Professional Documents
Culture Documents
السجن غير المرئي والملموس
السجن غير المرئي والملموس
هناك نوعان من التح ّكم الذي يجري في هذا العالم .النوع األوّ ل هو الذي نألفه جميعاً ،وهو التح ّكم المباشر .وهناك
نوع آخر من التح ّكم ،ويمكن لهذا التح ّكم أن يستمرّ إلى األبد إن لم يكشفه أحد ويفضح تفاصيله .النوع األوّ ل ،وهو
التح ّكم المباشر ،هو عبارة عن دكتاتورية وطغيانا ً ملكياً ،فاشياً ،شيوعياً ..وغيرها من نماذج استبدادية ..هذا الحكم
هو واضح وجلي بحيث يمكنك رؤيته ولمسه مباشرة ،أنت تعلم بأنك غير حرّ ،ألنك خاضع لهذا الحكم بشكل
مباشر وتعلم من يحكمك ويسيطر عليك .وفي النهاية ،فإن غريزة الحرّ ية واالستقاللية سوف ّ
تحثك على التمرّ د
والثورة على هذا الحاكم ،حتى لو كلفك هذا حياتك ،وقد رأينا أمثلة كثيرة عبر التاريخ.
أما النوع اآلخر من التح ّكم ،فهو التح ّكم غير المباشر ،أي السجن الذي ليس له قضبان ،إنه السجن الذي ال تستطيع
رؤيته أو لمسه أو إدراك وجوده أصالً .إنها الحالة التي تكون فيها تحت السيطرة المباشرة مع أنك تظن بأنك حراً
طليقاً .وال يمكن ألحد أن يتمرّ د على الوضع إذا كان يشعر بأنه حراً.
بعد أن تراجعت اإلمبراطورية البريطانية من مستعمراتها حول العالم ،خلفت وراءها مجتمعات سرّ ية تحكم من
وراء الستار في جميع المستعمرات التي نالت استقاللها ظاهرياً .وبقيت هذه المحافل السرّ ية تحكم المستعمرات
حتى اليوم .لهذا السبب ،وألننا ال نراهم وال نلمسهم أو إدراك وجودهم أصالً ،فإنه من الصعب فضحهم ومن ثم
قد يبدو األمر مذهالً بالنسبة لمعظم الناس ،و يعتبر مستحيالً بالنسبة للشعب األمريكي ،لكن الحقيقة هي أن
الواليات المتحدة ،القوة العظمى التي تسيطر على العالم ،لم تتحرّ ر أبداً! والزالت قابعة تحت السيطرة المباشرة
ً
وخاصة بريطانيا! من أوروبا
إذا أردت أن تجعل الناس ينظرون إلى مكان آخر بعيد عن مكان السيطرة الفعلية ،ذلك لتفادي التمرّ د الشعبي
المح ّتم ،كل ما عليك فعله هو خلق وضعية أو حالة معيّنة تجعل الناس ينظرون إلى هناك بينما السلطة الفعلية هي
هنا .إذاً ،أصبح لدينا اآلن حالة عالمية معيّنة بحيث ينظر شعوب العالم إلى الواليات المتحدة على أنها قوة الشرّ
المطلق المسبب لكل هذا البؤس في العالم ،مع أنه في الحقيقة يتم إدارتها والتحكم بها من بريطانيا .وفي الوقت
نفسه ،الزال الشعب البريطاني يبكي على الماضي المجيد لإلمبراطورية البريطانية التي ال تغيب عنها الشمس!
مع أنها الزالت تحكم العالم بشكل مباشر لكن من خلف الستار .وطبعا ً أنا ال أتحدث عن األسرة الملكية أو رئيس
الحكومة أو البرلمان أو مجلس اللوردات ،بل عن المسيطرين الفعليين الذين هم أيضا ً يقبعون خلف الستار في
في العام 1776م ،الشركة التي أنشأت من قبل المملكة البريطانية إلدارة المستعمرات األمريكية المدعوة بشركة
فرجينيا ،غيّرت اسمها إلى الواليات المتحدة والزالت هذه الشركة ،التي تسيطر عليها بريطانيا ّ
تمثل الحكومة
الفدرالية المركزية للبالد .وجميع المنظمات والمؤسسات التي تدير الواليات المتحدة على المستوى الحكومي ،مثل
بنك االحتياط الفدرالي ،وهو البنك المركزي األمريكي ،الذي هو ملك لعائالت أوروبية وليس للحكومة ،وخدمة
الموارد الداخلية IRSالذي يجمع الضرائب ،هو ملك لثالثة عائالت من أصل ألماني ....وغيرها من مؤسسات
ً
وخاصة بريطانيا .ورغم ذلك ،وبسبب صورة أمريكا البرّ اقة، فدرالية ،جميعها مملوكة ومسيطر عليها من أوروبا،
وما حصل في الثورة األمريكية ،التي حرّ رتهم من المستعمر البريطاني ،هو أن الشعب األمريكي انتقل من سجن
مرئي وملموس إلى سجن غير مرئي وغير ملموس ،وظنوا أنهم تحرّ روا من الطغيان واالستعباد مع أنهم لم
يتحرّ روا أبداً .فجميع أعضاء قيادة الثورة األمريكية لهم صلة قرابة مع األسر الملكية األوروبية ،باإلضافة إلى
عالقات تجارية ومالية وثيقة مع بريطانيا .مع العلم أنهم جميعا ً ينتمون إلى المجمع الماسوني وبدرجات رفيعة.
يمكن استقاء مثال آخر على عملية االنتقال من سجن ملموس إلى سجن غير ملموس من خالل ما حصل في
جنوب أفريقيا .قبل أن أصبح مانديال رئيساً ،كانت جنوب أفريقيا خاضعة بشكل علني ومباشر لسيطرة األقلّية
البيضاء ،والتي حكمت من خالل نظاما ً عنصريا ً مقيتاً .وكان هناك في تلك الفترة معارضة شرسة على مستوى
عالمي لهذا النظام .فكانت المظاهرات تخرج بين الحين واآلخر في كافة البلدان ،تدعو إلسقاط هذا النظام
العنصري المقيت .وبنفس الوقت ،وفي تلك الفترة بالذات ،كانت عائلة أوبنهايمر ( Oppenheimerالحاكمة الفعلية
للبالد) تملك %80من األسهم في سوق األسهم الجنوب أفريقية ،وباقي النسبة كانوا يملكونها بطريقة غير
مباشرة .وكانوا أيضا ً يملكون جميع وسائل اإلعالم من خالل رجال ومؤسسات ُتستخدم كواجهة لهم .وملكوا أيضا ً
جميع مناجم الذهب واأللماس ،والتي يعتمد عليها اقتصاد البالد بشكل أساسي .لقد أضطرّ هؤالء المسيطرون إلى
التحوّ ل لما يسمونه الحكم الديمقراطي ،نتيجة الضغوط العالمية الهائلة ،فجلبوا نيلسون مانديال الذي كان قابعا ً في
السجن ،وجعلوا منه رئيساً ،وحصل تغييرات كبيرة في إدارة الحكم بالبالد .فهدأت المظاهرات والمعارضات في
جميع أنحاء العالم ،واحتفل الجميع بهذا اإلنجاز الذي حققته الجماهير! لقد تحرّ رت جنوب أفريقيا! يبدو أن هناك
لكن في الحقيقة ،بعد كل هذه المدة التي مضت على حكم السود للبالد ،وبعد أن ذهب مانديال وجاء تابومبيكي،
يبدو أن المسيطرون القدامى الزالوا يحكمون البالد .فعائلة أوبنهايمر Oppenheimerالزالت تملك %80من
األسهم في سوق األسهم الجنوب أفريقية ،والزالوا يملكون باقي النسبة بطريقة غير مباشرة .والزالوا أيضا ً
يملكون جميع وسائل اإلعالم من خالل رجال ومؤسسات ُتستخدم كواجهة لهم .والزالوا يملكون جميع مناجم
الذهب واأللماس ،والتي يعتمد عليها اقتصاد البالد بشكل أساسي .الفرق بين الماضي والحاضر هو أن ال أحد
يصرخ اآلن داعيا ً إلى تحرير جنوب أفريقيا ،والسبب هو وجود رجل أسود في منصب الرئاسة!
إن جنوب أفريقيا في حالة يُرثى لها اآلن ،والسبب هو أن المسيطرون ،وبعد خروجهم من تحت األضواء إلى
وراء الستار ،ازدادت شراستهم ومكرهم وخداعهم .وكل ما على الرئيس االفريقي المسكين هو تل ّقي الصفعات من
............................