Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 4

‫األستاذ‪ :‬محمد بنعياد‬ ‫مسلك اإلجازة في التربية‬

‫مجزوءة‪ :‬ديداكتيك التربية اإلسالمية‬ ‫تخصص‪ :‬التعليم االبتدائي‬


‫الفصل‪ :‬الرابع‬

‫مكونات علم الديداكتيك أو فن التدريس‬

‫يُنظر إلى علم الديداكتيك باعتباره علما مساعدا للبيداغوجيا‪ .‬موضوعه فن التدريس ‪the art‬‬
‫‪ of teaching‬الذي يتأدى بتحليل الظواهر التعليمية وتجوديها‪ ،‬بالكيف الذي يتغيّا التفكير في المادة‬
‫سل فاعلية وخصوصية ديناميكية تهتم بالعالقة بين مكونات‬
‫الدراسية في نظيمة تربوية عامة‪ ،‬تتو ّ‬
‫الديداكتيك‪ :‬ال ُمدرس والمتعلم والتمثالت ومحتويات التدريس وطرقه وتقنياته وأشكال تنظيم مواقف التعلم‬
‫التي توضع أمام المتعلم‪ ،‬لتسهيل ظهور تمثالته قصد توظيفها في العملية التعليمية‪ ،‬وذلك على االفتراض‬
‫الذي يجعل من علم الديداكتيك تأمال وتفكيرا في طبيعة المادة المدروسة‪ ،‬وكذا في طبيعة وغايات‬
‫تدريسها‪ ،‬وجعل الممارسة التعليمية التعلمية أقدر على تمييز مسالكها وإبداع طرائقها في عيش مدرسي‬
‫مليء بالتالؤمات واالنسجام المتساوق مع الراهن‪ ،‬حيث تكون فيه مكونات المثلث الديداكتيكي أكثر‬
‫تضايفا واتصالية وانسجاما في منح اآلفاق التعلُّمية تراكمات وامتدادات في حياة االجتماع اإلنساني‪.‬‬

‫‪ -1‬المدرس‪:‬‬

‫يشغل المدرس حيزا أوفى في مسار الفعل الديداكتيكي من خالله تموقعه الريادي‪ ،‬الذي يحمله‬
‫على تمييز اشتغاالته على سعة تصور وإمكان ذاتي حائز إلعداد مسبق‪ ،‬يتأدى بمهارته التعليمية على‬
‫استيفائية مواكبة للشأن التربوي في مدخالته ومخرجاته‪ ،‬وبإتقان ُمحكم لصنعة التعليم وحرفيتها‪ ،‬باعتباره‬
‫إتقانا لبدء يصطف فيه المعلم في الصف المدرسي‪ ،‬ودعامة إنسانية تتصدر بأنموذجها الحي في حياة‬

‫‪1‬‬
‫يتصدر بحياة العيش‬
‫ُ‬ ‫المتعلمين‪ ،‬وإمكان لتعالقات حياتية وقيمية تتشارك وتتبادل‪ ..‬وفرصا إلبداع مهاراتي‬
‫في الحاضر وبناء المستقبل ‪ .. building a future‬وهو ما يجعل تموقعات المدرس في الصف‬
‫المدرسي رهانا مجتمعيا وأساسا فيصليا لدعامة قيادة مدرسية‪ ،‬وذلك بمنحها تالؤما في المعنى وزيادة في‬
‫ي مصغر‪ ،‬ال يمكن أن تتأدى اشتغاالتها على قطيعة مع التنشئة االجتماعية والتربية‬
‫مبنى اجتماع مدرس ّ‬
‫الوالدية؛ بل باتصالية استكمالية وإتمامية في عالم يع ُّج بمتغيرات متسارعة على مستوى المعاني والرموز‬
‫والمعارف‪ ..‬ما يُبقي لشرائط التعلم والتمدرس إمكانات التجدد والبقاء اليقظ لمدرس في عالقاته بالتالميذ‪،‬‬
‫والتي تتضح جليا في اإلمكان الذاتي للمدرس وما يحوزه من إعداد مسبق ‪préparation à‬‬
‫‪ l’avance‬وتكوين في مجال التدريس وطرائقه وتقنياته ومناهجه‪ ،‬بمنظور مواكبات واتصاالت‬
‫ميدانية تُبقي على شرط التحيين ‪ Actualisation‬والكفاءة المهنية وملكاتها اإلبداعية في تطوير‬
‫المراس التعليمي على انفتاحات أكبر وتفكير ونقد للنظريات التربوية المعاصرة‪ ،‬والكشف على صيغ‬
‫سر ‪ Facilateur‬والمنفتح على ال ُمؤتلف والمختلف‬
‫مالءماتها لبيئة تعليمية يشغل فيها المدرس دور ال ُمي ّ‬
‫صلة لديه‪ ،‬وكذا لقيم التعلم‬
‫بمدركات تمييزية لجدوى حضوره في عمق عملية التدريس‪ ،‬بدراية ُمتح ّ‬
‫المهاراتي و ُمتعها التفكيرية واإلبداعية‪ ،‬التي تحمل التلميذ على انغماس جدي في عيش مجتمعي آهل‬
‫بالتعدد والتعاون وحياة العيش المشترك‪.‬‬

‫لهذا كثيرا ما يُنظر إلى أهمية اإلعداد المسبق للمدرس في العملية التعليمية‪ ،‬باعتباره منظورا‬
‫ستجلب على مقومات صلبة‪ ،‬تقطع مع الجهل والتسيب وتُقيم‬
‫ُ‬ ‫مميزا لحياة مدرسية تتأك ُد عناصرها وت ُ‬
‫إلنشاءات المعرفة الميدانية بالتعليم سيرانا تداوليا‪ ،‬ما يجعل المعلم على دراية بالنظريات التربوية‬
‫ومباحث علم النفس وبحوث علم االجتماع وكل مختلفات الحقول المعرفية التي تتقاطع مع التربية والتعليم‬
‫توظيفا واستعماال‪ ،‬على اعتبار سالك يتقوى بتدويل تواصلي دائم‪ ،‬ما يجعل حياة اللقاء األولي مع التالميذ‬
‫في الصف المدرسي لقاء بخصوصية الضم واالحتواء والقبول بمختلفات التعدد واالختالف والفوارق‬
‫الحاصلة هناك‪ ،‬بارتضاءات إسعادية ُمنتفاة من صدامات النفور والنبذ واإلقصاء؛ بل إلى واقع مدرسي‬
‫منفتح يستشعر حضور القرب الوالدي وامتزاجاته المتآلفة في شخصية المعلم‪ ،‬باعتبارها مقدمات لحياة‬
‫أخرى عند تالميذ ابتدأت قيد تش ُّكل جديد‪ ،‬يفترض من المدرس حضور أخالق العناية واالهتمام‬
‫شوش على ممارساته التعليمية؛ بل‬ ‫ّ‬
‫واطراح ما يُ ّ‬ ‫وااللتفات بأمان اطمئنان‪ ،‬وذلك قصد تمييز سلوكاته‬
‫كيف يحرص على منح حضوره زوائد إيجابية تسلك مسالك االغتناء ‪L’épanouissement‬‬
‫وتتحاشى عثرات اإلفقار ‪ L’appauvrissement‬وضآالت المحدودية وانتكاساتها‪ ..‬التي يعتقد في‬
‫اكتفائيتها؟؟!! إذ ال جودة تعليمية إال باستمرارية ‪ continuité‬تكوينية منفتحة على الخبرات التدريسية‬
‫ورهاناتها التي تستحضر ثالثية المكون الديداكتيكي‪ :‬مدرسا وتلميذا وتمثالت‪ ..‬في ظل بيداغوجية‬

‫‪2‬‬
‫الكفايات وسؤالها المركزي‪ :‬كيف نُعلم المتعلم؟ وكيف يتعلم؟ بل كيف تسعى بيداغوجية الكفايات إلى‬
‫تمكين المتعلم من مختلف القدرات والمهارات التي ت ُمكنُّه من التكيف الجيد مع كل المستجدات‪ ،‬وبدُربة‬
‫تعلُّمية أقدر على االستمرار وتأكيد الفاعلية من خالل أبنية تواصلية جاء العقد الديداكتيكي ُمنشئا لها‬
‫وداعما لمسلكها بإعادة التفكير فيها ومنحها حياة متجددة‪ ،‬ليس بنظام القلب والتجاوز التبخيسي الذي‬
‫يحمل المدرسة التقليدية وطرائقها اإللقائية على ملمح تزهيدي داحض ل ُمقومها التربوي؛ بل اعترافا بها‬
‫وما راكمته من منجزات تربوية و ُمحصالت معرفية؛ بل كيف نسلك مسلك اإلفادة منها وتقييمها‬
‫ي جديد‪ ،‬أقدر على البناء والمردودية‬
‫بمعطيات زائدة ومنفتحة على مقومات شرط تعلمي استزاد ّ‬
‫والفاعلية‪ ،‬التي تقتضي إيالء اهتمام بمكونات شخصية المتعلم سواء على المستوى العقلي أو الحركي أو‬
‫الوجداني‪ ،‬بكفاية تُيسر عملية تكيُّف الفرد مع مختلف الصعوبات والمشكالت التي يفترضها محيطه‪ ،‬ال‬
‫باالعتبار السلبي الذي يرت ُّد إلى التصور البنكي للتربية الذي يتنافى مع اإلبداعية من خالل البحث‬
‫والتحفيز‪ ،‬والذي يكتفي فيه المدرس مع التالميذ بإيصال الخطاب والودائع ثم يطلب من التالميذ حفظها‬
‫وترديدها حسب باولو فريري؛ بل كيف يمكن لبيداغوجية التعاقد هاته أن تنهض دليال إلمكان تواصلي‬
‫تذاوتية اشتغالية تشاركية بين المدرس والتالميذ؟ وبالتالي أن تتعزز في حراك نشاط دائم‬
‫فائق ولمهارة ُ‬
‫في تدريسية فعّالة‪ ،‬تحمل مقومات استثارة إيجابية‪ ،‬حافظة وراعية للمسار التعلمي‪ ،‬و ُمنشئة إياه من خالل‬
‫كاريزما حضورية للمعلم وما أظهره من قدرات ابتكارية في التفكير واللغة والحركة التعبيرية وأنسنة‬
‫سلوكية خالقة‪ ،‬أقدرت المعلم على الحضور بتناسقية اشتغال محكم ‪ ، Maitrise‬وبقدرة عالية على‬
‫إنتاج نماذج تفكيرية في صيغة آراء وحلول ومبادئ ونظريات‪ ،‬وهو ما يجعل منظور التعاقد الديداكتيكي‬
‫الذي يتموقع منه المدرس ال يشكو اغترابا وال تغييبا؛ بل حضورا ذا معنى يتعزز بالمردودية المنفتحة‬
‫بالتفكير في المواد الدراسية ومحتوياتها واألنشطة التربوية ومقومات الحافز التعلُّمي لدى الناشئة‬
‫الصغيرة‪ ،‬باستحضار كلي لمتغيراتهم السلوكية ودواخلهم الوجدانية‪ ،‬التي تتخذ صيغ اقتراب حميمي‬
‫بوشائج إنسانية تتغلب على المشاكل النفسية والسلوكية‪ ،‬في مجال صفي يهيئ أرضية التالؤم المميزة‬
‫لسيران تعلُّمي أقدر على العطاء والبقاء واالستمرار في صيغ مشاريع تربوية متعددة تتضايف فيها المواد‬
‫ُ‬
‫تتساوق فيه الرؤى والتصورات‬ ‫الدراسية بمنظور الصيغ التكاملية ‪ ، complémentarité‬وبانسجام‬
‫التعليمية ووظيفتها في خدمة التلميذ وجعله في دائرة الحدث التَّعلُّمي‪.‬‬

‫وتساوق مع‬
‫ُ‬ ‫إذ كيف يمكن لديداكتيك التربية اإلسالمية ومحتواها القيمي أن يتأدى باشتغال مكثف‬
‫الرياضيات وعلوم الحياة واألرض وغيرها من المواد دون استشعار أي نفور أو تغليب؟ بل إلى ارتقاء‬
‫بالمتعلم داخل نظام متكامل ومندمج من المعارف والخبرات والمهارات واالتجاهات والقيم المنظمة‪ ،‬التي‬
‫تجعل المتعلم ضمن وضعية تعليمية قادرا على إنجاز وأداء المهمات واألنشطة حسب معايير اإلتقان‬

‫‪3‬‬
‫المطلوبة‪ ،‬وبالتالي تمكنه من التفاعل واالندماج في محيطه والتكيف مع التحوالت والمستجدات المحيطة‬
‫مو روحي‬
‫س ّ‬‫به؛ بل أنى للتربية اإلسالمية أن تتموقع في اشتغال يسعى إلى أنسنة قيم الدين وربطها ب ُ‬
‫ُجواني لناشئة صغيرة تتقد ُم إليها المعارف الدينية من مواقع شتى‪ ،‬ما يجعل الشتغال المدرس وتموقعه‬
‫اإليجابي في الفصل دليل استزادة واغتناء في تكييف قيم الدين السمح وتلطيف أجواء استقبالها لناشئة لها‬
‫سبق حيازي لتأثيرات وإيحاءات ومضات وأنوار إيمانية‪ ،‬حازتها في بيئتها األسرية‪ ،‬ما يجعل لهذه‬
‫النقالت اإليمانية المشتركة بين التنشئة االجتماعية ودائرة اشتغال العقد الديداكتيكي للمدرس محاور‬
‫لتالقي وضعية تعلُّمية التزامية‪ ،‬يستشعر فيها المدرس مركزيّة األسوة والقدوة التي يتقدم منها للمتعلمين‪،‬‬
‫باعتبارها تطبيقا حيا لنموذج إيماني معتدل‪ ،‬حرص على تمتيع القيم الدينية وتوظيفها بصيغ التيسير‬
‫عقد إغالقية تتمنّع عن الفهم واإلدراك؛ بل كيف يمكن‬ ‫ال ُمر ّ‬
‫غب لها في دوائر التعدد واالختالف‪ ،‬دون ُ‬
‫لهذا التعاقد الديداكتيكي في منطلقاته االلتزامية أن يكون مجاال استكشافيا لذات متعلمة تحوز ارتقاء‬
‫سلوكيا يتقدم في دفعات وبمهارات تفكيرية تنتعش فيها موار ُد المحادثة الدينية من مصادر الوحي‪ :‬قرآنا‬
‫وسنة واستصحابا للسيرة النبوية وجوامع مكارم األخالق اإلسالمية المتضمنة فيها؟ تجعل من داللة‬
‫األنموذج اإليماني صيغة اتصالية لدى المتعلم وبتثبيت قدوة خالّقة يتمتع فيها المدرس بحيّز أوفى في‬
‫الداللة التقريبية لكفاية إيمانية يُراد أن يُلح ُ‬
‫ظ أثرها على سلوك المتعلمين في اشتغال زمني مفتوح في‬
‫الست‪ ،‬و ُممتد على طفرات انتقالية ما بين مستويات‬
‫أختام برنامج دراسي ُمتصل على مستوى سنواته ّ‬
‫المرحلة االبتدائية وتدفقاتها المنفتحة على المرحلة اإلعدادية الثانوية‪ ،‬ما يجعلنا جميعا نستشعر عمق‬
‫التفكير في داللة مقومات اشتغال البدء التي أنشأها المدرس في دوائر اتصاله مع المتعلمين‬
‫وصيروراتها‪ ،‬التي تتقدم إلينا ضرورة بمحصالت جامعة لملكات اإلمكان الذاتي للمدرس‪ ،‬واستعداداته‬
‫وكفاءته المهنية واستيفاءاتها المستوعبة للمادة المدروسة وإشكالياتها‪ ،‬وكذا مكونات محاورها وطرق‬
‫تدريسها وتقويمها‪ ،‬التي تفتح للمتعلم أ ُفقا تشاركيا في المساهمة وإبداع الرأي واقتراح الحلول للمشاكل‬
‫التي تواجهه باستمرار‪ ،‬وبتفكير نقدي ناشئ حاز فيه مقدمات بدء إدراكية لحياة مدرسية ذات معنى‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like