Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة 1 مكونات علم الديداكتيك أو فن التدريس 1
المحاضرة 1 مكونات علم الديداكتيك أو فن التدريس 1
يُنظر إلى علم الديداكتيك باعتباره علما مساعدا للبيداغوجيا .موضوعه فن التدريس the art
of teachingالذي يتأدى بتحليل الظواهر التعليمية وتجوديها ،بالكيف الذي يتغيّا التفكير في المادة
سل فاعلية وخصوصية ديناميكية تهتم بالعالقة بين مكونات
الدراسية في نظيمة تربوية عامة ،تتو ّ
الديداكتيك :ال ُمدرس والمتعلم والتمثالت ومحتويات التدريس وطرقه وتقنياته وأشكال تنظيم مواقف التعلم
التي توضع أمام المتعلم ،لتسهيل ظهور تمثالته قصد توظيفها في العملية التعليمية ،وذلك على االفتراض
الذي يجعل من علم الديداكتيك تأمال وتفكيرا في طبيعة المادة المدروسة ،وكذا في طبيعة وغايات
تدريسها ،وجعل الممارسة التعليمية التعلمية أقدر على تمييز مسالكها وإبداع طرائقها في عيش مدرسي
مليء بالتالؤمات واالنسجام المتساوق مع الراهن ،حيث تكون فيه مكونات المثلث الديداكتيكي أكثر
تضايفا واتصالية وانسجاما في منح اآلفاق التعلُّمية تراكمات وامتدادات في حياة االجتماع اإلنساني.
-1المدرس:
يشغل المدرس حيزا أوفى في مسار الفعل الديداكتيكي من خالله تموقعه الريادي ،الذي يحمله
على تمييز اشتغاالته على سعة تصور وإمكان ذاتي حائز إلعداد مسبق ،يتأدى بمهارته التعليمية على
استيفائية مواكبة للشأن التربوي في مدخالته ومخرجاته ،وبإتقان ُمحكم لصنعة التعليم وحرفيتها ،باعتباره
إتقانا لبدء يصطف فيه المعلم في الصف المدرسي ،ودعامة إنسانية تتصدر بأنموذجها الحي في حياة
1
يتصدر بحياة العيش
ُ المتعلمين ،وإمكان لتعالقات حياتية وقيمية تتشارك وتتبادل ..وفرصا إلبداع مهاراتي
في الحاضر وبناء المستقبل .. building a futureوهو ما يجعل تموقعات المدرس في الصف
المدرسي رهانا مجتمعيا وأساسا فيصليا لدعامة قيادة مدرسية ،وذلك بمنحها تالؤما في المعنى وزيادة في
ي مصغر ،ال يمكن أن تتأدى اشتغاالتها على قطيعة مع التنشئة االجتماعية والتربية
مبنى اجتماع مدرس ّ
الوالدية؛ بل باتصالية استكمالية وإتمامية في عالم يع ُّج بمتغيرات متسارعة على مستوى المعاني والرموز
والمعارف ..ما يُبقي لشرائط التعلم والتمدرس إمكانات التجدد والبقاء اليقظ لمدرس في عالقاته بالتالميذ،
والتي تتضح جليا في اإلمكان الذاتي للمدرس وما يحوزه من إعداد مسبق préparation à
l’avanceوتكوين في مجال التدريس وطرائقه وتقنياته ومناهجه ،بمنظور مواكبات واتصاالت
ميدانية تُبقي على شرط التحيين Actualisationوالكفاءة المهنية وملكاتها اإلبداعية في تطوير
المراس التعليمي على انفتاحات أكبر وتفكير ونقد للنظريات التربوية المعاصرة ،والكشف على صيغ
سر Facilateurوالمنفتح على ال ُمؤتلف والمختلف
مالءماتها لبيئة تعليمية يشغل فيها المدرس دور ال ُمي ّ
صلة لديه ،وكذا لقيم التعلم
بمدركات تمييزية لجدوى حضوره في عمق عملية التدريس ،بدراية ُمتح ّ
المهاراتي و ُمتعها التفكيرية واإلبداعية ،التي تحمل التلميذ على انغماس جدي في عيش مجتمعي آهل
بالتعدد والتعاون وحياة العيش المشترك.
لهذا كثيرا ما يُنظر إلى أهمية اإلعداد المسبق للمدرس في العملية التعليمية ،باعتباره منظورا
ستجلب على مقومات صلبة ،تقطع مع الجهل والتسيب وتُقيم
ُ مميزا لحياة مدرسية تتأك ُد عناصرها وت ُ
إلنشاءات المعرفة الميدانية بالتعليم سيرانا تداوليا ،ما يجعل المعلم على دراية بالنظريات التربوية
ومباحث علم النفس وبحوث علم االجتماع وكل مختلفات الحقول المعرفية التي تتقاطع مع التربية والتعليم
توظيفا واستعماال ،على اعتبار سالك يتقوى بتدويل تواصلي دائم ،ما يجعل حياة اللقاء األولي مع التالميذ
في الصف المدرسي لقاء بخصوصية الضم واالحتواء والقبول بمختلفات التعدد واالختالف والفوارق
الحاصلة هناك ،بارتضاءات إسعادية ُمنتفاة من صدامات النفور والنبذ واإلقصاء؛ بل إلى واقع مدرسي
منفتح يستشعر حضور القرب الوالدي وامتزاجاته المتآلفة في شخصية المعلم ،باعتبارها مقدمات لحياة
أخرى عند تالميذ ابتدأت قيد تش ُّكل جديد ،يفترض من المدرس حضور أخالق العناية واالهتمام
شوش على ممارساته التعليمية؛ بل ّ
واطراح ما يُ ّ وااللتفات بأمان اطمئنان ،وذلك قصد تمييز سلوكاته
كيف يحرص على منح حضوره زوائد إيجابية تسلك مسالك االغتناء L’épanouissement
وتتحاشى عثرات اإلفقار L’appauvrissementوضآالت المحدودية وانتكاساتها ..التي يعتقد في
اكتفائيتها؟؟!! إذ ال جودة تعليمية إال باستمرارية continuitéتكوينية منفتحة على الخبرات التدريسية
ورهاناتها التي تستحضر ثالثية المكون الديداكتيكي :مدرسا وتلميذا وتمثالت ..في ظل بيداغوجية
2
الكفايات وسؤالها المركزي :كيف نُعلم المتعلم؟ وكيف يتعلم؟ بل كيف تسعى بيداغوجية الكفايات إلى
تمكين المتعلم من مختلف القدرات والمهارات التي ت ُمكنُّه من التكيف الجيد مع كل المستجدات ،وبدُربة
تعلُّمية أقدر على االستمرار وتأكيد الفاعلية من خالل أبنية تواصلية جاء العقد الديداكتيكي ُمنشئا لها
وداعما لمسلكها بإعادة التفكير فيها ومنحها حياة متجددة ،ليس بنظام القلب والتجاوز التبخيسي الذي
يحمل المدرسة التقليدية وطرائقها اإللقائية على ملمح تزهيدي داحض ل ُمقومها التربوي؛ بل اعترافا بها
وما راكمته من منجزات تربوية و ُمحصالت معرفية؛ بل كيف نسلك مسلك اإلفادة منها وتقييمها
ي جديد ،أقدر على البناء والمردودية
بمعطيات زائدة ومنفتحة على مقومات شرط تعلمي استزاد ّ
والفاعلية ،التي تقتضي إيالء اهتمام بمكونات شخصية المتعلم سواء على المستوى العقلي أو الحركي أو
الوجداني ،بكفاية تُيسر عملية تكيُّف الفرد مع مختلف الصعوبات والمشكالت التي يفترضها محيطه ،ال
باالعتبار السلبي الذي يرت ُّد إلى التصور البنكي للتربية الذي يتنافى مع اإلبداعية من خالل البحث
والتحفيز ،والذي يكتفي فيه المدرس مع التالميذ بإيصال الخطاب والودائع ثم يطلب من التالميذ حفظها
وترديدها حسب باولو فريري؛ بل كيف يمكن لبيداغوجية التعاقد هاته أن تنهض دليال إلمكان تواصلي
تذاوتية اشتغالية تشاركية بين المدرس والتالميذ؟ وبالتالي أن تتعزز في حراك نشاط دائم
فائق ولمهارة ُ
في تدريسية فعّالة ،تحمل مقومات استثارة إيجابية ،حافظة وراعية للمسار التعلمي ،و ُمنشئة إياه من خالل
كاريزما حضورية للمعلم وما أظهره من قدرات ابتكارية في التفكير واللغة والحركة التعبيرية وأنسنة
سلوكية خالقة ،أقدرت المعلم على الحضور بتناسقية اشتغال محكم ، Maitriseوبقدرة عالية على
إنتاج نماذج تفكيرية في صيغة آراء وحلول ومبادئ ونظريات ،وهو ما يجعل منظور التعاقد الديداكتيكي
الذي يتموقع منه المدرس ال يشكو اغترابا وال تغييبا؛ بل حضورا ذا معنى يتعزز بالمردودية المنفتحة
بالتفكير في المواد الدراسية ومحتوياتها واألنشطة التربوية ومقومات الحافز التعلُّمي لدى الناشئة
الصغيرة ،باستحضار كلي لمتغيراتهم السلوكية ودواخلهم الوجدانية ،التي تتخذ صيغ اقتراب حميمي
بوشائج إنسانية تتغلب على المشاكل النفسية والسلوكية ،في مجال صفي يهيئ أرضية التالؤم المميزة
لسيران تعلُّمي أقدر على العطاء والبقاء واالستمرار في صيغ مشاريع تربوية متعددة تتضايف فيها المواد
ُ
تتساوق فيه الرؤى والتصورات الدراسية بمنظور الصيغ التكاملية ، complémentaritéوبانسجام
التعليمية ووظيفتها في خدمة التلميذ وجعله في دائرة الحدث التَّعلُّمي.
وتساوق مع
ُ إذ كيف يمكن لديداكتيك التربية اإلسالمية ومحتواها القيمي أن يتأدى باشتغال مكثف
الرياضيات وعلوم الحياة واألرض وغيرها من المواد دون استشعار أي نفور أو تغليب؟ بل إلى ارتقاء
بالمتعلم داخل نظام متكامل ومندمج من المعارف والخبرات والمهارات واالتجاهات والقيم المنظمة ،التي
تجعل المتعلم ضمن وضعية تعليمية قادرا على إنجاز وأداء المهمات واألنشطة حسب معايير اإلتقان
3
المطلوبة ،وبالتالي تمكنه من التفاعل واالندماج في محيطه والتكيف مع التحوالت والمستجدات المحيطة
مو روحي
س ّبه؛ بل أنى للتربية اإلسالمية أن تتموقع في اشتغال يسعى إلى أنسنة قيم الدين وربطها ب ُ
ُجواني لناشئة صغيرة تتقد ُم إليها المعارف الدينية من مواقع شتى ،ما يجعل الشتغال المدرس وتموقعه
اإليجابي في الفصل دليل استزادة واغتناء في تكييف قيم الدين السمح وتلطيف أجواء استقبالها لناشئة لها
سبق حيازي لتأثيرات وإيحاءات ومضات وأنوار إيمانية ،حازتها في بيئتها األسرية ،ما يجعل لهذه
النقالت اإليمانية المشتركة بين التنشئة االجتماعية ودائرة اشتغال العقد الديداكتيكي للمدرس محاور
لتالقي وضعية تعلُّمية التزامية ،يستشعر فيها المدرس مركزيّة األسوة والقدوة التي يتقدم منها للمتعلمين،
باعتبارها تطبيقا حيا لنموذج إيماني معتدل ،حرص على تمتيع القيم الدينية وتوظيفها بصيغ التيسير
عقد إغالقية تتمنّع عن الفهم واإلدراك؛ بل كيف يمكن ال ُمر ّ
غب لها في دوائر التعدد واالختالف ،دون ُ
لهذا التعاقد الديداكتيكي في منطلقاته االلتزامية أن يكون مجاال استكشافيا لذات متعلمة تحوز ارتقاء
سلوكيا يتقدم في دفعات وبمهارات تفكيرية تنتعش فيها موار ُد المحادثة الدينية من مصادر الوحي :قرآنا
وسنة واستصحابا للسيرة النبوية وجوامع مكارم األخالق اإلسالمية المتضمنة فيها؟ تجعل من داللة
األنموذج اإليماني صيغة اتصالية لدى المتعلم وبتثبيت قدوة خالّقة يتمتع فيها المدرس بحيّز أوفى في
الداللة التقريبية لكفاية إيمانية يُراد أن يُلح ُ
ظ أثرها على سلوك المتعلمين في اشتغال زمني مفتوح في
الست ،و ُممتد على طفرات انتقالية ما بين مستويات
أختام برنامج دراسي ُمتصل على مستوى سنواته ّ
المرحلة االبتدائية وتدفقاتها المنفتحة على المرحلة اإلعدادية الثانوية ،ما يجعلنا جميعا نستشعر عمق
التفكير في داللة مقومات اشتغال البدء التي أنشأها المدرس في دوائر اتصاله مع المتعلمين
وصيروراتها ،التي تتقدم إلينا ضرورة بمحصالت جامعة لملكات اإلمكان الذاتي للمدرس ،واستعداداته
وكفاءته المهنية واستيفاءاتها المستوعبة للمادة المدروسة وإشكالياتها ،وكذا مكونات محاورها وطرق
تدريسها وتقويمها ،التي تفتح للمتعلم أ ُفقا تشاركيا في المساهمة وإبداع الرأي واقتراح الحلول للمشاكل
التي تواجهه باستمرار ،وبتفكير نقدي ناشئ حاز فيه مقدمات بدء إدراكية لحياة مدرسية ذات معنى.
4