Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 7

‫خاص بمعهد اإلمام البهوتي للتفقه الحنبلي‪ ،‬وال يسمح بتداوله ونشره‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫المادة‪ :‬شرح غاية السول إلى علم األصول‬
‫الدرس‪ 44 :‬تتمة اإلجماع‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على نب ِّينا محمد‪ ،‬وعلى آله‪ ،‬وصحبه‬
‫َك َال ِع ْل َم لَنَا إِ اال َما َع ال ْمتَنَا ۖ إِن َ‬
‫اك‬ ‫أجمعين‪ ،‬اللهم ع ِّلمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا بما ع َّلمتنا‪ ،‬وزدنا ً‬
‫علما‪ُ { ،‬سبْ َحان َ‬
‫ِ‬ ‫َأ َ ِ‬
‫يم الْ َحك ُ‬
‫يم} [البقرة‪ ،]32 :‬أ َّما بعد‪:‬‬ ‫نت الْ َعل ُ‬

‫استقر خالفهم ليس إجماعا)؛ يعني‬


‫ا‬ ‫قال‪( :‬واتفاق العصر الثاين على أحد قولي أهل العصر األول بعد أن‬
‫عندنا صورة مسألة‪ :‬اتفاق العصر الثاين على أحد قولي أهل العصر األول‪.‬‬

‫مثال‪-‬‬
‫يعني هنا عندنا عصران‪ ،‬وتصور هذا مهم للتفريق بين مسألتين‪ ،‬نحن عندنا عصران‪ :‬عصر ‪ً -‬‬
‫الصحابة‪ ،‬وعصر التابعين‪ ،‬فاختلف الصحابة على قولين‪ ،‬فجاء التابعون فاتفقوا على أحد قولي الصحابة‪،‬‬
‫تقرر وثبت‪ ،‬ثم جاء التابعون واتفقوا على أحد القولين‪ ،‬هل هذا‬
‫استقر خالف الصحابة‪ ،‬يعني‪َّ :‬‬
‫َّ‬ ‫بعد أن‬
‫سمى إجماع؟‬
‫ي َّ‬

‫اختلفوا‪ ،‬بعض أهل العلم قال‪ :‬هو إجماع؛ ألن األمة ال تجتمع على ضاللة‪ ،‬فهم داخلون يف عموم األدلة‬
‫الدالة على اإلجماع‪.‬‬

‫وقال بعض أهل العلم‪ :‬ال‪ ،‬ليس بإجماع؛ ألن القول الثاين الذي قال به الصحابة اآلخرون موجود‪ ،‬ولم‬
‫يمت بموهتم‪ ،‬فافرضوا أهنم كانوا يف عصر واحد‪ ،‬فغاية ما هنالك أن التابعين هؤالء الذين اتفقوا على القول‬
‫األول أضيفوا يف العدد إلى أصحاب القول األول‪ ،‬وبقي أصحاب القول الثاين على قولهم‪.‬‬

‫نفرتض أن المجتهدين الذين اختلفوا من الصحابة ستة‪ ،‬ذهب ثالثة إلى قول‪ ،‬وثالثة إلى قول‪ ،‬فاتفق‬
‫مثال خمسة‪ ،‬فغاية ما هنالك أن الخمسة‬
‫التابعون على القول األول من أقوال الصحابة‪ ،‬وكان التابعون ً‬
‫صاروا مع الثالثة ثمانية‪ ،‬وبقي أمامهم ثالثة يخالفوهنم‪ ،‬فال يكون إجما ًعا‪.‬‬
‫خاص بمعهد اإلمام البهوتي للتفقه الحنبلي‪ ،‬وال يسمح بتداوله ونشره‬

‫ومن قال إنه إجماع‪ ،‬قال‪ :‬اتفقت األمة يف هذا العصر ‪-‬هذا اتفاق مجتهدي العصر‪ -‬على قول من األقوال؛‬
‫إذن هم يدخلون يف العموم‪ ،‬والمصنف اختار القول بأنه ليس بإجماع‪.‬‬

‫(وقيل‪ :‬بلى)؛ وقد ذكرنا وجه ذلك أنه داخل يف عموم األدلة الدالة على أن األمة ال تجتمع على ضاللة‪،‬‬
‫هذه المسألة يف ماذا؟ يف عصرين‪ ،‬اتفاق أهل العصر الثاين على أحد قولي العصر األول‪ ،‬طيب عندنا مسألة‬
‫أخرى‪ ،‬ما هي؟‬

‫قال‪( :‬واتفاق مجتهدي عصر بعد الخالف واالستقرار)؛ يعني هنا مسألة أخرى؛ اتفاق بعد الخالف من‬
‫أهل عصر واحد‪ ،‬مثل ماذا؟ مثل اتفاق الصحابة على قتال مانع الزكاة‪ ،‬قتال المرتدِّ ين بعد الخالف؛ ألن‬
‫لما حارب المرتدِّ ين خالف بعض الصحابة‪.‬‬
‫أبا بكر َّ‬

‫عمر قال‪ :‬كيف تقاتل من قال‪ :‬ال إله إ َّال اهلل‪ ،‬هم منعوا الزكاة‪ ،‬طب ًعا ليس كل من منع الزكاة فهو كافر‪ ،‬يفرق‬
‫خال‪ ،‬فقاتلهم أبو بكر ‪-‬رضي اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬فقالوا‪ :‬كيف تقاتل؟‬
‫بين منعها جحدً ا‪ ،‬وب ً‬

‫النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يقول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا‪ :‬ال إله إ َّال‬
‫اهلل فإذا قالوها عصموا مني دمائهم‪ ،‬وأموالهم"‪ ،‬وأنت تقاتلهم‪ ،‬كيف تخالف هذا؟ قال أبو بكر‪" :‬واهلل‬
‫ألقاتل َّن من َّفرق بين الصالة والزكاة"‪ ،‬قال عمر‪ :‬فواهلل ما هو إ َّال أن رأيت اهلل قد شرح صدر أبي بكر للقتال‪،‬‬
‫حتى عرفت أنه الحق‪ ،‬انشرحت صدور الصحابة لما ذهب إليه أبو بكر ‪-‬رضي اهلل عنه وأرضاه‪ -‬فاتفقوا‪.‬‬

‫وكذلك االتفاق على جمع المصحف وغيرها‪ ،‬وكذلك اتفاقهم على بيعة أبي بكر‪ ،‬اتفاق بعد خالف‪ ،‬هل‬
‫هذا يعد إجما ًعا؟ يقول المصنف‪( :‬واتفاق مجتهدي عصر)؛ يعني‪ :‬واحد‪( ،‬بعد الخالف واالستقرار؛ فمن‬
‫شرط انقراض العصر ‪-‬عدا ُه إجماعا)؛ يعني هنا حتى الجمهور يف هذه المسألة بعضهم شرط انقراض‬
‫العصر‪ ،‬قال ما دام أنه اتفاق بعده خالف‪ ،‬البد من انقراض العصر‪ ،‬حتى لو هو نفسه ما كان يشرتط انقراض‬
‫العصر يف أصل مسألة اإلجماع‪ ،‬لكن يف هذه المسألة بعضهم اشرتط انقراض العصر‪ ،‬قال‪" :‬ما دام أنه‬
‫اتفاق بعد خالف فالبد من انقراض العصر‪ ،‬حتى نتأكد أنه لم يبق أحد مخالف"‪.‬‬
‫خاص بمعهد اإلمام البهوتي للتفقه الحنبلي‪ ،‬وال يسمح بتداوله ونشره‬

‫قال‪( :‬فمن شرط انقراض العصر –عدا ه إجماعا‪ ،‬ومن لم يشتر ُطه‪ ،‬فقيل‪ :‬حجة‪ ،‬وقيل‪ :‬ممتنِع)؛ ما معنى‬
‫هذا الكالم؟ يعني‪ :‬ومن لم يشرتط انقراض العصر من باب أولى أن يكون إجما ًعا‪( ،‬فقيل‪ :‬حجة)؛ الظاهر‬
‫أن المراد يعني‪ :‬حجة‪ ،‬وإجماع‪ ،‬وقيل‪( :‬ممتنِع)؛ يعني يمتنع عده إجما ًعا؛ فالحاصل أننا إذا قلنا باشرتاط‬
‫انقراض العصر‪ ،‬فهو‪ :‬إجماع قط ًعا عند الجميع؛ ألنه شرط شديد‪ ،‬فإذا تح َّقق انقراض العصر‪ ،‬ظهر لنا أنه‬
‫لم يبق مخالف‪.‬‬

‫ومن لم يشرتط انقراض العصر‪( ،‬قيل‪ :‬حجة)؛ يعني قيل أنه يمكن أن يكون إجما ًعا‪( ،‬وقيل‪ :‬ممتنِع)؛ يعني‬
‫يمتنع أن يكون إجما ًعا‪ ،‬وال يصح أن يكون إجما ًعا‪ ،‬لماذا؟ ألنه ما دام أنه بعد خالف‪ ،‬فالخالف ال يموت‪،‬‬
‫هكذا عند بعضهم‪ ،‬على أية حال‪ ،‬هذا هو الذي يظهر لي يف فهم عبارة المصنف‪.‬‬

‫قال‪( :‬واختلفوا يف جواز عدم علم األمة بخبر أو دليل راجح إذا ُع ِمل على وفقه)؛ هل يجوز أن األمة يخفى‬
‫عليها دليل اإلجماع العملي‪ ،‬الحظ اإلجماع العملي‪ ،‬فقد تكون األمة تتابعت على عمل ما‪ ،‬أجمعت‬
‫مثال‪ ،‬وليس عندها مستند إ َّال هذا اإلجماع‬
‫إجما ًعا عمليا من لدن الصحابة‪ ،‬أو من لدن التابعين إلى زماننا ‪ً -‬‬
‫العملي‪ ،‬ولم تعرف مستند هذا اإلجماع‪ ،‬لكن هي تعمل على وفقه‪ ،‬طيب كيف عرفنا أهنا تعمل على وفقه؟‬
‫تصور أن األمة تعمل بدليل أزمنة متطاولة ويخفى هذا الدليل عليها؟‬
‫هذه مسألة فرضية‪ ،‬هل ي َّ‬

‫قال‪ :‬اختلفوا‪ ،‬المذهب عندنا يمكن‪ ،‬يجوز‪ ،‬يعني مذهب الحنابلة‪ :‬يجوز‪ ،‬فيكفي إجماعهم العملي‪،‬‬
‫ولذلك كثير من الفقهاء يقول‪ :‬وعليه العمل‪ ،‬وبعض أئمة السنة يقول‪ :‬وهذا ما جرى عليه العمل عند‬
‫السلف‪ ،‬أو عند كذا‪ ،‬جريان العمل يف حد ذاته على تتابع القرون فيه قوة‪ ،‬وحجة‪ ،‬فيجوز أن األمة يخفى‬
‫عليها الدليل‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬أنه ال يصح‪ ،‬فال تعمل األمة إ َّال بشيء قد بان لها دليله‪ ،‬والمقصود األمة‪ ،‬وليس المقصود‬
‫أن قد بان الدليل لبعض األمة ثم نسي‪ ،‬ال‪ ،‬المقصود أن الدليل ظاهر على كل األعصار‪.‬‬

‫ما يف إشكال أن الدليل قد ظهر لبعض األمة يف زمن من األزمان‪ ،‬هذا ما فيه إشكال‪ ،‬خاصة يف األزمان‬
‫المتقدِّ مة‪ ،‬الصحابة‪ ،‬التابعين‪ ،‬تابعيهم؛ ولذلك ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬أن يف صدور‬
‫خاص بمعهد اإلمام البهوتي للتفقه الحنبلي‪ ،‬وال يسمح بتداوله ونشره‬

‫األئمة من الحديث أكثر مما نقل إلينا‪ ،‬فقد يكون عند أئمة السلف ا ِّطالع على أدلة هذه اإلجماعات‬
‫العملية‪ ،‬ثم أهنا خفيت علينا‪ ،‬هذا على المذهب أنه يجوز‪ ،‬خفيت علينا وبقي هذا حجة‪ ،‬بقي هذا العمل‬
‫يف حد ذاته حجة‪ ،‬وعدم المخالفة‪.‬‬

‫ما يقول قائل‪ :‬كيف تقولون هذا؟ وهذا معناه أنكم تعملون بغير دليل‪ ،‬ال‪ ،‬نحن نقول المسألة تقول هكذا‪:‬‬
‫(واختلفوا يف جواز عدم علم األمة بخبر أو دليل راجح إذا ُع ِمل على وفقه)؛ ‪ ،‬فنحن نفرتض أن األمة عملت‬
‫على وفق خرب‪ ،‬أو دليل راجح‪ ،‬ثم لم تعلم هبذا الخرب‪.‬‬

‫فنحن نقول من حيث الجواز الشرعي‪ ،‬والعقلي‪ :‬جائز‪ ،‬أن يقع ذلك‪.‬‬

‫وقال بعضهم‪ :‬ال يجوز ذلك‪ ،‬يعني ال يجوز جوازً ا عقليا‪ ،‬وال شرعيا‪ ،‬ال يصح أن يقع ذلك‪ ،‬ما أثر هذه‬
‫المسألة؟ يطالب من يقول ال‪ ،‬ويقول‪ :‬ما هو دليل هذا العمل؟‪ ،‬ومن ال يقول هبذا القول‪ ،‬يقول‪ :‬العمل‬
‫على تتابع العصور يف حد ذاته كاف‪ ،‬وهذا عليه طريقة كثير من السلف‪.‬‬

‫تصور‬
‫قال‪( :‬وارتداد األمة جائز عقال ال سمعا يف األصح)؛ يقول‪( :‬وارتداد األمة)؛ يعني كل األمة‪ ،‬هل ي َّ‬
‫عقال‪ ،‬أن األمة كلها ترتد‪ ،‬نسأل اهلل العافية‪.‬‬
‫تصور‪ ،‬ما يف شي يمنع ذلك ً‬
‫عقال م َّ‬
‫عقال أن ترتد األمة كلهم‪ً ،‬‬
‫ً‬

‫لكن شر ًعا ال يصح‪( ،‬ال سمعا)‪ ،‬ليش؟ ألن األمة ال تجتمع على ضاللة‪ ،‬األمة معصومة‪ ،‬األمة مرحومة‪،‬‬
‫ومعصومة‪ ،‬األدلة الخربية‪ ،‬النقلية‪ ،‬السمعية‪ ،‬تدل على أن هذه األمة معصومة من الخطأ‪ ،‬يعني مجموعها‬
‫معصوم‪ ،‬الخطأ ليس المقصود أن أفرادها معصومين‪ ،‬أل‪ ،‬ليس هذا المقصود‪ ،‬المقصود‪ :‬مجموعها‬
‫معصوم من الخطأ؛ فال تجتمع هذه األمة على ضاللة‪ ،‬وارتداد جميعها هذا اجتماع على الضاللة‪ ،‬وهذا‬
‫تصور‪ ،‬لكن سم ًعا ال يجوز‪.‬‬
‫عقال م َّ‬
‫مخالف للخرب‪ ،‬النقلي‪ ،‬السمعي؛ إذن ً‬

‫نحتج باإلجماع‪،‬‬
‫َّ‬ ‫صحة اإلجماع عليه)؛ يعني‪ :‬هل يصح أن‬
‫قال‪( :‬ويصح التمسك باإلجماع فيما ال يتوقف ا‬
‫صحة اإلجماع عليه؟‬
‫ونتمسك به يف شيء‪ ،‬تتوقف َّ‬
‫خاص بمعهد اإلمام البهوتي للتفقه الحنبلي‪ ،‬وال يسمح بتداوله ونشره‬

‫صحة اإلجماع عليه‪ ،‬هل يصح‬


‫صحة اإلجماع عليه‪ ،‬وما ال تتوقف َّ‬
‫نحن عندنا مسألتان‪ :‬مسألة ما تتوقف َّ‬
‫صحة اإلجماع عليه؟ ال يصح‪ ،‬لماذا؟ ألنه دور‪ ،‬كيف أستند إلى اإلجماع‬
‫أن نتمسك باإلجماع فيما تتوقف َّ‬
‫صحة اإلجماع عليه؟ هذا هو الدور‪.‬‬
‫يف االستدالل على شيء تتوقف َّ‬

‫والدور هو‪ :‬توقف الشيء على ما يتوقف عليه؛ ما مثاله؟ هل يصح أن أستدل على وجود اهلل ‪-‬سبحانه‬
‫نبوة‪ ،‬ورسالة محمد ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬باإلجماع؟ نقول‪ :‬باإلجماع فاهلل ‪-‬عز‬
‫وصحة َّ‬
‫َّ‬ ‫وتعالى‪،‬‬
‫صحة اإلجماع متوقفة على وجوده ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،‬كيف؟ اإلجماع متوقف على‬
‫وجل‪ -‬موجود‪َّ ،‬‬
‫الوحي‪ ،‬والوحي فرع عن وجوده ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،‬فال يصح أن أستدل باإلجماع‪ ،‬أو أن أتمسك به يف‬
‫صحته عليه‪.‬‬
‫شيء اإلجماع نفسه يتوقف عليه‪ ،‬ويتوقف َّ‬

‫ال يصح أن أقول‪ :‬النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مرسل من اهلل باإلجماع‪ ،‬ال يصح هذا‪ ،‬لماذا؟ ألن اإلجماع‬
‫فرع عن ثبوت الرسالة‪ ،‬فالرسالة هي ثابتة بأدلة أخرى بالمعجزات‪ ،‬يعني هذه الرسالة لما ثبتت األدلة‬
‫صحة اإلجماع عليه‪.‬‬
‫النقلية التي استند إليها اإلجماع؛ إذن ال يصح التمسك باإلجماع فيما تتوقف َّ‬

‫مثال‪ ،‬فإن هذا يصح‬


‫صحة اإلجماع عليه‪ ،‬كالعبادات ً‬
‫صحة اإلجماع؛ ال يتوقف َّ‬
‫أ َّما ما ال تتوقف عليه َّ‬
‫أيضا بعض األمور االعتقادية يمكن أن يتمسك فيها‬
‫التمسك به‪ ،‬هذه األمور الدينية يف اإلجماعات‪ ،‬و ً‬
‫باإلجماع‪.‬‬

‫مثال‪-‬‬
‫مثل رؤية اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬يف اآلخرة‪ ،‬نقول‪ :‬دلت األدلة السمعية على ذلك‪ ،‬وأجمعت األمة ‪ً -‬‬
‫أن اهلل عز وجل يرى يف اآلخرة‪ ،‬خال ًفا لمن أنكره‪ ،‬فمنكره قوله شاذ‪ ،‬وم َّطرح‪.‬‬

‫هل اإلجماع يتوقف على حكم رؤية اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬يف اآلخرة؟ ال‪ ،‬لكن هل اإلجماع يتوقف على ألوهيته‬
‫سبحانه؟ نعم‪ ،‬هل اإلجماع يتوقف على وجوده –سبحانه؟ نعم‪ ،‬اإلجماع فرع عن ذلك كله‪ ،‬لكن اإلجماع‬
‫ليس فر ًعا عن مسألة‪ :‬هل يرى اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬يف اآلخرة أو ال؟ هذا يصح أن نتمسك فيه باإلجماع‪،‬‬
‫ونقول‪ :‬أجمعت األمة على أن اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬يرى‪ ،‬وأجمع أهل السنة على أن اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬يرى يف‬
‫اآلخرة‪ ،‬نسأل اهلل من فضله‪ ،‬وهكذا‪ ،‬ووجوب العبادات‪ ،‬وتحريم المحرمات إلى آخره‪ ،‬هذه أمور دينية‪.‬‬
‫خاص بمعهد اإلمام البهوتي للتفقه الحنبلي‪ ،‬وال يسمح بتداوله ونشره‬

‫والدنيوية‪:‬‬

‫قال‪( :‬ويف الدنيوية كاآلراء يف الحرب خالف)؛ يعني هل يصح أن نتمسك باإلجماع يف األمور الدنيوية‪،‬‬
‫مثال‪ ،‬فيكون من جهة‬
‫فنقول‪ :‬أجمعت األمة على أن األمر الفالين الطبي‪ ،‬الحربي‪ ،‬االقتصادي‪ ،‬كذا‪ ،‬وكذا‪ً ،‬‬
‫االعتبار شرعي‪ ،‬ومن جهة اإليقاع أمر دنيوي؟‬

‫وتقدَّ م لنا يف تعريف اإلجماع‪ ،‬قال‪ :‬يف أمر ديني‪ ،‬بعض العلماء قال‪ :‬ال فرق ديني‪ ،‬أو الدنيوي‪ ،‬ولذلك‬
‫يمكن أن يجتهد اإلجماع يف مثل هذه األمور‪،‬‬

‫أمتنا بعد وفاة أحمد‬ ‫وهو اتفاق جاء من مجتهدي‬

‫ذلك حد فائق إتقانا‬ ‫يف اأيما عصر وأمر كانا‬

‫على أية حال‪ ،‬عندنا جماعة من الحنابلة قالوا هبذا القول‪ :‬أنه حتى يف األمور الدنيوية‪ ،‬وبعض األصحاب‬
‫ذهبوا إلى أنه ال يقال إ َّال يف األمور الدينية‪.‬‬

‫قال‪( :‬ويثبت اإلجماع بنقل الواحد على األصح)؛ هل يمكن أن يكون خرب واحد‪ ،‬مستند اإلجماع هل‬
‫يمكن أن يكون خرب واحد؟ نعم‪ ،‬ال بأس؛ ألن ما هو أعلى منه رتبة‪ ،‬ومنزلة يمكن أن ينقل بخرب الواحد‪،‬‬
‫أحاديث النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬تنقل بخرب الواحد‪ ،‬ونحن نقول‪ :‬أهنا معتربة‪ ،‬ويلزم العمل‪،‬‬
‫فاإلجماع يمكن أن ينقل بخرب الواحد‪.‬‬

‫السنة التي هي أصل اإلجماع خرب الواحد فيها مقبول بالشروط التي ذكرها العلماء‪ ،‬إذا كان الراوي ً‬
‫عدال‪،‬‬
‫وليس فيه شذوذ‪ ،‬وال ع َّلة‪ ،‬إلى آخره‪ ،‬فخرب الواحد وإن أفاد الظن إ َّال أنه يوجب العمل‪ ،‬فإذا كانت أحاديث‬
‫النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬تصح أن تنقل باآلحاد‪ ،‬فاإلجماع كذلك‪.‬‬

‫وال يقال كيف يكون إجماع‪ ،‬وينقل بخرب الواحد‪ ،‬وهذا تعارض‪.‬‬
‫خاص بمعهد اإلمام البهوتي للتفقه الحنبلي‪ ،‬وال يسمح بتداوله ونشره‬

‫محالن مختلفان‪ ،‬فالنقل غير اإلتفاق‪ ،‬النقل آحاد‪ ،‬فقد يكون النقل ظنيا‪ ،‬واالتفاق قطعيا‪،‬‬
‫ال تناقض ألهنما َّ‬
‫فمن جهة االتفاق هو قطعي‪ ،‬لكن من جهة النقل ظنِّي‪ ،‬فنقول‪ :‬إذا ثبت هذا االتفاق فهو قطعي‪ ،‬أ َّما النقل‬
‫فهو ظني‪ ،‬وهكذا‪ ،‬كما يقال قطعي الثبوت‪ ،‬وقطعي الداللة‪ ،‬ظني الثبوت‪ ،‬وظني الداللة‪ ،‬ظني الثبوت‪،‬‬
‫قطعي الداللة‪ ،‬وهكذا؛ ألنه قال على األصح‪.‬‬

‫والقول الثاين قالوا‪ :‬ال‪ ،‬خرب ظني‪ ،‬والخرب الظني يجعل اإلجماع ظنيا‪ ،‬واألصل يف اإلجماع أنه قطعي‪ ،‬إلى‬
‫آخره؛ ونقول‪ :‬هذا ليس بمس َّلم‪ ،‬فكما أن الحديث يجوز نقله بخرب الواحد؛ فاإلجماع كذلك يجوز أن نقله‬
‫بخرب الواحد‪ ،‬وال شك أنه أدنى مرتبة من اإلجماع الذي تواتر على نقله أئمة النقل‪.‬‬

‫قال‪( :‬ومنكر اإلجماع الظني ال يكفر)؛ ألنه ظني‪ ،‬والظني تدخله الظنون‪ ،‬واالجتهادات‪ ،‬والشبهة‪،‬‬
‫والشك‪ ،‬وإذا حصل هذا الظن‪ ،‬والشك‪ ،‬والرتدد‪ ،‬فال يكفر مخالفه‪ ،‬ومنكره‪.‬‬

‫(ويف القطعي خالف)؛ ويف بعض النسخ‪" :‬ويف اللفظي خالف"‪ ،‬إذا قلنا‪( :‬ويف القطعي خالف)؛ فهذا‬
‫متناسق مع المسألة التي قبلها؛ ألهنم قالوا‪ :‬يمكن اإلجماع الظني إذن يقابله القطعي‪ ،‬وهذا الذي عليه‬
‫شرح المصنف‪ ،‬قالوا‪( :‬ويف القطعي خالف)؛ قال بعض أهل العلم‪ :‬يكفر؛ ألنه قطعي‪ ،‬وال سيما إذا كان‬
‫معلوما من الدين بالضرورة‪.‬‬

‫وقال بعضهم‪ :‬ال يكفر‪ ،‬ألنه اتفاق مجتهدين‪ ،‬لكنه يفسق‪ ،‬وقال بعض أهل العلم‪ ،‬ال تجعلوا المسألة هبذه‬
‫الصورة‪ ،‬بل يفرق بين اإلجماعات الخفيَّة‪ ،‬والظاهرة‪ ،‬كيف؟ اإلجماعات الظاهرة‪ :‬األمور المعلومة من‬
‫الدين بالضرورة‪ :‬وجوب الصلوات‪ ،‬عدد الركعات‪ ،‬وجوب صيام رمضان‪ ،‬إلى آخره؛ هذا منكره كافر‪.‬‬

‫وأ َّما اإلجماع يف المسائل الخفيَّة التي ال يعرفها إ َّال أهل العلم فإن هذا ال يكفر مخالفه؛ لكن يفسق؛ وهبذا‬
‫رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل‪ ،‬وسلم على نب ِّينا محمد‪ ،‬وعلى آله‪،‬‬
‫نكون انتهينا من مسائل اإلجماع‪ ،‬والحمد هلل ِّ‬
‫وصحبه أجمعين‪.‬‬

You might also like