Professional Documents
Culture Documents
154046
154046
154046
بي يدي مكل املغرب محمد بن احلسن العلوي نرصه للا ابلقرص املليك ،ادلار البيضاء
َ
يوم السبت 12رمضان 1445ه ،املوافق لـ 23مارس 2024م
اعتىن به:
خلق الساموات والرض ابحلق ،وأرسل رسهل ابدلين الصدق ،وجعل مسك ختاهمم س يدان
امحلد هلل اذلي َ
محمد ًا بدر الامتمَ ،
املرسل بشيعة اخلتام ومهنج القوام ،املبعوث ابلبشى وامليرس ابليرسى ،فاللهم صل عليه يف
الوىل والخرى ،وسمل تسلاميً كثريا ،وبعد:
السالم عىل املقام املبجل ،املؤيد ابملدد الجل .وأبقى للا س يدان املنصور به ابملكرمات ،ودرأ عنه العوادي
والعوادي وكدر امللامت ،وألبسه حلل العافية واللطاف اخلفية ،بنفح هذه اجملالس السنية ،اليت جتمع اىل عبق
من العناية الرابنية اليت نهبت علهيا احلمكة القائةل" :اذا
التأسيس ،أنف َاس التقديس ،يف اشارة سنية اىل ما يراد َ
ردت أن َ
تعرف َمقا َمك ،فانظر أي َن أقا َمك". أ َ
هذا وبعد اذنمك الشيف ،يتناول العبد الضعيف ،موضوع حديثه املقتضب من قطوف رايض اذلكر احلكمي،
مما يعرض الناظر واحلارض للهبات املوعودة يف اجامتع اذلاكرين ومدارس هتم.
موالي أمري املؤمني ،غري خاف عىل َشيف علممك ،أن هذه ادلروس الرمضانية ،عندما بدأت يف جملس
جدمك س يدي محمد بن يوسف طيب للا ثراه ،اكنت تسمى ادلروس احلديثية ،عنوا ًان لعناية وصلتمك الشيفة
ابحلديث الشيف ،ويه العناية املوصوةل من جنابمك املنيف .ولكهنا يف الواقع ،ظلت جما ًال يطرح فيه عىل
بساط ادلرس ،واىل يومنا هذا ،شح الصلي؛ القرأن الكرمي واحلديث النبوي ،وما هل صةل هبام َ
من املباحث
اليت هتم ادلين فامي يس توجب التبليغ واالرشاد.
هذا ،ومن أفق االجامل اىل بساط التفصيل ،يف كتاب أحمكت أايته مث فصلت ،ومنه اىل مهنج تدبر
مقارب بنظران لي كتاب وص َف ابملتشابه واملثنوية ،والتشابه يف وصفه هنا مقة تناسب يف نظم لكمه وفواصهل
وفصوهل ،واملثنوية ذلمك الطي ادلال ومض املتقابالت العوال ،مجع ًا َ
بي احلمكة والـحمك ،عرض الضداد ملزيد
اس تجالء .وعليه ،فال مندوح َة للناظر املتدبر من أن يعدد مداخهل اىل أي الكتاب ،فللك أية حد ومقط ٌع
و َمطلع ،خصوص ًا ملا يرجع لن َسب النص الثالثة؛ فرقا ًان ،وكتا ًاب ،وذكرا.
اذ ًا ،فأيتنا كنظائرها من مقاطع الامتم ،لها وضع بيان يف الفرقان ،وموضع نظم يف نسق ادليوان ،وموضو ٌع
نب النفة من أيتنا ثالثهتا؛ موضوع ًا ووضع ًا وموضع ًا ،تناو ًال
مضن مقاصد القرأن ،وس نتناول اجلوا َ
ابعتبار تناولها َ
نراوح فيه وندرج نظر ًا لتداخلها ،فنقول:
ان أية المانة من حيث موضوعها تعرف بأنباء غيب موغل يف القدم ،متصل بتارخي ادلين ووحدته ،منوه ًة
من خالل ذكل بعرض المانة ،هكذا ابلــ ،اليت للعهد؛ أي أهنا أمانة معهودة ،معهو ٌد هبا ملعهود بقصد تمكيهل،
ديم َمن مت العرض عليه،
عرضها عىل العوامل املاثةل ومضهنا العوامل العاقةل للفت النظر اىل وصفي متأصلي ،يف أ ّ
اكن ظلوم ًا جوال) .أو قل
الك عائق ًا يف طريق حتمهل وائامتنه؛ ظلمه اللصيق ،وجهل العميق( :انه َ
وصفي ش َ
جفور صد جفوره املزدوج ،ممث ًال ابقتحامه ،جبهاةل فامي حقه أن يتأىن فيه ،وتعديه فامي شأنه أن َ
يتوقف عنده وفيه؛ ٌ
َ
املعظم عن االئامتن العظم(َ :ولوال فضل للا عَليمك َو َرمحته ما َزىك منمك من أ َحد أب َدا).
وننظر أيتنا ،ملزيد فَرس ،من مثنوية موضوعها حبث ًا عن نظائرها يف الكتاب احلكمي ،ننظرها عىل امتداد
فصول الكتاب ،فاذا حنن بصدد ثالث أايت بضمميهتا ،فهيي اكلتايل عىل ترتيب نزولها؛ أية العراف(َ :واذا أ َخ َذ
َرب َك من بين أ َد َم من ظهورمه ذرايهتم َوأشهَدَ مه عَىل أنفسهم ألَست بربمك ،قالوا :ب َىلَ ،شهدان) ،وأية
الاس تخالف( :واذ قا َل ر َبك للمالئكة اين جاع ٌل يف الرض َخلي َفة) .فأيتنا :ولنسمها بويح عنوان سورهتا،
أية سورة تأمر الحالف عىل قمي الاس تخالف.
ووكد املراد املفاد مهنا مجع ًا ،ملا هدى اليه التدبر املدكر.
-أو ًال ،التنبيه اىل قدم ال َعرض ،بنا ًء عىل أنه مت حقيقة ،خبطاب أفهم للا فيه املعروض عليه ابخلطاب،
وأنطقه ابجلواب ،ومكنه مبا يتأىت به االابء واالشفاق والانسحاب ،مت يف عامل االنسان ،يف عامل اذلر،
حي أنزل أدم
حيث اذلرية يف ظهر أدم ،ويشهد لهذا حديث مسمل يف حصيحه ومؤداه ،أن للا تعاىل َ
يف أرض اس تخالفه ،مسح ظهره بلطف خرق ورفق ،فنرث ذريته اكذلر والنطف َ
بي يديه ،وخاطبه
مشهد ًا اايمه عىل أنفسهم( :ألست بربمك قالوا :بىلَ ،شهدان).
-اثني ًا ،تقرير أصاةل الاس تخالف ،وشف املس تخلف وأهليته ،ابلتلقي املزدوج؛ تلقي السامء لكها ،يف
اشارة اىل أن هذا الديم املتلقي ،قاب ٌل للتعمل اىل غايته ،كام أنه مؤه ٌل لتلقي املتاب اىل أن يوصد
الباب.
-واثلث املعاين الـمفادة ،ما أملح اليه العرض من تعريض مثىن؛ تعريض به ،وتعريض هل ،وهذا الخري
عىل حد قول املثل الشهري :اايك أعين وامسعي اي جارة ،وهو من ألطف أساليب اخلطاب ،وأجنعها أثر ًا
يف ملتقيه ،خصوص ًا يف مقام التقومي والعتاب .أما التعريض به ،بلفت نظره اىل ما فيه يفتأ يقطعه أو
يرصعه ،وتنبهيه يف املقابل لرسار عروجه عب مدارج العمل والعدل ،ضد ًا عىل الظمل واجلهل ،وهبام كام
يقول أهل الزتكية ،تصح العي ،عي املنتسب ،ويرتقي املتقدس هبا اىل مقام املصطفي.
مث ان وضع أيتنا بياني ًا ،يشلك بالغ ًا اكمال يف جمىل بالغة فاصةل ،جتعل من النص الكرمي كوثـ َر معان ال
من النص الكرمي ،ختري الس ىن من اللفاظ اجلامعة :لكفظ العرض ،اذلي يمتل
تتناىه ،ومن أجىل مأخذ ذكل َ
الانتداب ابخلطاب ،كام ينتدب الانتداب خبلق أس باب .ولفظ المانة اليت تصدق عىل ما يؤمتن به اكلعقل
واحلرية ،وما يؤمتن عليه كحفظ الودائع والوالايت .ولفظ امحلل كـَ ( :و َ َمحلها) ،واذلي تتسع داللته للقل اكلشوع
والبدء ،وللمكل اكلامتم والوفاء .اىل حذوف مقدرة بدالةل الاقتضاء والاحتباك ،اىل أسلوب الاس تخدام ،اىل
الاعرتاض املومه ابلوصل ،اىل اعامتد أسلوب يتسع للمعاين الثالثة يف املورد الواحد.
ونرفع الطرف تدبر ًا من موضع الية اىل م ّطلع نظمها علامً بأن أوىف تدبر للكتاب العزيز ،ما خص نظم لكمه
وأيه وفصوهل بفضل التدبر ،وراعى مناس باته ذلكل عىل دقائق عمل الكتاب.
ان أيتنا س يدي مصحفي ًا ،توجد مضن سورة الحزاب الثالثة والثالثي يف ترتيب التالوة ،بي سورة
السجدة واحلامدتي؛ س بأ وفاطر .ويه سورة ندائية ،مدنية .وموقعها هذا ببادئ الرأي بي عنوان السجود
وامحلد ،يشري اىل كامل الانقياد عن كامل الاعتقاد ،وهام مناط محل المانة املوفق.
أما نظم أيتنا يف الزنول؛ اثمنة سور الكتاب ،بي سورة النور وسورة س يدان محمد صىل للا عليه وسمل
وعىل أهل ،فيعطي ابتدا ًء من ويح املوقع ،أن المانة واقعة بي نورين؛ نور للا املؤمن اذلي ائ َ
متن هذا االنسان
وأعانه؛ ائمتن وأعان وفنت ،ولكف ولطف وامتحن .وبي نور النبوءة احملمدية الهادية ،الهادية بأمنوذج حمامدها
اخمللصة من ظلامت الارتاكس وهامً وظلامً وامثا ،فقد َ
اكن صىل للا عليه وسمل فع ًال مؤمتن ًا ابحلق عليه ،ومرشد ًا
ابلهدى اليه ،والوراثة من بعده بشطها موصوةل ابملدد الس ىن وبرس السامء احلس ىن.
هذا ونقرأ يف مس هتل سورة أايتنا ،هذا الندا َء االئامتين ال َعيل؛ (اي أّيا النبء اتق للا) ،وهو ندا ٌء ينوه
بنبوءته صىل للا عليه وسمل ورسها ،ويه أمانته اليت محلها ومثلها ،مبا أنه أجل أمناء الويح االلهيي ،والـمـشاد
بأمانته بشهادة للا(َ :و َكفى ابهلل َشهيدا) َ(وان َك لَ َعىل خلق َعظمي) َ(وان َك لَـهتَ دي اىل رصاط مس تَقمي).
إ
ومن لطيف نظمها ،أهنا تسلست بنداءات علية ،نيفت عَىل ال َعش ،لكها منو ٌه ومنبه ،اىل ما يقتضيه االميان
وجذر االئامتن .ففهيا نداء النب ابلنبوءة ،ونداء نسائه َبشيف اضافته اليه؛ (اي نساء النبء) ،ونداء أتباعه ابمس
االميان اذلي جيمعهم به ،ويقتضيه الوفاء بأماانهتم ،لتتصل سلسةل لنداءات خبامتها اجلامعة املذيةل( :اي أّيا َ
اذلين
أ َمنوا اتقوا للا وقولوا قَو ًال َسديد ًا يصلح لَمك أعاملمك َوي َغفر لَمك ذنوبمك) ،انه ندا ٌء ابمس االميان اىل أمور متثل
مالك االئامتن ،وأ ّسه اذلي ال بد منه ل ّي انسان مؤمتن ،فالضمري اذلي يح بتقوى للا ومراقبته ،ومعه َسداد
حي يعمل ويعاجل ،لن
حي يقيض ويمك ،وابلرفق َ التعبري لسا ًان ينطق ابلصدق َ
حي يدث وخيب ،وابلعدل َ
اس تقامة اجلنان اذا انضافت اىل اس تقامة اللسان ،فقد اس توت سفينة المان؛ المانة عىل جودي جناهتا .واذا
رتب القرأن الكرمي عىل هاتي الصفتي كام َل مثرهتام؛ َصالح ًا للعمل ،وجتاوز ًا َعن اخلللَ ،
لتوصل مجةل الوعد
فاز فَوز ًا َعظامي) ،مرصح ًة بعظمي حظ هذا المي املس تقمي اذلي
جبمةل الشط(َ :و َمن يطع للا َو َرسوهل فَقَد َ
صلح من قلبه ،وقـو َم من لسانه ،فسددت خطاه ابلتوفيق وعدا ،ابلتجاوز عن اخللل رفدا ،ليفتح هل ابب
أ َ
الاقرتاب ابمس للا الوهاب التواب(َ :ويتوب للا عَىل املؤمني َواملؤمنات).
ومن درر حبر سورة أيتنا ،مبا هل ص ٌةل مبوضوعها ،ذلمك التنويه الالفت املعرف مبقام س يدان رسول للا عليه
أزىك صلوات للا ،ومبتبوأ وارثينه ،نقرأ فيه( :ان للا و َمالئ َكته ي َص َ
لون عَىل النبء) .ونصادف أية الصالة
انب النب َصىل للا عليه وسمل من صنوف االيذاء والاعتداء ،م َنالعطرة هذه يف أعطاف أايت تعرضت ملا َ
فناسب أن تـزف اليه البشى َبصالة للا الكبى ،تطمين ًا هل صىل للا عليه وسمل بأنه مصىل
َ الحالف املتأمرة.
ومسمل عليه من قبهل يف املصط َفي( :قل امحلد هلل َو َسال ٌم عَىل عباده َ
اذلين عليه من ربه يف امللء العليَ ،
اص َطفى) .وبصحبهتا أية االشادة مبقام الاقتداء والقيادة( :لقَد َ
اكن لمك يف َرسول للا اس َو ٌة َح َس نَة) .مضمومة
وحتت هذا الفق ال َعيل الوض ،جند ذكر ًا َلصالة
ابملؤمني من أنفسهم)َ .
َ الهيا ،أية الوالية وال َوالية( :النبء أوىل
للا العامة عىل أهل اذلكر والاس تقامة بصلهتم بنبيه ،والتنويه مبقام صدقهم يف حصبته( :اي أّيا اذلي َن أمنوا
للا ذكر ًا َكثري ًا َو َس ّبحوه بكر ًة َوأصيال ،ه َو اذلي ي َصيل عَلَيمك َو َمالئ َكته ليخر َجمك م َن الظلامت اىل
اذكروا َ
إ
مني َرحامي). اكن ابملؤ َالنورَ ،و َ
ومن أية التنويه اىل الية اجمللية لقمي االئامتن؛ اىل جواهر عقده العشة ،مرتبة عىل ما عليه بناؤها ،وسط
السلسةل ،موصوةل ابلمثرات واملمتامت ،ومذكرة بأرسار الاس مترار والرتيق ابرصار ،ومردها اىل ثالثة أقطاب:
املؤمني
َ اسالم واميان وشعهبام االحسانية ،تعلقت بلسان أو جنان أو أراكن ،وفهيا يقول للا تعاىل( :ان
الصابرات،
الصابر َين َو ّ
الصادقاتَ ،و ّادقي و ّ
الص َ نتي َوالقانتات ،و ّ
لمي واملسلامت ،والقا َ َواملؤمناتَ ،واملس َ
وجم َواحلافظات،ظي فر َالصامئاتَ ،واحلاف َ
امئي َو ّ قي َواملتَ َصدّ قاتَ ،و ّ
الص َ عي َواخلاشعاتَ ،واملتصد َ
َواخلاش َ
َواذلاكر َين للا كثري ًا َواذلاكرات ،أعد للا هلم َمغف َر ًة َوأجر ًا َعظامي) .ويه أية توسطت َسامء السورة توسط الرثاي،
من الرجال والنساء ،يف اشارة اىل أن
ورسدت بأسلوب اطناب بي ،بغرض تعممي صفات َمن خوطبوا هبا َ
المان َة بقميها ال تعرتف ابلتذكري والتأنيث ،فاللك راع واللك مسؤو ٌل َعن رعيته .مع بسط لتجلية قمي االئامتن
ومراجعه املس توعبة.
وهذه العشة املنصوصة ،يه قمي الزتكية اليت َمردها ومرجعها اىل قميتي جليلتي:
فاملسمل ذلمك املنقاد بظهره للكمة الشهادة اليت أقر هبا .واملؤمن املصدق مبعانهيا بقلبه تصديق ًا ال ر َ
يب فيه.
والقانت مدمي الطاعة والصادق اخمللص فهيا برتك الرايء َخفيه و َجليه .والصابر ذلمك املتحمل ملشاق العبادة
والاس تقامة .واخلاشع املتضع لربه برؤية قصوره وتقصريه يف أعامهل وعباداته.
مث اىل قمي الصون الثالثة :أصول العفة ،سواء تعلقت بيد أو جوف ،واملنبه علهيا بقوهل تعاىل(َ :وامل َتصد َ
قي
اذلين ختلصوا
احلافظي فروجم واحلافظات) .وهؤالء الثالثة ،مه أولئك َ
َ وامل َتصدّ قات ،وال َ
صامئي والصامئات ،و
من اكراهات املنفصل وعنت املتصل .وحبضور الزتكية هبذه القمي يرتقي َمن قامت به اىل َسامء اذلاكر َين للا كثري ًا
واذلاكرات ،وذلكل ذكرت هذه اخلصةل أخري ًا ،ترقي ًا الهيا ،اذ يه كناي ٌة عن احملبة البالغة ،مفن أحب شيئ ًا أكرث
من ذكره ،ومن مث عوملوا من حمبوهبم َجل جالهل مبا هو مذهب احملبة َسرت ًا علهيم ،و َجب ًا هلم ،ويف احلديث
القديس الصحيحَ { :وال يَزال َعبدي يتقرب ايل ابلنوافل َحىت أحبه ،فاذا أحببته كنت َمسعه اذلي يس َمع به
َوب َ َرصه اذلي يبرص به }...احلديث.
مفن املناسب نظامً أن ختمت سور ٌة حفلت بتلمك املضامي ،ببالغ املوجب للمؤمن املؤمتن ،الشعاره بأنه
اذ ًاَ ،
ممتزيٌ غاية ،حبرية ارادته وعقهلَ ،
فليس هو من جنس خملوقات حتمكها غرائز ال انفاكك مهنا ،وال هو من قبيل
مالئكة معلو ٌم مقاهما ،عىل حد قوهل تعاىلَ ( :وما منا اال هل َمقا ٌم َمعلوم) ،وامنا هو من جنس َمن مه من نطفة
جورها َوتَقواها) .انه هبذه النفس ،يس تطيع أن ميتنع وأن
أمشاج لالبتالء ،ونفس م َسواة عىل مقاس؛ (فأهل َمها ف َ
يطيع ،ويس تطيع أن يس تقمي وأن ّيمي ،وهنا رس اس تخالفه .ومعىن محهل المانة أنه َ
حي يدرك رس احلق فيه
من خالل ما أودعه دليه ودعاه اليه ،فينفتح عىل املعرفة املمنية لالدراك ،ويقبل مبسأةل التدارك ،حيهنا يدركه
اللطف اخلفي احلفي من ربه اذلي واله وتواله ،حي عمل ضَ عفه فبسط اليه اليدين ،ونهبه ابملالحظتي ،ليك
املصطفي؛ مالحظة التقصري منه ،ومالحظة املنة من ربه{ :أبوء َكل بنعمتك عَ ّيل ،وأبوء َبذنب
يرتقي اىل مقام َ
نوب اال أنت}.
فاغفر يل ،فانه ال يغفر اذل َ
نعم ،ان خمت أية العرض مبا يذكر مبهمة االنسان ووظيفته يف الوجود ابعتباره احلر املسؤول ،وأنه وضع ًا واق ٌع
بي عاملي يتجاذابنه ابلعرض والطول؛ العرض النس بة الرضية ،والطول النس بة الساموية ،هو مؤه ٌل للتسايم
َ
واالسفاف والاس تقامة والانعطاف واالنصاف والاعتساف ،ذكل موقعه وتكل أمانته ،فلرياع املقا َم ليحظى
بطيب الـمقام املرصح به يف َس ين الالكمَ ( :من َع َل صاحل ًا من َذكر أو أنىث َوه َو مؤم ٌن فَلنحينه َحيا ًة َطيبة).
وعىل مشارف الطي موالي ،نذكر ابلرساةل املس تصحبة ،لتدبر أية المانة املس توعبة ،فنقول:
رساةل الية تقرر :أو ًال ،ان المانة أودعت يف جذر قلوب الناس حيث جذر االميان ،فهيي بذكل نزو ٌع
اكن متدينا أصاةل ،انه يزنع اىل التوحيد بدل التعديد ،ويزنع اىل احلق عوض
فطري دلى االنسان ،ومبقتضاها َ
الباطل ،واىل القصد ضد ًا عىل التطرف والشذوذ ،واىل النظام رفض ًا للفوىض والعبث ،مصداق ًا لقوهل تعاىل يف
احلديث القديس{ :اين َخلَقت عبادي حنفاء} .اثني ًا ،ان هذا اجلذر كلك جذر مس تنبت يف عامل الشهادة،
مناسب خلصيصته وطبيعته؛ تعهده ابذلكر
ٌ حباجة اىل أن يتعهدَ حىت ي َس َتوي عىل سوقه ،وتعهده هنا ،مبا هو
علامً وتزكي ًة و َمدد ًا َوس ندا ،واال ظل مهم ًال و َمفتوح ًا عىل اخلارج املضاد بفتنته وضلته ،فضا َع أو اكد ،وسبب
نسان م ٌ
متدن بطبيعته وانسيته ،يأنس جبنسه ،ومن مث فهو قاب ٌل للتخلق ضَ ياعه عوم الفساد .اثلهثا ،أن اال َ
ابلخالق الفاضةل واملقابةل؛ انه أخاليق ابلفطرة ،بل مضطر الهيا مبا هو مدين ال أانين .رابعها :ينبغي لالنسان أن
يرى أن الوجود املؤمتن بتسخري ممث ًال ابلعوامل املاثةل ،امنا نص َب ليدل عىل للا بأايته ،وليصل املوصول منه
مبدده وأالئه ،فالعوامل لكها من غري اس تثناء مس بح ٌة حبمد للا ،وساجدة جملد للاَ ( :وان من َشء اال ي َس ّبح
هون ت َسبي َحهم) ،ومرسح وجودها من حول االنسان ،يشلك حمرا ًاب وس يع ًا هميئ ًا َلصالته
حبمدهَ ،ولكن ال تَفقَ َ
اجلامعة املوحدة بصفّها وقبلهتا ،وهو ما قصده صىل للا عليه وسمل معرف ًا خبصائص شعته بقوهلَ { :وجعلَت يل
الرض لكها َمسجد ًا َوطهورا) .خامس ما تنطق به الرساةل ،أنه ينبغي لالنسان أن يرى الوجو َد املؤمتن ،املؤ َمتن
ميان ابلتخيري ،فيشعر بثقل المانة اليت محلهاَ ،
وشف املسؤولية اليت ولكت اليه ،فيخىش أن تغلب هو عليه ا ٌ
حريته أمانته ،أو تصادر أاننيته غرييته ،فيقطع عن رس الوصل ومدده املنبه عليه يف أية الاس تخالف ابلفعلي:
عَلـ َم َوتَلَقّى ،فباملعرفة وتدارك النقائص املتل َفة يكون رس انهتاض االنسان والقيام مبهمته وأداء أمانته .وخامتة
املس تصحب :أنه ينبغي أن ينظر االنسان بعي االكبار لهذا القرار املمتثل ابنتدابه برمس العرض الس ىن يف حرضة
العوامل ذات املعىن ،ليطلع منه عىل أنه ه َو هو ،هو املراد ،هو اخلليفةٌ ،
منتدب من قبل ربه اذلي ه َو هو ،علو
َشأن وكام َل حمكة ،منتدَ ٌب لمر َكـب عَىل الكوان أن حتمهل ،ليشهد من خالل ذكل رمح َة ربه به اذلي دهل عىل
ماكمن ضَ عفه ،كام دهل عىل ثنايئ معراجيته ابلتنبيه بضد وص َفيه؛ علامً وعد ًال .وخمت رسالته اليه برس احلب دليه،
حيث قاب َل نعيت عبده؛ ظلوم ًا جو ًال ،بوص َفيه الكرميي :غفور ًا رحاميً .والغفر َسرت املعايب ،والرمحة جب املعاص،
وهبام متام أمر العبد ،ورفع ذكره ودفع ارصه ،فلهل امحلد واجملد من قبل ومن بعد.
واىل هنا س يدي تقف اللكامت يه الخرى َعن اخلوض يف جلة البحر الكبى( :قل لَو َ
اكن ال َبحر مداد ًا
للكامت َريب لَنَف َذ ال َبحر قَب َل أن تَن َف َذ لكامت ريب) .تقف اللكامت لتس َبح حبمد مزنل الكتاب ،ومبقي أيته عىل
امتداد الحقاب .تقف اللكامت لتب َسط الايدي مس تقب ًةل سائ ًةل النوال من صاحب االفضال يف زمن النفحات:
(تَزنل املالئكة والروح فهيا ابذن رهبم من لك أمرَ ،سالم.)...
فاللهم ارمحنا ابلقرأن رمح ًة جتب الكرس ،وتعظم الجر ،وتغفر الوزر ،وترفع القَدر ،وتدرأ الرض.
نت ولينا فاغفر لنا ،وارمحنا
اللهم نور ابلقرأن قلوبنا ،وسدد به خطاان ،وامجع به مشلنا اي ربنا ،ودافع به عنا ،أ َ
نت خري الغافرين ،واكتب لنا يف هذه ادلنيا َحس ن ًة ويف الخرة ،اان هدان اليك.
وأ َ
وخص اللهم ببكة امسك العظم ،تبارك امسك ،موالان املنصور بك ،ابلفضل المت ،اي واس َع الكرم ،وأحطه
برسادقات حفظك ،ولطائف رس امسك السالم املؤمن املهمين .وتغمد بوافر رمحتك ،وسابغ برك ومنتك ،الوادل
املفدى أاب و َجدا ،كفا َء ما قد َم وأسدى؛ قَدّ س روهحام ونـ ّور َرضيهام .وأقـر اللهم عيين موالان ،بويل عهده املوىل
احلسن ،وأنبته اللهم النبات احلسن ،وشد أزره بصنوه املوىل الرش يد ،انك ويل التوفيق والتسديد ،واخلمت من
موالان برسه.