Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 2

‫الحق و العدالة‬

‫باسكال‬ ‫يا لبؤس العدالة التي يحدها نهر ! أفكار صائبة هنا‪ ،‬خاطئة وراء جبال البرانس !‬
‫تقديم ‪:‬‬
‫يشير مفهوم الحق في المعجم الفلسفي لجميل صليبا إلى معنيين أساسيين هما ‪:‬‬
‫‪ _1‬الحق هو ما كان فعله مطابقا لقاعدة محكمة‪ ،‬و يستدعي التنفيذ ألن القوانين و العقود تفرضه‪ ،‬فنقول‬
‫مثال ‪َ :‬ح َّق األمر حقا أي ثبت و وجب‪ .‬و حق على المرء أن يفعل كذا أي وجب عليه أو كان واجبا عليه‪.‬‬
‫‪ _2‬الحق هو ما تسمح القوانين الوضعية بفعله سواء كان ذلك السماح صريحا أو كان نتيجة مبدأ عام يبرر‬
‫كل فعل غير محظور‪.‬‬
‫و يشير مفهوم العدالة في نفس المعجم إلى معاني االستقامة و المساواة‪ ،‬فنقول مثال ‪ :‬عدل في أمره أي‬
‫سوى بينهما‪..‬‬
‫استقام و عدل فالنا بفالن أي ّ‬
‫المحور األول ‪ :‬الحق بين الطبيعي و الوضعي ‪:‬‬
‫إن القول بأن الحق يتأسس على ما هو طبيعي معناه أن هناك حقوقا متأصلة في اإلنسان و مشتركة بين جميع‬
‫البشر‪ .‬الحظوا المادة األولى من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان التي تقول ‪ " :‬يولد جميع الناس أحرارا‬
‫متساوين في الكرامة و الحقوق‪ ،‬و هم قد وهبوا العقل و الوجدان و عليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح‬
‫اإلخاء"‪.‬‬
‫إن عبارة ‪ :‬يولد جميع الناس أحرارا معناها أن الحرية حق طبيعي يمتلكه اإلنسان بشكل قبلي‪..‬‬
‫أما القول بأن الحق يتأسس على ما هو وضعي فمعناه أن أساس الحق هو التشريعات و القوانين التي يضعها‬
‫اإلنسان باعتباره كائنا سياسيا يعيش داخل مجتمع منظم‪.‬‬
‫لذلك يطرح في هذا المحور اإلشكال التالي ‪ :‬ما أساس الحق؟ هل يتأسس الحق على ما هو طبيعي أم على‬
‫ما هو وضعي ؟‬

‫موقف توماس هوبز )‪Thomas Hobbes(1588_1679‬‬


‫يعرف هوبز الحق الطبيعي بقوله ‪ " :‬إن الحق الطبيعي هو الحرية التي لكل إنسان في أن يتصرف كما يشاء‬ ‫ّ‬
‫في إمكاناته الخاصة للمحافظة على طبيعته الخاصة"‪ .‬و بالتالي فإن لإلنسان حسب هوبز حقوقا طبيعية تتركز‬
‫في ‪ :‬الحق في الحياة‪ ،‬و الحق في المحافظة عليها‪ ،‬و الحق في الحرية‪ .‬هذه الحقوق الطبيعية يتمتع بها كل‬
‫إنسان على حدة‪ ،‬و لكن‪ ،‬و بما أن حالة الطبيعة حسب هوبز هي حالة حرب دائمة‪ ،‬حرب الكل ضد الكل‪،‬‬
‫فإن التعاقد اإلجتماعي بين األفراد و تأسيس الدولة و تحقيق السلم يضمن استمرار هذه الحقوق الطبيعية‪.‬‬
‫بمعنى آخر‪ :‬هناك حقوق طبيعية ثابتة إال أن ضمان هذه الحقوق ال يمكن أن يتحقق في حالة الطبيعة‪ ،‬لذلك‬
‫أسس اإلنسان الدولة و وضع القوانين من أجل ضمان استمرار هذه الحقوق‪ .‬على سبيل المثال ال يوجد قانون‬
‫وضعي يمكن أن يسلب اإلنسان حقه في الحياة !!‬
‫موقف شيشرون ‪ :‬مفكر روماني عاش في القرن الثاني ميالدي ‪:‬‬
‫يقول شيشرون ‪ " :‬طالما لم يقم الحق على الطبيعة فإن كل الفضائل ستتالشى" و نفهم من هذا أن الحق ينبغي‬
‫أن يتأسس على ماهو طبيعي‪ .‬لماذا؟‬
‫يرى شيشرون أن القوانين التي يضعها اإلنسان ال تكون نافعة لكل الناس‪ ،‬فال ُمش َّرع أو الحاكم يضع القوانين‬
‫التي ستحقق مصالحه و منافعه الخاصة‪ ،‬و هذا األمر يرتبط بكل قانون أو عدالة بشرية‪ ،‬دائما ما تقوم على‬
‫أساس تحقيق مصالح الطبقة الحاكمة‪ .‬لذلك فإن األساس الذي ينيغي أن يقوم عليه الحق هو الطبيعة‪ ،‬ألنها‬
‫تمثل ما هو مشترك بين كل البشر‪ ،‬و أبرز هذه الحقوق المساواة ( كل البشر متساوون بالطبيعة )‪.‬‬
‫يشرع الحاكم الطاغية قوانين معينة داخل دولته أو مدينته‪ .‬فهل ستكون هذه القوانين‬
‫على سبيل المثال‪ ،‬قد ّ‬
‫شرعها‪ (.‬يمكن اإلشارة‬
‫عادلة؟ حسب شيشرون‪ ،‬ستكون هذه القوانين ظالمة و تخدم فقط مصلحة الحاكم الذي ّ‬
‫المستعمرة داخل مستعمراتها ‪)...‬‬
‫ِ‬ ‫إلى أمثلة أخرى توضح تصور شيشرون ‪ :‬القوانين التي تسنها الدولة‬
‫إن أهمية تصور شيشرون تكمن في تأكيده على ضرورة تشريع القوانين وفق أساس مشترك وعام يشمل كل‬
‫البشر‪ ،‬األمر الذي سيجعل هذه القوانين كونية ‪ .‬لكن‪ ،‬هل بالفعل‪ ،‬تعدّ القوانين الوضعية ظالمة؟ أال يمكن‬
‫القول‪ ،‬في المقابل‪ ،‬أن نسبية الحق الوضعي و اختالفه من مكان إلى آخر أمرا إيجابيا؟‬

‫موقف هانز كيلسن )‪ : Hans Kelsen ( 1881_ 1973‬مفكر تشيكي ‪:‬‬


‫ينتقد هانز كيلسن التصورات التي ترى أن الحق يتأسس على ما هو طبيعي( ألن الطبيعة تمثل ما هو مشترك‬
‫بين البشر ) ألنه يرفض وجود أي أساس كوني للحق‪ ،‬و يرى أن الحق يتأسس على القوانين و التشريعات‬
‫التي يضعها اإلنسان و التي تختلف من مجتمع إلى آخر‪ ،‬فإذا كانت المجتمعات الليبرالية تعترف للفرد بحقه‬
‫في التملك ( حق الملكية الخاصة ) فإن المجتمعات ذات التنظيم الشيوعي ال تقر للفرد ذلك الحق ( الحفاظ‬
‫على األمن االجتماعي )‪ .‬و بالتالي فإن الحق يتميز بخاصية النسبية و كل المجتمعات رغم اختالف القوانين‬
‫بينها يمكن أن تحقق العدالة‪.‬‬
‫بمعنى آخر‪ ،‬قد تختلف القوانين الوضعية من مكان إلى آخر أو من زمان إلى آخر‪ .‬إال أن هذا اإلختالف ال‬
‫يعدّ أمرا سلبيا‪ ،‬بل يمكن اعتباره أمرا إيجابيا ‪ .‬ألن التشريعات اإلنسانية تأخذ بعين االعتبار خصوصية كل‬
‫مكان و زمان‪ ،‬فما يصلح داخل هذا المجتمع قد ال يصلح داخل مجتمعات أخرى‪ ،‬و ما كان صالحا في زمان‬
‫معين قد ال يصلح في هذا الزمن‪.‬‬

You might also like