Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 33

‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫كتاب الشخصية الليبية ‪ :‬ثالوث القبيلة والغنيمة والغلبة‬


‫المنصف وناس ‪ ،‬الـدار المتوسطيــة للنشــر ‪ :‬تونس ‪ 112 ،‬صفحة‬
‫قراءة‬
‫نقدية في المنهج والنظرية‬
‫د‪.‬ضـو خليفة الترهوني‬
‫أستاذ علم االجتماع المشارك‪ ،‬كلية اآلداب‬
‫جامعة طرابلس‪ ،‬ليبيا‬

‫المقدمــــــــة‬
‫تشكـ ـ ـ ـ ــل د ارسـ ـ ـ ــة الشخصية في الواقع العربي تحدياً سوسيولوجيا كبي اًر أمام الباحـ ـ ـ ـ ــثين‬
‫العرب وبصورة خاصة الباحثين في علم االجتماع‪.‬‬
‫ومهما يكـ ــن من أم ـ ـ ــر‪ ،‬فإن دراسات علمية كثيرة اهتمت باستكشاف حقيقـ ــة وطبيعـ ــة ومعــال ـ ــم‬
‫الشخصية العربية في أكثر من مكان في المجتمع العربي غير أن ه ــذه الدراسات العربية في المجمل‬
‫كانت والزالت تنطلق على المستويين النظري والمنهجي من التراث النظري الغربي حول الشخصية ‪،‬‬
‫فضالً عن أن هذه الد ارسـ ــات حرصت تماماً على محاكاة المناهـج واألساليب المنهجية الغربيـ ــة التي‬
‫ارتبطت في األساس بد ارـس ـ ــة وبحث ديناميات الشخصية الغربية دون غيرها وفي واقع غربي يختلف‬
‫تماماً عن الواقع العربي تاريخاً وحضارة وثقافة ‪ .‬ومن ثم ‪ ،‬وفي ضوء هذه المحاكاة والتقليد للمناهج‬
‫واألساليب النظرية والمنهجيـ ــة الغربية من قبل الدراسات العربي ـ ـ ــة جاءت نتائ ـ ــج وأحكام واستنتاجات‬
‫الدراسات العربية حول الشخصية العربية بعي ـ ــدة عن الواقع ‪ ،‬ومشوهـ ــة المنطلقات ‪ ،‬وفقيرة للدالالت‬
‫والمعاني االنثروبولوجية والسوسيولوجية السليمـ ــة والموضوعية ‪ .‬عـ ـ ـ ــالوة عن أنها تشكل صورة من‬
‫األعمال اإلنطباعية والذاتية والتاملية‪.‬‬
‫ومن بين األعمال البحثية التي تنتمي لمثل هذه الدراسات العربية حول الشخصية القاعدية‬
‫أو القوميـ ـ ــة عمل الباحث التونسي المنصف وناس حول الشخصية الليبي ـ ـ ــة ‪ :‬ثالوث القبيلة والغنيمة‬
‫والغلبة انطالقا من تحديد تصوري للشخصية القاعدية الليبيـ ـ ــة وفي شكل مجموعة تراكم ـ ــات عديدة ‪،‬‬
‫ومختلفـ ـ ــة على المستويات التاريخي ــة واالجتماعية والسياسية ‪ ،‬وفي ظل مؤثرات عديدة ساهمت في‬
‫نحت وهندسة الشخصية القاعدية الليبية تمثلت في األساس في ‪ :‬الهجرات ‪ ،‬واالستعمار ‪ ،‬والغزوات‬

‫‪135‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫التاريخية ( الرومان ‪ ،‬والوندال‪ ،‬والبيزنطيين ‪ ،‬واألسبان واألتراك ‪ . )...‬لقد أرتكز عمل الشخصية‬
‫الليبية هذا في تكوين تصوراته واستنتاجاته في ضوء مفهوم البداوة كبنية ذهنية وثقافة متحكمة في‬
‫أنماط السلوك في الواقع الليبي‪.‬‬

‫وقـ ـ ـ ــد تشكلت خصائص وصفات هـ ـ ــذه الشخصية القاع ـ ــدية التي تعك ـ ــس المخزون النفس ـ ـ ــي‬
‫والذهني الجماعي في ظل بدونة مفروضة فرضاً بفعل السلطة السائدة أو النظام السياسـي الحاكم‬
‫وهي سلطة عملت على تغليب البدو على الحضر ‪ ،‬وترسيـ ــخ مفاهيـ ــم وأحوال البدونة السياسية ‪،‬‬
‫وتكريس روح الغلبـ ـ ــة لدى الناس ‪ ،‬وتأكيـ ـ ــد الحرص على الهيمنـ ــة وهزيمة اآلخر‪ .‬غير أن هذا العمل‬
‫البحثي متمثالً في موضوع الشخصية الليبيـ ـ ــة قــد توصل إلى استنتاجات وأحكام نهائية وقطعية‬
‫كشفت عن قائمة من الخصائص والصفات التي وسمت بها الشخصي ــة القاعدية الليبية ومن بينها ‪:‬‬
‫السيطرة واالستفـ ـ ـ ـراد ورفض االختالف ومحـ ــاورة األخر ‪ .‬وحب التسلط على اآلخرين‪ ،‬وعدم الميل‬
‫إلى ال جهد ‪ ،‬وتدنى مست ـ ـ ـ ـ ـ ــوى الحماس لإلنتاج ‪ ،‬والعمل واالفتقار لتوظ ـ ـ ــيف وتثم ـ ــير التجارب‬
‫والخـ ـ ــبرات‪ ،‬فض ـ ـ ـالً عن عـ ـ ـ ــدم تحمل التزامات القوان ـ ــين وضوابط الحياة العصرية‪ ،‬وتغليب روح‬
‫الغلبة والنهب ‪،‬وترسيخ أحوال الهيمنة وهزيمة األخر ‪ .‬والتشيع للقبيلة والعصيبة القبلية‪ ،‬ومعارضة‬
‫ومقاطعة التحديث والعصرنة‪.‬‬

‫وبين هذا وذاك ‪ ،‬تظل الحاجة ماسة إلى قراءة ومراجعة عمل كهذا يدور حول موضوع معقد وصعب‬
‫يدعى الشخصية القاعدية ‪،‬طالما أن العمل نفسه موضوع المراجعة ‪ ،‬وصلب اهتمام هذه الورقة‬
‫البحثية قد است ــند أساس ـ ـ ـاً على منطلقات نظرية قاص ـ ـ ـرة وخاطئة من جهة ‪ ،‬وعلى أساليب واجراءات‬
‫منهجية مشوهـة من جهة أخرى ‪.‬‬

‫لذلك واستناداً لكل ما سبق عرضه ‪ ،‬فإن هـ ـ ــذه الورقـ ـ ــة البحثيـ ــة سوفت تناقـ ـ ـ ـ ـ ــش وتجيب عن‬
‫التساؤالت الرئيسية التالية ‪:-‬‬
‫‪ -1‬كيف تعامل عمل الشخصية الليبية مع مفهوم الشخصية القاعدية كمنطلق رئيسي ؟‪.‬‬
‫‪ -2‬ما المنطلقات النظرية التي وظفت في قراءة وفهم الشخصية القاعدية الليبية ؟‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫‪ -3‬كيف يفهم عمل الشخصية الليبية مفهوم الشخصية القاعدية في ضوء المنظور التاريخي‬
‫والتغير االجتماعي ؟‪.‬‬
‫‪-4‬ما األساليب المنهجية التي استخدمت في فهم الشخصية القاعدية الليبية ؟‪.‬‬
‫‪-5‬ما خصائص الشخصية الليبية الكبرى التي وردت في عمل الشخصية الليبية ؟‪.‬‬
‫‪-6‬كيف ينظر عمل الشخصية الليبية للعالقة بين القبيلة والتحديث المادي في ليبيا ؟‪.‬‬
‫**القراءة النظرية‪:‬‬
‫* أوالً ‪ :‬سؤال المنطلق ‪ :‬مفهوم الشخصية القاعدية ‪ :‬يعترف المؤلف منذ الوهلة األولى في التقديم‬

‫العام بأن الشخصية القاعدية هي مبحث أو اهتمام بحثي ينطوي على حيرة عملية (ص‪ ، )5‬فضالً‬
‫عن أنه موضوع تباين واخت ـ ـ ــالف على مستوى الدالالت وعلى مستوى االستعمال ‪ ،‬ومن المؤكد أنه‬
‫ثمة اختالفات بين الباحث ـ ــين حول تعريفـ ــه ‪ ،‬ومن المؤكد أيضاً وفقاً للمؤلف أنه يوجد من يشكك في‬
‫جدواه العلمية والعملية (ص ‪)5 .‬‬

‫ويعترف المؤلف في موضع أخر بغموض وصعوبة وتعقيد المفهوم حينما يقول " ليس مبحثاً سهالً‬
‫في القراءة والفهم ‪ ،‬وانما هو على النقيض من ذلك مرهق وصعب المراس علمياً " (ص‪ )13‬وأن‬
‫الصعوبة فيه تكمن أساساً في كيفية تطبيقه ميدانياً واجرائيا ‪ .‬ويطرح المؤلف من جانب أخر‪ ،‬مشكلة‬
‫توظيف المفهوم كمفهوم غربي في بيئة مغايرة وهي البيئة العربية ‪ ،‬عـ ــالوة على آن اإلنتـ ــاج العلمي‬
‫حوله هـ ــو باألساس – انجل ـ ــوسكسوني وال تكاد توجد أدبيات فرنسية حوله ! ‪ ...‬األمر الذى يط ـ ـ ــرح‬
‫مشكلة توطين المفهوم في بيئة غير غربية ‪ ،‬وخاصة إذا ما تعلق األمر بالمجتمع الليبي الذي يتمتع‬
‫بثقل تاريخي وقبلي معين يتسم بالفرادة والخصوصية (ص‪ . )13‬وعلى الرغم من كل ذلك ‪ ،‬فالكتاب‬
‫يهدف أساساً إلى تشجيع الحوار واثارة الحيرة الفكرية بقصد مزيداً من الفهم (ص‪ . )14‬وفي تقديري‪،‬‬
‫أن المؤلف وفقاً لما تم عرض ـ ـ ــه قد انح ــاز متعمـ ـ ــداً لتوظيف مفهوم معقـ ـ ــد وموضع جدل واخت ـ ـ ــالف‬
‫بين الباحثـ ـ ـ ـ ـ ــين ‪ ،‬ناهي ـ ـ ــك عن حالة التشكيـ ـ ـ ـك في جدواه العلمية والعملية إلى المستوى الذي ال يتيح‬

‫( قليالً أو كثي اًر ) إمكاني ـ ــة توظيفه على المستوى النظري والمنهجي في بيئة اجتماعية مغاي ـ ـ ـرة تماماً‬
‫للبيئة التي ظهر فيها المفهوم ‪.‬ويشكل هذا الوضع في المحصلة النهائيـ ــة معالم – انطالقة مفهومية‬
‫غامضـ ـ ــة – ما كان للمؤلف أن ينطلق منها نظرياً ومنهجي ـ ـ ـاً ‪ ،‬األم ـ ـ ــر الذي يشكل – بداية متعث ـ ـ ـ ـرة‬

‫‪137‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫وقاصرة – في فهم ديناميات المجتمع الليبـ ــي بشكل عام ‪ ،‬والشخصية القاعدية فيه بشكل خاص على‬
‫الرغم من تصريح المؤلف بأهمية المفهوم باعتباره مدخالً من المداخل العلمية الممكنة لفهم الواقع‬
‫الليبي بما في ذلك الخصائص البارزة والمميزة للشخصية القاعدية (ص‪)14 .‬‬

‫مهما يك ـ ــن األم ـ ــر ‪ ،‬فإنه من المهم ‪ ،‬بل من الضـ ــرورة – منهجيـ ـ ـ ـاً ونظري ـ ـاً – ولكل عمل‬
‫بحثي ‪ ،‬اإلنطالق من تحديدات وصياغات واضحة ودقيق ـ ـ ــة تستغ ـ ــرق معاني ودالالت المفهوم أو‬
‫المفاهي ـ ـ ــم الرئيسية التي تعبر عن موضوع البحث أو الدراسة ‪ ،‬وباعتبار أن المفاهيم تمثل الدعامات‬
‫الرئيسية لكل بحث أو دراسة ‪ ،‬وما إذا كان المؤلف تبعاً لذلك يقصد بمفهومه الرئيسي الشخصية‬
‫القاعدية‪ ،‬أو الشخصيـ ـ ــة القومي ـ ـة‪ ،‬أم البنـ ـ ــاء األساسي للشخصي ـ ــة ‪ ،‬أم الطابـ ــع االجتماعي‬
‫للشخصي ـ ــة ‪ ،‬أو الشخصية المنوالية ‪ ....‬الخ ‪ .‬والغاية من هذه التحديــدات والصياغات الدقيقة‬
‫للمفهوم هو تح ــديـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد وتقييم البيانات ‪ ،‬أو المعطيات التي يعتمـ ــد عليها المؤل ــف ‪ ،‬فضالً عن‬
‫صدقية تفسيره لتلك البيانات والمعطيات ‪ ،‬على أنه من الضرورة أيضاً ‪ ،‬على المؤلف تحديد متغيراته‬
‫الرئيسية التي استندت عليها مناقشاته وتفسيراته حول موضوع الشخصية الليبية‪.‬‬

‫ومن جانب أخر ‪ ،‬يظل المؤلف في حاجة إلى تحديدات دقيقـ ـ ــة لنطاق استخـ ـ ــدام وتوظيـ ـ ــف مفهومه‬
‫الرئيسي ‪ ،‬وهل يبسط نطاقه أو مجاله على كل فئات المجتمع الليبي ؟ أم يقتصر األمر على بعض‬
‫شرائح المجتمع دون غيرها ‪ .‬فضالً عن التصريح الواضح عن النطاق الزمني لتطبيق مفهومه !‪.‬‬
‫ومن المناسب القول ‪ ،‬وتوخياً للدقة والوضوح ‪ ،‬أنه من المهم على المؤلف التحدث عن الشخصية‬
‫القومية الليبية في أطار عقد مقارنات لبياناته ومعطياته حولها ‪ ،‬ومعطيات أخرى عن مجتمعات‬
‫أخرى ‪ ،‬فما الذي يدرينا أن ما يعتبره المؤل ـ ـ ــف خصائص مميزة لمجتمع معين ال تشترك فيها‬
‫مجتمعات أخرى ‪ .‬غير أنه من المناسب القول أيضاً ‪ ،‬أن المؤلف تحدث عن شخصي ـ ـ ــة قاعدية في‬
‫المجمل مع إغفال وجود أنماط فرعية لهذه الشخصية في المجتمع العام كالشخصية الريفية والحضرية‬
‫رغم – التداخل – بين هذه األنماط ‪ ،‬فضالً عن تفردها بسمات نفسية وثقافية واجتماعية واقتصادية‬
‫محددة ‪ ،‬ناهيك عن أن الشخصية الحضرية تتعرض دون غيرها لمؤثرات ومتغيرات خارجية مختلفة ‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫ومهما يك ــن من أمر ‪ ،‬تظل أهمية االنطالق بحثاً عن تحديدات وصياغات دقيقة وواضحة للمفهوم‬
‫الرئيسي الذي ي ـ ــدور حوله كتاب الشخصية الليبية متمثالً في مفهوم الشخصية القاعدية أو القوميـ ــة‬
‫أم اًر ضرورياً ال تستقيم التفس ـ ـ ــيرات والتحليالت بدونه ‪ ،‬وفي هذا ال ـ ــسياق ‪ ،‬كان من الضـ ـ ــرورة على‬
‫المؤلف التحاور أو مناقشة العديد من التعريفات أو التحديدات التي تصدت لمفهوم الشخصية العربية‬
‫أو القومية أو القاعدية في بعض أعمال الباحثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــين العرب ‪ ،‬وبصورة خاصة تـ ـ ـلك األعمال التي‬
‫انطلقت من خصوصي ـ ــة الواقع العربي ‪ ،‬والشخصي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة القومية العربية ‪ .‬ومن بين هـ ــذه األعمـ ــال‬
‫البحثـي ـ ـ ــة عمل عالـ ـ ـ ـ ـ ــم االجتماع العراقي علي الوردي الـ ـ ـ ـ ــذي كشـ ـ ــف عن أن تحديـ ـ ــد الشخصية أو‬
‫تعريفهـ ـ ـ ـ ـ ــا بشكل جامع مانـ ــع هو من الصع ـ ـ ــوبة بمكان فهي كالكهرباء أو األثـ ـ ـ ـ ـ ـ ــير أو المغناط ـ ــيس‬
‫ال تُع ـ ـ ـ ـ ـ ــرف اإل بآثارها (الوردي ‪ (12:2001 ،‬ومن جانب أخـ ـ ـ ـ ـ ــر قـ ـ ـ ـ ـ ــدم عالم االجتماع التونس ـ ــي‬
‫محمود الذوادي عمالً بحثياً استعرض فيه دالالت ومعاني الشخصية القاعدية في أنها " الشخصيـ ـ ــة‬
‫الجماعية العامة لمجتمع وذات بعض السمات الخاصة ويشترك فيها أفراد المجتمع ‪ ،‬وهي محصلة‬
‫لعوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية في المجتمع ومنه (الذوادي ‪)2006 . ،‬‬

‫*ثانياً ‪ :‬تحديد موضوع الكتاب في ضوء المنطلق النظري ‪:‬تثار مشكلة البحث‪ ،‬أو موضوع البحث –‬
‫نظرياً ومنهجياً – في ضوء ‪ ،‬ومن خالل التفاعل الجدلي بين الفكر متمثالً في النظرية ‪ ،‬والواق ـ ــع‬
‫االجتماعي والثقافي ‪ .‬فالفكر أساساً بما ينطوي عليه من تصورات ومفاهيم ومقوالت نظرية نابعة من‬
‫الواقع المعين يظل يتفاعل مع هذا الواقع بصورة دائمة ‪ ،‬فضالً عن أنه جزءاً ال يتج أز من ذلك الواقع‬
‫(زايد ‪ . )98 :2002 ،‬لذلك تشكل النظرية االجتماعية " االنطـ ـ ــالقة الضرورية والحاسمة في إجـراء‬
‫أي بحث علمي ‪ .‬فال علم بدون نظرية يستنـ ـ ـ ـ ـ ــد عليها في البرهنـ ـ ــة والرفض ‪ ،‬وال صلة بين الواقع‬
‫االجتماعي المعقد ‪ ،‬والعلم اإل من خالل النظرية العلمية ( الترهوني ‪ .)1:2016 ،‬فض ـ ـ ـالً عن أن‬
‫التصورات النظرية المقترحة لتوجيه العمل البحثي المعين تنطوي على إسهامات هامة تساعـ ـ ـ ــد في‬
‫تنقية وتحديد وصياغة المفاهيم الرئيسية التي ينطوي عليها موضوع البحث أو الدراسة إلى المستوى‬
‫الذي تضفى فيه تلك التصورات النظرية دالالت ومعاني ومضامين دقيقة وواضحة على تلك المفاهيم‬
‫الرئيسية‪ ،‬وبشكل يتيح إمكانية انتقاء تلك المعطيات والحقائق العلمية المناسبة التي تـ ـ ـ ـ ــدور حول تلك‬
‫المفاهيم تحديداً ‪ .‬وتساهم في هذا الصدد ‪ ،‬البحوث السابقة ذات الصلة بموضوع البحث في الوصول‬

‫‪139‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫إلى شروح وتفسيرات علمية رصينة ال يكتمل العمل البحثي بدونها ‪ ،‬عالوة على أن البحوث السابقة‬
‫تظل – مسألة ال مفر منها – ألي باحث باعتبارها تعكس – فائدة نفيسة وثمينة في تدشين نقطة‬
‫اإلنطالق األساسية والجوهرية ألية دراسة علمية ‪ ،‬فضالً عن أنها تمثل – الحجر األساسي –‬
‫للـ ـ ــد ارس ـ ـ ــات والبح ـ ــوث الالحقـ ــة بشـ ـ ــأن تخطيـ ـ ـ ــط وتقييـ ـ ــم دينامياتها وخطواتهـ ـ ــا النظرية والمنهجـ ـيـ ـ ـ ــة‬
‫( الترهوني ‪(2017: 1 ،‬‬
‫وما يمكن قوله في هذا الصدد‪ ،‬أن مؤلف الشخصية الليبية ‪ ،‬قد تناول موضوعه البحثي في غياب‬
‫تصورات نظرية ذات خصوصية عربية تلقى الضوء بكفاية على مفهومه الرئيسي متمثالً في مفهوم‬
‫الشخصية القاعدية ‪ ،‬واعتمـ ــد كبديل عن ذلك بتصورات نظرية مستوردة ال تنتمي للواقع الليبي او‬
‫العربي بصلة أو عالقة ‪ ،‬فضالً عن آن محاوالت بحثية كثيرة حذرت من أن معظم التراث النظري‬
‫حول الطابع القومي للشخصيـ ـ ــة العربية تشكل في صورة انطباعات عام ـ ــة وافتراضات صيغت أو‬
‫اعتمدت على أطروحات غربية مستوردة من جانب ‪ ،‬وغياب بحوث ميدانية رصينة تتيح الحصول‬
‫على مادة صادقة ودقيقة عن الشخصية العربية من جانب أخر‪ ( .‬زايد ‪( 2002: 98 ،‬‬

‫وفي ضوء هذا الوضع ‪ ،‬وفي ظل هذه المحاذير النظرية التي اشرنا إليها جاء عمل الشخصية الليبية‬
‫موضوع هذه الورقة – مفتق ـ ـ ـ ـ اًر – لتحديد وصياغة دقيقة لموضوعه البحثي ‪ .‬ومن ثم ‪ ،‬افتقد العمل‬
‫البحثي حول الشخصية الليبية للجوانب التالية ‪:‬‬
‫*غياب أطار نظري واضح ومتماسك‪.‬‬
‫*غياب التركيز على المتغيرات البنائية التي تحمل تأثي اًر في تحديد معالم الشخصية الليبية‪.‬‬
‫*غياب أعمال بحثية سابقة تنطوي على تفسيرات بنائية واسعة النطاق‪.‬‬
‫*االعتماد على جهود بحثية ذات طابع تأملي وانطباعي تختفي فيها التفسيرات األمبريقية‪.‬‬
‫*توظيف تعميماته عن الشخصية الليبية في فترات تاريخية مختلفة دون اكتراث لدور التأثيرات التي‬
‫تحملها التغ ـ ـ ــيرات التي يتع ـ ـ ـ ــرض اليها المجتمع الليبي في كل مرحلة ‪ ،‬ودون اهتمام أو م ارعـ ـ ـ ـ ـ ــاة‬
‫لخصوصية كل مرحلة ‪ ،‬حتى ال نشعر وكأن الشخصية الليبية اليوم هي الشخصية التي عاشت‬
‫في العهد الروماني والفينيقي والتركي‪...‬‬
‫*غياب كامل للتحديد الدقيق والواضح للمتغيرات الرئيسية التي تستند عليها المناقشات والتفسيرات‬
‫‪140‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫النظرية‪.‬‬
‫*اإلفتقار لتصريح واضح يحدد بدقة كيفية تطبيق مفهوم الشخصية القاعدية من حيث ‪ :‬نطاقه أو‬
‫مجاله على كل فئات المجتمع ‪ ،‬أم أن األمر يقتصر على بعض الفئات دون غيرها ‪.‬‬
‫*عدم اإلثارة للمجال الزمني لتطبيق المفهوم الرئيسي متمثالً في الشخصية القاعدية‪.‬‬
‫*غياب المواجهة الموضوعية مع قضية القيم الثقافية وتوجيهاتها‪ ،‬وآثار ذلك على الشخصية في‬
‫حالة التماس ـ ـ ـ ــك والتناغ ـ ــم المجتمعي من جانب ‪ ،‬وفي حالة التناق ـ ــض وااله ـ ــتزاز من جانب أخر‬
‫(عمار ‪(1981: 98-99،‬‬
‫*غياب تصور واضح يعبر عن الموضوع البحثي في شكل عناصر أو أقسام‪.‬‬
‫* غياب تعريفات إجرائية حول الشخصية الليبية تعكس جملة من األبعاد والمؤشرات تدور حول‬
‫جملة من السمات والخصائص للشخصية تنعكس في مجموعة من المشاعر والسلوك في مواقف‬
‫معينة‪.‬‬
‫*إفتقار عملية تحديـ ـ ــد الموضوع البحثي – الصياغة المبكرة – للخصائص أو السمات التي سـ ـ ـ ـ ــوف‬
‫يهتم بدراستها في الشخصية الليبية ‪ ،‬وما إذا كان المؤلف ينـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوي دراسة سمة معينة أو مجموعة‬
‫محـ ـ ـ ـ ــددة من الس ـ ـ ـ ـ ـ ــمات تتمـ ـ ـ ــيز بها الشخصية الليبي ـ ـ ـ ـ ــة عن غـ ـ ـ ـ ـ ــيرها من الشخص ـ ـ ـ ـ ــيات القومية‬
‫(البيومي وآخرون ‪(1992: 332 .،‬‬
‫*ومن بين ما ينبغي على المؤلف عمله ‪ ،‬أو االنتباه إليه منهجياً تصنيف السمات والخصائص إلى‬
‫سمات إيجابية أو سمات سلبية ثم تقسيم تلك السمات إلى مشاعر نفسية أو أفعال أو أنماط سلوك‬
‫إلي المستوى الذي يتيح للمؤلف اتخاذ ق اررات تكشف بوضوح عن ما سـ ـ ــوف يل ـ ـ ـ ــتزم به في دراسته‬
‫لهذه السمات والخصائص ‪ ،‬وهو ما تحتاجه عملية صياغة وتحديد المشكلة البحثية أو الموضوع‬
‫يصرح المؤلف مبك ار عن مجاله المكاني والزماني لبحثه أو‬
‫البحثي‪ .‬ومن جانب أخر ‪ ،‬أهمية أن ّ‬
‫كـ ــتابه ‪ ،‬ونوعي ـ ــة الشخصيات التي ينوي مقابلتها ‪ ،‬وما إذا كانت تقطن المدن أو القرى أو مناطق‬
‫بدوية بعينها‪ ،‬فضالً عن التصريح عن الفترة التاريخية التي سوف يدرس فيها الشخصية الليبية ‪،‬‬
‫ناهيك عن اإلشارة إلى مصادر بياناته ‪ ،‬وما إذا كانت وثائـ ــق أو تقـ ـ ــارير أو سجالت متاحة ‪ ،‬أو‬

‫‪141‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫كتب أدبية ‪ ،‬أو سجالت إحصائية ‪ ،‬ومجالت وصحف ‪ ،‬باإلضافة إلى الكتب التاريخية عن التاريخ‬
‫الليبي مع مراعاة تأثير أيديولوجيات محددة على أفكار بعض المؤرخين وتحليالتهم ‪ ،‬مع مراعاة‬
‫ظروف كل عصر ‪ ،‬ونوع نظام الحكم وااليديولوجية السائدة في تلك الفترة ‪.‬‬

‫وبين هذا وذاك ‪ ،‬ينبغي على المؤلف إثارة بعض التساؤالت العلمية‪ ،‬أو تبنى بعض الفروض القادرة‬
‫على تفسير نشأة ووظيفة بعض الخصائص والسمات ‪ ،‬وعالقتها بسمات وخصائص أخرى ‪ ،‬وما أثر‬
‫بعض السمات في توجي ـ ـ ــه الفعل االجتماعي ؟ وما ن ـ ـ ــوع الظروف واألح ـ ـوال االجتماعية والسياسية‬
‫والفكرية التي أدت إلى بروز سمـ ـ ـ ــة دون غيرها في ضوء األدلة التاريخية والوثائق والكتابات ذات‬
‫الصلة بالمسألة التاريخية للواقع الليبي ‪.‬‬

‫ثالث ًا ‪ /‬الشخصية القاعدية بين المنظور التاريخي االجتماعي والتغير االجتماعي ‪ :‬تبنى المؤلف‬
‫العوامل التاريخية واالجتماعية وحدها لتحليل المتغيرات التي تحمل تأث ـ ــيرات قوية وعميقـ ـ ــة في نحث‬
‫وهندسة الشخصية القاعدية الليبية ‪ .‬واستند في ذلك على تأثير الفينيقيون والرومان والوندال واإلغريق‬
‫والبيزنطيون والعرب والمسلمون والهالليون واإلغالبة والعثمانيون واإلنجليز واإليطاليون والقره مانيليون‬
‫(ص‪ ، ) 7‬بعد أن طبعت جميعها اإلنسان الليبي بطابع خاص ‪ ،‬واكسبته صفات محددة تحكمت في‬
‫تمثالته للحياة وسلوكياته بما في ذلك عالقاته االجتماعيـ ـ ــة (ص‪ . )6‬وما يمكن قوله في هذا الصدد‬
‫أن المؤلف أغف ـ ـ ــل تماما ‪ ،‬أهمية المتغيـ ـ ـرات الثقافيـ ـ ــة التي تحمل ال ـ ـ ــدور األكثر تأثي اًر في تشكيل‬
‫وصياغـ ـ ـ ــة مكون ـ ـ ــات الشخصيـ ـ ــة القاع ـ ـ ــدية ( الذوادي ‪ ، )160: 2012 ،‬بعـ ـ ــد أن صارت تأثيرات‬
‫الحضارات المشار إليها أعـ ـ ــاله منعدمة تماما بالمعنى الثقافي ‪ ،‬وبصورة خاصة فيما يخص عاملي‬
‫اللغ ة والدين بعد زوال لغة وتقاليد والمكونات الثقافية والحضارية لتلك الحضارات ‪ ،‬ويظل تأثـ ـ ـ ـ ـ ـ ــير‬
‫عاملي اللغة والدين يرتبط أساساً بتأثيرات الحضارة اإلسالمية وحدها ومتمثالً في نشر اللغة العربية‬
‫والدين اإلسالمي في ليبيا بشكل خاص ‪ ،‬والمغرب العربي بشكل عام ‪ ،‬فالشخصية القاعدية الليبية‬
‫كما هو حال الشخصية القاعدية التونسية انصهرت وال زالت بالكامل في " بوتقة الحضارة العربية‬
‫اإلسالمية من لغة وعقيدة وثقافة وتاريخ ( الذوادي ‪) 2012: 160 .،‬‬

‫‪142‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫ومن ثم ‪ ،‬فإن ربط المؤلف معالم البنية االجتماعية والثقافية والذهنية للمجتمع الليبي بمؤثرات تاريخية‬
‫ومصمته تشكل قصو اًر في الفهم‬
‫لحضارات ترجع إلى اآلف السنين بعد أن صارت حضارات متجمدة ُ‬
‫والتحليل لظاهرة مهمة ومعقدة وهي الشخصية الليبيـ ـ ــة ‪ .‬ع ـ ـ ـ ــالوة على إنتف ـ ــاء الضرورة واألهمي ـ ــة في‬
‫التركـ ـ ــم‪ .‬الثقافي والحض ـ ــاري في فهم واستيعاب خصائص الواقع الليبي ال ارهـ ـ ــن على‬
‫إستحضار هذا ا‬
‫الرغم ‪ ،‬من تشديد المؤلف على استحضار هذا التراكم لذلك يبدو لنا ضروريا من الناحية النظرية‬
‫والعلمية أن نستحضر هذا التراكم التاريخي والثقافي والحضاري وخاصة األثنى كي يكون أداة معرفية‬
‫مساعدة في فهم خصائص الواقع الراهن ‪ ....‬وطبيعة الصيرورة التاريخية التي تحكمت في مسار‬
‫المجتمع الليبي في العقود الستة األخيرة " (ص ‪)7-8‬‬
‫ومهما يكن من أمر ‪ ،‬فإن الشخصية العربية في المجمل ووفقاً للباحث العربي السيد ياسين " تتعايش‬
‫فيها سمات بعضها يرتبط بالماضي وبعضه ـ ــا يرتبط بالحاضر (زايد ‪ ، )102 :2002،‬ومن ثم فإن‬
‫فهم الشخصية القوميـ ـ ـ ــة ال يكتمل إال في ضوء – سيـ ـ ـ ـ ــاقها التاريخي – من خالل مجموع ـ ـ ــة اآلثار‬
‫والتراكمات التاريخيـ ـ ـ ـ ـ ــة التي شكلت ظروف ـ ـ ـ ـاً بنائي ـ ـ ـ ـ ــة معينـ ـ ــة تطبـ ـ ــع بدورها الشخصية بطابع معين‬
‫(زايد ‪( 104:2002.،‬‬
‫لذلك فإن توظيف السياق التاريخي في فهم طبيعة ومعالم الشخصية القومية أو القاعدية يتيح مايلي‪:‬‬
‫*إستيعاب البنية االجتماعية التي تنتمي إليها الشخصية من المنظور السوسيولوجي يتشكل في‬
‫ضوء خصوصية تطور هذه البنية االجتماعية‪.‬‬
‫*فهم وضعية البنية االجتماعية وهي في حالة تطور بفعل عوامل داخلية وخارجية تاريخية واجتماعية‬
‫‪.‬‬ ‫يجعل هذا التطور يفتقد ألحوال االستقرار ‪،‬وينسحب األمر على الشخصية داخل البنية‬

‫*تطور البنية االجتماعية يتضمن إضافات متداخلة ومتشابكة يتفوق البعض منها على حساب‬
‫إضافات أخرى في التأثير على الشخصية ‪.‬‬
‫*وضع الشخصية في سياقات تاريخية محددة يتيح إمكانية فهمها واستيعابها‪.‬‬

‫واستناداً لكل ذلك ‪ ،‬فإن الشخصية الليبية ‪ ،‬والعربية إجماال هي في حالة مد وجزر وتغير يصعب‬
‫معه الحديث عن خصائص‪،‬أو سمات ثابتة حولها ( وهو ما وقع فيه المؤلف ) وفي كل المراحل‬

‫‪143‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫التاريخية ‪ ،‬على الرغم من أن لكل مجتمع سمات أنثروبولوجية ونفسية واجتماعية وثقافية تشكل في‬
‫مجموعها – قاسماً مشتركاً – بين أكثر المواطنين وفي وحدة متكاملة (الحيدري ‪) 2103 .،‬‬
‫ومما ينبغي تأكيده في هذا السياق ‪ ،‬أن عمل الشخصية الليبية على أهميته والحاجة إليه أغفل بتعمد‬
‫أو بدونه ‪ ،‬بوعي أو بغيره ‪،‬أهمية ودور التغيرات التاريخية التي شهدها والزال يشهدها الواقع الليبي‬
‫في عمومه باعتبارها تشكل للباحث االجتماعي –خياالً سوسيولوجياً – يسهم فكريا في فهم الصورة‬
‫التاريخية العامة والكلي ـ ــة لإلنسان والمجتمع على السـ ـ ـواء ‪ ،‬وما ينطوي عليه هذا الفهم من دالالت‬
‫وظروف داخلية وخارجية تحمل تأثيرات عميقة على سلوك اإلفراد في المجتمع ‪ ،‬فضالً عن أهمية‬
‫وقيمة هذا الفهم في تسليط الضوء حول العالقة بين الشخصية والمجتمع العام ‪ .‬على أنه من المفيد‬
‫التأكيد على قاعـ ــدة منهجية ارئـ ـ ــدة لعالم االجتماع األمريكي " رايت ميلز" حينما أكد على " أنه من‬
‫العسير دراسة اتجاهات اإلف ـ ـ ـراد ‪ ،‬أو أية ظاهرة اجتماعي ــة إذا عزلت عن سياقه ـ ـ ــا التاريخي ‪ ،‬واذا‬
‫درست منفصلة عن العنصر الذي تنتمي إليه "( محمد ‪ .)310 :1983،‬ومن ثم ووفقاً لهذا السياق‪،‬‬
‫يظل اإلطار التاريخي يلعب الدور الهام في تزوي ـ ـ ـ ـ ــد الباحث ببصيرة سوسيولوجية ثاقبـ ـ ـ ـ ــة يستوعب‬
‫بواسطتها ‪ ،‬ومن خاللها البنية االجتماعية ككل ‪ ،‬وعناصر هذه البنية الرئيسية ‪ ،‬فضالً عن الصالت‬
‫بينها والمعاني والدالالت السوسيولوجية التي تنطوي عليها المعالم البنائية لتلك البنيـ ـ ــة االجتماعي ـ ـ ــة‬
‫وموقع تلك البنية على خط التاريخ البشري ( محمد ‪(1983: 310 ،‬‬
‫لذلك ‪ ،‬فإنه من الموضوعية أن يتصور الباحث العلمي الشخصية العربية ال في ف ـ ـ ـ ـراغ ‪ ،‬وانما في‬
‫سياقهـ ـ ــا التاريخي وفي ظروفهـ ـ ـ ـ ـ ــا االجتماعية واالقتصادية والحضارية مع تعمي ـ ـ ــق الفهم للشخصية‬
‫القاعدية في ض ـ ــوء تعاظم التغيرات والتبدالت التي تعصف بالواق ـ ـ ــع االجتماعي وبني ـ ـ ـ ـ ــة الشخصية‬
‫(عمار ‪ (1981: 99 ،‬مع ضرورة الوضع في الحسبان أن البناءات االجتماعية التي تنتمي إليها‬
‫الشخصية المعنية هي في حالة تغير واختالف دائمة كما هو حال سمات الشخصية التي ال تخضع‬
‫لثبات أو استقرار ‪ ،‬في الوقت الذي تستدمج فيه هذه الشخصية مكونات جديدة تؤدي إلى عدم الثبات‬
‫‪ .‬وهـ ـ ــذا الوضع المتغ ـ ـ ــير للشخصية يف ـ ـ ــرض ضرورة التعامل الموضـ ـ ــوعي مع الشخصي ـ ــة في ضوء‬
‫التبدالت والتحوالت التي تصيب كل مرحلة تاريخية وأخرى ‪ ،‬فضالً عن أن الشخصية القاعدية خالل‬
‫تغـ ــيرها بفعل تلك التبدالت والتحوالت ستكشف عن سمات متناقضة ومختلفة قديمة وجديدة ‪ ،‬ناهيك‬

‫‪144‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫عن أن البنية االجتماعية التي تنتمي إليها الشخصية تتعرض هي األخرى – دائما – لحالة مستمرة‬
‫من التشكل والتكوين واعادة التشكيل والتكوين بفعل تحوالت عديدة ) زايد ‪(2002 : 107 ،‬وتتيح‬
‫هذه التحوالت والتبدالت – تباينات وتناقضات – بنيوية تكشف عن بروز اختالفات وتباينات تطال‬
‫الشخصية ( ريفية ‪ /‬حضرية(‪.‬‬

‫خالصة األمر ‪ ،‬فإن الشخصية القاعدية أو القومية ليست – بني ـ ــة صامتة – تعيش خارج التاري ـ ـ ـ ــخ‬
‫اإلنساني ( ياسين ‪ . )5 :1993 ،‬بل أن الشخصية هي إفراز طبيعي لظ ـ ـ ــروف اجتماعية وثقافيـ ـ ــة‬
‫وحضارية تشكلت في سياقات تاريخية كثيرة ‪ ،‬في صورة عالقة جدلية مع البنية االجتماعية وعناصر‬
‫الثقافة السائدة ‪ .‬وهذا الفهم الموضوعي ال يكتم ــل نظرياً إال في ضـ ـ ـ ـ ــوء دراسة البنيات االجتماعي ـ ــة‬
‫واالقتصادية والثقافية والسياسية ‪ ،‬وفي سي ـ ـ ــاقاتها التاريخي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة األمر الذي يتيح الكشـ ـ ــف عن أفضل‬

‫العوامل التي أثرت وتؤثر في بنية الشخصية وثوابتها (الحيدري ‪ . )11- 7 :2013 ،‬على أنه ووفقاً‬
‫لعال ـ ــم االجتم ـ ـ ــاع العراقي إبراهيم الحي ـ ــدري من األهمي ـ ـ ــة لد ارسـ ــة الشخصي ـ ـ ــة وفهـ ـ ــم حاض ـ ـ ــرها ‪،‬‬
‫واستشـ ـ ـ ـراف مستقبله ـ ــا فال بـ ـ ــد من فه ـ ــم الماضي وتتبـ ــع مسـ ـ ـ ـ ــيرته وما حـ ـ ـ ــدث في ـ ـ ــه من قطيعـ ـ ـ ـ ــات‬
‫حضارية ‪ ،‬وتحوالت بنيوية ‪ ،‬وتغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية ‪ ،‬وذلك أن الظواهر االجتماعية‬
‫هي امت ـ ــداداً تاريخيـ ـ ـ ـاً مثلمـ ـ ــا لها امتـ ـ ــدادات اجتماعي ـ ــة واقتصادية وانثروبولوجي ـ ــة ونفسية ‪ .‬وان فهم‬

‫خصائـ ــص الشخصية كما هو حال الظـ ـواهـ ـ ـ ــر االجتماعية كبني ـ ــة تبلورت وتشكلت عبر الزمن وفقاً‬
‫لظروف اجتماعية معين ــة ليست معزولة عن مجمل حركة المجتمع والثقافـ ـ ــة التي أفرزتها س ـ ـ ـ ـ ــيرورة‬
‫العالقات االجتماعي ـ ـ ــة التاريخية والراهن ـ ـ ــة والتأث ـ ــيرات المتبادلة بينها ومحاولة تلمس السمات الثابتة‬
‫والمتغيرة في الشخصية ‪( ...‬الحيدري‪)2013: 27،‬‬

‫ومن بين ما وقع فيه المؤلـ ــف من قص ـ ــور أن عمله ( الشخصي ـ ـ ــة الليبي ـ ــة) موضـ ــوع هذه الورقة ق ـ ــد‬
‫افتقد – تماما‪ -‬لتوظـ ــيف كتابات عربية كثيرة وعديدة تخصصت في الحديث عن الشخصية العربية‬
‫في أكثر من مكان في الوطن العربي ‪ ،‬ول ــو حاول المؤلف استثمار البعض منها الستطاع صياغة‬
‫أطا اًر نظرياً متماسكاً وخصبـ ـ ـاً وأكثر اثراء ومنفع ـ ــة ‪ ،‬والغريب أن المؤلف غاب عنه اإلطـ ــالع على‬
‫كتابات عربيـ ـ ــة ارئــدة تدور حول الشخصية القاعدية أو القومية ‪ ،‬ومن بين هذه األعمال أو الكتابات‪:‬‬

‫‪145‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫السيد ياسين حـ ـ ــول الشخصية العربية ‪ ،‬والبشير بن سالمة حول مقومات الشخصية التونسية ‪،‬‬
‫وجمال حمدان حول شخصية مصر وعبقرية المكان ‪ ،‬محمد عزت حجازي حول الشخصية العربية ‪:‬‬
‫وحدة أم تنوع ‪ ،‬جابر عبدالحميد حول الشخصية المصرية والشخصية العراقية ‪ ،‬وعبدالعزيز الرفاعي‬
‫للشخصي ـ ــة العراقيـ ـ ــة ‪ ،‬ومحمود الذوادي في كتابـ ـ ـ ــه ‪ :‬الوجـ ــه اآلخر‬ ‫ح ـ ـ ــول الطابـ ــع الق ــومي‬
‫للمجتمع التونسي الحديث ‪ ،‬والشخصية التونسيـ ــة " المستنفرة " واحمد ازيـ ــد حــول المصري المعاصر‪:‬‬
‫مقاربة لبعض ابعاد الشخصية القومية المصرية ‪ ،‬وعبدالوهاب المسيري حول الشخصية اإلسرائيلية‪..‬‬

‫ثالثا ‪:‬القراءة المنهجيــة ‪ :‬كش ـ ــف المؤلف عن توظيفـ ـ ــه ألساليب واجـ ـ ـ ـراءات منهجية بطريقة غيـر‬
‫سليمة في بحث موضوع يتسم بالتعقيد والصعوبة متمثال في الشخصية الليبية (ص‪ . )14-13‬فضال‬
‫عن أن نجاح أية محاولة بحثية تقتضي – أساساً – االعتماد على منه ـ ــج علمي مناسب ينطوي على‬
‫إجراءات وأدوات وأساليب وقواع ـ ـ ــد تتناسب مع موضوع البحث ‪ .‬ومن بين اإلجراءات المنهجية التي‬
‫استخدمت في دراسة موضوع الشخصية القاعدية الليبية اإلجراءات التالية ‪:‬‬
‫‪ 1-‬المالحظة االنثروبولوجية ‪ :‬أعتمد المؤلف على المالحظة كأسلوب لجمع البيانات في رص ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫ديناميكية المجتمع الليبي وسلوكيات الفاعلين فيه حيث يقول المؤلف " اعتمدنا في هذه المحاولة‬
‫البحثية على المالحظة االنثروبولوجية التي سمحت لنا على امتداد خمس وعشرين سن ــة أن نتأمل‬
‫دنياميكية المجتمع ‪ ،‬ونالحظ سـ ـ ــوكيات مختلف الفاعلين االجتماعين داخله " (ص ‪ ، )16‬بيد أن‬
‫المؤلف استخ ـ ـ ــدم هـ ـ ــذه األداة دون أن ُيلقي باال إلى أهمية ضبط وتخطيط وتقنيـن هـ ــذه األداة قب ــل‬
‫استخدامها في الواقع الميداني بهدف الوصول إلى بيانات ومعطيات وحقائق ينوي الوصول إليها ‪.‬‬
‫وفي هذا السياق يقول الباحثان ‪ :‬محمد الجوهري ‪ ،‬وعبداهلل الخريجي " فألن عالم االجتماع يجب أن‬
‫ينظم بياناته ‪ ،‬ويحللها في ضوء النظريات والمفهومات السوسيولوجية ‪ ....‬ولهذا السبب ولغيره ‪ ،‬فإن‬
‫عالـ ــم االجتماع يضطر إلى التفكير في األساليب المنهجية المنظمة ألجراء مالحظاته ولتسجيل ما‬
‫يحدث كما يقع بالفعل ‪ ...‬ويعد هذا التخطيط جزءاً من األسلوب الفني في المالحظة " (الجوهري ‪،‬‬
‫الخرجي ‪ . )126 :1980 ،‬ويضيف الباحثان " إن مالحظة وتسجيل مشهد معين مالحظة دقيقة‬
‫تحليال واعيا يحتـ ــاج إلى تخطيط واعي " ( المرجع السابق ‪)126 ،‬‬
‫ً‬ ‫وتحليل ما يرت ـ ــبط به من داللة‬

‫‪146‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫وما يمكن قوله في هذا الصـ ـ ــدد ‪ ،‬أن المؤلف باستخدامـ ـ ــه له ـ ـ ــذه األداة لجمع بياناته لم يكشف عن‬
‫خطواتـ ـ ـ ــه المنهجيــة المرتبطة باستخدامها ( وحدة اهتمامه إن كانت صفات أو خصائص أو ادوار‬
‫اجتماعية أو أنماط سلوكية‪ ( ) ...‬التير ‪( 2015: 118 ،‬‬

‫عـ ـ ــالوة على عدم تصريح المؤلف عن أبعاد الفعل االجتماعي الذي ستدور حوله المالحظة ‪ ،‬ونوع‬
‫العالقة كموضوع للمالحظة ‪ ،‬إضافة إلى شكل اندماجه في الموقف المراد مالحظاته (مشارك تام‬
‫أو كامل ‪ ،‬أم مشارك مالحظ ‪ ،‬أم مالحظ مشارك ‪ ،‬أم مالحظ كامل) ‪.‬‬
‫فضـ ـ ـالً عن تصن ـ ــيف المالحظة ما إذا كانت بسيطة أم مقنن ـ ــه ‪ ،‬مع تحديـ ـ ــد األسلوب أو الوسيلـ ـ ــة‬
‫المستخدمة في تسجيل المالحظات االنثروبولوجية حول الوقائع واألفعــال ‪ ،‬وكذلك أساليب تنظيم‬
‫المادة العلمية ‪ .‬ومن بين ما يجب عمله قبل تنفيذ عمليات المالحظة ( وهو مالم يقم به المؤلف)‬
‫التصري ـ ـ ــح عن " الثقاة " الذين سيعرض عليهم بياناته لمراجعتها وشرح دالالت ومعاني ومقاصـ ـ ـ ــد‬
‫العناصر الغامض ـ ـ ــة فيهـ ــا ‪ .‬يقول الباحث مصطفى الت ـ ــير في هذا السياق " كثي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اًر ما يعتم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫األنثروبولوجيون الذين يدرسون جماعات ‪ ...‬غريبة عنهم إلى اختيار عدد من أفراد الجماعـ ـ ـ ـ ـ ــة أو‬
‫المجتمع الذين يتوسمون فيهم المعرفة واإللمام بجوانب الظاهرة التي تحت الدرس ويراجع هؤالء من‬
‫حين إلى آخر ليستفسروا منهم عن مدى دقة وصدق مالحظاتهم ‪ ....‬وعن المعاني الثقافي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة أو‬
‫االجتماعية للوقائع التي تم تسجيلها "‪( .‬التير ‪( 2015: 119 ،‬‬

‫ومن جانب آخر ‪ ،‬كان من الض ـ ـ ـ ـ ـ ــروري على المؤلـ ــف أن يلتمس مستوى عال من تحسين أساليب‬
‫الصدق والثقـ ـ ــة من خالل قيامه كباحث بمالحظات انثروبولوجية على فترات متعددة ومتعاقبة ‪ ،‬أو‬
‫بقيـ ـ ــام ع ـ ــدد من المالحظـ ــين بتسجيـ ـ ــل مالحظاتـ ـ ـ ـ ــهم بشكــل مست ـ ـ ـ ــقل عن عمل باقي المالحظ ـ ـ ـ ـ ــين‬
‫( بدر ‪ . )355 : 1986 ،‬ومن الغرابة أن المؤلف ص ـ ـ ـ ــرح بوضــوح عن صعوبة أجراء بحثه جراء‬
‫المراقب ـ ــة العتبـ ـ ـ ــارات سياسية وأمني ـ ـ ـ ــة في مجتمعات ذات تركيب ـ ــة خاصة يتعـ ـ ـ ــذر فيها الوصول إلى‬
‫معلومـ ـ ـ ـ ـ ــات بواسطة االستمـ ــارة ‪ ،‬وقد أضطـ ـ ـره ه ـ ـ ــذا الوض ـ ـ ـ ـ ـ ــع إلى االستعاض ـ ــة عن ذلك بأسلـ ـ ــوب‬
‫المالحظـ ـ ـ ــة االنثروبولوجية (ص‪ )17‬وهو بهذه االستعاضة أو باستخدام وتوظيف هذا البديل سيواجه‬
‫نفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس العوائـ ـ ــق السياس ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــة واألمنية التي أشار إليها ‪.‬وق ـ ـ ــد كان بإمكان المؤل ـ ـ ـ ـ ـ ــف توظي ـ ــف بدائل‬

‫‪147‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫منهجية وأساليب أخرى ‪ ،‬وبأسلوب أكثر انضباطاً ودقـ ـ ــة وموضوعيـ ـ ــة يتي ـ ـ ــح له جمع ومراكم ـ ــة مادة‬
‫علمية يرغب في جمعها ‪ .‬لق ـ ـ ـ ـ ــد استعاضت الكثير من الد ارس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات العلمية عن المالحظة‬
‫بالمشاركة على أهميتها بأدوات ووسائل أخرى آبان الحروب ‪،‬أو خالل دراسة جماعات مغلقة ‪ ،‬أو‬
‫عصابات إجرامية خطيرة ‪،‬أو تتبع وبحث موضوعات أو قضايا تصطدم بعوائق أمنية أو مخابراتية‪.‬‬

‫ومن بين األسالي ـ ــب البديلة للمالح ـ ــظ بالمشاركـ ــة عمل عملي شهـ ـ ــير و ارئـ ـ ــد أملته الحاج ـ ــة العملي ـ ــة‬
‫والمصالح السياسية ألمريكا أثناء الحرب مع اليابان في الحرب الكونية الثاني ــة ‪ ،‬وهـ ـ ــدف هذا العمل‬
‫العلمي أساسا إلى سيطرة أمريكا في الحرب فضال عن‪ ،‬الوصول إلى سلم دائم في وقت يستحيل فيه‬
‫تماما توظيف المالحظة بالمشاركة ‪ ،‬فعوضاً عن ذلك كلفـ ــت أجهزة المخابرات األمريكية بعض‬
‫الباحث ـ ـ ــين في علم النفـ ـ ــس واالنثروبولوجيا بقيادة االنثروبولوجية الشهيرة " روث بندكت" رئيس قسم‬
‫التحليل األساسي بمكتب المخابرات األمريكية ألعالي البحار‪.‬‬
‫انطلقت هذه الدراسة من هدف يكمن في ضرورة أن يفهم األمريكيون اليابانيون لالنتصار في الحرب‬
‫‪،‬وصياغة السلم الدائم من خالل اتوصل إلى تحديد خصائص الشخصية القومية لليابانيين بواسطـ ـ ـ ـ ــة‬
‫الستحالة المالحظة المباشرة في مثل هذه الظروف‪ In Absentia‬دراسة الشعب الياباني عن بعد‬
‫الحربية مما جعل فري ـ ـ ــق البحث يج ـ ـ ــرى استبارات ( مقابالت) مع مئات الياباني ــين الذين يعيش ـ ـ ــون‬
‫خارج اليابان كالمهاجرين وأسرى الحرب ‪ ،‬وطبقت عليهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم اختبارات نفسية ‪ ،‬وكتابة سير ذاتية عن‬
‫تواريـ ــخ حياتهم ومثلهم األمريكيون الذين سبق وأن عاشوا في اليابان (ياسين ‪(1993: 55) .،‬‬
‫وفي ضوء هذه البدائل المنهجية ‪ ،‬واستنادا للمثال الساب ـ ــق‪ ،‬كان من المم ـ ــكن على مؤلف هذا الكتاب‬
‫تالفـ ـ ــى ه ـ ـ ــذا القص ـ ـ ــور المنهجي ( توظي ـ ــف المالحظة بالمشاركة ) بواسط ـ ــة مقابل ـ ــة الليبي ـ ــين الذين‬
‫نزح ـ ـوا بسبب الحرب إلى تون ـ ـ ـ ـ ــس في موجات كبـ ـ ــيرة بحيث يتاح له كباحث إمكاني ــة استخدام أسلوب‬
‫المالحظة االنثروبولوجي ـ ـ ـ ــة بكل سهـ ـ ــولة ويسـ ـ ــر وبدون تكالي ـ ـ ـ ـ ــف‪ ،‬وبعيداً عن أية محاذيـ ــر أمنيـ ـ ـ ــة‬
‫أو سياسية أو مخابراتية ‪.‬‬

‫لذلك ‪ ،‬فإن المؤل ـ ــف أفتق ـ ـ ـ ــد باستخدامه المالحظة عن بعد معتمـ ــداً على الذاكرة وحدها ‪،‬واالتصاالت‬
‫الهاتفية أحيانا مع بعض األصدقاء رصد المعاني التي يضيفها األفراد على سلوكهم‪ ،‬وأساليب‬

‫‪148‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫حياتهم‪ ،‬وكيف يستشعرون وجود ثقافـ ــة تربطهم في ضـ ـ ــوء بعض الفـ ـ ــروض السوسيولوجية‪ ،‬أو‬
‫التصورات النظرية التي تدور حول طبيعة التفاعل االجتماعي (الجوهري‪ ،‬الخريجي‪-184:1980 ،‬‬
‫‪)185‬‬

‫‪-2‬المقابالت ‪ :‬صرح المؤلف في عمله (الشخصية الليبية) أنه اعتمد على المقابالت في جمع‬
‫بياناته باإلضافة إلى المالحظة ‪ ،‬اإل أن المؤلف لم يوضح في استعراضه لألساليب المنهجية التي‬
‫وظفهـ ـ ـ ــا في بحثه مع من أجريت ه ــذه المقابالت ؟ اإل في نطاق ضيق داخل الكتاب ‪ .‬يقول المؤلف‬
‫"كما اعتمدنا ‪ ...‬على المقابالت التي يظه ـ ــر بعضها بشكل مباشـ ـ ـر في حين يتخفـ ـ ــى بعضها األخر‬
‫في صلب النص " (ص‪ . )17‬وما يمكن قوله في هذا السياق أن المــؤلف لم يذك ـ ــر ولو تلميحاً ‪،‬‬
‫أين أجريت مقابالته هذه ؟ وكيف أجريت ؟ ولماذا اختيرت كأداة جمع بيانات ؟ ومانوعها ؟ وهل هي‬
‫من النوع المقنن أو غير المقنن ؟ فضالً عن كيفية تسجيلها ! واجراءات إختبار وقياس صدقها‬
‫وثباتها ؟ في وقت صرح فيه المؤلف عن صعوبات عديدة ارتبطت بتنفـ ــيذها ك ـ ـ ــأداة جمع بي ـ ـ ـ ــانات‬
‫في الواقـ ـ ــع الميداني حيث يقول " بعض المستجوبين أصروا تماماً على ذكر أسمائهم مختصرة‬
‫العتبارات سياسية وشخصية في مثل هذه المرحلة الصعبة " (ص‪ ، )17‬علماً بإنه من األهمية‬
‫يصرح منذ البداية عن مستوى ثقته في صدقية وتعاون‬
‫بمكان في هذا السياق على المؤلف أن َ‬
‫مبحوثيه الن نجاح المقابلة وفقا للباحث أحم ــد ب ـ ــدر يعتمد على رغبة المستجوب في الحديث ‪،‬‬
‫وقدرته على التعبير بدقة عما يريـ ـ ــد تقري ـ ـ ـره ‪ ...‬وأن معظ ـ ــم المستجوبـ ـ ــين يحاولـ ـ ــون تلوي ـ ــن أو تشويه‬
‫الحقائـ ـ ـ ــق بما يرضيهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم (بدر ‪ . )354-353-35 :1986 ،‬على أن ـ ـ ــه من الضرورة أن تجرى‬
‫المقابالت ‪ ،‬وتسجل وقائعها بوع ـ ــي في ضـ ــوء المفاهيم والنظريات الشائعة في العلم خاصة إذا ارتبط‬
‫األمر بدراسة ظواهر‪ ،‬أو موضوعات ذات بعد تاريخي نلتمس من خاللها وبواسطتها كشف طبيعة‬
‫وحقيقة الذكريات المتعلقة بالحوادث الماضية ‪ ،‬أو مايعرف بالبيانات االسترجاعية الممتدة عبر الزمن‬
‫‪-3‬أسلوب تحليل المضمون‪:‬‬
‫أك ـ ـ ــد المؤلف من أجل مزيدا من التدقيق اعتماد منهجية هذه الدراسة على تقنية تحليل‬
‫المضم ـ ـ ـ ـ ـ ــون لعينة بسيطـ ـ ــة من الشع ـ ــر الشعبي الليبي (ص‪ . )18‬ويضيف المؤلف ليؤك ـ ــد على أن‬
‫" الشعر الشعبي أقرب المتون اإلبداعيـ ـ ـ ــة إلى الذهنية الليبية ‪ ،‬ومدخال مهماً لفه ـ ـ ـ ــم تركيبـ ـ ـ ــة التاريخ‬

‫‪149‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫االجتماعي والقبلي في ليبيا (ص‪ . )18‬والشك أن تحليل المضمون أو المحتوى للمادة الثقافية يش ّكل‬
‫في األساس طموحاً منهجي ـ ـ ـ ـ ـاً يكشف بكفاءة وكفاية عن معاني ودالالت ومقاصـ ــد الفعل االجتماعي‬
‫بصفـ ـ ـ ـ ـ ــة خاصة ‪ ،‬والواقـ ـ ــع االجتماعي بصفة عامـ ـ ــة ‪ ،‬فضالً عن أن استخ ـ ـ ـ ــدام ه ـ ــذه التقنية يتيح‬
‫اإلجابة عن أسئلـ ـ ـ ــة مثل ‪ :‬من يق ـ ـ ــول ماذا ؟ والى من يق ـ ـ ــول ؟ وكي ـ ـ ــف يقول ؟ وما هو األثـ ـ ـ ـ ــر ؟‬
‫(بدر ‪ ، )359:1986 ،‬عالوة على‪ ،‬أن ه ـ ــذه التقني ـ ــة تمثل الطريق السليم واألمثل لمالحظة سلوك‬
‫األفراد بطريق غي ـ ــر مباشـ ـ ـ ــر بواسطة تحليل األشياء ‪ ،‬أو الرمـ ــوز اللفظية التي يكتبها أولئك األفراد‬
‫(الجوهري ‪ ،‬الخريجي‪( 1980: 287) . ،‬‬
‫وما ينبغ ـ ــي قوله في هذا الص ــدد ‪ ،‬أن توظيف المؤلف بهدف المزيد من التدقيـ ـ ـ ــق حسب قوله لتقنية‬
‫تحليل المضمـ ـ ــون اعتماداً على عينة بسيطة من الشعر الشعبي الليبي من أجل فهم حقيقة وطبيعة‬
‫الشخصية الليبية يشكل بكل وضوح – قصـ ـ ــو اًر وفشالً – في توظيف هذه التقنية الثمينة والفاعلة ‪،‬‬
‫وبصورة خاصة حينما يرتبط ا المر بتحليل البيانات الكيفية التي تدور حول معاني ودالالت ومقاصد‬
‫الفعل االجتماعي أكثر من أى شئ آخر ‪ ،‬فضالً عن أن غياب االستخدام األمثل من قبل المؤلف‬
‫لهـ ـ ـ ــذه التقنية – تحليل المضمون – يتيح تماماً – الوصول إلى استنتاجات واحكام أقل ما يقال حولها‬
‫أنها استنتاجات واحكام مشوهة وموضع شك وريبة ‪ ،‬عالوة على أن المؤلف ووفقاً لذلك االستخدام‬
‫المشوه ق ـ ــد غاب عنه أن معتـ ـ ــقدات واتجاهات وقيـ ـ ــم وأنماط سلوك الجماعـ ــة تتكشف ‪ ،‬أو تكشف‬
‫عن نفسها في المجالت والصحف واألدب واإلعالنـ ــات واإلعمال الدرامية والفـ ـ ــن والرمـ ـ ــوز غير‬
‫اللفظي ـ ــة التي من خاللها تنكشف أيضا السمات الثقافية واالجتماعية ألنماط الحياة في المجتمع‬
‫المعين ‪.‬‬

‫فضالً عن أن‪ ،‬البيانات والحقائـ ـ ـ ــق والمعطيات التي تجمع بواسطة هذه الم ـ ـواد الثقافيـ ـ ــة واالجتماعيـ ــة‬
‫واألنثروبولوجية تتيح لألعمال البحثية المتخصصة عقد مقارنات هامة بين اتجاهات ومعتقدات وقي ـ ـ ــم‬
‫الجماعات المختلف ـ ــة التي يفصل بينـ ـ ــها الزمان أو المكان أو في المجتمـ ـ ـ ــع الواحـ ـ ــد ‪ ،‬أو المجتمعات‬
‫المختلفة ‪ .‬فضالً عن ‪ ،‬أن التنقيب عن المنتج ـ ــات الرمزية لإلنسان من خالل الوثائ ـ ـ ــق والسجـ ـ ـ ــالت‬
‫الماضية والسير الذاتية والمذكرات الشخصية يتحقق بواسطة تقنية تحليل المضمون أو المحتوى دون‬
‫غيرها من تقنيات (الجوهري ‪ ،‬الخريجي‪، )292-287 :1980 ،‬على أنه من األهمية بمكان القول ‪،‬‬

‫‪150‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫أن الكشف عن سمات وخصائص الشخصية القاعدية في ضوء ما تحويه ‪ ،‬أو تنطوي عليه األعمال‬
‫التاريخية والتربوية والثقافية والسياسية والفكرية من دالالت ومقاصد ومعاني تحتاج باإلضافة إلى ذلك‬
‫إلى التنقيب الموضوعي في – األعمال األدبي ـ ـ ــة – باعتبارهـ ــا تستطي ـ ــع تقديـ ــم أكثر األوصاف دق ـ ـ ـ ــة‬
‫لخصائص وسمـ ـ ـ ـ ــات الشخصية المعين ـ ـ ـ ــة وبشكل أكثر قبـ ـ ـوالً لالستيعاب ‪ ،‬فضـ ـ ـ ـ ـالً عن ‪ ،‬استنب ـ ـ ــاط‬
‫سم ـ ــات ومالمح إنسانية عامة ‪ ،‬ناهيك عن أهميـ ـ ـ ـ ــة ذلك في التعرف على جوانب الشخصي ـ ـ ـ ـ ـ ــة ‪ ،‬أو‬
‫صياغـ ـ ــة نظرية حولها ( عبدالرحيم ‪( 1990: 10). ،‬‬

‫خصائ ــص الشخصية الليبية الكبـرى ‪ :‬إنطلـ ـ ــق المؤلـ ـ ـ ــف – أساساً – قبل أن يتحدث عن س ـ ـ ــمات‬

‫وخصائص الشخصية القاعدية الليبية من مبدأ عام ‪ ،‬أو فكرة رئيسية قادت كل مراحل بحثه تمثلت‬
‫تلون عمله البحثي هذا منذ اللحظة األولى بدالالت‬
‫في مفاهيم البدو والبداوة والذهنية البدوية ‪ ،‬وقد ّ‬
‫ومعاني كل هذه المفاهيم الرئيسية ‪.‬‬
‫يقول المؤلف في هذا الصدد " أن البدو هم أكثر قابلية للثورة وأكثر ثورية قياساً بالحضر (ص‪. )27‬‬
‫وكأن المؤلف يتحدث عن انقالب ‪1969‬م في ليبيا ‪ ،‬بعد أن ربـ ـ ــط هذا الحدث بالعقلية الب ـ ــدويـ ــة ‪،‬‬

‫فضالً عن تصويره كغ ـ ــزوة هاللية ثانية على مستوى النتائج المجتمعية والثقافية (ص‪ . )27‬فضالً‬
‫عن أن المؤلف أعاد إنتاج بعض التهم التي ال تستقيم مع الموضوعية العلمية ‪ ،‬تلك التهم التي‬
‫ألصقت بأهل الحضر في ليبيا متمثلة في برودهم الثوري ووالئهم اليطاليا ودعمها عسكريا (ص‪.)28‬‬
‫عالوة على رسمه لصورة بائسة ورجعية ألهل الحضر الليبي خالل انقالب ‪1969‬م وما قبله ‪ ،‬وفي‬
‫تقديري أن المؤلف قد وقع تماماً في تقديم أحكام ذاتية مستعجلة وغير واقعية بعد أن أستهل بها عمله‬
‫البحثي هذا – موضوع هذه الورقة – عالوة على أن المؤلف كباحث في علم االجتماع اقتحم ميدانا‬
‫معرفياً اليجيده ‪ ،‬وال يجيد الحديث فيه ‪ ،‬ومناقشة قضاياه واحداثه وهو التاريخ ‪.‬‬

‫ويؤكد المؤلف على سيطرة أشخاص من أصول بدوية على مختلف مفاصل الدولة الليبية (ص‪)28‬‬
‫دون أن يحدد بدقة الفترة الزمنية التي سيطر فيها هؤالء الذين ينتمون ألصول بدوية ‪ ،‬ومن هم هؤالء‬

‫تحديداً ؟ أولئك الذين تعاملوا مع اإلدارة على أنها غنيمة مع اإلرتجال في المواقف واألداء متحججاً‬
‫بأن الشخصية القاعدية البدوية هي ميالة إلى اإلرتجال (ص‪ . )28‬وبقراءة هذا المدخل للمؤلف يتبين‬

‫‪151‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫أنه يتحدث عن الشخصية الليبية في ضوء سلوكيات الصفوة الحاكمة النقالب ‪1969‬م‪ .‬تلك الصفوة‬
‫التي تحمل خلفية بدوية فك اًر وسلوكاً وفقاً للمؤلف‪.‬‬

‫ينتقـ ــل المؤلف في موضع آخر من كتابه ليناقش مبدأ الثورة اإلدارية الذي ورد ضم ـ ـ ــن مبادئ الثـ ـ ـ ــورة‬
‫الثقافية الخمسة في خطاب زواره ‪1973‬م حيث تم تأويله على أنه يعني البدونة والغنيمة لتملك‬
‫الغلبة الضرورية (ص‪ . )29‬وعلى الرغم من االتفاق مع الفكرة إلى حد ما ‪ ،‬إال أن ما حصل في‬
‫زوارة في الغرب الليبي ‪1973‬م هو انقالب فردي قام به معمر القذافي لإلنفراد بالحكم ‪ ،‬واستبعاد‬
‫مجلس قيادة الثورة من الساحة السياسية ‪ ،‬والتأثير السياسي بعد خالفات سياسي ـ ـ ــة حادة بين الطرفين‬
‫حول تسليم السلطة إلى الشعب ‪ ،‬أو إلى سلطة مدنية دعى إليها المجلس منذ التغيير في ‪1969‬م ‪.‬‬
‫وقد تزامن مع هذا الحدث ظهور تجربة المؤتمرات واللجان الشعبية التي دعى إليها معمر القذافي بعد‬
‫إن إنفرد بالسلطة ‪ .‬وهي تجربة غريبة استهدفت نشر الفوضى على كل المستويات ‪ ،‬وخلط األوراق ‪،‬‬
‫وتغييب النظام واإلدارة والمؤسسات بالمعنى العصري الحديث إلى المستوى الذي تطابق فيه اإلرتجال‬
‫والغنيمة مع السلطة والغلبة وفقـ ـ ـ ـاً للمؤلف (ص‪ . )30‬وقـ ـ ــد تشكلت في ض ـ ــوء ذلك معال ـ ـ ــم فوضى‬
‫انتشرت في الواقع الليبي بفعل النظام السياسي لم يعرفها مجتمع من المجتمعات خالل جميع حقب‬
‫التاريخ ( التير ‪)2014: 119) .،‬‬

‫ينتقل المؤلف بعد ذلك ليؤكد على أن " الغلبة تداوي الجروح ‪ ،‬وتسمح بالذهاب إلى أقصى مدى من‬
‫الثمار وتصفي ـ ـ ـ ــة الحساب ‪ ...‬مع ما تتميز به الشخصية القبلي ـ ــة من تمركز حول الذات ونرجسيـ ـ ــة "‬
‫(ص‪ ، )31 -30‬وفي تقديري أن المؤلف ال زال يتحدث عن سمات وسلوكيات النظام السياسي بعد‬
‫‪1969‬م ‪ ،‬وكأن المؤلف يخلط بين أشـ ـ ــياء كث ـ ـ ــيرة وكأنها شئياً واحداً ( النظام السياسي ‪ ،‬الشخصية‬
‫القبلية ‪ ،‬الغلبة ‪ ،‬الثأر)‪ ،‬ويستنبط المؤلف في ضوء هذا الخلط سمات وخصائص يسم بها الشخصية‬
‫الليبية في المجمل دون مراعاة ألنماطها (حضرية ‪ ،‬ريفية ‪ ،‬بدوية)‪.‬‬

‫تحدث المؤلف فيما بعد عن مفهوم " البدونة المفروضة " أو القسرية التي أفضت إلى نتائج مجتمعية‬
‫يتوجب فهمها وفهم أبعادها ونتائجها غير اإليجابية (ص‪ . )32‬ومن بين هذه النتائ ـ ــج وفقـ ـ ـاً للمؤلف‬
‫تنصل النظام من مسؤوليــة تحديث المجتمع الليبي – اقتصاديا واجتماعياً ‪ ،‬ومع أن المؤلـ ـ ـ ــف ق ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫‪152‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫أصاب كب ـ ـ ــد الحقيقة في التعبير عن حقيقة أهداف النظام ‪ ،‬وغاياته الغريبة والمأزومة ضـد التنميــة‬
‫والتحديث ‪ ،‬إال أن ربط المؤلف لما يحصل بفعل النظـ ـ ــام السياسي بالشخصية القاعدية الليبية‬
‫كمسبب لهذا الوضع يعد أم اًر غريباً ‪ ،‬ويش ّكل معالم تحليل قاصر ومتجنى يطال الشخصية الليبية ‪،‬‬
‫ومما الشك فيه أن النظام السياسي متمثالً في نظام القذافي قـد وفر مظلة مناسبة للمحافظة على‬
‫الحالة البدوية ‪ ...‬والتنصل من مسؤولية تحديث المجتمع ‪ ،‬فضالً عن أن الوالءات القبلية في ليبيا‬
‫قـد ساهمت في عرقلة وتخريب بعض برامج تحديث المجتمع (العربي ‪ ،7:2015،‬التير ‪:2014 ،‬‬
‫‪ . )114‬وفي موضع آخر من الكتاب طرح المؤلف حالة تغليب البـ ــدو على الحضـ ــر والريف على‬
‫المدينة‪ ،‬وجعل المجتمع يعيش على إيقاع الصحراء والتغني بالخيمة بحجة الوفاء للقيم األصيلة " قيم‬
‫األجداد " (ص‪ . )33‬وما يمكن قوله في هذا السيـ ـ ــاق ‪ ،‬أن ماجاء به المؤلف يوافق الواقع إلى حد‬
‫فرق تسد ‪ ،‬واإلقص ــاء والتهميش‬
‫بعيد ‪،‬وهو واقع يعكس سلوكيات نظام دكتاتوري يعتمد على سياسة ّ‬
‫واإلستبعاد واالحتـ ـ ـواء والتوظيف لألفراد والجماعات بعيداً عن الوفاء للق ــيم األصيلة كما نوه المؤلف‬
‫على ذلك ‪ .‬وتأتي القبيلة كواحـ ـ ــدة من المؤسسـ ـ ــات الغ ـ ـ ــير رسميـ ـ ـ ــة التي استعملها النظام السياسي‬
‫ألغراض كثيرة مرة بالتهميش ‪ ،‬وتارة باإلستبعـ ــاد أو التوظيف ‪ .‬ينتق ـ ــل المؤلف في موضع أخر من‬
‫كتابه ليضرب مثاالً يدلل به عن تكثيف وشدة حرص الشخصية القاعدية الليبية على تأكيد المرجعية‬
‫البدوية ‪ ،‬والتمسك بالبداوة بعد أن اعتبرها هوية وانتماء ونمط حياة (ص‪ . )34‬وقد أستعرض المؤلف‬
‫في هذا الصدد بيتاً من الشعر العامي يردده الموالون للنظام السياسي السابق ‪" :‬ابوادي لباسين جرود‬
‫ايهبوا الياصار البارود" ‪ .‬وعلى الرغم من أن المؤلف قد ربط مضمون بيت الشعر بالحرص على‬
‫التالزم بين الهوية البدوية من جهة ‪،‬وامتالك البارود من جهة أخرى (ص‪، )35‬غير أن ما يمكن‬
‫قوله في هذا السياق أن األمر في مجمله ال يعدو أن يشكل تقرباً وتزلفاً لبعض الموالين للنظام‬
‫السابق بهدف الحصول على منافع ومصالح شخصية والتمتع السهل بموارد الدولة‪.‬‬
‫وفي قراءة أخرى للمؤلف تناول فيها مايعرف بالبدونة السياسية بواسطة النظام السياسي السابق‪،‬‬
‫والتي تقوم على تدمير الدولة ‪ ،‬والدعوة إلى التدمير بحجة الوصول إلى الديمقراطية المباشرة التي‬
‫ترف ـ ــض تماماً التمثيل باعتباره تدجيالً (ص‪ .)37‬عالوة على تهديم المؤسسات وطمس الوثائق ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من حقيقة ما تناوله المؤلف في هذا الصدد ‪ ،‬اإل أن ربط األمر أو المسؤولية بسلوكيات‬

‫‪153‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫الشخصيـ ـ ـ ـ ـ ــة القاعدية الليبية ي ّشكل تجنياً على الشخصية نفسها ألن الشخصية الليبية ليست نمطاً‬
‫واحداً‪ ،‬فضالً عن أنها‪،‬ال تعكس سلوكيات ثابتة يقوم بها كل أفراد المجتمع ‪ ،‬بل أن سلوكيات الهدم‬
‫هذه قد انغمس فيها النظام السياسي وحـ ـ ــده منهجاً وتخطيطاً وتعم ـ ـ ــدا ‪ ،‬غير أن األمر في مجمله هو‬
‫لعبة ميكافيلية يديرها ويجيدها النظام من أجل االستمرار في السلطة والسيطرة على األوضاع ‪.‬‬

‫ومن بين ماتعرض له المؤلف موضوع " البدونة السياسية " حيث يقول " تم العمل على استمالة قادة‬
‫القبائل والشيوخ واألشخاص الذين من شأنهم التأثير في قبائلهم وعشائرهم ‪ ،‬كما تمت االستعانة بعدد‬
‫تكون‬
‫من الضباط الكبار المتقاعـ ـ ــدين الذين يتمتعون بسطـ ـ ـ ـ ــوة رمزي ـ ــة وفعلي ـ ــة على قبائلهم لمن ـ ـ ــع ّ‬
‫المعارضات " (ص‪ . )39‬واألمر هذا ال يعدو أن يكون تكثيفاً واسلوباً مارسته السلطة وقت الحاجة ‪:‬‬
‫مرة بالتوظيف ‪ ،‬ومرة باالستبعاد ‪ ،‬ومرات بالتهميش ولدواعي أمنية خالصة ‪ ،‬وبهدف المحافظة على‬
‫استقرار األوضاع ‪ ،‬واستمرار النظام في الحكم‪.‬‬
‫إن الحديث عن البدونة السياسية ‪ ،‬ومسائل استمالة شيوخ وقادة القبائل وكبار الضباط المتقاعدين هو‬
‫إنعكاساً لحالة صمـ ــود وقه ـ ـ ـ ــر واستب ـ ـ ــداد النظام السياسي ‪ ،‬ونجاح آلياته في استقطاب هـ ـ ـ ـؤالء بشكل‬
‫استطاع فيه النظام السياسي تعطيل ظهور المعارضات داخل القبيلة الليبي ـ ـ ــة رغـ ـ ــم البط ـ ـ ــش والتنكيل‬
‫الذي انزله النظام السياسي بالنخب المعارضة داخل القبائل ‪ ،‬عـ ـ ـ ــالوة على استقطاب النظـ ـ ـ ــام لبعض‬
‫نخب القبيلة المتعلمة واغرائها بمراكز النفوذ واغداق النعم التي ال تخضع للمحاسب ـ ــة في عالقـ ـ ــة بين‬
‫حاكـم ومحكومــين أقل ما يقال حولها أنه حكم الساحر في الشعب المسحور(بعلبكي ‪)2014: 144 .‬‬
‫إن وضعاً كهذا ‪ ،‬وعالقة كه ّذه بين حاكم وقبيلة ال يتي ـ ـ ـ ـ ـ ــح مطلقاً تمكين القبيلة في ليبيا أن تخطى‬
‫بمرتبة الشريك السياسي على الرغم من مشاركتها في الرقابة اإلدارية واألمنية كما تمت اإلشارة إلى‬
‫ذلك منذ حين‪.‬‬

‫*البداوة بنية ذهنية وثقافة متحكمة في السلوك ‪ :‬ينطلق المؤلف من مفهوم البداوة باعتبارها ثقافة في‬
‫حديثه عن خصائص الشخصية القاعدية الليبية حيث يقول " فمن الواضح أن البـ ـ ــداوة باعتبارها ثقافة‬
‫وتمثالً ال تزال مؤثـ ـ ـرة في الشخصية القاعدية ‪ ،‬ومتحكمة في جـ ـ ــزء من السلوكيـ ـ ــات و العالقات‬
‫االجتماعية " (ص‪ . )42‬ومع أننا نتفق تماماً مع هذا الطرح النظري ‪ ،‬اإل أن الحديث عن موضوع‬

‫‪154‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫غاية في األهمية متمثالً في الشخصية الليبية يظل مبتو ار أو مشوهاً من خالل هذا الطرح ‪ ،‬فاألمر‬
‫في مجمله ينصب حول شخصية قومية منها البدوي ‪ ،‬ومنها الحضري ‪ ،‬ومنها الريفي ‪ ،‬األمر الذي‬
‫يجعل تأثيرات البداوة كثقافة محدوداً وربما غائباً عن بعض هذه األنماط من الشخصية رغم التداخل‬
‫بين هذ ه األنماط في أكثر من مناسبة‪ ،‬ناهيك عن دور التغيرات االجتماعية والتحديثية التي عصفت‬
‫بالمجتمع الليبي في العقود األخيرة‪.‬‬

‫كما أن المؤلف حاول من جانب آخر ‪ ،‬ربط حالة الثورة ‪ .‬أو اإلنتفاض كما سماها في ‪2011‬م في‬
‫ليبيا بعامل الشخصية القاعدية (وحده ) (ص‪ ، )44‬لتعكس تحليالته هذه تبسيطاً وتسطيحـ ـ ـ ـاً لحالة‬
‫الثورة كظاهرة معقدة تتداخل مجموعة من المتغيرات في احداثها ‪ ،‬األمر الذي اليتيح إمكانية تفسير‬
‫الثورة كظاهرة سياسية واجتماعية باالستناد إلى عامل أو متغير واحـ ــد حتمي ‪ .‬وربما يمكن القول ‪،‬‬
‫استنادا لهذه التحليالت ‪ ،‬أن المؤلـ ـ ــف بوعي أو بدونه يقصـ ـ ــد بتحليالته هـ ـ ـ ــذه عقلية وذهنية النظام‬
‫السياسي السابق أكثر من أي شئ أخر ‪ ،‬وربما أيضاً يمكننا اإلتفاق مع هذا الطرح إلى حد بعيد ‪.‬‬
‫لذلك ‪ ،‬فإن وسم الشخصية الليبية بطابع اإلرتجال ‪ ،‬ونبذ االستقرار ‪ ،‬وفي ض ـ ــوء الذهنية البدوية‬
‫وح ـ ـ ــدها ‪ ،‬يظل يشكل قصو اًر في الفهم ‪ ،‬وابتعاداً عن الموضوعيـ ـ ـ ـ ــة العلمية تماماً ‪ .‬فضـ ـ ـ ـالً عن أن‬
‫ميالة لالستقرار (ص‪ ، )45‬وفي ضوء التفكير البدوي‬
‫وصف الشخصية القاعدية الليبية بأنها غير ّ‬
‫وحده يظل كوصف بعيداً عن الواقع ‪ ،‬ويعبر من جانب آخر ‪،‬عن تعميمات قاصرة ال تتناسب مع‬
‫منهجية توظ ـ ـ ــيف أساليب التع ـ ـ ــميم في البحث العلمي ‪ .‬غير أن المؤلف لم يقف عند هـ ــذا الحد في‬
‫التعميم بعد أن ذهب بعيداً في ذلك ‪ ،‬حينما أكد على أن " البـ ـ ـ ــداوة قـ ــد تحولت إلى أسلوب حياتي‪،‬‬
‫ونمط معيشي تم العمل على إعادة إنتاجها مجتمعياً اعتماداً على قوة السياسة " (ص ‪)46 .‬‬

‫وفي رأينا أن األمر ال يعكس الحياة االجتماعية والثقافية في المجتمع الليبي كما ورد عن المؤلف ‪،‬‬
‫بل أن المسألة ارتبطت – أساساً – بسلوكيات بعض األفراد أو الجماعات التي تنتمي جذورها إلى‬
‫قبائل بدوية لي بية في الواقع الحضري ‪ ،‬ناهيك عن تعمد النظام السياسي الظهور بمظهر الب ـ ـ ــداوة في‬
‫الكثـ ـ ـ ــير من المناس ـ ـ ـ ــبات والمواقف كمظهر لألصالة والع ارقـ ـ ـ ـ ـ ــة الزائفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ‪ .‬فض ـالً عن أن النظام‬
‫السياسي تعمد وبمنهج إلغاء كافة التعبيرات الثقافية غير البدوية متمثلة في ‪ :‬المسرح والسينما والرسم‬

‫‪155‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫والنحت ‪ ،‬واخضاعها لالدلجة المفرطة (ص‪ ، )47‬التي ال ينتظر منها ترسيخ قيم البداوة وذهنية‬
‫البدو ‪ ،‬بل يسعى في ذلك لطمس كل آليات التعبير السياسي والثقافي والفني باعتبارها أدوات تغيير‬
‫اجتماعي وسياسي رائدة ‪ ،‬وقادرة على قلب األوضاع وتوعية المجتمع ‪ ،‬وكشف سفالة ونفـ ـ ــاق و‬
‫رياء النظام من جهة ‪ ،‬وكذب النظام على الشعب من جهة أخرى (التير ‪)2014: 46-47 ،‬‬
‫فضالً عن أن البدونة المفروضة فرضـ ـ ـاً أو قسـ ـ اًر من قبل النظام السياسي عكست دالالت ومعاني‬
‫االرتجال واالنفعالية والتقلب واالنقالب (ص‪ )48‬وهذه األحوال التي تخلقت في ضوئها وبواسطتها‬
‫محنة شعب محكوم بنظام استبدادي – أبوي ذكوري ‪ -‬تمتزج تماماً بمحنة وطن ممزق ومنقسم على‬
‫ذاته بعد أن تجاوز وضعه كل معقول وممكن‪ ،‬واألحداث األخيرة في ليبيا تعكس هذا الوضع تماماً‪.‬‬
‫لق ـ ــد صارت البدونة المفروضـ ـ ــة ف ـ ــرضاً في الواقـ ـ ـ ــع الليبي ‪ ،‬وفي ظل عـ ـ ـ ـ ــدم االستق ـ ـ ـ ـ ـرار السياسي‬
‫واالجتماعي والمؤسساتي عامل تهرية مجتمعية‪ ،‬وفوضى غير مسبوقة ‪ ،‬وضعف بني ـ ـ ـ ــوي وانكسـ ـ ــار‬
‫وهشاشة وتشردم أصاب المجتمع والمؤسسات على السواء ‪ ،‬فضال عن التراكم الغريب للظلم والقهـ ــر‬
‫واالستبعاد من جانب ‪ ،‬واالنتشار الواسع لهاجس الخوف والرعب المركب من السلطة واألخر ومن‬
‫القريب والبعيد دون أن نغفل األثر الكبير لما خلفه حكم القذافي من خراب وعنف في المؤسسات‬
‫والنفوس " (متري ‪)2015: 16،‬‬

‫ومن بين ما وسم به المؤلف الشخصية الليبية ( كشخصية بدوية ) أنها تتسم بالواقعية والبراجماتيـ ـ ـ ــة‬
‫واجادة استعمال الربح والخسارة وعدم االستقرار (ص‪. )50‬وما يمكن قوله أن سمات وخصائص من‬
‫هذا النوع هي هدف لكل فـ ــرد ‪ ،‬وغاية كل شخصية ‪ ،‬وأن حصلت اختالفات وتباينات في هذا الشأن‬
‫فهي اختالفات في الدرجة فقط ‪ ،‬وربما من المناسب القول أن الشخصيـ ـ ــة الحضرية هي أقـ ـ ــرب إلى‬
‫مثل هذه الخصائص النفعية والبراجماتية من غيرها من أنماط الشخصية األخرى كالريفية والبدوية ‪.‬‬
‫مع األخذ في الحسبان طبيعة المجتمع الحضري الذي يتأسس تماماً على العالقات الرسمية والنفعية‬
‫والمصلحية ‪.‬‬
‫أما فيمـ ــا يخص المنطـ ــق القبلي الذي ينحـ ــاز للغالب وال يغامـ ــر باالنحيـ ـ ــاز للمغل ـ ـ ـ ــوب ‪ ،‬وال يغامر‬
‫لمناصرته (ص‪ ، )50‬فإنه من األجدر القول ‪ ،‬أنه واقـ ـ ـ ــع ال يرتبط بالطموح القبلي وحـ ـ ــده ‪ ،‬بل أن‬

‫‪156‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫األمر ربما يطال كل فرد أو جماعـ ـ ـ ـ ـ ــة أو نظ ـ ــام أو كيان ‪ ،‬طالما أن األمر ُيحسب في ضوء‬
‫المصلحة والمنفعة كأهداف وغايات لكل سلوك أو فعل اجتماعي‪.‬‬
‫غير أن المؤلف ينتقل في موضع أخر من كتابه ليصف الشخصية الليبية ووفقاً للفهم الب ـ ـ ــدوي بأنها‬
‫تتسم بروح الغلبة والحرص على الهيمنة ‪ ،‬وهزيمة اآلخر (ص‪. )54-53‬وفي تقديري أن المؤلف لم‬
‫يقدم جديداً ‪ ،‬فضالً عن أن المسألة في األساس هي تحصيالً لحاصل ‪ ،‬وغاية كل قبيلة أو كيان أو‬
‫نظام سياسي في الواقع العربي بشكل عام‪ ،‬والواقع الليبي بشكل خاص ‪،‬هذه المجتمعات التي الزالت‬
‫تعكس حالة المجتمعات القبلية التي تشهد حضور القبيلة في ذهن كل فرد (التير ‪. )107 :2014،‬‬
‫عالوة على ووفقاً للباحث أياد الزعالن ‪ ،‬أن " معالـ ـ ــم القبلية العربية حاضرة وبقوة في العقلية العربي ــة‬
‫منذ القدم وحتى العصر الحالي ‪ ،‬وان تغيرت المسميات عبر الزمن (محمود‪ . )51 :2016 ،‬بيد أن‬
‫المؤلف في موضع آخر وسـ ــم الشخصية الليبية بأنها شخصي ـ ــة " نهابة " تمارس الغـ ـ ـ ــزوات من أجل‬
‫استمرار الغلبة ميدانيا وفعليا ‪ ،‬وضمان الوالء والسطوة الذهنية والمعنوية على اآلخرين (ص‪ .)57‬إن‬
‫المؤلف بوصفه ه ـ ــذا يتحدث عن الشخصية الليبية اليوم في ضـ ـ ـ ـ ـ ــوء عقلية بدوية وذهنية بدوية عفي‬
‫عليها الزمن ‪،‬الزمن الذي سادت فيه غزوات النهب كأسلوب للعيش والغلبة وهزيمة اآلخر ‪ .‬لذلك فإن‬
‫تعميم عقلية وذهنية وسلوكيات الشخصية البدوية على جميع الليبيين ‪ ،‬وفي كل وقت هو تعميم تعوزه‬
‫الدقة ‪ ،‬وال يعكس الواقع ‪ ،‬فضالً عن أن األسانيد النظرية التي استعان بها المؤلف لتدعيم تحليالته‬
‫قد استندت لتحلي ـ ـ ــالت عالم االجتماع العراقي على الوردي ح ـ ـ ــول طبيعـ ـة المجتمع العراقي التي‬
‫ترجع أساساً إلى حقبات زمني ـ ـ ـ ـ ــة بعيدة رغم أهميتها في تسلي ـ ــط الض ـ ـ ــوء حـ ــول بعض ج ـ ـ ـوانب‬
‫المجتمعات البدوية في المجتمع العربي علماً بأنه من المناسب القول أن الصراعات البدوية غالباً ما‬
‫ارتبطت بالنزاعات حول األرض والمرعى ومنابع الماء والحرث ‪ ،‬والعرض أحياناً وداخل المحيط‬
‫البدوي وحده‪.‬‬
‫ومن بين السمات والخصائص التي وسم بها المؤلف الشخصية الليبية ‪ ،‬خاصي ـ ـ ــة الشمول متمثلة في‬
‫السيطرة واالستفراد ورفض المناقشة وازاحة المنافس وع ـ ـ ـ ـ ــدم قبول االختـ ـ ــالف والمحاورة وحب التسلط‬
‫والحرص على الغلبة (ص‪ . )60 -59‬وما ينبغي اإلشارة إليه وتأكيده في هذا الصدد ‪ ،‬أن خاصي ــة‬
‫الشمول هذه ال تقتصر على الشخصية البدوية وحدها ‪ ،‬بل أن األمر يطال الواقع العربي بشكل عام‪،‬‬

‫‪157‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫والثقافة العربية بشكل خاص ‪،‬هذه الثقافة التي التتيح مجاالً للحوار وال أري المخالف والتعبير الحر‪،‬‬
‫واستقاللية التفكـ ـ ــير بالتوازي مع سيادة نوع من القيم االجتماعية يعرف بالقيم العمودية " الهرمي ـ ـ ـ ـ ــة "‬
‫التي تنتظم العالقات اإلنسانية بمقتضاها على أساس التفاوت في السلطة والنفوذ والوجاهة واألسبقي ــة‬
‫والنوع والعمر (بركات ‪ .)356-355 :1986،‬ومن جانب آخر ‪ ،‬تظل األنظمة السياسية العربية من‬
‫خالل األنظمة التعليمية واإلعالمية والتربوية والثقافية تعمل على إعادة إنتاج التخلف ومصالح الطبقة‬
‫المسيطرة ‪ ،‬وفلسف ـ ـ ــة النظام وايديولوجيته الواحـ ـ ـ ــدة الوحي ـ ـ ــدة ‪ ،‬مع تروي ـ ــج خطاب فكـ ـ ـ ــري ذي‬
‫االتجـ ــاه الواحـ ـ ــد واللـ ـ ـ ـ ــون الواحد ‪ ،‬ع ـ ـ ــالوة على صد األبواب أمام التفكـ ـ ــير الحر والناق ـ ـ ــد والرأى‬
‫والرأى اآلخر والحوار الديمقراطي وتبادل األفكار والمعارف ‪.‬‬

‫*الشخصية الليبية وذهنية الغلبة ‪ :‬إنطلق المؤلف في هذا السياق من حاله ترادف بين البدون ـ ـ ــة‬
‫المفروضة أو القسرية بفعل النظام السياسي في المعيش اليومي‪ ،‬وبين سلوكيات الغلبة والسطوة ‪،‬وقد‬
‫تحدث المؤلف حول هذه الحالة على مستوى الفرد والعائلة والقبيلة (ص‪ ، )61‬وأستعرض المؤلف من‬
‫جانب آخر تحليالً واقعيا حينما ّحمل صفـ ـ ــوة السلطة دون غيرها إعادة إنت ـ ـ ــاج أدوات وآليات الغلب ـ ـ ـ ــة‬
‫اعتمادا على ثالوث الريع البترولي والخوف والزبونية (ص‪ ، )62‬واستنادا على المفاخ ـ ـرة بمرجعية‬
‫هذه الصفوة متمثلة في قبيلة قوية ومؤثرة ومتنفذة ‪ .‬وهى في الحالتين – أي صفوة السلطة – تنشـ ــد‬
‫وتلتم ـ ـ ـ ــس وبكل شغـ ـ ــف ضمان الغلبة الريعية والمالية والخدماتية للقبيلة التي ينتمى إليها أكثر من‬
‫اإلنتماء للوطـ ـ ــن ولو على المستوى النفسي ‪.‬‬
‫ومن ثم ‪ ،‬ظل هذا الطموح الهدف األسمى والغالي لرجال السلطة الذين تمكنوا من مفاصل السلطة‬
‫لعقود ‪ ،‬أولئك الذين ساهموا بقوة في ترسيخ وتكريس أحوال اإلنسداد واالستبعاد والتهميش والقهر‬
‫واالستبداد من جهة ‪ ،‬واعادة إنتاج القبيلة والعصبية القبلية ‪ ،‬ومنع تدفق الثروة لصالح الشعب من‬
‫جهة أخرى ‪ ،‬والحيلولة دون إستمتاع القطاعات المعارضة بهذا الريع البترولي من جهة ثالثة‪ ،‬األمر‬
‫الذي ساهم في إقصاء السواد األعظم من المدن والقرى الليبية من االستفادة من برامج التنمية‬
‫والتحديث والخدمات لعقود طويلة ‪ ،‬وفي ظل سابقة إقصاء واستبعاد وتهميش لم يشهدها تاريخ وال‬
‫حضارة ‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫ومما زاد األمر سوءاً ‪ ،‬أن رأس النظام السياسي قد تالعب عنوة بأصحاب السلطة الذين ينتمون‬
‫لقبائل قوية ومؤثرة بهدف تثبيت حكمه‪ ،‬وترسيخ سلطته بعد أن لعب هذا النظام بورقة التناقضات‬
‫الجهوية والقبلية (متري ‪ ، )16-15 :2015،‬في مقابل أن يتمكن هؤالء ( أصحاب السلطة ) من‬
‫االستئثار بالموارد المادية والرمزية باعتبارها تؤمن أحوال الغلبة والسطوة والسيطرة والوجاهة والمفاخرة‬
‫على حساب شعب زج به عمداً وقس اًر وقه اًر في أحوال وظروف أقل ما يقال حولها أنها أحوال خارج‬
‫العصر والتاريخ ومن بين الخصائص التي وسم بها المؤلف الشخصية القاعدية الليبية ‪ ،‬إنها عديمة‬
‫الميل إلى الجهد وضعيفة الحماس لإلنتاج والعمل (ص‪ . )67‬وقد ربط المؤلف المسألة بمسؤولية‬
‫المجتمع الريعي الذى وصفه بالفج ‪ ،‬غير أن المؤلف في موضع ما في هذا السياق تحدث عن‬
‫الشخصية البدوية ‪ ،‬وكأنه يخلط خلطا غريباً بين الحديث عن شخصية قاعدية أو قومية ليبية‪،‬‬
‫وأخرى بدوية ال تميل بطبعها للجهد والعمل كنتيجة لحالة الترحل الدائم التي تعيشها في الزمان‬
‫والمكان ‪،‬فضالً عن احتقارها للمهن الحرفية والصناعية لصالح مهنتي الرعي والتجارة (ص‪ ، )67‬وقد‬
‫نتفق مع المؤلف في تحميله المجتمع الريعي النفطي ( كثي اًر أو قليالً ) بعض المسؤولية في انتشار‬
‫وسيادة نمط من الشخصية يدخل في قطيعة مع بذل الجهد واعتزال اإلنتاج والعمل ‪ ،‬وهو ما يحصل‬
‫فعالً في الواقع الليبي ‪ ،‬ولعقود طويلة في ظل نظام سياسي أدار ظهره للتنمية والتحديث وتوطين‬
‫الصناعة واالستثمار ‪ ،‬ناهيك عن عدم االستثمار في الرأسمال البشري‪ ،‬بيد أن ‪ ،‬تحميل المؤلف‬
‫الشخصية الليبية مسؤولية ما يحصل من تخلف في العمل واإلنتاج والخدمات وتفسير ذلك من‬
‫منطلق بدوي خالص يشكل تماماً قصو اًر وفشالً في تحليل الواقع االجتماعي الليبي بشكل عام‪،‬‬
‫والشخصية القاعدية بشكل خاص ‪.‬‬
‫ومن بين ما ينبغي الوقوف عنده‪ ،‬أن المؤلف استخلص تحليالً استنادا إلى العقلية البدوية في فه ـ ـ ـ ـ ــم‬
‫البنية الذهنية والثقافية والنفسية التي أنتجت فكرة إضعاف الدولة ‪ ،‬والغاء المؤسسات ‪ ،‬ونبـ ـ ـ ـ ــذ اشك ــال‬
‫الوساطة السياسية (ص‪ ، )72‬وبذلك صارت القبيلة الوسيط االجتماعي والسياسي الفعلي والوحيد بين‬
‫مركز الحكم واألفراد‪ ،‬ومن ثم حلت محل النادي والمنبر والحزب وما ينبغي قوله في ه ـ ـ ــذا الصدد ‪،‬‬
‫أن إضعاف الدولة والغاء المؤسسات لم يكن وليداً لسطوة وقوة القبيلة كما ورد عن المؤلف ‪ ،‬بل أن‬
‫كل المسؤولية تقع على النظام السياسي وحده كنظام استبدادي دكتاتوري راهن بهـ ــدف تبثيت حكم ـ ــه‪،‬‬

‫‪159‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫واستمرار سطوته على التضامـ ـن القبلي والعادات القبلية في شكل استقطاب وتخويف وتوظيف لنخب‬
‫القبيلة الليبي ــة ومتعلميها ‪ ،‬بالتوازي مع آليات اإلغ ـ ـ ـ ـ ـ ـراء بالمناصب ومراكز النفوذ ‪ ،‬واغ ــداق النعم في‬
‫ظل انتشار غريب لثقافـ ـ ــة النفاق والمنافقين الذين دخلوا في منافسة شرسة بهدف التقرب من السلطـ ــة‬
‫(التير ‪ )272 :2013 ،‬ومن ثم يفسر االمر في ظل هذا التكتيك الميكافيلي الـ ـ ـ ــذي مارس ـ ــه النظام‬
‫السياسـ ـ ــي فيما يخص استعمال القبيلة بين الحين والحين كجسر انطلقت منه فلسفة توهين واضعاف‬
‫الدولة بالمعنى المدني الحديث ‪ ،‬والغاء المؤسسات وتهميش السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية‪،‬‬
‫وفتح الباب واسعاً أمام ظواهر فوضى وانفالت غير مسبوقة ‪.‬‬

‫غير أن المؤلف في موضع آخر من كتاب ـ ـ ــه كش ـ ـ ـ ــف عن سمة أخرى للشخصية القاعدية الليبية‬
‫كشخصية بدوية فك اًر وسلوكاً ‪ ،‬وتتجلى هذه السمة أو الخاصية في أنها شخصية غير مراكمة وغير‬
‫حريصة على حسن توظيف التجارب ‪ ،‬وتثمير الخبرات ‪ ،‬وعدم تحمل إكراهات المجتمع ‪ ،‬وضغوط‬
‫المدن والتزامات القوانين ‪ ،‬وضوابط الحياة العصرية (ص‪ . )77‬ويضيف المؤلف ليؤكد على أن "‬
‫بنية هذه الشخصية القاعدية من الناحية النفسية والذهنية تشجع القطيعة بين األجيال ‪ ،‬وعدم تراكم‬
‫الخبرات في صلب المجتمع (ص‪ .)78‬وفي تقديري أن المؤلف وظف بوعي أو بدونه مقدمات نظرية‬
‫أو مفهومية غير مناسبة وغير قادرة على تفسير قضاياً أو ظواهر في الواقع الراهن ‪ ،‬وربما تصلح‬
‫هذه المقدمات النظرية و المفهومية في تسليط الضوء حول واقع آخر ‪ ،‬أو ثقافة آخرى ‪ ،‬على الرغم‬
‫من أهمية هذه المقدمات في إلقاء الضوء حول بعض جوانب الواقع االجتماعي والثقافي الليبي‬
‫األخرى ‪ .‬ومن ثم ‪ ،‬فإن توظيف مفهوم البداوة أو الذهنية البدوية في كشف حقيقة وطبيعة الشخصية‬
‫الليبية اليوم ال يستقيم مع الشروح والتفسيرات السوسيولوجية الموضوعية ‪ ،‬ومهما يكن من آمر ‪ ،‬فإن‬
‫خصائص وسمات المراكمة والحرص على توظيف التجارب ‪ ،‬واستثمار الخبرات ‪ ،‬وتحمل ضغوط‬
‫المدن والزامات القوانين تظل مسائل نسبية تختلف من مجتمع إلى أخر ‪،‬ومن ثقافة إلى أخرى ‪،‬‬
‫وتفهم هذه المسالة في ضوء درجة تطور المجتمع المعين أو الثقافة المحددة ‪ .‬فضالً عن أن الواقع‬
‫الليبي كان وال زال ضحية منظومة سياسية قررت أن تدخل في قطيعة ال رجعه فيها مع كل تغير أو‬
‫تطور أو تحديث ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫ومن جانب آخر ‪ ،‬تظل مسائل غياب المحاورة وتبادل اآلراء والرأي المخالف واإلنتقال السلس‬
‫لألفكار تعكس تحديات يعاني منها الواقع الثقافي واالجتماعي والسياسي العربي ‪ ،‬عالوة على أن‬
‫المؤسسات االجتماعية الرسمية والغير رسمية ‪ :‬المدرسة ‪ ،‬األسرة ‪ ،‬الجامعة ‪ ،‬اإلعالم ‪ ،‬المجتمع‬
‫المدني ال زالت تعيد إنتاج الكثير من العوائق التي تقف أمام سيادة ‪ ،‬وانتشار قيم التفكير الحر‬
‫والناقد‪ ،‬والرأي المخالف والمحاورة والنقاش‪ ،‬والتفكير المستقل والديمقراطي في ظل سلطنة دكتاتورية‬
‫ألغت جميع أشكال التعبير الحر ‪ ،‬وحصر التعبير في خطاب اللون الواحد ‪ ،‬وهو خطاب السلطة‬
‫الرسمية الذي ُيوسـ ـ ـ ـ ـ ــم بأنه خطاب خشبي ممل وسمج خبره الليبيون خالل السن ـ ـ ـ ـوات األربعين‬
‫األخـ ـ ـ ـ ــيرة (التير ‪. )272 :2013 ،‬‬

‫ويؤكد المؤلف في موضع آخر ‪ ،‬على ربط الشخصية القاعدية الليبية بظاهرة إدارية خطيرة وغريبة‬
‫تعصف بالواقع الرسمي الليبي ‪ ،‬وهي ظاهرة امتدت أربعة عقود دون تراكم وثائقي ‪ ،‬ودون أرشيفات‬
‫منظمة ‪ ...‬بل أن جزءاً مهما من األرشيفات التاريخية تعرض للتلف ‪ ،‬فضالً عن إحراق السجل‬
‫العقاري في ثمانينيات القرن العشرين (ص‪ . )81 -79‬ومن جانب آخر ‪،‬وسم المؤلف الشخصية‬
‫الليبية ومن منظور بدوي خالص بتفضيلها للرواية الشفوية وكراهية التوثيق المكتوب ‪ ،‬وما يمكن قوله‬
‫فى هذا الصدد ‪ ،‬أن المؤلف حاد تماماً عن حقيقة األشياء والوقائع ‪ ،‬وغابت عن تفسيراته‬
‫الموضوعية والمصداقية والدقة ‪ ،‬ناهيك عن أن تعميماته كباحث تفتقر للموضوعية – غير أنه من‬
‫المناسب القول ‪ ،‬أن تهديم المؤسسات وطمس الوثائق ‪ ،‬وتدمير الذاكرة المكتوبة والتاريخية ‪ ،‬واحراق‬
‫السجالت العقارية هي سلوكيات تعمد النظام السياسي القيام بها بتخطيط ومنهج ‪ ،‬وعن سبق‬
‫إصرار‪ ،‬انطالقاً من مبدأ – ميكافيلي‪ -‬يؤكد على أن حكم البشر سياسياً قد يمر من بوابة – نشر‬
‫الفوضى وحدها – خالل عقود من الزمن ‪ .‬مجمل القول ‪ ،‬أن النظام السياسي وحده ‪ ،‬وبسببه ‪ ،‬ومن‬
‫خالله ‪ ،‬وبواسطة مايسمي بالثورة الثقافية في ‪1973‬م هو من صاغ معالم هذه الفوضى اإلدارية‬
‫والثقافية الغير مسبوقة ‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫*القبيلة والتحديث في ليبيا ‪:‬‬


‫أستعرض المؤلف العالقة بين القبيلة والتحديث في ليبيا في إطار الحديث عن الشخصية‬
‫القاعدية الليبية ‪ ،‬وقـد أنطلق من فرضية ترجح أن التحديث المادي مهما بلغت قوته ‪ ،‬وأهمية تمويله‬
‫ال يفضى إلى تفكيك المجتمع القبلي ‪ ،‬والى إندثار أواصر البداوة ‪ ،‬وتالشي ثقافة العصبية (ص‪-84‬‬
‫‪ . )85‬لقد أصاب المؤلف إلى حد بعيد في ذلك ‪ ،‬وهو أم ارً متوقعاً في الواقع العربي في مجمله‬
‫الذي شهد حركة تحديث مادي افتقدت للتبدالت والتحوالت المهمة على مستوى الفكر والسلوك ‪،‬‬
‫فضالً عن الفشل في تذويب وتراجع الذهنية والبدوية ‪ ،‬والواقع القبلي بصورة خاصة‪ ،‬وهذا الوضع‬
‫تؤكده العديد من الدراسات المحلية والعربية (التير ‪ ;1992،‬زايد ‪ ;2005،‬الترهوني ‪ ;1999‬النقيب‬
‫‪. )1987،‬‬

‫ومما الشك فيه ‪ ،‬أن القبيلة الليبية والعربية تتعايش إلى حد بعيد مع التحديث المادي والس ـ ـريع بهدف‬
‫الحصول على منافع ووجاهة ‪ ،‬وتأثير سياسي وفقاً لمبدأ الوالء مقابل الهبة مع استعداد القبيلة –‬
‫دائما‪ -‬لتقديم تنازالت لصالح النظام السياسي في ظل عمليات إستقطاب بائسة ومـ ـ ــؤبـ ـ ــوة يمارسها‬
‫ا لنظام نفسه ‪.‬وفي ظل هذه العالقة المشوهة بين التحديث والقبيلة في الواقع الليبي كما هو الحال في‬
‫الواقع العربي غابت عن المشهد التبدالت والتحوالت العميقة التي تصنع التحديث على المستوى‬
‫االجتماعي والثقافي والقيمي ‪.‬‬

‫ومهما يكن األمر‪ ،‬فإن حالة التحديث الليبي تكمن أساساً في صورة التحديث المضطرب والهجين‬
‫والمشوه والمختلط بفعل سيادة ممارسات وسلوكيات تجمع بين هذا وذاك ‪ ،‬وبين القديم الجديد ‪،‬‬
‫والتراث والمعاصرة ‪ ،‬والماضي والحاضر ‪ ،‬ويشكل كل هذا في المجمل تحديثاً ال ينتمي للقديم بصلة‪،‬‬
‫وال للحديث بعالقة‪ ،‬بالت ـ ـ ـوازي مع تشوه النسخة األصلية للتحديث من جانب ‪ ،‬ونسخة التقاليد والتراث‬
‫من جانب آخر‪ .‬وفي الحالتين من التشويـه ُنبذ العقل التي تشكلت في ضوئه الحداثة والتراث (زايد ‪،‬‬
‫‪. )113 :2005‬‬

‫ومن المناسب القول ‪ ،‬أن استمرار الصراع بين الحداثة والتراث ‪ ،‬ناهيك عن غياب لحظة حسم هذا‬
‫الصراع في الواقع العربي قد سد األفق تماماً أمام الحداثة بالمعنى الثقافي ‪ ،‬أو الكونية التي انتشرت‬

‫‪162‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫وسادت – عالميا‪ -‬على حساب الثقافات األخرى من بينها العربية التي صارت ضحية التهميش‬
‫الحضاري الذي ال يرحم ‪ ،‬بعد أن صارت الثقافة العربية بعيدة عن المبادرة والفعالية والتأثير ‪.‬‬

‫مجمل القول ‪ ،‬وخالصة األمر ‪ ،‬أن تعثر تجربة التحديث الليبي رغم توفر كل الظروف واإلمكانيات‬
‫المادية ‪ ،‬تفسر أساساً في ضوء – تعمد – النظام السياسي متمثالً في نظام القذافي في التنصل من‬
‫مسؤولية تحديث المجتمع الليبي اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ‪ ،‬بما في ذلك تأجيل حالة اإلندراج في‬
‫الحداثة ‪ ،‬وعدم اإلنقطاع عن العصر‪ .‬وعوضا عن ذلك ‪ ،‬فإن النظام السياسي السابق ‪ ،‬قد وفّر‬
‫مظلة مناسبة للمحافظة على التفكير البدوي والذهنية البدوية ‪ ،‬بدال من العمل على تغيير الخصائص‬
‫السلوكية لشعب تش ّكل غالبيته نسبة ‪ %95‬من سكان الحضر ‪ .‬فضالً عن أن هذه الغالبية من‬
‫السكان تقطن الساحل الليبي الذي يمتد طوله ألف وتسعمائة كيلو متر تقريباً (العربي ‪. )7:2015،‬‬
‫يختتم المؤلف كتابه حول الشخصية الليبية بالحديث عن قدرة الشخصية الليبية إذا ازدهرت األوضاع‬
‫االقتصادية على فرز – عقلية التاجر – الذى ال يجيد المحاورة السياسية ‪ ،‬وانما يجيد المقايضة وفن‬
‫التفاوض من أجل الكسب والفوز بالصفقة (ص‪ . )97‬وما يمكن قوله في هذا الصدد ‪ ،‬أن األمر‬
‫ليس بهذا التبسيط والتسطيح لحالة الشخصية القاعدية الليبية ‪ .‬فالتاجر وهو يمارس فن الكسب ‪،‬‬
‫واصطياد الصفقة ‪ ،‬والبحث عن الربح ‪ ،‬يعكس في األساس مهارة سياسية ‪ ،‬ويكشف عن عبقرية‬
‫تفاوضية توظف فن إدارة الممكن ‪ ،‬وتحقيق المصلحة ‪ .‬ومن جانب أخر ‪ ،‬فإن إختزال الشخصية‬
‫الليبية في شخصية تاجر ناجح فقط ربما يمثل – قصو اًر – في فهم الشخصية الليبية والواقع الليبي ‪،‬‬
‫فضالً عن ‪ ،‬أن الحديث عن الشخصية في ضوء مهارات التاجر والتجارة يظل ي ّشكل وجهاً واحداً من‬
‫الحقيقة أو الواقع ‪ ،‬عالوة على‪ ،‬أن الواقع االجتماعي يتسم بداهة بالتعقيد والتغير ‪ ،‬وتداخل وتشارك‬
‫الكثير من المتغيرات في إحداثه ‪ ،‬وهو ما ينطبق على الحديث حول الشخصية القاعدية أينما كانت‬
‫وحيثما وجدت ‪ .‬ناهيك عن استحالة تفسير الواقع االجتماعي بشكل عام ‪ ،‬والشخصية القاعدية بشكل‬
‫خاص من خالل متغير واحد حتمي ‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫(( الخاتمــــــــة ))‬


‫استهدفت هذه الورقة البحثية القراءة والمراجعة النقدية على المستويين النظري والمنهجي للعمل‬
‫البحثي الموسوم ‪:‬الشخصية الليبية ‪ :‬ثالوث القبيلة والغنيمة والغلبة للباحث التونسي المنصف وناس‪.‬‬
‫ويتشكل مضمون هذه الورقة أساسا من حوار ونقاش سوسيولوجي يدور حول العوامل أو المتغيرات‬
‫التي أثرت ‪ ،‬وساهمت في هندسة ونحت الشخصية القاعدية الليبية تلك العوامل والمتغيرات التي‬
‫أستند إليها عمل الشخصية الليبية للمنصف وناس والمشار إليه أعاله ‪.‬‬
‫وقـ ـ ــد صيغت تلك المتغـ ـ ـ ــيرات وما ارتبط بها من تفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيرات وأحكام وتص ـ ـ ـ ــورات في ضوء تبني‬
‫الباحث وناس لمنظورات تاريخي ـ ــة اجتماعيـ ـ ـ ــة تدور حول استيطان روماني ووندالي وبيزنطي وأسباني‬
‫وتركي ‪ ...‬لألرض الليبية خالل قرون عديدة من الزمن ‪ ،‬وعلى حساب أهمية العوامل الثقافية التي‬
‫تحمل األدوار األكثر تأثي اًر في نحت وهندسة معالم الشخصية القاعدية في المجتمعات البشرية ‪،‬‬
‫فضالً عن ‪ ،‬أن الشخصية القاعدية الليبية تعتبر منصهرة تماماً في بوتقة الحضارة العربية اإلسالمية‬
‫ديناً ولغة وثقافة وتاريخاً ‪.‬‬
‫ومما يثير اإلنتباه ‪ ،‬فضالً عن الشك في الكثير من نتائج وأحكام كتاب الشخصية الليبية موضوع‬
‫هذه الورقة أن هذا العمل إنطلق من منطلقات نظرية ومنهجية خاطئة في األساس تمثلت في ‪:‬‬
‫تحديدات وصياغات غير دقيقة وغير واضحة لمفهومه الرئيسي متمثالً في الشخصية القاعدية ‪،‬‬
‫فضالً ‪ ،‬عن منطلقات غريبة ارتبطت باستخدام وتوظيف إجراءات منهجية قاصرة ومشوهة ‪ .‬ومن‬
‫بين ما ينبغي قوله في هذا الصدد ‪ ،‬أن عمل الشخصية الليبية هذا قد أنطلق من إشكاليات خطيرة‬
‫على المستوى النظري تمثلت أساساً في غياب األدبيات المناسبة والمتماسكة القادرة على توجيه مادة‬
‫الكتاب ‪ ،‬فضالً عن تحديد المفاهيم الرئيسية في ضوئها وبواسطتها ‪ ،‬عالوة على أن هذا العمل‬
‫إنحاز نظرياً لكتابات غربية ُأنجزت حول الشخصية العربية التي تنفرد بخصوصية وطبيعة مغايرة‬

‫ومختلفة وتتميز بخصوصية حضارية وثقافية مميزة تشكلت في ظل روافد عديدة عربياً واسالمياً‬
‫وأفريقياً ‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫وبين هذا وذاك ‪ ،‬جاء عمل الشخصية الليبية ليقدم لنا جردا لصفات وخصائص الشخصية القاعدية‬
‫الليبي ـ ـ ـ ــة التي تمارس أحوال النهب والغلبـ ـ ـ ـ ـ ــة والبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداوة والقبيلة والغنيمة والثأر ونبذ التغـ ـ ـ ـ ــير‬
‫والحضارة والتحديث ‪ ....‬إلخ ‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر ‪ ،‬فإن جرداً لخصائ ـ ـ ـ ـ ــص الشخصية القاعدية الليبية بهذا الشكل ‪ ،‬وبهذا التجنى‬
‫ال يمكن أن يعك ـ ـ ـ ـ ـ ــس أو يعبر عن صفات ترقى إلى حالة المفاه ـ ـ ـ ـ ـ ــيم التي يتوصـ ـ ـ ـ ــل إليها أهل‬
‫البحث العلمي تلك المفاهي ـ ـ ـ ـ ـ ــم التى تٌعرف على أنها أقوال ال توصف ال بالصدق وال بالبطالن ‪.‬‬
‫ومن ثم ‪ ،‬فإن صفات وخصائص الباحث وناس التي أطلقها على أنها خصائص حقيقية للشخصية‬
‫القاعدية الليبية ال يمكن اعتبارها كذلك ومن ثم ‪ ،‬ال يمكن بأي شكل وتحت أي ظرف استنباط‬
‫تصور نظري ذو مصداقية ي ـ ــدور حول الشخصية الليبية من خالل استعراض جرداً ‪،‬أو قائمة‬
‫بصفات أو خصائص يسم بها كتاب وناس الشخصية القاعدية الليبية ‪ .‬وربما كان من الممكن على‬
‫الباحث وغيره من الباحثين في المجتمع العربي تحقيق هذه الغاية بصياغة مفاهيم جديدة تنتمي –‬
‫جملة وتفصيالً – ل ـ ـواقـ ــع الشخصية الليبية والمجتمع الليبي بشكل خاص ‪ ،‬وواقع الشخصية في‬
‫المجتمع العربي بشكل عام بالتوازي مع ضرورة إعالن الباحثين العرب لقطيعة ال رجعة فيها مع‬
‫التبعية الفكرية واألكاديمية للعلوم االجتماعية الغربية ‪.‬‬
‫وفي ضوء هذا اإلخفاق العربي في الوصول إلى نحت نظرية عربية حول خصائص وسمات‬
‫الشخصية العربية ‪ ،‬فإنه من المهم دع ـ ـ ـ ــوة الباحثين كال من ميدانه وتخصصه البحثي إلى إجراء‬
‫بحوث ودراسات ارئ ــدة تنطلق من خصوصية وطبيعة الشخصية العربية والواقع العربي وحده ‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫الهوامش والمراجع‬
‫‪ -‬محمد الجوهري ‪ ،‬عبداهلل الخريجي ‪ ،‬مناهج البحث العلمي ‪ :‬الجزء الثاني ‪ :‬طرق البحث االجتماعي ‪ ،‬جدة ‪:‬‬
‫دار الشروق ‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أحمد زايد ‪ ،‬تصميم البحث االجتماعي ‪ :‬أسس منهجية وتطبيقات عملية ‪ ،‬القاهرة ‪ :‬االنجلو المصرية ‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬على حسين الوردي ‪ ،‬شخصية الفرد العراقي ‪ :‬بحث في نفسية الشعب العراقي على ضوء علم االجتماع الحديث‬
‫‪ ،‬لندن ‪ :‬منشورات دار ليلى ‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبدالرحيم محمد عبدالرحيم ‪ ،‬الشخصية المصرية في أدب يوسف أدريس ‪ ،‬القاهرة ‪ :‬مطبعة األمانة ‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬إبراهيم الحيدري ‪ ،‬الشخصية العراقية (‪ )1‬البحث عن الهوية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬تونس ‪ :‬التنوير للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع ‪2013 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مديحة فخري محمود ‪ ،‬العقلية العربية في زمن العولمة ‪ :‬مشكالت وقضايا ‪ ،‬عمان ‪ :‬دار دجلة ‪2016‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حامد عمار ‪" ،‬حوار منهجي حول التنمية االجتماعية ومقدمات الشخصية العربية" ‪ ،‬المستقبل العربي ‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،23:‬كانون الثاني ‪ /‬يناير ‪1981 ،‬م ‪ ،‬بيروت ‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪،‬ص‪.106 – 93‬‬
‫‪ -‬مصطفى عمر التير ‪ ،‬أسئلة الحداثة واالنتقال الديمقراطي في ليبيا ‪ :‬المهمة العصية ‪ ،‬بيروت ‪ :‬منتدى المعارف‬
‫‪2013،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مصطفى عمر التير ‪ ،‬مسيرة تحديث المجتمع الليبي ‪ :‬مواءمة بين القديم والجديد ‪ ،‬بيروت ‪ :‬معهد اإلنماء‬
‫العربي ‪1992،‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬حليم بركات ‪ :‬المجتمع العربي المعاصر ‪ :‬بحث استطالعي اجتماعي ‪ ،‬بيروت ‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‬
‫‪1986 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬السيد ياسين ‪ ،‬الشخصية العربية ‪ :‬بين صورة الذات ومفهوم األخر‪ ،‬القاهرة ‪ :‬مكتبة مدبولي‪1993 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬مصطفى عمر التير ‪ ،‬صراع الخيمة والقصر ‪ :‬رؤية نقدية للمشروع الحداثي الليبي ‪ ،‬بيروت ‪ :‬منتدى المعارف‬
‫‪2014 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أحمد بعلبكي ‪ ،‬قراءة ومراجعة لكتاب مصطفى عمر التير ‪ ،‬صراع الخيمة والقصر ‪ :‬رؤية نقدية للمشروع‬
‫الحداثي الليبي ‪ ،‬المستقبل العربي ‪ ،‬العدد ‪ ،426 :‬آب‪ /‬أغسطس‪ ،‬بيروت ‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪،‬‬
‫‪2014‬م ‪،‬ص ‪.147-143‬‬
‫‪ -‬محمد أحمد بيومي وآخرون ‪ ،‬تصميم البحث االجتماعي ‪ :‬األسس واالستراتيجيات ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ :‬دار المعرفة‬
‫الجامعية ‪1992 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬محمد على محمد ‪ ،‬مقدمة في البحث االجتماعي ‪ ،‬بيروت ‪ :‬دار النهضة العربية ‪1983 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬محمود الذوادي ‪ ،‬الوجه اآلخر للمجتمع التونسي الحديث ‪ ،‬تونس ‪ :‬تبر الزمان ‪2006 ،‬م ‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫العدد السابع (ديسمبر ‪)2021‬‬ ‫السنة الثانية‬ ‫مجلة اإلعالم والفنون‬

‫‪ -‬محمود الذوادي ‪ ،‬قراءة ومراجعة كتاب المنصف وناس ‪ :‬الشخصية التونسية ‪ :‬محاولة في فهم الشخصية‬
‫العربية‪ ،‬المستقبل العربي ‪ ،‬العدد ‪ ،396:‬بيروت ‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪2012 ،‬م ‪ ،‬ص‪.163-159‬‬
‫‪ -‬مصطفى عمر التير ‪ ،‬مقدمة في مبادئ وأسس البحث االجتماعي ‪ ،‬طرابلس ‪ :‬مركز الدراسات االجتماعية‬
‫‪2015،‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬ضوء خليفة الترهوني ‪" ،‬دور النظرية في تحديد وصياغة المشكلة البحثية ‪ :‬التساؤالت والفروض والمفاهيم‬
‫الرئيسية " مجلة كلية اآلداب ‪ ،‬العدد‪ ،28 :‬طرابلس ‪ :‬كلية اآلداب ‪ ،‬جامعة طرابلس ‪2016 ،‬م‪ ،‬ص ص‬
‫‪.202-183‬‬
‫‪ -‬ضوء خليفة الترهوني ‪" ،‬دور الدراسات السابقة في تحديد المكونات الرئيسية للمشكلة البحثية ‪ :‬التساؤالت‬
‫والفروض والمفاهيم الرئيسية" ‪ ،‬مجلة العلوم االجتماعية ‪ ،‬العدد‪11:‬طرابلس ‪،‬كلية اآلداب ‪ ،‬جامعة طرابلس يونيو‬
‫‪2017‬م ‪ ،‬ص‪.150- 123‬‬
‫‪ -‬أحمد بدر ‪ ،‬أصول البحث العلمي ومناهجه ‪ ،‬الكويت ‪ :‬وكالة المطبوعات ‪1986،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬طارق متري ‪ ،‬مسالك وعرة ‪ :‬سنتان في ليبيا ومن أجلها ‪ ،‬بيروت ‪ :‬رياض الريس للكتب والنشر‪2015 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬ماجدة العربي ‪ ،‬اآلثار االجتماعية لالنقسام السياسي في ليبيا ‪ ،‬طرابلس ‪ :‬المنظمة الليبية للسياسات‬
‫واالستراتيجيات ‪2015 ،‬م‪.‬‬

‫خلدون حسن النقيب ‪ ،‬المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية ‪ :‬من منظور مختلف ‪ ،‬بيروت مركز دراسات‬ ‫‪-‬‬
‫الوحدة العربية ‪1989،‬م‪.‬‬

‫‪167‬‬

You might also like