Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 6

‫المقطع الثاني‬

‫األسس التي يرتكز عليها مفهوم الحريات العامة‬

‫يرتبط أساس مفهوم الحرية ارتباطا وثيقا بإنسانية اإلنسان في كل مكان وزمان‪ ،‬وقد أكّدت ذلّ الفقّر األولّ مّن ديباجّة اإلعّالن العّالمي‬
‫لحقوق اإلنسان ‪" 1948‬لما كّان االعتّرا بالكرامّة المتأصّلة فّي جميّع أع ّاس األسّر البوّرية وبحقّوقهم المتسّاوية الثابتّة وّو أسّاس‬
‫الحرية والعدل والسالم في العالم"‪.‬‬
‫كما تنص الماد األول من ذات اإلعالن عل "يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق‪ ،‬وقد ووبوا عقال و ّميرا‪ ،‬وعلّيهم‬
‫أن يعامل بع هم بع ا بروح اإلخاس"‪ .‬وبذل نجد أن أساس وجوور الحرية يكمن في مبدأين وما مبدأ الكرامة اإلنسانية‪ ،‬ومبدأ المساوا ‪.‬‬

‫المقطع‬ ‫أودا‬

‫إن المرجو من دراسة المقطع الثاني األسس التي يرتكز عليها مفهوم الحريات العامة هو عالقته الوطيد والمباور لتكريس وذه األخيّر ‪ ،‬ألنّهاا‬ ‫ّ‬
‫المفتاح الرئيسي للوصول إلى الديمقراطية الحقيقية في المجتمع الذي تنعادم فياا المسااواا والكراماة‪ ،‬والتاي تساودا روح التميياز والتفرياو ووهاور‬
‫الطبقية‪ ،‬وهذا ما يؤدي إلى االنكار التام للحرية‪ ،‬ومن هذا المنطلو على طالا الحقاوا ان يتعارل علاى جاوهر مبادا المسااواا والكراماة ا نساانية‪،‬‬
‫ومدى عالقتها بالحريات العامة‪.‬‬

‫الدكتور دوايسية كريمة‬ ‫‪1‬‬


‫مبدأ الكرامة اإلنسانية‬ ‫أوال‬

‫يرتبط مفهوم الكرامة اإلنسانية بصفة أكثر بالقيمة المعنوية لإلنسان‪ ،‬فهذا المفهوم يركز عل أن الفرد مجرد إنسان فهو‬
‫حر وله حقّوق ثابتّة وطبيعيّة يقّدمها الحّا فّي الحريّة‪ ،‬إنمّا ينبنّي علّ فهّم للكرامّة اإلنسّانية الّذ ينظّر لكّل وّخص‬
‫باعتباره إنسانا متساويا وله قيمة‪ ،‬وووب حقوقا معينة غير قابلة للعدوان عليها‪ ،‬ويمكن المطالبة بها د المجتمع ككل‪.‬‬
‫فهذا المفهوم يوير في أحد مراتبه إل أعل قيمة يمكن من خاللها معاملة كل إنسان‪ ،‬والتي تفرض احترامه بغض النظّر‬
‫عن مقدار نفعه االجتماعي‪.‬‬
‫ومبدأ الكرامة اإلنسانية بهذا المعن وكل نقطة ارتكاز أساسية بالنسبة للقانون الدولي لحقوق اإلنسان‪:‬‬
‫‪-‬أول إوار لمبدأ احترام الكرامة اإلنسانية عل الصعيد العالمي جاست في مقدمة ميثاق األمم المتحّد ‪ ،1945‬ثّم اإلعّالن‬
‫ّرور‬ ‫العالمي لحقوق اإلنسان ‪ ،1948‬ثم العهدين الدوليين ‪ ،1966‬اللذين يوتركان في نص الديباجّة التّي تّنص علّ‬
‫احترام الكرامة اإلنسانية‪ ،‬ثم إعالن طهران ‪.196‬‬

‫‪2‬‬
‫مبدأ المساوا كأساس للحريات العامة‬ ‫ثانيا‬
‫‪-2‬أساس مبدأ المساوا ‪:‬‬ ‫‪-1‬المقصود‪:‬‬

‫يعد مبدأ المساوا من المبادئ العامة للقانون ويرتكز عل أساسه من‬ ‫إن تعريّّّ الحريّّّة موّّّتا مّّّن المسّّّاوا إذ ال وجّّّود للحريّّّة دون مبّّّدأ‬
‫الفلسفة السياسية للديمقراطية‪ ،‬باعتبار أن الحرية ال توجد ما لم تكن متاحة‬ ‫المساوا التي تعتبر الركيّز األساسّية‪ ،‬لّذل فّإن تنظّيم وحمايّة الحريّات‬
‫للجميع فال ديمقراطية بغير حرية ‪ ،‬ولهذا يعد مبدأ المساوا أحد دعائم الدولة‬ ‫العامة ال يتم إال بموجّب قّوانين عامّة ومجّرد تكفّل المسّاوا بّين جميّع‬
‫القانونية عل أساس سياد القانون ال تعلو ما لم يطبا عل قدم المساوا ‪.‬‬ ‫المواطنين‪.‬‬
‫يعتبر مبدأ المساوا مبدأ دستور وقد كرسته مختل دساتير العالم (سواس‬ ‫يقصّّد بمبّّدأ المسّّاوا غيّّاب كّّل المعّّامالت التف ّّيلية بّّين األطّّرا فّّي‬
‫بنص صريح‪ ،‬أو مني يتم استخالصه من نصوص الدستور)‪ ،‬فإن مبدأ‬ ‫عالقة قانونيّة معينّة‪ ،‬أو بعبّار أخّر أن األفّراد أمّام القّانون سواسّية‪،‬‬
‫المساوا يستند في أساسه إل نظريتين‪:‬‬ ‫دون تمييّّز بيّّنهم بسّّبب األصّّل أو الجّّنس أو اللّّون أو الّّدين أو اللغ ّة أو‬
‫نظرية القانون الطبيعي التي ير أصحابها بأن األفراد كانوا يعيوون في‬ ‫المركّّّز االجتمّّّاعي‪ ،‬فّّّي اكتسّّّاب الحقّّّوق وحريّّّة ممارسّّّتها والتحمّّّل‬
‫حالة الفطر ‪ ،‬ويتمتعون بالمساوا التامة في ممارسة حقوقهم وحرياتهم‬ ‫بااللتزامات وأدائها‪.‬‬
‫الطبيعية‪.‬‬ ‫المسّّاوا مّّن حيّّد المبّّدأ تعنّّي عّّدم التمييّّز بّّين األفّّراد فّّي الحقّّوق‬
‫ونظرية العقد االجتماعي التي ير أنصاروا بأن األفراد تعاقدوا فيما بينهم‬ ‫والواجبات أل سبب كان عل اعتبار أنهم يولدون متساويين في الطبيعّة‪،‬‬
‫إل حيا منظمة‬ ‫من أجل الخروج عن حالة الفطر التي كان يتخللها الفو‬ ‫غيّّر أن األمّّر يّّزداد تعقيّّد إذا نظرنّّا للفّّوارق التّّي تميّّز بّّين األو ّخاص‬
‫يسودوا المساوا في الحقوق‪.‬‬ ‫سّّواس فّّي الو ّّع االجتمّّاعي أو االقتصّّاد والتّّي تجعّّل بع ّّهم أكثّّر‬
‫حريّّة‪ ،‬واألمّّر الّّذ يّّىد إل ّ نوّّوس واقّّع مّّن عّّدم المسّّاوا الحقيقيّّة‬
‫حيد كرسها المىسس الدستور الجزائر في التعديل األخير لسنة ‪2020‬‬ ‫بسبب عدم تكافى الفرص‪.‬‬
‫بموجب الفقر ‪ 11‬من الديباجة‪ ،‬الماد ‪ 35‬الفقر الثانية‪.‬‬
‫الدكتور دوايسية كريمة‬ ‫‪3‬‬
‫‪-3‬أنواع المساوا ‪:‬‬

‫ب‪ .‬المساوا القانونية والمساوا الفعلية‪:‬‬ ‫أ‪ -‬المساوا المطلقة والمساوا النسبية‪:‬‬

‫المسّّّاوا القانونيّّّة‪ :‬أن يكّّّون جميّّّع األفّّّراد متسّّّاوين بالنسّّّبة‬ ‫المسّّاوا المطلقّّة تعن ّ أن ينطبّّا القّّانون عل ّ الجميّّع بّّدون‬
‫للحماية القانونية التي نطبقها عليهم أو العقاب الذ نفر ه‪.‬‬ ‫اسّّّتثناس إال أن الواقّّّع العملّّّي ال يسّّّمح بتحقيّّّا وّّّذه المسّّّاوا‬
‫إال أن وّذا التطبيّا للمسّاوا فّي المجتمعّات الغربيّة القائمّة علّ‬ ‫المطلقة‪ ،‬فالمساوا ال يمكن إال أن تكّون نسّبية‪ ،‬أ أن المسّاوا‬
‫المّّذوب اللبرالّّي أد إلّ فروقّّات اجتماعيّّة كبيّّر فّّي المجتمّّع‪،‬‬ ‫ال تتحقّّّا إال بالنسّّّبة للمراكّّّز القانونيّّّة المتماثلّّّة‪ ،‬فالمسّّّاوا‬
‫ازداد الغنّّّي غنّّّ والفقيّّّر فقّّّرا‪ ،‬ممّّّا أد إلّّّ المسّّّاس بمبّّّدأ‬ ‫الحقيقيّّة تعن ّ توحيّّد المعاملّّة بالنسّّبة لإلفّّراد المتواج ّدين فّّي‬
‫المساوا وم مونها الحقيقي وكان من نتّائ ذلّ ظهّور الحقّوق‬ ‫مراكز قانونية متماثلة‪.‬‬
‫االقتصّّادية واالجتماعيّّة مّّن خّّالل تّّدخل الدولّّة للحّّد مّّن وّّذه‬
‫الفّّّوارق الطبقيّّّة‪ ،‬وذلّّّ بّّّالنص عليهّّّا فّّّي الدسّّّاتير ومختلّّّ‬
‫القوانين لتحقيا نوع معين من المساوا الحقيقية ك مان حد أدن‬
‫من الرعاية الصحية واالجتماعية واالقتصادية‪.‬‬
‫وتّّدخل الدولّّة للحّّد مّّن وّّذه الفّّوارق الطبقيّّة ال يعّّد خرقّّا لمبّّدأ‬
‫المساوا إنما وو في واقع األمر تصحيح لألو اع التي نتجّت عّن‬
‫األخذ بالمساوا القانونيّة‪ ،‬وأنّه تطبيّا نسّبي لمبّدأ المسّاوا مّن‬
‫جانب آخر‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-4‬مظاور مبدأ المساوا‬

‫ينعكس مبدأ المساوا في مجموعة من المظاور أو ما يمكن ان نطلا عليها بالمبادئ الفرعية التي تتفرع عنه والتي تتمثل فيما يلي‪:‬‬

‫‪-3‬المساوا في الحقوق السياسية‪:‬‬ ‫‪-2‬المساوا أمام الق اس‪:‬‬ ‫‪-1‬المساوا أمام القانون‪:‬‬
‫الحقّّّّوق السياسّّّّية تعنّّّّي جملّّّّة‬ ‫المقصود من ذل ان يكون االفراد امام‬ ‫المقصود بها مساوا المواطنين جميعا أمام قانون الدولة فّي المراكّز القانونيّة‪،‬‬
‫الحقّّّوق التّّّي تتّّّيح لألفّّّراد حّّّا‬ ‫الق ّّّاس متسّّّاوين يخ ّّّعون لقّّّانون‬ ‫بمعن أن يكون القانون واحدا بالنسّبة للجميّع ال تمييّز بّين طبقّة وأخّر ‪ ،‬وال‬
‫المواركة في إدار وّىون الدولّة‪،‬‬ ‫واحّّد وق ّّاس واحّّد‪ ،‬ويتسّّاوون فّّي‬ ‫بين األفراد بسبب األصل أو الجنس أو الدين أو اللغة‪ ،‬فالمساوا المسّتهدفة ونّا‬
‫كحّّا االنتخّّاب والتروّّح لع ّّوية‬ ‫المثّّّول أمّّّام الق ّّّاس‪ ،‬وال فّّّرق فّّّي‬ ‫ليست المسّاوا الحسّابية أو الماديّة‪ ،‬وإنمّا المسّاوا فّي المراكّز القانونيّة أ‬
‫المجالس والهيئات سواس محلية او‬ ‫توقيّّّّع العقوبّّّّات والجّّّّزاسات بيّّّّنهم‬ ‫بين األفراد الذين يتساوون في المراكز القانونية‪.‬‬
‫مركزيّّّة‪ ،‬المّّّاد ‪ 56‬مّّّن التعّّّديل‬ ‫بالتّّّّّالي فّّّّّإن مّّّّّن مقت ّّّّّيات مبّّّّّدأ‬ ‫وقد أكد التعديل الدستور الجزائر لسنة ‪ 2020‬عل وذا المبدأ في الماد ‪37‬‬
‫الدسّّّّّتور لسّّّّّنة ‪ 2020‬ووّّّّّذه‬ ‫المسّّّاوا أمّّّّام الق ّّّاس عّّّّدم جّّّّواز‬ ‫التي تنص عل " كل المّواطنين سواسّية أمّام القّانون‪ ،‬ولهّم الحّا فّي حمايّة‬
‫الحقّّوق مقصّّور علّ المّّواطنين‬ ‫حرمّّان مجموعّّة أو طائفّّة مّّن حّّا‬ ‫متسّاوية‪ ،‬وال يمكّن أن يذتّّذرع بّأ تمييّّز يعّود سّببه إلّ المولّد‪ ،‬أو العّّرق أو‬
‫دون األجانّّّّّب يمارسّّّّّونها وفقّّّّّا‬ ‫اللجّّوس الّ الق ّّاس‪ ،‬فأسّّاس الق ّاس‬ ‫الجنس أو الرأ ‪ ،‬أو أ ورط أو ظر آخر‪ ،‬وخصي أو اجتماعي"‬
‫للوروط التي حددوا القانون‪.‬‬ ‫المّّّاد ‪165‬مّّّن التعّّّديل الدسّّّتور‬
‫لسّّّنة ‪ " 2020‬يقّّّوم الق ّّّاس علّّّ‬ ‫كما لزم ذات الدستور مىسسات الدولة ب مان تفعيل وذه المساوا ‪ ،‬وذل بإزالة‬
‫أسّّّاس مبّّّادئ الوّّّرعية والمسّّّاوا ‪،‬‬ ‫كّّل العقبّّات التّّي تحّّول دون الموّّاركة الفعليّّة لجميّّع المّّواطنين فّّي الحيّّا‬
‫وان يكون في متناول الجميع"‪.‬‬ ‫السياسية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الدولة‪:‬‬ ‫‪-5‬المساوا في تقلد وظائ‬ ‫‪-4‬المساوا في الواجبات وتحمل األعباس والتكالي ‪:‬‬
‫ووّّي مّّن الحقّّوق الدسّّتورية التّّي تقت ّّي معاملّّة جميّّع المّّواطنين‬ ‫وتعنّّي وّّذه المسّّاوا أن األفّّراد متسّّاوون فّّي االنتفّّاع بالخّّدمات‬
‫معاملة متساوية في وروط الوظيفة العامة من دون تمييز فّي مّا بّين‬ ‫العامة التي تقّدمها الدولّة مّا دامّت الوّروط التّي يتطلبهّا القّانون‬
‫المواطنين إال ما تعلا باوتراط مىوالت علميّة او ثقافيّة أ الوّروط‬ ‫متّّوفر فّّيهم لّّذل كانّّت المسّّاوا فّّي االنتفّّاع بالخّّدمات تقابلهّّا‬
‫القانونيّّّة المطلوبّّّة‪ ،‬مّّّع مراعّّّا المسّّّاوا فّّّي الحقّّّوق الواجبّّّات‪،‬‬ ‫أي ا المساوا في تحمل التكالي منها‪:‬‬
‫وااللتزامات‪ ،‬األجور‪ ،‬المزايا‪....‬‬
‫‪-‬تحمل أعباس ال ريبة‪ :‬بحيد يدفع كل مكل بال ريبة طبقا لثروته‬
‫ووّّّو حّّّا لكّّّل فّّّرد تّّّوافرت فيّّّه الوّّّروط التّّّي حّّّددوا المىسّّّس‬ ‫وقدرته المالية وحالته الوخصية‪ ،‬وان ال يثقل كاول فئة بعبس أكبّر‬
‫الدستور بو ع استثناسات عل وذا المبدأ العام‪:‬‬ ‫من فئة أخر ‪ ،‬ووّذا المبّدأ يحكمّه مبّدأين أساسّيين‪ :‬مبّدأ وّرعية‬
‫‪ -‬يخص الوظّائ ذات الصّلة بالسّياد واألمّن الّوطنيين وفّا المّاد‬ ‫ال ريبة ومبدأ عمومية ال رائب‪ .‬الماد ‪ 82‬الفقّر ‪ 5‬مّن التعّديل‬
‫‪ 67‬التّّّي نصّّّت علّّّ يتسّّّاو جميّّّع المّّّواطنين فّّّي تقلّّّد المهّّّام‬ ‫الدستور لسنة ‪.2020‬‬
‫والوظائ في الدولة‪ ،‬باستثناس المهام والوظائ ذات الصلة بالسّياد‬ ‫‪ -‬المسّّّاوا أمّّّام األعبّّّاس الخدمّّّة العسّّّكرية‪ :‬ووّّّو كّّّذل تكليّّّ‬
‫واألمن الوطنيين‪.‬‬ ‫والتزام دستور وواجب‪ ،‬الهد منه الدفاع عن الوطن أو التّدريب‬
‫‪-‬المساوا بين النساس والرجال في الوظائ العامة حيد تكون وّروط‬ ‫كقوات احتياطيين من اجل ذل ‪ ،‬ومفاده رور المساوا بين جميع‬
‫التعيين واحد للجميع ووّذا حسّب المّاد ‪ 68‬مّن التعّديل الدسّتور‬ ‫المواطنين في المد المطلوبة الذين تتوافر فيهم وروط أداس الخدمة‬
‫لسنة ‪.2020‬‬ ‫العسكرية من السن وغير عاجز بدنيا أو عقليا‪.‬‬

‫الدكتور دوايسية كريمة‬ ‫‪6‬‬

You might also like