Professional Documents
Culture Documents
المقدمة
المقدمة
تتفق جميع الدول على أن يسير نشاطها المالي وفق برنامج محدد وبصورة دقيقة يشمل
جميع نفقاتها وإ يراداتها التي تقررها لسنة واحدة على العموم وتفصيالتها الفرعية ،ويتم ذلك
ضمن إطار بيان يقترن بالصفة اإلجبارية عن طريق السلطة التشريعية ويطلق على هذا
البرنامج (الموازنة الحكومية).
تعبر الموازنة الحكومية ألي دولة عن مستوى نشاطها الإقتصادي وتمثل التغيرات التي
تحدث فيها سواًء أكانت ايجابية أم سلبية عن طبيعة المظهر الإقتصادي العام للإقتصاد .وتعد
الموازنة المرآة العاكسة لتدخل الدولة في النشاط االقتصادي العام واألداة التي تستخدمها
إلعادة تحقيق التوازن والنمو االقتصادي .وبالمقابل مثلما تؤثر الموازنة في مفاصل النشاط
الإقتصادي من جانب ،فهي من جانب آخر تتأثر بالمتغيرات السياسية واالقتصادية المحيطة ،إذ
إن طبيعة الظروف التي يعيشها البلد تؤثر على التكنيك الفني في إعداد الموازنة ،فموازنة
العام الحالي تختلف عن موازنة العام السابق والعام الالحق .هذا وتجدر اإلشارة إلى أنه في
ضوء تنامي األهمية التي أصبحت عليها الموازنة في مختلف اقتصادات العالم وبخاصة بعد
الحرب العالمية الثانية ،وتنامي الدور الذي تمارسه الدولة في النشاط االقتصادي ،فقد اتجه
العجز في الموازنة الحكومية إلى التزايد في مختلف دول العالم ووصوله الى مستويات باتت
تهدد الإستقرار المالي والنقدي لبعض دول العالم.
وفي العراق أثرت الحروب وما سببته العقوبات االقتصادية من دمار على النمو والتنمية
فضًال عن المشاكل التي واجهها االقتصاد العراقي التي تعمقت بشكل كبيرًا بسبب التخبط و
إن لسياسة الدولة توجهها نحو عسكرة
العشوائية في إتخاذ القرار السياسي واالقتصادي.و ّ
االقتصاد والمجتمع قد أفرز آثار سلبية منها انخفاض نمو الناتج المحلي اإلجمالي وارتفاع
معدالت التضخم والبطالة والعجز المستمر في الموازنة ،والتخلف التكنولوجي الذي واكب
العملية اإلنتاجية فضًال عن تدهور قيمة الدينار العراقي على الرغم من إلتزام الدولة بسياسة
سعر صرف ثابت ومتعدد وانخفاض مستوى دخل الفرد وتلكؤ القطاع الخاص األجنبي في
تنفيذ المشاريع المزمع إنشاءها لتطوير االقتصاد الوطني،فضًال عن عزوف القطاع الخاص
المحلي عن اإلستثمار .
ولقد أفرزت مرحلة ما بعد حرب الثمانينات مشاكل أخرى واجهت االقتصاد العراقي
من أبرزها تركة ثقيلة من الديون وتأكل الفوائض النفطية (البترو دوالر ) .وقد تزامنت هذه
1
المشكلة مع انخفاض مستمر في أسعار النفط مما زاد من حدتها .ولم يبقَ األمر على الحال
نفسه بل تطور الوضع من سيئ إلى أسوء بعد مغامرة النظام السابق بدخول الكويت وإحتاللها
مما عرّض العراق إلى عقوبات اقتصادية أجبرته على العمل في ظل نموذج اقتصادي يقترب
من االقتصاد المغلق .
وألجل تجنب المجاعة وتحقيق االستقرار اإلجتماعي والسياسي تّم توفير جزء من
السلع األساسية من خالل البطاقة التموينية وتخصيص مبالغ طائلة لدعمها األمر الذي أنهك
االقتصاد العراقي .فضال عن أن توقف الصادرات العراقية حرم الخزينة العامة من اإليرادات
مما جعل النظام السابق يبحث عن طريقة أخرى للتمويل وهي اإلفراط في اإلصدار النقدي
الجديد ،وسياسة التمويل بالعجز والتي ولدتّ ضغوطا تضخمية لم يكن يعرفها االقتصاد
العراقي من قبل.
إن اإلجراءات السابقة على رغم تخفيفها من حدة المشكلة (نسبيًا) إال أنها لم تكن
بالمستوى الذي يحقق األداء المقبول لإلقتصاد نتيجة السلوك غير المسؤول الذي اعتادت عليه
الدولة من خالل تبنيها قرارات ارتجالية ،وليس أدل على ذلك من ارتفاع مستويات التضخم
التي شهدها االقتصاد العراقي قي تلك المدة نتيجة االعتماد على اإلصدار النقدي بدل من أن
تعمل الدولة على ضبط عرض النقد ,وقيام الدولة بأجراء بعض التعديالت التي شملت البطاقة
التموينية مثل حذف بعض البنود من السلة الغذائية مما دفع بأسعار المواد الغذائية باالرتفاع
وفاقم مشكلة التضخم ,وبعد التغيير السياسي عام 2003طرأت تغيرات كثيرة على الإقتصاد
العراقي كان من أهمها بدء عملية إعادة تأهيل االقتصاد العراقي ،فهناك عوامل عديدة
ساهمت في تحسن واستقرار سعر الصرف منها صدور قانون البنك المركزي رقم ( )56لسنة
2004وما أتاحه من تحقيق الإستقاللية التامة للبنك المركزي في رسم وتنفيذ سياسته النقدية
ولجوءه إلى اعتماد الوسائل غير المباشرة للسياسة النقدية ومن أبرزها قيام البنك المركزي
بتنظيم مزاد للدوالر بهدف تحقيق ثبات وتحسن في سعر صرف الدينار العراقي تجاه الدوالر
إلى جانب قيامه بإصدار عملة عراقية جديدة بديلة عن العملة القديمة أعطت للبنك المركزي
إمكانية السيطرة التامة لعملية اإلصدار والحد من عمليات التزوير للعملة التي كانت تترك
آثارًا سلبية على قيمة الدينار ،وبذلك أصبح هناك سياسة للبنك المركزي أكثر وضوحًا أتاحت
له التمتع باستقاللية جديدة الستقرار سعر صرف الدينار العراقي ومتابعة تحركاته وجعلها
ضمن حدود معينة من خالل مزادات العملة األجنبية التي اعتمدت منذ ( )4/10/2003وقد
2
ساهم هذا المزاد في تحقيق األهداف المطلوبة منه بنسبة جيدة باعتباره احد الوسائل غير
المباشرة التي اعتمدها البنك في رسم وتنفيذ سياسته النقدية الجديدة .وكذلك شهدت الموازنة
العراقية فائضا ماليا متواصًال بعد عام 2003سببه عدم إتمام العديد من الخطط والمشاريع
ومنذ المدة المذكورة أخذت الموازنة تبدأ بعجز مخطط وتنتهي بفائض.ومن هذا الفائض الذي
يظهر في الموازنة قد يأخذ على العراق أنطباعًا بأن هناك فائضا ,متزايد من سنة ألخرى ,
ن اإليرادات تغطي النفقات في العراق وأنه من البلدان التي تحقق فائض في الموازنة ,
وإ ّ
ولكن الحقيقة غير هذه إذ إن معظم اإليرادات المتأتية للموازنة هي من صادرات النفط
الخام ,والتي يستند في تقديرها على الكميات المتوقع تصديرها من النفط الخام ,وبسعر معين
لبرميل النفط في السوق العالمية ,وهو بالتأكيد ,خاضع لمتغيرات االقتصاد العالمي ,وهذا ما
يجعله عرضة للتذبذب مما يترتب عليه عدم اليقين بتمويل الموازنة
وطالما أن موازنة االقتصاد العراقي قد شهدت تغيرًا متواصًال في ظل التقلبات التي
شهدها سعر الصرف األجنبي ,فقد ارتأينا أن يكون أنموذجا لدراستنا.
3
مشكلة البحث:
إن جوهر المشكلة التي يعالجها البحث تكمن في أثر الموازنة الحكومية على سعر الصرف
األجنبي ومعرفة تأثيرها على مسيرة النمو االقتصادي وتحديد اتجاهات التنمية في االقتصاد
العراقي.
أهمية الدراسة
في ظل ريعية االقتصاد العراقي باعتماده المتزايد على النفط,البد له من البحث عن البدائل
لتجنب التقلبات الحاصلة في الموازنة الحكومية و تنشيط سعر الصرف والمحافظة على
ن البحث في موضوع أثر الموازنة الحكومية على سعر الصرف األجنبي يعد
استقراره,وعليه فإ ّ
إحدى الضرورات في هذه المرحلة ,ذلك بسبب الدور الذي يمكن أن يؤديه هذا الموضوع على
الصعيدين السياسي والإجتماعي فضال عن الدور االقتصادي.
فرضية البحث-:
عدم وجود أثر لصافي الموازنة الحكومية على سعر الصرف األجنبي في االقتصاد العراقي.
أهداف البحث-:
يهدف البحث إلى إثبات صحة الفرضية من خالل اآلتي :
-1تقديم عرض نظري حول مفهومي الموازنة و سعر الصرف األجنبي.
-2بيان تأثير صافي الموازنة على سعر الصرف األجنبي من خالل اختبار األثر الكمي بين
المتغيرين موضوع البحث.
هيكلية البحث-:
وانسجامًا مع هدف البحث وفرضيته فقد قسم إلى ثالثة فصول فضًال عن المقدمة واالستنتاجات
والتوصيات .أذ بّين الفصل األول التأطير النظري والمفاهيمي الموازنة الحكومية وسعر الصرف
األجنبي ,أما الفصل الثاني تطرق إلى التطورات االقتصادية الحقيقية المالية والنقدية لالقتصاد
العراقي للمدة (,)2012-1990أما الفصل الثالث فقد تضمن توصيف النموذج وقياس العالقة
الدالية ألثر الموازنة على سعر الصرف األجنبي لالقتصاد العراقي للمدة(.)2012-1990
عينة الدراسة
تمثلت عينة الدراسة باالقتصاد العراقي.
مدة الدراسة-:
كانت مدة الدراسة محددة من سنة ( 1990إلى )2012وهي بما تحمله من تغيرات سياسية
واقتصادية كافية لدراسة أبرز التغيرات التي طرأت على متغيرات الدراسة.
4
دراسات سابقة:
هناك عدد من الدراسات تناولت موضوعة الموازنة الحكومية وأثره على سعر الصرف
األجنبي ومنها:
-1رسالة ماجستير قدمتها الطالبة شيماء هاشم علي في جامعة بغداد ,كلية األداره
واالقتصاد ,عام 2005والموسومة (اثر عجز الموازنة على سعر الصرف األجنبي _اليابان
_حالة دراسية للمدة( )1990-2005وتوصلت الباحثة إلى نتائج منها :إن هنالك تأثيرًا لعجز
الموازنة الحكومية بشكل غير مباشر على سعر الصرف األجنبي مع وجود متغيرات مالية
ونقدية لها اثر في ذلك من خالل طرق التمويل المحلية ،والخارجية للعجز المالي ،والتي
أسهمت بصورة غير مباشرة في ارتفاع سعر الصرف وأنخفاضه وحسب الطريقة التمويلية
المتبعة.
كذلك أظهرت نتائج التحليل للنموذج القياسي لالقتصاد الياباني بالنسبة لمؤشر سعر الصرف
األجنبي إلى وجود عالقة عكسية بينه وبين التغير في عجز الموازنة الحكومية الذي ال يتفق
مع منطق النظرية االقتصادية(.)1
-2دراسة قدمها الدكتور حيدر حسين طعمه بعنوان العجز المزدوج في بلدان الريع النفطي ,
في عام () 2012التي تناولت في إحدى فصولها العالقة النظرية بين أثر عجز الموازنة
الحكومية وأسعار الصرف األجنبية وتوصل الباحث من إلى نتائج منها إن:سياسة العجز
المالي الحكومي تمارس أقصى تأثير ممكن على الناتج المحلي اإلجمالي الفعلي في ظل سعر
الصرف الثابت والحرية التامة لحركة رأس المال ,وذلك إن الحفاظ على سعر الصرف
الثابت في مواجهة التوسع المالي ,يتطلب من البنك المركزي القيام بشراء احتياطيات من النقد
األجنبي ,تم تعقيمها تؤدي إلى زيادة كمية النقود المتداولة مما يؤدي إلى تقوية األثر التوسعي
للسياسة المالية على الناتج التوازني .أما في ظل تعويم سعر الصرف ,ال توجد مواءمة تلقائية
(اوتماتيكية) في كمية النقود استجابة للتوسع المالي بدًال من ذلك تؤدي تحركات سعر الصرف
إلى إزاحة صافي الصادرات ,مما يؤدي إلى إلغاء األثر التوسعي لسياسة العجز المالي
الحكومي على مستوى الناتج التوازني(.)2
-3أطروحة دكتوراه قدمها الطالب حلمي إبراهيم منشد في كلية اإلدارة والإقتصاد جامعة
البصرة والموسومة بـ(تحليل وقياس ظاهرة العجز المزدوج في مصر وتونس والمغرب للمدة
)?(1ينظــر :شــيماء هاشــم علي ،أثــر عجــز الموازنــة على ســعر الصــرف األجنــبي – اليابــان حالــة دراســية للمــدة
،2005-1990جامعة بغداد ،كلية اإلدارة واالقتصاد.2005 ،
)?(2ينظر :حيدر حسين طعمة ،العجز المزدوج في بلدان الريع النفطي ،مركز حمورابي للبحوث والدراســات
االستراتيجية ،ط ،2012 ،1ص.100-9
5
( ، )2000 – 1975في عام 2004توصل الباحث إلى :أنه في حالة تعويم سعر الصرف فإن
تمويل العجز المالي يؤدي إلى ارتفاع قيمة العملة المحلية بعد ارتفاع سعر الفائدة وتزايد تدفقات
رؤوس األموال الدولية في الفترة القصيرة هذا من جانب ،ومن جانب آخر فإن العجز المالي
سيعمل على ارتفاع مستوى الطلب الكلي والناتج المحليُ ،ثمّ إلى ارتفاع مستوى األسعار ،وهذه
التغيرات تؤدي بدورها إلى عجز الحساب الجاري وانخفاض سعر صرف العملة الوطنية في
األجل الطويل ,وأما في حالة ثبات سعر الصرف فإن تمويل العجز المالي يؤدي إلى ارتفاع سعر
الفائدة وزيادة التدفق الرأسمالي إلى داخل البلد في األجل القصير وبما يتناسب مع حرية حركة
انتقال رأس المال الدولي هذا من جانب ومن جانب آخر فإن العجز المالي يؤدي إلى ارتفاع
مستوى األسعار ،وبالتالي ينتج عن هذه التغيرات الإقتصادية حصول عجز في الحساب الجاري،
هذا ويعتبر عرض النقد في ظل ثبات سعر الصرف متغيرًا داخليًا لذلك فان االضطرابات التي
تحدث في سوق النقد المحلي يجري امتصاصها من خالل التغيرات في االحتياطيات الدولية من
غير التأثير على أوضاع العرض والطلب في سوق السلع التي تقرر النشاط االقتصادي(.)1
مما سبق يمكن أن نشير إلى الجوانب أو اإلضافات التي تميزت بها هذه الرسالة -:
.1دراسة االقتصاد العراقي والوقوف على حالته ووضعه خالل مدة الدراسة واإلفرازات
التي تركتها الظروف التي مر بها على الموازنة الحكومية وسعر الصرف األجنبي .
.2شمول هذه الرسالة مدة زمنية أوسع من عام ( )1990الى عام ()2012
.3تقديم بعض السبل والوسائل لمعالجة العجز في الموازنة الحكومية العراقية.
)?(1ينظ ــر:حلمي إب ــراهيم منش ــد ،تحلي ــل وقي ــاس ظ ــاهرة العج ــز الم ــزدوج في مص ــر وت ــونس والمغ ــرب للم ــدة
،2000-1975جامعة البصرة ،كلية اإلدارة واالقتصاد ،2004 ،ص.40-20
6