Professional Documents
Culture Documents
إشكالات التبليغ بين الواقع والمأمول في قانون المسطرة المدنية
إشكالات التبليغ بين الواقع والمأمول في قانون المسطرة المدنية
إشكالات التبليغ بين الواقع والمأمول في قانون المسطرة المدنية
:امللخص
َ ُي
عتب ُر قانون املسطرة املدنية كفرع من فروع القانون املغربي قانونا اجرائيا يتمثل في مجموعة من املساطر
والذي، تبتدئ باللجوء الى القضاء وتنتهي بإصدار الحكم وتنفيذه،والشكليات التي يجب اتباعها القتضاء الحقوق
،يضم مجموعة من املؤسسات ذات أهمية قصوى تساهم في تتبع الخصومة وتكريس حق الدفاع املكفول دستوريا
نجد على رأسها مؤسسة التبليغ كألية مسطريه تكرس حماية املتقاضين وتضمن السير العادي للدعوى بتفعيل
.واحترام كل مقتضياتها القانونية
، إذ به يتم إعالم الغير بوجود منازعة قائمة ضده،و ُيعتبر التبليغ إجراء جوهريا في املساطر القضائية
لذلك، كما أنه من خالله تبتدئ اآلجال املحددة للطعن في األحكام.فيكون ذلك سببا في تهيء وسائل دفاعه
و مدى تكريسها لألمن القضائي و ضمان،سنتحدث في هذا املقال العلمي عن املرتكزات القانونية لهذه املؤسسة
.حقوق املتقاضين
summary
The civil rule law as a branch of Moroccan law is considered a procedural law represented
in a set of procedures and formalities that must be followed in order to require rights, beginning with
resorting to the judiciary and ending with the issuance and implementation of the judgment, which
includes a group of institutions of utmost importance that contribute to tracking litigation and
establishing the constitutionally guaranteed right of defense, At its head, we find the Institution as
an established mechanism devoted to the protection of litigants and ensures the normal course of
the case by activating and respecting all its legal requirements.
Reporting is considered an essential procedure in the judicial procedures, as it informs
others of the existence of an ongoing dispute against him, and this is a reason for preparing his
defense means. Also, through it, the deadlines set for challenging judgments begin. Therefore, we
will talk in this scientific article about the legal foundations of this institution, and the extent of its
devotion to judicial security and ensuring the rights of litigants.
،
- 218 -
مجلة املنارة للدراسات القانونية واإلدارية العدد السادس والثالثين /شتنبر -دجنبر2021ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
إذا كانت القواعد القانونية املوضوعية تتجلى في تحديد حقوق والتزامات األطراف ،فإن هذه القوانين
تظل في حالة سكون دون تحقيق الغاية املرجوة منها ،ما لم تتصل بالقواعد القانونية اإلجرائية التي تجعلها في حالة
حركة لتصل الحقوق ألصحابها وتفعيل االلتزامات.
ويعتبر قانون املسطرة املدنية 473كفرع من فروع القانون املغربي قانونا إجرائيا يتمثل في مجموعة من
املساطر والشكليات التي يجب اتباعها القتضاء الحقوق ،تبتدئ باللجوء إلى القضاء وتنتهي بإصدار الحكم
وتنفيذه ،والذي يضم مجموعة من املؤسسات ذات أهمية قصوى تساهم في تتبع الخصومة وتكريس حق الدفاع
املكفول دستوريا ،474نجد على رأسها مؤسسة التبليغ كألية مسطريه تكرس حماية املتقاضين وتضمن السير
العادي للدعوى بتفعيل واحترام كل مقتضياتها القانونية.
ويعد التبليغ من أهم إجراءات الدعوى التي تنظمها قوانين املسطرة املدنية ويمثل أهم األسس األساسية
َ
لحقوق الدفاع ،حيث لم يحظ بأي تعريف في التشريع املغربي ،فحسنا فعل املشرع كون مسألة التعاريف من
اختصاص الفقه والقضاء من جهة ،وحتى ال يحصر مفهوم التبليغ في نطاق معين ال ينسجم مع ما ابانت عليه
التطورات التكنولوجيا ووسائل االتصال الحديثة من جهة اخرى.
والتبليغ لغة :من بلغ يبلغ تبليغا ،أي اإلخبار أو اإلعالم بإجراء معين وفق القانون ،475وفي اصطالح الفقه
القانوني :إعالن عن إجراء قضائي أو قانوني معين ومرتبط بأجل وصادر عن جهة قضائية ،الهدف منه إبالغ شخص
بما يتخذ من إجراءات قانونية تتوخى الحصول على حق أو فقدانه أو حمايته ،476أو بمعنى آخر إشعار الشخص
بما يتخذ في مواجهته أو لصالحه من إجراءات بواسطة االستدعاء من طرف الجهات املخول لها قانونا القيام
بعملية التبليغ حتى تتسنى له الفرصة في ابداء رأيه واالدالء بالحجج واملستندات التي تدعمه .إذ يتجلى دور هذه
املؤسسة في تحقيق سرعة العدالة أو بطئها ،فال يمكن صدور الحكم القضائي في أجل معقول دون فعالية إجراءات
473ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447بتاريخ 11رمضان 28( 1394شتنبر )1974باملصادقة على نص قانون املسطرة املدنية،
الجريدة الرسمية عدد 3230مكرر ،بتاريخ 13رمضان 30( 1394شتنبر ،)1974ص .2741
474الفصل 118من الدستور الجديد للمملكة املغربية ،2011الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91صادر في 27من شعبان
29( 1432يوليو ،)2011الجريدة الرسمية عدد 5964مكرر.
475معجم املعاني الجامع.
476بوبكر بهلول :املسطرة املدنية والتبليغات والتقنيات القضائية ،الجزء ،1مسطرة التبليغ مجلة كتاب الضبط ،عدد 8ماي ،2001
مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ،ص.104:
،
التبليغ؛ بل إن هذا األخير تعتبر نقطة انطالق آجال الطعون في االحكام والقرارات؛ لذلك تبقى هذه املؤسسة هي
الروح النابض لقياس سرعة العدالة في بلد ما.477
وقد دلت على مشروعية التبليغ وأصوله كثير من النصوص العامة التي جاء بها القران الكريم ،وجسدها
أشرف املرسلين محمد صلى هللا عليه وسلم في تأدية األمانة وتبليغ الرسالة ،حيث تهدف هذه النصوص الى تحقيق
َ َ َ َّ
العدل واملساواة بين الناس في مختلف الشرائع السماوية بقوله تعالى في محكم التنزيلَّ ﴿:م ِن ْاهت َد ٰى ف ِإن َما ََ ْهت ِدي
ً َ َ ّ َ ُ َّ ٌ ْ ُ ْ َ َ َ َ َ َّ َْ
ِلنف ِس ِه ۖ َو َمن ض َّل ف ِإن َما َي ِض ُّل َعل ْي َها ۚ َوال ت ِز ُر َو ِاز َرة ِوز َرأخ َر ٰى ۗ َو َما كنا ُم َع ِذ ِبين َح َّت ٰى ن ْب َعث َر ُسوال ﴾.478
ومما ال شك فيه أن إشكالية البطء في تصفية املنازعات القضائية وكثرة امللفات في محاكمنا املغربية ترجع
أسبابه الى إشكاالت مرتبطة باألساس بمؤسسة التبليغ من حيث تنزيل مقتضياتها على أرض الواقع العملي ،هذه
اإلشكاالت تعرقل سير املسطرة القضائية سواء بطول اآلجل أو بطالن التبليغ عند عدم احترام اجراءاته ،ناهيك
عن تأثيرها على مناخ األعمال و االستثمار ،وبالرغم من أن املشرع املغربي كرس جهدا في وضع تعديالت على مستوى
الضوابط املؤطرة لهذه املؤسسة بمقتض ى القانون رقم 33.11الصادر في أغسطس 2011من اجل تجاوز العوائق
ُ
والصعوبات الواقعية و القانونية التي ت ِع ُيق َها ،باإلضافة إلى إحداث هيئة مختصة في التبليغ و التنفيذ لتسريع
اإلجراءات ،فإن هذا املوضوع ما زال يطرح نفسه بإلحاح في الساحة القضائية من خالل جملة من اإلشكاالت
التي يثيرها ،منها ما هو مرتبط بالتعديل في بعض الفصول ،و منها ما هو مرتبط بالجهة املكلفة بالتبليغ و الجهة
املبلغ اليها ،باإلضافة الى اإلشكاالت املتربطة بهذه املؤسسة من حيث الزمان و املكان ،لذا سنحاول دراسة اإلشكاالت
التي يطرحها التبليغ بين الواقع و املأمول في ظل مشاريع القوانين وفقا للتصميم التالي:
املبحث األول :و اقع مسطرة التبليغ وأثره على حقوق املتقاضين.
املطلب األول :نجاعة طرق التبليغ في تكريس حق الدفاع.
املطلب الثاني :مظاهرالخلل في مسطرة التبليغ وأثرها على سيرالعدالة.
املبحث الثاني :املأمول من إجراءات التبليغ في تعزيزحكامة التقاض ي.
املطلب األول :أفاق التبليغ على ضوء مسودة مشروع قانون املسطرة املدنية.
املطلب الثاني :التبليغ االلكتروني كخياربديل.
477عبد الرحمان الشرقاوي :قانون املسطرة املدنية ،دراسة فقهية وعملية مقارنة مع مسودة مشروع قانون املسطرة املدنية ،مطبعة
املعارف الجديدة -الرباط ،الطبعة الثالثة ،2018ص.95 :
478سورة االسراء ،اآلية .15
،
املبحث األول :و اقع مسطرة التبليغ وأثره على حقوق املتقاضين.
مما ال شك فيه أن خرق مسطرة التبليغ سيؤدي إلى شل سيرورة باقي املؤسسات األخرى املرتبطة بها ،ذلك
أن عدم احترام الشكليات املنصوص عليها في قانون املسطرة املدنية يؤدي إلى بطالن إجراء التبليغ وجميع
اإلجراءات األخرى املترتبة عنه ،على اعتبار أن أغلب األحكام والقرارات واألوامر الصادرة يبدأ احتساب أجل الطعن
فيها من تاريخ التبليغ ،وفي ذلك حماية لحقوق املتقاضيين والحرص على تجسيد ملبدأ التواجهية وتكريس حق
الدفاع الذي يعطي الفرصة للمدعى عليه في مواجهة مدعيه تجاه الحق محل النزاع ،و بالتالي فإن نجاعة التبليغ
في تحقيق الغاية املرجوة منها رهين بالطرق املعتمدة ومدى حنكة الجهة املكلفة به بالسهر على إتمام هذه العملية
وفقا للضوابط القانونية وملء مرجوعة التبليغ وفقا للشكل املتطلب(املطلب االول) ،إال أنه بالرغم من احترام
هذه اإلجراءات فإن مسطرة التبليغ في بعض األحيان تعترضها صعوبات مادية أو قانونية تؤدي الى طول أجل
التبليغ ،بل واالستغناء عنها في بعض الحاالت لجوء إلى طرق بديلة يطرح في شأنها أكثر من استفهام حول حماية
حقوق األطراف(املطلب الثاني).
املطلب األول :نجاعة طرق التبليغ في تكريس حق الدفاع.
نظرا للدور األساس ي الذي يلعبه التبليغ في تحقيق سرعة العدالة وتكريس الحكامة القضائية ،فقد حدد
املشرع املغربي الطرق العامة للتبليغ وفقا للفصول 37و 38و 39من ق.م.م ،وحث على وجوبية تبليغ ألشخاص
املعنية حتى تتسنى لهم فرصة تيهئ دفاعهم وإعداد حججهم ملواجهة الخصم إذا تعلق األمر باستدعاء الفتتاح
الخصومة ،أو التظلم أمام محكمة اعلى درجة بالطعن إذا تعلق األمر باألحكام ،و باستقراء مقتضيات املادة 37
من ق.م.م يتضح ان هذه الطرق تنقسم الى طرق قضائية و غير قضائية ،وهي على سبيل االختيار باستعمال املشرع
لعبارة أو ،وذلك دون وجوب التباع تراتبية معينة ،وقد ابان الواقع العملي ان هذه الطرق تعتريها عدة اكراهات
تؤدي في بعض األحيان الى خرق مسطرة و شكلية التبليغ مما يؤثر سلبا على حقوق املتقاضين.
الفقرة األولى :إكراهات الطرق القضائية.
تتمثل هذه الطرق في التبليغ بواسطة اعوان كتابة الضبط ،وتتصنف بالقضائية كونها تابعة ملنظومة
العدالة وداخل أسوار املحكمة املعروض عليها النزاع (أوال) ،وكذا التبليغ بواسطة املفوضين القضائيين كجهاز
حديث مساعد للقضاء (ثانيا).
أوال :التبليغ بواسطة أعوان كتابة الضبط.
مما ال شك فيه أن اعون كتابة الضبط تابعة ملصلحة الضبط في الشق اإلداري للجناح الرئاس ي للمحكمة
املعروض عليها النزاع ،ينتمون الى قسم التبليغات وهذا ما يؤهلهم أكثر ملباشرة هذه املهمة املحفوفة باملشاكل
،
والصعوبات ،479إذ تعتبر مهمة التبليغ اختصاص أصيل لها في املادة املدنية وفقا للفصل ،37اال أنه منذ إحداث
هيئة املفوضين القضائيين أصبحت مهمة هذا الجهاز تتراجع تدريجيا نظرا ملا تثيره من مشاكل عدة على رأسها
البطء نتيجة قلة املوارد البشرية حيث نجد في بعض املحاكم عون واحد رغم شساعة النفود الترابي التابع
للمحكمة ،وصعوبة التنقل لعدم وفرة الوسائل اللوجستيكية(الدرجات النارية) ،باإلضافة الى عدم تأهيليها مللء
شواهد التسليم بالطريقة املتطلبة قانونا ،مما يعرض مجموعة من التبليغات للطعون ببطالنها أو طلب إعادتها
تلقائيا من طرف املحكمة ،و هذا ما أكدته محكمة النقض في قرار صادر عنها نص على أنه" :بناء على الفصل 39
من ق.م.م الذي ينص على وجوب بيان من سلم له االستدعاء ليكون التبليغ قانونيا .وبناء على أن عدم التنصيص
على ذلك من طرف عون التبليغ يجعل التبليغ عديم األثر وان الحكم القاض ي باعتباره يكون معرضا للنقض"،480
فكل هذه االكراهات تؤثر على سيرورة النزاع ليبلغ منتهاه الكتساب الحقوق ،بل تؤدي الى ضياع حقوق أخرى مترتبة
عنها (تفويت الفرص).
ثانيا :التبليغ بواسطة جهازاملفوضين القضائيين.
رغبة من املشرع في تطوير مهنة األعوان القضائيين املنظمة بموجب القانون 41.80واالرتقاء بهذه
املؤسسة وتجاوز السلبيات التي أفرزها التطبيق العملي ملقتضيات القانون املحدث لهيئة األعوان القضائيين فقد
عمل بتاريخ 14فبراير 2006على إصدار الظهير الشريف رقم 1.06.23بتنفيذ القانون رقم 81.03بتنظيم مهنة
املفوضين القضائيين والذي غيرت بموجبه تسمية األعوان القضائيين باملفوضين القضائيين ونصت على أن
املفوض القضائي مساعد للقضاء يمارس مهنة حرة وفقا ألحكام القانون والنصوص التطبيقية املنظمة ،481كما
اشترط لولوج مهنة املفوضين القضائيين النجاح في اجتياز مباراة تفتح في وجه الحاصلين على شهادة اإلجازة في
الحقوق أو ما يعادلها أو على شهادة اإلجازة في الشريعة اإلسالمية والخضوع لفترة تكوين نظري وتطبيقي وميداني
والنجاح في اختبار نهاية التكوين.
479عبد الكريم الطالب :الشرح العملي لقانون املسطرة املدنية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الطبعة الثامنة ،مراكش ص.165:
480قرار صادر عن املجلس األعلى بتاريخ 83/03/23تحت عدد 572في امللف املدني عدد 90192منشور بمجلة قضاء املجلس األعلى
عدد 35و 36ص 11وما يليها .أشار له محمد بفقير ،مبادئ التبليغ على ضوء قضاء محكمة النقض ،منشورات دراسات قضائية سلسلة
الكتب القانونية والقضائية ،الطبعة الثانية ،2019ص .51
ن
481ظهير شريف رقم 1.06.23صادر في 15من محرم 14( 1427فبراير )2006بتنفيذ القانو رقم 81.03بتنظيم مهنة املفوضين
القضائيين ،الجريدة الرسمية عدد 5400بتاريخ فاتح صفر 2( 1427مارس ،)2006ص .559
،
وقد أوكل املشرع وفقا للمادة 15من القانون املنظم لهذه الهيئة اختصاصات ذات الصلة بتسريع
العدالة ،تتجلى في القيام بعمليات التبليغ و اإلجراءات ذات الصلة به من تنفيذ األوامر واألحكام والقرارات وكذا
كل العقود والسندات التي لها قوة تنفيذية باستثناء إجراءات التنفيذ املتعلقة بإفراغ املحالت والبيوعات العقارية
وبيع السفن والطائرات واألصول التجارية ،وتسليم استدعاءات التقاض ي ضمن الشروط املقررة في قانون املسطرة
املدنية وغيرها من القوانين الخاصة ،والقيام بتبليغ اإلنذارات بطلب من املعني باألمر مباشرة ما لم ينص القانون
على طرق أخرى للتبليغ ،وألجل حرص املفوضين القضائيين بالقيام باملهام املنوطة بهم وفقا للضوابط القانونية،
فقد اخضعهم املشرع الى رقابة ثالثية تتمثل في رئيس املحكمة التي يمارس املفوض القضائي بدائرتها ووكيل امللك
لديها وأعوان اإلدارة الجبائية ،باإلضافة إلى رقابة غير مباشرة تمارسها الهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين. 482
كما عزز املشرع من مكانة هذا الجهاز ،وذلك بجعله الطريقة الوحيدة للتبليغ في املجال التجاري حسب
املادة 15من القانون احداث املحاكم التجارية ،48353.95كما أن مسودة مشروع املسطرة املدنية يحتل فيه هذا
الجهاز املرتبة األولى في املادة ،37إال انه بالرغم من ذلك فطريقة التبليغ بواسطة املفوضين القضائيين ال تخلوا
من اإلشكاليات واملعوقات أبان عنها الواقع العملي وتحول دون قيام هذا الجهاز باملهام املنوطة به على الوجه
املطلوب ،و تتمثل هذه اإلشكاالت في عدم البحث و التحري عن املطلوب التبليغ اليهم واالستعانة بمساعدين غير
مؤهلين للقيام باإلجراءات املطلوبة والتهاون والتماطل ناهيك عن شساعة نفود املحاكم واحتوائها لعدد كبير من
القرى البعيدة ،باإلضافة الى غياب تأطير أكاديمي بتنظيم دورات تكونية للتأهيل املنهي.484
ونرى من وجهة نظرنا أن مهنة املفوضين القضائيين بالرغم من االهتمام التي حظيت به في مؤسسة التبليغ
بالتشريع املغربي فهي مهنة مهددة باملوت في أفاق ما تفرضه الثورة املعلوماتية الناتجة عن التطور التكنولوجي
ووسائل االتصال الحديثة ،التي اتضحت بوادرها في تعديل قانون االلتزامات والعقود بموجب القانون ،48553.05
وكذا تبني التبليغ اإللكتروني في مسودة مشروع قانون املسطرة املدنية وكذلك في مسودة مشروع استعمال
الوسائط االلكترونية ألجل التقاض ي االلكتروني.
الفقرة الثانية :اكراهات الطرق الغيرالقضائية.
إن الطرق الغير القضائية هي تلك التي ال تكون تابعة للجهاز القضائي وال تمارس عليها الرقابة من جهته
ويتعلق االمر بالتبليغ بالبريد املضمون كألية يتكلف بها بريد املغرب (أوال) والتبليغ بواسطة السلطة اإلدارية(ثانيا).
أوال :التبليغ بواسطة البريد املضمون مع االشعاربالتوصل.
لقد نص الفصل 39من ق.م.م في فقرته الثانية والثالثة على انه إذا تعذر على عون كتابة الضبط
والسلطة اإلدارية تسليم االستدعاء لعدم العثور على الطرف املعني أو أي شخص في موطنه أو محل إقامته أشار
إلى ذلك بشهادة التسليم التي ترجع إلى كتابة ضبط املحكمة املصدرة لالستدعاء .وحينئذ توجه كتابة الضبط
االستدعاء بالبريد املضمون مع األشعار بالتوصل .وهي وسيلة ثانوية يتم اللجوء اليها في الحالة التي يتعذر فيها
التبليغ بالطرق السالفة ،ويحل اإلشعار بالتوصل املرفق بالرسالة البريدية محل شهادة التسليم املرجوعة الى
املحكمة من اجل التأكد من سالمة التبليغ ،ويسري احتساب اآلجال من تاريخ التوصل ،إال أن هذه الوسيلة تثير
ما تثيره من إشكاالت تتجلى في حالة عدم سحب او عدم قبول االستدعاء من طرف املعني باألمر ،ويرجع اإلشعار
بعبارات غير مطلوب .مما يثير تساؤل حول االثار املترتبة عن هذه الحالة؟ هل يمكن اعتبارها محل رفض لتسري
عليها اثار التبليغ الصحيح بعد انصرم عشرة أيام من تاريخ الرفض؟ ام أن التبليغ يعتبر باطال !!!
وما يزيد من صعوبة هذه النقطة هو موقف القضاء املغربي ،حيث عرف تدبدبا كبيرا ،فمن موقف
متشدد مع املرسل إليه الذي يترك االشعار بالسحب في الصندوق البريدي ،الى موقف يميز بين حالتي "غير مطلوب"
و" غير مقبول" مرتبا على كل منهما أثارا مختلفة ،الى موقف يتمثل في ترك محكمة النقض السلطة التقديرية
لقضاة املوضوع من اجل استخالص رفض التوصل بالرسالة البريدية من ظروف وموقف املرسل اليه .486وجدير
بالذكر أن الحالة التي يتم فيها اعتبار عدم السحب بمثابة بطالن التبليغ يتم اللجوء الى مسطرة القيم وفقا للمادة
39من ق.م.م.
ثانيا :التبليغ بالطرق االدارية.
إن للتبليغ اإلداري صورتان سواء أن يتم داخل النفوذ الترابي للمملكة ويسمى بالتبليغ الداخلي ،أو أن يتم
على املستوى الدولي ويسمى بالتبليغ الديبلوماس ي.
التبليغ اإلداري الداخلي :لقد أشار املشرع في الفصل 37من ق.م.م على الطريقة اإلدارية دون
تحديد األشخاص املعنية بالتبليغ ،إال أن املتعارف عليه عمليا أن التبليغ يتم إما بواسطة رجال الدرك امللكي
والشرطة أو أعوان سلطة الداخلية من شيوخ ومقدمين ،ونظرا لكون اختصاصهم ال يمت بصلة للتبليغ
مما يؤدي في غالب األحوال إلى طول اآلجل ،بل سبب من أسباب بطء اإلجراءات ناهيك عن ضياع حقوق
املتقاضين ،نتيجة اإلهمال واألمية وانعدام التكوين في هذا املجال وعدم اإلملام بالضوابط املؤطرة للتبليغ
خاصة في صفوف الشيوخ واملقدمين في املجال القروي الذي تكون تبليغاتهم محل الطعون والشكوك ،وإن
كانت هذه اإلشكاالت في واقع االمر بديهية ،كون املسألة تتعلق بانعدام االختصاص باإلضافة الى غياب نص
قانوني يخول للجهة القضائية فرض السلطة و الرقابة على هذه الجهة وترتيب املسؤولية
التبليغ الديبلوماس ي :قد يصادف أن الشخص املعني بالتبليغ يقيم خارج النفود الترابي
للمملكة ،فان التبليغ له يكون بواسطة السلم اإلداري بالطريقة الديبلوماسية او بواسطة البريد املضمون
إال في الحالة التي تنص االتفاقيات الدولية على خالف ذلك ،487وتختص وزارة الخارجية والسفارات
والقنصليات بالقيام بهذا النوع من التبليغ بطلب من النيابة العامة الى وزير العدل ،فهذه الوسيلة يطغى
عليها طابع البطء لكثرة األجهزة املتدخلة في السلم اإلداري ،مما يودي الى طول االجل وفق ما هو مبين في
الفصل 40ق.م.م.488
نخلص القول أن الطرق املشار اليها وفق املادة 37أصبحت طرق تقليدية وإن كان بعضها يفي باملطلوب،
فليس بالنجاعة املتطلبة في تسريع إجراءات التقاض ي وتوفير مناخ لألعمال لجلب االستثمارات الخارجية ،بل أيضا
ال تساير عصرنة اإلدارة القضائية التي تسعى اليها الدولة املغربية املتمثلة في إرساء املحاكم الرقمية وتوفير األنظمة
املعلوماتية االمنة وحوسبة اإلجراءات القانونية كالتبليغ بالبريد اإللكتروني .اذ أصبح هذا األخير أداة فعالة في
التواصل وابرام العقود عن بعد خاصة في مجال التجارة ،موفرا السرعة كأحد املبادئ األساسية لها.
489تم تعديل الفصل 38أعاله بموجب القانون رقم ،33.11الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5975بتاريخ 6شوال 5( 1432سبتمبر
،)2011ص 4389؛ إال أن هذا التعديل شمل الفقرة األولى فقط دون باقي الفقرات كما بين ذلك استدراك الخطأ املادي الصادر بالجريدة
الرسمية عدد 6099بتاريخ 27ذو الحجة 12( 1433نوفمبر ،)2012ص .5844
،
أن يتعرض للبطالن أي إجراء سلم لهذا العنوان أو ذلك .490إال أن هذا الفصل فيما يخص املوطن يطرح عدة
إشكاالت تتجلى في متي يتم التبليغ في املوطن؟ ومن لهم الصفة بالتوصل نيابة عن الشخص املطلوب تبليغه؟
ويستفاد من تحليل الفصل 38من ق.م.م أن التبليغ الذي يتم في موطن املراد تبليغه يعتبر صحيحا
ومنتجا ألثره بغض النظر عن تواجده فيه ،كون املشرع لم يشترط صراحة على املكلف بالتبليغ التأكد من تواجد
الشخص بموطنه ق بل تبليغه ،وهذا ما سار عليه القضاء املغربي بمقتض ى قرار صادر عن محكمة االستئناف
التجارية بالدار البيضاء" ،حينما اعتبرت انه ما دام التبليغ تم للمستأنف شخصيا في محل سكناه ،لذلك ال يجوز
له التمسك بعدم التوصل ألن عون التبليغ غير مطالب بالتحقق من هويته ،491 "...مما يكون معه التشريع والقضاء
قد تبنوا العلم االفتراض ي في حصول واقعة التبليغ متى تم ذلك في موطن املعني بغض النظر عن صفة و صلة و
عالقة املتسلم بالشخص املعني باألمر ،فاملشرع في تبنيه للعلم االفتراض ي و تنزيله منزلة العلم اليقيني متى كان
التبليغ في املوطن يكون قد رجح سرعة العدالة املتمثلة في سير مسطرة التقاض ي على حقوق املتقاض ي مما قد
يؤدي الى افراغ حق الدفاع املكفول دستوريا من محتواه.
كما أن املشرع في الفصل 38من ق.م.م لم يحدد من لهم الصفة بالتوصل باالستدعاء نيابة عن الشخص
املطلوب تبليغه بموطنه ،عكس املقتضيات القانونية امللغاة التي كانت تحددهم في األقارب والخدم وأي شخص
يسكن معه .وهو موقف غريب وغير مفهوم وقد خالف في هذا املجال كل التشريعات العربية والالتينية ،492وهو
بذلك خلق فراغا تشريعيا ال ينسجم والبتة مع مقتضيات الفقرتين الرابعة والخامسة من الفصل 39من ق.م.م،
إذ تنصان على انه "إذا رفض الطرف أو الشخص الذي له الصفة ،تسلم االستدعاء أشير إلى ذلك في الشهادة.
ويعتبر االستدعاء مسلما تسليما صحيحا في اليوم العاشر املوالي للرفض الصادر من الطرف أو الشخص الذي له
الصفة في تسلم االستدعاء" ،فمن هم إذن األشخاص الذين لهم الصفة في تسلم االستدعاءات والوثائق عموما
نيابة عن الشخص املطلوب تبليغه بموطنه؟ !!
كما يالحظ من مضمون الفصل 38من ق.م.م أن التبليغ في املوطن يعد صحيحا أيا كان املتسلم ولو كان
فاقدا ألهلية ،وهذا ما سار عليه القضاء املغربي في مجموعة من القرارات ،493وبالرجوع الى الفصل 521من ق.م.م
نجده ينص على أن املوطن القانوني لفاقد األهلية هو موطن حاجره ،مما يدل على أن فاقد االهلية غير مؤهل ال
لتسليم االستدعاء وال التقاض ي عموما ،وما يثير انتباهنا في هذا الشأن هو تناقض املشرع املغربي فيما يخص
التبليغ لعديمي األهلية في كل من الفصل 521و 38من ق.م.م ،حيث يعتبر التبليغ لعديم االهلية نفسه باطال وفقا
ملضمون الفصل ،521أما في فيما يخص التبليغ لعديم االهلية في موطن املعني بالتبليغ وفقا للفصل 38فهو يعد
صحيحا ،وعليه فإن اشتراط الرشد في تسلم االستدعاء بات امرا ضروريا لحماية حقوق املتقاضين.
كما أن التبليغ في املوطن في بعض الحاالت يكون مجحفا في حق املبلغ إليه ،كما هو الحال فيما يخص
تبليغ املسجون املحكوم عليه بعقوبة طويلة األمد في موطنه ،علما أن محكمة النقض اعتبرت في أحد القرارات
الصادرة عنها أن السجن ال يصلح أن يكون موطنا للتبليغ ،494لذا نتساءل عن محل حق الدفاع املكفول دستوريا
في هذه النازلة؟ !!
الفقرة الثانية :التطبيق الغيرالسليم لتكريس حق الدفاع.
تكتس ي مسطرة القيم اهمية بالغة نظرا للدور الذي تلعبه على مستوى تكريس حقوق االفراد ،ويترتب عن
التطبيق الغير سليم لهذه املسطرة ،حرمان هؤالء من استعمال حقوق اساسية و على راسها حق الدفاع ،التي تعد
من أبرز تجليات حقوق االنسان ،فهي مسطرة ال يتم اللجوء اليها إال في حالة محددة كون ان املدعى عليه هو من
له الوالية في الدفاع عن نفسه دون غيره ،وحتى وإن كان غيرا فإنه يكون بإرادته بتنصيبه وكيال عنه ،و على هذا
األساس نص الفصل 39في فقرته السابعة على ان املحكمة تعين في األحوال التي يكون فيها موطن أو محل إقامة
الطرف غير معروف عونا من كتابة الضبط بصفته قيما يبلغ إليه االستدعاء ،فمتى كان عنوان املدعى عليه غير
معروف فمن باب أولى أن ينص املشرع على القيام بإجراءات استباقية تتجلى في ضرورة التحري عنه من طرف
املدعي أوال ،كونه هو الشخص الذي تكون له حظوظ التعرف عليه وافرة ،إال ان املحكمة في حالة عدم العثور
عليه في موطنه السابق -الذي يكون غادره الى جهة غير معلومة -تعمد الى توجه بواسطة كتابة الضبط االستدعاء
بالبريد املضمون مع اإلشعار بالتوصل ،فهو حسب نظرنا مجرد تحصيل حاصل طاملا ان املراد تبليغه غير متواجد
في املوطن املحدد من طرف املدعي فال محال ان اشعار التوصل بالبريد املضمون سيعود بعبارة غير مطلوب.
فمتى تأكد تحقق شروط الفقرة السابعة من املادة 39من ق.م.م فإن قاض ي محكمة املوضوع يعين قيما
من بين كتاب الضبط في إطار سلطته الوالئية ،يتمثل دوره االساس ي في القيام بالبحث عن الطرف املتغيب
494قرار صادر عن املجلس األعلى بتاريخ 11/01/04تحت عدد 79في امللف عدد 09/2625منشور بمجلة امللف عدد :19ص ،253.وما
يليها ،أشار له محمد بفقير ،مرجع سابق ،ص.18:
،
بمساعدة النيابة العامة والسلطات اإلدارية ويقدم كل املستندات واملعلومات املفيدة للدفاع عنه صيانة للحقوق،
ودون أن يكون الحكم الصادر نتيجة القيام بهذه اإلجراءات حضوريا ،فالحكم الصادر في حقه يكون غيابي بوكيل
مما يكون معه املشرع قد كرس ضمانة الطعن بالتعرض في حالة حضوره ما لم يكون الحكم قابل لالستئناف.
غير انه يالحظ من الحاالت امللموسة املطبقة في هذا الشأن ان املعمول به االن ينحو الى اختزال املسافات
حتى اضحى من مسطرة القيم مجرد اجراء شكلي محض ينحصر في تعيين القيم دون أي انتظار ملآل هذه املسطرة
خروجا عن املتوخى من احداثها ،و ذلك بدون بدل أي جهد ال في البحث عن املتغيب وال في الدفاع عن حقوقه،
فهذه املسطرة حسب التطبيق العملي ال هي تسرع اإلجراءات كون أن آجال االستئناف أو النقض في تبليغ األحكام
أو القرارات املبلغة إلى القيم ال تسري إال بعد تعليقها في لوحة معدة لهذا الغرض باملحكمة التي أصدرت الحكم أو
القرار مدة ثالثين يوما وإشهارها من املستفيد من الحكم ،495وال هي تصون حقوق املتقاضين بالدفاع عنهم من
خالل القيام باإلجراءات و التدابير القانونية الالزمة من طرف القيم ،و لعل مرد ذلك راجع الى انعدام الرقابة على
مراعاة احترام هذه املسطرة و انعدم تحريك املسؤولية تجاه كتاب الضبط بصفتهم موظفين خاضعين لقانون
الوظيفة العمومية ،باإلضافة الى كثرة امللفات و القضايا وقلة املوارد البشرية كلها دوافع تؤدي الى قبر حقوق
املتقاض ي مجهول العنوان.
املبحث الثاني :املأمول من إجراءات التبليغ في تعزيزحكامة التقاض ي.
لقد أضحت سرعة العدالة ونجاعتها معيارا الحترام حقوق االنسان بين الدول ،بل وأكثر من ذلك أصبحت
استقطاب الرساميل بفعل التدفقات االستثمارية األجنبية رهين بتوفر االمن القانوني بشقيه املوضوعي أو
االجرائي بما يتالءم ومناخ املال واالعمال ،وعلى هذا األساس دأبت كل التشريعات بما فيها التشريع املغربي على
تحديث منظومتها التشريعية بما يضمن حقوق املتقاضين ويساير التطورات االقتصادية الحاصلة ،حيث قام
عاهل البالد امللك محمد السادس في يوم الثالثاء 8ماي من سنة ،2012بتنصيب الهيئة العليا للحوار الوطني
حول اإلصالح العميق و الشامل ملنظومة العدالة ،وذلك في سبيل النهوض بوضعية منظومة العدالة باملغرب،
حيث تمخض عن هذه االعمال ميالد مسودة مشروع قانون املسطرة املدنية ألجل تجاوز اإلشكاالت و املعيقات التي
تهم املادة اإلجرائية و على رأسها تلك املتعلقة بمؤسسة التبليغ التي تعيق السير العادي ملسطرة التقاض ي(املطلب
األول) ،و التي تحمل في طيتها التبليغ االلكتروني كخيار بديل لتكريس سرعة العدالة و حكامتها (املطلب الثاني).
املطلب األول :أفاق التبليغ في ضوء مسودة مشروع قانون املسطرة املدنية.
لقد حاول املشرع جاهدا في مسودة مشروع قانون املسطرة املدنية تجاوز العوائق واالشكاالت القائمة في
القانون االجرائي النافد بما يتالءم والتطورات االقتصادية واالجتماعية الحاصلة ،وذلك بسعيه الى إعادة الهيكلة
في الجهات املكلفة بالتبليغ (الفقرة األولى) بما يضمن حرية وكرامة وحقوق املتقاضين عموما (الفقرة الثانية).
الفقرة األولى :السيرنحو تسريع إجراءات التبليغ بإعادة هيكلة الجهات املكلفة به.
لقد عمل املشرع في املادة 37من مسودة مشروع قانون املسطرة املدنية على تغير تراتبية الجهة املكلفة
بالتبليغ ،حيث جعل جهاز املفوضين القضائيين صاحب االختصاص األصيل في املادة املدنية على غرار املادة
التجارية ،وذلك لتسريع اجراءات التبليغ والقيام بها وفقا للشكل املطلوب قانونا بما يكرس مبدأ التواجهية الذي
يعتبر الركيزة األساسية لحق الدفاع هذا من جهة ،ومن جهة أخرى لتجاوز اإلشكاالت و املعيقات التي الزال يتخبط
فيها التبليغ بواسطة جهاز كتابة الضبط إثر قلة املوارد البشرية وكثرة االختصاصات املنوطة بهم ،إال أن هذا الجهاز
لم يقصيه املشرع بشكل مطلق من القيام بهذه املهمة ،حيث جعل التبليغ بواسطته أمر جوازي عند االقتضاء من
طرف املحكمة ،كما نص أيضا املشرع على جوازية االستعانة عند االقتضاء بالطرق اإلدارية املعتادة بالرغم من
اشكاالتها العملية.
واملالحظ ان املشرع في الفقرة الثانية من املادة 37من م.م.ق.م.م لم ينص الى جانب التبليغ بالطرق
اإلدارية على التبليغ عن طريق البريد املضمون مع االشعار بالتوصل إال أنه عاد في نهاية الفقرة الثانية لينص على
إمكانية التبليغ باي وسيلة أخرى ،مما يكون معه املشرع قد ترك الباب مفتوحا ليشمل جميع الوسائل املمكنة بما
فيها البريد املضمون ووسائل االتصال الحديثة ،وإن كان يعاب عليه حسب نظرنا نهجه لهذا التعبير الفضفاض،
مما سيؤدي ال محال الى فتح باب التأويالت التي ستؤثر في تنزيل مضامين هذه املادة و على سير اإلجراءات عموما.
هذا وقد اعطى املشرع للطرف الذي يود تسريع اإلجراءات لفض النزاع في أقرب وقت ممكن أن يسهر على
القيام بمهمة التبليغ ،والسيما أن أطراف النزاع تكون لها دراية بعنوان املراد التبليغ اليه مما سيؤدي الى تجاوز
اإلشكاالت املرتبطة بعدم تسمية االزقة وترقيمها ،حيث نص الفصل 1-39من م.م.ق.م.م انه يمكن للمدعي أو
محاميه أو وكيله بمجرد تعيين تاريخ الجلسة أن يتسلم الطيات املتعلقة باالستدعاء وجميع إجراءات امللف األخرى
قصد السهر على تبليغها الى املدعى عليه أو من له املصلحة من أطراف الدعوى بواسطة مفوض قضائي.
فمعلوم انه ال يمكن الحد األطراف ان يتولى مهمة التبليغ للطرف االخر تحت طائلة البطالن نظرا لتنازع
املصالح ،فاملشرع توخى من هذه املسألة حماية حقوق األطراف ،إال انه في املقابل أوجد هذه املكنة ملن كانت له
املصلحة في تسريع اإلجراءات للقيام بهذه املهمة عبر جهاز املفوضين القضائيين ،لكن في هذه الحالة يثار سؤال
،
حول من يتحمل نفقات هذا التبليغ؟ وإذا كان طالب التبليغ وهو االحتمال الغالب ،فعلى أي أساس يتم أداء
املصاريف القضائية إذا ما صرح املدعي برعبته في تولي هذه املهمة؟
وإذا كانت مسطرة القيم تطرح إشكاالت عدة وتؤثر على سير مسطرة التقاض ي وحقوق املتقاضين ،فإن
املشرع تبنى موقفا مخالفا في ظل مسودة مشروع قانون املسطرة املدنية بتخليه عن هذه املسطرة إثر ما تمخض عنها
من نتائج سلبية ،مما يدفعنا الى التساؤل حول البديل املقترح لهذه املسطرة بما يضمن حقوق املتغيب؟
حيث بالرجوع الى املادة 39من م.م.ق.م.م نجد املشرع أوجب على الجهة املكلفة بالتبليغ إذا تبين لها أن
املدعى عليه مجهول العنوان الوارد باالستدعاء أو أنه انتقل منه الى وجهة غير معلومة ،أـن تقدم طلب معلومات حول
عنوان املدعى عليه الى السلطة املحلية ،و التي يتعين عليها بدورها موافات الجهة املكلفة بجواب داخل أجل 48ساعة
من تاريخ وضع الطلب ،وفي حالة الحصول على عنوان جديد إثر بحث السلطة املحلية ،فإن املحكمة تعيد
استدعائه وفقا للعنوان الجديد ،و في حالة فشل عملية البحث من طرف السلطة فإن الجهة املكلفة بالتبليغ تعمل
تحرير محضر باإلجراءات املتخذة ،وتضمينه للمعلومات املتعلقة بامللف وتأريخ جواب السلطة و النتيجة املتوصل
اليها ،و ثبت املحكمة في موضوع النزاع بحكم غيابي بعد انصرام أجل شهرين من تاريخ تحرير املحضر ،و على هذا
األساس فإن املشرع وإن تخلى عن مسطرة القيم لتسريع إجراءات التقاض ي فإنه قد وقع في نفس الوقت في فخ
التماطل حيث ال يتم البث في النزاع إال بعد انصرام شهرين ،أما فعالية تكريس حق الدفاع للمتغيب في املسطرة
املستحدثة في نظرنا تكون شبه منعدمة.
الفقرة الثانية :تكريس ضمانات إجرائية للمبلغ إليه.
لقد عمل املشرع في مسودة مشروع قانون املسطرة املدنية على تكريس مجموعة من الضمانات بما يضمن
حقوق املتقاضين والسيما كرامتهم وحريتهم ،حيث عمل على وضع حد لإلشكال القائم في القانون النافذ من حيث
زمن التبليغ ،وذلك بتقييد حرية املكلف بالتبليغ ،إذ ال يجوز له تبليغ الطي القضائي قبل الساعة السابعة صباحا
وبعد الساعة العاشرة ليال إال في حالة الضرورة و بعد استصدار إذن مكتوب و معلل من طرف رئيس املحكمة التي
تنظر في القضية أو من قاض ي التنفيذ حسب األحوال ،وعليه فنهج املشرع لهذا التوجه يكون قد وضع حدا لإلشكال
القائم من حيث الزمان.496
كما ان املشرع قد عمل على تجاوز التناقض القائم بين املادة 37و 39من ق.م.م بإغفاله لتحديد من لهم
الصفة في التبليغ نيابة عن املعني باألمر ،حيث نص في الفقرة الرابعة من املادة 38من م.م.ق.م.م على انه يجوز
للمكلف بالتبليغ عند عدم العثور على الشخص املطلوب تبليغه في املوطن الحقيقي أو املختار أن يسلم االستدعاء
إلى من يثبت أو يصرح بأنه وكيله أو يعمل في خدمته أو أنه من الساكنين من األزواج و األقارب أو االصهار ،وإن
كان املشرع في املسودة قد سمح بالقيام بالتبليغ في املوطن لتسريع إجراءات التقاض ي ،إال انه في املقابل قد الزم
على الجهة املكلفة بالتبليغ من ضرورة التأكد من صفة املتسلم و عالقته بالشخص املعني ومدى بلوغه سن
التمييز ،مما يتضح أن املشرع يسير نحو وضع الحد للتضارب القائم بين محاكم املوضوع في مدى توفر املبلغ اليه
على سن التمييز ،كما أن املشرع قد استفاد من اإلشكاالت املطروحة في الواقع العملي و عمل على تجاوزها والسيما
تلك املتعلقة بتعارض املصالح بين املعني بالتبليغ واملبلغ نيابة عنه؛ فهي حاالت كثيرة الوقوع خاصة في دعاوى
الطالق بين الزوج و زوجته التي تسكن معه.
واملالحظ أنه إن كان متيسرا على الجهة املكلفة بالتبليغ التحقق من توفر سن التمييز للمبلغ اليه بالنيابة
من خالل الهيئة الفيزيولوجيا ،فإنه من الصعب بما كان التحقق من مدى تعارض مصالح املعني واملبلغ اليه،
وبالتالي فال يتبقى امام املعني باألمر في هذه الحالة إال الطعن ببطالن التبليغ شريطة اثباته لتعارض املصالح بينه
وبين املبلغ اليه.
وعلى أساس تعارض املصالح فإن املشرع كرس ضمانة للمتقاضيين تتمثل في عدم أحقية موظفي كتابة
الضبط في مباشرة أي عمل يدخل في إطار وظائفهم في الدعاوى الخاصة بهم أو بأزواجهم أو أصهارهم حتى الدرجة
الرابعة ،وذلك لضمان حياد فعالية جهاز كتابة الضبط في القيام باملهام املنوطة بهم تجنبا لكل محاباة التي تؤدي
الى االخالل بمسطرة التقاض ي ،بل وأكثر من ذلك فإن املشرع ادخل الغاية بغض النظر عن وجود عالقة القرابة
واملصاهرة.
وتجدر اإلشارة الى ان املشرع قد حافظ في مسودة املشروع على أجل الذي يجب مراعاته بين تبليغ
االستدعاء و اليوم املحدد للحضور سواء كان املراد تبليغه داخل نفود املحكمة أو خارجها ،وفي حالة حضور
الطرف املعني وتمسكه بالدفع املتعلق بعدم باحترام هذا االجل املنصوص عليه ،فإن املحكمة تؤخر القضية
حضوريا الى جلسة أخرى ،أما في حالة عدم حضوره يتم إعادة استدعائه من جديد ،و عليه فإن القاض ي املكلف
أو املقرر يقع عليه عبئ التحقق من شهادة التسليم و التاريخ املضمن فيها للتأكد من مدى أحقيته بالبث في النازلة
املعروضة أو إعادة استدعاء الطرف في حالة خرق املقتضيات القانونية املتعلقة بأجل التبليغ ،كما أن املشرع سار
نحو توحيد االجل الواجب احترامه بين االستدعاء و يوم الحضور على خالف ما هو عليه الحال في القانون النافد،
و يتمثل مدة االجل في ثالثة أشهر بالنسبة لألطراف التي ال تتوفر على موطن أو محل إقامة في تراب اململكة.
،
وإن كان التبليغ العادي ال يثير أي إشكال بالنسبة لألشخاص املعنوية من حيث العنوان حيث يكون
معلوما ،وحتى في حالة االنتقال منه يتم تحينه في السجل التجاري تحت طائلة اعتباره العنوان الصحيح املنتج
لكافة أثره أثناء التبليغ فيه ،فإن تبني التبليغ االلكتروني سيؤدي الى وضع حد إلشكال رفض التوقيع على التوصل
من طرف مكتب ضبط الشخص املعنوي.
باإلضافة تبني العلم اليقيني بالتبليغ االلكتروني ،فإنه أيضا سيساهم الى حد كبير في ترشيد النفقات
وإنقاص األعباء سواء على املكلفون بالتبليغ وحتى على أطراف الدعوى في تحمل املصاريف ،والسيما أن مسودة
مشروع املسطرة املدنية تنحو في منحى مساهمة املدعي في عناء تبليغ للمدعى عليه ،حيث ستوفر هذه التقنية توفير
جهد التنقل والتخفيف :من عناء بحث السلطة املحلية عن املعني بالتبليغ في حالة هجره للعنوان ،وتكاليف
املفوضين القضائيين ومصاريف البريد املضمون مع االشعار بالتوصل واستنزاف طاقات كتابة الضبط.
ولعلى ما يعزز نهج هذه الوسيلة في البليغ هو أن معظم املواطنين املغاربة بمختلف أعمارهم وطاقتهم
أصبحوا يستعملون االنترنت بشكل يومي وسهولة الولوج الى خدماتها ،مما يدل على ان أي رسالة ستصله سوف
يطلع عليها في أجل معقول ،باإلضافة الى أن خدمة االنترنت أصبحت تغطي جميع أقاليم اململكة بتقنية األقمار
االصطناعية واالعتماد على تقنية ،4Gمما أصبحت معه جميع األجهزة الذكية تتصل بها بشكل سلس وفعال.
وعلى إثر هاته الدوافع التي سبق اإلشارة اليها وخاصة املتعلقة بتشجيع االستثمار األجنبي ،باإلضافة الى
الظروف الراهنة التي يعيشها كل بالد املعمور إثر تفش ي وباء كورونا املستجد الذي أدى الى شل حركية جل
القطاعات الحيوية واملرافق العامة ،وخاصة مرفق العدالة إثر اإلجراءات االحترازية املتخذة من طرف السلطة
بفرض الحجر الصحي والتباعد االجتماعي مخافة تفش ي العدوى ،كلها أسباب دفعت باملشرع املغربي الى التعجيل
بتنزيل م قتضيات قانونية تتالءم والوضع الراهن ،فاملشرع لم يقتصر في التفكير على تنزيل مقتضيات التبليغ
االلكتروني فحسب ،بل أصبح االمر يتعلق بتنزيل التقاض ي االلكتروني كمسألة كلية تحمل في طيتها التبليغ
االلكتروني ،وذلك بمقتض ي مسودة مشروع استعمال الوسائط االلكترونية.
الفقرة الثانية :التنزيل املرتقب للتبليغ االلكتروني في ضوء مسودة استعمال الوسائط االلكترونية.
لقد عجلت وزارة العدل في ظل جائحة كورونا بتنزيل التقاض ي االلكتروني بما فيه التبليغ االلكتروني وذلك
بإعداد مسودة قانون استعمال الوسائط االلكترونية في اإلجراءات القضائية ،الرامية الى تعديل وتتميم ونسخ
بعض أحكام قانون املسطرة املدنية والجنائية ،وذلك إثر تعليق الجلسات وتراكم وتأخر البت في امللفات بشكل
كبير ،مما سيضر ال محال بالنجاعة والسرعة القضائية في اصدار األحكام.
،
ويرتكز هذا املشروع في مجمله على رقمنة املحاكم املغربية ،وذلك بتبني منصة إلكترونية رسمية للتقاض ي
عن بعد ،تعمل على تأمين عملية التبادل الالمادي لإلجراءات بين املحامين ومحاكم اململكة ،بما يضمن موثوقية
املعطيات املضمنة ،وسالمة الوثائق وأمن وسرية التبادالت اإللكترونية وغيرها ،497حيث يرمي املشرع الى إعطاء
الحجية للمحررات االلكترونية من مقاالت و مذكرات و مرفقات و كافة اإلجراءات املتبادلة عبر الوسائط
االلكترونية نفس الحجية التي تتمتع بها الدعامة الورقية ،دون إمكانية تمسك طرف الدعوى بكون هذه الوثائق
مجرد صور ،مع الحرص على عدم املساس بأحقيته في التمسك بعدم صحتها.498
واملالحظ ان املشرع في ظل هذه املسودة قد ركز اهتمامه على التبليغ االلكتروني حيث خصص له الباب
األول مكرر من القسم الثالث ،واتجهت إرادته الى إجباريته على املهنين و اإلدارات العمومية ،حيث نص الفصل
41.3من مسودة املشروع على ان ":تضمن املنصة االلكترونية الحسابات اإللكترونية املهنية للمحامين واملفوضين
القضائيين والخبراء ،والعناوين اإللكترونية الرسمية لإلدارات العمومية وألطراف الراغبين في ذلك ،ليتم اعتمادها
في التبليغ اإللكتروني" ،ويتم إحداث حساب إلكتروني منهي لكل من املحامين واملفوضين القضائيين و الخبراء
يلجؤون إليه بصفة مؤمنة ،كما جعل التبليغ بالنسبة لباقي األشخاص األخرى سواء كانت طبيعية او معنوية
اختياريا ،حيث يمكن لكل طرف يرغب في استخدام التبليغ االلكتروني أن يقدم تصريحا باملنصة االلكترونية
يتضمن عنوان بريده االلكتروني الرسمي ،ويقع على عاتق األطراف في هذه الحالة إشعار املنصة بكل تغيير يطرأ
على العنوان املصرع به تحت طائلة اعتبار أي تبليغ للعنوان االلكتروني القديم صحيحا و منتجا لكافة أثره ،كما
يمكن لألطراف التراجع عن تبني هذه الوسيلة بنفس الكيفية أي تقديم تصريح للمنصة االلكترونية.499
ويعتبر كل إجراء بلغ الى الحساب اإللكتروني املنهي أو العنوان االلكتروني الرسمي صحيحا منتجا لكافة
اثاره ،500حيث ينزل االشعار بالتوصل املستخرج من املنصة بمثابة املرجوعة في التبليغ العادي إلثبات واقعة التبليغ
امام القضاء تجاه دفوعات االطراف ،حيث تتمتع الوثيقة املحررة على دعامة إلكترونية واملحفوظة في املنصة
االلكترونية بنفس الحجية في االثبات التي تتمتع بها الوثيقة الورقية على ان تتضمن وجوبا تاريخ وساعة التبليغ
والعنوان االلكتروني املبلغ اليه ،ويتم استخراج نسخة ورقية منها تتضمن مرجع حفضها في املنصة ،وال يحول
استخدام هذه الوسائط االلكترونية دون حق األطراف في الحصول على مقابل لها ورقيا سواء تلك املتعلقة
بالتبليغات أو تنفيذ األوامر أو االحكام أو القرارات.
وتجدر اإلشارة أن املحكمة تبقى لها الصالحية في القيام بإجراءات التبليغ بواسطة الوسائط االلكترونية
تلقائيا دوم حاجة الى طلب وخاصة إذا تعلق االمر باألشخاص السابق ذكره التي تتوفر على بريد الكتروني مضمن
في الوسائط االلكترونية؛ ويتعلق االمر باملحامين واملفوضين القضائيين والخبراء واإلدارات العامة ،كما يمكن ان
تأمر بالتبليغ بناء على طلب األطراف.
وفي األخير نود ان نشير أنه إذا كان هذا املشروع يؤسس اللبنة في السير نحو تنزيل املحاكم االلكترونية و
حوسبة اإلجراءات القضائية بما فيها التبليغ االلكتروني ،فإنه يحتاج الى املزيد من التريث وفقا ملقاربة تشاركية لكل
الفاعلين ،إذ ال يمكن توقع اإلشكاالت القانونية واملادية التي قد يطرحها تنزيل هذا املشروع بناء على إشكاالت
التقاض ي التقليدي ،السيما انه يتبنى آليات تقنية محضة تحتاج الى موارد بشرية مؤهلة إلكترونيا من قضاة وكتاب
الضبط واملحامين ،...فالواقع املر أبان أن املحاكم املغربية ألزيد من سبع سنوات لم تستطيع مواكب التطورات
التكنولوجية الحاصلة ،و الدليل في ذلك توقفها نسبيا عن العمل في ظل جائحة كورونا .فكيف يعقل تنزيل هذا
الورش تشريعيا وتجهيزيا في فترة وجيزة؟
،
خاتمة.
إن موضوع التبليغ يساهم بشكل كبير في بلوغ مبدأ "حسن النية" الذي يعتبر أحد ركائز القانون حسب
مقتض ى الفصل 5من ق.م.م ،الذي يجب أن ينطبق على اإلجراءات املسطرية التي تساهم في تكريس مبدأ الدفاع
وضمانات املحاكمة العادلة ،ونخلص القول من خالل ما سبق أن مؤسسة التبليغ ببالدنا ما زالت تعاني من عدة
صعوبات ،منها ما هو متعلق بالجهات املكلفة بالتبليغ و الجهة املبلغ إليها باإلضافة إلى القصور التشريعي في بعض
الجوانب والتي من شأنها عرقلة السير العادي للعمل القضائي و مدى تأثيرها سلبا على املجاالت الحيوية ذات
االرتباط بامليدان االقتصادي وال سيما تشجيع االستثمار األجنبي ،وإن كان املشرع املغربي قد خطى خطوة نحو
االمام في اصالح منظومة العدالة و خاصة مؤسسة التبليغ بتيهئ مسودات مشاريع قوانين ،إال أنها ظلت تعرف نوعا
من العقم في تنزيلها على ارض الواقع ،حيث وصلت مسودة املسطرة املدنية الى صيغتها األربعة و الثالثون دون ان
تعرف النور ،وطاملا ال يتم اصدار االحكام والقرارات في أجل معقولة فإن حقوق املتقاضين و العدالة عموما تظل
محل تساؤل ،الش يء الذي دفع بنا إلى التفكير في ايجاد حلول مجدية لهذه املشاكل والصعوبات سواء على املستوى
التشريعي من خالل تبسيط املساطر وسد الثغرات القانونية .وكذا تأهيل تحسين ظروف اشتغال الجهات املكلفة
بالتبليغ.
ونتمنى أن تكون محط اهتمام في املستقبل القريب وذلك من خالل:
-تكليف قاض من قضاة املحكمة باألشراف على مهمة التبليغ واملراقبة الدائمة واملستمرة
لسيره.
-تعيين موظفين بوزارة العدل مؤهلين قانونيا للتنسيق مع اعوان كتابة الضبط املكلفين
بالتبليغ ،وتجنيد هذا الطاقم بكل الوسائل العلمية واللوجستيكية التي تساعدهم على تأدية مهامهم في
أحسن الظروف.
-إلزام الجهات املكلفة بالتبليغ بمسك سجالت موحدة ومؤشر على جميع صفحاتها من لدن
الوزارة الوصية معدة لهذه الخدمة يوقع عليها املبلغ اليه.
-منح اجل معقول للمكلف بتبليغ االستدعاءات مراعيا في ذلك عدد االستدعاءات وبعد املسافة
وتضاريس املنطقة وظروف التنقل.
-تحرير االستدعاءات ومأل شهادات التسليم بخط واضح ومقروء.
،
-اعادة النظر في تأهيل مؤسسة املفوضين القضائيين نظرا للدور القضائي الذي يضطلعون به
من خالل إعادة تكوينهم بصفة مستمرة ودورية ومراقبة مكاتبهم وخلق لجنة تابعة للوزارة الوصية للسهر
على ذلك.
-إعادة النظر في التبليغ بالطريقة اإلدارية (الشيوخ واملقدمين) من خالل انتقاء عناصر ذات
مستوى دراس ي يؤهلها للقيام بمهمتها وحبذا لو كانت لها املام باملجال القانوني لتفادي البطء وتسريع
إجراءات التبليغ ،وتحسين ظروف عمل وتنقل هذه االخيرة السيما في االماكن التي تعرف تضاريس وعرة.
،