التخييل والتداول عند محمد العمري

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 9

‫األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪،‬اجمللد ‪ ،12‬العدد ‪ | 2020 ،02‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪203 - 195 :‬‬

‫قوائم احملتويات متاحة على ‪ ASJP‬املنصة اجلزائرية للمجالت العلمية‬


‫األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‬
‫الصفحة الرئيسية للمجلة‪www.asjp.cerist.dz/en/PresentationRevue/552 :‬‬

‫التخييل والتداول عند حممد العمري‬

‫‪The Imagination and Pragmatic According‬‬


‫‪to Mohammed El Omari‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد الباسط ضيف ‪ ،* ، 1‬أ‪.‬د عيسى أخضري‬
‫‪1‬طالب دكتوراه‪ ،‬جامعة عمار ثليجي األغواط‪ ،‬كلية اآلداب واللغات‪ ،‬مخبر اللغة العربية وآدابها‪ -‬الجزائر‪.‬‬
‫‪2‬أستاذ التعليم العالي‪ ،‬جامعة زيان عاشور الجلفة ‪ -‬الجزائر‬

‫‪Key words:‬‬ ‫‪Abstract‬‬


‫‪Imagination,‬‬ ‫‪The Arabic rhetoric is always a subject of discussion and questions about its essence.‬‬
‫‪Pragmatic,‬‬ ‫‪It is a matter that needs to be searched deeply. Mohamed El Omari is one of these who‬‬
‫‪Argumentation,‬‬ ‫‪contributed to demonstrate the essence of rhetoric. He thinks that it is an area contested‬‬
‫‪by two poles, an imaginary based on poetry, and a pragmatic pole based on discourse. It‬‬
‫‪Rhetoric,‬‬
‫‪is characterized by connection and separation. Thus, it may be a rhetoric that coordinates‬‬
‫‪Mohamed El Omari,‬‬ ‫‪between poetry and discourse. According to him we must discuss each of them.‬‬
‫‪Discourse.‬‬
‫‪From this, the essential objective of this research is to determine the essence of rhetoric‬‬
‫‪through its overlap with other epistemic fields, namely: argumentation. This is because the‬‬
‫‪argumentation of today is no longer that is content with one path. Thus, the results of the‬‬
‫‪research strongly agree with the rhetoric which has a direct link with argumentation.‬‬

‫ملخص‬ ‫معلومات املقال‬


‫تاريخ املقال‪:‬‬
‫كانت البالغة العربية وال تزال إلى اليوم محال للنقاش والتساؤل حول ماهيتها‬
‫اإلرسال ‪2020-04-12:‬‬
‫عد الباحث "محمد العمري"‬ ‫وكينونتها‪ ،‬ومسألة تدعو إلى طول تمحيص وتدقيق‪ .‬و ُي ّ‬
‫من الذين أسهموا في إماطة اللثام عن جوهر البالغة وما ّدتها‪ ،‬إذ يراها منطقة يتنازعها‬ ‫القبول ‪2020-06-21 :‬‬
‫قطبان‪ ،‬قطب تخييلي يقوم على الشعرية وقطب تداولي يقوم على الخطابية‪ ،‬فارتبطت‬
‫يحل محلّها حينا آخر‪.‬‬
‫البالغة بذلك بالشعر وما يقوم مقامه حينا‪ ،‬وبالخطابة وما ّ‬ ‫الكلمات املفتاحية‪:‬‬
‫وبين هذا وذاك ترتسم حدود البالغة‪ ،‬فتتسم بالفصل أو الوصل بينهما وطلك راجع‬ ‫تخييل‪،‬‬
‫مما يفسح المجال واسعا إلى إمكانية قيام‬ ‫إلى طبيعة وخصوصية كل خطاب على حدة‪ّ ،‬‬ ‫تداول‪،‬‬
‫تنسق بين ما هو شعري (تخييلي) وبين ما هو خطابي (تداولي)‪.‬‬ ‫بالغة عامة ّ‬ ‫حجاج‪،‬‬
‫وانطالقا من ذلك كان هدف البحث قائما أساسا على تحديد ماهية البالغة‪ ،‬عن طريق‬ ‫بالغة‪،‬‬
‫أن البالغة‬
‫تداخلها وتجانسها مع حقول معرفية عديدة‪ ،‬ومن جملتها‪ :‬الحجاج‪ .‬ذلك ّ‬ ‫محمد العمري‪،‬‬
‫اليوم لم تعد تلكم البالغة التي تجنح إلى زاوية بعينها‪ ،‬مما يحدث تغييرا في الوجهة‬ ‫خطاب‪.‬‬
‫والوظيفة‪ .‬وعلى ذلك كانت نتائج البحث ذات صلة وثيقة بالبالغة التي لها احتكاك‬
‫مباشر بالحجاج‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫‪* Corresponding author at: Laboratory of Arabic language and literature, faculty of letters and languages, university Amar Telidji Laghouat, ALGERIA‬‬
‫‪Email : abdelbassetdif@gmail.com‬‬
‫ع‪,‬ضيف‪ ،‬ع‪ ,‬أخضري | األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ،12‬العدد ‪ | 2020 ،02‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪203 - 195 :‬‬
‫أيضا من تاريخ بالغتهم[‪ ]...‬وكان من مظاهر هذا التفكري‬ ‫‪ -1‬مقدمة‬
‫ربط الشعر بالعوامل غري العادية؛ باجلن والشياطني‪ ،‬والتنبيه‬
‫إىل العيوب اإليقاعية واحلجاجية فيه‪ .‬كانت هذه املالحظات‬ ‫عرفت البالغة العربية قدميا عدّة توجهات جعلتها ال تستقر‬
‫هي املصدر األول للبالغة العربية حيث مجعت الحقا حتت اسم‬ ‫عند مفهوم واحد‪ ،‬فكانت وليدة املرحلة الزمنية اليت نشأت‬
‫البديع وحماسن الكالم( ابن املعتز)‪ ،‬وقد تطور هذا املسار من‬ ‫فيها‪ ،‬وهذا ما يفتح باب النقاش طويال لتحديد ماهيتها‪ ،‬وامليدان‬
‫خالل اخلصومات حول ماهو بديع وماليس كذلك)‪( .‬العمري‪،‬‬
‫الذي ختوضه‪ ،‬واملسلك الذي تسلكه‪ ،‬فهناك من ربطها بالبيان‬
‫البالغة اجلديدة بني التخييل والتداول‪ ،2012 ،‬صفحة ‪)28‬‬
‫وحسن اإلبانة‪ ،‬كما اختذها آخرون عنوانا ورديفا للبديع وما‬
‫من شأنه أن يدخل يف باب الزخرفة وحتسني وتنميق اللفظ‪،‬‬
‫وبذلك ميكننا رد الشعرية إىل جمال البديع الذي عد يف مرحلة‬ ‫أما حديثا فقد‬ ‫كما حدّدها البعض اآلخر يف علم املعاني‪ّ .‬‬
‫سبقت من مراحل التفكري البالغي‪ .‬ممثال شرعيا للبالغة‬ ‫ظهرت دراسات جادة حنت منحى مغايرا عن صاحبتها‪ ،‬ونرصد‬
‫العربية اليت قامت يف بادئ أمرها على الشعر الذي شغل حيزا‬ ‫منها دراسة الباحث "حممد العمري" الذي حاول تقديم قراءة‬
‫كبريا‪ ،‬وكان مرآة عاكسة تصور احلياة اليومية لإلنسان‬ ‫للبالغة العربية بتتبع مساراتها وأهم احملطات اليت شهدتها‬
‫العربي‪ ،‬وعن هذه القيمة الشعرية يسوق لنا" العمري " كالما‬ ‫وصوال إىل بالغة جديدة قوامها احلجاج‪ .‬وانطالقا من ذلك‬
‫استقاه من " حازم القرطاجين "‪ ،‬هذا نصه‪:‬‬ ‫تتضح إشكالية البحث كاآلتي‪:‬‬
‫( ملا كان علم البالغة مشتمال على صناعيت الشعر واخلطابة‪،‬‬ ‫‪ -‬كيف ا ّتسمت البالغة عند "حممد العمري" ؟ وما مدى‬
‫وكان الشعر واخلطابة يشرتكان يف مادة املعاني ويفرتقان‬ ‫تقاطعات القطبني‪ :‬الشعري و اخلطابي وأثرهما على احلجاج ؟‬
‫بصورتي التخييل واإلقناع‪ ...‬وكان القصد يف التخييل واإلقناع‬
‫محل النفوس على فعل شيء أو اعتقاده أو التخلي عن فعله‬ ‫ولإلجابة عن هذه اإلشكالية اعتمدنا على اجملالني‪ :‬التداولي‬
‫واعتقاده‪ ...‬وكانت علقة جل أغراض الناس وآرائهم باألشياء‬ ‫املم ّثل يف الشق اخلطابي‪ ،‬والتخييلي املم ّثل يف الشق الشعري‪.‬‬
‫على اعتبار ّ‬
‫أن الباحث " حممد العمري " أطال البحث فيهما‪ ،‬ملا‬
‫اليت اشرتك اخلاصة واجلمهور يف اعتقادهم أنها خري أو شر‪...‬‬
‫وجب أن تكون أعرق املعاني يف الصناعة الشعرية مااشتدت‬ ‫هلما من جزيل النفع وعظيم الفائدة يف احلقل األدبي عموما‪،‬‬
‫علقته بأغراض اإلنسان‪ ...‬فأما بالنظر إىل حقيقة الشعر فال‬ ‫وعلى احلقل البالغي خصوصا‪.‬‬
‫فرق بني ماانفرد به اخلاصة دون العامة وبني ماشاركوهم‬ ‫وحتى يتسم مقالنا باجلدية يف الطرح والتناول‪ ،‬اعتمدنا على‬
‫فيه‪ ،‬وال ميزة بني مااشتدت علقته باألغراض املألوفة وبني‬ ‫مجلة من األهداف – اليت تع ّد من صميم البحث – متثلت‬
‫ماليس له علقة‪ ،‬إذا كان التخييل يف مجيع ذلك على حد‬ ‫يف حتديد دقيق ملفهوم الشعرية وأهم املسارات اليت تناولتها‬
‫واحد‪ ،‬إذ املعترب يف حقيقة الشعر إمنا هو التخييل واحملاكاة يف‬ ‫وتبلورت فيها‪ ،‬إىل احلديث عن مفهوم اخلطابية‪ ،‬وأهم أشكال‬
‫أي معنى اتفق ذلك)‪( .‬القرطاجين‪ ،1986 ،‬الصفحات ‪)20-19‬‬ ‫التخاطب ومقاماته وفاعليته ضمن الدائرة الكالمية‪ ،‬وصوال‬
‫ثم مايلبث " العمري " أن يثري انتباهنا إىل حقيقة الشعر اليت‬ ‫إىل صور احلجاج املتمثلة يف القياس الذي يعد آلية ناجعة يف‬
‫تتأرجح بني اإلهلام والصناعة‪ .‬فالوعي الشعري ‪-‬حسب رأيه‪-‬‬ ‫احلكم على اخلطاب وحتديد نتائجه‪ ،‬مرورا إىل املثل باعتباره‬
‫إمنا هو يف موقع وسط بني الواقع واخليال‪ ،‬وهنا تربز ملكة‬ ‫ركيزة جينح هلا اخلطيب يف تعزيز وتشفيع موقفه‪ ،‬وأخريا‬
‫الشاعر‪ ،‬ملكة تؤهله بأن جيعل من قوله قوة فاعلة‪ ،‬فهو الوحيد‬ ‫الشاهد إذ يستحضره بني الفينة واألخرى للدحض أو التفنيد‬
‫الذي ينسج قوله انطالقا من شعوره به‪ (.‬إن الوعي الشعري‬ ‫أو إثبات صحة ما يقول‪ .‬ولإلحاطة مبوضوع البحث أكثر‬
‫املرتبط مبا وصلنا من القصيد العربي قبل اإلسالم كان وعيا‬ ‫وإيفائه حقه‪ ،‬اعتمدنا على مجلة من املناهج واليت تتابعت‬
‫ملتبسا بني الواقعي و اخليالي‪ ،‬أي مل يكن مقصديا صرفا وال‬ ‫كاآلتي‪ :‬املنهج التارخيي‪ ،‬الوصفي‪ ،‬التحليلي‪.‬‬
‫خياليا صرف‪ .‬فالشعر‪ ،‬من جهة‪ ،‬صنعة واعية تقوم على معاناة‬ ‫‪ .2‬الشعرية‬
‫العمل مع اللغة واحمليط الطبيعي واإلنساني ملد اجلسور وخلق‬ ‫لقد ارتبطت البالغة العربية مبسارين شكال مادتها وجوهرها‪،‬‬
‫العالقات [‪ ]...‬والشعر‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬وحي من اجلان أو من‬ ‫مسار شعري قائم على التخييل والتوهيم‪ ،‬ومسار خطابي قائم‬
‫القرين الذي يوحي للشاعر‪ ،‬ويلهمه من القول ماليس له على‬ ‫على التداول( الرتجيح )‪ ،‬ويرجع " العمري " مفهوم الشعرية‬
‫بال‪ .‬هناك قوة شعرية سحرية تصل إىل حتويل القول إىل قوة‬ ‫إىل العناية مبحاسن الكالم وزخرفه‪ ،‬وقد ظهر هذا التوجه‬
‫مادية فاعلة‪ .‬لقد تأكد منذ العصر اجلاهلي أن الشاعر اليقول‬ ‫مع " ابن املعتز" يف كتابه البديع الذي عد نسقا يغذيه الطابع‬
‫األشياء املقصدية اجلاهزة‪ ،‬بل يقول أشياء قد ال ختطر على‬ ‫الشعري‪ ( .‬من البديهي أن أول تفكري يف اللغة كان تفكريا‬
‫بال أحد‪ ،‬ألن الشاعر كما استقر عند النقاد والبيانيني فيما‬ ‫بالغيا؛ فقد ظهرت املالحظات األسلوبية قبل ظهور العروض‬
‫بعد‪ ،‬هو من يشعر مبا ال يشعر به غريه‪ ،‬ويبلوره لغويا)‪( .‬العمري‪،‬‬ ‫والنحو واملنطق‪ ،‬كما روي من تاريخ تلقي الشعر العربي يف‬
‫اجلاهلية وصدر اإلسالم‪ .‬أي قبل ظهور املصطلح البالغي أسئلة البالغة يف النظرية والتاريخ والقراءة‪ ،2013 ،‬صفحة ‪)198‬‬
‫كنسق لعلم‪ .‬وهذه حقيقة استنبطها البالغيون الغربيون إن " العمري " بكالمه هذا يصف الشعرية وصفا يصنفها بأنها‬

‫‪196‬‬
‫ع‪,‬ضيف‪ ،‬ع‪ ,‬أخضري | األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ،12‬العدد ‪ | 2020 ،02‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪203 - 195 :‬‬
‫قوة سحرية قادرة على أن حتول أي قول شعري إىل قوة ذات ويهتم بوسائل اإلقناع الشكلية واملضمونية (على مستوى اهليئة‬
‫تأثري وفاعلية‪ ،‬وهذا ما جيعل الشعر منطويا على اعتبارات واخلطاب)‪ .‬لذلك اهتم باملقام ومبحدداته وإمكاناته)‪( .‬الطلبة‪،‬‬
‫ومقاصد حجاجية‪( .‬إن عامل الشعرية يسيج موضوعه الذي احلجاج مدخل نظري تارخيي‪ ،2013 ،‬الصفحات ‪)885-884‬‬
‫يشتغل فيه‪ ،‬وهو شكل النص ومجاليته‪ .‬وهو الشكل الذي يتمتع وعلى ضوء تصور "العمري" لفكرة املقام‪ ،‬واليت متهد الطريق‬
‫مبفاهيم ومصطلحات وجمال اشتغال متميز‪ .‬غري أن ال شيء إلمكانية قيام بالغة إقناعية‪ ،‬جند أن "برملان" و "تيتكاه" قد‬
‫مينع تدخل عامل احلجاج يف نفس حقل الشعر لدراسته باعتبار اشتغال على بالغة "أرسطو" اليت تولي عناية كبرية لإلقناع‪ ،‬وال‬
‫يكون ذلك إال بتحقق املقصدية من اخلطاب‪ ،‬فال خيلو حجاج‬ ‫مقاصده احلجاجية)‪( .‬الولي‪ ،‬مدخل إىل احلجاج‪)2011 ،‬‬
‫من مقصد‪( .‬وهذا‪ ،‬وقد حدد بريملان وتيتيكاه آراء أرسطو حينما‬ ‫‪ .3‬اخلطابية‬
‫حاوال أن يعيدا إليها طابعها الفلسفي احلقيقي؛ ألن البالغة‬ ‫إذا ما كانت الشعرية تقوم على البعد التخيلي‪ ،‬فإن اخلطابية‬
‫األرسطية حتصر البالغة يف اإلقناع‪ ،‬فتعدها خطابا حجاجيا‬ ‫تقوم على البعد التداولي‪ ،‬وكالهما مسخر خلدمة البالغة‪،‬‬
‫بامتياز‪ .‬وقد استبعدا تصورات أفالطون والسوفسطائيني ألنها‬ ‫وجتدر اإلشارة إىل أن "العمري" كثريا ما يستعمل كلمة‬
‫تقوم على اجلدل‪ ،‬والسفسطة‪ ،‬والتشكيك‪ ،‬واملنهج املغالطي‪،‬‬ ‫"خطابية" لتحل حمل "فن اخلطابة" مستدال بـ "الشعرية" اليت‬
‫واملناورة الواهمة‪ ،‬واعتماد املثل العليا املطلقة‪ .‬ويعين هذا أن‬
‫حلت حمل "فن الشعر"‪( .‬فاقرتحت كلمة "خطابية" مقابال‬
‫البالغة يف طابعها العام مرتبطة باملقصدية احلجاجية)‪.‬‬ ‫"لفن اخلطابة"‪ ،‬قياسا على "الشعرية" اليت حلت حمل "فن‬
‫الشعر" دون حرج) (العمري‪ ،‬أسئلة البالغة يف النظرية والتاريخ (محداوي‪ ،2014 ،‬صفحة ‪)29‬‬
‫وال ميكن بأي حال من األحوال الوقوف على هاته املقصدية إال‬ ‫والقراءة‪ ،2013 ،‬صفحة ‪)28‬‬
‫وبهذا االعتبار فاخلطابية هي مفهوم واسع تعنى بأشكال بتفعيل دور املقام الذي هو يف حد ذاته طريق إلحداث التواصل‪.‬‬
‫اخلطاب (السياسي‪ ،‬االجتماعي‪ ،‬التارخيي‪ )...‬وبأطرافه (املخاطب‪ ( ،‬وال بد من مراعاة املقام احلجاجي أو مقتضى احلال‪ ،‬ألن لكل‬
‫ِ‬
‫املخاطب‪ ،‬اخلطاب) وهي عند "أرسطو" ممثلة يف (اإليتوس‪ ،‬مقام مقاال‪ ،‬وال بد من تكييف اخلطاب مع مقامات املخاطبني‪،‬‬ ‫َ‬
‫الباتوس‪ ،‬اللوغوس)‪ ،‬كما تنظر يف األحوال واملقامات اليت ترافق واإلحاطة مبجموع املعارف اخلاصة مبوضوع احملاجة املتعاقد‬
‫اخلطاب‪ ،‬ولذلك عدها "العمري" مسألة وظيفية‪( .‬إن املسألة عليها ضمنيا أو ما يسمى بقاعدة احلجج املشرتكة اليت جتمع‬
‫اخلطابية هي مسألة وظيفية‪ ،‬وال جمال لرتتيب اخلطاب ترتيبا املرسل اخلطيب والسامع املفرتض‪ ،‬مع تغيري موجهات اخلطاب‬
‫قيميا بني الوضاعة والرفعة‪ ،‬بل الرتتيب املمكن هو ترتيبه حبسب احلجاجي بتغري أمناط خماطبيه)‪( .‬الدهري‪ ،2011 ،‬صفحة ‪)33‬‬
‫ومما تقدم ذكره نلمس جبالء ووضوح تأكيد "العمري" على‬ ‫النجاعة‪ ،‬والنجاعة والفعالية تتم مبراعاة املقامات واألحوال من‬
‫احلضور الفاعل للبعد اإلقناعي يف بالغتنا العربية‪( .‬إن هذا‬ ‫زاوية الفعالية ال من زاوية القيمة االجتماعية)‪( .‬العمري‪ ،‬أسئلة‬
‫البعد هو أحد األبعاد "األساسية" يف البالغة العربية‪ ،‬وهو بعد‬ ‫البالغة يف النظرية والتاريخ والقراءة‪ ،2013 ،‬صفحة ‪)137‬‬
‫جاحظي يف أساسه‪ .‬وإن ختلي البديعيني عنه يف مرحلة الحقة‬ ‫حييلنا "العمري" بكالمه هذا إىل مسألة يف غاية األهمية‪ ،‬تتعلق‬
‫أدى إىل اختزال البالغة العربية وتضييق جماهلا‪ .‬وحتظى‬ ‫أساسا باخلطاب يف حد ذاته‪ ،‬إذ تتوقف جناعته وفاعليته مبدى‬
‫نظرية التأثري واملقال حاليا بعناية كبرية يف الدراسات‬ ‫مراعاته لفكرة املقام‪ ،‬هاته الفكرة اليت تناوهلا البالغيون العرب‬
‫السيميائية‪ ،‬ومن ثم الشروع يف إعادة االعتبار إىل البالغة‬ ‫القدامى حبرص وإسهاب كبريين وعلى رأسهم "اجلاحظ"‬
‫العربية حتت عنوان جديد‪ :‬التداولية)‪( .‬العمري‪ ،‬البالغة العربية‬ ‫الذي ساق لنا "العمري" حديثه يف هذا الباب‪ ( .‬ينبغي للمتكلم‬
‫أصوهلا وامتداداتها‪ ،1999 ،‬الصفحات ‪)293-292‬‬ ‫أن يعرف أقدار املعاني‪ ،‬ويوازن بينها وبني أقدار املستمعني‬
‫‪ .4‬الوصل بني الشعرية واخلطابية‬ ‫وبني أقدار احلاالت فيجعل لكل طبقة مقاما‪ ،‬حتى يقسم‬
‫لقد واجهت البالغة عدة مفاهيم ومصطلحات جعلتها ال‬ ‫أقدار الكالم على أقدار املعاني‪ ،‬ويقسم أقدار املعاني على أقدار‬
‫تستقر عند مفهوم واحد يضبطها وحيدد ماهيتها‪ ،‬فارتبطت‬ ‫املقامات‪ ،‬وأقدار املستمعني على أقدار تلك احلاالت)‪( .‬اجلاحظ‪،‬‬
‫حينا باخلطابة‪ ،‬وحينا آخر كانت وثيقة الصلة بالشعر‪ ،‬ولعل‬ ‫‪ ،1998‬الصفحات ‪)139-138‬‬
‫هذا التأرجح الواقع للخطابة بني فين اخلطابة والشعر – على‬ ‫وبهذا ترتبط بالغة اخلطابة بعلم البيان الذي يؤسس لفكرة‬
‫اعتبار أن اخلطابة ممثلة يف اجلانب التداولي‪ ،‬والشعر ممثل يف‬ ‫املقام‪ ( .‬فبالغة اخلطابة قائمة على "علم البيان" الذي أرسى‬
‫اجلانب التخييلي – هو تأرجح متليه الظروف اليت مرت بها‬ ‫اجلاحظ دعائمه يف فرتة كانت فيها اجلداالت الكالمية‪،‬‬
‫البالغة يف تاريخ تطورها‪ .‬وهذا ما دفع بـ "العمري" إىل البحث‬ ‫والبحث عن "الدليل" من القرآن والسنة واحملاورات والنقاشات‪،‬‬
‫عن إمكانية قيام بالغة عامة تنسق بني ما هو شعري وما هو‬ ‫حمتدة بني الفرق اإلسالمية‪ ،‬اليت يسعى كل منها إىل إنتاج‬
‫خطابي‪ ،‬لذلك جنده كثريا ما يستعمل مصطلحي "خطابية"و‬ ‫(خطاب) تكون "بالغته" كفيلة بكسب أكرب عدد من املؤيدين‪.‬‬
‫"شعرية" يف إشارة إىل اجلانبني التداولي والتخييلي‪ ( .‬يوضح‬ ‫لذا فال غرو أن جند اجلاحظ يطابق بني املعنيني "اخلطابي‬
‫حممد العمري أن كلمة "بالغة" ال تطرح يف السياق العربي‬ ‫والبالغي" ( متاما مثل مطابقة بريملان بني البالغة واحلجاج)‪،‬‬
‫‪197‬‬
‫ع‪,‬ضيف‪ ،‬ع‪ ,‬أخضري | األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ،12‬العدد ‪ | 2020 ،02‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪203 - 195 :‬‬
‫والتداول‪ ،‬وهذا ما عناه "العمري" يف مطلع حديثه عن ضرورة‬ ‫إشكاال يف كونها علم اخلطاب االحتمالي بنوعيه التخييلي‬
‫االعتماد على نظام مصطلحي عند الوصل بني ما هو شعري‬ ‫والتداولي‪ ،‬وذلك نتيجة الدمج الذي مارسه يف املرحلة الثانية‬
‫وما هو خطابي‪ ،‬ألن ذلك ضروري لقيام بالغة عامة‪ ( .‬إن قيام‬ ‫من تارخيها‪ ،‬كل من عبد القاهر اجلرجاني و ابن سنان‬
‫بالغة عامة يتطلب منظومة مصطلحية تعرب عن املشرتك بني‬ ‫اخلفاجي ثم السكاكي وحازم القرطاجين‪ ،‬وذلك بعد احملاولة‬
‫التخييل والتداول‪ ،‬من جهة‪ ،‬ومتيز بعض اخلصوصيات اليت‬ ‫اليت قام بها العسكري حتت عنوان‪ :‬الصناعتني‪ .‬ويقول أنه‬
‫مل تأخذ ما تستحقه من اهتمام يف الدرس العربي‪ ،‬من جهة‬ ‫بالرغم مما أدت إليه عملية الدمج من إقصاء واختزال أحيانا‪.‬‬
‫ثانية‪ .‬ومن املصطلحات اليت وجدنا حاجة لوضعها أو نفض‬ ‫ومن حتويل املركز أحيانا أخرى (من التخييل إىل التداول‬
‫املستمع واإلنشاء‪ .‬وأول ما حنتاج إليه يف‬
‫َ‬ ‫الغبار عنها مصطلحا‬ ‫خاصة)‪ ،‬فقد ظل شعار الوحدة البالغية مرفوعا‪ .‬وينطلق‬
‫هذا الصدد كلمة تدل داللة اصطالحية على منتج اخلطاب‬ ‫العمري من أن املالحظات األسلوبية هي املصدر األول للبالغة‬
‫بقطع النظر عن كونه خطيبا أو شاعرا (أو كاتبا)‪ ،‬الكلمة اليت‬ ‫العربية‪ ،‬وستجمع الحقا حتت اسم البديع وحماسن الكالم (ابن‬
‫تقابل لفظ ‪( production‬أي اإلنتاج)‪ ،‬ويشتق منها يف الوقت‬ ‫املعتز)‪ ،‬وأن الطموح إىل صياغة نظرية عامة للفهم واإلفهام‬
‫نفسه ما يقابل لفظ ( ‪( ( auteur‬أي املؤلف)‪ .‬وقد وجدنا أن‬ ‫أو للبيان والتبيني (اجلاحظ) هو املصدر الثاني الكبري للبالغة‬
‫اللفظ العربي "اإلنشاء" ومنه "املنشئ" يعرب عن هذا املعنى بدقة‪،‬‬ ‫العربية)‪( .‬العمري‪ ،‬يف بالغة اخلطاب اإلقناعي‪ ،2002 ،‬صفحة ‪)34‬‬
‫فاعتمدناه بعد إعادة تعريفه)‪( .‬العمري‪ ،‬أسئلة البالغة يف النظرية‬ ‫وهذا ما صرح به "العمري" يف كتابه " البالغة اجلديدة بني‬
‫والتاريخ والقراءة‪ ،2013 ،‬صفحة ‪)22‬‬ ‫التخييل والتداول" والذي ألفه انطالقا من وعيه بضرورة‬
‫وعن مصطلح "اإلنشاء" الذي تكلم عنه "العمري" يسوق "حممد‬ ‫القيام مبثل هذا النوع من الدراسة‪ ،‬حتى يصل بالطالب‬
‫الولي" كالما لـ "حازم القرطاجين" يصف فيه طبيعة الوصف‬ ‫اجلامعي خصوصا‪ ،‬وبالقارئ العربي عموما إىل درجة من‬
‫بني الشعرية واخلطابية‪ ،‬وطبيعة املنشئ يف كل منهما‪.‬‬ ‫الوعي والفهم‪ ،‬متكنه من قراءة واستيعاب بالغة جديدة ذات‬
‫( إن التخيل هو قوام املعاني الشعرية واإلقناع هو قوام املعاني‬ ‫بعدين‪ :‬ختييلي وتداولي‪ .‬ويف ذلك يقول‪( :‬فللبالغة العربية‪،‬‬
‫اخلطابية‪ .‬واستعمال اإلقناعات يف األقاويل الشعرية سائغ‪،‬‬ ‫إذن‪ ،‬مهدان كبريان أنتجا مسارين كبريين‪ :‬مسار البديع‬
‫إذا كان ذلك على جهة اإلملاع يف املوضع بعد املوضع‪ ،‬كما‬ ‫يغذيه الشعر‪ ،‬ومسار البيان تغذيه اخلطابة‪ .‬ونظرا للتداخل‬
‫أن التخاييل سائغ استعماهلا يف األقاويل اخلطابية يف املوضع‬ ‫الكبري بني الشعر واخلطابة يف الرتاث العربي‪ .‬فقد ظل املساران‬
‫بعد املوضع‪ .‬وإمنا ساغ لكليهما أن يستعمل يسريا فيما تقوم به‬ ‫متداخلني وملتبسني رغم اجلهود الكبرية النرية اليت ساهم‬
‫ألن الغرض يف الصناعتني واحد‪ ،‬وهو إعمال احليلة‬ ‫األخرى‪ّ ،‬‬ ‫بها الفالسفة وهم يقرؤون بالغة أرسطو وشعريته)‪( .‬العمري‪،‬‬
‫يف إلقاء الكالم من النفوس مبحل القبول لتتأثر ملقتضاه‪.‬‬ ‫البالغة اجلديدة بني التخييل والتداول‪ ،2012 ،‬صفحة ‪)29‬‬
‫وبهذا الكالم يكون "العمري" قد لفت انتباهنا إىل النسق العام الذي فكانت الصناعتان متآخيتني ألجل اتفاق املقصد والغرض‬
‫تقف عنده البالغة‪ ،‬وهو نسق يتمتع بثنائية التخييل والتداول‪ .‬فيهما‪ .‬فلذلك ساغ للشاعر أن خيطب لكن يف األقل من كالمه‪،‬‬
‫( وقد نشرنا مقالة يف جملة فكر ونقد ( ع‪ )1999 ،25 ،‬بعنوان وللخطيب أن يشعر لكن يف األقل من كالمه)‪( .‬الولي‪ ،‬احلجاج‬
‫" البالغة العامة والبالغة املعممة"‪ ،‬حاولنا فيه رفع اللبس عن مدخل نظري تارخيي‪ ،2013 ،‬الصفحات ‪)74-73‬‬
‫موقع اخلطاب التداولي واإلقناعي من البالغة‪ ،‬إذ جعلناه أحد فكالم "حازم" هنا يقودنا إىل مصطلح اإلنشاء‪ ،‬حيث جيوز‬
‫وجهي هذه العملة‪ ،‬ووجهها الثاني التخييل‪ ،‬فالبالغة تضم يف للشاعر أن يعتمد على القليل من املقنعات‪ ،‬كما أن اخلطيب هو‬
‫جانب منها كل اخلطابات التخييلية من شعر وسرد وغريهما‪ ،‬اآلخر مرخص له أن يوظف القليل من التخييالت‪ ( .‬وهلذا نبه‬
‫كما تضم يف جانبها الثاني كل مكونات اخلطاب التداولي)‪ .‬الفالسفة ومعهم حازم إىل أن اخلطابة قد تستعمل التخييل‪،‬‬
‫والشعر قد يستعمل اإلقناع كل يف حدود)‪( .‬حيياوي‪،1991 ،‬‬ ‫(العمري‪ ،‬يف بالغة اخلطاب اإلقناعي‪ ،2002 ،‬صفحة ‪)6‬‬
‫صفحة ‪)126‬‬ ‫وانطالقا من ذلك فإن إمكانية الوصل بني ما هو شعري وما‬
‫(املستمع) الذي رصده "العمري" فقد‬
‫َ‬ ‫أما عن املصطلح الثاني‬ ‫هو خطابي أمر ال مناص منه‪ ،‬فالعالقة بينهما عالقة اتصال‬
‫جاء ليدل على معنى أوسع من فكرة املقام‪ ،‬ويف ذلك يقول‪( :‬أما‬ ‫ال انفصال‪ ،‬وهذا ما عرب عنه "رشيد حيياوي" بقول نقله عن‬
‫"املستمع"‪ ،‬على وزن جمتمع فتدل على ما اشتقت منه صيغة‬ ‫َ‬ ‫"اجلاحظ"‪( :‬إن العالقة بني اخلطابي والشعري مل تكن أبدا‬
‫وأصواتا‪ :‬أي مستمعون يف سياق مكاني حمدد‪ ،‬وهي كلمة‬ ‫عالقة تضاد‪ ،‬بل كان الوعي بالتقارب بينهما قدميا‪ ،‬وقد ذهب‬
‫دقيقة ال تغين عنها كلمة "مقام" وال كلمة "سياق"‪ ،‬وال كلمة‬ ‫بعض النقاد إىل أن بإمكان بعض املبدعني اجلمع بني الشعري‬
‫"مستمعني" وال " مجهور"‪ ،‬كما يف بعض الدراسات)‪( .‬العمري‪،‬‬ ‫واخلطابي كأن يكون املبدع شاعرا وخطيبا وإن كان ذلك‬
‫أسئلة البالغة يف النظرية والتاريخ والقراءة‪ ،2013 ،‬صفحة ‪)22‬‬ ‫قليال)‪( .‬اجلاحظ‪ ،1998 ،‬صفحة ‪)121‬‬

‫مستمع‪ ،‬وقد دأبت على‬


‫َ‬ ‫وإذا ما هممنا الوصل بني الشعرية واخلطابية‪ ،‬ال بد من التعرض (ولعل القارئ يلتقي ألول مرة بكلمة‬
‫إىل مصطلحات تعد نقطة االلتقاء بني دائرتي التخييل استعماهلا مقابال لكلمة ‪ ،auditoire‬وهي تعين املقام اخلطابي‬
‫‪198‬‬
‫ع‪,‬ضيف‪ ،‬ع‪ ,‬أخضري | األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ،12‬العدد ‪ | 2020 ،02‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪203 - 195 :‬‬
‫والتخييلي ومدى التداخل والتخارج بينهما احتجنا إىل لفظني‬ ‫مبكوناته الثقافية والزمانية واملكانية‪ .‬فبدون التفاهم حول هذه‬
‫يدل كل منهما على اخلصوصية اجلوهرية ألحد اجملالني‪،‬‬ ‫املصطلحات سيتعذر التخاطب يف هذا املوضوع)‪( .‬العمري‪ ،‬البالغة‬
‫لفظني يقابالن املصطلحني الالتينيني ‪ figure‬و ‪.argument‬‬ ‫اجلديدة بني التخييل والتداول‪ ،2012 ،‬صفحة ‪)14‬‬
‫فاستعملت كلميت صورة وحجة‪ .‬وقد اجتهد التداوليون‪،‬‬ ‫‪ .5‬الفصل بني الشعرية واخلطابية‬
‫لسانيني ومناطقة‪ ،‬يف بيان األبعاد احلجية للصورة‪ ( ،‬االستعارة‬
‫والسخرية خاصة) كما اجتهد البالغيون يف بيان األبعاد‬ ‫إن التداخل احلاصل يف البالغة بني اخلطاب التداولي ( اخلطابة)‬
‫الصورية (أي التخييلية ) للحجة)‪( .‬العمري‪ ،‬أسئلة البالغة يف‬ ‫واخلطاب التخييلي (الشعر) من شأنه أن يساهم يف الفصل‬
‫بينهما‪ ،‬وذلك لطبيعة وخصوصية كل خطاب على حدة‪ ،‬وعن النظرية والتاريخ والقراءة‪ ،2013 ،‬صفحة ‪)22‬‬
‫إمكانية هذا الفصل يتحدث "العمري" قائال‪:‬‬
‫وعن خصوصية كل خطاب يسوق لنا "العمري" حديثا نقله‬
‫(ال خيتلف املدافعون عن النسق البالغي العام مع املرتابني يف عن "حازم القرطاجين" هذا نصه‪ ( :‬وينبغي أن تكون األقاويل‬
‫إمكانية قيامه يف أن التخييل والتداول (أو احلجاج بشكل أدق) املقنعة‪ ،‬الواقعة يف الشعر‪ ،‬تابعة ألقاويل خميلة‪ ،‬مؤكدة‬
‫يلتقيان يف أنهما خطابان قائمان على االحتمال؛ االحتمال ملعانيها‪ ،‬مناسبة هلا فيما قصد بها من األغراض‪ ،‬وأن تكون‬
‫توهيما أو ترجيحا‪ ،‬التوهيم يف التخييل والرتجيح يف التداول املخيلة هي العمدة‪ .‬وكذلك اخلطابة‪ ،‬ينبغي أن تكون األقاويل‬
‫احلجاجي‪ ،‬فحتى تفريق أرسطو ال يعدو جهة االحتمال وجودا املخيلة الواقعة فيها تابعة ألقاويل مقنعة‪ ،‬مناسبة هلا‪ ،‬مؤكدة‬
‫وعدما‪ :‬فخطاب الشاعر "كذب" حمتمل الصدق‪ ،‬وكالم ملعناها‪ ،‬وأن تكون األقاويل املقنعة هي العمدة)‪( .‬العمري‪ ،‬احلجاج‬
‫اخلطيب صدق حمتمل الكذب‪ .‬ومع ذلك فمن الدارسني من مبحث بالغي فما البالغة؟‪ ،2013 ،‬صفحة ‪)123‬‬
‫رجح اخلصوصيات النوعية لكل جنس ففصل)‪( .‬العمري‪ ،‬البالغة‬
‫كما أن لكل من اخلطابني ( التخييلي والتداولي ) خصائص‬ ‫اجلديدة بني التخييل والتداول‪ ،2012 ،‬صفحة ‪)15‬‬
‫بالغية يقومان عليها‪ ( ،‬إن اإلقناع والتخييل غايتان متيزان‬
‫وبناء على هذا الفصل بني ما هو خطابي وما هو شعري‪ .‬تتحدد الشعر واخلطابة‪ .‬فالقصد من اإلقناع إيقاع الظن والقصد من‬
‫املعامل الكربى واليت تسمح بقيام بالغة عامة تتقاطع فيها التخييل بسط النفس للقيام بعمل ما أو قبضها عنه‪ .‬ولكل‬
‫التصورات التخييلية مع التصورات التداولية (املقنعة) وهذا من الغايتني خصائص أسلوبية وغري أسلوبية يقومان عليها)‪.‬‬
‫(حيياوي‪ ،1991 ،‬صفحة ‪)125‬‬ ‫تبعا لتغري وتعدد النصوص‪.‬‬

‫وإذا ما أردنا الوقوف على طبيعة الفصل القائمة بني الشعرية‬ ‫(ومن هنا فإن اخلطابني التداولي‪/‬احلجاجي والتخييلي‪/‬‬
‫واخلطابية‪ ،‬فإن ذلك يتطلب معرفة واسعة تستند إىل متحيص‬ ‫الشعري خطابان احتماليان‪ ،‬وبذلك يكونان موضوعني للبالغة‪،‬‬
‫وتدقيق للمنطقة اليت يتقاطع فيها التخييل مع التداول‪ ،‬وذلك‬ ‫وحنن هنا نتحدث عن ثنائية قطبية لضرورة منهاجية‪،‬‬
‫ما أشار إليه "العمري" بقوله‪( :‬إن ظهور مفهوم اخلطاب يف‬ ‫أما من حيث املمارسة فإن التداخل بني اخلطابني التداولي‬
‫والتخييلي حقيقة واقعة تتفاوت مسافتها حسب النصوص‬
‫اجملالني‪ :‬اللساني ( التواصلي ) والفلسفي ( احلواري)‪ ،‬وحماولة‬
‫تعميم نظرية شاملة‪ ،‬سواء حتت مفهوم علم اخلطاب أو علم‬ ‫والتيارات اخلطابية عرب األزمنة واحلضارات (اخلطابة العربية‬
‫النص أو السيميائيات مل حيل املشكل‪ ،‬ذاك أن جاذبية القطبني‬ ‫القدمية مثال خطابة شعرية‪ ،‬كما بينا يف كتابنا يف بالغة‬
‫حنو اخلارج (االنفصال) والداخل (االتصال) ما انفكت تتقوى‪،‬‬ ‫اخلطاب اإلقناعي)‪ .‬ومن هنا حتدث كل من ريكور و روبول‬
‫ولذلك تطلب األمر فحص املنطقة اليت يتقاطع فيها التخييل‬ ‫يف مناقشتهما لقضية احتمال قيام بالغة عامة للحجاجي‬
‫ممثال بالشعرية‪ ،‬واحلجاج ممثال باخلطابية ( اخلطابية ‪:‬‬ ‫والشعري‪ ،‬وقبول ذلك عند أحدهما ورفضه عند اآلخر‪ ،‬عن‬
‫ترمجة لكلمة ‪ Rhétorique‬باملفهوم األرسطي الضيق الذي‬ ‫منطقة التقاطع اليت استعمال فيها معا لفظ ‪ région‬ذي‬
‫احلمولة اجلغرافية‪ ،‬أي اإلقليم‪ .‬ويف هذا النطاق يدخل جهد‬
‫جيعلها مقابلة للشعرية (‪ )Poétique‬ومعارضة هلا ) )‪( .‬النقاري‪،‬‬
‫بعض الباحثني يف بيان شعرية احلجة وحجية الصور‪ .‬وهذا ‪ ،2006‬صفحة ‪)10‬‬
‫مبحث يف غاية األهمية والعمق)‪( .‬العمري‪ ،‬احلجاج مبحث بالغي‬
‫ويعد "بول ريكور" من الذين استعملوا لفظ ‪ Région‬يف سياق‬ ‫فما البالغة؟‪ ،2013 ،‬صفحة ‪)121‬‬
‫فصله بني الشعرية واخلطابية‪ ،‬إذ ختتص كل واحدة منهما‬
‫إن هذا التداخل والتفاوت بني اخلطابني ‪ ( :‬التداولي والتخييلي ) بهدف ووظيفة معينة على خالف نظريتها‪( .‬وبرغم اعرتاف‬
‫ينبئ عن اخلصوصية اليت ينفرد بها كل منهما‪ ،‬إذ يظل جمال الباحث بوجود منطقة تقاطع واسعة؛ تستحق لفظ ‪ région‬ذا‬
‫اشتغال كل خطاب ضمن حقل التخاطب مباينا ملثيله وقرينه‪ ،‬الداللة اجلغرافية القوية‪ ،‬فإن ذلك ال يكفي‪ ،‬يف نظره‪ ،‬جلعل‬
‫واعتمادا على هذه اخلصوصية اليت متيز بني اخلطابني‪ ،‬فقد هذا اإلقليم املشرتك عاصمة فيدرالية للشعرية اخلطابية؛ مع‬
‫اقرتح "العمري" لفظني يشري كل منهما إىل اخلصوصية كل ما تضمنه هذه الفدرالية من حرية يف معاجلة خصوصيات‬
‫الطرفني‪ .‬ويعلل هذا الرفض باختالف املبحثني يف املنطلق‬ ‫النوعية لكل خطاب‪.‬‬
‫( وللداللة على اخلصوصية النوعية لكل من اجملالني التداولي واهلدف [‪ ]...‬من األكيد أن هناك خطابة يف الشعر وشعرا يف‬

‫‪199‬‬
‫ع‪,‬ضيف‪ ،‬ع‪ ,‬أخضري | األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ،12‬العدد ‪ | 2020 ،02‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪203 - 195 :‬‬
‫اخلطابة‪ ،‬غري أن األمر ليس بنفس القوة يف احلالتني؛ فالشاعر نتائجه‪ ،‬بسبب عدم اإلحاطة بصوره وجتلياته وخماتلته)‪.‬‬
‫ال حياجج مبعنى الكلمة‪ ،‬حتى وإن كانت شخصياته حتاجج؛ (صولة‪ ،‬البالغة العربية يف ضوء البالغة اجلديدة (أو احلجاج)‪،‬‬
‫فاحلجاج عنده يساهم يف حدود تنمية احلبكة‪ ،‬واخلطيب ال ‪ ،2013‬صفحة ‪)175‬‬
‫خيلق حبكا للحكاية حتى وإن ضمن خطابه عنصرا سرديا‪ .‬ومبا أن القياس ال خيضع يف بنائه إىل شروط علمية دقيقة‪،‬‬
‫إن نواة الشعرية تتبلور يف العالقة بني كلمات مفاتيح هي ‪ :‬فقد حصر "العمري" قيامه على الرأي مبا يضعه يف دائرة‬
‫اإلنتاج (‪ )poiesis‬واحلكي (‪ )Muthos‬واحملاكاة ( ‪ )mimesis‬االحتمال‪ ( .‬ففي حني يقوم القياس املنطقي على االستنتاج‬
‫واحلبكة (‪ ،)intrigue‬وبهذا يعارض نواة اخلطابية اليت هي العلمي الصارم‪ ،‬يقوم القياس املضمر‪ ،‬أي القياس اخلطابي على‬
‫احلجاج‪ ،‬أما من حيث اهلدف والوظيفة فإن الشعر يستهدف الرأي [‪ ]...‬فالقياس املضمر هو قياس يقوم على االحتماالت)‪.‬‬
‫التطهري يف حني تستهدف اخلطابة اإلقناع)‪( .‬العمري‪ ،‬البالغة (العمري‪ ،‬يف بالغة اخلطاب اإلقناعي‪ ،2002 ،‬صفحة ‪)71‬‬
‫اجلديدة بني التخييل والتداول‪ ،2012 ،‬الصفحات ‪)18-17‬‬
‫ويقدم "العمري" مناذج للقياس اخلطابي تتمثل يف التعارض‬
‫احلجاج حني زعم الناس أنه‬‫ومما تقدم ذكره فإن الفصل بني الشعرية واخلطابية‪ ،‬فصل والتضاد‪ ،‬ويضرب مثاال لذلك عن ّ‬
‫واحلجاج‬
‫ّ‬ ‫يف املكون املميز لكل منهما‪ ،‬إذ يظل جمال الشعر التخييل‪ ،‬ساحر‪ ،‬والساحر يف القرآن الكريم ال يفلح حيث أتى‪،‬‬
‫وجمال اخلطاب التداول‪ ،‬لتصبح البالغة بذلك علما يشمل أفلح‪ .‬وهذا تعارض وتضارب يف القول‪ ،‬فلو أنه كان ساحرا ملا‬
‫احلجاج‪ :‬زعمتم أني ساحر‪ ،‬وقد قال اهلل تعاىل‪" :‬وال‬
‫أفلح‪ ( .‬قال ّ‬ ‫كل اخلطابات‪ ،‬وهذا ما يصطلح عليه "البالغة العامة"‪.‬‬
‫يفلح الساحر"‪ ،‬وقد أفلحت‪ .‬وخترجيه‪:‬‬ ‫‪ .6‬صور احلجاج‬
‫ال يفلح الساحر‬ ‫‪ 1.6‬القياس‬
‫يعد القياس آلية من اآلليات اليت تستعمل يف شتى العلوم أفلح احلجاج‬
‫احلجاج ساحرا‪ ( ،‬أو هم كاذبون‪ ،‬ألن تصديقهم‬ ‫ّ‬ ‫واجملاالت‪ ،‬وذلك للوصول إىل حقائق األشياء‪ ،‬أو اكتشاف إذن‪ :‬ليس‬
‫خاصية من اخلصائص اليت متيز علما من العلوم‪ ،‬أما يف اجملال يؤدي إىل تكذيب اهلل‪ ،‬واهلل أكرب منهم‪ ،‬فال مفر إذن من أن‬
‫البالغي اخلطابي فإن كلمة "القياس" ال ميكن حصرها يف ينكسر األصغر)) ( العمري‪ ،2002،‬ص ‪.) 73‬‬
‫قياس واحد‪ ،‬وذلك لتباين اخلطابات من جهة‪ ،‬واختالف طرق‬
‫الربهنة واالستدالل من جهة ثانية‪ .‬وعلى هذا األساس جند فهذا النوع من القياس فيه تعارض لكون قائله يطلق كالما يف‬
‫أنفسنا أمام أقيسة كثرية‪ ،‬حيث كل قياس يعنى خبطاب حق املتلقي ال يليق به وال يطابقه‪ ،‬فهو كالم يدخل يف دائرة‬
‫بعينه‪ ،‬إال أن القياس الذي اهتم به "العمري" هو القياس التناقض والتعارض‪.‬‬
‫اخلطابي الذي يراه قياسا فضفاضا‪ ( .‬كثريا ما مجعت اآلليات وما أراد "العمري" أن يبينه هو أن مصطلح "القياس" عرف‬
‫املتعلقة بهذا اجلانب حتت عنوان شامل‪ :‬القياس اخلطابي‪ .‬وهو استعماال واسعا يف اخلطابة العربية مبختلف أمناطه وأشكاله‪.‬‬
‫يتسع ليشمل مجيع صور االستقراء واالستنتاج القائمة على (وقصارى ما نريد بيانه‪ ،‬بعد‪ ،‬هو أن اخلطابة العربية استعملت‬
‫االحتمال ال القطع‪ ،‬قد يضيق ليدل على القياس الذي تضمر أقيسة عقلية متنوعة يدخل أغلبها فيما أحصاه أرسطو‪ ،‬وذلك‬
‫نتيجته أو إحدى مقدمتيه)‪( .‬العمري‪ ،‬البالغة اجلديدة بني التخييل حتى قبل اتصال العرب بالفلسفة اليونانية اتصال ترمجة‬
‫ودراسة وتأثر‪ ،‬وهذه الرباهني واألقيسة تعود إىل طبيعة العقل‬ ‫والتداول‪ ،2012 ،‬صفحة ‪)71‬‬
‫وبذلك فالقياس ال يكون إال انطالقا من مقدمتني‪ ( .‬إنه ال اإلنساني ومبادئه)‪( .‬العمري‪ ،‬يف بالغة اخلطاب اإلقناعي‪،2002 ،‬‬
‫الصفحات ‪)80-79‬‬ ‫جيب قياس إال عن مقدمتني إلحداهما باألخرى تعلق)‪( .‬ابن‬
‫ثم ما يلبث أن ينقلنا إىل أن القياس اخلطابي (املضمر) القائم‬ ‫وهب‪ ،1969 ،‬صفحة ‪)68‬‬
‫على االحتمال إمنا جماله الذي خيوض فيه هو جمال اخلطابة‬ ‫كما يؤكد "العمري" على أن نتائج القياس ال تكون نتائج‬
‫وخاصة القضائية منها‪ ،‬يف إشارة منه إىل "أرسطو"‪ ( .‬والقياس‬ ‫حمسومة بصفة قطعية ال تدع للشك جماال‪ ،‬بل إن نتائجه‬
‫اخلطابي يقوم على االحتمال والرتجيح‪ ،‬كما سبق‪ ،‬وجماله‬ ‫مبنية على االحتمال والرتشيح‪ .‬وبذلك عد جماال خصبا لقيام‬
‫األساسي يف نظرية أرسطو املرافعات القضائية‪ .‬واملعروف أن‬ ‫احلجاج‪ ،‬وال حييط بعلمه إال من أوتي حسنا يف استعماله‬
‫هذا النوع من اخلطابة مل تكن له أهمية كبرية يف العصر الذي‬ ‫ووقوفا على آلياته ومناذجه‪ ( .‬واحلقيقة اليت نؤكدها هنا هي‬
‫ندرسه‪ .‬على أن الواقع يقتضي االعرتاف بأن بعض املواقف اليت‬ ‫أن القياس جبميع أنواعه وتشكالته هو ركيزة رئيسة من‬
‫يسعى فيها اخلطباء إىل دفع التهمة أو التربؤ من الوشاية أو‬ ‫ركائز اخلطاب جبميع أجناسه‪ .‬وال يوجد خطاب إال ويستعني‬
‫تربيء ذمة القبيلة ال ميكن فصلها عن اخلطابة القضائية إال‬ ‫بهذه الوسيلة ليقنع املتلقي أو يؤثر فيه‪ ،‬أو ينقل إليه تصوراته‬
‫العتبارات تكاد تكون شكلية)‪( .‬العمري‪ ،‬يف بالغة اخلطاب اإلقناعي‪،‬‬ ‫وختيالته‪ ،‬وأحيانا كي خيدعه ويغالطه‪ .‬هلذا عد القياس‬
‫وسيلة خطرية ملن ال حيسن استعماله‪ ،‬أو يسيء فهمه وينخدع ‪ ،2002‬صفحة ‪)80‬‬

‫‪200‬‬
‫ع‪,‬ضيف‪ ،‬ع‪ ,‬أخضري | األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ،12‬العدد ‪ | 2020 ،02‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪203 - 195 :‬‬
‫ونوه "العمري" بأن القدماء قد عرفوا املثل وجتاوبوا معه على‬ ‫وبذلك حيصر "العمري" القياس اخلطابي يف دائرة اخلطابة‪،‬‬
‫ألسنة اإلنس واحليوان من كالم نقله عن "ابن وهب" صاحب‬ ‫ليشمل كل أشكال االستنتاج واالستقراء اللذين حتدث‬
‫كتاب "الربهان يف وجوه البيان" ما نصه‪ ( :‬وأما األمثال فإن‬ ‫عنهما "أرسطو" يف خطابته‪( .‬جند يف خطابة أرسطو وسيلتني‬
‫احلكماء والعلماء واألدباء مل يزالوا يضربون ويبينون للناس‬ ‫منطقيتني أساسيتني هما االستنتاج واالستقراء اللذان تعود‬
‫تصرف األحوال بالنظائر واألشكال‪ ،‬ويرون هذا النوع من‬ ‫إليهما البنيتان املنطقيتان اخلطابيتان‪ :‬الضمري واملثال‪]...[ ،‬‬
‫القول أجنع مطلبا‪ ،‬وأقرب مذهبا‪ .‬ولذلك قال اهلل عز وجل‪:‬‬ ‫فالضمري‪ ،‬حينئذ‪ ،‬إمنا هو أقرب إىل جمال اخلطابة منه إىل‬
‫"ولقد ضربنا للناس يف هذا القرآن من كل مثل" (سورة‬ ‫جمال املنطق‪ ،‬فهو يتوفر على إنتاجية استثنائية وخصوبة‬
‫الروم‪ ،‬اآلية ‪ )58‬وقال‪" :‬وسكنتم يف مساكن الذين ظلموا‬ ‫الفتة قائمة أساسا على اإلضمار وعدم التصريح‪ ،‬فعنصره‬
‫أنفسهم‪ ،‬وتبني لكم كيف فعلنا بهم‪ ،‬وضربنا لكم األمثال"‬ ‫املفقود إمنا يبنيه السامع ويستنتجه من خالل حتريك‬
‫(سورة إبراهيم‪ ،‬اآلية ‪ )45‬وكذلك جعلت القدماء أكثر‬ ‫املضمر وكشفه وتعرية الغائب وفضحه)‪( .‬الشبعان‪،2013 ،‬‬
‫آدابها وما دونته من علومها باألمثال والقصص عن األمم‪،‬‬ ‫الصفحات ‪)954-953‬‬
‫ونطقت ببعضه على ألسن الطري والوحش‪ ،‬وإمنا أرادوا‬ ‫‪ 2.6‬املثل‬
‫بذلك أن جيعلوا األخبار مقرونة بذكر عواقبها‪ ،‬واملقدمات‬
‫مضمومة إىل نتائجها)‪( .‬ابن وهب‪ ،1969 ،‬صفحة ‪)119،117‬‬ ‫يعترب املثل وسيلة من الوسائل اليت جينح هلا اخلطيب يف‬
‫تعزيز آرائه‪ ،‬والتدليل على صحة ما يقول‪ ،‬وبذلك يكتسب‬
‫يستفاد من هذا الكالم أن املثل ليس حديث عهد بالبالغة‬ ‫املثل قيمة حجاجية كربى يف قيام جل اخلطابات اليت تقوم‬
‫العربية‪ ،‬بل هو قديم وميثل زاوية من زوايا اخلطاب‪ ( .‬وإذن‪،‬‬ ‫أساسا على صور املشابهة بني حالتني أو أـكثر‪ ،‬وقد صور‬
‫فالعرب يف العصور اإلسالمية األوىل – سواء كانوا منتجني‬ ‫"العمري" املثل وعده صورا من صور احلجاج‪ ،‬كما أشار إىل‬
‫للخطاب أو متلقني له‪ ،‬أو باحثني فيه‪ -‬على علم كبري مبا‬ ‫"أرسطو" وتصنيفه إياه إىل صنفني‪ :‬تارخيي ومصطنع‪( .‬‬
‫للتمثيل من أهمية خاصة يف التأثري يف املتلقني من جهة‪ ،‬ويف‬ ‫يقوم املثل يف اخلطابة مقام االستقراء يف املنطق‪ ،‬أو املثل هو‬
‫مجاليات اخلطاب من جهة ثانية)‪( .‬صولة‪ ،‬البالغة العربية‬ ‫استقراء بالغي‪ .‬واملثل حجة تقوم على املشابهة بني حالتني‬
‫يف ضوء البالغة اجلديدة (أو احلجاج)‪ ،2013 ،‬صفحة ‪)181‬‬ ‫يف مقدمتها‪ ،‬ويراد استنتاج نهاية إحديهما بالنظر إىل نهاية‬
‫وهذا ما دفع بـ "العمري" إىل اعتبار املثل ركيزة أساسية يف‬ ‫مماثلتها‪ .‬وهو عند أرسطو تارخيي ومصطنع)‪( .‬العمري‪ ،‬يف‬
‫قيام اخلطابة‪ ،‬وقد يتسع معناه ليشمل صور البيان‪ ( .‬والواقع‬ ‫بالغة اخلطاب اإلقناعي‪ ،2002 ،‬صفحة ‪)82‬‬
‫أن املثل يعترب دعامة كربى من دعائم اخلطابة ملا حيققه‬ ‫وبهذا الكالم الذي ساقه "العمري" يكون قد أحالنا إىل البعد‬
‫من إقناع وتأثري‪ ،‬وإذا أخذناه مبعناه الواسع الذي يشمل‬ ‫احلجاجي للمثل يف كونه ال يقف عند لون واحد فحسب‪،‬‬
‫التشبيه واالستعارة‪ ،‬ولن نفعل ذلك إال يف حدود ضيقة‪ ،‬صار‬ ‫بل تتعدد ألوانه وصوره تبعا لتغري املقامات‪ ،‬لرياد به الوصول‬
‫أهم دعائم هذه البالغة)‪( .‬العمري‪ ،‬يف بالغة اخلطاب اإلقناعي‪،‬‬ ‫نهاية إىل نتيجة مشابهة للحالة اليت مثل هلا اخلطيب‪( .‬‬
‫‪ ،2002‬صفحة ‪ )85‬وبذلك تتضح معامل املثل كونه ال حييل‬ ‫فالتمثيل – إذن‪ -‬وسيلة حجاجية ذات تأثريات يف املتلقي‬
‫إىل وظيفة إقناعية فقط‪ ،‬بل يتجاوز ذلك إىل اخلوض يف‬ ‫من جهات عدة‪ ،‬فهو خطاب للعقل بوصفه ينقل العقل من‬
‫أقسام البيان اليت أشار إليها "العمري"‪.‬‬ ‫املعنى يف احلالة التصورية العادية إىل احلالة التصديقية؛‬
‫إال أن وظيفة املثل ال تقف عند البيان فحسب‪ ،‬وإمنا تكمن‬ ‫ألنه مبثابة إحضار املعنى املدعى ليشاهد كما هو يف الواقع‪،‬‬
‫يف خاطر الفرد الواحد منا يتمثلها ويستحضرها يف كل‬ ‫فكأنه – واحلالة هذه‪ -‬يقول لك هذا هو انظر إليه) (جمموعة‬
‫خطاب‪ ،‬وهذا ما أشار إليه "ابن رشيق"‪ ( .‬واملَ َثل واملِ ْثل‪ :‬الشبيه‬ ‫من املؤلفني‪ ،2013،‬ص ‪( .) 179‬فأنت إذن‪ ،‬مع الشاعر وغري‬
‫والنظري‪ ،‬وقيل‪ :‬إمنا مسي مثال ألنه ماثل خباطر اإلنسان‬ ‫م َّث ٍل ثم مثله كمن‬
‫الشاعر إذا وقع املعنى يف نفسك غري مُ َ‬
‫أبدا‪ ،‬يتأسى به‪ ،‬ويعظ ويأمر ويزجر‪ ،‬واملاثل‪ :‬الشاخص‬ ‫خيرب عن شيء من وراء حجاب‪ ،‬ثم يكشف عنه احلجاب‬
‫املنتصب‪ ،‬من قوهلم‪ :‬طلل ماثل أي شاخص)‪( .‬ابن رشيق‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وصفت")‪( .‬اجلرجاني‪،‬‬ ‫ويقول‪ " :‬هاهو ذا‪ ،‬فأبصر جتده على ما‬
‫‪ ،2003‬صفحة ‪)232‬‬ ‫‪ ،1991‬صفحة ‪)122‬‬
‫( فهذا الكالم من ابن رشيق يدل داللة واضحة على أن‬ ‫كما يضيف "العمري" إضافة تضع املثل كعنصر فعال‬
‫وظيفة املثل هنا ليست البيان فقط‪ ،‬وإمنا أن مييل خباطر‬ ‫يف حتقيق اإلقناع‪ ،‬ملا له من أثر بالغ جاء على لسان القرآن‬
‫اإلنسان أبدا كما هو قا ّر عنده‪ ،‬واملثل ينتصب بقوة‬ ‫الكريم‪ ،‬وهذا ما فسح جماال واسعا الستثماره يف البالغة‬
‫كالشاخص على القضية املطروحة يف اخلطاب‪ .‬فوظيفة‬ ‫العربية‪.‬‬
‫املثل – إذن‪ -‬حجاجية‪ ،‬وهي وظيفة أشار إليها ابن رشيق‬ ‫(وانتبه دارسو النص القرآني والبالغيون العرب باملمارسة‬
‫يف ثنايا كالمه‪ ،‬ومل يصرح بها)‪( .‬صولة‪ ،‬البالغة العربية يف‬ ‫واملثاقفة إىل أهمية املثل يف إحداث اإلقناع)‪( .‬العمري‪ ،‬يف بالغة‬
‫ضوء البالغة اجلديدة (أو احلجاج)‪ ،2013 ،‬صفحة ‪)178‬‬ ‫اخلطاب اإلقناعي‪ ،2002 ،‬صفحة ‪)83‬‬
‫‪201‬‬
‫ع‪,‬ضيف‪ ،‬ع‪ ,‬أخضري | األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ،12‬العدد ‪ | 2020 ،02‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪203 - 195 :‬‬
‫ومن أمثال اخلطباء الذين اشتهروا ببناء خطبهم على الشواهد‬ ‫‪ 3.6‬الشاهد‬
‫احلجاج وأمثاله كثر‪ ،‬والعجب يف ذلك فقد عرفت‬ ‫الشعرية‪ّ ،‬‬
‫يكتسي مفهوم "الشاهد" يف اخلطاب البالغي والنقدي قيمة‬
‫البالغة العربية رواجا واستقرارا يف تعاطيها مع النص الشعري‬
‫عليا‪ ،‬إذ حيصره "أرسطو" يف اخلطابة القضائية اليت تقوم‬
‫وهي يف عهدة األمويني‪ (.‬واعتمد علماء اللغة الشعر مصدرا أساسا‬
‫لالحتجاج واالستشهاد على صحة وسالمة ما ينقلونه من كالم‬ ‫على استحضار الشهود واألقوال‪ .‬يف حني جنده يف اخلطابة‬
‫العرب‪ .‬ومت يكن اعتمادهم الشعر عبثا‪ ،‬وإمنا كان ذلك ملا يتمتع‬ ‫العربية شديد الصلة بالشعر الذي يعد ديوان العرب ولسانهم‬
‫به هذا اجلنس األدبي من أهمية تكمن يف كونه أصال من أصول‬ ‫الناطق‪ ،‬ومع جميء اإلسالم أضحى القرآن الكريم وحديث‬
‫الثقافة العربية اإلسالمية [‪ ]...‬والشعر العربي إضافة إىل كونه‬ ‫رسوله صلى اهلل عليه وسلم من أجل وأعظم املصادر اليت‬
‫مصدرا من مصادر االستشهاد على القواعد الكلية للغة العربية‪،‬‬ ‫يستشهد بها‪ ( .‬تسمى هذه الوسائل املستعملة يف هذا الصدد عند‬
‫وأداة لفهم معاني القرآن ومقاصده‪ ،‬هو أيضا شاهد على إعجاز‬ ‫أرسطو احلجج اجلاهزة أو غري الصناعية‪ .‬ويدخل يف نطاقها‬
‫القرآن)‪( .‬الرشدي‪ ،2014 ،‬الصفحات ‪)26-25‬‬ ‫القوانني والشهود واالعرتافات وأقوال احلكماء‪ ،‬وختتص إمجاال‬
‫باخلطابة القضائية‪ .‬ومنها يف اخلطابة العربية تضمني اآليات‬
‫وعلى هذا تتعزز مكانة الشعر لتتصدر كل الشواهد‪ ،‬إذ هو‬
‫القرآنية واآلحاديث وأبيات الشعر واألمثال واحلكم‪ .‬وهي حجج‬
‫ديوان العرب ومصدر عزهم‪ ،‬ومازاده عزا حسن اقرتانه بالقرآن‬
‫جاهزة تكتسب قوتها من مصدرها ومن مصادقة الناس عليها‬
‫ليكون وثيق الصلة به‪.‬‬
‫وتواترها‪ ،‬وتدخل اخلطيب ينحصر يف اختيارها وتوجيهها إىل‬
‫(إن أهمية الشعر يف احلضارة العربية اإلسالمية باعتباره من‬ ‫الغرض املرصودة لالستدالل عليه)‪( .‬العمري‪ ،‬يف بالغة اخلطاب‬
‫أبرز خصائصها ومدخال ضروريا لدراستها وفهم روحها أمر ال‬ ‫اإلقناعي‪ ،2002 ،‬صفحة ‪)90‬‬
‫حيتاج إىل دليل‪ .‬يكاد جيمع املهتمون بها على أن شأن الشعر‬
‫قل أن نصادف يف تاريخ‬ ‫يستدل من هذا الكالم الذي أورده "العمري" أن طبيعة الشاهد فيها ال يوجد يف حضارة سواها‪ .‬وأنه َّ‬
‫ال ميكن حصرها يف قول خمصوص مطلق‪ ،‬بل إن متثله يف اإلنسانية الطويل قوما اهتموا بأدبهم اهتمام العرب بشعرهم")‪.‬‬
‫(صمود‪ ،1991 ،‬صفحة ‪)23‬‬
‫اخلطاب يعزى إىل أشكال عديدة من القول متارس سلطة‬
‫َ‬
‫املخاطب يف إمكانية الرجوع إليها واالحتجاج بها‪ .‬وبذلك‬ ‫على‬
‫تتحقق احلجاجية يف الشاهد‪ ( .‬وهو يتحقق عندما يستند ( لذلك كانت للشعر قوته يف البناء اللغوي واملعريف واإلقناعي‬
‫اخلطاب إىل أقوال تشكل سلطة مرجعية يعرتف بها املخاطب‪ ،‬داخل هذه الثقافة‪ ،‬وليس أدل على ذلك من اعتماده آلة لتفسري‬
‫وحتظى بالنفوذ يف جماله السوسيوثقايف‪ .‬وتسمى هذه األقوال القرآن وكشف مقاصده‪ ،‬هذه املنزلة السامية اليت تبوأها‬
‫عند البالغيني‪ :‬الشواهد‪ ،‬وهي تقتبس حتديدا من القرآن الشعر يف عالقته بكتاب اهلل‪ ،‬أكسبته حجية قوية وفعالة يف‬
‫حتقيق الرتجيح ويف قطع الشغب‪ ،‬ويف إيقاع التصديق)‪( .‬عادل‪،‬‬
‫واحلديث النبوي والشعر واألمثال واحلكم‪ .‬وهلذه الشواهد‬
‫‪ ،2013‬صفحة ‪)234‬‬
‫وظيفة حجاجية مهمة)‪( .‬املودن‪ ،2013 ،‬صفحة ‪)446‬‬
‫إذ تتحدد الوظيفة احلجاجية للشاهد يف حتصيل اإلقناع لدى وإىل جانب اعتماد الشاهد الشعري كصورة حجاجية‪ ،‬اجته‬
‫اخلطباء إىل توظيف الشاهد الديين‪ .‬وهذا مانوه به"العمري"‬ ‫َ‬
‫املخاطب‪ ،‬أو دفعه إىل االقتناع بالتسليم‪ ،‬وذلك مانلمسه يف‬
‫حني أورد كالما لـ"اجلاحظ" هذا نصه‪:‬‬
‫املناظرة‪.‬‬
‫(وكانوا يستحسنون أن يكون يف اخلطب يوم احلفل ‪ ،‬ويف‬
‫(لتحقيق االقتناع‪ ،‬تستند املناظرة إىل أقوال تشكل سلطة‬
‫الكالم يوم اجلمع آي من القرآن‪ ،‬فإن ذلك مما يورث الكالم‬
‫مرجعية معرتف بها‪ ،‬قادرة على جتاوز ومعارضة اخلصم‬
‫البهاء والوقار‪ ،‬والرقة وسلس املوقع‪ .‬وكان عمران بن حطان‬
‫وانتزاع تسليمه‪ .‬وهذه األقوال هي الشواهد‪ .‬وترتبط حتديدا‬
‫خطب خطبة أعجب بها الناس‪ ،‬ثم إنه مر ببعض اجملالس‬
‫يف الرتاث العربي اإلسالمي باآليات القرآنية واحلديث النبوي‬
‫فسمع رجال يقول لبعضهم‪ :‬هذا الفتى أخطب العرب لو كان‬
‫واألبيات الشعرية واألمثال واحلكم‪ .‬وهي حسب الدكتور‬
‫يف خطبته شيء من القرآن)‪( .‬اجلاحظ‪ ،1998 ،‬صفحة ‪)118‬‬
‫حممد العمري " حجج جاهزة تكتسب قوتها من مصدرها ومن‬
‫يستفاد من هذا الكالم أن املعيار الذي تقاس به جودة اخلطاب‬ ‫مصادقة الناس عليها وتواترها)‪( .‬عادل‪ ،2013 ،‬صفحة ‪)233‬‬
‫هو مدى اقتباسه من القرآن الكريم‪ ( .‬والشاهد القرآني هو أعلى‬
‫إذا ماتأملنا قول " العمري" عن الشاهد جنده قد ألبسه لباسا احلجج‪ ،‬فال يقبل املخاطب خلو اخلطاب من اآليات القرآنية‪.‬‬
‫شعريا‪ ،‬فكثريا ما اعتمدت العرب قدميا على الشاهد الشعري يف ولو بلغ هذا اخلطاب أعلى درجات البالغة‪ ،‬فإن ذلك ال يعفيه‬
‫من االستشهاد بالقرآن)‪( .‬املودن‪ ،2013 ،‬صفحة ‪)447‬‬ ‫خطبها ومناظراتها‪.‬‬

‫(وقد جرى خطباء العرب منذ العصر اجلاهلي على التمثل ثم يضيف "العمري" إضافة ال جتعل االقتباس حكرا على‬
‫بالشعر يف خطبهم‪ ،‬وهي ظاهرة مميزة يف اخلطابة العربية)‪ .‬اخلطباء الدينيني‪ ،‬بل هو متاح لكل اخلطباء‪.‬‬
‫(العمري‪ ،‬يف بالغة اخلطاب اإلقناعي‪ ،2002 ،‬صفحة ‪)91‬‬
‫(ومل يكن االقتباس من القرآن مقصورا على اخلطباء الدينيني‬
‫‪202‬‬
‫ع‪,‬ضيف‪ ،‬ع‪ ,‬أخضري | األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ،12‬العدد ‪ | 2020 ،02‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪203 - 195 :‬‬
‫عبد القاهر اجلرجاني‪ .)1991( .‬أسرار البالغة‪ .‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ :‬مطبعة املدني‪.‬‬ ‫بل استفاد من إمكانية تأثري النص القرآني مجيع اخلطباء‪،‬‬
‫عبد اللطيف عادل‪ .)2013( .‬بالغة اإلقناع يف املناظرة (اجمللد األوىل)‪ .‬الرباط‪،‬‬ ‫على تفاوت يف ذلك)‪( .‬العمري‪ ،‬يف بالغة اخلطاب اإلقناعي‪،‬‬
‫املغرب‪ :‬دار األمان‪.‬‬ ‫‪ ،2002‬صفحة ‪)92‬‬
‫عبد اهلل الرشدي‪ .)2014( .‬الشاهد الشعري وأسئلة البالغة والتلقي (اجمللد‬
‫األوىل)‪ .‬مراكش‪ ،‬املغرب‪ :‬املطبعة والوراقة الوطنية‪.‬‬ ‫‪ .7‬خامتة‬
‫عبد اهلل صولة‪ .)2013( .‬البالغة العربية يف ضوء البالغة اجلديدة (أو احلجاج)‪.‬‬ ‫ومما تقدم ذكره خنلص إىل أن البالغة عند " العمري "‬ ‫ّ‬
‫تأليف حافظ إمساعيلي علوي‪ ،‬احلجاج مفهومه وجماالته (اجمللد األوىل‪ ،‬صفحة‬ ‫تراوحت بني قطبني‪ :‬قطب ختييلي يُعزى إىل جمال شعري‬
‫‪ .)175‬اجلزائر‪ :‬ابن النديم للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫يُعنى بالعبارة وما حتيل إليه من الصور اليت متثل جانبا من‬
‫عبد اهلل صولة‪ .)2013( .‬البالغة العربية يف ضوء البالغة اجلديدة (أو احلجاج)‪.‬‬
‫تأليف حافظ إمساعيلي علوي‪ ،‬احلجاج مفهومه وجماالته (اجمللد األوىل‪ ،‬صفحة‬
‫حياة اإلنسان‪ ،‬وقطب تداولي يُعزى إىل جمال خطابي يُعنى‬
‫‪ .)181‬اجلزائر‪ :‬ابن النديم للنشر والتوزيع‪.‬‬ ‫باخلطاب ووظيفته ومدى فاعليته اليت تكمن يف مراعاته‬
‫آموسي احلجاج‬
‫علي الشبعان‪ .)2013( .‬احلجاج وقضاياه من خالل مؤلف روث ّ‬ ‫لفكرة املقام‪ ،‬حتقيقا للقصد منه‪ ،‬وإحداثا للتواصل والتفاعل‪،‬‬
‫يف اخلطاب‪ .‬تأليف حافظ إمساعيلي علوي‪ ،‬احلجاج مفهومه وجماالته (اجمللد‬ ‫لتكون البالغة ذلك النسق العام الذي تتقاطع فيه ثنائية الشعر‬
‫األوىل‪ ،‬الصفحات ‪ .)954-953‬اجلزائر‪ :‬ابن النديم للنشر والتوزيع‪.‬‬ ‫واخلطابة‪ ،‬مم يستدعي حضورا ملزما للحجاج وصوره املتمثلة‬
‫حممد األمني الطلبة‪ .)2013( .‬احلجاج مدخل نظري تارخيي‪ .‬تأليف حافظ‬ ‫يف ( القياس‪ ،‬املثل‪ ،‬الشاهد )‪.‬‬
‫إمساعيلي علوي‪ ،‬احلجاج مفهومه وجماالته (اجمللد األوىل‪ ،‬الصفحات ‪.)74-73‬‬
‫اجلزائر‪ :‬ابن النديم للنشر والتوزيع‪.‬‬ ‫وميكن أن نصوغ النتائج املتوصل إليها يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫حممد األمني الطلبة‪ .)2013( .‬مفهوم احلجاج عند بريملان وتطوره يف البالغة‬ ‫‪ -‬ترتبط البالغة العربية ارتباطا وثيقا بعنصري‪ :‬التخييل‬
‫املعاصرة‪ .‬تأليف حافظ إمساعيلي علوي‪ ،‬احلجاج مفهومه وجماالته (اجمللد‬
‫األوىل‪ ،‬الصفحات ‪ .)885-884‬اجلزائر‪ :‬ابن النديم للنشر والتوزيع‪.‬‬ ‫والتداول‪.‬‬
‫حممد العمري‪ .)2013( .‬أسئلة البالغة يف النظرية والتاريخ والقراءة‪ .‬املغرب‪:‬‬ ‫‪ -‬ميثل التخييل اجلانب الشعري‪ ،‬والتداول اجلانب اخلطابي‪.‬‬
‫إفريقيا الشرق‪.‬‬
‫‪ -‬البالغة العامة نسق عام يستوعب اجلانبني معا‪.‬‬
‫حممد العمري‪ .)2013( .‬أسئلة البالغة يف النظرية والتاريخ والقراءة‪ .‬املغرب‪:‬‬
‫إفريقيا الشرق‪.‬‬ ‫‪ -‬إمكانية الوصل أو الفصل بني ماهو شعري وما هو خطابي‪.‬‬
‫حممد العمري‪ .)2012( .‬البالغة اجلديدة بني التخييل والتداول (اجمللد الثانية)‪.‬‬
‫املغرب‪ :‬إفريقيا الشرق‪.‬‬
‫‪ -‬التأكيد على احلجاج كقيمة ثابتة يف تقاطعاته مع البالغة‪.‬‬
‫حممد العمري‪ .)1999( .‬البالغة العربية أصوهلا وامتداداتها‪ .‬املغرب‪ :‬إفريقيا‬ ‫تضارب املصاحل‬
‫الشرق‪.‬‬
‫* يعلن املؤلفان أنه ليس لديهما تضارب يف املصاحل‪.‬‬
‫حممد العمري‪ .)2013( .‬احلجاج مبحث بالغي فما البالغة؟ تأليف حافظ‬
‫إمساعيلي علوي‪ ،‬احلجاج مفهومه وجماالته (اجمللد األوىل‪ ،‬صفحة ‪.)123‬‬ ‫‪ -‬املصادر واملراجع‬
‫اجلزائر‪ :‬ابن النديم للنشر والتوزيع‪.‬‬ ‫أبو احلسني ابن وهب‪ .)1969( .‬الربهان يف وجوه البيان‪ .‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ :‬مطبعة‬
‫حممد العمري‪ .)2002( .‬يف بالغة اخلطاب اإلقناعي (اجمللد الثانية)‪ .‬املغرب‪:‬‬ ‫الرسالة‪.‬‬
‫إفريقيا الشرق‪.‬‬ ‫أبو علي احلسن ابن رشيق‪ .)2003( .‬العمدة (اجمللد األوىل)‪ .‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ :‬دار‬
‫حممد الولي‪ .)2013( .‬احلجاج مدخل نظري تارخيي‪ .‬تأليف حافظ إمساعيلي‬ ‫صادر‪.‬‬
‫علوي‪ ،‬احلجاج مفهومه وجماالته (اجمللد األوىل)‪ .‬اجلزائر‪ :‬دار النديم للنشر‬ ‫اجلاحظ‪ .)1998( .‬البيان والتبيني (اجمللد السابعة)‪ .‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ :‬مكتبة‬
‫والتوزيع‪.‬‬ ‫اخلاجني‪.‬‬
‫حممد الولي‪( .‬أكتوبر‪-‬ديسمرب‪ .)2011 ,‬مدخل إىل احلجاج‪ .‬عامل الفكر ‪،‬‬ ‫أمينة الدهري‪ .)2011( .‬احلجاج وبناء اخلطاب يف صور البالغة اجلديدة (اجمللد‬
‫صفحة ‪.15‬‬ ‫األوىل)‪ .‬الدار البيضاء‪ :‬شركة النشر والتوزيع للمدارس‪.‬‬
‫مجيل محداوي‪ .)2014( .‬من احلجاج إىل البالغة اجلديدة‪ .‬املغرب‪ :‬إفريقيا‬
‫الشرق‪.‬‬
‫حازم القرطاجين‪ .)1986( .‬منهج البلغاء وسراج األدباء‪ .‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ :‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫كيفية اإلستشهاد بهذا املقال حسب أسلوب ‪: APA‬‬
‫حسن املودن‪ .)2013( .‬دور املخاطب يف إنتاج اخلطاب احلجاجي‪ .‬تأليف حافظ‬
‫املؤلف عبد الباسط ضيف‪ ،‬عيسى أخضري‪ ،)2020( ،‬التخييل والتداول‬ ‫إمساعيلي علوي‪ ،‬احلجاج مفهومه وجماالته (اجمللد األوىل‪ ،‬صفحة ‪.)446‬‬
‫عند حممد العمري ‪ ،‬جملة األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪،‬‬ ‫اجلزائر‪ :‬ابن النديم للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫اجمللد ‪ ،12‬العدد ‪ ،02‬جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬الصفحات‪.‬‬ ‫محادي صمود‪ .)1991( .‬التفكري البالغي عد العرب‪ .‬تونس‪ :‬منشورات اجلامعة‬
‫ص ص‪203-195 :‬‬ ‫التونسية‪.‬‬
‫محو النقاري‪ .)2006( .‬التحاجج طبيعته وجماالته ووظائفه (اجمللد االوىل)‪ .‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬املغرب‪ :‬مطبعة النجاح اجلديدة‪.‬‬
‫رشيد حيياوي‪ .)1991( .‬الشعرية العربية (اجمللد األوىل)‪ .‬املغرب‪ :‬إفريقيا الشرق‪.‬‬

‫‪203‬‬

You might also like