Professional Documents
Culture Documents
تدبير الأزمات في المواثيق الدولية
تدبير الأزمات في المواثيق الدولية
الذي يوجه صانع القرار إلى اتخاذ إجراءات ،تحول دون حدوث االنفجار ،كمرحلة ما بعد
األزمة ،إن لم يتم تدبيرها بشكل سليم وعقالني ،ينظم مختلف مراحل األزمة وأبعادها.
يشير مجموعة من الباحثين ،إلى أن ما يسم الحياة الدولية املعاصرة ،هو كونها عصرا
ﹰ
لألزمات ،وتفترض من صناع القرارات الخارجية ،اتخاذ إجراءات تعكس قدراتهم على
املواجهة ،والحيلولة دون وصول الشرارة إلى مداها األقص ى ،من خالل توظيف مجموعة
من اآلليات السياسية واالستراتيجيات ملواجهة األزمات من منطلق الوعي أن كل خلل أو
أزمة تشكل تهديدا لألمن والسلم الدوليين ،خصوصا في ظل تنامي مجموعة من التحديات
© 2023ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ .ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ،ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ .ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ
الجديدة التي تستدعي تعبئة وجهدا كبيرين ملواجهتها كاإلرهاب والهجرة السرية وتمدد
ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ ،ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ
ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ.
ﻟﻺﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻗﻢ ﺑﻨﺴﺦ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺇﺳﻠﻮﺏ ﺍﻹﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ:
ﺇﺳﻠﻮﺏ APA
ﻟﻌﻤﻴﻢ ،ﺯﻫﻴﺮ .(2022) .ﺗﺪﺑﻴﺮ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺍﺛﻴﻖ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ :ﺍﻵﻟﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺎﺕ.ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ
ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ ،ﻉ .198 - 159 ،40ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ
http://search.mandumah.com/Record/1243525
ﺇﺳﻠﻮﺏ MLA
ﻟﻌﻤﻴﻢ ،ﺯﻫﻴﺮ" .ﺗﺪﺑﻴﺮ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺍﺛﻴﻖ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ :ﺍﻵﻟﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺎﺕ".ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ
ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔﻉ .198 - 159 :(2022) 40ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ
http://search.mandumah.com/Record/1243525
Crisis management in international conventions: political mechanisms and
strategies
مقدمة:
وتداخال كبيرين ،بين مختلف الوحدات السياسية
ﹰ يعرف املجتمع الدولي تفاعال
ﹰ
املشكلة له ،خاصة في ظل سياق دولي يتسم بالعوملة ،والتأثيرات املتبادلة ،مما يؤدي إلى
الذي يوجه صانع القرار إلى اتخاذ إجراءات ،تحول دون حدوث االنفجار ،كمرحلة ما بعد
األزمة ،إن لم يتم تدبيرها بشكل سليم وعقالني ،ينظم مختلف مراحل األزمة وأبعادها.
يشير مجموعة من الباحثين ،إلى أن ما يسم الحياة الدولية املعاصرة ،هو كونها عصرا
ﹰ
لألزمات ،وتفترض من صناع القرارات الخارجية ،اتخاذ إجراءات تعكس قدراتهم على
املواجهة ،والحيلولة دون وصول الشرارة إلى مداها األقص ى ،من خالل توظيف مجموعة
من اآلليات السياسية واالستراتيجيات ملواجهة األزمات من منطلق الوعي أن كل خلل أو
أزمة تشكل تهديدا لألمن والسلم الدوليين ،خصوصا في ظل تنامي مجموعة من التحديات
© 2023ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ .ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ،ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ .ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ
الجديدة التي تستدعي تعبئة وجهدا كبيرين ملواجهتها كاإلرهاب والهجرة السرية وتمدد
ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ ،ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ
ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ.
املشكلة له ،خاصة في ظل سياق دولي يتسم بالعوملة ،والتأثيرات املتبادلة ،مما يؤدي إلى
الذي يوجه صانع القرار إلى اتخاذ إجراءات ،تحول دون حدوث االنفجار ،كمرحلة ما بعد
األزمة ،إن لم يتم تدبيرها بشكل سليم وعقالني ،ينظم مختلف مراحل األزمة وأبعادها.
يشير مجموعة من الباحثين ،إلى أن ما يسم الحياة الدولية املعاصرة ،هو كونها عصرا
ﹰ
لألزمات ،وتفترض من صناع القرارات الخارجية ،اتخاذ إجراءات تعكس قدراتهم على
املواجهة ،والحيلولة دون وصول الشرارة إلى مداها األقص ى ،من خالل توظيف مجموعة
من اآلليات السياسية واالستراتيجيات ملواجهة األزمات من منطلق الوعي أن كل خلل أو
أزمة تشكل تهديدا لألمن والسلم الدوليين ،خصوصا في ظل تنامي مجموعة من التحديات
الجديدة التي تستدعي تعبئة وجهدا كبيرين ملواجهتها كاإلرهاب والهجرة السرية وتمدد
الجماعات املتطرفة واإلجرامية ،...فما هي األزمة؟ وما خصائص األزمة الدولية؟ ثم ما هي
اآلليات السياسية لتدبير األزمات في السياق وامليثاق الدولي؟ وما هي مختلف االستراتيجيات
الدولية.
مقدمة:
َّ
إن تدبير األزمة ليس باألمر الجديد في العالقات الدولية ،بحكم أن طبيعة الحياة
الدولية مرتبطة بالتفاعل والتنافس والصراع والفوض ى حسب رواد املدرسة الواقعية،
الذين يؤكدون على أن السمة الغالبة على املجتمع الدولي ،هي الفوض ى وسيادة استعمال
القوة في حسم العديد من الخالفات واألزمات الدولية ،رغم وجود العديد من املؤسسات
واملنظمات التي تسعى إلى تدبير االختالف والصراع ،في إطار قواعد القانون الدولي ،إذ توجد
بعض القوى الدولية التي ال تلتزم بها ،وتعتبر سيادتها تعلو على كل نظام كوني ،وهذا ما
من منطلق أن البحث في األزمات الدولية ،وآليات تدبيرها يندرج ضمن أدوار
السياسة الخارجية ،التي أضحت من املواضيع التي تثير اهتمام الباحثين في املغرب على
وجه الخصوص ،سواء من خالل التركيز على مخرجات هذه السياسة على التنمية واألمن
الداخلي واإلقليمي ،أو من خالل البحث في املدخالت التي توجه السياسة الخارجية ألية
دولة ،من خالل القرارات التي تصنعها مؤسسات صنع القرار الخارجي الدولي واإلقليمي،
ﹰ لفهم الخلفية املعلوماتية ،وتحديد أسس املوضوع فإن اإلطار النظري يعتبر مدخال
ﹰ أساسيا
وللوقوف على اآلليات املؤسسية لصنع القرار الخارجي الدولي ،وكيفية اتخاذ قرار
ﹰ لألمن
االنخراط في تدبير األزمات التي يرتبط بها املجال الجغرافي ،والتي يشكل حدوثها تهديدا
واالستقرار والسلم الدولي ،نخصص الفرع األول للحديث عن األسس املفهومية لتدبير
األزمات ،على أن نتحدث في الفرع الثاني على اآلليات السياسية واالستراتيجيات املنصوص
عليها في املواثيق الدولية واملوجهة لعمل الهيئات واملؤسسات التي تعنى بحفظ األمن
واالستقرار.
َّ
إن غياب اتفاق بين الباحثين والدارسين ،حول مفهوم جامع ومانع ملفهوم األزمة
وآليات تدبيرها يرجع في جانب منه ،إلى افتقاد العلوم االجتماعية لنظرية تفسيرية عامة
لظاهرة األزمة الدولية ،وغياب بناء فكري تنظيري شامل يمكن تعميمه على كل الحاالت
الواقعية ،لذلك يلجأ كل باحث إلى تبني تعريف إجرائي يناسب موضوع البحث ،ويتفق مع
أهداف دراسته ،لكن هذا ال يمنع من البحث في مفهوم األزمة ومميزات األزمة الدولية
وخصائصها.
تعرف الداللة املفهومية لألزمة بعض الصعوبة في تحديدها ،بحكم اتساع نطاقها
وتداخلها مع مجموعة من املفاهيم التي تتقاطع معها ،مثل النزاع واملشكل والكارثة ،لكن
ما يمكن قوله إن مفهوم األزمة ،مفهوم ضارب بجذوره في عمق تاريخ اإلنسانية ،بدءا من
الحديث عن أزمة الثقة بين األفراد ،وانتهاء بأزمة العالقة بين الدول وما ينتج عنها من
مخاطر كبرى .216وقد نشأ مصطلح األزمة في العصر اإلغريقي ،للداللة على تلك اللحظة
قاطعا من
ﹰو ﹰ ﹰ مفاجئا
العرضية الحرجة التي ترتبط بها حياة اإلنسان ،حيث كان يصف تغيرا
املمكن أن يقود إلى الشفاء أو املوت ،217ليتطور املفهوم في القرن السابع عشر ليدل على
ارتفاع درجة التوتر بين السلطة السياسية والكنسية ،ومع ظهور الديمقراطية والليبرالية
في أوروبا ،استخدم املفهوم لإلشارة إلى لحظات التحول أو املشكالت الخطيرة في العالقات
َّ
إن األزمة هي فعل أو نشاط من صنع اإلنسان بإرادته املباشرة أو بدون قصدية،
كتمييز لها عن الكارثة الطبيعية ،ومرحلة من مراحل الصراع ،تعبر عن اللحظة الحرجة أو
نقطة التحول الخطرة التي تهدد العالقات بين الفاعلين أو بينهم والبيئة املحيطة بهم ،وقد
216ـ سامي ابراهيم الخزندار :إدارة الصراع وفض المنازعات –إطار نظري – الدار العربية للعلو م ناشرون،
بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى ،0314 ،ص .130
0ـ عبادة محمد التامر ،سياسة الواليات المتحدة األمريكية وإدارة األزمات الدولية ،المركز العربي لألبحاث ودراسات
السياسات ،الطبعة األولى ،بيروت ،أبريل 0312ص .06
-218سامي إبراهيم الخزندار ،المرجع السابق ،ص .132
قد تتحدد فيها مسارات تطور العالقة إما إلى الحرب أو إلى السلم .219وتتعدد املفاهيم
املرتبطة بتحديد مفهوم األزمة ،بين من اعتبرها الوضع الذي يتم فيه تحديد األهداف ذات
األولوية لصناع القرار ،220وبين من يرى أن األزمة هي مرحلة من مراحل الصراع ،تشمل
-7وضع فيه تهديد جزئي ملنظومة القيم أو املؤسسات السياسية أو االجتماعية أو
األمنية.222
إليضاح أكبر ملفهوم األزمة ،البد من تحديد بعض املفاهيم ذات الصلة بمفهوم
األزمة ،حتى تكون النتائج والخالصات املرتبطة به ،تسير في االتجاه الصحيح ،فهناك
الكارثة هي ذلك الحدث الذي يسبب دمارا شامال وأضرارا كثيرة مما يجعلها حادثا
ﹰ ،يربك الحياة بشكل بالغ ،ويوقع العديد من الخسائر املادية والبشرية.
مفجعا ومأساويا
تتميز الكارثة بثالث صفات أساسية :أولها الشدة والقساوة ،بحيث يمكن قياس تلك الشدة
-219جمال أحمد المختار ،المفاوضات وإدارة األزمات ،مجلة السياسة الدولية ،مركز األهرام ،مصر ،العدد،137
1000ص .001
220
-Hermann, Charles، "International Crisis as a Situational Variable." In International
Politics and Foreign Policy. A Reader in Research and Theory, new york : the free press
1969 p 409.
221
- Holsti, OR. "Historians, Social Scientists, and Crisis Management: An Alternative
View." Journal of Conflict Resolution ,December 1980, p 655.
-7سامي ابراهيم الخزندار ،مرجع سابق ،ص .132
انطالقا من رصد حجم الدمار والخسائر التي ال يشترط وجودها في األزمة ،وثانيها اتساع
النطاق ،بحيث تشمل مخلفاتها مناطق جغرافية واسعة ،أو مؤسسات ومنظمات ،وثالثها
الشيوع والعلنية ،بحيث تكون الكارثة بارزة وواضحة ال يمكن تجاهلها أو حجبها ،كما يمكن
القول إن الفرق بين الكارثة واألزمة ،يكمن في كون األولى يمكن أن تحدث فجأة ،ويستحيل
التنبؤ بها التخاذ اإلجراءات الكفيلة بالحد منها ،في حين تشكل األزمة حصيلة مجموعة من
أما الصراع ،فهو ظاهرة اجتماعية تعبر عن حالة من عدم االرتياح أو الوقوع تحت
الضغط النفس ي ،الذي يحدث بسبب غياب التوافق بين رغبتين أو أكثر ،أو وجود تعارض
بين إرادتين أو أكثر .وفي املستوى الدولي يعبر الصراع عن حالة من تعارض املصالح ،أو
اختالف القيم ،بين مجموعة من التنظيمات أو املؤسسات ،التي لها تمايزها أو مصالحها
املتعارضة مع بنيات أخرى ،داخليا أو خارجيا .ويشير سياسيا إلى الحروب أو الثورات التي
تستخدم فيها القوة ،كما هو في الصراعات املسلحة ،224وقد يقترب مفهوم األزمة من مفهوم
تختلف األزمة كذلك عن مفهوم املشكلة ،بكون األخيرة تعني تلك الحالة الصعبة
التي تتطلب حال ،وهي كذلك حاالت تتعقد فيها عوامل متشابكة تتصف بالغموض ،ويحتاج
-8ادريس زروقي ،إدارة األزمات ونزاع الصحراء المغربية-دراسة تحليلية-الطبعة األولى ،0317مطبعة الكتاب،
الدار البيضاء ،ص .00
-9ادريس زروقي ،المرجع السابق ص .03
حلها إلى معرفة أسبابها وتحليل عناصرها وظروفها ،ويؤدي تراكم املشكالت إلى ظهور
إذا كان التحديد السابق قد ساهم في الوقوف عند االختالفات وتحديد التمايزات
القائمة بين األزمة واملفاهيم األخرى املرتبطة بها ،فإن ذلك التوصيف في البعد السياس ي
ال يرتبط أكثر إال بمفهوم األزمة ،على اعتبار أن املجال السياس ي ،خاصة في شقه الدولي،
ﹰ حينما
غني بالخصائص والصفات التي تؤثر على تمظهرات األزمات السياسية وتحديدا
تكون تلك التمظهرات ذات صلة وثيقة باملحيط الخارجي ،ومتغيراته في مسمى األزمة
الدولية ،التي تعني حسب أمين هويدي" سلسلة من التفاعالت بين دولتين أو أكثر ،يدور
بينهما صراع شديد يمكن أن يؤدي إلى نشوب حرب بينهما ،وفيها يكون صاحب القرار في
مواجهة ذلك املوقف املهدد للمصالح العليا للوطن ،فيتطلب األمر وقتا وجيزا للتعامل مع
ذلك املوقف واتخاذ قرارات نوعية وحاسمة" .226وتتسم بخصائص رئيسية ،تحدد رؤية
-10حسن عماد مكاوي ،اإلعالم ومعالجة األزمات ،ط ،0332 ،1الدار المصرية اللبنانية ،القاهرة ،مصر ،ص .20
-11أمين هويدي ،التحوالت االستراتيجية ،البيروسترويكا وحرب الخليج األولى ،الطبعة األولى ،1007 ،دار
الشروق مصر ،ص .101
لذا يمكن القول إن األزمة الدولية هي ذلك الجزء الحاسم من الصراع الدولي الذي
يتسم بتصاعد وتيرته ،نتيجة مساسها باملصالح القومية والقيم العليا ،بحيث يشعر صناع
ينطوي تعريف "األزمة الدولية" على أهمية علمية وعملية في آن واحد ،لذلك
حظيت باهتمام الفكر السياس ي األمريكي على الخصوص ،فإدوارد موس يعرف األزمة
الدولية ،بأنها "حالة طارئة ومفاجئة يمكن أن تكون غير متوقعة ،تتطلب خيارا سياسيا
الدولية هي فترة انتقالية بين الحرب والسلم ،لكن احتمال اللجوء إلى الحرب يتضاءل من
قبل الدول املتورطة فيها عندما يقل اللجوء إلى استخدام القوة" .231أما تشارلز هيرمان
الذي يعد من أهم رواد مدرسة صنع القرار ،فيعرف األزمة الدولية انطالقا من ثالث
خصائص:
-10عبادة محمد التامر ،سياسة الواليات المتحدة ،مرجع سابق ،ص .43
-10هيا عدنان عاشور ،الديناميكا السياسية وإدارة األزمات الدولية :اإلدارة األمريكية ألزمة الملف النووي
اإليراني أنموذجا ،الطبعة األولى ،0316 ،دار الجندي للنشر والتوزيع ،القدس ،ص .20
229
-raymond tanter and richard ulman, «theory and policy international relations-
washington,center of international studies, 1972 p 126.
-230أستاذ العالقات الدولية وأول صاحب بنك للمعلومات حول وقائع التفاعل /األحداث ،WEISالذي يحلل به
وقائع التعاون و الصراع في العالم منذ األربعينات .من أبرز منظري المدرسة النظمية في دراسة علم السياسة.
-231حسن بكر أحمد ،إدارة األزمة الدولية :نحو بناء نموذج عربي في القرن الواحد والعشرين ،مركز الدراسات
السياسية واالستراتيجية ،القاهرة ،مصر ،0332 ،ص .73
أ-تهدد واحدا أو أكثر من أهداف الدولة ،التي تحددها مجموعة من صناع القرار
املسيطرين.
ب-تسمح بفترة قليلة من الوقت التخاذ القرار ،قبل أن يتغير املوقف جوهريا.
يعكس مفهوم" األزمة الدولية" تفاعل مضمون األزمة مع البيئة املحيطة به في
النظام الدولي ،وباعتباره مرحلة من مراحل الصراع ،فإن مفهوم األزمة الدولية ،يمكن
بين دولتين أو أكثر ،وقد تتطور إلى مواجهة عسكرية .233ويمكن اعتبار األزمة الدولية
الصورة األشد كثافة للصراعات ،والتي تجري داخل النظام الدولي ،مما يحيل إلى تنشيط
محتمل للحرب ويعرف بأنها تدهور خطير في العالقات الدولية ،نتيجة تغير في البيئة
الخارجية أو الداخلية لألطراف املشاركين في األزمة ،هذا التدهور يولد لدى صناع القرار
ﹰ بوجود تهديد خارجي للقيم واألهداف الرئيسية للسياسة الخارجية ،مما يرجح
إدراكا
– الوجه الخارجي املتمثل في البعد الدولي الذي يؤثر في العالقات الدولية ،وهي من
األمور الطبيعية املسلم بها ،فال يمكن تصور العالقات الدولية دون أزمات ناتجة عن
التحديات الخارجية.
نتيجة للتفاعالت وتعارض املصالح بين الوحدات السياسية الدولية ،وجب على
صناع السياسات الخارجية االستعداد ملجابهة األزمات املحتملة حال حدوثها ،وقراءتها
بشكل يمكن من تدبيرها بالشكل األمثل ،والقيام بشكل مستمر بإعداد السيناريوهات
املستقبلية ملواجهة التحديات والتهديدات الخارجية املحتملة ،التي يمكن أن تواجهها في
املستقبل القريب.235
يرتبط تحليل دور آليات تدبير األزمات ودراسته باستحضار كل أبعاد األزمات
الداخلية منها والخارجية ،باعتبار أن العالم واملنطقة العربية على وجه التحديد تعاني من
طبيعة بنيتها الداخلية التي تعيق مسارات التنمية والتطور بها ،وكذلك تأثيراتها التي تتعدى
حدودها الضيقة لتهدد كل دول الجوار ،خصوصا في ظل الهشاشة األمنية والسياسية التي
تسم طبيعة الدولة في مجموعة من الوحدات السياسية ،ورغم أن هذه األزمات في عالقتها
-235سوران اسماعيل عبد هللا ،دور العقوبات الذكية في إدارة األزمات الدولية ،الطبعة األولى ،0310 ،منشورات
الحلبي الحقوقية ،لبنان ،ص 20-21
باملجال املغربي مثال ،تتحدد كأزمات إقليمية ،إال أنها كذلك بنفس دولي ،بحكم التدخالت
الدولية املوازية للتدخالت اإلقليمية من جهة ،وباعتبار التأثيرات املحتملة لتلك األزمات
على السياقات الدولية ،كظاهرة اإلرهاب والهجرة غير الشرعية ،التي تتجاوز نطاقات تأثيرها
مستوى القارة أو املجال اإلقليمي لتصير ظواهر مهددة للسلم واألمن الدوليين.
إذا كان من الصعب إيجاد تعريف جامع مانع ملفهوم األزمة الدولية ،فإنه من
البساطة القول بأن األزمة السياسية موقف من مواقف الصراع ،تتسم باملفاجآت وضيق
مجال التحرك ،وكثافة األحداث وحدة املخاطر املهددة للنظام املحلي أو اإلقليمي أو الدولي.
َّ
إن األزمة الدولية تتحدد من خالل عناصر عدة ،تعد الخصائص والسمات
املفاجأة :بمعنى مباغثة أطراف النزاع في الزمان واملكان اللذين ال يتوقعهما ،مما
االستقرار العام.
ضيق الوقت :حيث يكون لعامل الوقت أهمية بالغة قبل استفحال األزمة
وتعقدها ،مما يجعل إمكانيات الحل أمام متخذ القرار محدودة جدا ،وتزداد
كما يعد عنصر نقص املعلومات من العناصر األساسية في األزمات ،حيث إن
توافرها ينفي صفة املفاجأة بالتنبؤ ،ووضع تخطيط مسبق ،ويمكن من تدبير عامل الوقت
باستراتيجيات وسيناريوهات بديلة ومتناسبة مع مرحلة تطور األزمة ،بما يقلص من مخاطر
إضافة إلى ذلك ،يمكن القول إن من سمات األزمة الدولية املحتملة236. التهديدات
القائم.
-أولويات تأثيراتها يمكن أن تقود إلى نتائج محورية على األطراف في مجاالتها.
- 236سالم عبد هللا علوان الحبسي ،إدارة األزمات األمنية ،مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية ،الطبعة
األولى ،0313ص .11
-20حسن بكر احمد ،إدارة األزمة الدولية ،مرجع سابق ص .60
-اإلحساس باألهمية القصوى ملا يجري ،مما يشكل ضغطا على صناع القرارات
الخارجي.
-قلة املعلومات املتاحة ،وارتفاع في حدة التوتر بين أطراف األزمة ،بما يهدد السلم
وتنقسم األزمات الدولية من حيث تكرارها إلى أزمات دولية غير قابلة للتجدد ،وهي
األزمات التي ترتقي إلى الحل ،ويكون حلها نهائيا يحول دون ظهورها على الساحة الدولية،
والنوع الثاني يرتبط باألزمات الدولية املمتدة ،والقابلة للتجدد ،أي األزمات التي يتم
َّأما األزمات من حيث املدى الزمني فتنقسم إلى األزمات الدولية السريعة الظهور؛
التي يتصارع فيها الزمن مع عمل صانع القرار السياس ي ،بحكم تمددها السريع واملفاجئ
واملتحول إلى درجة الخطورة بصورة كبيرة .والنوع الثاني هو األزمات الدولية البطيئة التي
تنمو بصورة تدريجية ،تستطيع الحلول املتدرجة معالجتها والحيلولة دون استفحالها.238
كما تتميز األزمة الدولية بخصائص متعددة ،تتحدد حسب طبيعة األزمة ،والزاوية
التالي239: التي ينظر إليها من خاللها .كما هو مبين في الجدول
-238سوران إسماعيل عبد هللا بنديان "،دور العقوبات الذكية في إدارة األزمات الدولية" ،منشورات الحلبي الحقوقية،
لبنان ،الطبعة األولى ،0310 ،ص.64
-239سالم عبد هللا علوان الحبسي" ،إدارة األزمة األمنية" ،مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية ،الطبعة
األولى 0313ص.03
أزمات ذات أثار من حيث اآلثار أزمات إدارية /اجتماعية/سياسية من حيث النوع
بشرية/مادية/معنوية/مختلطة داخلية/محلية/ أزمات
/اقتصادية /أمنية من حيث أبعادهما
عمدية أزمات عمدية /غير من حيث القصد
إقليمية/دولية ومستوى حدوثهما
أزمات ذات تهديد عال الشدة/ من حيث تهديد أزمات إنسانية أو طبيعية أو من حيث طبيعة
متوسط الشدة /تهديد محدود املصالح الحيوية ناجمة عن سلوك غير معلوم. الحدث
من حيث التطور أزمات ثنائية /متعددة األطراف/ من حيث األطراف
أزمات كامنة /متوقعة/جديدة
التاريخي معقدة املتدخلين فيها
إرهاب الطرف اآلخر /االبتزاز/ من حيث الهدف أزمات عامة /شاملة/خاصة/ من حيث الشمول
تحقيق املصالح جزئية والتأثير
أزمات مصدرة /لها جذور في بلد
أزمات قصيرة األمد /طويلة األمد من حيث املدة من حيث املصدر
الحادث
أزمات متوقعة /أزمات مفاجئة من حيث درجة أزمات داخلية /خارجية من حيث نوع الجمهور
توقعها املتأثر بها
أزمات دورية مكررة /عشوائية غير من حيث معدل من حيث الفوائد
أزمات تنموية /عرضية
مكررة تكرار حدوثها واألضرار
أزمات سطحية /هامشية/
أزمات عنيفة/خفيفة من حيث شدتها من حيث عمق األزمة
عميقة /هيكلية /جوهرية
أما بخصوص مراحل األزمة فقد انبرى الباحثون والدارسون ،إلى الحديث عن
مراحل متعددة تمر منها األزمة ،وهذا التعدد يعود باألساس إلى طبيعة األزمة وحدتها
ومؤشرات وقوعها ،في إطار ما يطلق عليه دورة حياة األزمة ،التي تشبه دورة حياة الكائن
البشري ،الذي يمر من مرحلة النشوء ،وامليالد ،ثم مرحلة النمو ،والنضج وصوال إلى
االنحدار واملوت .وترتبط قدرات الفاعل في استطاعته إدراك مراحل تطور األزمة
و"إجهاضها" قبل وصولها إلى مرحلة الذروة ،ويحصرها " محمد الشافعي" في ثالث مراحل
أساسية:
-مرحلة ما قبل وقوع األزمة :وهو ما يعرف باستشعار األزمة واتخاذ اإلجراءات
الوقائية حتى يمكن تالفيها ،وهذا ال يتوفر إال للمنظمات والدول التي تتوفر لديها
األزمات.
-مرحلة مواجهة األزمة حال وقوعها :من خالل اتخاذ اإلجراءات التي تحد من أثارها
-مرحلة إجراءات ما بعد األزمة :من خالل دراسة وتقييم للرهانات واألثر impact
والتساؤل عما حدث؟ وملاذا حدث؟ وكيف حدث؟ وماهي البدائل والسبل الكفيلة
؟240. بعدم الحدوث
إن أهمية معرفة دورة األزمة ومراحلها يفيد في تحديد املرحلة التي تعيشها
للتعامل معها ،وإدارتها بشكل جيد رغم الصعوبة العملية ،واملنهجية الشاقة التي تعتري
هاته القدرة على املعرفة لطغيان األحكام واآلراء الذاتية في مقاربة املرحلة التي وصلت إليها
-25حسن عماد مكاوي ،اإلعالم ومعالجة األزمات ،ط ،1الدار المصرية اللبنانية ،0332 ،مرجع سابق ،ص .74
ومما تجدر اإلشارة إليه في هذا الصدد ،أنه في جميع مراحل نشأة األزمة الدولية،
هناك ضرورة أن يكون صانع القرار ُملما ومدركا بشكل كاف بأدوات التعامل ومواجهة
ملصالحه241. مخلفات األزمات املهددة
كما تتحدد أهمية تحديد مراحل األزمة في الوقوف على العوامل املسببة لها،
واتخاذ القرارات الالزمة ملواجهتها ،أما بعد انحسار األزمة أو اختفائها فيجب على األجهزة
املسؤولة عن تدبير األزمة ،القيام بتقييم وبحث موضوعيين لألدوار والرهانات ،بغية
تطويقها وتوفير حلول ملواجهتها ثانية ،بما يحقق األهداف والرهانات التي يود تحقيقها
إن إدارة األزمة وتدبيرها أو التدبير باألزمة ،ليست مسالة مرتبطة فقط بالظواهر
السياسية بل تتعداها لتشمل كل مناحي الحياة البشرية ،رغم أن دراستنا سوف تقتصر
فقط على دراسة األزمات السياسية ،والتركيز على اإلقليمية منها ،رغم أن الوصف سيميل
إلى اعتبارها أزمات دولية .ومما ال شك فيه أن مسألة تدبير األزمات تتحدد بالقدرة على
صناعة القرار واتخاذ اإلجراءات الالزمة في وقت مناسب ،مما يفرض توفر مهارات،
-26سالم عبد هللا علوان الحبسي ،إدارة األزمات األمنية ،مرجع سابق ص .10
التدبير الس يء لألزمة عائقا أمام صانع القرار ،يؤدي به إلى تسديد فاتورة باهظة على
هذه اإلكراهات تجعل من تدبير األزمة فنا لتدبير املخاطر ،وعلما يقتض ي منهجية
علمية ومقاربات نظرية ،تنهل من املرجعيات األكاديمية ،بما يحيل على تدبير عقالني وموجه
تتماش ى مع الثوابت والرهانات املحددة سلفا ،قبل اتخاذ القرار السياس ي باالنخراط في
تدبير أزمة إقليمية أو دولية معينة .لذلك تظهر أوال أهمية تحديد مفهوم تدبير األزمات
ومختلف املقاربات التي عملت على ربطه بمنهجية علمية وعملية محددة ،وقبل استحضار
اآلليات املعتمدة في تدبير األزمات ثانيا ،وثالثا االستراتيجيات التي يوظفها مدبر األزمة.
يرتبط بتدبير حالتي السلم والحرب ،أو ما بينهما بمسمى األزمة ،حتى ال تتحول إلى حرب،
مما يقتض ي القيام بإجراءات وتدابير تحول دون ذلك ،وهو ما يطلق على تسميته "بتدبير
األزمة" ،التي تعني بشكل مبسط " فن إدارة السيطرة على األحداث وعدم السماح لها
بالخروج عن نطاق التحكم" 242في محاولة للتغلب على األزمة الواقعة بين دولتين أو أكثر،
أو بين فاعلين في مجال معين ،من أجل منع تفاقمها ووصولها إلى مرحلة تهدد األمن اإلقليمي
-242ادريس لكريني ،إدارة األزمات في عالم متغير :المفهوم والمقومات والوسائل والتحديات ،المركز العلمي
للدراسات السياسية ،المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش ،المغرب ،الطبعة الثانية ،0314 ،ص .00
والدولي ،وتنذر بتبعات أمنية أو اقتصادية أو اجتماعية ،تؤثر في املجال املحيط بها ،الذي
قد يكون محدودا كما قد يكون ممتدا في حدود كبيرة جدا .لذلك ارتبط تدبير األزمة
بالتوظيف األمثل للمعلومات املتوفرة ،ورصد حركة املتغيرات واألطراف ،واتجاهات القوة
وخارجيا243. ومحاولة التكيف السريع مع املتغيرات واملؤثرات املحيطة باألزمة داخليا
يمكن القول بأن تعريفات مفهوم " تدبير األزمات " متعددة ومتنوعة أيضا،
بحسب االتجاهات واملقاربات واملنطلقات الفكرية للباحثين في املجال ،لكن ذلك ال يمنع
يعرف العماري تدبير األزمات وإدارتها بأنها "العمل على تجنب تحول النزاع إلى
صراع شامل بتكلفة مقبولة ،ال تتضمن التضحية بمصلحة أو قيمة جوهرية " 244وبالتالي
فإنها نشاط عملي يستحضر فيه مدبر األزمة املصالح القومية ،ومدى تأثر مجاله باستفحال
األزمة ،مع األخذ بعين االعتبار منطق الربح والخسارة في حالة اتخاذ القرار باالنخراط في
كما يرى محمد الشافعي بأن تدبير األزمة وإدارتها هي " كيفية التعامل والتغلب
على األزمة باألدوات العلمية املختلفة وتجنب سلبياتها واالستفادة منها مستقبال" ،وهنا
تتداخل املعرفة العلمية وتوظيف املنهج العلمي في مقاربة الظواهر السياسية ،إلى جانب
-243هيا عدنان عاشور ،الديناميكا السياسية ،وإدارة األزمات الدولية ،مرجع سابق ص .70
-244عباس رشدي العماري ،إدارة األزمات في عالم متغير ،مركز األهرام للترجمة والنشر ،القاهرة ،مصر،1000 ،
ص .40
ويشير الباحثون واملمارسون ،إلى أن إدارة األزمات وحسن تدبيرها هي علم ،بمعنى
وجود منهج له أصوله وقواعده ،وقد بدأ هذا العلم يتبلور في العقود األخيرة رغم أن
ممارسته قديمة جدا في السلوك اإلنساني الذي كان دائما يتفاعل مع أزماته بإيجاد حلول
فضلى لها ،لكن في مجال العلوم السياسية أصبح املفهوم حاضرا بقوة ،منذ بدايات القرن
والعسكرية والعلمية ،فشاع استخدام كلمة " األزمة " فعرفت األزمة االقتصادية ل8373
وما تالها من أزمات سياسية وعسكرية ،أدت إلى نشوب الحرب العاملية الثانية ،وبعد انتهاء
الحرب وظهور أزمات الحرب الباردة بين املعسكرين الشرقي والغربي ،برزت أزمات جديدة
هددت السلم واألمن الدوليين ،فكانت األزمة الصينية ( )8342-8342وأزمة برلين (-8341
)8343وغيرها كثير.
ويمكن القول إن موضوع تدبير األزمات ،أصبح على رأس املوضوعات الحيوية في
العالم ،منذ أزمة الصواريخ الكوبية ،2458377وتكمن أهمية هذا الحدث في تصريح وزير
الدفاع األمريكي في ذلك الوقت ماكنمارا ،بقول مفاده أن الحديث عن اإلدارة االستراتيجية
ألحداث العالم قد انتهى ،ليصبح الحديث عن إدارة لألزمات .فأصبح للمفهوم أهمية كبيرة
َّ
كونه جنب البشرية ويالت حرب نووية بين االتحاد السوفياتي والواليات املتحدة األمريكية،
-245خالل سنة 1060اكتشفت الواليات المتحدة األمريكية وجود خطة سوفييتية ترمي إلى نصب صواريخ متطورة
على األراضي الكوبية موجهة ضد أهداف أمريكية؛ وهو ماحذا بها إلى فرض حصار بحري حول كوبا للحيلولة
دون نصب هاته الصواريخ م ّما أدى إلى تأزيم العالقة بين موسكو وواشنطن؛ لتنتهي األزمة بعد اإلتصاالت بين
خروتشوف وكينيدي بعد تفكيك الصواريخ السوفييتية مقابل التزام امريكا بعدم التعرض للشؤون الداخلية الكوبية و
سحبها الصواريخ النووية من األراضي التركية المتاخمة لالتحاد السوفياتي؛ للتوسع في الموضوع ينظر ،علي صبح:
الصراع الدولي في نصف قرن ،1002-1042دار المنهل اللبنانية ،الطبعة التانية 0336ص 161-163و ما يليها.
ونظرا لتكلفة آلياته املتواضعة أمام التكاليف الباهظة التي تؤدي إليها الحروب
التقليدية .246كما أن تدبير األزمات فن أيضا ،بمعنى أن ممارستها تعتمد على أشخاص
يتحلون بقدرات ومهارات خاصة ،منها القدرة على التحليل والتخيل واإلبداع ،والتقدير
ُ َّ ُ ُ
ومتخذ القرار السياس ي ،إضافة دبر
السليم وغيرها من الصفات التي يفترض توفرها في م ِ
إلى ِاتصافه بالكاريزما واملقبولية لدى أطراف النزاع.
إذا كان من الطبيعي القول بأن وجود األزمات داخل بنية املجتمع الدولي ،بحكم
تضارب املصالح وتعقد الرهانات أمر طبيعي ،فإن املالحظ أن األزمات ازدادت استفحاال،
وأضحت أكثر تعقيدا ،خصوصا بعد انهيار الثنائية القطبية ،وما تمخض عنها من متغيرات
على البيئة الخارجية وظهور قوى وظواهر مؤثرة في البيئة الدولية مثل العوملة والجماعات
اإلرهابية وتشابك املصالح املالية ،بتنامي دور الشركات الدولية أو العابرة للقارات؛ وغيرها
من الظواهر التي تشكل مصادر لألزمات ومسسبباتها ،خصوصا في مجاالت محددة ،حيث
تالزمت األزمات في إفريقيا والشرق األوسط بشكل كبير ومهول ،تجاوز في قدراته إمكانية
حلها باالعتماد على املنظمات الدولية ،التي أضحت عاجزة عن ذلك بحكم أزمتها البنيوية،
وخروجها في كثير من األحايين عن املصداقية والحياد الالزمين ،مما أثر في شرعيتها لدى
أطراف النزاع ،الش يء الذي فرض القيام بمبادرات فردية أو متعددة األطراف ،من أجل
إيجاد حلول تجنب الدخول في متاهات الحروب التي ستؤثر على مجاالت حيوية مباشرة،
دأب املجتمع الدولي منذ البدايات األولى لنشأة الدولة ،على ابتداع مجموعة من
الوسائل واآلليات السلمية الحتواء األزمات وتطويقها ،والحيلولة دون وصولها إلى لحظة
االنفجار ،من منطلق إدراك للواقع الدولي ،وما يرتبط به من صراع للمصالح وتضاربها،
مما يفرض اللجوء إلى الوسائل السلمية ،بغاية تأمين السلم واألمن الدوليين ،247فقد جاء
في املادة الثانية من ميثاق األمم املتحدة ما يلي " :يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم
الدولية بالوسائل السلمية على وجه ال يجعل السلم واألمن والعدل الدولي عرضة للخطر".
ومهما يكن فإن حظر اللجوء إلى القوة والتسوية السلمية للنزاعات الدولية،
يشكالن اليوم قواعد أساسية للقانون الدولي املنصوص عليها في الوثائق التأسيسية
للمنظمات الدولية واإلقليمية (ميثاق األمم املتحدة ،248اتفاقية حلف الشمال األطلس ي،249
ميثاق الجامعة العربية ،250ميثاق االتحاد اإلفريقي .)251وكذلك اإلعالن الخاص بمبادئ
القانون الدولي ،التي تخص العالقات الودية والتعاون بين الدول ،الذي صوت عليه من
ُ
ؤكد
قبل الجمعية العامة لهيئة األمم املتحدة في 84أكتوبر ( 8320القرار رقم )7772وامل ِ
على أهمية مبدإ التسوية السلمية للنزاعات ،وذلك بنصه على َّ
أن "الدول يجب عليها تسوية
-247ادريس لكريني " إدارة األزمات في عالم متغير ،"...مرجع سابق ذكره ،ص .20
-248المادة 30من ميثاق هيئة األمم المتحدة.
-249المادة 31من اتفاقية حلف األطلسي.
-250المادة 32من ميثاق الجامعة العربية.
-251المادة 30من ميثاق منظمة االتحاد اإلفريقي.
نزاعاتها مع الدول األخرى بطرق سلمية ،بطريقة ال تضع السلم واألمن الدوليين ،وال حتى
خطر"252. العدالة في
وقد جاءت املادة الثالثة والثالثون من ميثاق األمم املتحدة بمجموعة من
الوسائل التي يجب التماسها من أجل حل الصراعات؛ عبر سلك درب املفاوضات والتحقيق
والتحكيم والتسوية القضائية؛ أو االلتجاء إلى الوكاالت أو املنظمات اإلقليمية أو غيرها من
وسائل تدبير الصراعات بالطرق السلمية كالوساطة واملساعي الحميدة والتوفيق بين
أطراف النزاع.
َّ
إن الوسائل الدولية إلدارة األزمات متعددة ومتباينة ،وتتنوع بين وسائل
الورقة يقارب أهم آليات تدبير األزمات املنصوص عليها دوليا ،فإن انخراط الدول في هذا
األمر يرتبط بتداعيات األزمات على األمن اإلقليمي ،وما يشكله ذلك من تمدد للجماعات
اإلرهابية وحشود الهجرة غير الشرعية ،ومن انعكاسات سلبية على التنمية والسلم في
الدوائر الجيو-استراتيجية العاملية؛ وعلى هذا األساس فإن مساهمة املؤسسات الدولية
-252هناك مجموعة من النصوص القانونية األخرى التي تتضمن بعض األحكام الخاصة بالتسوية السلمية للنزاعات
كالعقد الختامي للملتقى حول األمن والتعاون في أوربا المبرم في هلسنكي في 31غشت .1072
-253ادريس لكريني " إدارة األزمات الدولية في عالم متحول :مقاربة الدور األمريكي في المنطقة العربية" ،مقالة
منشورة بموقع ديوان العرب ،بتاريخ 7 ،أكتوبر ،0336على الرابطhttps://bit.ly/2OPiVOt :
والقارية وحتى الدول في تدبير األزمات ترتكز باألساس على توظيف اآلليات الدبلوماسية
عندما تستفحل أزمة ما ،فإن الدبلوماسية التقليدية تستمر في أداء وظيفتها،
ولكن تظهر الحاجة إلى التوازن مع التدخل وسرعة تطور األزمة ،وتتمثل هذه الجهود من
خالل فتح قنوات ومسالك ،بممارسة الضغط على األطراف أو تقديم الوساطة بينهم ،أو
بمساع حميدة ،وذلك لتشجيعهم على الحوار وحل األزمة ،بانتهاج السبل
ٍ السعي بينهم
السلمية وتنويعها ،ألن إدارة أية دولة لألزمات ،ال تستخدم أسلوبا واحدا ،بل يمكن اعتماد
أساليب متعددة في نفس الوقت ،ومراعاة حسن التوقيت في استخدام األسلوب واستثمار
نتطرق في ورقتنا لتدبير األزمات الدولية إلى طرق وكيفيات الحل الدبلوماس ي
والسياس ي التي تعتمدها املواثيق الدولية وتفعلها املؤسسات والوحدات السياسية ،وذلك
8ـ الوساطة :تتمثل في تلك األعمال التي يقوم بها الغير( ،الدولة ،املنظمات الدولية
أو شخصيات معينة )...وذلك بهدف تقريب الرؤى بين األطراف املتنازعة ،بواسطة
ًّ
اقتراحات فعلية ،تتضمن قواعد تسوية أو حال نهائيا للخالف بينها .وعليه فإن الطرف
الوسيط يمتاز بنشاط وحركية ،وال يكتفي فقط بتقريب وجهات النظر ،والدعوة إلى
املفاوضات ،بل يقترح قواعد للتفاوض ،ومداخل لحل األزمة ،وقد َّ
عرفها الكونت برندوت
-254إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي" إدارة الصراعات واألزمات الدولية" ،مطبعة كتب عربية ،0336 ،ص.06
إلى األمم املتحدة " :إن الوساطة تنتج عن عرض املساعي الحميدة ،وإن املهمة األولى
للوسيط هي املبادرة باقتراحات موجهة إلى تنشيط املصالح وتقريبها ،وتوحيد اآلراء
املتضاربة".255
وتهدف الوساطة إلى وضع حدود ألزمة بين دولتين أو أكثر ،كبديل للتقاض ي،
ومساعدة األطراف املعنية دون اتخاذ قرارات عنهم ،كما يحدث في التحكيم القضائي ،ولكن
مساعدة األطراف عن طريق تسهيل عملية االتصال بينهم وإيجاد الحلول ،واالتفاق على
مجموعة من الخطوات لحل املشاكل ،256ونذكر هنا الوساطة األمريكية سنة 8302بغية
7ـ املساعي الحميدة :نعني بها تلك األعمال الودية التي تقوم بها الدول أو املنظمات
-255بسكاك مختار "حل النزاعات الدولية على ضوء القانون الدولي" ،مذكرة مقدمة لنيل شهادة ماجستير ،كلية
الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة وهران ،السنة الجامعية ،0310/0311ص .70
-256كارل سيليكيو" ،عندما يحتدم الصراع :دليل عملي الستخدام الوساطة في حل النزاعات" ،الدار الدولية للنشر
والتوزيع ،القاهرة ،الطبعة األولى ،1000 ،ص .04
CHRONIQUE DE L’HUMANITE-larousse-édition JAQUES LE -257
p978. GRAND.S.A.PARIS 1986,
-258منذ منتصف التسعينات وب داية األلفية الجديدة ،اندلعت سلسلة من الحروب األهلية الوحشية في منطقة حوض
نهر مانو في غرب إفريقيا ،و بدأت هذه الحروب في ليبيريا وسرعان ما امتدت إلى سيراليون وكوت ديفوار ،م َما
أدَى إلى تفتت المجتمعات بسبب الصراعات والخالفات العنيفة و الوحشية ،كما أدَت هذه الصراعات إلى حل سلطة
الدولة ،وانهيار مؤسسات الحكم ،وفرار الماليين من السكان و تهديد منطقة غرب إفريقيا كاملة وزعزعة االستقرار
فيها ،للتفاصيل أكثر حول أزمة دول نهر المانو .ينظر " الصراعات العرقية والسياسية في إفريقيا" لحمدي عبد
الرحمان حسن ،مجلة قراءات إفريقية ،العدد األول ،أكتوبر ،0334ص .40
استئنافها إذا كانت متوقفة ،أو اللجوء إلى أي نوع آخر لتسوية النزاع القائم بينها ،ويتقاطع
مع مفهوم الوساطة ،إلى أن هناك اختالفا بينهما من خالل مجال التطبيق املحدود
للمساعي الحميدة وكون هذه األخيرة ال تشارك بمقترحات أو شروط ،بل هدفها تنقية
األجواء بين األطراف ودعوتهم إلى الجلوس على طاولة التفاوض ،وال يخرج دورها عن كونه
عمال تحضيريا وتمهيديا ،أما الطرف الثالث في الوساطة ،فإن نشاطه يساهم في تحقيق
9ـ التوفيق :يعتبر من الوسائل السلمية إلدارة األزمات ،شكال مستحدثا من الوساطة،
وسبيال يتموقع بينها وبين وسيلتي التحكيم والقضاء ،260حيث تقوم لجنة يعينها أطراف
النزاع أو إحدى املنظمات الدولية لدراسة أسباب النزاع ورفع تقرير تقترح فيه تسوية معينة
وقد تزايدت شعبية التوفيق في الحقب األخيرة ،بفعل تعدد املعاهدات الدولية
التي تنص على نظام التوفيق ،كوسيلة لحل الخالفات السلمية ،حيث نجدها في أهم
االتفاقيات العامة ،ذات الطابع التشريعي ،ومن بينها اتفاقية " فيينا" حول العالقات
لعام .2618373
-259صالح يحيى الشاعري" ،تسوية النزاعات الدولية سلميا" ،مكتبة مدبولي ،القاهرة ،الطبعة األولى ،0336،ص
.20
-ادريس لكريني "،إدارة األزمات في عالم متغير :المفهوم والمقومات والوسائل والتحديات" ،المركز العلمي 260
للدراسات السياسية ،الطبعة الثانية ،0314،المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش ،ص .66
-261حفناوي مدلل "،الدبلوماسية الوقائية كآلية لحفظ السلم واألمن الدوليين" ،مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير
في الحقوق ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة محمد خيضر ببسكرة ،الجزائر ،ص .60
فالتوفيق إذن ،إجراء شبه قضائي ،يتوسط التحقيق والتحكيم ويتميز بمرونة
أكبر ،وال يشكل أي مس بسيادة أطراف النزاع ،وقد شجعت هذه امليزة معهد القانون الدولي
على اقتراح نموذج لتسهيل إنشاء لجان التوفيق ،وتوضيح كيفية عملها ،العتقاده بأن
الحلول التي تقترحها هيئة حيادية ،حول كيفية تسوية النزاع ،دون إلزام األطراف بذلك،
4ـ التحقيق :يعتبر من األعمال التي بواسطتها ،تجتهد مؤسسة دولية في وضع وتوضيح
وقائع تكون أصل نزاع أو مرتبطة به ارتباطا وثيقا ،ويكون التحقيق ثنائيا إذا كان مقررا
من قبل الدول األطراف في النزاع ،ويكون جماعيا إذا كان مقررا من قبل مؤسسة دولية.262
َّ
فالتحقيق ال يتولى منع التوتر ،بقدر ما تتأتى فائدته العملية في التحري املوضوعي عن
تفصيالت الوقائع املادية ،وبصفة إجمالية فإن مهمة لجان التحقيق تقتصر على سرد
الوقائع دون إبداء رأي في املسؤوليات بأي شكل من األشكال ،وعادة ما تستخلص
املسؤوليات من التقرير املوضوعي لسرد الوقائع ،ويبقى األطراف أحرارا في األخذ بما جاء
2ـ الصلح :يعرف الصلح بأنه ذلك التدخل لتسوية خالف من طرف جهاز مشكل
َّ
مسبقا وفقا التفاقية ،ويحظى بثقة أطراف النزاع ،ويكلف الجهاز بدراسة كل العوامل
-262بسكاك مختار "،حل النزاعات الدولية على ضوء القانون الدولي" ،مذكرة مقدمة لنيل شهادة ماجستير ،مرجع
سابق ص .62
-263محمد الوحيشي "،مكانة الموظف الدولي في حل النزاعات " ،منشورات المنظمة العربية للتنمية اإلدارية،
القاهرة ،مصر ،الطبعة األولى ،0336 ،ص.114
بصفة عامة عن اإلجراءات ذات الطابع القضائي ،من حيث كونه اختياريا وال ُين ِتج قرارا
ملزما كما هو الشأن بالنسبة للحكم أو القرار ،والهدف من املصالحة دراسة القضية
وتحليلها في مجملها ،من إعداد أرضية توافق من قبل األطراف واعتماد إجراءات لينة
ُ
لتسوية النزاعات ،تم ِك ُن األطراف من املحافظة على كامل سيادتها بكل حرية.
ويذهب بعض كتاب القانون الدولي إلى أن الصلح تعامل وإثبات حسن النية في
حل األزمة ،وال ُتؤخذ بعين الجد لكونها بداية ومقدمة إلجراءات حقيقية قد تنتهي بقبول
7ـ املفاوضات :تشكل املفاوضات الطريقة العادية لحل النزاعات والصراعات واألزمات
التي قد تنشب بين الدول وتعني" تبادل الرأي بين دولتين متنازعتين قصد الوصول إلى
تسوية النزاع القائم بينهما" ،265ويتم اللجوء عادة إلى هذه اآللية في الخالفات الجسيمة
التي قد تؤثر على مصالح الجماعة الدولية ،266لذلك تعتبر تلك العملية التي تستهدف
الوصول إلى حلول مقبولة ،أو اتفاق يسهم في تحقيق مصالح األطراف املتنازعة من أجل
وال يتصور التفاوض دون وجود عناصر أساسية ،ترتبط بها أهمية املفاوض وقدرة
املفاوضات على حل األزمة وهي القدرات املادية ،وتوفير الخيارات والبدائل املمكنة ،إضافة
إلى القدرة التفاوضية ،واستثمار التوقيت املناسب ،لذلك تقتض ي من املفاوض التمتع
بخصائص مهنية ،ومزايا وخبرات ومهارات وااللتزام باملبادئ العامة التي تتعلق بعملية
التفاوض ومراحلها ،من مكان وتوقيت ،وهدف واستراتيجية ،وخطة مدروسة ،وبدائل
وتأتي أهمية املفاوضات في تسوية النزاعات الدولية ،من كون جوهر التسوية دائما
هو نقل النزاع من مستوى القتال إلى مستوى النقاش والحوار ،ومن عملية املواجهة إلى
-حل أزمة الصواريخ بكوبا سنة 8377عن طريق املفاوضات بين الرئيسين األمريكي
-وقف التدخل األمريكي في الفيتنام بعد املصادقة على اتفاقية باريس سنة.8329
90ماي ،8327والوصول إلى أولى االتفاقيات حول الحد من التسلح االستراتيجي في
(8327/02/77سالت.)8
إن مفهوم االستراتيجية يحيل على عملية الجمع بين الهدف والوسيلة ،من خالل
التخطيط الجيد ،الذي يفترض عنصرا ال محيد عنه عند الشروع في الفعل االستراتيجي،
وهو عنصر القدرة ،أي القدرة على استخدام الوسائل إلنجاز أهداف معلومة ،فاألهداف
تبقى معلقة والوسائل غير ذات قيمة ما لم تتوفر القدرة على توظيف الوسائل لبلوغ
األهداف.267
إن عملية صنع استراتيجية ما ،تقتض ي البحث عن أفضل األساليب واألدوات
لتحقيق األهداف واملصالح املحددة سلفا ،ولهذا عند وضع استراتيجية لتدبير أزمة ما،
يجب التوفر على عناصر أساسية ،تحيل على وضوح الرؤية ،وتحديد الكلفة والخطط
أ /وضوح األهداف وتكاملها :إذا كانت االستراتيجية هي عملية توظيف ألفضل
الخيارات والوسائل لتحقيق األهداف ،فيفترض في هذه األخيرة أن تكون واضحة وسليمة
ب /واقعية الهدف ونفعيته :إن اختيار الوسائل الناجحة للوصول إلى األهداف،
يفترض وجود أهداف واقعية وقابلة للتحقيق ،ومن ثم أهمية تحقيق التوازن بين املوارد
-267عبد القادر محمد فهمي ،المدخل إلى دراسة االستراتيجية ،دار مجدالوي ،عمان ،األردن ،ط ،0336 ،1ص
.04
باإلمكانيات املتاحة.
ج /العقالنية :تفترض عملية تدبير األزمات وضع استراتيجية ،تتضمن اختيارات
عقالنية هادفة ،بين وسائل ومقاربات متعددة ومحسوبة مدى فعاليتها في تحقيق األهداف،
وبالتالي فالعقالنية تتصل بعملية اختيار الوسائل التي تؤدي إلى تحقيق األهداف عبر
قصير ومتوسط وطويل املدى ،طاملا أن األهداف التي يسعى إليها الطرف الواضع
االستراتيجيات درجة من املرونة التي تسمح بتدبير التحوالت غير املتوقعة وغير املحتملة.269
وتعتبر أعمال ألكسندر جورج ALEXANDER .Gمن أهم املراجع التي أثرت
ُ
موضوع استراتيجيات إدارة األزمات ،التي تعتمد كمصادر مهمة لفهم االستراتيجيات التي
تمكننا من ربطها بأزمات واقعية مختلفة ،كما تمكن األطراف املتدخلة لتدبير األزمات من
اتباع االستراتيجية املناسبة ،انطالقا من املعلومات والقدرات املتوفرة ،وكان ميشيل الجوا
إدارة األزمات.
الدولية.
-تصنيف محمد أحمد عبد الغفار التي تبحث عن التكامل بين وقف التصعيد
َّ
قدم ألكسندر جورج إثنتا عشرة استراتيجية يمكن اعتمادها إلدارة األزمات ،وقام
واملوارد املتوفرة لدى الخصم ،من خالل استراتيجيات االبتزاز التمهيدي /جس النبض
) stratégiesالتي يحاول من خاللها الطرف املدافع عرقلة الخصم وإجباره على عدم
االستمرار في تطبيق استراتيجيته الهادفة إلى تغيير الوضع القائم من خالل :دبلوماسية
الخطوة خطوة /استراتيجية اختبار القدرات /استراتيجية رسم الخط /استراتيجية شراء
ويعتمد ألكسندر جورج على مفهوم املكاسب النسبية ،بمعنى أن اإلدارة الناجحة
ليست التي تحقق كل األهداف ،بل التي تعمل على تعظيم املكاسب وتقليل الخسائر.
قسم أحمد محمد عبد الغفار استراتيجيات إدارة األزمات إلى قسمين:
استراتيجية التدخل الخفيف ودرء األزمة املبتدئة :التي تستهدف وقف التصعيد
في بداية األزمة قبل أن تتطور وتتحول إلى نزاع مسلح ،وذلك عبر توظيف
الوسائل الدبلوماسية املنصوص عليها في املواثيق الدولية ،والتي تسعى إلى صنع
السالم ،عبر مجموعة من اآلليات ،كإقامة التواصل وتسهيله بين أطراف النزاع
op,cit, p 378.-271
والدعوة إلى عقد مفاوضات وحوارات حول سبل تعزيز األمن من أجل زرع الثقة
بين األطراف.272
ومعالجتها بعد حدوث األزمة ،وال تعني التسوية أو الحل اللذين يعتمدان على
توقيع االتفاقات ،وإنما القصد هو وضع الضمانات التي تجعل األطراف ال
يرتدون عن عملية السالم التي تلت عملية التسوية ،وبالتالي خلق الظروف
بوجود:
-العب قيادي ،قد يكون منظمة أو دولة راعية للسالم ،وتحظى باملصداقية والقبول
-وجود طرق سياسية وعسكرية منظمة ،تهدف إلى وقف العنف ،وتلبية االحتياجات
-وجود تخطيط واضح وبدائل لرسم معالم الدولة أو املجال بعد التسوية.273
-272أحمد محمد عبد الغفار" فض النزاعات في الفكر والممارسة الغربية :دراسة نقدية وتحليلية" ،الجزء األول
تحت عنوان :الدبلوماسية الوقائية وصنع السالم ،دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ،الجزائر ،0330 ،ص .062
-273المرجع السابق ،ص .076
وبالتالي فإن حدوث أزمة ما ،يدفع الدول إلى اعتماد استراتيجيات ووسائل تحول
دون امتدادها إلى مجالها ،عبر الدبلوماسية الوقائية أو السياسية أو االقتصادية وتسهيل
حلول سلمية لألزمات ،من خالل استثمار أمثل إلمكاناتها وقدراتها الجغرافية والتاريخية
واالقتصادية.
خاتمة:
لقد وضعت املؤسسات الدولية وهيئة األمم املتحدة باعتبارها أعلى مؤسسة أممية
تعنى بحفظ األمن والسلم الدوليين ،مجموعة من الوسائل واآلليات السلمية للحفاظ على
أسس االستقرار والتعايش على مستوى العالم ،والحد من النزاعات والصراعات ،منها ما
جاء في امليثاق األممي ،ومنها ما تفرق في نصوص مؤسسات وهيئات قارية وإقليمية ،غير ان
الخيط الناظم بينها مرتبط بالهدف العام منها؛ فهي وسائل سياسية ودبلوماسية هدفها
حفظ األمن والسلم الدوليين ،وذلك بالحد من كل ما من شأنه خلق التوترات بين الحدود
والدول في إطار استباقي ووقائي يحول دون الوصول إلى مرحلة املواجهة املسلحة .وعليه
فـإن تقييم قدرة الهيئات واملؤسسات واملواثيق الدولية على حفظ االستقرار الدولي يرتبط
بمستوى قدرتها الفعلية على فرض القانون واإلكراه على الخضوع له ،ويسائل نجاعة
وختاما ،يمكن إسقاط هذه اآلليات والوسائل الدبلوماسية حتى على عالقات األفراد
فيما بينهم املؤطرة بقواعد أخالقية وقيمية ،ومنظمة كذلك في قواعد قانونية ملزمة
للجميع ،تسعى لتحقيق التعايش واألمن الروحي ،وتحقق تدبير عقالنيا وسلميا لالختالف
والصراع واألزمات.
الئحة املراجع
الكتب بالعربية:
-أحمد محمد عبد الغفار" فض النزاعات في الفكر واملمارسة الغربية :دراسة نقدية
وتحليلية" ،الجزء األول تحت عنوان :الدبلوماسية الوقائية وصنع السالم ،دار هومة
-إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي" إدارة الصراعات واألزمات الدولية" ،مطبعة كتب
عربية.7007 ،
-جمال أحمد املختار ،املفاوضات وإدارة األزمات ،مجلة السياسة الدولية ،مركز
-حسن بكر أحمد ،إدارة األزمة الدولية :نحو بناء نموذج عربي في القرن الواحد
-حسن عماد مكاوي ،اإلعالم ومعالجة األزمات ،ط ،8الدار املصرية اللبنانية ،القاهرة،
مصر.7002،
-حسن عماد مكاوي ،اإلعالم ومعالجة األزمات ،ط ،8الدار املصرية اللبنانية.7002 ،
-سالم عبد هللا علوان الحبس ي ،إدارة األزمات األمنية ،مركز اإلمارات للدراسات
-سالم عبد هللا علوان الحبس ي"،إدارة األزمة األمنية" ،مركز اإلمارات للدراسات
-سامي ابراهيم الخزندار :إدارة الصراع وفض املنازعات –إطار نظري – الدار العربية
-سوران إسماعيل عبد هللا بنديان "،دور العقوبات الذكية في إدارة األزمات الدولية"،
-سوران اسماعيل عبد هللا ،دور العقوبات الذكية في إدارة األزمات الدولية ،الطبعة
-شدود ماجد محمد ،إدارة األزمات واإلدارة باألزمة ،األوائل للنشر والتوزيع دمشق،
سوريا.7007 ،
-صالح يحيى الشاعري" ،تسوية النزاعات الدولية سلميا" ،مكتبة مدبولي ،القاهرة،
الطبعة األولى.7007،
-عبادة محمد التامر ،سياسة الواليات املتحدة األمريكية وإدارة األزمات الدولية،
املركز العربي لألبحاث ودراسات السياسات ،الطبعة األولى ،بيروت ،أبريل .7082
-عباس رشدي العماري ،إدارة األزمات في عالم متغير ،مركز األهرام للترجمة والنشر،
-عبد القادر محمد فهمي ،املدخل إلى دراسة االستراتيجية ،دار مجدالوي ،عمان،
-علي صبح :الصراع الدولي في نصف قرن ،8332-8342دار املنهل اللبنانية ،الطبعة
الثانية .7007
-كارل سيليكيو" ،عندما يحتدم الصراع :دليل عملي الستخدام الوساطة في حل
-هيا عدنان عاشور ،الديناميكا السياسية وإدارة األزمات الدولية :اإلدارة األمريكية
ألزمة امللف النووي اإليراني أنموذجا ،الطبعة األولى ،دار الجندي للنشر والتوزيع ،القدس،
سنة.7087
أطروحات جامعية
-ادريس لكريني ،إدارة مجلس األمن لألزمات العربية في التسعينيات -أزمة لوكيربي
نموذجا -أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم
-بسكاك مختار "حل النزاعات الدولية على ضوء القانون الدولي" ،مذكرة مقدمة
لنيل شهادة ماجستير ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة وهران ،السنة الجامعية
.7087/7088
-حفناوي مدلل "،الدبلوماسية الوقائية كآلية لحفظ السلم واألمن الدوليين" ،مذكرة
مكملة لنيل شهادة املاجستير في الحقوق ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة محمد
مقاالت ودراسات
-أحمد محمد وهبان "،تحليل إدارة الصراع الدولي ،دراسة مسحية لألدبيات
املعاصرة " ،مجلة عالم الفكر ،الصادرة عن املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب،
مقاربة الدور األمريكي في:ادريس لكريني " إدارة األزمات الدولية في عالم متحول-
https://bit.ly/2OPiVOt:الرابط
مراجع أجنبية