Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 6

‫خاص بمعهد اإلمام البهويت للتفقه الحنبلي‪ ،‬وال ُي سمح بتداوله ونشره‬

‫ب سم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫المادة‪ :‬شرح غاية السول يف علم األصول‬
‫الدرس‪ 47 :‬تابع النسخ‬

‫والس الم على نبيِّنا ُم َح َمد‪ ،‬وعلى آله‬ ‫والص الة‬ ‫الح ْمدُ هلل َر ِّب العالمين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الرح يم‪َ ،‬‬ ‫الر ْح من َ‬ ‫بَ ْس م اهلل َ‬
‫﴿س بْ َح ان ََك َال ِع ْل َم َل نَا إِ َّال‬ ‫ِ‬ ‫وص ْح بِه أَ ْج َم ِع ين‪ ،‬اللهم َع ِّل ْم نَا ما َي نْ َف ُع نا‪ ،‬وانْ َف ْع نَا بما ع َّل متنا‪ِ ،‬‬
‫وز ْدنَا ع ْل ًم ا‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫ويسر ل ِي أمري‪ ،‬واح ُلل‬ ‫ْت ا ْل علِيم ا ْل حكِيم ﴾ [البقرة‪ .]32 :‬رب اشرح لي صدري‪ِ ،‬‬
‫َم ا َع َّل ْم تَنَا إِن ََّك أَن َ َ ُ َ ُ‬
‫عقدة من لساين يفقه قولي‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫ُ‬
‫النسخ له صور من جهة البدل‪ ،‬ومن جهة الثقل والخفة‪،‬‬ ‫وقفنا عند قوله‪( :‬ويجوز النسخ إلى غير بدل)‪.‬‬
‫ومن جهة التالوة والحكم‪ ،‬وستأيت إن شاء اهلل‪.‬‬

‫قال‪( :‬ويجوز النسخ إلى غير بدل) أما النسخ إلى بدل فهو جائز باتفاق‪ ،‬وال ُمراد أن يرفع اهلل ـــ عز‬
‫الحكم المنسوخ و ُي ثبت مكانه حك ًم ا جديدً ا‪ ،‬فهذا ال إشكال فيه وأكثر أمثلة النسخ من هذا‬
‫وجل ـــ ُ‬
‫النوع‪.‬‬

‫متفق عل يها‪ ،‬ولكنه ذكر مسألة النسخ إلى غير بدل؛ ألنه‬
‫وإنما لم يذكُر المصنف هذه المسألة؛ ألنه ٌ‬
‫جائز عند الجمهور خال ًف ا لبعض العلماء‪.‬‬

‫الحكم وال ُي ثبت مكانه حك ًم ا‬ ‫فقوله‪( :‬ويجوز النسخ إلى غير بدل) أي أن يرفع اهلل ـــ عز وجل ـــ ُ‬
‫اهلل َع َل يْ ِه‬
‫جديدً ا‪ ،‬وهذا واقع فقد نسخ اهلل ـــ عز وجل ـــ تقديم صدقة بين يدي مناجاة الرسول ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫ِ‬
‫َج َو اك ُْم‬ ‫ول َف َقدِّ ُم وا بَيْ َن َيدَ ْي ن ْ‬ ‫الر ُس َ‬ ‫َو َس َّل َم ‪ -‬بقوله‪َ :‬ق َال تَ َع ا َل ٰى‪َ ﴿ :‬ي ا أَ ُّي َها ا َّلذ ي َن آ َم نُوا إِ َذ ا ن َ‬
‫َاج يْت ُُم َّ‬
‫اهلل َج َّل يف ُع اله‪﴿ :‬أَأَ ْش َف ْق ت ُْم أَ ْن تُ َقدِّ ُم وا بَيْ َن َيدَ ْي‬ ‫ِ‬
‫َصدَ َق ًةۚ ﴾ [المجادلة‪ .]12 :‬نُس خ ذلك بقوله‪َ :‬ق َال ُ‬
‫َج َو اك ُْم َصدَ َق اتۚ ﴾ [المجادلة‪.]13 :‬‬
‫ن ْ‬

‫اهلل َع َل يْ ِه َو َس َّل َم ‪ -‬عن اِ َّدخار لحوم األضاحي ألكثر من ثالث‪ ،‬فن ُِس خ بقوله‬ ‫هني النبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬ ‫وكذلك ُ‬
‫ل الدَّ ا َّف ِة ا َّل تي د َّف ْ‬
‫ت " أي الفقراء " َف ُكلوا وتصدَّ قوا‬ ‫اهلل َع َل يْ ِه َو َس َّل َم ‪" :-‬إنَّما نَ َه يتُ ُك م من أج ِ‬
‫‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫خاص بمعهد اإلمام البهويت للتفقه الحنبلي‪ ،‬وال ُي سمح بتداوله ونشره‬
‫فأر ْد ُت أ ْن تُ ِع ينُوا فيها"‪ .‬وهذا يدُ ل على‬ ‫وا َّد ِخروا"‪ .‬ويف لفظ قال‪" :‬فإ َّن َ‬
‫ذلك العا َم كا َن بالنَّا ِ‬
‫س َج ْهدٌ ‪َ ،‬‬
‫أن النسخ إلى غير بدل جائز‪.‬‬

‫من العلماء الذين نازعوا يف هذه المسألة قالوا هنا بدَ ل‪ ،‬فعود الحكم إلى ما كان عليه بَدل‪ ،‬فهو أثبت‬
‫ثال‪ ،‬فهذا حكم مكان حكم‪،‬‬
‫حك ًم ا أعاده إلى ُحكم اإلباحة‪ ،‬أليس اإلباحة حكم؟ أو االستحباب م ً‬
‫والجمهور يقولون أن عوده إلى ما كان هذا ال يدل على أنه حكم جديد‪ ،‬وعلى أ ّية حال إذا كان‬
‫الخالف يف هذا القدر فقط صار خال ًف ا لفظيًا‪.‬‬

‫ويف قوله‪( :‬ويجوز النسخ إلى غير بدل) هنا قد يستشكل ُم ْس تَشكل ويقول‪ :‬أليس اهلل ـــ عز وجل ـــ‬
‫يقول‪{ :‬ما ننسخ من آية أو ن ِ‬
‫ُنس ها } ويف قراءة‪{ :‬أو نَنْسأها } أي نؤخرها {نأيت بخير منها أو مثلها }‬
‫[البقرة‪ .]106 :‬فظاهر اآلية أنه ال ينسخ شيء إال و ُي بدل مكانه شي ٌء آخر‪ ،‬فكيف ُيقال إنه يجوز النسخ‬
‫إلى غير بدل؟‬

‫أيض ا‬ ‫الجواب‪ً :‬‬


‫أوال النسخ إلى غير بدل هذا من حيث الوقوع ذكرناه‪ ،‬ومن حيث الدليل العقلي جائز ً‬
‫َصور؛ ألن اهلل ـــ عز وجل ـــ ال َي بْ ُعد أن يكون يف علمه التام الكامل أن مصلحة عباده يف هذا‬
‫[فهو] ُم ت َّ‬
‫الوقت الثاين أن ُيرفع الحكم وال ُي ثبت مكانه ُحكما آخر‪.‬‬

‫فإذا اعتربنا المصلحة ونظرنا إلى جهة المصلحة فاهلل ـــ عز وجل ـــ ال يب ُعد أنه يجعل مصلحة عباده‬
‫يف الوقت الثاين أن يرفع عنهم حكم وال ُي ثبت مكانه حك ًم ا جديدً ا ‪ .‬وقد تكون المصلحة يف التخفيف‬
‫عنهم‪ ،‬وقد تكون المصلحة يف غير ذلك‪ ،‬ال ُم هم أن هذا من حيث الدليل العقلي جائز‪.‬‬

‫وأما اآلية {ما ننسخ من آية أو نُنسها نأيت بخير منها أو مثلها } فال ُمراد النسخ اللفظي‪ ،‬أي ما ننسخ من‬
‫آية نأيت بدلها آية‪ ،‬فآية بآية لفظ بلفظ‪ ،‬ال أن ال ُمراد ما ننسخ من حكم نأيت مكانه بخير منه أو مثله يف‬
‫﴿وإِ َذ ا بَدَّ ْل نَا آ َي ًة َم َك ا َن آ َيةۚ ﴾ [النحل‪ .]101 :‬فالتبديل هنا لفظي‪.‬‬
‫األحكام‪ ،‬فهذا كقوله تعالى‪َ :‬‬

‫قد يقول قائل‪ :‬إذا كان ال ُمراد البدل اللفظي فكيف قال‪{ :‬نأيت بخير منها} أليس القرآن متساو ًي ا يف‬
‫الفضيلة؟ نقول‪ :‬أما إطالق القول بأن القرآن متساوي يف الفضيلة فهذا غير ُم س ّل م فإن بعض العلماء‬
‫خاص بمعهد اإلمام البهويت للتفقه الحنبلي‪ ،‬وال ُي سمح بتداوله ونشره‬
‫قالوا القرآن متفاضل‪ ،‬ومنهم شيخ اإلسالم ابن تيمية ـــ رحمه اهلل ـــ‪ ،‬وإن س ّل منا وقلنا إن القرآن متساو‬
‫فالخيرية ليست يف لفظها بل يف ما تشتمل عليه من فوائد أُخرى ‪ ،‬مثل‪ :‬زيادة الثواب‪ ،‬فتكون اآلية الثانية‬
‫أطول وأكثر حرو ًف ا‪ ،‬وقد تكون دالالتُ ها أوضح فيكثُر االنتفاع هبا‪ ،‬أو قد تكون قراءهتا أشق فيكثُر‬
‫خير لعباده‪ .‬ثم إننا لو سلمنا أن اآلية تدُ ل‬
‫الثواب عليها‪ ،‬ونحو ذلك مما يعلم اهلل ـــ عز وجل ـــ أنه ٌ‬
‫غيرها مما جاء فيه النسخ إلى‬
‫على أنه نسخ يف األحكام فنقول هذه اآلية مخصصة باألمثلة التي ذكرنا ُ‬
‫غير بدل‪ ،‬فتكون هذه عامة مخصوصة‪.‬‬

‫الحكم و ُي ثبِت اهلل ـــ عز وجل ـــ مكانه حك ًم ا أثقل‬


‫قال ـــ رحمه اهلل ـــ‪( :‬وبأثقل)‪ .‬أي يجوز أن ُيرفع ُ‬
‫األول‪ ،‬فالنسخ بأثقل جائز عند جمهور ال ُعلماء خالف لبعضهم‪ ،‬وأما النسخ بأخف و ُم ساو‬
‫من الحكم ّ‬
‫فجائز باإلجماع‪.‬‬

‫فإ ًذ ا المصنف ذكر المسألة التي هي محل نزاع ‪ .‬ما مثال النسخ باألثقل؟ مثاله‪ :‬المسلمون كانوا يف أول‬
‫اه ْم َوتَ َو ك َّْل َع َلى اهللِۚ ﴾‬
‫﴿و َد ْع أَ َذ ُ‬
‫اإلسالم مأمورين بالكف عن ال ُكفار‪ ،‬فقال‪َ :‬ق َال ُس بْ َح انَ ُه وتَ َع ا َل ٰى‪َ :‬‬
‫[األحزاب‪ .]48 :‬وقوله‪َ :‬ق َال تَ َع ا َل ٰى‪ُ ﴿ :‬ك ُّف وا أَ ْي ِد َي ُك ْم ﴾ [النساء‪ .]77 :‬فن ُِس خ ذلك بإيجاب القتال‪،‬‬
‫اهلل َج َّل يف ُع اله‪َ ﴿ :‬فإِ َذ ا ان َْس َل َخ ْاأل َ ْش ُه ُر ا ْل ُح ُر ُم َف ا ْق تُ ُل وا ا ْل ُم ْش ِركِي َن َح يْ ُ‬
‫ث َو َجدْ تُ ُم ُ‬
‫وه ْم‬ ‫قال‪َ :‬ق َال ُ‬
‫خ ُّل وا‬ ‫وه ْم َو ا ْق ُعدُ وا َل ُه ْم ك َُّل َم ْر َصدۚ َفإِ ْن تَ ابُوا َوأَ َق ا ُم وا َّ‬
‫الص َال َة َوآتَ ُو ا الزَّ كَا َة َف َ‬ ‫اح ُص ُر ُ‬ ‫َو ُخ ُذ ُ‬
‫وه ْم َو ْ‬
‫ِ‬
‫يم ﴾ [التوبة‪ .]5 :‬وهذا ال شك أن النسخ بإيجاب القتال أثقل وأكثر مشقة‪.‬‬ ‫ور َرح ٌ‬ ‫َس بِي َل ُه ْمۚ إِ َّن َ‬
‫اهلل َغ ُف ٌ‬

‫خير ا بينه وبين الفدية‪ ،‬فن ُِس خ بوجوب الصوم وتَ َح ت ُِمه على ال ُمكلف‪،‬‬
‫وأيض ا من أمثله أنه كان الصوم ُم ً‬
‫ً‬
‫وهذا أثقل من التخيير‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫ومثال النسخ المساوي هو نسخ استقبال القبلة من بيت المقدس إلى استقبال الكعبة فهذا نسخ ُم ساو‪،‬‬
‫الج هد وال ُكلفة على ال ُم َك لف‪ ،‬فهو يتحول من بيت المقدس إلى الكعبة‪.‬‬
‫أي مساوي يف ُ‬

‫وأما النسخ بأخف فأمثلته معلومة مثل نسخ آية ال ُمصابرة‪ ،‬لما كان الواجب أن ُيصابر الواحد عشرة‬
‫اهلل َج َّل و َع َال‪﴿ :‬إِ ْن َي ُك ْن‬ ‫وال يجوز له الفرار ف ُ ِ‬
‫خف َفت إلى الواحد أمام اثنين‪ ،‬وهذا يف قوله تعالى‪َ :‬ق َال ُ‬
‫مِنْ ُك ْم ِع ْش ُرو َن َص ابِ ُرو َن َي غْلِبُوا مِا َئ تَيْ ِنۚ ﴾ [األنفال‪ .]65 :‬معناها الواحد ُمقابل عشرة‪ ،‬فقال‪َ :‬ق َال َج َّل‬
‫خاص بمعهد اإلمام البهويت للتفقه الحنبلي‪ ،‬وال ُي سمح بتداوله ونشره‬
‫اهلل َع نْ ُك ْم َوعَلِ َم أَ َّن فِي ُك ْم َض ْع ًف اۚ َفإِ ْن َي ُك ْن مِنْ ُك ْم مِا َئ ٌة َص ابِ َر ٌة َيغْلِبُوا مِا َئ تَيْ ِنۚ‬
‫ف ُ‬ ‫﴿اآل َن َخ َّف َ‬
‫يف ُع اله‪ْ :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫َوإِ ْن ي ُك ْن مِنْ ُك م أَ ْل ٌ ِ‬
‫الص ابِ ِر ي َن ﴾ [األنفال‪ .]66 :‬فأوجب مصابرة‬ ‫ف َي غْل بُوا أَ ْل َف يْ ِن بِإِ ْذ ن اهللۚ َو ُ‬
‫اهلل َم َع َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫األول‪ .‬وكذلك نسخ ال ِّعدة بالحول يف الوفاة بالعدة بأربعة أشهر‬
‫الض عف فقط‪ ،‬وهذا أخف من ّ‬
‫ّ‬
‫وعشر ا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أيض ا فكانت سنة فصارت أربعة أشهر‬
‫وعشرة‪ ،‬وهذا أخف ً‬

‫الح كم وعك ُْسه)‪ .‬أي يجوز نسخ التالوة دون الحكم‪ ،‬ويجوز‬
‫سخ التالوة ُدون ُ‬
‫قال ـــ رحمه اهلل ـــ‪( :‬ون ُ‬
‫وأيض ا نسخ التالوة والحكم جمي ًع ا وهذا لم يذكره المصنف‪.‬‬
‫نسخ الحكم دون التالوة‪ً ،‬‬

‫ِ‬
‫الحكم؟ الجواب‪ :‬آية الرجم‪ ،‬فكما ُر ِوي عن عُمر ـــ َرض َي ُ‬
‫اهلل َع نْه ـــ أنه‬ ‫ما مثال نسخ التالوة دون ُ‬
‫رسول اهللِ‬
‫ُ‬ ‫كتاب اهللِ‪ ،‬فقد َر َج َم‬
‫ِ‬ ‫قول قائِ ٌل‪ :‬ال ن ِ‬
‫َجدُ َحدَّ ْي ِن يف‬ ‫الر ْج ِم‪ ،‬أ ْن َي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال‪ :‬إ َّي اك ُْم أ ْن تَ ْهلكوا عن آية َّ‬
‫تاب اهللِ‪،‬‬
‫اب يف كِ ِ‬ ‫خطَّ ِ‬
‫مر ب ُن ال َ‬
‫َّاس‪ :‬زا َد ُع ُ‬ ‫بيدهِ لوال أ ْن َي َ‬
‫قول الن ُ‬
‫ص َّلى اهلل عليه وس َّل م‪ ،‬وا َّلذي ن ْف ِس ي ِ‬
‫ُ‬
‫َكاال‬ ‫وه َم ا أ ْل بَتَّةَ؛ فإنَّا قد َق َرأْ َ‬
‫ناه ا"‪ .‬ويف لفظ عند ابن جرير‪" :‬ن ً‬ ‫الش يْ ُخ َّ‬
‫والش يْخ ُة إذا زنيا ْ‬
‫فار ُج ُم ُ‬ ‫َألثبتُها‪َّ :‬‬
‫الس نن‪ ،‬لكن‬ ‫ِ‬
‫حكيم "‪ .‬كانت هذه يف سورة "األحزاب"‪ ،‬وسندُ الحديث حسن وهو يف ُ‬ ‫ٌ‬ ‫واهلل عزيزٌ‬
‫م َن اهلل ُ‬
‫وغيره‪ .‬فال حكم [هنا] باقي والتالوة منسوخة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الزيادة أخرجها ابن جرير الطربي يف التفسير‬

‫مثال عكسه وهو مثال نسخ الحكم دون التالوة‪ ،‬هي آية المناجاة وصدقة بين يديها‪ ،‬وآية االعتداد يف‬
‫ِ‬
‫الر ُس َ‬
‫ول‬ ‫الوفاة بالحول‪ ،‬فمازلنا نقرأ هذه اآليات‪ ،‬وهم‪َ :‬ق َال ُس بْ َح انَ ُه‪َ ﴿ :‬ي ا أَ ُّي َه ا ا َّلذ ي َن آ َم نُوا إِ َذ ا ن َ‬
‫َاج يْت ُُم َّ‬
‫َف َقدِّ ُم وا بَيْ َن َيدَ ْي ن َْج َو اك ُْم َصدَ َق ًةۚ ﴾ [المجادلة‪ .]12 :‬فهذه اآلية منسوخة ومازالت تُقرأ‪ ،‬وفائدة‬
‫وصحة الصالة هبا‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬وكذلك قوله‪َ :‬ق َال ُس بْ َح انَ ُه وتَ َع ا َل ٰى‪َ ﴿ :‬م تَا ًع ا إِ َلى‬
‫ّ‬ ‫بقائها الثواب‪،‬‬
‫ا ْل َح ْو ِل َغ يْ َر إِ ْخ َر اجۚ ﴾ [البقرة‪ .] 240 :‬فهذه منسوخة ومازلنا نقرأ اآلية‪ .‬ومثال نسخ الحكم والتالوة‬
‫جميع ا ما رواه مسلم عن عائشة قال‪ " :‬كا َن فِيما أُن ِْز َل مِن ال ُقر ِ‬
‫آن‪َ :‬ع ْش ُر َر َض َع ات َم ْع ُل و َم ات ُي َح ِّر ْم َن‪،‬‬ ‫َ ْ‬ ‫ً‬
‫وحكم ُم ثبت‪ ،‬فن ُِس خ‬ ‫خ ْمس َم ْع ُل و َم ات"‪ .‬فـ "عشر رضعات معلومات" كانت آية تُقرأ ُ‬ ‫ُث َّم ن ُِس ْ‬
‫خ َن‪ ،‬ب َ‬
‫وحكمها ن ُِس خ من عشر إلى خمس رضعات‪ ،‬هل‬ ‫ِ‬
‫الحكم والتالوة‪ ،‬فنُس خت تالوة هذه اآلية كُلها‪ُ ،‬‬
‫اآلية هذه مازالت يف القرآن؟ الجواب‪ :‬ال‪ ،‬اآلية كُلها منسوخة‪ ،‬تالوة وحك ًم ا بالنسبة إلى العشر‪،‬‬
‫الس نة‪.‬‬
‫وبالنسبة إلى الخمس رضعات تالوة دون الحكم‪ ،‬فالحكم موجود يف ُ‬
‫خاص بمعهد اإلمام البهويت للتفقه الحنبلي‪ ،‬وال ُي سمح بتداوله ونشره‬
‫ثم قال ـــ رحمه اهلل ـــ‪( :‬ويجوز نسخ ٍّ‬
‫كل من الكتاب ومتواتر السنة‪ ،‬وآحادها بمثله)‪ .‬أي يجوز نسخ‬
‫الكتاب بالكتاب‪ ،‬والحديث المتواتر بالحديث المتواتر‪ ،‬واآلحاد باآلحاد‪ ،‬وهذا باتفاق العلماء؛ ألنه‬
‫بعض ا‪ ،‬ومن باب أولى نسخ اآلحاد بالمتواتر‪ ،‬أي أن ينسخ المتواتر‬
‫بعضه ً‬
‫نسخ متماثل فجاز أن يرفع ُ‬
‫اآلحاد فهذا من باب أولى‪ .‬ما مثال نسخ الكتاب بالكتاب؟ هذا تقدّ م‪ ،‬مثله آيات العدّ ة‪ ،‬وآيات‬
‫اهلل َع َل يْ ِه َو َس َّل َم ‪ ،-‬ونحو ذلك‪ .‬ما‬
‫المصابرة‪ ،‬وآيات تقديم الصدقة بين يدي مناجاة الرسول ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫مثال نسخ الحديث المتواتر بالحديث المتواتر؟ هذا جائز لكن ال ُي ع َل م له ٌ‬
‫مثال‪ .‬واآلحاد باآلحاد نحو‬
‫وأيض ا النهي عن ادخار لحوم األضاحي‪ ،‬وغير‬ ‫ً‬ ‫وروها"‪.‬‬ ‫يارةِ ال ُق بُ ِ‬
‫ور أال َفزُ ُ‬ ‫قوله‪" :‬كُنت نَ َه يْتُ ُك ْم عن ِز َ‬
‫وأيض ا نسخ عدم نقض الوضوء بمس الذكر‪ ،‬فحديث ط ْلق بن علي ن ُِس خ بحديث بُسرة بنت‬ ‫ً‬ ‫ذلك‪.‬‬
‫صفوان عند من يقول بالنسخ‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فهذا آحاد بآحاد‪.‬‬

‫الس نة بالكتاب على األصح)‪ .‬أي يجوز أن ينسخ الكتاب السنة‪ ،‬فالكتاب ناسخ والسنة‬
‫قال‪( :‬ونسخ ُ‬
‫منسوخة‪ ،‬وهذا عند جمهور العلماء‪ ،‬ومثاله‪ :‬التوجه إلى بيت المقدس‪ ،‬فقد ثبت بالسنة الفعلية‪ ،‬فقد‬
‫ِ‬
‫اهلل َعلَ يْه َو َس َّل َم ‪ -‬أنه توجه إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر ً‬
‫شهر ا‪ ،‬ثم‬ ‫جاء عن النبي ‪َ -‬ص َّلى ُ‬
‫ج ِد ا ْل َح َر امِ﴾ [البقرة‪ .]169 :‬فهذا‬
‫أنزل اهلل تعالى قوله‪َ :‬ق َال َج َّل يف ُع اله‪َ ﴿ :‬ف َو ِّل َو ْج َه َك َشطْ َر ا ْل َم ْس ِ‬

‫للس نة بالكتاب‪ ،‬أي القرآن هو الناسخ‪.‬‬ ‫ٌ‬


‫نسخ ُ‬

‫بالس نة ون ُِس خ بقوله ـــ عز وجل‬ ‫وكذلك تحريم األكل والمباشرة بعد النوم يف ليالي رمضان‪ ،‬فقد ثبت ُ‬
‫اهلل َل ُك ْمۚ ﴾ [البقرة‪ .]187 :‬كان الصيام‬ ‫ـــ‪َ :‬ق َال اهلل تَ ع ا َلى‪َ ﴿ :‬ف ْاآل َن ب ِ‬
‫طويال‬
‫ً‬ ‫َب ُ‬ ‫وه َّن َوابْتَغُوا َم ا َك ت َ‬ ‫اش ُر ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ٰ‬
‫ِ‬
‫اهلل عليه‬ ‫اب ُم َح َّمد َص َّلى ُ‬ ‫أص َح ُ‬ ‫اهلل َع نْه ـــ قال‪ " :‬كا َن ْ‬ ‫يف أول اإلسالم‪ ،‬ففي حديث الرباء ـــ َرض َي ُ‬
‫وال َي و َم ُه حتَّى ُي ْم ِس َي‪،‬‬ ‫ار‪َ ،‬ف نَا َم َق بْ َل أ ْن ُي ْفطِ َر َل ْم َيأْ ك ُْل َل يْ َل تَ ُه َ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ُل َص ائ ًم ا‪َ ،‬ف َح َض َر اإل ْفطَ ُ‬‫وس َّل َم إ َذ ا كا َن َّ‬
‫أع نْدَ ِك طَ َع ا ٌم ؟‬
‫قال َل ه ا‪ِ :‬‬
‫ار أتَى ا ْم َرأَتَ ُه‪َ ،‬ف َ َ‬
‫ِ‬
‫ار َّي كا َن َص ائ ًم ا‪َ ،‬ف َل َّم ا َح َض َر اإل ْفطَ ُ‬ ‫وإ َّن َق يْ َس ب َن ِص ْر َمةَ األن َْص ِ‬
‫ِ‬
‫ت‪:‬‬ ‫ب َل َك‪ ،‬وكا َن َي و َم ُه َي ْع َم ُل‪َ ،‬ف َغ َل بَتْ ُه َع يْنَا ُه‪َ ،‬ف َج ا َءتْ ُه ا ْم َرأَتُ ُه‪َ ،‬ف َل َّم ا َرأَتْ ُه قا َل ْ‬ ‫ت‪ :‬ال و َلك ْن أنْطَلِ ُق فأطْ ُل ُ‬ ‫قا َل ْ‬
‫كامال ودخل اليوم‬ ‫ً‬ ‫أتم يو ًم ا‬ ‫ار " أي انتصف النهار من اليوم الثاين‪ ،‬اآلن ّ‬ ‫ف النَّ َه ُ‬‫َخ يْبَ ًة َل َك‪َ ،‬ف َل َّم ا انْتَ َص َ‬
‫هذه اآل َيةُ‪{ :‬أُ ِح َّل‬ ‫ت ِ‬‫اهلل عليه وس َّل َم َف نَزَ َل ْ‬
‫للنبي َص َّلى ُ‬ ‫ِّ‬ ‫الثاين وهو صائم‪ ،‬قال‪ُ " :‬غ ِش َي عليه‪َ ،‬ف ُذ كِ َر َ‬
‫ذلك‬
‫ت‪َ { :‬و ُك ُل وا‬ ‫ث إلى نِ َس ائِ ُك ْم } [البقرة‪َ ]187 :‬ف َف ِر ُح وا هبَا َف َر ًحا َش ِد يدً ا‪ ،‬ونَزَ َل ْ‬ ‫الر َف ُ‬
‫الص يَا ِم َّ‬‫َل ُك ْم َل يْ َل َة ِّ‬
‫خاص بمعهد اإلمام البهويت للتفقه الحنبلي‪ ،‬وال ُي سمح بتداوله ونشره‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ط األب ي ُض مِن ال َ ِ‬ ‫واش َربُوا حتَّى َي تَبَيَّ َن َل ُك ُم ال َ‬
‫الس نة‬
‫األس َود } [البقرة‪[ .".]187 :‬فهنا] نُسخت ُ‬
‫خ يْط ْ‬ ‫َ‬ ‫خ يْ ُ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫بالقرآن‪.‬‬

You might also like