Professional Documents
Culture Documents
الظهور المختصر 5
الظهور المختصر 5
الظهور المختصر 5
غير ثابتة ،متغيرة ،فانية مثل الزمن نفسه ،يوجد مجموعة هائلة من السكان في منطقة
الطوب األحمر في الجانب الغربيالسفلي من المدينة ،وهؤالء ال مأوى لهم ولكن لديهم مئة
،منزل .ينتقلون من غرفة مفروشة إلى أخرى ،متنقلون دائًما-متنقلون في مكان اإلقامة
متنقلون في القلب والعقل .يغنون "منزل حلو منزل" بأنماط الراجتايم؛ يحملون متعلقاتهم
الشخصية في صندوق صغير؛ ُت لتف الكرمة حولقبعة صورة؛ ونبات المطاط هو شجرة
.التين الخاصة بهم
،لذا يجب أن تكون للمنازل في هذه المنطقة ،بعد أن استضافت ألف مقيم ،ألف حكاية لترويها
وغالًبا ما تكون مملة ،ال شك في ذلك؛ ولكن من الممكن أن يتم العثور على شبح أو اثنين
في أعقاب كل هؤالء األشباح المتجولة .فيإحدى الليالي بعد الغسق ،تجوب شابٌ بين هذه
القصور الحمراء المتهاوية ،يجري نحو أجراسها .وعند البيت الثاني عشر ،وضع حقيبته
النحيفة على الخطوة ومسح الغبار من شريط قبعته وجبينه .الجرس بدا ضعيًف ا وبعيًد ا في
،عمق مناطق نائية وفارغة .وعند باب هذا المنزل ،الذي كان البيت الثاني عشر وراء جرسه
جاءت خادمة المنزل التي جعلته يفكر في دودة غير صحية ومشبعة تمتص جوزتها حتى
أصبحت قشوًر ا فارغة واآلن تسعى لملء الفراغ بزوار صالحين للتأكل .سألها إذا كان هناك
.غرفة إلليجار
تفضلوا" قالت الخادمة .صوتها نبع من حنجرتها؛ بدت حنجرتها كأنها مبطنة بالفراء" .لدي"
طابق العلوي الثالث ،الذي شاغر منذ أسبوع .هل ترغب في رؤيته؟" تبع الشاب الخادمة
عبر الساللم .ضوء خافت ال يأتي من مصدر محدد خفف من ظالل القاعات .ساروا بال
صوت على سجادة الدرج التي لوحها النول الخاص بها لن يقسمها .بدت وكأنها تحولت إلى
نبات؛ أنها تحّو لت في ذلك الهواء المليء بالظلمة والخالي من الشمس إلى طحلب غني أو
نبات ينمو على شكل بقع على الدرج ويكون لزًج ا تحت القدم مثل المادة العضوية .في كل
منعطف للسلم كانت هناك حنايا فارغة في الجدار .قد تكون النباتات قد وضعت فيها في
وقت ما .إذا كان األمر كذلك ،فإنها لقد ماتت في تلك الهواء النتن والملوث .قد يكون
القديسون قد وقفوا هناك ،ولكنه لم يكن من الصعب تصور أن العفاريت والشياطين قد
.سحبوهم إلى الظالم ونزلوا بهم إلى أعماق غير مقدسة في حفرة مؤثثة من األسفل
هذه هي الغرفة" ،قالت الخادمة ،من حنجرتها المبطنة بالفراء" .إنها غرفة جميلة .نادًر ا"
ما تكون شاغرة .كان لدي بعض األشخاص األنيقين فيها الصيف الماضي-ال مشكلة على
اإلطالق ،ودفعوا مقدًم ا حتى اللحظة .الماء في نهاية الردهة" .سبراولز وموني" أبقياها
محجوزة لمدة ثالثة أشهر .قد قدموا عرض فودفيل .اآلنسة "بريتاسبراولز"-ربما سمعت
بها-أوه ،هذه كانت أسماء مسرحية فقط-هنا فوق المضمار هو المكان الذي كانت تعلق
عليه شهادة الزواج ،مؤطرة .الغاز هنا ،وكما ترى يوجد الكثير من مساحة الخزانة .إنها
.غرفة يحبها الجميع .نادًر ا ما تبقى شاغرة لفترة طويلة
.هل لديك الكثير من األشخاص المتعلقين بالمسرح يسكنون هنا؟" سأل الشاب"
يأتون ويذهبون .نسبة كبيرة من مستأجريّ مرتبطة بالمسارح .نعم ،يا سيدي ،هذا منطقة"
هنري100-قصة مختارة48
المسرح .ال يبقى الفنانون في مكان طويالً أبدًا .أحصل على نصيبي منهم .نعم ،يأتون
".ويذهبون
.استأجر الغرفة ،ودفع مقدماً لمدة أسبوع .قال إنه متعب وسيستولي على الغرفة على الفور
،عدّ مبلغ النقود .كانت الغرفة جاهزة ،قالت ،حتى مناشف وماء .وبينما ابتعدت الخادمة
.وضع ،للمرة األلف ،السؤال الذي كان يحمله على طرف لسانه
فتاة صغيرة-اآلنسة فاشنر-اآلنسة إيلويز فاشنر-هل تتذكر مثل هذه الشخصية بين"
مستأجريك؟ ربما كانت تغني على المسرح .فتاة ذات شعر أشقر ذهبي ووجه نحيل وطول
".متوسط ،ولديها خال داكن بالقرب من حاجبها األيسر
ال ،ال أتذكر االسم .األشخاص في عالم المسرح لديهم أسماء يتغيرونها بنفس تكرار تغيير"
".غرفهم .يأتون ويذهبون .ال ،ال أتذكرهذا
ال .دائماً ال .خمسة أشهر من االستجواب االلفتراضي والنفي الحتمي .قضى الكثير من
الوقت نهاًر ا في استجواب المديرين والوكالء والمدارس والفرق الغنائية؛ وليالً بين جماهير
المسارح من فرق ممثلين مشهورين إلى صاالت موسيقية منخفضة إلى درجة تجعله يخشى
أن يجد مايأمل فيه .من أحبها أكثر من غيره حاول أن يجدها .كان واثًق ا من أنه منذ اختفائها
من المنزل ،تختبئ هذه المدينة المحاطة بالمياه بها في مكان ما ،لكنها كانت مثل رمل سريع
ضخم ،تحرك جزيئاته باستمرار ،بال أساس ،حبيباته العلوية لليوم ُتدفن غًد ا في الوحل
.والوحل
استقبلت الغرفة المؤثثة ضيفها الجديد بضوء أول من الضيافة المزيفة ،ترحيب متهافت
وهزيل وسطحي يشبه ابتسامة مغرورة المرأة فاسقة .الراحة المغلوطة جاءت في تألق
مستند من األثاث المتدهور ،والنسيج المزين الممزق لكنبة وكرسيين ،ومرآة زجاجية
رخيصة بعرض قدم بين النافذتين ،منإطارات صور منجدة بالذهب وسرير نحاسي في
.الزاوية
استلقى الضيف ،كان كالعقد ،على كرسي ،بينما حاولت الغرفة ،ملتبسة في كالمها كما لو
.كانت شقة في بابل ،أن تخبره عن مستأجريها المختلفين
سجادة متعددة األلوان مثل جزيرة استوائية مشرقة ذات شكل مستطيل ،محاطة ببحر من
البسط المتسخ الموجج .على الجدار المغطى بورق ملون كانت تلك الصور التي تطارد
المرء البال مأوى من منزل إلى منزل"-عشاق الهوغونوت"" ،أول خالف"" ،إفطار
الزفاف"" ،بسيخه عند النافورة" .كانت الخطوط البسيطة للموقد متأللئة مخفية عن العيون
خلف تلك الستائر المشددة بشكل مبالغ فيه ،ترتدي بطريقة متهورة مائلة على الجانب ،تشبه
أوشحة الباليه األمازوني .وعلى الموقد كانت بعض المقتنيات المهجورة التي تم التخلص
منها من قبل ساكني الغرفة عندما حملتهم رياح الحظ السارة إلى ميناء جديد-بعض الزهور
.الصغيرة أو ربما صور للممثالت ،زجاجة دواء ،بعض البطاقات المتناثرة من ورق لعب
هنري100-قصة مختارة49
واحدة تلو األخرى ،تحولت عالمات صغيرة تركها سلسلة الضيوف الذين زاروا الغرفة
المفروشة إلى عالمات ذات معنى .المساحة المبهتة في السجادة أمام المضمار أخبرتنا أن
امرأة جميلة قد مرت في الحشد .بصمات أصابع صغيرة على الحائط تحدثت عن السجناء
الصغار الذين يحاولون العثور على الطريق إلى الشمس والهواء .بقعة متناثرة تشبه ظل
انفجار قنبلة ،تشهد حيث تم رمي كأس أو زجاجة مكسورة بمحتوياتها على الحائط .عبر
المرآة الزجاجية الضيقة تم كتابة اسم "ماري" بحروف غير منتظمة باستخدام الماس .بدا
أن توالي السكان السابقين للغرفة المفروشة قد تحولوا بغضب-ربما أغرتهم برودتها
الزاهية إلى حد االل مقاومة-وأثروا على غضبهم عليها .كان األثاث متشقًق ا ومجروًح ا؛
الكنبة ،المشوهة بسبب األسر االنفجارية ،بدت كوحش مرعب تم قتله أثناء وقوعه في تشنج
غريب .انفصلت قطعة كبيرة من الموقد المصنوع من الرخام بفعل انقالب عنيف .كل لوح
في األرض كان له ميل وصراخ خاص كما لو كان يعاني من عذاب فردي .بدا أن كل هذا
العداء والضرر قد تم خلقه في الغرفة على يد أولئك الذين اعتبروها لبعض الوقت منزلهم؛
ومع ذلك ،قد يكون ذلك بقيمة الغريزة المنزلية المخدوعة ،والغضب الغاضب على آلهة
المنزل الزائفة التي أثارت غضبهم .المأوى الذي هو ملكنا يمكننا تنظيفه وتزيينه واالعتناء
.به
المستأجر الشاب على الكرسي سمح لهذه األفكار باالنسياب ،بخفية وهدوء ،عبر عقله ،بينما
تندفع إلى الغرفة أصوات وروائح مفروشة .سمع في إحدى الغرف تكشيًر ا وضحًك ا مفرًط ا
وغير متحكم؛ وفي الغرف األخرى نقاًش ا على الهامش ،وقرع النرد ،ونشيد للنوم ،وشخيًر ا
بائًس ا؛ فوقه سمع صوت البانجو يرن بحماس .األبواب اندفعت في مكان ما؛ تصدرت
.القطارات المرتفعة أصواتها بشكل متقطع؛ وقطة صاحت بشكل مأساوي على سياج خلفي
وتنفس هواء المنزل-رائحة رطبة بدالً من رائحة-عبق بارد وعفن كأنه من أقبية تحت
.األرض امتزج مع التنفس الكريه للزيوليوم والخشب المعفن والفاسد
ثم ،فجأة ،بينما كان يرتاح هناك ،امتألت الغرفة برائحة الميغنيت القوية والحلوة .جاءت
مثل هبة واحدة من الرياح بثباتورائحة وتأكيد لدرجة أنها بدت تماًما كزائر حي .وصاح
الرجل بصوت عاٍل " ،ماذا ،عزيزي؟" كما لو كان قد دعي ،وقفز وأعاد وجهه .الرائحة
الغنية التشبث به وألفته .مد يديه نحوها ،كانت حواسه كلها مرتبكة ومتداخلة للوقت .كيف
يمكن للشخص أن يتم استدعاؤه بشكل قاطع بواسطة رائحة؟ بالتأكيد يجب أن يكون الصوت
قد كان .ولكن ،أليس هو الصوت الذي لمسه ،الذي لمسه بحنان؟
لقد كانت في هذه الغرفة" ،صاح ،وقفز لينتزع منها دلياًل ،ألنه كان يعرف أنه سيراهن"
،على التعرف على أصغر شيء كان ينتمي لها أو لمسته .رائحة الميغنيت الغامرة هذه
الرائحة التي أحبتها وجعلتها لها-من أين جاءت؟
الغرفة كانت قد ُأعيد ترتيبها على نحو عرضي .مبعثرة على مفرش الطاولة الرقيق كانت
،نصف دستة من دبابيس الشعر-تلك األصدقاء المتزنة والمجهولة إللناث ،أنثى من الجنس
متعددة المزاج ومستقلة الزمن .تجاهلها ،وكان يدرك عدم وجود هويتها االنتصارية .أثناء
هنري100-قصة مختارة50
تفتيش أدراج المضمار ،وجد منديل يد ناعم مهمل وصغير .ضغطه على وجهه .كان مختلًط ا
وجريًئ ا بعطر الهليوتروب ،وألقاه على األرض .في درج آخر وجد أزرار غريبة ،وبرنامج
مسرحي ،وبطاقة رهن ،وحلوى مربعة مفقودة ،وكتاب عن تفسير األحالم .في الدرج األخير
وجد قوس شعر من الساتان األسود للنساء ،الذي أوقفه بين الجليد والنار .ولكن القوس
األسود من الساتان أيًض ا هو زينة هادئة وغير شخصية ومشتركة بين النساء ،وال يروي
قصًص ا .ثم عبر الغرفة كما لو كان كلًبا على الرائحة ،انزالقاً على الجدران ،معتبراً زوايا
البسط البارزة على يديه وركبتيه ،يفحص الموقد والطاوالت ،والستائر والستائر ،والخزانة
،المائلة في الزاوية ،بحًث ا عن عالمة مرئية ،غير قادر على إدراك أنها هنا بجانبه ،حوله
ضده ،فيه ،فوقه ،تتشبث به ،تناديه ،تستدرجه ،تناديه بكل شدة من خالل الحواس الدقيقة
،حتى أصبحت حواسه األكثر خشونة تدرك النداء .مرة أخرى أجاب بصوت عاٍل " ،نعم
عزيزتي!" وتحول ،بعيونه المتوحشة ،لينظر إلى الفراغ ،ألنه لم يتمكن بعد من استشفاف
،الشكل واللون والحب واألذرع الممتدة في رائحة الميغنيت .يا إلهي! من أين تلك الرائحة
.ومنذ متى كانت الروائح تمتلك صوًت ا للنداء؟ هكذا تلمس