Professional Documents
Culture Documents
ثقافة التميز في المنظمة ودورها في تحقيق الميزة التنافسية الفعالة
ثقافة التميز في المنظمة ودورها في تحقيق الميزة التنافسية الفعالة
ISSN 1112-9255
0202 – مارس1 العدد،7المجلد OEB Univ. Publish. Co.
مقدمة:
يشهد عالمنا اليوم ثورة علمية كبيرة ،ونهضة تكنولوجية وحضارية واسعة؛ تتسم باإليقاع السريع
والصراع الكبير ،والمنافسة الحادة بين مختلف المؤسسات على اختالف أحجامها وأنشطتها وأهدافها
وطبيعة عملها ،وقد نجم عن هذا الصراع ظهور حاجة ملحة لدى المنظمات للسعي وراء التميز وتعزيز
قدراتها التنافسية والتفرد في أداء العمل واتقانه ،مما أدى إلى بروز عدد من االتجاهات اإلدارية المعاصرة
وعلى رأسها إدارة التميز كونها أصبحت سمة من سمات فكر وممارسة وثقافة المنظمة.
إن رغبة المنظمات في التميز وتطوير أدائها ،ال يمكن أن تتحقق إال إذا تم بناء ثقافة التميز
وتحويلها إلى ثقافة المنظمة ،من خالل تبني مجموعة متجانسة من القيم والمعتقدات والعادات والسلوكات
واللوائح والنظم التي يتبعها العاملون بالمنظمة ،وهذا هو محور نماذج التميز ومواصفات الجودة.
وتعد ثقافة التميز من الركائز األساسية التي يعتمد عليها في تحسين أداء المنظمات ،فهي تؤدي
دو ار محوريا في ترسيخ القيم والمعتقدات والسلوكات لدى العاملين في المنظمة من أجل التوجه نحو
تطبيق إدارة الجودة الشاملة وتحقيق الميزة التنافسية ،ومن أجل تفادي كل المعوقات التي تحول دون تنفيذ
البرامج وتحقيق األهداف المسطرة بات من الضروري إيالء عناية كافية بثقافة التميز في المنظمة
باعتبارها العصب األساسي الذي يتم من خالله نقل العادات والقيم والتقاليد التي يشترك فيها العاملون
واللغة التي يتفاهمون بها ،وقد أصبح السعي نحو تطوير هذه الثقافة مدخال معاص ار يسهم وبشكل كبير
في تحقيق االنسجام الداخلي لدى الموارد البشرية العاملة من جهة؛ وبلوغ التكيف الخارجي وتعزيز
الموقف التنافسي في بيئة ديناميكية تتسم بدرجة عالية من التعقيد والتنوع .
ومن أجل معالجة هذا الموضوع تتناول الورقة البحثية العناصر التالية:
-إدارة التميز وثقافة التميز.
-الميزة التنافسية والتميز.
-كيف تساهم ثقافة التميز داخل المنظمة في تحقيق الميزة التنافسية؟
.1إدارة التميز وثقافة التميز:
لقد نشأ مفهوم إدارة التميز للتعبير عن الحاجة إلى مدخل شامل يجمع عناصر ومقومات بناء
المنظمات على أسس متفوقة تحقق لها قدرات عالية في مواجهة المتغيرات واألوضاع الخارجية المحيطة
بها من ناحية ،كما تكفل لها تحقيق الترابط والتناسق الكامل بين عناصرها ومكوناتها الذاتية ،واستثمار
قدراتها المحورية ،والتفوق بذلك في األسواق ،وتحقيق الفوائد والمنافع للمستفيدين من مالكين لها وعاملين
بها ومتعاملين معها( السلمي ،2002،ص ،)20حيث يتجسد عادة التميز في المنظمات من خالل قدرتها
على بلوغ درجة من التفرد عن غيرها من المنظمات األخرى المنافسة في نفس قطاع األعمال ،سواء كان
ذلك بطبيعة المنتجات أو الخدمات التي تقدمها ،وكذلك بطبيعة الموارد التي تمتلكها ،ولما كان هذا التميز
مرهونا بوجود بيئة ثقافية مناسبة محفزة وداعمة له؛ أصبح من الضروري على المنظمات بناء ثقافة
التميز المؤسسي كأساس لتحقيق الميزة التنافسية وضمان االستم اررية على المدى الطويل(السكارنة،
،2022ص ص)221 – 221
هناك شيء يجتمع عليه معظم البشر وهو الرغبة في التميز ،وذلك على مختلف األصعدة ،ومتى
أصبحت لدى األفراد قناعة بأهمية التميز؛ فال بد وأن يتبلور ذلك في شكل ثقافة تترجم على أرض الواقع
في شكل طرائق معيشة وأنماط حياة وأعراف وسلوكات وأساليب تفكير تسوقهم إلى التفرد والتميز
عن اآلخرين ،وكل ذلك ينتقل من مجتمع إلى مجتمع ومن جيل إلى جيل عن طريق االتصال والتعليم،
وهو ما يصطلج عليه بـ " ثقافة التميز" ( .جراد ،عالء 22 .يناير .2022ال تميز دون ثقافة تميز.
االلكتروني: الموقع من 2022/20/20 بتاريخ: استرجاعها تم اليوم. اإلمارات
) http://www.emaratalyoum.com›...
فالتميز إذا قبل أن يكون ممارسات ووثائق ترشيح هو في األساس ثقافة وقناعة ،حيث ذهب
الكثيرون من رواد االتجاه النفسي في دراسة الثقافة إلى ربط ثقافة المجتمع بشخصية األفراد ،بل وأكدت
العديد من اآلراء في هذا المجال على وجود صلة بين الثقافة والسلوك اإلنساني ،كما أوضح ابن خلدون
قبل ذلك بأن دوافع اإلنسان الفطرية هي أساس الثقافة بمعناها الكامل(بن السعدي ،2002 -2002،ص
.) 02ولما كان لثقافة المجتمع األثر البالغ في حياة المنظمات واألفراد؛ ساهمت وتساهم العوامل
االجتماعية والثقافية المختلفة في التأثير على اتجاهات وسلوكات كل منهما ،األمر الذي انعكس على
مستويات الجودة المقدمة والمحكومة بالعناصر السائدة في البيئة االجتماعية والثقافية للمجتمع ،في الوقت
الذي أصبح فيه سلوك األفراد داخل المنظمة وخارجها ما هو إال انعكاس لعناصر تلك البيئة ،مع
اختالف درجة ومستوى هذا االنعكاس باختالف طبيعة وخصوصية كل من المنظمة والفرد.
وقد أشارت األدبيات الحديثة إلى أهمية إرساء ثقافة التميز داخل المنظمات كواحدة من أهم
العوامل التي تحدد نجاحها ،سيما وأنها تعمل في بيئة تتسم بالتعقيد والمنافسة الشديدة ،األمر الذي يدفعها
إلى تركيز االهتمام والتوجه نحو نشر مفهوم التميز وتحقيق الجودة الشاملة كخيار استراتيجي لتحقيق
كفاءة عالية وفعالية أفضل في األداء وتعزيز موقعها التنافسي.
وبهذا فقد أكدت هذه األـدبيات على ضرورة التزام المنظمات وحرصها على التمسك بهذا الخيار،
والسعي نحو تطوير االستراتيجيات المالئمة لالستجابة لمتطلباته الحالية والمستقبلية ،مسترشدة بعمليات
التخطيط االستراتيجي بغرض تحقيق الجودة والتميز؛ على اعتبار أن الجودة المميزة هي أساس
المفاضلة بين عروض مقدمي المنتجات وهي العامل المحوري في مواجهة المنافسين (.أبو الجليل،
،2001ص)52
يرى أرسطو أن أفعالنا المتكررة تعكس ما نحن عليه ،لذا فالتميز عنده ليس فعال بل عادة
( العيسى ،محمد بن علي ( .د ت) .كتيب التطوير المؤسسي " نحو ثقافة التميز " .الرياض :جامعة
اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ،ص .00تم استرجاعها في تاريخ 2021/01/02 :من الموقع
االلكتروني ،) http://units.imamu.edu.sa›news›... :وهو ما يؤكد كون ثقافة التميز داخل المنظمة
ما هي إال تعبير عن المحصلة الجماعية للطريقة التي يفكر بها معظم األشخاص المنتمون إليها أو
الطريقة التي يتعاملون بها ويشعرون بها حيال بعضهم البعض ،وحيال متلقي الخدمة والموردين،
والخدمات المقدمة ،فهي تغطي معظم عالقات المنظمة بالمجتمع المحلي ،وتميز المنظمة يكمن في
قدرتها على تقديم الخدمات بصورة مبتكرة وغير نمطية ومختلفة عن اآلخرين وهو ما يعزز موقفها
التنافسي ويدعمه ،ولذلك فانه يكاد يكون من المتعذر تحقيق التميز في اإلدارة ما لم تكن الثقافة السائدة
هي ثقافة التميز(عباس ،2005،ص.)81
وثقافة التميز تختلف بالتأكيد عن ثقافة الكسل وثقافة التواكل والتساهل ،وبالتالي فان تحقيق التميز
في اإلدارة مرهون بوجود ثقافة مالئمة ،تتكون من مجموعة من القيم واألهداف والنظم التي تدعم ذلك
التميز (الحيالي ،2022،ص ،)52لذلك فان عملية تطوير هذه الثقافة تعد ضرورة أساسية لتحسين مستوى
أداء المنظمة وأثرها االيجابي لدى المستفيدين والشركاء ،وكذلك لتعزيز موقعها التنافسي.
وترتكز هذه الثقافة على مجموعة من القيم التي يجب االلتزام بها من قبل كافة العاملين في
المنظمة ،ودون أي تحيز لثقافة تميز األداء تصبح إدارة التميز هنا مجرد برنامج جديد يتوقع له الفشل أو
النجاح ،ولذلك فمن الضروري جدا تفهم ماهية ثقافة المنظمة وكيفية بنائها وامكانية تعديلها؛ كونها عملية
أساسية تسبق السعي نحو التميز ،ويعتبر النجاح في نشر هذه الثقافة وتبنيها ونشرها بين العاملين من
أهم متطلبات إدارة التميز( .الرشيد ،2005،ص )00
ويمكن تحقيق ذلك من خالل تبني مجموعة من القيم المشتركة واألهداف والنظم التي تدعم التميز
والتي تتعلق في مجملها بـ:
التركيز على إرضاء متلقي الخدمة ،وعلى العمليات الفعالة.
التحسين المستمر ،وتحري األخطاء وتصحيحها.
االهتمام بالبيئة التنظيمية.
التقدير والمكافآت والحوافز ،والتأكيد على النجاح.
وجود قيادة ملهمة.
التمكين والمساءلة والعمل كفريق واحد.
االتصال والشفافية والثقة.
الشعور بتملك الجودة ،ووجوب المقارنات المرجعية مع الغير.
توضيح األهداف وقياس المخرجات الصحيحة مع ضرورة ربطها بالنتائج (.السهلي،2002،
ص )222
وتتحدد ثقافة التميز من خالل تحقيق التميز على ثالث مستويات وهي :التميز على مستوى ثقافة
االستكشاف ،والتميز على مستوى ثقافة الجودة ،والتميز على مستوى ثقافة التحالفات وذلك كما يلي:
أوال :التميز من خالل ثقافة االستكشاف والتركيز القوي على البحث والحصول على براءات
االختراع ،ومراتب الشرف لنتائج البحث والتطوير ،باإلضافة إلى تشجيع ودعم المشاركة في مشاريع
البحث مع المنظمات األخرى .
ثانيا :التميز من خالل ثقافة الجودة والتأكيد على ذلك عبر جميع مستويات المنظمة ،مع ضرورة
توفير المتطلبات األساسية لتنمية هذا التميز ،وتقوية الحوافز والتأكد من سالمة اإلجراءات المتبعة
لضمان الجودة في مخرجات المنظمة.
ثالثا :التميز في ثقافة التحالفات مع المجتمع ومع المنظمات األخرى ومع الدولة وذلك في انجاز
المهمات والمشاريع المختلفة وعلى جميع األصعدة؛ وهي الثقافة التي تسعى من خاللها المنظمة إلى
المشاركة واالستماع واحداث الفرق والتميز في المحيط الخارجي ،عن طريق إبرام تحالفات وشراكات ذكية
تعود بالمنفعة عليها وعلى العالم المحيط بها(.رمضان ،واسماعيل ،2005 ،ص)02
ويقودنا هذا الطرح إلى التساؤل حول إمكانية تحقيق التميز في اإلدارة في بيئة ثقافية غير مواتية
للتميز؟
يمكن أن يكون ذلك ممكنا ولكنه سيكون حتما أم ار بالغ الصعوبة والتعقيد ،فالتميز في ظل ثقافة
مواتية أمر طبيعي وتلقائي ،لكنه يكاد يكون مستحيال في ثقافة يحكمها الكسل والتواكل والتساهل ،وهناك
أمثلة كافية عن عناصر ثقافية والتي وان لم تكن معيقة للتقدم فهي على األقل غير مواتية بالدرجة الكافية
لتحقيق التميز في اإلدارة؛ باألخص في مجتمعاتنا النامية (الحيالي ،2022 ،ص ،)52وهذه األنماط
هي ما يجب العمل على مراجعتها والتفكير في تطويرها ،ومن ثمة العمل على إتباع منهجية دقيقة
لتحقيق التميز وفق إطار يحتوي على ثمانية عناصر ،مع السعي نحو تفعيل هذا اإلطار عبر التأكيد
على توفير هذه العناصر:
التوجه (المسار) :لكل منظمة رؤية إستراتيجية ومهمة وأهداف تعكس توجهها ومسارها ،على أن
تكون هذه الرؤية وهاته المهمة واألهداف تعبر عما يراد تحقيقه بالضبط وقابلة للتحقيق عمليا ،وهي
أهم نقطة انطالق نحو تحقيق التميز.
العمليات :بعد تحديد الرؤى اإلستراتيجية والمهام واألهداف يصبح من السهل لدى المنظمة ترجمتها
واقعيا في شكل عمليات؛ وذلك عبر االنتقال من المستوى االستراتيجي إلى المستوى التنفيذي ،وأول
خطوة لتحقيق ذلك هي تحديد القنوات األساسية التي سيتم االعتماد عليها كركيزة تتوزع من خاللها
كل األنشطة واالنجازات التي تضطلع بها المنظمة ،وبعد ذلك تأتي مرحلة التخطيط والتصميم لعمل
تلك القنوات ثم تخطيط وتصميم العمليات ،ومن هنا تتضح نقاط االرتباط بين العمليات واألهداف
اإلستراتيجية من جهة وفيما بين العمليات من جهة أخرى ،فتتضح خارطة العمل وتتحدد النشاطات
والمهمات ذات األولوية والتي تعتبر األعصاب الحساسة في نسيج عمليات المنظمة.
الهيكلة :بعد وضوح خارطة العمليات وتحديد النشاطات والمهمات يصبح من السهل وضع الهيكل
التنظيمي الذي يؤمن أفضل اتصال بين القائمين على تنفيذها ،كما يتحقق من خالل هذه الهيكلة
األمن الوظيفي المطلوب.
القيادة :يعتبر وجود من ظومة مخططة بطريقة صحيحة ذات توجه واضح يشرف عليها األشخاص
المناسبون والمؤهلون لتسييرها أمر غير كافي لتحقيق أهداف المنظمة؛ إن لم تتوفر معها قيادة كفأة
تراقب هذا التوجه من األعلى ( ال من التفاصيل ) ،من خالل التخطيط والمتابعة المستمرة لعمليات
التنفيذ ،وتصحيح مسار المنظمة في بعض األحيان -لو استدعى األمر ذلك -لتبقى في االتجاه
الصحيح.
الثقافة :يتطلب األسلوب القيادي الذي يتم إتباعه داخل المنظمة تبني المسؤولين لقيم مهنية معينة
يتم االعتماد عليها في رسم وتنفيذ خارطة العمل من خالل نشرها بين مختلف العاملين ،هذه القيم
تنطلق من قيمهم اإلنسانية وتتأثر بالقيم التي تعكسها القيادة ،وهو ما ينشأ عنه أعراف وأساليب في
انجاز المهمات واألنشطة ،وفي التواصل بين األفراد ،وهو ما يعرف بـ " :الثقافة ".
تبادل المعلومات :يعتبر االتصال وتبادل المعلومات أساس المحافظة على الخصوصية والميزة
الثقافية ألي مجتمع مهما كان حجمه ،ولذلك فان تخطيط وتصميم وتأمين طرق االتصال
والتواصل ،وتبني األساليب والوسائل الناجعة التي تكفل نقل المعلومات بين جميع األطراف بشكل
يدعم الثقافة السائدة داخل المنظمة سيكون له الدور الكبير في إنجاح خطوات االنجاز وتحقيق
األهداف المتوخاة وصوال إلى التميز المطلوب.
الق اررات :لكي يتم انجاز المهمات واألعمال على النحو المطلوب ،ولتفادي الوقوع في التناقض بين
النوايا واألفعال؛ من الضروري توثيق السياسات واإلجراءات التي تحكم عمل المنظمة حتى يتمكن
كل مسؤول من اتخاذ الق اررات الصحيحة والمناسبة من أول مرة وفي كل مرة .
إدارة األداء :تؤثر الق اررات الصحيحة والفعالة في التطوير والتحسين مما يرفع من مستوى األداء
المؤسسي ويدفع عجلة االنجاز ،ويساهم في تحقيق التميز المطلوب ،وارتفاع نسب أرباح المنظمة،
غير أن التحدي الحقيقي يكمن في كيفية المحافظة على هذا المستوى وضمان استق ارره بل
وتحسينه ،وهو ما يتطلب وجود إدارة أداء مناسبة ومحفزة للجميع ونضوج ثقافة التميز المؤسسي بين
جميع العاملين باعتبارهم رأس المال الحقيقي للمنظمة ،وهنا يتحقق اإلبداع واالبتكار ويتحدد التوجه
ويتحسن سير العمليات والهيكلة والقيادة وتبادل المعلومات والق اررات وتسود ثقافة التميز (.السواط،
والعتيبي ،2222،ص ص )82 - 82
.2الميزة التنافسية والتميز:
يعرف العالم اليوم تحوالت كبيرة نحو ظاهرة العولمة بما تعكسه من شمولية وانفتاح على األسواق
العالمية ،وتحرير المبادالت ،وتقليص الحواجز التجارية ،باإلضافة إلى اعتماد معايير دولية تشجع
االندماج االقتصادي ،وهو ما دفع بالمؤسسات المختلفة إلى ضرورة مراجعة طرق التسيير بغرض التكيف
مع البيئة التنافسية التي تتميز باعتمادها ومواكبتها للتكنولوجيات الحديثة؛ وبظهور كم هائل ومتنوع من
المنتجات المنافسة بشكل يومي ومتجدد ،إضافة إلى سعي الكثير من المؤسسات إلى التعلم وانتاج
المعرفة مع تزايد معدالت االبتكار ،والتغير التكنولوجي ،وهو ما وسع من نطاق المنافسة وزاد من حدتها.
هذا التطور المتسارع والتعقيد والتشابك الذي ط أر على البيئة التنافسية له تأثير مزدوج على كل من
المنظمة وم تلقي الخدمة أو الزبائن ،ففي الوقت الذي تؤثر فيه هذه البيئة على سلوك الزبائن من خالل
توفير خيارات متنوعة من المنتجات بما يتوافق مع أذواقهم وامكانياتهم؛ تدفع كذلك بالمنظمات إلى تعبئة
مواردها المالية ،والبشرية ،والتنظيمية ،واتخاذ ق اررات هيكلية من أجل احتالل موقع تنافسي مناسب في
السوق ،مما يؤهلها إلى التفوق على المنافسة ضمن القطاع الذي تنشط فيه ،إال أن التفوق على
المنافسين يستدعي بالضرورة االستناد إلى ميزة تنافسية حقيقية ،تضمن للمؤسسة االستم اررية والنمو
واالستدامة في سوق النشاط ،وهو ما يتطلب معرفة عميقة لألساليب التي تؤمن لها ذلك ،ودراية واسعة
بالمصادر التي تنتج هذه المزايا (.بن جروة ،وبن خيرة ،ديسمبر ،2025ص )212
1.2التنافسية والميزة التنافسية:
تتميز األنشطة االقتصادية في الوقت الراهن بوقوعها تحت هاجس المنافسة على الصعيد العالمي،
فبداية تالشي الحواجز التقليدية النسياب السلع والخدمات من الضرائب الجمركية وحصص كمية؛ رافقه
ظهور حواجز تقنية متعلقة بمعايير البيئة والجودة ،مما أدى إلى بروز منافسين جدد على درجة عالية من
المهارة والقوة ،كما أدى إلى زيادة االهتمام بمفهوم التنافسية وتطويرها بعدما لفت " بورتر " االنتباه إليها
في ثمانينيات القرن الماضي.
إن من الصعب تتبع األصول التاريخية لمفهوم اقتصادي معين خاصة إذا اتسم هذا المفهوم
بالحداثة ،ولم يخضع لنظرية عامة تفسره كمفهوم " التنافسية " إال أنه وبتصفح األدبيات االقتصادية
يتبين بأن ظهور هذا المفهوم قد ارتبط بحقيقتين أساسيتين:
تتعلق األولى بالعجز الكبير الذي حدث في الميزان التجاري في الواليات المتحدة األمريكية خالل
الفترة ،2211 – 2212 :مع ظهور اليابان كمنافس جديد .وزيادة المديونية الخارجية لها.
أما الحقيقة الثانية والتي أدت إلى بروز هذا المفهوم مجددا مع تكثيف االهتمام به؛ فقد كانت في
بداية تسعينياات القرن الماضي كإفراز طبيعي لما أطلق عليه بالنظام االقتصادي العالمي الجديد،
خاصة بعد انهيار الكتلة الشيوعية وظهور سمات وتداعيات جديدة؛ والتي من أبرزها ظاهرة
العولمة.
وقد اختلفت التعاريف التي تناولت مفهوم التنافسية باختالف وجهات النظر ،إال أن مفهومها العام
والشمولي يتعلق بكيفية استغالل الموارد المتاحة سواء للمنظمة أو القطاع أو البلد االستغالل األمثل
بالنظر إلى ما يجب أن يكون عليه هذا االستغالل وبالنظر إلى قوة المنافسين وطريقة استعمالهم لتلك
الموارد .
أما الميزة التنافسية فهي تعبر عن أي شيء يمكن أن يميز المنظمة أو منتجاتها عن منافسيها
بشكل ايجابي؛ وذلك من وجه ة نظر الزبائن أو المستفيدين من الخدمة ،فهي ذلك المجال الذي تتمتع فيه
المنظمة بقدرة أعلى من منافسيها في استغالل الفرص الخارجية والحد من أثر التهديدات التي تواجهها،
وقد تتعلق بالجودة ،أو التكنولوجيا ،أو القدرة على تخفيض التكاليف ،أو الكفاءة التسويقية ،أو االبتكار
والتطوير المستمر ،أو التميز في التفكير اإلداري ،أو وفرة الموارد المالية ،أو امتالك موارد بشرية مؤهلة.
( بن جروة ،وبن خيرة ،ديسمبر ،2025ص ص)212 – 212
وتظهر أهمية الميزة التنافسية للمنظمة من خالل:
إعطاء تفوق كمي ونوعي وأفضلية على المنافسين ،سواء فيما يتعلق باألداء أو في قيمة ما تقدمه
للعمالء ،أو االثنين معا.
المساهمة في التأثير االيجابي على مدركات العمالء وباقي المتعاملين مع المنظمة وتحفيزهم على
االستمرار وتطوير التعامل.
اتسامها باالستم اررية والتجدد مما يمكن المنظمة من متابعة التطور والتقدم على المدى البعيد.
إعطائها لحركة ديناميكية للعمليات الداخلية في المنظمة وذلك نظ ار العتمادها على الموارد والقدرات
الذاتية ( .الغالبي،وصبحي ،2001،ص )002
2.2مصادر الميزة التنافسية:
إن فهم مصادر الميزة التنافسية يشكل عنص ار مهما في مجال اإلدارة اإلستراتيجية ،وقد أشار بارني
( ) Barney,1991إلى أن مصادر المنظمة تشمل الممتلكات والقدرات والعمليات التنظيمية كلها،
وكل المزايا التي تمكن من تبني و تطبيق استراتيجيات تقود إلى تحسين فعاليتها وكفاءتها.
ويمكن تصنيف هذه المصادر على النحو التالي:
رأس المال المادي :ويشمل التكنولوجيا المادية المستخدمة ،والبناء ،واألدوات ،والموقع الجغرافي،
والمواد الخام.
رأس المال البشري :ويتضمن ما هو متوفر لدى المنظمة من قدرات على التدريب ،والخبرة،
والمهارة ،والذكاء ،والعالقات ،والبصيرة لدى المديرين والعاملين.
رأس المال التنظيمي :ويتضمن طبيعة الهياكل التنظيمية ،والتخطيط الرسمي ،وغير الرسمي،
وأنظمة الضبط والتنسيق ،والعالقات الداخلية للمنظمة ،وعالقة المنظمة مع بيئة األعمال الخارجية.
( حاتوغ ،2008 ،ص ) 22
إلى اإلبداع واالبتكار وتحقيق الجودة ،ومنحهم الفرصة للمشاركة في تحقيق أهداف المنظمة بحماس
واصرار ،ونشر روح التعاون بين األفراد بما يحقق األداء المتميز والفعال والتفوق التنافسي.
حيث يقوم هرم ثقافة التميز في المنظمة على ثالث ركائز أساسية من شأنها الوصول بالمنظمة
إلى تحقيق الميزة التنافسية وتعزيز موقعها بين المنظمات األخرى ،وتتمثل هذه الركائز في:
الشفافية ؛ وتكون من خالل:
-تبادل المعلومات بين جميع مستويات المنظمة.
-إيجاد معلومات معتمدة للمنظمات الحكومية.
-نشر قصص النجاح.
-مناقشة معوقات تقديم الخدمات.
-تعاون الجميع في تحقيق النتائج.
العمل على تحقيق النتائج؛ من خالل:
-فهم عمل ورؤية المنظمة.
-انجاز الغايات الملموسة.
-العمل األفضل وبأقل تكلفة
-االستغالل األمثل للموارد.
خدمة المستفيد؛ وتتحقق من خالل:
-تلبية متطلبات المستفيدين.
-التركيز على الخدمة األفضل.
-أخذ آراء المستفيدين واقتراحاتهم بعين االعتبار( .العيسى ،محمد بن علي ( .د ت) .كتيب التطوير
المؤسسي " نحو ثقافة التميز " .الرياض :جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ،ص .08تم
االلكتروني: الموقع من 2021/01/02 تاريخ: في استرجاعها
)http://units.imamu.edu.sa›news›...
كما تتحقق الميزة التنافسية من خالل توفر عدد من معايير التميز التي من الضروري أن
تتضمنها الثقافة السائدة داخل المنظمة والتي تتعلق في مجملها بـ:
معيار القيادة :والذي يتحدد من خالل:
-فحص قدرة المنظمة على حشد الموارد والمساهمة في التركيز على تقديم الخدمات المميزة للمستفيدين.
-نجاح المنظمة في تطوير إستراتيجية تميز واقعية توجه من خاللها النشاطات من أجل تحقيق األهداف
الوطنية وتعزيز الموقع التنافسي.
-نجاح المنظمة في خلق ثقافة مؤسسية تدعم الموارد وتركز على جودة الخدمة.
-نجاح المنظمة في تطوير وتنفيذ نظام متابعة وتقييم لألداء المؤسسي وادارة وتقييم المخاطر.
ويمثل الشكل التالي ( شكل رقم :) 11هرم ثقافة التميز الذي يمكن المنظمة من الوصول إلى
أهدافها اإلستراتيجية في تحقيق الجودة الشاملة وبلوغ التطور وتعزيز موقعها التنافسي.
المصدر :العيسى ،محمد بن علي (.د ت) .كتيب التطوير المؤسسي " نحو ثقافة التميز " .الرياض:
جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ،ص .02تم استرجاعها في تاريخ 2021/01/02 :من الموقع
االلكترونيhttp://units.imamu.edu.sa›news›... :
ففي الوقت الذي تختلف فيه المؤسسات من حيث رسالتها وأهدافها واستراتيجياتها وأنظمتها
وفلسفات العمل التي تتبناها لتحقيق غاياتها الرئيسية ،يبقى هناك قاسم مشترك يجمع بينها؛ أال وهو
االعتراف بأن األساس لتحقيق النجاح والنمو واالستم اررية في السوق إنما يتوقف على وجود عالقات
جيدة بين العاملين بالمنظمة تحفزهم على العمل والتميز ،وقاعدة عريضة من الزبائن أو متلقي الخدمة
ونوعية عالقات جيدة تربطهم بالمنظمة ،وهناك العديد من المؤشرات التي تؤكد ذلك والتي تعكس كون
حقيقة فهم احتياجات ورغبات المستفيدين ،والتميز في خدمتهم ضمن ثقافة المنظمة يعتبر المصدر
الحقيقي لتحقيق ميزة تنافسية دائمة في األسواق المستهدفة لمؤسسة القرن الواحد والعشرين.
فقد أصبح العنصر البشري مؤخ ار أهم مورد من بين موارد المنظمة ،كما أن تطوير ثقافته ضمن
بيئة العمل وفي عالقة المنظمة مع محيطها الخارجي أصبح مسؤولية جد صعبة ،وذلك راجع لكون
عملية تحقيق األهداف والتي في مقدمتها رفع اإلنتاجية وتحسين األداء مرتبطة بشكل كبير بالثقافة
السائدة داخل المنظمة.
ولبلوغ هذه الغاية وجب العمل على تنمية قدرات ومهارات ومواهب األفراد ،وكذا خلق المناخ والجو
المالئمين لالبتكار واإلبداع البشري ،هذا ما يستدعي القيام بالتغيير في خصائصهم ،وقدراتهم ،ومهاراتهم،
وقيمهم ،وأساليب تعاملهم داخل المنظمة ،وفي عالقاتها مع محيطها الخارجي ،ضمن بيئة ثقافية تدفع
إلى التفرد والتميز ،وتدعيم هذه العملية بتوفير مجموعة من العوامل أهمها :نظام المكافآت والحوافز،
السياسات اإلدارية الجيدة ،القيادة اإلدارية الفعالة ،العالقات السليمة واالتصال في االتجاهين ،بما يؤهل
المنظمة ألن تكون قادرة على خوض غمار التميز واإلبداع ومواجهة التحديات الجديدة للعصر والتي من
بينها تحقيق الميزة التنافسية ( بن جروة ،وبن خيرة ،ديسمبر ،2025ص ص .)212 - 211
خاتمة:
تواجه المنظمات اليوم تحديات كبيرة فرضت عليها العيش في ديناميكية مستمرة لمواكبة القوى
والتطورات والتغيرات المتسارعة في بيئة األعمال الداخلية والخارجية ،هذه البيئة بإف ارزاتها المختلفة
تستدعي ضرورة إلمام المنظمات واطالعها على مختلف الفرص المتاحة ومعرفتها ووعيها بمختلف
التهديدات الخارجية كالقوى االقتصادية واالجتماعية والثقافية والسياسية والقانونية والبيئية والطبيعية
والتكنولوجية ،وادراك نواحي الق وة والضعف ذات العالقة بالمتغيرات الداخلية ،والتي يتطلب العمل عليها
من أجل اكتساب ميزة تنافسية ضمن منظمات األعمال.
وقد أكدت الدراسة على أن أهم مدخل لتحقيق المزايا التنافسية للمنظمات هو مدخل الموارد غير
الملموسة ،والتي من بينها ثقافة التميز ،حيث تمثل هذه الثقافة المحرك األساسي للقدرات والطاقات؛
والمؤثر األول على أداء الموارد البشرية ،ومن هنا وجب العمل على زيادة الوعي بأهميتها واالهتمام بالقيم
والسلوكيات والمدركات التي يؤمن بها العاملون في مجال العمل ،ومحاولة غرس قيم متميزة وتنمية حس
اإلبداع ،واالبتكار ،والتجديد ،وتبادل المعارف ،وروح التعاون ،وغيرها من القيم التي تشكل القاعدة
األساسية التي يمكن من خاللها إكساب المنظمة ميزة تنافسية تساهم في تحقيق الكثير من النتائج
االيجابية على المديين القريب والبعيد.
قائمة المراجع:
-أبو الجليل ،محمد منصور .)2001( .قياس رضا الشركات الصناعية األردنية عن جودة خدمات
مكاتب االستشارات العامة في األردن ،رسالة ماجستير غير منشورة ،جامعة عمان العربية ،األردن.
-بن السعدي ،إسماعيل .) 2002 -2002 ( .الثقافة والعمران ،رسالة دكتوراه دولة في علم اجتماع
التنمية ،جامعة منتوري ،قسنطينة.
-بن جروة ،حكيم ،وبن خيرة ،سامي( .ديسمبر .)2025مساهمة الموارد البشرية في تحسين تنافسية
المؤسسات الخدمية – حالة الصندوق الوطني للتوفير واالحتياط .المجلة الجزائرية للتنمية االقتصادية،
(العدد .) 02ورقلة :جامعة قاصدي مرباح ،ص ص .220 – 211
-جراد ،عالء 22 ( .يناير .)2022ال تميز دون ثقافة تميز .اإلمارات اليوم .تم استرجاعها بتاريخ:
2022/20/20من الموقع االلكترونيhttp://www.emaratalyoum.com›... :
-حاتوغ ،سوزي محمد علي .)2008( .أنموذج مقترح لدور اإلدارة في تحقيق الميزة التنافسية في برامج
التعليم الفندقي والسياحي في كليات المجتمع األردنية في ضوء واقعها واالتجاهات المعاصرة ،أطروحة
دكتوراه غير منشورة ،جامعة عمان العربية للدراسات العليا ،األردن.
-الحيالي ،إيهاب 02( .سبتمبر .) 2022آليات تقييم و تطوير البرنامج المؤسسي لمؤسسات التعليم
العالي وفق معايير التميز .ورقة بحثية مقدمة في المؤتمر السنوي الرابع للمنظمة العربية لضمان الجودة
في التعليم ،جامعة الدول العربية ،مصر.
-الرشيد ،صالح 22 /21( .نوفمبر .)2005نحو بناء إطا ار منهجيا لإلبداع وتميز األعمال في
المنظمات العربية .ورقة بحثية مقدمة في المؤتمر العربي السنوي الخامس لإلدارة الموسوم بـ :اإلبداع
والتجديد " دور المدير العربي في اإلبداع والتميز " ،المنظمة العربية للتنمية اإلدارية ،مصر.
-رمضان ،وهيبة عيد ،واسماعيل ،حسام .)2005( .الثقافة التنظيمية ومناخ اإلبداع في المؤسسات
التعليمية .مجلة مستقبل التربية العربية ،المجلد ( 20العدد ،) 02مصر :جامعة المنصورة ،ص ص
.21 – 02
-السكارنة ،بالل .)2022( .اإلبداع اإلداري .عمان :دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة.
-السلمي ،علي .)2002( .إدارة التميز – نماذج وتقنيات اإلدارة في عصر المعرفة – .القاهرة :دار
غريب للطباعة والنشر.
-السهلي ،فهد عبد اهلل .)2002( .دور الثقافة التنظيمية في تفعيل تطبيقات اإلدارة االلكترونية ،رسالة
ماجستير غير منشورة ،جامعة نايف العربية للعلوم األمنية ،الرياض.
-السواط ،طلق عوض اهلل ،والعتيبي ،سعود محمد .)2222( .البعد الوقتي لثقافة التنظيم .مجلة جامعة
الملك عبد العزيز لالقتصاد واإلدارة ،المجلد ( 22العدد األول) .جامعة الملك عبد العزيز ،ص ص 52
– .10
-عباس ،سهيلة .)2005( .القيادة االبتكارية واألداء المتميز -حقيبة تدريبية لتنمية اإلبداع اإلداري.-
عمان :دار وائل للنشر والتوزيع.
-العيسى ،محمد بن علي (.د ت) .كتيب التطوير المؤسسي " نحو ثقافة التميز " .الرياض :جامعة
اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية .تم استرجاعها بتاريخ 2021/01/02 :من الموقع االلكتروني:
http://units.imamu.edu.sa›news›...
-الغالبي ،طاهر محسن ،وصبحي ،وائل محمد .)2001(.اإلدارة اإلستراتيجية منظور متكامل .األردن:
دار وائل للنشر.