال
الشــك الظا ــري فقــد اقتصــر ا تمــام عــض الســيدات الفر ســيات ع ـ أش ـ ال الز نــة
اﳌبالــغ ف ــا حســب مــا عــودن عليــه ،أي بتلــك ا وانــب ا ســية و الشـ لية اﳌغر ــة .و نــا
ً
فقــدت ش ـ رزاد خصال ــا الفكر ــة و النظــرة الثاقبــة ،فعاشــت غر ــة و اســتﻼبا حقيقي ــن،
ولــم تختلــف عــن أولئــك ال ســوة ب ســر حات شــعر ن اﳌث ـ ة ،و أل سـ ن و حل ــن الزا يــة.
ً ً ً
وقــد شـ ل ذلــك واقعــا مز فــا لشـ رزاد و ت لفــا لــم ع د مــا مــا أدى إ ـ تجر د ــا مــن و ــا.
و»الواقــع ّأن الفر ســي ن لــم يأ ــوا إﻻ بمشــا دة اﳌغامــرة و الغـرام ـ ألــف ليلــة و ليلــة الــذي
)(23
انحصــر ــو اﻵخــر ـ الز نــة و لغــة ا ســد شـ ل يبعــث ع ـ اﻻســتغراب« .
ولــم يقتصــر تأث ـ ش ـ رزاد ع ـ اﳌ ـرأة الفر ســية فحســب ،بــل عــداه إ ـ الرجــل
ً
الفر أيضا بوصفه اﻷديب و الفنان و الرسام والفيلسوف و اﳌوسيقي .و قد تأثر أدباء
القرن الثامن عشر بالعالم ال ائ و اﻷسطوري ا ارق الذي جلبته ش رزاد مع ا عند
ارتحال ــا مــن الشــرق إ ـ الغــرب ،بــل حــاول الكث ـ م ــم تقليــده و توظيــف رمــوزه ا تلفــة .و
116
ً
ما ساعد ع ذلك و ّأن الساحة الفر سية انت ش د العديد من اﻷحداث بدءا » ش
ألــوان الص ـراع ضــد اﳌلكيــة و الثــورة ع ـ مفاســد ا ،و ع ـ ذلــك انــت الفرصــة مواتيــة
النيل من اﳌلوك و ال ر ة م م، ﻻستخدام ش رزاد و ايحاءا ا ا صبة ال ﻻ ت ت
و ــو مــا تحــددت بــه م مــة الســيدة العر يــة الغامضــة اﳌث ـ ة ـ ل آداب القــرن الروما ـ .
)(24
«
كمــا أتاحــت ليا ـ الشــرق لﻸدبــاء الفر ســي ن فرصــة ال ــروب إ ـ عالــم جديــد ملــؤه
ال ـ ر و ا يــال موظف ــن ذلــك ـ كتابا ــم ومحاول ــن بالتا ـ رســم مســتقبل جديــد
للمجتمع الفر ـ .و قد قام ديدرو Diderotمؤلفيه الطائر اﻷبيض )(l’oiseau blanc
و ا وا ر اشفة السر ) (les bijoux indiscretsبالنقل من ش رزاد ل ل ما يخدم أف اره
ً
السياســية و اﻻجتماعيــة و الدي يــة .و تأثــر فولت ـ Voltaireبح ايــا الشــرق أيضــا ،إذ حظــي
ّ
ــذا اﻷخ ـ بم انــة مم ـ ة ـ كتاباتــه ،بــل إنــه قــد عمــد ـ الكث ـ مــن اﻷحيــان إ ـ اﳌقارنــة
ً
ب ــن ا ضــارة الشــرقية و ا ضــارة الغر يــة مس شـ دا ـ ذلــك باﻷجــواء الشــرقية و اﻷ عــاد
ً
اﻻجتماعيــة و الثقافيــة القا عــة مــن ورا ــا .وقــد تمكــن فولت ـ ،انطﻼقــا مــن ذلــك لــه ،مــن
إشــاعة أف ـ اره ال بو ــة و الفلســفية واﻻجتماعيــة خاصــة ـ مؤلفــه صدي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق أو القــدر
) (Zadig ou la destinéeحيــث قــارن ب ــن عاﳌ ــن مختلف ــن ـ اﳌا يــة مــا عالــم الشــرق
اﳌفعــم با كمــة ،وعالــم الكن ســة اﳌمت ـ بالكتــب؛ و ــو الكتــاب نفســه الــذي أ ــداه فولت ـ
إ ـ الســيدة الشــرقية.
لقــد انــت لقصائــد حافــظ الش ـ ازي ،أك ـ شــعراء الفارســية ،تأث ــا القــوي ـ
التقر ب ب ن اﳌسلم ن و ال ا مة ال ند ع ما بي م من صراع ،حيث يمن شعره ع
ً
العراق و فارس باسطا سلطانه ما ب ن غداد و البنغال .و برزت شعره الروح اﻹ سانية
ال ـ تجــاوزت اﳌظ ــر العنصــري القومــي الضيــق اﳌوجــود عنــد عــض شــعراء الفارســية ،بــل
يظ ر بوضوح تقديره للغة العر ية و آدا ا ال ل م ا و تأثر ا ،ودراسته للشعر العر ي
ا ا ـ و اﻷمــوي و العبا ـ ،و حفظــه القـرآن الكر ــم مــع التجو ــد بقـراءات متعــددة .ثــم
امتــد ســلطان حافــظ مــن ال نــد إ ـ إنجل ـ ا مــع ســيطرة اﻻســتعمار ال يطا ــي ع ـ ال نــد ـ
ً ً
القــرن الثامــن عشــر .و ترجمــت غزلياتــه إ ـ اﻹنجل يــة شــعرا و ن ـ ا و تبع ــا ترجمــات إ ـ
ً
اﻷﳌانية .و قد قام الشاعر اﻷﳌا ي غوته Goetheبإ دائه ديوانه الغر ي الشر عب ا عن
شدة تأثره به .و ع ّ الفيلسوف ني شه Nietzscheعن إ ابه بالش ازي بتوجيه خطابه
قائﻼ» :أنت ذاتك :ﻻ ء و ل ء ،غاية الفقر أنت ،أغ من الوجود ،و تح ق ً
له
)(25
نار كمالك فتخرج من النار ل مرة وأنت أكمل« .
بلغــت ش ـ رة العالــم اﻹســﻼمي الفرا ــي )339ه( ـ إجــادة عــدد كب ـ مــن اللغــات
ّ
اﻷجن يــة درجــة منقطعــة النظ ـ ،ح ـ ّأن الكث ـ مــن اﳌؤرخ ــن قــد ذكــروا أنــه ان عــرف
117
ســبع ن لغــة .و ــذا الرقــم يــدل ع ـ مبلــغ ش ـ رته ب ــن معاصر ــه بتمكنــه مــن معظــم لغــات
الكتابــة و ا ديــث الســائدة ـ عصــره ،و خاصــة ال كيــة ،و ـ لغتــه اﻷصليــة ،و الفارســية
و اليونانيــة ال ـ يتحــدث ع ــا ـ كتبــه حديــث العالــم ا ب ـ .و قــد وصــل ـ إحاطتــه باللغــة
ّ
العر ية ،و ل ســت لغته اﻷصلية ،أنه ان ينظم ا الشــعر .و عت الفرا ي ا قيقة
اﳌؤســس الفع ـ للدراســات الفلســفية ـ التار ــخ اﻹســﻼمي ،واﳌ ـ اﻷول ﳌــا ســميه اﻵن
الفلســفة العر ية ،فقد شـ ّـيد ب يا ا و وضع اﻷســاس ميع فروع ا ،و و أعرف فﻼســفة
اﻹســﻼم بتار ــخ الفلســفة و نظر ــات الفﻼســفة ،إذ يتحــدث ـ مؤلفاتــه حديــث العــارف
ً
)(26
باﳌــدارس اليونانيــة و يب ّ ــن الفــوارق بي ــا محــاوﻻ التوفيــق ب ــن أفﻼطــون وأرســطو.
كمــا ان أبــو حيــان اﻷندل ـ )745ه( ،صاحــب البحــر ا يــط ـ تفس ـ الق ـرآن
ّ ً
الكر ــم ،ملمــا ببعــض اللغــات اﻷجن يــة ا شــية ،و الفارســية ،و ال كيــة .و قــد ألــف ـ
قواعــد ــذه اللغــات ،فكتــب ـ ال كيــة )اﻹدراك ـ لســان اﻷتـراك( ،و )ز ــو اﳌلــك ـ نحــو
ال ـ ك( ،و )اﻷفعــال ـ لســان اﻷتـراك( .و ـ الفارســية )منطــق ا ــرس ـ لســان الفــرس(،
و ـ ا شــية )جــﻼء الغ ــش عــن لســان ا ــش(.
أما عن ابن رشــد )595ه( فكتب ثﻼثة شــروحات ﳌؤلفات أرســطو ،و أدخلت كتبه
ـ م ــاج جامعــة بار ــس و ا امعــات اﻷخــرى ح ـ م ـ ء العلــوم التجر يــة ا ديثــة .عــد
)ا امــع( اﻷقصــر مــن بي ــا ،و يمثــل خﻼصــة للموضــوع و اس ـ ند إليــه ـ عليــم الطلبــة
ً
اﳌبتدئ ــن .ثــم كتــاب )الت يــص( أوســط ا مــا ،و تــم اعتمــاده ـ تدر ــس الطلبــة الذيــن
خصــص لتدر ــس طلبــة الدراســات لد ــم إﳌــام باﳌوضــوع ،فكتــاب )التفس ـ ( ثال ــا الــذي ّ
العليــا و طالــت فيــه شــروحه مــع إسـ ام أصيــل سـ ب اعتمــاده إ ـ درجــة كب ـ ة ع ـ تحليــل
ابــن رشــد مــع تفسـ اته للمفا يــم القرآنيــة.
أس م ابن رشد بكتاباته حقول الفلسفة و اﳌنطق و الطب و اﳌوسيقى والفقه،
ولــه كتــاب ــام عنــوان )كتــاب ال ليــات ـ الطــب( أتمــه قبــل عــام ،1162و اشـ رت ترجمتــه
الﻼتي يــة عنــوان ) (Colligetأي ال ليــة أو ا موعــة ،و فيــه ألقــى ابــن رشــد الضــوء ع ـ
مختلــف جوانــب الطــب بمــا ـ ذلــك ال ـ يص و عــﻼج اﻷمـراض و الوقايــة م ــا .و وصلــت
مؤلفاته الطب إ عشر ن كتاب .عد ابن رشد أحد أعاظم اﳌفكر ن و العلماء القرن
الثا ــي عشــر ،حيــث ترجمــت مؤلفاتــه إ ـ لغــات ش ـ م ــا الﻼتي يــة و اﻹنجل يــة واﻷﳌانيــة
ّ
و الع يــة .وقــد أثــر ابــن رشــد ـ الفكــر الغر ــي مــن القــرن الثا ــي عشــر ح ـ القــرن الســادس
ً
عشــر ،وحظــي بتقبــل عظيــم ـ الغــرب ،و مــا يـزال يوجــد مــن مؤلفاتــه ســبعة وثمانــون كتابــا.
وعــن تأث ـ قصــة ـ بــن يقظــان ﻻبــن طفيــل ـ أورو ــا فيمكــن القــول أ ّ ــا انــت أوفــر
ً
الكتــب العر يــة حظــا مــن التقديــر والعنايــة ـ العصــر ا ديــث ،إذ نــاك شــابه يلفــت
اﻻن بــاه ب ــن كتــاب اﻷب ال ســو بال ـ ار جرثيــان Baltazar Gracianالــذي شــر ـ ســنة
118
1650عنــوان ) .(El Criticorلكــن ثمــة ســؤال يطــرح نفســه بإ ــاح :كيــف عــرف جرثيــان
بقصــة ـ بــن يقظــان و ترجمــة ادوارد بو ــوك Edward Pocokeلــم تظ ــر إﻻ ســنة،1681
و لم ي شــر النص العر ي إﻻ ســنة ،1681أضف إ ّأن جرثيان لم يكن عرف العر ية؟
و ظ ــر كذلــك ال شــابه ب ــن ـ بــن يقظــان و قصــة رو ســون كــروزو Robinson
Crusoeلصاح ــا Daniel de Foeال ـ شــرت ســنة 1719أي عــد ظ ــور ترجمــة بو ــوك.
ً
و يبــدو التأثــر ــا ـ الفكــرة العامــة وا ــا .و ــا ـ تتوا ـ الدراســات حول ــا ـ أورو ــا منــذ
منتصــف القــرن التاســع عشــر ح ـ اليــوم و بمختلــف اللغــات.
لقــد اق ـ ن ا ديــث عــن مار ــو بولــو Marco Poloالبند ـ با ديــث عــن بــن
بطوطــة الطن ـ لــدى ل الذيــن ا تمــوا بالرحالــة ،و خاصــة عنــد علمــاء الغــرب .لقــد ان
مــن حق ــم أن يفعلــوا ،إذ ّأن اﻷول ــو الــذي قصــد -قبــل نحــو ســت ن ســنة مــن تحــرك بــن
بطوطــة -بــﻼد الشــرق اﻷق ـ و ـ لت مذكراتــه ال ـ انــت محــل عليــق واســع .لكــن
اﳌﻼحــظ ّأن رحلــة بــن بطوطــة ا ســع فضاؤ ــا أك ـ ممــا ان اﻷمــر بال ســبة لرحلــة مار ــو
بولــو عــﻼوة ع ـ ا صيلــة العلميــة ال ـ انــت تختلــف مــن الواحــد إ ـ اﻵخــر .ومــن اﳌﻼحــظ
ً
أيضــا ّأن بــن بطوطــة ان يتأقلــم ســرعة زائــدة ،ف ــو يتعلــم اللغــة ال ـ يت لــم ــا القــوم
ﻷن الفارســية الذيــن ي ـ ل ســاح م .و قــد بــدأ يف ــم اللغــة ســية قبــل أن يتعلــم ال كيــة ّ
الفار
انــت من شــرة ـ اﳌنطقــة ل ــا ح ـ ـ بــﻼد الص ــن ،و يكتــب اللغت ــن بحــروف عر يــة ع ـ
ّ
مــا ان عليــه ا ــال ...و ـ ســائر ا ــاﻻت فإنــه لــم يكــن شــعر بمركــب نقــص و ــو ســتع ن
ب جمــان ينقــل عنــه مــا ير ــد أن يقــول ،و ســاق ـ ــذا الصــدد عــض النكــت ال ـ وقعــت لــه
)(27
مــع عــض ال اجمــة مــن الذيــن ّيدعــون أ ّ ــم يحســنون اللغــة !
وقــد ان اﳌس شــرق اﻷﳌا ــي يو ــان لودفيــج بورك ــارتJohann Ludwig Buc-
ّ
khardtأول مــن أثــار ان بــاه أورو ــا حــول رحلــة بــن بطوطــة ـ أعقــاب اﳌ مــة ال ـ لــف ــا
ّ
ـ إفر قيــا العــام .1809وأنصــف بورك ــارت الرحالــة اﳌغر ــي بــن بطوطــة عندمــا وصفــه
بأعظــم رحالــة يقــوم ب ـ يل مذكراتــه ـ العصــر الوســيط .و ـ الش ـ ادة ال ـ ز ا ــا
ال وف ســور أنــدري ميكيــل André Miquelعــد قــرن و ثﻼثــة أر ــاع القــرن ع ـ نحــو مــا
ان مــن ال اتــب اﻹنجل ـ ي تومــاس ج .أب كروم ـ Thomas J.Abercrombieواﻷ ادي ـ
الفر ـ جــان دورميصــون ).Jean D’ormesson (28
القيم )تار خ اﻷدب ا غرا ذكر اﳌس شرق الرو أ.يو.كرا ش وفس ي كتابه ّ
ّ
العر ــي( الــذي ترجمــه صــﻼح الديــن عثمــان اشــم الرحالــة بــن بطوطــة بقولــه إنــه منافــس
ً
خط ـ ﳌعاصــره اﻷقــدم منــه تار خــا مار ــو بولــو .و مــن الطبي ـ ّأن بــن بطوطــة الطن ـ ان
لــه إحســاس فطــري ذا ــي بظــروف حضــارة العالــم الــذي يصفــه أك ـ ممــا ان لــدى مار ــو
بولــو البند ـ ،و ّإن وصــف الرحالــة اﳌســلم ــط سـ رحلتــه ان أد ـ إ ـ الثقــة ممــا عليــه
119
باﻹضافــة إ ـ العديــد مــن اﳌفا يــم الفلســفية للغزا ـ قبــل أن يكتــب ال وميديــا اﻻل يــة.
ــذا عــن أدب الرحلــة ،أمــا فيمــا يخــص قصــص ا يــوان فقــد ان ل جمــة ليلــة
ودمنــة أثر ــا البالــغ ـ اﻵداب اﻷورو يــة الــذي يبــدو وا ـ اﳌعالــم ـ أك ـ مــن أدب أورو ــي.
ومن أبرز ما كتب ذا الصدد خرافات ﻻفونت ن القرن السا ع عشر ،و القصص
ال ـ أمتعــت و ﻻ زالــت القـراء الفر ســي ن و اﻷورو ي ــن ع ـ حــد ســواء.
و ـ العصــر ا ديــث ســطر أديــب اﳌ ــر ج ـ ان خليــل ج ـ ان را عتــه )الن ـ (
ً ً
باللغــة اﻹنجل يــة ،و نالــت إقبــاﻻ ائــﻼ مــن خــﻼل ترجم ــا إ ـ مــا يز ــد عــن 20لغــة .وأبــدع
ف ا ج ان من خﻼل 26قصيدة شعر ة وردت ع لسان ن سماه اﳌصطفى .و تضمنت
رســالة اﳌتصــوف اﳌؤمــن بوحــدة الوجــود ،و تنــاول مــن خﻼل ــا العﻼقــات اﻹ ســانية وأفـ اره
حــول ا ــب وا ر ــة والرحمــة و العقــاب و الديــن و ا يــاة و اﳌــوت.
تقــول ســوزان باســن ت ،Susan Bassnettأحــد أ ــم منظــري ال جمــة ،أنّ
ماي ـ ل كرون ــن Michael Croninقــد ســلط الضــوء ـ أحــد كتبــه الرا عــة ع ـ عﻼقــة
ـأن ل مــن الرحالــة و اﳌ جــم ـ حــوار متأصــل مــع أدب الرحــﻼت بال جمــة ،و ــو يذكرنــا بـ ّ
الثقافــات و اللغــات اﻷخــرى .و قــد اســتخدم مايـ ل كرون ــن مصط ـ البــداوة )(nomadism
ﳌناقشــة أوجــه ال شــابه ب ــن ال اتــب الرحالــة و اﳌ جــم ،إذ يقــوم كﻼ مــا بنقــل الغ يــة
) (l’altérité-othernessغيــة أن تصبــح مقبولــة و متداولــة مــن قبــل الق ـراء ـ الثقافــة
ّ
اﳌســتقبلة .عت ـ اﳌ جــم و ال جمــان -اللــذان ي تقــﻼن مــن تخصــص إ ـ آخــر ،و مــن لغــة
ت ت ـ إ ـ الثقافــة العامــة إ ـ لغــة منغلقــة ت ت ـ إ ـ الثقافــة اﳌتخصصــة -ممارسـ ن باﳌع ـ
الثقا ـ و اﳌوســو للســفر ،لثقافــة ثالثــة شــاملة ـ ل ســت فقــط مــن أقطــاب العلــوم
اﻹ ســانية الكﻼســيكية ،و لكــن ت ت ـ إ ـ العديــد مــن ا ــاﻻت اﻷخــرى ال ـ تبحــث عــن
)(31
ما يــة اﻹ ســان ،و ــذا مــا يــؤدي مــا إ ـ جلــب اﳌعلومــات مــن م ـ ان ق ـ آخــر.
ً ً
عت ـ ل مــن ال اتــب الرحالــة و اﳌ جــم عنصـرا رئ ســا ـ ش ـ ل الثقافــة ،و ــذا
مــا ان ي ب ـ أن شـ إليــه العديــد مــن اﻷبحــاث ال ـ أجر ــت ح ـ اﻵن شــأن العﻼقــة ب ــن
ً
ال حــال و ال جمــة .و ي ب ـ ل ــذه الدراســات ،ال ـ بــدأت باﻻزد ــار ،أن ت ــون مؤشـرا ع ـ
ً
الكيفيــة ال ـ اتخــذت مــن خﻼل ــا الدراســات ال جميــة من ـ ثقافيــا ).(a cultural turn
ً
ولنــا ـ الثقافــة العر يــة مثــاﻻ عــن ذلــك لــه .رســالة أحمــد بــن فضــﻼن عــن رحلتــه إ ـ
ً ً
بــﻼد الصقالبــة .و ع ـ الرغــم مــن ّأن أحمــد بــن فضــﻼن لــم يكــن اتبــا أديبــا ،بــل رســول أم ـ
ّ ّ
اﳌؤمن ــن اﳌقتــدر إ ـ ــذه البــﻼد ،إﻻ أنــه تمتــع بمســتوى عل ـ كب ـ مكنــه مــن تطو ــع اللغــة
العر يــة لوصــف ل مــا ان يجــري حولــه مــن أحــداث .و قــد جــاءت رســالته بليغــة ـ اﳌع ـ ،
121
ســديدة ـ الرؤ ــة ،تكشــف اﻷسـرار ،وتنقــل اﻷخبــار بن ـ ة ف ــا الكث ـ مــن ال ائ يــة حــول
أناس آخر ن و مجتمع آخر ،و عادا م اﳌأ ل و اﳌشرب واﳌل س وغ ا .و عت العديد
من النقاد و اﳌفكر ن ّأن ذه الرسالة م مة بال سبة للعرب افة أ ّ ا تحمل اﻵخر إلينا
)(32
بـ ل ألوانــه وأطيافــه.
.IV
ّ
يت ـ لنــا مــن خــﻼل ــذه النمــاذج -و غ ــا كث ـ -أن ال جمــة ســﻼح حضــاري بالــغ
ً
ا طــورة قــد يوظــف لسـ أغــوار اﻵخــر ،و اﻹبانــة عــن ا وانــب الغامضــة فيــه .و عيــدا
عــن مســألة اﻷمانــة ) (fidelityب ــن النــص اﳌصــدر ) (source textو النــص ال ــدف )tar-
ً
،(get textأصبــح ال ك ـ ـ علــم ال جمــة اليــوم منصبــا ع ـ مــا ســتقدمه ال جمــات للغــة
والثقافــة ،و م ــور الق ـراء اﳌســتقبل ن ل ــا ،و كيــف بإم ا ــا زعزعــة مختلــف النظــم ـ
ا تمعــات مــن فكر ــة و عرفانيــة و تارخيــة و غ ــا .و قــد ا تــم اﳌنظــرون ـ الســياق ذاتــه
باﻻسـ اتيجيات ال ـ ع ـ بالتوصيــل الثقا ـ ) ،(cultural conveyanceفشــرحوا ما ي ــا
و ب نــوا طــرق توظيف ــا ع ـ مســتوى نــص ال جمــة ،مــن دون أن ملــوا اﻻس ـ اتيجيات
اللغو ــة ال ـ عت ـ ا امــل ل ـ ل عــد ثقا ـ و الناقــل لــه .وعليــه ت ــون اﳌثاقفــة )accultu-
(rationأ ــم مظا ــر ال جمــة ال ـ ت ـ ز إ ـ الوجــود عنــد ل اشــتغال ترج ـ ب ــن نص ــن
ي تميــان إ ـ لغت ــن مختلفت ــن ،و ا ــدث البــارز ـ ل عبــور مــن ضفــة إ ـ أخــرى مــا يلزمنــا
الوقــوف عنــد ــذه الظا ــرة ،و تمحيــص نتائج ــا ع ـ اﳌســتو ن النظــري و اﻹجرا ــي؛
ال ـ ء الــذي لــن يتحقــق إﻻ مــن خــﻼل دراســة مف ــوم الثقافــة ) (cultureو أنماط ــا وكــذا
تجليا ــا لــدى ل مجموعــة شــر ة ،و مــن ثــم نــة بي ــا قبــل النقــل و عــده خاصــة ّ
وأن اﳌقار
الــدرس ال ج ـ العر ــي -الــذي سـ الباحثــون ـ القطــر العر ــي إ ـ التأسـ س لــه -بأمــس
ا اجــة إ ـ ذلــك لــه.
وقد أف البحث ذا اﳌوضوع إ جملة من التوصيات نورد ا فيما ي :
.1وجــوب العنايــة بال جمــة كتخصــص عل ـ يكفــل ال ــوض با تمعــات ع ـ اﻷصعــدة
افــة ،و قــرب بي ــا مــن خــﻼل رأب الصــدع الثقا ـ ورتــق الفتــق ا ضــاري.
.2حــث جميــع الباحث ــن مــن مختلــف التخصصــات اﳌعرفيــة لﻼس ـ ام ـ حقــل ال جميــة
ً
بوصف ــا مجــاﻻ تتقاطــع فيــه ل العلــوم ).(multi-disciplinary
.3دفــع طــﻼب ال جمــة إ ـ العنايــة بالنصــوص بمختلــف صنافا ــا ) (typologiesالعلميــة
واﻷدبية والتقنوعلمية ،وتطو ر مل ا م اللغو ة ) (linguisticواﳌيتالغو ة )metalinguis-
،(ticوكــذا تفعيــل دور اللســانيات ) (linguisticsش ـ فروع ــا )التقابليــة ،التطبيقيــة،
النصيــة.(...
122
.4ال ــل مــن الــدرس الثقا ـ الغر ــي وتكييــف نزعاتــه بمــا يتما ـ ومقتضيــات ا ــال ـ
ا تمعات العر ية ،واﻻ تمام باﻷن و ولوجيا الثقافية ال ستلزم ع الدارس ن الت به
بأ ّ ــا عــد يصاحــب ل عمليــة نقــل.
.5مراعــاة تدر ــس اﳌقار ــات النصيــة ـ عليميــة ال جمــة ) (translation didacticsال ـ
مــن شــأ ا إماطــة اللثــام عــن مكنونــات النصــوص اللغو ــة وخبايا ــا العﻼماتيــة ،وتلق ــن
الطــﻼب الســبل الكفيلــة بالكشــف عــن أوجــه اﻹئتــﻼف واﻻختــﻼف ب ــن النصــوص اﻷصليــة
وترجما ــا ،و مــن ثــم اﳌقارنــة ب ــن النمــاذج الثقافيــة البدئيــة )(cultural original patterns
وكيــف تبدلــت عنــد نقل ــا إ ـ لغة/ثقافــة مغايــرة ،ومــاذا قدمتــه أو ســتقدمه ال جمــات
للمجتمعــات اﳌســتقبلة ،وكيــف أثــرت ف ــا ع ـ اﳌنا ـ افــة.
ً
.6ضــرورة السـ بالبحــث ال ج ـ قدمــا با ــروج مــن دائــرة اﳌواضيــع اﳌسـ لكة ،والتطــرق
إ ـ ل جديــد فيــه ومســتحدث .لكــن ذلــك لــن ي س ـ إﻻ مــن خــﻼل تأصيــل مــا يكتــب عــن
ً ً ً
ال جمــة نظر ــا وعمليــا ،و إعــادة النظــر ليــا ـ مقومــات اﻻشــتغال ال ج ـ قشــره ولبابــه.
)(1الطيب بوتبقالت ،ضمن أسئلة ال جمـ ـ ـ ـ ــة ،مجلة الوحدة ،ا لس القومي للثقافة العر ية،
الر اط ،اﳌملكة اﳌغر ية ،1989 ،السنة 6عدد ،989 /61-62ص.80-81
)(2عبد السﻼم بنعبد العا ،ال جمة و اﳌثاقفة ،مجلة الوح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدة ،ا لس القومي للثقافة
العر ية ،الر اط ،اﳌملكة اﳌغر ية ،1989 ،السنة 6عدد ،989 /61-62ص.08
)(3عبد الكر م ناصيف ،ال جمـ ـ ـ ـ ـ ــة :أ مي ا و دور ا تطو ر اﻷجناس اﻷدبية ،مجلة الوحدة،
ا لس القومي للثقافة العر ية ،الر اط ،اﳌملكة اﳌغر ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ،1989 ،السنة ،6عدد 61-
،629/989ص.57
)(4ينظر محمد عمارة ،العطاء ا ضاري لﻺسﻼم ،سلسل ــة اقرأ ،دار اﳌعارف ،القا رة،1997 ،
رقم ،626ص.129
) (5دو ي وش ،مف وم الثقافة العلوم اﻻجتماعية ،تر .قاسم اﳌقداد ،م ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورات اتحاد
الكتاب العرب ،دمشق ،2002 ،ص.66
)(6اﳌرجع نفسه ،ص.66
)(7نفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ،ص.67
)(8نفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ،ص.68
)(9مسعود ظا ر ،اﻻتجا ات اﻷساسية ركة ال جمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة لبنان و الوطن العر ي ،مجلة
الوحدة ،2005 ،العدد ،12ص.47
(10) Michel de coster, L’acculturation, diogène (Revue), N° 73 (Janvier-Mars), 1971,
p. 28 et suite.
123
)(11أحمــد لواســا ي ،العﻼقــات التار خيــة ب ــن العــرب و اﻹيراني ــن ،بحــوث و مناقشــات النــدوة
الفكر ــة ال ـ نظم ــا مركــز دراســات الوحــدة العر يــة حــول العﻼقــات العر يــة اﻹيرانيــة اﻻتجا ــات
الرا نــة و آفــاق اﳌســتقبل ،مركــز دراســات الوحــدة العر يــة ،ب ـ وت ،تموز-يوليــو ،1996ط،1
ص.74
) (12ينظر محمد صقر خفاجة ،اﻹلياذة ل وم وس ،موسوع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة تراث اﻹ سانية ،القا رة،
،1992مجلد ،1ص.322
) (13ينظر كمال الياز ،معالم الفكر العر ي العصر الوسيط ،دار العلم للمﻼي ن ،ب وت،
،1966ط ،4ص.68-69
) (14ينظر عبد الو اب عزام ،ابن اﳌقفع ح ايات ليلة و دمن ـ ــة ،قراءة جديدة كتاب قديم،
مجلة وج ات نظر ،القا رة ،إبر ل ،2003العدد ،51ص.36
) (15ينظر شر في عبد الواحد ،ألف ليلة وليل ـ ـ ـ ــة وأثر ـ ـ ـ ـ ــا الرواية الفر سية القرن التاسع
عشر ،دار الغرب لل شر و التوز ع ،2001 ،ص.76
)(16اﳌرجع نفسه ،ص.76-77
)(17خديجة صبار ،اﳌرأة ب ن اﳌثلوجيا و ا داثة ،أفر قيا الشرق ،اﳌغرب ،1999 ،ص.75
)(18ينظر سعد الباز ،مقار ة اﻵخر ،مقار ات أدبية ،دار الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروق ،1999 ،ص.96
) (19فاطمة اﳌرن ،العابرة اﳌكسورة ا ناح »ش رزاد ترحل إ الغرب« ،تر.فاطمة الز راء
أزرو يل ،ط ،1اﳌركز الثقا العر ي ،الدار البيضاء ،2002 ،ص.79
)(20نظ ـ ة الك ـ ،ش ـ رزاد ـ فر ســا مــن اﻻن ــار إ ـ اﻻســتﻼب اﻷنــا و اﻵخــر ـ مواج ــة ،مجلــة
اﻵداب اﻷجن يــة ،مجلــة فصليــة تصــدر عــن اتحــاد الكتــاب العــرب ،دمشــق ،العــدد ،124
خر ــف،2005ص.06
) (21ينظر يام أبو ا س ن ،ش ـ ـ ـ ـ ــرزاد و تطور الرواية الفر سية من الكﻼسيكية إ الرمز ة،
فصول.ج.3م.13ع ،2صيف ،1994ص(22) .267اﳌرجع نفسه ،ص.267
)(23فاطمة اﳌرن ،مرجع سابق ،ص.80-81
)(24مصطفى عبد الغ ،ش رزاد الفكر العر ي ا ديث ،ط ،1دار الشرق ،1985 ،ص.26
) (25حافــظ الش ـ ازي ،ديــوان العشــق ،نقلــه إ ـ العر يــة صــﻼح الصــاوي ،مركــز ال شــر الثقا ـ
)رجاء( ،مقدمة الدكتور محمد حس ن مشايخ فر د ي ،ص) 15عن مقال للشاعر و الناقد محمد
ع ـ شــمس الديــن ،جر ــدة ا يــاة ،السـ ت ،1994 /19/11ص.(15
)(26ينظر ع عبد الواحد وا ،دراسة حول آراء أ ل اﳌدينة الفاضلة للفرا ي ،موسوع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
تراث اﻹ سانية ،القا رة ،1986 ،ج ،3.ص.572
) (27ينظر عبد ال ادي التازي ،تحقيق رحلة ابن بطوط ـ ـ ـ ـ ـ ــة ،أ اديمية اﳌملكة اﳌغر ية ،الر اط،
،1997ص.91
)(28اﳌرجع نفسه ،ص.98
)(29نفسه ،ص.101-104
124
، تطوان، دار ال شر اﳌغر ية، الرحالة الكدود بن بطوطـ ــة،( ينظر غ مو غوستافينوغيانت30)
.153 ص،1950
(31) See: Piotr Kuhiwczak and Karin Littau, A Companion to Translation Studies,
Library of Congress Cataloging in Publication Data, 2007 ( Chapter 1 Culture
and Translation SUSAN BASSNETT, p22-23).
.1960 ، دمشق، مطبوعات ا مع العل العر ي، رحلة بن فضﻼن،( سامي الد ان32)
125