Professional Documents
Culture Documents
دعامة القانون البنكي
دعامة القانون البنكي
دعامة القانون البنكي
عبدالرحيم المودن
السداسية السادسة
إن التحول الحاصل للحق من مدفوع إلى مفرد محاسبي هو تجديد من نوع
خاص هكذا فعندما يعطي الموكل األمر للوكيل ببيع البضاعة ووضع ثمنها في
الجانب الدائن للحساب الجاري للموكل في مواجهة الوكيل ،ينتهي الدين األصلي
المجسد لعملية البيع التي تمت عبر الوكالة بالعمولة وذلك بمجرد إدراج الثمن
بداخل هذا الحساب في شكل مفرد محاسبي يرمز إلى قيمة العملية األصلية .ونفس
2
المثال ينطبق كذلك على الزبون الذي يسلم ورقة تجارية لبنكه تمثل ثمن بضاعة
معينة من اجل إدراجها بالحساب الجاري البنكي مما يؤدي إلى انقضاء عالقتها
.بالدين األصلي وتحولها إلى مفرد محاسبي بفعل األثر التجديدي للحساب الجاري
على العموم ،وعلى فرض إبعاد فكرة التجديد كأساس مالئم لتفسير انقضاء
الدين األصلي وتحوله إلى مفرد محاسبي ،فما هو األساس البديل والمالئم الذي
.يمكن على ضوئه تفسير هذا التحول؟
في إطار الجواب على هذا السؤال فإنه فال يمكن تفسير انقضاء الدين األصلي
بنظرية المقاصة المتتابعة ،ألن المقاصة هي وسيلة الندماج الدين األصلي بعد
تحوله لمفرد محاسبي داخل الرصيد مما يؤدي إلى انقضائه ،وليست أساسا لهذا
االنقضاء وهذا ما جعل هذه النظرية عرضة للنقد بسبب إنكارها لفكرة التجديد
.حيث لم تر في الحساب الجاري سوى اتفاق مقاصة
ويتأكد انقضاء الدين األصلي على أساس التجديد وليس المقاصة من الناحية
:العملية في المثال الذي نرفقه برسم محاسبي لعقد الحساب الجاري
3
60،000،0 65،000،0 28/ تحصpppيل كمبيالpppة 28/0
0 0 06 6لصالح الزبون
فمبلغ 15000،00الذي سطرنا عليه هو الذي يهمنا ،فهو يمثل في هذا المثال
قيمته العملية أو الدين األصلي الذي يعتبر السبب الرئيسي والمباشرة ألداء هذا
المبلغ من طرف البنك لصالح الزبون .وبهذا تنتهي العملية األصلية ويحل محلها
المفرد المحاسبي 15,00000الذي يتقاص بفعل المقاصة السريعة مع المفردات
المدينة ،ويندمج داخل الرصيد المؤقت الذي أصبحت قيمته ،60،000،00إال أن
العالقة األولية بين الدين األصلي والمفرد المحاسبي هي عالقة تجديد من نوع
خاص فالدين األصلي انقضى ،وتم تعويضه بمفرد محاسبي أما المقاصة فما هي
سوى وسيلة إلدماج هذا المفرد داخل الرصيد المؤقت طبقا لألعراف البنكية في
.هذا الصدد
من هنا ،يبقى القول بأن المقاصة هي أساس انقضاء الدين األصلي قول
مردود ،ألنه ليس من الضروري وجود المقاصة النقضاء الدين الذي يدخل
.الحساب الجاري،في حين أنه من الضروري حصول التجديد النقضائه
انطالقا مما تقدم يبقى التجديد هو األساس الوحيد والمالئم الذي يجب اعتماده
لتفسير انقضاء الدين األصلي ودخوله الحساب الجاري في شكل مفرد محاسبي
.ليخضع للنظام الخاص لهذا العقد
أخيرا ،رغم كون المكان القانوني األصلي للتجديد هو داخل القانون المدني،
فإن اإلجماع الفقهي قائم على أن التجديد داخل عقد الحساب الجاري البنكي هو
تجديد من نوع خاص .فما هي مظاهر هذه الخصوصية؟هذا ما سنجيب عنه من
.خالل في المطلب الموالي
المطلب الثاني :مظاهر خصوصية التجديد
يتحدد مفهوم التجديد وفق القواعد العامة بأنه تصرف قانوني ذا أثر مزدوج
.ينقضي بمقتضاه التزام قديم ليحل محل التزام آخر جديد
4
ويعرف الفصل 347من قانون االلتزامات والعقود بأن التجديد هو انقضاء التزام
.مقابل إنشاء التزام آخر محله
لكن ،التجديد الذي يشمل المدفوعات التي تدخل عقد الحساب الجاري ليس هو
نفسه الذي يتم في إطار القانون المدني .فإذا كان التجديد في إطار هذا األخير يتعلق
بالتزامين يحل االلتزام الجديد محل االلتزام القديم ،فإنه في إطار عقد الحساب الجاري
يتعلق بانقضاء الدين األصلي ليحل محله مفرد محاسبي يندمج مع غيره من المفردات
داخل هذا الحساب .وهو ما يتم عبر إحالل حق محل حق آخر .ولكن الدائنية التي
يمثلها المفرد الدائن ال يمكن أن تعتبر حقا أو نوعا من الحق استنادا إلى مبدأ عدم
تجزئة مفردات الحساب الجاري الذي يقضي بعدم وجود دين أو حق خالل سريان
الحساب .و هذا ما يجعل من تحول الحق إلى مفرد محاسبي تجديدا من نوع خاص.
وهذا هو الرأي المجمع عليه بسبب استحالة تصور تجديد بمفهوم القانون المدني داخل
الحساب الجاري ،وبسبب ضرورة وجود تجديد من نوع خاص لغاية تحقيق التسوية
السريعة للمعامالت المتبادلة والجارية .وبالتالي يجب تكييف هذا التجديد مع طبيعة عقد
الحساب الجاري البنكي ،وذلك بتجريد المدفوع من صفته السابقة لكي يندمج ضمن
مفردات الحساب الجاري ألن وهذا يعني ،تعويض الدين القديم بمفرد محاسبي داخل
الحساب الجاري حتى يتمكن هذا العقد من القيام بدوره كامال في مجال التسوية
وهذا لن يتأتى له إال بتجرد الدين األصلي من نظامه القانوني السابق الذي كان
.يحكمه قبل دخوله الحساب الجاري ،ويصبح خاضعا لنظام الحساب الجاري
ويعتبر هذا التحول ضروريا من أجل فتح المجال للمقاصة السريعة والمتتابعة
التي ال يمكن أن تقوم بدورها دون تحول الديون األصلية إلى مفردات محاسبية
مجزأة بين الجانبين الدائن والمدين مما يؤدي إلى اندماج كل مفرد يدخل هذا
.الحساب داخل الرصيد المؤقت الذي يظهر في كل لحظة
ونعتقد في هذا الصدد ،وعلى خالف ما نصت عليه الفقرة األخيرة من الفصل
347من قانون العقود وااللتزامات المغربي بأن التجديد يفترض داخل عقد
الحساب الجاري وأن التصريح بالرغبة باالشتغال بهذا العقد يعني ضمنيا القبول
بانقضاء الديون األصلية وتحولها إلى مفردات محاسبية مما يعني افتراض القبول
بتجديد هذه الديون ،وهو ما يجب أن يأخذه قاضي الموضوع بعين االعتبار عند
البحث في النزاع من أجل استخالص نية التجديد ،ألن هذا يدخل في تفسير العقد
.الذي يعد من مسائل أو وقائع الموضوع التي يستقل بها قاضي الموضوع
وفي الواقع العملي للحسابات الجارية البنكية باألبناك المغربية ،نجد هذه
األخيرة تضمن هذا المبدأ ضمن نموذج اتفاقية الحساب باالطالع الذي تعده مسبقا،
5
حيث تتم اإلشارة دائما إلى تحول جميع العمليات الناشئة عن مدفوعات متبادلة إلى
مجرد مفردات حسابية دائنة ومدينة .وهذا ما أشار إليه الفصل األول من نموذج
اتفاقية الحساب الجاري لبنك الوفاء مع زبنائه بنصه على ما يلي " :يفتح بنك
الوفاء لزبونه القابل لذلك حسابا جاريا في دفاتره منتجا لكافة اآلثار القانونية
المتعلقة بالحساب الجاري ومحوال جميع العمليات الناشئة عن تسليمات متبادلة إلى
مجرد فصلي دائن و مديون ينجم عنهما عند االختتام رصيد يبين وحده وبقوة
".الثبوت لكشف حساب بنك الوفاء دينا له أو عليه تحق المطالبة به
ويتضح مما تقدم ،أن إسناد تحول الدين الذي يدخل الحساب الجاري إلى فكرة
التجديد ،يترتب عليه فقدان هذا الدين لصفاته السابقة مما يؤدي إلى اختفاءه
وانقضاء الضمانات والدعاوى التي كانت تحميه .وهذا يعني أن األثر التجديدي
لعقد الحساب الجاري تترتب عليه نتائج هامة .فما هي هذه النتائج؟ هذا ما سنجيب
.عليه من خالل المطلب الثالث الجواب
يترتب على التجديد طبقا للقواعد العامة زوال الدين القديم بما له من صفات،
وما له من تأمينات تضمن الوفاء به ليحل محله دين جديد .وال يمكن تطبيق هذه
اآلثار بهذه الصورة عندما يتعلق األمر بالتجديد الذي يطال المدفوعات التي تدخل
عقد الحساب الجاري .وهو ما يتطلب مراعاة طبيعة هذا العقد والبيئة التي يعمل
فيها ،وما يحيط بها من ظروف اقتصادية تختلف عما نشأ فيه التجديد كنظام قانوني
.بالصورة التي هو عليها ضمن القواعد العامة
وتكتسي اآلثار التي تنتج عن التجديد داخل عقد الحساب الجاري البنكي
أهمية خاصة مصدرها تحول الدين الذي يدخل هذا الحساب إلى مفرد محاسبي يقيد
بالجانب الدائن لحساب الدافع ،فاقد بذلك لكل صلة مع الدين األصلي الذي يعد سببا
.في وجوده ،ومجردا من كل الضمانات والدعاوى التي كانت تحميه
انطالقا مما سبق ،فدراسة هذه اآلثار ستتم من خالل الحديث عن تغير طبيعة
المدفوعات من خالل الفقرة األولى ،وعن فقدان الضمانات والدعاوى التي كانت
.تحمي هذه المدفوعات من خالل الفقرة الثانية
الفقرة األولى :تغير طبيعة المدفوع
6
إن الدين أو الحق بمجرد دخوله الحساب الجاري ،وبفعل األثر التجديدي لهذا
األخير ،يتحول إلى مفرد محاسبي مستقل بذاته وفاقد ألية عالقة مع الدين أو الحق
األصلي الذي كان سببا في وجود هذا المفرد ليصبح خاضعا لألحكام والقواعد
الخاصة لعقد الحساب الجاري وهذا يتطلب ضرورة التعامل معه على هذا
األساس ،ومع األخذ بعين االعتبار لآلثار المترتبة عن هذا التحول سواء على
.مستوى التقادم أو الفوائد أو االختصاص
فعلى مستوى التقادم :فال يمكن إعمال مدة تقادم الدين األصلي الذي يدخل
عقد الحساب الجاري ،ألنه من مظاهر التحول أو التغيير الذي يصيب الدين هو
عدم خضوعه للتقادم الذي كان يسري عليه قبل دخوله هذا الحساب ،بل يصبح
خاضعا للتقادم المقرر للرصيد الناشئ بعد انتهاء الحساب الجاري أي التقادم
العادي .فالتقادم ال يسري على أحد عناصر الحساب الجاري البنكي بصورة
مستقلة .ألنه إذا كان ألحد طرفي الحساب دين عند اآلخر ،يتوقف التقادم الخاص
بذلك الدين .وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 28/12/1981
بقولها " :مادام الحساب الجاري في حالة حركة وسريان ليس هناك دائن أو مدين
بل مجرد مفردات ال تجوز المطالبة بها إلى حين قفل الحساب ،وبذلك يظل الدين
معلقا بالنسبة للطرفين ويقف التقادم الخاص به") ومن الطبيعي أن ال يسري التقادم
نهائيا في مواجهة الديون التي تدخل الحساب الجاري ،مادامت هذه األخيرة قد
.انقرضت وانقضت ،وال يبدأ سريان التقادم العادي إلى حين إقفال هذا الحساب
وتطبيقا لهذا ،فإذا كان الدين القديم الذي أدرج في الحساب باالطالع ثابتا في
ورقة تجارية ،وخاضعا للتقادم الصرفي وهو تقادم قصير فإنه يفلت من هذا التقادم
بمجرد دخوله في الحساب الجاري ،وتحوله إلى مفرد محاسبي بداخله .وال يمكن
أن يخضع ألي تقادم خالل اشتغال هذا الحساب ،حتى إذا حل ميعاد إقفاله ،ساهم
هذا المفرد مع غيره من المفردات في تكوين الرصيد النهائي الذي يخضع للتقادم
.العادي في المواد التجارية
على مستوى الفوائد :يؤدي دخول الدين األصلي في الحساب باالطالع إلى
وقف سريان الفوائد التي كان ينتجها قبل دخوله هذا الحساب ،إذ بمجرد تحول هذا
الدين إلى مفرد محاسبي يفقد طبيعته األولى التي كانت أساس إنتاج الفوائد،
وتخضع مفردات الحساب للقواعد المتفق عليها بين الطرفين بشأن الفوائد في
الحساب التي تساهم في تكوين الرصيد النهائي عند إقفاله وتنتج بدورها فوائد
.خالل اشتغال الحساب الجاري
7
تطبيقا لهذا فإذا كان الدين الذي دخل الحساب ينتج فوائد مدنية ،فإنه داخل عقد
الحساب الجاري ينتج فوائد بالسعر التجاري .كما أن الفوائد التي ينتجها هذا الدين
.لن تتقادم إال بالتقادم المقرر لرصيد الحساب الجاري
وعلى مستوى االختصاص :إذا كان الدين األصلي قبل دخوله الحساب
الجاري من اختصاص القضاء العادي في حالة وقوع نزاع بشأنه بسبب طبيعته
المدنية ،فإنه بمجرد دخوله عقد الحساب الجاري يصبح من اختصاص القضاء
التجاري بسبب الطبيعة التجارية لهذا العقد ،وذلك بالنسبة للتشريعات التي تعتمد
هذا النظام القضائي ،كما هو الحال في المغرب حيث المحاكم التجارية هي
.المختصة بالنظر في العقود التجارية
و إضافة إلى تحول طبيعة الدين بعد دخوله الحساب الجاري كنتيجة للتجديد
داخل عقد الحساب الجاري ،يشكل انقضاء الدعاوى والتأمينات التي كانت تحمي
الدين األصلي قبل دخوله الحساب الجاري نتيجة هامة يرتبها هذا التجديد .فكيف
يتم هذا االنقضاء؟ وما هي مبرراته القانونية؟ هذا ما سنجيب عليه من خالل الفقرة
.الثانية
الفقرة الثانية :فقدان دعاوى وضمانات المدفوع
يتعلق األمر هنppا بعنصppرين هppامين يترتبppان عن األثppر التجديppدي داخppل عقppد
الحساب الجاري هما :فقدان دعpاوى الpدين األصpلي ( أوال ) وانقضpاء ضpمانات
هذا األخير ( ثانيا ).
8
أما خالل اشتغال الحساب الجاري البنكي أو الحساب باالطالع ،وطبقا لمبدأ
عدم تجزئة مفردات هذا الحساب فال يوجد دائن أو مدين .وبالتالي ال يتمتع أي
طرف في هذا الحساب بأية دعوى تسمح له بالمطالبة بتسوية أي مدفوع من
المدفوعات المدرجة به بصفة مستقلة ،وهذا يعني أن دخول المدفوعات في الحساب
.الجاري يؤدي إلى انقضاء الدعاوى التي كانت تحمي الديون القديمة
ويعتبر انقضاء الدعاوى المرتبطة بالدين األصلي أثرا رئيسيا للتجديد الذي
يصيب المدفوعات التي تدخل الحساب الجاري مما يمنع من المطالبة بتحصيل هذه
الديون بمفردها أو المطالبة بها بالتخصيص .وهذا االنقضاء هو نتيجة منطقية
النتهاء أي صلة بين الدين األصلي والمفرد المحاسبي الذي أصبح يمثله داخل هذا
الحساب ،والذي بمجرد دخوله هذا األخير يندمج مباشرة في الرصيد الذي يظهر
في كل لحظة خالل اشتغال الحساب أو الرصيد النهائي عند إقفاله .وهذا االندماج
يؤدي إلى ضرورة التزام كل طرف باالمتناع عن االدعاء بشأن هذا الدين األصلي
على أساس العقد الذي أنشأه ،ويبقى له االستناد إلى عقد الحساب الجار فقط
ولتفادي هذا ،استقر الرأي على جواز االتفاق على إبعاد بعض المدفوعات
كاألوراق التجارية من نطاق الحساب الجاري حتى يظل الدائن متمتعا بالضمانات
الخاصة بالديون القديمة ،وبالدعاوى التي كانت تحميها استثناء من مبدأ عمومية
الحساب الجاري
يفهم من هذا ،أن األثر التجديدي للحساب باالطالع يؤدي إلى انقضاء الضمانات
أو التأمينppات الppتي كppانت تحمي الppدين األصppلي قبppل دخولppه هppذا الحسppاب ،فمppا هي
مبررات هذا االنقضاء؟ وما هي الحلول الحمائية للطرف المتضرر وللغير؟
أو التأمينات الppتي كppانت تضppمن الppديون القديمppة سppواء كppانت هppذه التأمينppات
قانونية أو اتفاقيppة ،وهppذا األثppر يضppر بطبيعppة الحppال بppالطرف الppذي كppانت ديونppه
األصلية قبل دخولها الحساب مضمونة بتأمينات توفر له حماية أقوى.
9
هكذا إذ دخل ثمن البيع الحساب الجاري تحول إلى مفرد محاسبي خاضع
للنظام القانوني لهذا العقد ،وبذلك ينقضي االمتياز الضامن له ،وإذا كان للبنك رهن
ضمانا لدين قبل دون تحفظ منه بأن يدخل الحساب الجاري ،سقط هذا الرهن
إذن ،وبالنظر النقطاع العالقة القانونية بين الدين األصلي والمفرد المحاسبي
الذي يمثله ،فإنه من الطبيعي ،وبفعل التجديد – أحد أهم مرتكزات عقد الحساب
الجاري – أن تنقطع العالقة بين التأمينات أو ضمانات الدين األصلي والمفرد
المحاسبي .ويتجسد هذا االنقضاء في عدم استفادة المفرد الممثل للدين المضمون
من تلك الضمانات .إال أن هذا ،قد يسبب في غالب األحيان أضرارا ألحد
األطراف ،وحتى للغير .ومن أجل تفادي هذه األضرار البالغة الخطورة ،تم
االستقرار فقها وقضاء وتشريعا على حلين .فما هما؟
الحل األول :االتفاق على عدم إدخال الديون المضمونة إلى حظيرة الحساب
.باالطالع
:الحل الثاني :انتقال الضمانات إلى رصيد الحساب
حيث أن إرادة الطرفين يمكن أن تلعب دورا جوهريا في هذا الصدد ،إذ بإمكان
الطرف الذي يتوفر على ديون مضمونة ستدخل الحساب الجاري ،أن يشترط انتقال
الضمانات التي تحمي تلك الديون لضمان رصيد هذا الحساب.وإذا كانت المادة 355
من قانون االلتزامات والعقود تنص على ان " :االمتيازات والرهون الرسمية
الضامنة للدين القديم ال تنتقل إلى الدين الذي يحل محله إال إذا احتفظ به
صراحة "...فيمكن اعتبار الرصيد الذي سيسفر عليه الحساب الجاري دينا جديدا
.يحق للطرفين االتفاق على تحويل ضمانات الدين القديم لضمانه
وقد نص القانون التجاري المغربي على هذا الحل صراحة من خالل المادة
498من مدونة التجارة المغربية في فقرتها الثانية" :تنقضي الضمانات الشخصية
أو العينية المرتبطة بالديون المحولة في الحساب ،إال إذا حولت باتفاق صريح على
".رصيد الحساب
وهكذا ،فكيفما كانت طبيعة هذه الضمانات يبقى من حق الطرفين االتفاق على
إبقائها للتحول إلى الرصيد الدائن للحساب الجاري ،أو االتفاق على إنشاء ضمانات
خاصة للرصيد النهائي لنفس الحساب .بعد هذا ننتقل للحديث عن موقف المشرع
.المغربي في الموضوع وذلك من خالل المطلب الموالي
المطلب الرابع :موقف المشرع المغربي
10
نصت المادة 498من مدونة التجارة على ما يلي " :تفقد الديون المسجلة في
الحساب صفاتها المميزة وذاتيتها الخاصة وتعتبر مؤداة ،آنذاك ال يمكنها أن تكون
.موضوع أداء أو مقاصة أو متابعة أو إحدى طرق التنفيذ أو التقادم بصورة مستقلة
تنقضي الضمانات الشخصية أو العينية المرتبطة بالديون المحولة في
".الحساب ،إال إذا حولت باتفاق صريح على رصيد الحساب
يفهم من هذا النص أن المشرع التجاري المغربي لم يأخذ بنظرية التجديد
صراحة كأساس النقضاء الديون األصلية التي تدخل الحساب الجاري البنكي أو
الحساب باالطالع ،بل اعتمد موقف الفقه والقضاء الفرنسيين الحديث الذي يؤسس
انقضاء الديون األصلية على أساس أن الدفع في الحساب يساوي الوفاء
بعد هذا كله يمكن القول بأن األثر التجديدي للحساب باالطالع من خالل
المدونة التجارية المغربية يستند إلى كون الديون التي تم تقييدها في هذا الحساب
تعتبر مؤداة وهذا يؤكد أن المشرع المغربي هو اآلخر يأخذ بفكرة التجديد كأساس
النقضاء الديون التي تدخل الحساب الجاري البنكي ،وليس بفكرة الوفاء كأساس
.لهذا االنقضاء
وبعد استكمال الحديث عن آثار عقد الحساب باالطالع ننتقل من خالل
.المبحث الموالي للحديث عن إقفال الحساب البنكي
المبحث الثالث :إقفال الحساب البنكي
11
فالمؤسسة البنكية ملزمة بقوة القانون بإغالق أي حساب بنكي يقل رصيده عن
100درهم ومر عليه عام كامل دون أن يستخدمه صاحبه ،مضيفين أنه إذا “طالب
أحد البنوك بديون متراكمة على حسابك الذي لم تترك فيه أقل من 100درهم ولم
تتعامل به لمدة سنة كاملة فال تدفع لهم أي درهم بقوة القانون حسب المادة 503من
”.مدونة التجارة
تنص المادة 503من مدونة التجارة المغربية على انه " :يوضع حد للحساب
باالطالع بإرادة أي من الطرفين ،بدون إشعار إذا كانت المبادرة من الزبون ،ومع
مراعاة اإلشعار المنصوص عليه في هذا الباب المتعلق بفتح االعتماد إذا كانت
.المبادرة من البنك
يقفل الحساب أيضا بالوفاة أو انعدام األهلية أو التسوية أو التصفية القضائية
".للزبون
انطالقا من هذه المادة ،فإقفال الحساب البنكي بصفة عامة والحساب الجاري
البنكي بصفة خاصة هو نتيجة حتمية تفرضها أسباب متعددة ،قد يكون لإلرادة
دخل فيها ،وقد ال يكون لها أي دخل عندما يكون إقفاله نتيجة تغير الوضعية
.القانونية للزبون
يفهم من هذا أن أسباب إقفال هذا الحساب قد تكون إرادية (الفقرة األولى) وقد
.تكون أسبابا غير إرادية (الفقرة الثانية)
الفقرة األولى :األسباب اإلرادية
رغم أن فتح الحساب الجاري البنكي أصبح التزاما تجاريا على عاتق الزبون
التاجر بمقتضى المادة 18من مدونة التجارة ،فهو ليس عقدا أبديا يفرض عليه
االستمرار في هذه العالقة طيلة حياته ،حيث يمكنه أن يلجأ إلى قفل هذا الحساب
بإرادته دون قيد أو شرط .وهو نفس الحق المخول للبنك شريطة مراعاة إشعار في
.هذا الصدد
12
وكيفما كان مصدر إقفال الحساب ،سواء من طرف البنك أو الزبون فهذا
.اإلقفال قد يكون صراحة ،وقد يستفاد ضمنيا
مبدئيا ،فاتفاقية الحساب الجاري البنكي تنتهي كباقي االتفاقات بحلول أجلها
في مجال تسوية المعامالت المتبادلة بين الطرفين إذا كان الحساب الجاري محدد
المدة ،وإذا لم يكن محدد المدة ،وهذا هو الوضع الغالب بالنسبة للحسابات الجارية
.البنكية ،يحق لكل طرف إقفال هذا الحساب تحت ضغط أسباب معقولة بالطبع
ويالحظ ،أن القانون المغربي في هذا المجال وعلى خالف بعض القوانين،لم
يتحدث عن أجل محدد الشتغال الحساب باالطالع ،وهو ما يفسر اعتماد واضعي
هذا القانون على العرف البنكي الذي يدخل ضمن القوانين الخاصة للمهنة البنكية
كمصدر ،حيث يجعل من الحسابات الجارية البنكية عقودا مستمرة مادام الهدف من
االشتغال بها يرتبط بتسوية عمليات متعددة يطبعها التبادل واالسترسال
.واالستمرار
ونعتقد أن عدم تحديد مدة االشتغال بالنسبة لهذا النوع من الحسابات هو
إيجابي ،بالنظر لسمو الهدف من االشتغال بعقد الحساب الجاري بين البنك
والزبون ،وذلك على خالف الحساب ألجل والذي -وانطالقا من تسميته -يجب أن
.يكون محددا بمدة معينة
هنا ،ال يمكن إغفال دور االعتبار الشخصي في مجال اإلقفال اإلرادي
للحساب الجاري بالنظر الرتباطه بطبيعة هذا الحساب ،ولكونه عنصرا محددا
للتعاقد في هذا الصدد .وهذا ما يبرر حق كل طرف في التخلص من هذا العقد إذا
ما تأثر االعتبار الشخصي للطرف اآلخر أو ارتكب الزبون خطأ .فتأثر االعتبار
الشخصي يعتبر من أهم األسباب التي تؤدي باألبناك إلى إقفال الحسابات الجارية
.لبعض الزبناء نتيجة تقلص عوامل الثقة والمالءة أو انعدامها لدى هؤالء
وال يوجد ما يمنع -خصوصا في ظل المنافسة على اجتذاب الزبناء -من أن
يكون تأثر ذات االعتبار سببا إلقدام الزبون على إقفال حسابه ،إذا ما تبين له أن
البنك الذي يتعامل معه ال يوفر له امتيازات ،أو تنقصه الشفافية في التعامل ،أو أن
معدالت الفائدة التي يشترطها مرتفعة ،وأن هناك أبناك أخرى أفضل لكي يتعامل
معها في هذه الحالة ،فيقوم بإقفال حسابه ،مادامت اإلمكانية القانونية متوفرة له في
.هذا الصدد بمقتضى المادة 503من مدونة التجارة المغربية
13
إضافة إلى ما تقدم ،فقد يقفل الحساب الجاري البنكي بصورة ضمنية ،ودون
.حاجة إلى التعبير صراحة عن إرادة أحد الطرفين في توقيف التعامل بهذا الحساب
وعلى هذا األساس ،وانطالقا من الشرط المادي لصحة اتفاقية الحساب
الجاري ،فبإمكان كل طرف داخل هذا الحساب أن ُيغيب هذا الشرط عبر التوقف
.عن تغذية حسابه ،مما يفَّسر بعدم اهتمام هذا الطرف بتشغيله ورغبته في إقفاله
وإذا كان التعبير الصريح عن إقفال الحساب الجاري ال يثير أي إشكال ،فإن
التعبير الضمني يستخلصه القضاء من ظروف الحال ووقائع النازلة المعروضة
عليه ،كما لو كانت العمليات بين الطرفين قد توقفت لمدة طويلة .،لكن اإلشكال
يثور في هذه الحالة بالنسبة لتاريخ اإلقفال النهائي للحساب .وفي هذا الصدد ،أتيح
للقضاء الفرنسي فرصة النظر في قضية تتعلق بتوقف الزبون عن تغذية الحساب
ورصيده مدينا لفائدة البنك ،فقضت محكمة النقض الفرنسية بأن الحساب يعتبر
مقفال من تاريخ آخر عملية قيدت به ،وأن الرصيد المدين ينتج فوائد ابتداء من هذا
التاريخ .كما اعتبر القضاء المصري توقف الحساب الجاري البنكي عن الحركة
سببا يؤدي إلى إقفاله ،حيث فضت محكمة النقض المصرية بما يلي " :قفل
الحساب الجاري وتصفيته يكون بانتهاء العمليات المتبادلة بين العميل والبنك وعدم
االستمرار فيها ،أثره وقوع المقاصة العامة فورا وتلقائيا بين مفرداته الموجودة في
جانبيه واستخالص رصيد وحيد يحل محل جميع حقوق طرفيه كل في مواجهة
.اآلخر
وعلى غرار القضاء ين الفرنسي والمصري ،أتيح للقضاء المغربي النظر في
هذا اإلشكال المتعلق بتاريخ قفل الحساب .وفي هذا اإلطار جاء في قرار للمحكمة
التجارية بمراكش بتاريخ 10/10/2001ما يلي " :أن الكشوف الحسابية الموجودة
في الملف تفيد أن الحساب توقف عن الحركة منذ 28/10/97وتم حصر المديونية
آنذاك في ...وأنه منذ هذا التاريخ لم يعرف أي دفعات متبادلة وما تم تسجيله
بالجانب المدين لم يكن سوى فوائد بنكية احتسبها البنك لوحده ،على الرغم من
".كونه ال تستحق بعد إقفال الحساب سوى الفوائد القانونية
ويفهم من هذا القرار ،أن المحكمة فسرت التوقف عن تغذية الحساب الجاري
بمدفوعات متبادلة ،بالرغبة في إقفال هذا الحساب ،وأن تاريخ اإلقفال يرجع آلخر
.حركية أو ألخر عملية عرفها هذا الحساب
وإذا عدنا إلى مضمون نص المادة 503من مدونة التجارة السالف الذكر،
يمكن القول بأن المقصود من هذا التصرف والمتمثل في التوقف عن الدفع
14
بالحساب ،هو الزبون أكثر من البنك مادام األول يعفي من أية شكلية إذا ما أراد
إقفال الحساب ،على خالف البنك الذي يظل مقيدا باحترام إشعار نصت عليه هذه
.المادة ،حيث يلزم بالقيام به ولو توقف عن الدفع بالحساب لمدة طويلة
وانطالقا من نص المادة 503كذلك ،يفهم أن المشرع يقرر مبدأ حق كل
طرف في وضع حد للحساب الجاري البنكي أو الحساب باالطالع ،وبعد ذلك يورد
استثناء يقول بأن هذا الحق هو مطلق بالنسبة للزبون ،بينما هو مقيد بالنسبة للبنك،
مقيد بماذا؟ مقيد بإشعار تم التنصيص عليه داخل الباب الخامس من القسم السابع
من مدونة التجارة المغربية المتعلق بعقد االعتماد بمقتضى المادة ،525غير أنه
ليست فقرات هذه المادة كلها مقصودة باإلحالة ،وإنما األمر يتعلق فقط بالفقرة
الثانية التي جاء فيها " :ال يمكن فسخ االعتماد المفتوح لمدة غير معينة بصورة
صريحة أو ضمنية ،وال تخفيض مدته إال بعد تبليغ إشعار كتابي وانتهاء أجل يحدد
".عند فتح االعتماد دون أن يقل هذا األجل عن ستين يوما
وهذا يعني ،أن البنك إذا ما أراد قفل هذا الحساب باالطالع ،فهو ملزم بتبليغ
الزبون بإشعار كتابي باإلقفال ،وأن ال يبادر إلى هذا اإلقفال إال بعد مرور 60يوما
تبتدئ من تاريخ توصل الزبون باإلشعار .فهل يمكن تفسير هذا النص بكونه أتى
تدعيما لمبدأ حق الزبون في الحساب أو أن المسطرة التي ألزم المشرع البنك
بإتباعها جاءت حماية للزبون من اإلقفال الفجائي والتعسفي؟
إن الواقع البنكي المغربي إذا سمح لنا بالجواب باإليجاب على الشق األول من
السؤال -وحتى هذا اإليجاب يبقى مغازلة من البنك للزبون يؤطرها المشرع -فإن
القول أن هذا اإلشعار جاء لحماية الزبون ال يمكن القبول به كجواب على الشق
الثاني الن اإلشعار المنصوص عليه في المادة 503من السالفة الذكر ال يقصد به
أن تخبر المؤسسة البنكية الراغبة في وضع حد للحساب باالطالع لزبونها صاحب
هذا الحساب بذلك ،وإنما يقصد به ذلك األجل الذي يجب على المؤسسة البنكية أن
تعطيه لصاحب الحساب باالطالع لكي يتدبر شؤونه قبل أن يصير قرارها المتعلق
".بإقفال هذا الحساب نهائيا
أما بالنسبة للزبون ،فطبقا لنفس المادة أعاله ،فإذا ما أراد وضع حد للحساب
الجاري الذي يجمعه بالبنك ،فهو غير ملزم بتاتا باحترام أية مهلة إشعار .ومع ذلك
.يتعين عليه إخبار المؤسسة البنكية برغبته هاته بسبب أهمية اإلخبار بالنسبة للبنك
وأمام شيوع تنفيذ عقد االعتماد داخل الحساب الجاري ،ففي هذه الحالة ،فرغبة
البنك في إنهاء الحساب بإرادته هي رغبته كذلك في إنهاء فتح االعتماد .فهل سيسلك
15
المسطرة المنصوص عليها داخل المادة 503المتعلقة بشكليات إقفال الحساب بإرادة
من البنك فقط ،أم سيسلك هذه المسطرة األخيرة والمسطرة المنصوص عليها داخل
المادة 525المتعلقة بشكليات فسخ االعتماد؟
من الناحية القانونية ،فالبنك ملزم في -حالة إقفال اعتماد في حساب جار
بمبادرة منه بإشعار الزبون كتابة بفسخ االعتماد ،وإشعاره في نفس الوقت بإقفال
الحساب الجاري ،ألن األحكام القانونية لفتح االعتماد مستقلة عن مثيالتها بالنسبة
.للحساب الجاري البنكي
وبصرف النظر عن هذا ،ولنبقى داخل اإلشعار المنصوص عليه داخل المادة.
503من القانون التجاري المغربي ،فماذا لو أن المؤسسة البنكية لم تحترم هذا
اإلشعار؟ الجواب نجده داخل المادة 525من المدونة التجارية المغربية رغم أن
المادة 503لم تحسم في هذا صراحة .وهكذا ،فعدم احترام هذا اإلجراء يؤدي إلى
اعتبار هذا الحساب مازال مفتوحا ،وفي حالة اشتغال بالنسبة للزبون .وبالتالي
تترتب المسؤولية البنكية عن األضرار التي يمكن أن تلحق الزبون من جراء إقفال
الحساب الجاري الذي يجمعها بالبنك دون سابق إعالم وفق القانون في هذا الصدد.
وهذا ما نصت عليه الفقرة األخيرة من المادة 525والتي جاء فيها " :يؤدي عدم
احترام هذه المقتضيات من طرف المؤسسة البنكية إلى تحميلها المسؤولية المالية".
وعليه ،يحق للزبون مقاضاة هذا األخير إذا امتنع دون مبرر معقول عن وفاء شيك
سحبه الزبون أو رفض أمر تحويل صادر عن هذا األخير ،دون أن يتوصل
.الزبون بإشعار بإقفال الحساب
ونفس المسؤولية تظل قائمة في حالة عدم احترام المدة المنصوص عليها التي
يجب أن تلي تبليغ الزبون بإشعار كتابي .ويمكن تفسير هذه المدة بمهلة قانونية تتحدد
في 60يوما ،يجب أن يمنحها البنك للزبون قبل اإلقفال النهائي للحساب الجاري
.البنكي
وبصدد نفس الموضوع :موضوع إشعار الزبون بإقفال الحساب الجاري
كتابة وانتظار البنك مدة 60يوما لتنفيذ هذا اإلقفال ،يثار تساؤلين هامين ،األول
يقول :هل يمكن للبنك إقفال هذا الحساب دون القيام بإشعار الزبون كتابة؟ والثاني
يتعلق بمدى أحقية البنك في التراجع عن هذا اإلشعار خالل هذه المدة؟
فيما يخص الجواب عن السؤال األول ،فيجد أساسه داخل إحدى حيثيات قرار
عن المجلس األعلى سابقا محكمة النقض حاليا مؤخرا ،وجاء فيها ..." :وحيث
أن الحساب الجاري الذي هو حساب االطالع يعد من العقود غير المحددة المدة
16
التي ال يمكن ألي أحد من طرفيه وضع حد له ،فالمادة 503من قانون مدونة
التجارة أوردت أن الزبون يمكنه أن يبادر إلنهاء الحساب دون إعطاء البنك مهلة
إشعار ،وإن كانت المبادرة من البنك لزمه مراعاة اإلشعار المنصوص عليه في
الباب المتعلق بفتح االعتماد الذي أوردت بشأنه المادة 525من نفس المدونة أنه ال
يمكن فتح االعتماد المفتوح لمدة غير معينة إال بعد تبليغ كتابي للمدين وهو ما لم
تعبر عنه ال المدينة وال البنك مما يجعل الحساب الجاري الزال مسترسال ومرتبا
"...للفوائد االتفاقية طبقا للقانون
ويفهم من هذا القرار ،أن المجلس األعلى اعتبر إقفال الحساب الجاري البنكي
بمبادرة من البنك ال يمكن أن ينتج آثاره إال بعد تبليغ البنك الزبون كتابة برغبته في
إقفال هذا الحساب مع واحترام اإلشعار المنصوص عليها في الباب المتعلق بفتح
االعتماد .وفي غياب هذين الشرطين فالحساب يظل ساريا وفي حالة اشتغال بين
.الطرفين
أما فيما يخص الجواب على السؤال الثاني ،فإنه ال يوجد داخل النص المنظم
لهذا اإلشعار داخل المواد القانونية المنظمة إلقفال الحساب الجاري البنكي ما يمنع
المؤسسة البنكية من التراجع عن هذا اإلشعار والعدول عن إقفال هذا الحساب،
شريطة إخبار الزبون بهذا العدول ،وبرغبتها في استمرارية هذا الحساب الذي
.يجمعهما به بدل إقفاله
وهنا نورد بعض القرارت القضائية الصادرة عن القضاء المغربي في
موضوع اقفال الحساب البنكي
17
قرار محكمة االستئناف التجارية بفاس
رقم 1539
الصادر بتاريخ 29/10/2009
ملف عدد 815/09
:القاعدة
مقتضيات المادة 503من م.ت ،أعطت الحق لزبون البنك في وضع حد
لحسابه باإلطالع حتى بدون إشعار البنك بلك ولم يوقف ذلك على شرط من
.الشروط
إعالم الزبون لبنكه بضرورة قفل الحساب وإغالقه يلزم المؤسسة البنكية
.تطبيقه فورا
وبعد إقفال الحساب وتوقيفه عن أية حركية يتحدد الرصيد النهائي للحساب
الذي يعطي الحق للطرف الدائن في المطالبة بالوفاء مما أسفرت عنه هذه
.العملية
.الحكم الذي راعى كل ذلك يعد في محله ويتعين تأييده
:التعليل
حيث أثار الطاعن في أسباب استئنافه كون الحكم المطعون فيه جاء فاسد
التعليل لما اعتمد في الحكم بإغالق الحساب على مقتضيات المادة 503م.ت و
الحال أن قفل الحساب من طرف الزبون مرهون بوضعية الحساب عند اإلغالق و
كون المستأنف عليه استمر في تشغيل حسابيه ولم يحترم مدة تصفيتها ولم يفسخ
.عقدي التأمين ولم يرجع بطاقة األداء ولم يؤد المبالغ التي بذمته
لكن وخالف ما ذهب إليه المستأنف فإن مقتضيات المادة 503من مدونة
التجارة جاءت واضحة وال تتضمن أي لبس إذا أعطت للزبون الحق في وضع حد
لحسابه باإلطالع حتى بدون إشعار البنك بذلك ،ولم توقف ذلك على أي شرط من
18
الشروط التي احتج بها المستأنف ،وهو احتجاج في غير محله ما دام ما أدلى به
البنك إلثبات التزامه بأداء أقساط التأمين والتحويالت البنكية نتيجة العقود الثالثية
األطراف التي يدعي قيامها مجرد صور شمسية ال يمكن اعتمادها للقول بأن قفل
الحساب يتوقف على فسخها ،وما دام المسـتأنف عليه وجه للبنك عدة أوامر
اإلغالق آخرها األمر المتوصل به بتاريخ 29/12/2005وما دامت الحركية التي
عرفتها الحسابات كانت نتيجة قيام البنك بخصم األوراق البنكية وأقساط التأمين
المقدمة له رغم اعتراض المستأنف عليه على الوفاء بها بموجب األوامر باإلغالق
المذكورة .إضافة إلى أن مدة التصفية النهائية التي نص عليه المشرع بموجب
المادة 504م.ت هي مرحلة تالية تأتي بعد إقفال الحساب وتوقيفه عن أية حركية
والذي يجب أن يكون فوريا بمجرد تعبير الزبون عن رغبته في اإلغالق ،والغاية
منها تحديد الرصيد النهائي للحساب الذي يعطي الحق للطرف الدائن في المطالبة
.بالوفاء بما أسفرت عنه هذه العمليـــة
وحيث أنه اعتبارا لذلك يتعين رد االستئناف وتكون المحكمة مصدرة الحكم
المطعون فيه قد أقامت قضاءها على أساس قانوني سليم الشيء الذي يستوجب
.تأييده
.حيث أن من خسر الدعوى يتحمل صائرها
19
القرار رقم14:
قرار محكمة االستئناف التجارية بفاس
رقم 1596
الصادر بتاريخ 5/11/2009
ملف عدد 479/09
:القاعدة
قفل الحساب من طرف البنك وعرضه على قسم المنازاعات يضع حدا
للعالقة التعاقدية بين البنك والزبون وال يستحق البنك معه أي فوائد اتفاقية ما
.دام له يقع أي اتفاق على استمرارها بعد حصر الحساب
عدم التوصل باإلنذار أساس طلب التعويض يجعل التماطل غير ثابت والبنك
.غير مستحق له
.الحكم الذي راعى ذلك يعد في محله ويتعين تـأييده
:التعليل
حيث تمسك المستأنف بكون الحكم المستأنف لم يقض له بالفوائد االتفاقية
.بنسبة 12.50في المائة بعد قفل الحساب كما لم يقض له بالتعويض عن التماطل
لكن حيث أنه بالنسبة للنقطة المتعلقة بالفوائد االتفاقية فإن الطاعن بعد قفل
الحساب لم يعد يستحقها على اعتبار أنه بعد قفل الحساب وعرضه على قسم
المنازعة لم تعد تربطه بالمستأنف عليه أي عالقة تعاقدية ،والفصل 8في فقرته
11من عقد القرض المبرم بين الطرفين ليس فيه ما يفيد اتفاق الطرفين على
استمرار احتساب الفوائد االتفاقية إلى ما بعد حصر الحساب ومن تم فإن ما قضى
.به الحكم المستأنف بخصوص هذه النقطة يكون في محله
وحيث بخصوص السبب الثاني فإن ال دليل بالملف على توصل المستأنف
عليه باإلنذار الموجه له ذلك أن اإلشعار باالستيالم المدلى بصورة منه في الملف
ال يفيد التوصل بل رجع بمالحظة بخصوص العنوان والذي تبين أنه ال يتطابق
20
وعنوان المستأنف عليه الوارد بعقد القرض المبرم بين الطرفين .ومن تم يكون
التماطل غير قائم والسبب المذكور غير مؤسس ويتعين رده والحكم المستأنف
.بخصوص هذه النقطة في محله أيضا مما ينبغي تأييده
.وحيث أن من خسر الدعوى يتحمل صائرها
و في ختام ه>ا المطلب ،نشير إلى انه إذا كانت مبادرة اإلقفال هنا غالبا ما
تكون مبنية على االعتبار الشخصي ،فإن انقراض العوامل التي يمكن أن تؤثر فيه
ال تمنع الطرفين من االستمرار في تسوية معامالتهما المتبادلة بواسطة الحساب
الجاري .إال أن هذه االستمرارية تستحيل إذا ما أقفل الحساب الجاري البنكي نتيجة
أسباب ال دخل إلرادة طرفيه فيها .فما هي األسباب الغير اإلرادية إلقفال هذا
.الحساب؟ هذا ما سنجيب عليه داخل المطلب الموالي
21
إقفال هذا الحساب بقوة القانون ،ألنها غالبا ما تمس االعتبار الشخصي الذي يقوم
.عليه الحساب الجاري
وقد نصت المادة 503من مدونة التجارة المغربية في فقرتها األخيرة على
أنه " :يقفل الحساب أيضا بالوفاة أو انعدام األهلية أو التسوية أو التصفية القضائية
".للزبون
انطالقا من هذه الفقرة القانونية ،سنتناول األسباب الغير اإلرادية إلقفال
الحساب الجاري البنكي من خالل الحديث عن الوفاة وانعدام األهلية من خالل
.البند األول ،و عن التسوية والتصفية القضائية من خالل البند الثاني
نظرا لقيام عقد الحساب الجاري على االعتبار الشخصي ،وقوة أهمية هذا األخير
داخل مجال التعاقد في إطار هذا العقد ،فهو يقفل فورا وبقوة القانون وفقا لمقتضيات
المادة 503السالفة الذكر كلما طرأ طارئ يؤثر في هذا االعتبار ،كما هو الشأن
.بالنسبة للوفاة وانعدام األهلية
ويرتبط هذين السببين بالزبون أكثر من ارتباطهما بالبنك بسبب الشخصية
المعنوية لهذا األخير ،وارتباط الوفاة وانعدام األهلية اصطالحا في الواقع
.بالشخصية الطبيعية
وإذا كانت وفاة الزبون تؤدي مباشرة إلى إقفال حسابه الجاري البنكي من
طرف البنك ،أفال يمكن استمرار اشتغال هذا الحساب مع ورثته؟
لم يطرح هذا السؤال على القضاء المغربي ،وطرح على نظيره الفرنسي
فقضى هذا األخير بأن" :موت أحد طرفي الحساب الجاري ال تنهي بالضرورة هذا
الحساب ،إذا استمر ورثته في استغالل المؤسسة التجارية التي كان يديرها
المتوفى ،واحترموا عقد الحساب الجاري المبرم بينه وبين زبونه" .وقد فسر
القضاء الفرنسي هذا المبدأ بكون عقد الحساب الجاري فضال أنه يقوم على اعتبار
22
شخصي ،فهو يقوم على رغبة الطرفين في تبسيط تسوية المعامالت المتبادلة
.بينهما الهدف المتوخى من هذا العقد
وكما يالحظ ،فالقضاء الفرنسي اعتمد الوظيفة الحديثة لعقد الحساب الجاري
باعتباره أداة تسوية سريعة لتبرير قضائه باستمرار اشتغال الحساب الجاري دون
.أخذ باالعتبار للطابع الشخصي للتعاقد
وإذا كان القضاء الفرنسي قد قال باستمرارية تشغيل الحساب الجاري المتوفى
صاحبه مع الورثة شريطة االلتزام ببنود اتفاقية فتح هذا الحساب ،فإنه هناك رأي
.قديم من جنسية هذا القضاء يقول بنفس االستمرارية ،شريطة إبرام عقد جديد
ونؤيد هذا الرأي األخير لكونه األقرب إلى واقع العمل البنكي ببالدنا ،حيث
أن وفاة ماسك الحساب الجاري ال تمنع من االستمرارية في تشغيله مع الورثة
شريطة تقديم طلب صريح من الورثة أو من ينوب عنهم في هذا الصدد .وبعد
ذلك ،يتحول هذا الحساب إلى حساب للتركة حيث يصبح مملوكا من طرف جميع
.الورثة
وتجد هذه االستمرارية أساسها ،في كون الحساب الجاري هو معد في األصل
الستقبال نتائج عمليات متعددة ،منها من دخل الحساب واستقر به في شكل مفردات
محاسبية ،ومنها من لم يدخله بعد وفاة صاحبه ،حيث أن من شأن إقفاله مباشرة في
حالة الوفاة أن يضر بذوي الحقوق أي الورثة .وبالتالي ،فمن مصلحة هؤالء وبعد
موافقة المؤسسة البنكية استمرار تشغيل هذا الحساب .وتبقى هذه االستمرارية
مرتبطة بالرغبة في التسوية السريعة للمعامالت المتبادلة بمقتضى عقد الحساب
..الجاري البنكي
أما بالنسبة للشخص المعنوي ،فحل هذا األخير يعادل من الناحية القانونية
وفاة الشخص الطبيعي .لكن حسابه الجاري البنكي يجب أن يستمر لغايات
.التصفية
وفيما يتعلق بانعدام األهلية كسبب إلقفال الحساب الجاري ،فتجدر اإلشارة
إلى أن هذا الحساب ال يفتح مبدئيا إال لكامل األهلية .وبالتالي فتأثر أهلية الزبون
.وفق قانون االلتزامات والعقود المغربي في هذا الصدد تؤدي إلى إقفاله
وإذا كانت الوفاة كواقعة ترتبط بالشخص الطبيعي دون الشخص المعنوي،
فتسوية بل تصفية هذا األخير قضائيا تعد مساوية لوفاته .وهو ما يحيلنا مباشرة
23
للحديث عن التسوية أو التصفية القضائية كسبب غير إرادي إلقفال الحساب
.الجاري التي غالبا ما يتعرض لها الزبون وليس البنك
البند الثاني :التسوية أو التصفية القضائية
من بين أهم المؤسسات الجديدة التي جاءت بها مدونة التجارة المغربية لسنة
1996مقارنة مع القانون التجاري لسنة 1913نجد مؤسسة صعوبات المقاولة
كنظام عام يهدف إلى مساعدة المقاولة على اجتياز الصعوبات التي تعاني منها
بتوفير مجموعة من اآلليات التي تلجأ إليها بهدف تسوية وضعيتها ،بدل اللجوء
.مباشرة إلى تصفيتها قضائيا ،حيث تبقى هذه التصفية آخر هاته اآلليات
ويتضمن هذا النظام مجموعة من المساطر تهم المقاولة التي تعاني من
صعوبات والتي تتحدد في ثالث :مساطر الوقاية من الصعوبات تم مساطر
.المعالجة وأخيرا التصفية القضائية
وفيما يرتبط بفقرتنا هاته ،التي تتعلق بالتسوية أو التصفية القضائية كسبب
غير إرادي إلقفال الحساب الجاري البنكي ،فإن إقفال هذا األخير في حالة وجود
هذا السبب يتم بقوة القانون استنادا إلى نص المادة 503السالفة الذكر .ووفق نص
هذه المادة ،فاألمر ال يتعلق بسبب واحد بل بسببين مستقلين من حيث األحكام
.والغاية يؤديان قانونا إلى إقفال الحساب الجاري البنكي
وإذا كان السبب األول كمؤسسة أتى بها المشرع ألول مرة بمقتضى مدونة
التجارة المغربية لسنة 1996من أجل ضمان استمرارية نشاط المقاولة ،فألن هذه
.المقاولة الزالت في وضعية قابلة لتذليل صعوباتها وإصالحها
وإذا كان الحساب الجاري البنكي شرطا إلزاميا بمقتضى االلتزامات التجارية
المفروضة على التجار ،فهو في نفس الوقت يشكل أهم مظاهر تجسيد مدى قابلية
المقاولة للخضوع الستمرارية االستغالل التي تؤكدها مقتضيات المادة 571من
مدونة التجارة التي جاءت تحت عنوان " :استمرارية االستغالل" ،وجاء فيها :
"".يتابع نشاط المقاولة بعد إصدار حكم التسوية القضائية
وعلى ضوء هذا ،كيف يمكن اعتبار التسوية القضائية سببا إلقفال هذا
الحساب؟ .وإذا كان هذا التعارض محيرا من الناحية القانونية ،فهل يمكن القول بأن
المشرع يقصد إقفال الحساب القديم للزبون نتيجة وجوده في حالة تسوية قضائية
وفتح حساب جديد لغاية مسايرة استمرارية أعماله ونشاطه؟
24
وال يوجد داخل القانون المغربي ما يفيد هذا ،بل يوجد ما يفيد عكس هذا،
وهو المادة 577والتي جاء فيها " :يمكن في جميع األحوال للسنديك أن يستعمل
حسابات المقاولة البنكية أو البريدية لما فيه مصلحة المقاولة" .كما أن الزبون يبقى
ماسكا للحساب ،وال يتم إقفاله رغم وجود الزبون في حالة تسوية قضائية ،ألن
الحكم بالتسوية القضائية ال يؤدي إلى تخلي المدين عن إدارة أمواله ،والتصرف
.فيها
صحيح أن وجود الزبون في وضعية صعوبات يقتضي األمر معالجتها وفق
القانون ،مما يفرض على المؤسسة البنكية أن ال تستمر في دعم هذا الزبون ماديا،
بتقديم اعتمادات مالية له وهو في هذه الوضعية إذا لم يكن من شأن هذه االعتمادت
سوى إعطاء صورة مغلوطة عن وضعيته المالية الحقيقية .ألن من شأن هذا ،أن
يضر بمصالح الدائنين بإعطائهم صورة ظاهرية غير حقيقية عن وضعية الزبون،
وأن يؤدي في نفس الوقت إلى تأخير اللجوء للمساطر القانونية التي تفرضها
.مرحلة الصعوبات ،والتي تهم المعالجة
أما إذا تم اللجوء إلى مسطرة التسوية القضائية باعتبارها أولى مساطر
المعالجة ،فكيف يمكن تصور تطبيقها وحسابات الزبون الجارية مقفلة؟ .وذلك على
فرض أن التسوية القضائية تؤدي إلى إقفال الحساب الجاري البنكي وفقا لنص
.الفقرة األخيرة من المادة 503من القانون التجاري المغربي
وفي هذا الصدد ،يجب التمييز داخل مسطرة التسوية القضائية بين وسيلتين
لتطبيق هذه المسطرة ،تتعلق األولى بتنفيذ مخطط االستمرارية ،والثانية بتفويت
.مقاولة الزبون
وعلى ضوء هذا التمييز ،إذا كان باإلمكان القبول بكون التفويت يؤدي حتما
إلى إقفال الحساب الجاري البنكي للزبون ليحل محله الحساب الجاري للمفوت إليه
في استمرارية نشاط المقاولة األصلي بسبب الطابع الشخصي لهذا الحساب ،فإن
اللجوء إلى مخطط االستمرارية الذي يؤدي حسب المادة 592من مدونة التجارة
المغربية إلى استمرارية المقاولة في حالة وجود إمكانات جدية لتسوية وضعها
وسداد خصومها ،يجعل من المستحيل تصور إقفال الحساب الجاري في هذه
.المرحلة التي يجب أن ال يقفل فيها الحساب لغايات التسوية القضائية
ويؤكد هذا ،مقتضيات المادة 593من نفس المدونة التي جاء فيها " :حينما
تكون المقاولة موضوع منع إصدار شيكات عن وقائع سابقة لحكم فتح التسوية
يمكن للمحكمة أن تأمر بوقف آثار المنع خالل مدة تنفيذ المخطط وسداد خصوم
25
المقاولة" .فهذه المادة تعطي الصالحية للمحكمة التجارية باعتبارها المشرفة على
مسطرة التسوية القضائية بإيقاف آثار المنع من إصدار الشيكات سواء أكان هذا
المنع بنكيا أو حتى قضائيا .وهذا يعني تمكين الزبون من دفتر شيكات ،وهو ما ال
يمكن تصور وجوده دون وجود حساب بنكي على اعتبار أن تسليم دفتر الشيكات
للزبون هو نتيجة منطقية لفتح هذا الحساب ووسيلة فعالة لتشغيله .وهذا يعتبر دليال
على أن التسوية القضائية في شقها االستمراري لنشاط الزبون وليس التفويتي لهذا
النشاط للغير ،ال يقفل الحساب الجاري البنكي ،بل يصبح استمرار تشغيله
ضروريا لغاية التسوية القضائية .فقد يشكل فتح اعتماد من لدن المؤسسة البنكية
داخل هذا الحساب في هذه الحالة وسيلة ناجعة لتجاوز الصعوبات التي يعاني منها
هذا الزبون ،تساعده في ذلك وظيفة هذا الحساب في مجال التسوية التي من شأنها
.أن تساهم في إنجاح مسطرة التسوية القضائية لهذا الزبون
إضافة إلى ما تقدم ،فإذا كان إقفال الحساب الجاري البنكي نتيجة التسوية
القضائية يتنافى والغاية من اللجوء إلى هذه المسطرة ،فإن هذا اإلقفال هو مؤكد
نتيجة الحكم بالتصفية القضائية في الحالة التي تصبح فيها وضعية المقاولة مختلفة
بشكل الرجعة فيه طبقا للمادة 619من مدونة التجارة المغربية .ويعد الحساب
مقفال من تاريخ الحكم بالتصفية القضائية ،حيث يدخل الحساب مرحلة التصفية
التي نصت عليها المادة 504والتي جاء فيها " :عند إقفال الحساب تمنح مدة
".لتصفيته وبانتهائها يتحدد الرصيد النهائي
وفي هذا اإلطار ،ال يمكن القول كما ذهب إلى ذلك بعض الفقه المغربي بخلو
القانون المغربي من أي نص يجيز إبقاء حساب المقاولة الموضوعة في حالة
تصفية قضائية مفتوحا لمدة معينة لحاجات التصفية على غرار ما هو مقرر في
هذا اإلطار في القانون الفرنسي .ألن مقتضيات المادة 504جاءت لتبين مصير
الحساب الجاري البنكي المقفل نتيجة أحد األسباب الواردة في المادة 503من
القانون التجاري المغربي ،إذ بمجرد حدوث أحد أسباب اإلقفال يدخل هذا الحساب
مرحلة التصفية التي ال تتم مباشرة ،وإنما تتطلب مدة معينة لتحديد وضعية
الحساب ،وبانتهائها يتحدد الرصيد النهائي .والخالف بيننا وبين القانون الفرنسي
في هذا الصدد ،هو أن النص المغربي جاء بشكل عام ودون مرسوم تطبيقي،
بحيث إذا ما توسعنا في تفسيره ،فبالتأكيد سنصل إلى ما أقره المرسوم الصادر في
27دجنبر 1985لتطبيق القانون الفرنسي ل 25يناير 1985المتعلق بصعوبات
.المقاولة
26
وإذا كان من سبب من أسباب اإلقفال الغير اإلرادية التي يمكن أن تتعرض
إليه المؤسسة البنكية فهو هذا األخير ،حيث يمكن تصور تعرض البنك باعتباره
شركة مساهمة لصعوبات من شأنها أن تؤدي إلى تصفيته قضائيا مما يؤدي إلى
إقفال الحساب الجاري الذي يجمعه بالزبون رغم صعوبة تصور مثل هذا في
الواقع العملي .كما انه إذا كانت التصفية القضائية هي السبب القانوني األخير الذي
نصت عليه المادة 503من مدونة التجارة المغربية ضمن أسباب إقفال الحساب
الجاري البنكي ،فهذا ال يعني أن هذه األسباب وردت على سبيل الحصر ،بل هي
على سبيل المثال ،بدليل عدم تعرض هذه المادة ألسباب أخرى مثل الحجز على
الرصيد المؤقت الدائن ،والذي وإن كان يؤدي خالل مرحلة اشتغال الحساب إلى
تجميد هذا األخير ،فبالتأكيد أن هذا الحساب سيقفل نهائيا بعد تنفيذ إجراءات
".الحجز
أخيرا ،فسواء أقفل الحساب نتيجة إرادة صريحة أو ضمنية ،وفاة أو انعدام
أهلية ،أو نتيجة حكم بالتصفية القضائية أو حجز ،فهو يخضع لمدة معينة تتم فيها
تصفيته فكيف تتم هذه التصفية؟ وهل يمكن للحساب أن يستقبل عمليات جديدة؟
وغيرها من األسئلة التي تهم مرحلة التصفية والتي سنعمل على اإلجابة عليها من
.خالل المطلب الموالي
المطلب الثاني :آثار إقفال الحساب الجاري البنكي
بمجرد إقفال الحساب الجاري البنكي ،يلزم تهيئته إلجراء المقاصة االجمالية
بين المفردات الدائنة وتلك المدينة الستخراج الرصيد النهائي الذي يحدد مركز كل
.من الطرفين ،ويصبغ عليهما صفة الدائن والمدين
إال أن هذه النتيجة ال يتم التوصل إليها بسهولة بالنسبة لحساب كالحساب
الجاري البنكي الذي يكون معدا في األصل الستقبال عمليات متعددة ،منها من لم
تتوافر فيها شروط دخولها إليه إال بعد تاريخ إقفاله بمدة ،ومنها من هي موجودة
بهذا الحساب ،لكن في جانبه المؤجل عند إقفاله ،حيث لم توافر بعد على شروط
انتقالها للجانب الحال عند اإلقفال .وهذا يعني أن إقفال الحساب الجاري ال يمكن أن
،يتم مباشرة
على هذا األساس ،فمن غير الممكن إقفال الحساب الجاري البنكي مباشرة ،مما
يفرض منح مهلة لتصفية هذا األخير .وهو ما نصت عليه المادة 504من م.ت.م.ج.
27
والتي جاء فيها " :عند إقفال الحساب ،تمنح مدة لتصفيته ،وبانتهائها يتحدد الرصيد
".النهائي
بناء على ما تقدم نقسم هذا المطلب إلى فقرتين نتناول في الفقرة األولى مفهوم
اثر عدم تقييد مدفوعات جديدة بينما نخصص الفقرة الثانية للحديث عن تصفية
.العمليات الجارية
الفقرة األولى :عدم تقييد عمليات جديدة
في بداية هذه الفقرة ،البد من التوضيح بأن المقصود بالعمليات الجديدة هي
تلك العمليات التي يقصد الطرفان من دخولها عقد الحساب الجاري البنكي أو
الحساب باالطالع الذي يجمعهما تسويتها بواسطة هذا العقد عبر إخضاعها لقواعده
الخاصة في مجال التسوية في هذا الصدد ،وهو ما ال يمكن أن يتم في هذه الحالة
بسبب إقفال هذا الحساب وانتقاء العنصر اإلرادي الذي كان يتجه إلى هذه التسوية
.عندما كان الحساب ساريا بينهما
وتتم تصفية هذا الحساب على أساس تصفية العمليات القديمة قبل تاريخ إقفاله
وعدم تسجيل عمليات جديدة بعد هذا اإلقفال ،ألن هذا الحساب لم يعد مستعدا
الستقبالها .لكن خصوصية العمل البنكي ،وكذا خصوصية قواعد الحساب الجاري
البنكي ال تسمح بقيام هذه التصفية بهذه السهولة ،بسبب تعدد أسباب إقفال
الحساب ،األمر الذي يتطلب القيام بمحاولة لتحديد العمليات القديمة من الجديدة
.على ضوء هذه األسباب
وعليه ،فمبادرة الزبون بإقفال الحساب ،ال تتطلب أية شكلية معينة خالفا لما
هو عليه األمر بالنسبة للبنك .ورغم هذا ،فالبد من إعالن رغبة الزبون في إقفال
الحساب ،والتي غالبا ما تتم بتقديم طلب كتابي للبنك يتجسد في الواقع العملي في
.ملئ مطبوع يقدمه البنك إلى الزبون يعكس هذا الطلب الكتابي
وفي هذه الحالة ،فالعملية تعتبر قديمة هي تلك التي أنجزت قبل تقديم الزبون
للبنك ما يفيد رغبته في إقفال هذا الحساب ،وبعد توصل البنك بما يفيد هذه الرغبة
.فال يمكن إجراء أية عملية جديدة
ويصعب هذا التمييز في الحالة التي يقفل الحساب الجاري البنكي بإرادة
الزبون الضمنية ،خصوصا عند توقفه عن تغذية هذا الحساب .وفي هذه الحالة،
28
تؤخذ بعين االعتبار آخر حركية لهذا الحساب أو آخر عملية أدرجت فيه .وقد
.جرى القضاء المغربي على اعتبار توقف حركية الحساب معادال لوقفه النهائي
أما في حالة إقفال هذا الحساب بمبادرة من البنك ،فالعمليات الجديدة التي ال
يمكن أن تدخل الحساب الجاري من أجل التسوية ،هي تلك التي يمكن أن تتم بعد
انتهاء أجل الستين يوما الذي يلي إشعار البنك للزبون بإقفال الحساب الجاري
بمقتضى المادة 525من م.ت.م.ج التي أحالت عليها المادة 503من نفس المدونة.
أما التقييدات التي تمت قبل هذا اإلشعار ،وحتى انتهاء مدة الستين يوما ،فتدخل
.خانة العمليات القديمة على اعتبار أن هذا األجل ال يدخل ضمن مدة التصفية
عمليا ،فاألبناك المغربية بمجرد ما تشعر الزبون بإقفال حسابه الجاري
البنكي ،تتوقف عن تقييد أية عملية دون احترام أجل الستين يوما الذي غالبا ما
يحتسب ضمن مرحلة تصفية هذا الحساب ،رغم أن القانون في هذه الحالة ينص
.على مدة لتصفية الحساب بعد مرور أجل الستين يوما
وفي حالة الوفاة أو انعدام األهلية فالعمليات القديمة هي تلك التي تمت قبل تغير
الوضعية القانونية للزبون ،أما العمليات الجديدة فهي تلك التي يمكن أن يجريها الورثة
.أو الموصون
أما في حالة التسوية القضائية ،فهذه المرحلة كما رأينا ال يمكن تصور إقفال
الحساب الجاري البنكي الذي يستمر بعد الحكم بفتح مسطرة التسوية ،ومع ذلك
وإن كانت هناك ضرورة للتمييز في حالة استقرار هذه المسطرة على حل
التفويت ،فيمكن القول بأن العمليات الجديدة هي تلك التي قد تتم بعد الحكم بفتح
التسوية ،أما العمليات القديمة فهي تلك التي تمت قبل هذا الحكم .ونفس المعيار
ينطبق على التمييز بين العمليات القديمة والجديدة في حالة التصفية القضائية عند
.توافر مقتضيات المادة 619من مدونة التجارة المغربية
ويترتب عن هذا ،أن كppل من البنppك والزبppون يتعين عليppه احppترام آثppار إقفppال
الحساب الجpاري البنكي ،حيث يلpتزم البنpك بعpدم تقييpد مصpاريف مسpك الحسpاب
وبالمقابل يلتزم الزبون باحترام عدم القيام بأية عمليpة جديpدة قppد تpؤثر في الرصppيد
المؤقت عند تصفية هذا الحساب .وبالتالي ،يمنع عليه استعمال هذا الحسppاب سppواء
بإصدار شيكات أو أوامر تحويل أو تقديم كمبيppاالت لالسppتخالص أو للخصppم .وفي
29
حالة قيام الزبون بإحدى هذه العمليات ،فالبنك لن يقيدها دون أن تترتب مسؤولية في
هذا الصدد.
بمجppرد إقفppال هppذا الحسppاب يلppزم تهيئتppه إلجppراء المقاصppة اإلجماليppة بين
المفردات الدائنة والمفردات المدينة الستخراج الرصيد النهائي الذي ال يتطلب فقppط
التوقف عن تقييد العمليات الجديدة ،بل يقتضي كذلك تصفية العمليات الجارية الppتي
تمت قبل إقفال الحساب ،والتحقت بجانب الحقوق المؤجلة في انتظار توافر شppروط
انتقالها للجانب الحال.
وفي هذا اإلطار ،نصت المادة 505من مدونة التجارة المغربية على أنه:
"طيلة فترة التصفية تنقل الديون الناتجة عن عمليات جارية يوم اإلقفال إلى
.الحساب
ال يؤدي قيدها إلى انقضائها إال في الحدود التي تتم مقاصتها مع الرصيد
".المؤقت الموجود يوم اإلقفال مع احتمال تغييره بعد ذلك
هكذا ،فاألوراق التجارية التي يدفعها الزبون إلى البنك من اجل استخالصها
تقيد بالجانب المؤجل للحساب .وإذا ما طرأ سبب أدى إلى إقفال هذا األخير ،فهي
تنتقل إلى الجانب الحال ،وتندمج داخل الرصيد المؤقت بواسطة المقاصة .ولكن،
ليس بهدف التسوية ،وإنما لغاية التصفية .وهو ما عبر عنه المشرع المغربي
باحتمال تغير الرصيد المؤقت بعد قيد هذه العملية داخل الحساب ،ألن الرصيد
النهائي هو المطلوب من إقفال الحساب الجاري البنكي .بعد هذا ننتقل للحديث عن
.عقد فتح االعتماد خالل الفرع الموالي
30