Professional Documents
Culture Documents
10 مقالات فلسفية للسنة الثالثة آداب و فلسفة
10 مقالات فلسفية للسنة الثالثة آداب و فلسفة
والفكر بال فالسفة اللغة وعلمائها ؛ فاعتقد البعض منهم أن هناك تطابق مطلق بينهما ،والوجود ألفكاٍر ال تستطيع اللغة التعبير عنها ،واعتقد آخرون أن هناك انفصال بين اللغة
والفكر ،مما يلزم عنه إمكان تواجد أفكار تعجز اللغة عن التعبير عنها وتوصيلها للغير ،فهل فعال يمكن أن يكون هناك فكارا بدون لغة ؟ بمعنى آخر :هل يمكن ان توجد افكار خارج حدود اللغة ؟محاولة حل المشكلة :أ -عرض االطروحة :يرى بعض المفكرين من أنصار
االتجاه الثنائي ،أنه ال يوجد تطابق وتناسب بين عالم االفكار وعالم االلفاظ فالفكر اسبق من اللغة واوسع منها ،وأن ما يملكه الفرد من افكار ومعان يفوق بكثير ما يملكه من الفاظ وكلمات ،مما يعني انه يمكن أن تتواجد افكار خارج إطار اللغة .ويدافع عن هذه الوجهة من
النظر الفالسفة الحدسانيون أمثال الفرنسي " هنري برغسون " والرمزيون من االدباء والفنانين ،وكذا الصوفية الذين يسمون أنفسهم أهل الباطن والحقائق الكبرى .ب -الحجة :وما يؤكد ذلك ،أن االنسان كثيرا ما يدرك كمًا زاخرًا من المعاني واالفكار تتزاحم في ذهنه ،وفي
المقابل ال يجد اال الفاظا محدودة ال تكفي لبيان هذه المعاني واالفكار .كما قد يفهم أمرا من االمور ويكّو ن عنه صورة واضحة بذهنه وهو لم يتكلم بعد ،فإذا شرع في التعبير عما حصل في فكره من افكار عجز عن ذلك .كما قد يحصل أننا نتوقف – لحظات – أثناء الحديث أو
الكتابة بحثا عن كلمات مناسبة لمعنى معين ،أو نقوم بتشطيب أو تمزيق ما نكتبه ثم نعيد صياغته من جديد ...و في هذا المعنى يقول " برغسون " « :إننا نملك افكارا اكثر مما نملك اصواتا » .ثــم إن االلفاظ ُوضعت – أصال – للتعبير عما تواضع واصطلح عليه الناس بغية
التواصل وتبادل المنافع ،فهي إذن ال تعبر اال على ما تواضع عليه الناس واصطلحوا عليه ( أي مايعرف بالناحية االجتماعية للفكر ) ،وتبقى داخل كل إنسان جوانب عميقة خاصة وذاتية من عواطف ومشاعر ال يستطيع التعبير عنها ،لذلك فاللغة عاجزة عن نقل ما نشعر به
لالخرين ،يقول " فاليري " « :أجمل االفكار ،تلك التي ال نستطيع التعبير عنها » .ولهذا تـّم ابتكار وسائل تعبير بديلة عن اللغة كالرسم والموسيقى ..وفضال عن ذلك ،فإن الفكر فيض متصل من المعاني في تدفق مستمر ،أشبه بالسيل الجارف ال يعرف االنسقام او
التجزئة ،وهو نابض بالحياة والروح أي " ديمومة " ،أما ألفاظ اللغة فهي سلسلة من االصوات منفصلة ،مجزأة ومتقطعة ،وال يمكن للمنفصل ان يعبر عن المتصل ،والنتيجة أن اللغة تجمد الفكر في قوالب جامدة فاقدة للحيوية ،لذلك قيل « :االلفاظ قبور المعاني » .جـ-
النقد :لكن القول ان الفكر اوسع من اللغة واسبق منها ليس اال مجرد افتراض وهمي ،فإذا كنا ندرك معاٍن ثم نبحث لها عن ألفاظ ما يبرر اسبقية الفكر على اللغة ،فإن العكس قد يحدث أيضا حيث نردد الفاظ دون حصول معاٍن تقابلها وهو ما يعرف في علم النفس بـ " الببغائية
" أفال يعني ذلك أن اللغة اسبق من الفكر ؟ وحتى لو سلمنا – جدال – بوجود اسبقية الفكر على اللغة فإنها مجرد اسبقية منطقية ال زمنية ؛ فاالنسان يشعر أنه يفكر ويتكلم في آٍن واحد .والواقع يبين ان التفكير يستحيل ان يتم بدون لغة ؛ فكيف يمكن ان تمثل في الذهن تصورات
ال اسم لها ؟ وكيف تتمايز االفكار فيما بينها لوال اندراجها في قوالب لغوية ؟ ثم لو كانت اللغة عاجزة على التعبير عن جميع افكارنا فالعيب قد ال يكون في اللغة ،بل في مستعملها الذي قد يكون فاقد لثروة لغوية تمكنه من التعبير عن افكاره .أ -نقيض االطروحة :يعتقد معظم
فالسفة اللغة وعلمائها من انصار االتجاه االحادي ،أن هناك تناسب بين الفكر واللغة ،وعليه فعالم االفكار يتطابق مع عالم االلفاظ ،أي ان معاني االفكارتتطابق مع داللة االلفاظ ،وال وجود ألفكار خارج اطار اللغة ،والى ذلك يذهب الفليسوف الفرنسي " ديكارت "
وااللماني " هيجل " والمفكر االنجليزي " هاملتون " وعالم النفس االمريكي " واطسن " ،الذين يؤكدون جميعهم أن بين اللغة والفكر اتصال ووحدة عضوية وهما بمثابة وجهي العملة النقدية غير القابلة للتجزئة ،باعتبار « ان الفكر لغة صامتة واللغة فكر ناطق » .ب-
الحجة :وما يثبت ذلك ،أن المالحظة المتأملة وعلم النفس يؤكدان أن الطفل يولد صفحة بيضاء خاليا تماما من أي افكار ،ويبدأ في اكتسابها بالموازاة مع تعلمه اللغة ،أي أنه يتعلم التفكير في نفس الوقت الذي يتعلم فيه اللغة .وعندما يصل الفرد الى مرحلة النضج العقلي فإنه
يفكر باللغة التي يتقنها ،فاالفكار ال ترد الى الذهن مجردة ،بل مغلفة باللغة التي نعرفها » ،فـ« مهما كانت االفكار التي تجيئ الى فكر االنسان ،فإنها ال تستطيع ان تنشأ وتوجد اال على مادة اللغة » .وأنه حسب " هيجل " أي محاولة للتفكير بدون لغة هي محاولة عديمة
الجدوى ،فاللغة هي التي تعطي للفكر وجده االسمى واالصح .ثـم إننا ال نعرف حصول فكرة جديدة في ذهن صاحبها اال اذا تميزت عن االفكار السابقة ،وال يوجد ما يمايزها اال عالمة لغوية منطوقة أو مكتوبة .كما ان االفكار تبقى عديمة المعنى في ذهن صاحبها ولم تتجسد
في الواقع ،وال سبيل الى ذلك اال الفاظ اللغة التي تدرك ادراكا حسيا ،فاللغة – إذن – هي التي تبرز الفكر من حيز الكتمان الى حيز التصريح ،ولوالها لبقي كامنا عدما ،لذلك قيل « :الكلمة لباس المعنى ولوالها لبقي مجهوال » .والنتيجة ان العالقة بين اللغة والفكر بمثابة
العالقة بين الروح بالجسد ،االمر الذي جعل " هاملتون " يقول « :إن االلفاظ حصون المعاني » .جـ -النقد :لكن ورغم ذلك ،فإنه ال وجود لتطابق مطلق بين الفكر واللغة ،بدليل ان القدرة على الفهم تتفاوت مع القدرة على التبليغ ،من ذلك مثال أنه اذا خاطبنا شخص بلغة ال
نتقنها فإننا نفهم الكثير مما يقول ،لكننا نعجز عن مخاطبته بالمقدار الذي فهمناه ،كما أن االدباء -مثال -رغم امتالكهم لثروة لغوية يعانون من مشكلة في التبليغ .التركيب :في الحقيقة أن العالقة بين اللغة والفكر عالقة ذات تاثير متبادل ،فكالهما يؤثر في اآلخر ويتأثر به ،
لكن ورغم ذلك فإنه ال وجود ألفكار ال تستطيع اللغة أن تعبر عنها ،كما أنه – في نفس الوقت – ال وجود أللفاظ ال تحمل أي فكرة او معنى حل المشكلة :وهكذا يتضخ انه ال يمكن للفكر ان يتواجد دون لغة وال لغة دون فكر ،على االعتبار ان االنسان بشكل عام يفكر بلغته
ويتكلم بف ،وهذا يعني في النهاية أنه يستحيل تصور وجود افكار خارج اطار اللغة .
المقالة الثالثة :دافع عن االطروحة القائلة " :أن اللغة منفصلة عن الفكر وتعيقه " االستقصاء بالوضطرح المشكلة :تعد اللغة بمثابة الوعاء
الذي يصب فيه الفرد أفكاره ،ليبرزها من حيز الكتمان الى حيز التصريح .لكن البعض أعتقد ان اللغة تشكل عائقا للفكر ،على اعتبار
أنها عاجزة عنإحتوائه والتعبير عنه ،مما يفترض تبني االطروحة القائلة ان اللغة منفصلة عن الفكر وتعيقه ،ولكن كيف يمكن الدفاع عن
هذه االطروحة ؟ محاولة حل المشكلةأ -عرض االطروحة كفكرة :يرى أنصار االتجاه الثنائي ،أن هناك انفصال بين الفكر واللغة ،و
أنه ال يوجد تناسب بين عالم االفكار وعالم االلفاظ ،حيث ان ما يملكه الفرد من أفكار و معان يفوق بكثير ما يملكه من الفاظ وكلمات ،
مما يعني ان اللغة ال تستطيع ان تستوعب الفكر او تحتويه ،ومن ثــــّم فهي عاجزة عن التبليغ او التعبير عن هذا الفكر .ب -مسلمات
االطروحة :الفكر أسبق من اللغة و أوسع منها ،بحيث ان االنسان يفكر بعقله قبل ان يعبر بلسانه .ج – الحجة :كثيرا ما يشعر االنسان
بسيل من الخواطر واالفكار تتزاحم في ذهنه ،لكنه يعجز عن التعبير عنها ،النه ال يجد اال الفاظا محدودة ال تكفي لبيانها ،وعلى هذا
االساس كانت اللغة عاجزة عن إبراز المعاني المتولدة عن الفكر ابرزا تاما وكامال ،يقول أبو حيان التوحيدي " :ليس في قوة اللغة ان
تملك المعاني " ويقول برغسون " :اننا نملك افكارا اكثر مما نملك اصواتا "
-اللغة ُو ضعت اصال للتعبير عما تواضع او اصطلح عليه المجتمع بهدف تحقيق التواصل وتبادل المنافع ،وبالتالي فهي ال تعبر اال على
ما تعارف عليه الناس ( أي الناحية االجتماعية للفكر ) ،ويبقى داخل كل فرد جوانب عميقة خاصة وذاتية من عواطف ومشاعر ال
يستطيع التعبير عنها ،لذلك كانت اللغة عاجزة عن نقل ما نشعر به لآلخرين ،يقول فاليري :أجمل االفكار ،تلك التي ال نستطيع التعبير
عنها -.إبتكار االنسان لوسائل التعبير بديلة عن اللغة كالرسم و الموسيقى ما يثبت عجز اللغة عن استيعاب الفكر و التعبير عنه .
2تدعيم االطروحة بحجج شخصية ( شكال ومضمونا ) :تثبت التجربة الذاتية التي يعيشها كل انسان ،أننا كثيرا ما نعجز عن التعبير عن
كل مشاعرنا وخواطرنا وافكارنا ،فنتوقف اثناء الحديث او الكتابة بحثا عن كلمة مناسبة لفكرة معينة ،أو نكرر القول " :يعجز اللسان
عن التعبير " ،او نلجأ الى الدموع للتعبير عن انفعاالتنا ( كحاالت الفرح الشديد ) ،ولو ذهبنا الى بلد اجنبي ال نتقن لغته ،فإن ذلك يعيق
تبليغ افكارنا ،مما يثبت عدم وجود تناسب بين الفهم والتبليغ .أ – عرض منطق خصوم االطروحة :يرى انصار االتجاه االحادي ،أن
هناك اتصال ووحدة بين الفكر واللغة ،وهما بمثابة وجهي العملة النقدية غير القابلة للتجزئة ،فاللغة والفكر شيئا واحدا ،بحيث ال توجد
افكار بدون الفاظ تعبر عنها ،كما انه ال وجود اللفاظ ال تحمل أي فكرة او معنى .وعليه كانت اللغة فكر ناطق والفكر لغة صامتة ،على
االعتبار ان االنسان بشكل عام يفكر بلغته ويتكلم بفكره .كما أثبت علم النفس ان الطفل يولد صفحة بيضاء خالية من أي افكار و يبدأ في
اكتسابها بموازاة مع تعلمه اللغة .وأخيرا ،فإن العجز التي توصف به اللغة قد ال يعود الى اللغة في حد ذاتها ،بل الى مستعملها الذي قد
يكون فاقدا لثروة لغوية تمكنه من التعبير عن افكاره .ب – نقد منطقهم :لكن ورغم ذلك ،فإن االنسان يشعر بعدم مسايرة اللغة للفكر ،
فاالدباء مثال رغم امتالكهم لثروة لغوية يعانون من مشكلة في التبليغ ،وعلى مستوى الواقع يشعر أغلب الناس بعدم التناسب بين الفكر
واللغة .حل المشكلة :وهكذا يتضح ان هناك شبه انفصال بين اللغة والفكر ،باعتبار ان الفكر اسبق واوسع من اللغة ،وان اللغة تقوم بدور
سلبي بالنسبة له ،فهي تعيقه وتفقده حيويته ،مما يعني ان االطروحة القائلة " :أن اللغة منفصلة عن الفكر وتعيقه " اطروحة صحيحة .
المقالة الرابعة :يقول هيبوليت « :إذا فكرنا بدون لغة ،فنحن ال نفكر » دافع عن األطروحة التي يتضمنها القول .االستفصاء
بالوضعطرح المشكل :اذا كانت اللغة اداة للفكر ،بحيث يستحيل ان يتم التفكير بدون لغة ؛ فكيف يمكن اثبات صحة هذه الفكرة ؟
- IIمحاولة حل المشكل :أ -عرض الموقف كفكرة :ان الفكر ال يمكن ان يكون له وجود دون لغة تعبر عنه ،إذ ال وجودألفكارال يمكن
للغة ان تعبر عنا ،حيث أن هناك – حسب انصار االتجاه االحادي -تناسب بين الفكر واللغة ،ومعنى ذلك أن عالم االفكار يتناسب مع
عالم االلفاظ ،أي ان معاني االفكارتتطابق مع داللة االلفاظ ،فالفكر واللغة وجهان لعملة واحدة غير قابلة للتجزئة فـ« الفكر لغة صامتة ،
واللغة فكر ناطق » .ب -المسلمات و البرهنة :ما يثبت ذلك ،ما اكده علم نفس الطفل من ان الطفل يولد صفحة بيضاء خاليا تماما من اية
افكار ،ويبدأ في اكتسابها بالموازاة مع تعلمه اللغة ،وعندما يصل الى مرحلة النضج العقلي فإنه يفكر باللغة التي يتقنها ،فاالفكار ال ترد
الى الذهن مجردة ،بل مغلفة باللغة التي نعرفها فـ« مهما كانت االفكار التي تجيئ الى فكر االنسان ،فإنها ال تستطيع ان تنشأ وتوجد اال
على مادة اللغة ».ومن جهة ثانية ،فإن االفكار تبقى عديمة المعنى اذا بقيت في ذهن صاحبها ولم تتجسد في الواقع ،وال سبيل الى ذلك
اال بألفاظ اللغة التي تدرك ادراكًا حسيًا ،أي ان اللغة هي التي تخرج الفكر الى الوجود الفعلي ،ولوالها لبقي كامنًا عدمًا ،ولذلك قيل « :
الكلمة لباس المعنى ،ولوالها لبقي مجهوًال » .وعلى هذا االساس ،فإن العالقة بين الفكر واللغة بمثابة العالقة بين الروح والجسد ،االمر
الذي جعل الفيلسوف االنجليزي ( هاملتون ) يقول « :االلفاظ حصون المعاني » .تدعيم االطروحة بحجج :أن اللغة تقدم للفكر القوالب
التي تصاغ فيها المعاني .اللغة وسيلة إلبراز الفكر من حيز الكتمان الى حيز التصري -اللغة عماد التفكير وكشف الحقائق .اللغة تقدم
للفكر تعاريف جاهزة ،وتزود المفكر بصيغ وتعابير معروفة
اللغة اداة لوصف االشياء حتى ال تتادخل مع غيرها -أ -عرض منطق الخصوم :يزعم معظم الفالسفة الحدسانيون والرمزيون من االدباء
والفنانين وكذا الصوفية ،انه ال يوجد تناسب بين عالم االفكار وعالم االلفاظ ،فالفكر اوسع من اللغة واسبق منها ،ويلزم عن ذلك ان ما
يملكه الفرد من افكار ومعان يفوق بكثير ما يملكه من الفاٍظ وكلماتٍ ،مما يعني انه يمكن ان توجد افكار خارج اطار اللغة .
ويؤكد ذلك ،ان االنسان كثيرا ما يدرك في ذهنه كما زاخرا من المعاني تتزاحم في ذهنه ،وفي المقابل ال يجد اال الفاظا محدودة ال تكفي
لبيان هذه المعاني .كما قد يفهم امرا من االمور ويكون عنه فكرة واضحة بذهنه وهو لم يتكلم بعد ،فإذا شرع في التعبير عما حصل في
ذهنه من افكار عجز عن ذلك .كما ان الفكر فيض متصل من المعاني في تدفق مستمر ال تسعه االلفاظ ،وهو نابض بالحياة والروح ،
وهو " ديمومة " [ ]2ال تعرف االنقسام أو التجزئة ،أما الفاظ اللغة فهي سلسلة من االصوات منفصلة ،مجزأة ومتقطعة ،وال يمكن
للمنفصل ان يعبر عن المتصل ،والنتيجة أن اللغة تجمد الفكر في قوالب جامدة فاقدة للحيوية ،لذلك قيل « :االلفاظ قبور المعاني » .
-3ب نقد منطقهم :ان اسبقية الفكر على اللغة مجرد اسبقية منطقية ال زمنية ؛ فاالنسان يشعر أنه يفكر ويتكلم في آٍن واحد .والواقع يبين
ان التفكير يستحيل ان يتم بدون لغة ؛ فكيف يمكن ان تمثل في الذهن تصورات ال اسم لها ؟ وكيف تتمايز االفكار فيما بينها لوال اندراجها
في قوالب لغوية ؟حل المشكل :وهذا يعني انه ال يمكن للفكر ان يتواجد دون لغة ،وان الرغبة في التفكير بدون لغة – كما يقول هيجل –
هي محاولة عديمة المعنى ،فاللغة هي التي تعطي للفكر وجوده االسمى واالصح ،مما يؤدي بنا الى القول ان االطروحة السابقة
اطروحة صحيحة .
المقالة الخامسة :هل الشعور كاٍف لمعرفة كل حياتنا النفسية ؟ جدلية .
Iطرح المشكلة :ان التعقيد الذي تتميز به الحياة النفسية ،جعلها تحظى باهتمام علماء النفس القدامى والمعاصرون ،فحاولوا دراستها
وتفسير الكثير من مظاهرها .فاعتقد البعض منهم ان الشعور هو االداة الوحيدة التي تمكننا من معرفة الحياة النفسية ،فهل يمكنالتسليم
بهذا الرأي ؟ او بمعنى آخر :هل معرفتنا لحياتنا النفسية متوقفة على الشعور بها ؟
IIمحاولة حل المشكلة :أ -عرض االطروحة :يذهب انصارعلم النفس التقليدي من فالسفة وعلماء ،الى االعتقاد بأن الشعور هو أساس
كل معرفة نفسية ،فيكفي ان يحلل المرء شعوره ليتعرف بشكٍل واضح على كل ما يحدث في ذاته من احوال نفسية او ما يقوم به من
افعال ،فالشعور والنفس مترادفان ،ومن ثـّم فكل نشاط نفسي شعوري ،وما ال نشعر به فهو ليس من انفسنا ،ولعل من ابرز المدافعين
عن هذا الموقف الفيلسوفان الفرنسيان " ديكارت " الذي يرى أنه « :ال توجد حياة أخرى خارج النفس اال الحياة الفيزيولوجية » ،وكذلك
" مين دو بيران " الذي يؤكد على أنه « :ال توجد واقعة يمكن القول عنها انها معلومة دون الشعور بها » .وهـذا كله يعني ان الشعور
هو اساس الحياة النفسية ،وهو االداة الوحيدة لمعرفتها ،وال وجود لما يسمى بـ " الالشعور " .ب -الحجة :ويعتمد انصار هذا الموقف
على حجة مستمدة من " كوجيتو ديكارت " القائل « :أنا أفكر ،إذن أنا موجود » ،وهذا يعني ان الفكر دليل الوجود ،وان النفس
البشرية ال تنقطع عن التفكير اال اذا انعم وجودها ،وان كل ما يحدث في الذات قابل للمعرفة ،والشعور قابل للمعرفة فهو موجود ،اما
الالشعور فهو غير قابل للمعرفة ومن ثـّم فهو غير موجود .اذن ال وجود لحياة نفسية ال نشعر بها ،فال نستطيع ان نقول عن االنسان
الّسوي انه يشعر ببعض االحوال وال يشعر بأخرى مادامت الديمومة واالستمرار من خصائص الشعور .ثـم إن القول بوجود نشاط نفسي
ال نشعر به معناه وجود الالشعور ،وهذا يتناقض مع حقيقة النفس القائمة على الشعور بها ،فال يمكن الجمع بين النقيضين الشعور
والالشعـور في نفٍس واحدة ،بحيث ال يمكن تصور عقل ال يعقل ونفس ال تشعر .وأخيرا ،لو كان الالشعور موجودا لكان قابال للمالحظة
،لكننا ال نستطيع مالحظته داخليا عن طريق الشعور ،ألننا ال نشعر به ،وال مالحظته خارجيا ألنه نفسي ،وماهو نفسي باطني وذاتي .
وهذا يعني ان الالشعور غير موجود ،وماهو موجود نقيضه وهو الشعور .
1جـ -النقد :ولكن المالحظة ليست دليال على وجود االشياء ،حيث يمكن ان نستدل على وجود الشئ من خالل آثاره ،فال أحد يستطيع
مالحظة الجاذبية او التيار الكهربائي ،ورغم ذلك فاثارهما تجعلنا ال ننكر وجودهما .ثم ان التسليم بأن الشعورهو اساس الحياة النفسية
وهو االداة الوحيدة لمعرفتها ،معناه جعل جزء من السلوك االنساني مبهما ومجهول االسباب ،وفي ذلك تعطيل لمبدأ السببية ،الذي هو
اساس العلوم .أ -عرض نقيض االطروحة :بخالف ما سبق ،يذهب الكثير من انصار علم النفس المعاصر ،ان الشعور وحده ليس كاٍف
لمعرفة كل خبايا النفس ومكنوناتها ،كون الحياة النفسية ليست شعورية فقط ،لذلك فاالنسان ال يستطيع – في جميع االحوال – ان يعي
ويدرك اسباب سلوكه .ولقد دافع عن ذلك طبيب االعصاب النمساوي ومؤسس مدرسة التحليل النفسي " سيغموند فرويد " الذي يرى
أن « :الالشعور فرضية الزمة ومشروعة ..مع وجود االدلة التي تثبت وجود الالشعور » .فالشعور ليس هـو النفس كلها ،بل هناك
جزء هام ال نتفطن – عادة – الى وجوده رغم تأثيره المباشر على سلوكاتنا وأفكارنا وانفعاالتنا ..ب -الحجة :وما يؤكد ذلك ،أن معطيات
الشعور ناقصة وال يمكنه أن يعطي لنا معرفة كافية لكل ما يجري في حياتنا النفسية ،بحيث ال نستطيع من خالله ان نعرف الكثير من
أسباب المظاهرالسلوكية كاالحالم والنسيان وهفوات اللسان وزالت االقالم ..فتلك المظاهر الالشعورية ال يمكن معرفتها بمنهج
االستبطان ( التأمل الباطني ) القائم على الشعور ،بل نستدل على وجودها من خالل اثارها على السلوك .كما أثبت الطب النفسي أن
الكثير من االمراض والعقد واالضطرابات النفسية يمكن عالجها بالرجوع الى الخبرات واالحداث ( كالصدمات والرغبات والغرائز ) ..
المكبوتة في الالشعور.جـ -النقد :ال شك ان مدرسة التحليل النفسي قد أبانت فعالية الالشعور في الحياة النفسية ،لكن الالشعور يبقى
مجرد فرضية قد تصلح لتفسير بعض السلوكات ،غير أن المدرسة النفسية جعلتها حقيقة مؤكدة ،مما جعلها تحول مركز الثقل في الحياة
النفسية من الشعور الى الالشعور ،االمر الذي يجعل االنسان اشبه بالحيوان مسّير بجملة من الغرائز والميول المكبوتة في الالشعور.
التركيب :وهكذا يتجلى بوضوح ،أن الحياة النفسية كيان معقد يتداخل فيه ماهو شعوري بما هو الشعوري ،أي انها بنية مركبة من
الشعور والالشعور ،فالشعور يمكننا من فهم الجانب الواعي من الحياة النفسية ،والالشعور يمكننا من فهم الجانب الالواعي منها .حل
المشكلة :وهكذا يتضح ،أن االنسان يعيش حياة نفسية ذات جانبين :جانب شعوري ُيمِكننا ادراكه واالطالع عليه من خالل الشعور ،
وجانب الشعوري ال يمكن الكشف عنه اال من خالل التحليل النفسي ،مما يجعلنا نقول أن الشعور وحده غير كاٍف لمعرفة كل ما يجري
في حيتنا النفسية .
المقالة السادسة:هل الذاكرة ظاهرة اجتماعية أم بيولوجيةالطريقة :جدليطرح المشكل :اختلفت الطروحات والتفسيرات فيما يتعلق بطبيعة
الذاكرة وحفظ الذكريات .فاعتقد البعض ان الذاكرة ذات طبيعة اجتماعية ،وان الذكريات مجرد خبرات مشتركة بين افراد الجماعة
الواحدة .واعتقد آخرون ان الذاكرة مجرد وظيفة مادية من وظائف الدماغ ؛ االمر الذي يدعونا الى طرح المشكلة التالية :هل الذاكرة
ذات طابع اجتماعي أم مادي بيولوجي ؟محاولةحل المشكأل -عرض االطروحة :أنصار النظرية االجتماعية :اساس الذاكرة هو
المجتمع ؛ أي انها ظاهرة اجتماعية بالدرجة االولى .ب -الحجة :ألن – أصل كل ذكرى االدراك الحسي ،واالنسان حتى ولو كان منعزال
فانه عندما يدرك أمرا ويثبته في ذهنه فإنه يعطيه إسما ليميزه عن المدركات السابقة ،وهو في ذلك يعتمد على اللغة ،واللغة ذات طابع
اجتماعي ،لذلك فالذكريات تحفظ بواسطة اشارات ورموز اللغة ،التي ُتكتسب من المجتمع
-ان الفرد ال يعود الى الذاكرة ليسترجع ما فيها من صور ،اال اذا دفعه الغير الى ذلك أو وجه اليه سؤاال ،فأنت مثال ال تتذكر مرحلة
االبتدائي او المتوسط اال اذا رأيت زميال لك شاركك تلك المرحلة ،او اذا وجه اليك سؤاال حولها ،لذلك فإن معظم خبراتنا من طبيعة
اجتماعية ،وهي تتعلق بالغير ،ونسبة ماهو فردي فيها ضئيل ،يقول هالفاكس " :إنني في أغلب االحيان حينما أتذكر فإن الغير هو الذي
يدفعني الى التذكر ...ألن ذاكرتي تساعد ذاكرته ،كما أن ذاكرته تساعد ذاكرتي " .ويقول " :ليس هناك ما يدعو للبحث عن موضوع
الذكريات وأين تحفظ إذ أنني أتذكرها من الخارج ...فالزمرة االجتماعية التي انتسب إليها هي التي تقدم إلي جميع الوسائل إلعادة بنائها "
-واالنسان لكي يتعرف على ذكرياته ويحدد اطارها الزماني والمكاني ،فإنه في الغالب يلجأ الى احداث اجتماعية ،فيقول مثال ( حدث
ذلك اثناء ....او قبل ....و في المكان .....وعليه فالذكريات بدون أطر اجتماعية تبقى صور غير محددة وكأنها تخيالت ،يقول :ب .
جاني " :لو كان االنسان وحيدا لما كانت له ذاكرة ولما كان بحاجة إليها " .ج -النقد :لو كانت الذاكرة ظاهرة اجتماعية باالساس ،فيلزم
عن ذلك أن تكون ذكريات جميع االفراد المتواجدين داخل المجتمع الواحد متماثلة ،وهذا غير واقع .ثم ان الفرد حينما يتذكر ،ال يتذكر
دائما ماضيه المشترك مع الغير ،فقد يتذكر حوادث شخصية ال عالقة للغير بها ولم يطلب منه احد تذكرها ( كما هو الحال في حاالت
العزلة عندما نتذكر بدافع مؤثر شخصي ) ،مما يعني وجود ذكريات فردية خالصة .
-2أ -عرض نقيض االطروحة :النظرية المادية :الذاكرة وظيفة مادية بالدرجة االولى ،وترتبط بالنشاط العصبي ( الدماغب-
الحجة :ألن - :الذاكرة ترتبط بالدماغ ،واصابته في منطقة ما تؤدي الى تلف الذكريات ( من ذلك الفقدان الكلي او الجزئي للذكريات في
بعض الحوادث ) -.بعض امراض الذاكرة لها عالقة باالضطرابات التي تصيب الجملة العصبية عموما والدماغ على وجه الخصوص ،
فالحبسة او االفازيا ( التي هي من مظاهر فقدان الذاكرة ) سببها اصابة منطقة بروكا في قاعدة التلفيف الثالث من الجهة الشمالية للدماغ ،
أو بسبب نزيف دموي في الفص الجداري االيمن من الجهة اليسرى للدماغ ،مثال ذلك الفتاة التي أصيبت برصاصة ادت الى نزيف في
الفص الجداري االيمن من الجهة اليسرى للدماغ ،فكانت ال تتعرف على االشياء الموضوعة في يدها اليسرى بعد تعصيب عينيها ،فهي
تحوم حولها وتصفها دون ان تذكرها باالسم ،وتتعرف عليها مباشرة بعد وضعها في يدها اليمنىيقول تين " :Taineإن الدماغ وعاء
يستقبل ويختزن مختلف الذكريات " ،ويقول ريبو " :الذاكرة وظيفة بيولوجية بالماهية "ج -النقد :ان ما يفند مزاعم انصار النظرية
المادية هو ان فقدان الذاكرة ال يعود دائما الى اسباب عضوية (اصابات في الدماغ) فقد يكون ألسباب نفسية ( صدمات نفسية ) ...ثم ان
الذاكرة قائمة على عنصر االنتقاء سواء في مرحلة التحصيل والتثبيت او في مرحلة االسترجاع ،وهذا االنتقاء ال يمكن تفسيره اال بالميل
واالهتمام والرغبة والوعي والشعور بالموقف الذي يتطلب التذكر ..وهذه كلها امور نفسية ال مادية .التركيب ( تجاوز الموقفين ) :ومنه
يتبين ان الذاكرة رغم انها تشترط اطر اجتماعية نسترجع فيها صور الذكريات ونحدد من خاللها اطارها الزماني والمكاني ،باالضافة
الى سالمة الجملة العصبية والدماغ على وجه التحديد ،اال انها تبقى احوال نفسية خالصة ،إنها ديمومة نفسية أي روح ،وتتحكم فيها
مجموعة من العوامل النفسية كالرغبات والميول والدوافع والشعور ..
االمثلة :إن قدرة الشاعر على حفظ الشعر اكبر من قدرة الرياضي .ومقدرة الرياضي في حفظ األرقام والمسائل الرياضية اكبر من
مقدرة الفيلسوف ...وهكذا ,والفرد في حالة القلق والتعب يكون اقل قدرة على الحفظ ,وهذا باإلضافة إلى السمات الشخصية التي تؤثر
إيجابا أو سلبا على القدرة على التعلم والتذكر كعامل السن ومستوى الذكاء والخبرات السابقة حل المشكل:وهكذا يتضح ان الذاكرة ذات
طبيعة معقدة ،يتداخل ويتشابك فيها ماهو مادي مع ماهو اجتماعي مع ماهو نفسي ،بحث ال يمكن ان نهمل او نغّلب فيها عنصرا من هذه
العناصر الثالث .
مالحظة :يمكن في التركيب الجمع بين الموقفين ،و ليس من الضروري تجاوزهما
المقالة السابعة :هل يمكن القول ان العقل هو اساس القيمة االخالقية ؟ جدلية طرح المشكلة :تعد مشكلة أساس القيمة الخلقية من أقدم
المشكالت في الفلسفة االخالقية وأكثرها إثارة للجدل ؛ إذ تباينت حولها االراء واختلفت المواقف ،ومن تلك المواقف الموقف العقلي الذي
فسر أساس القيمة االخالقية بإرجاعها الى العقل ؛ فهل فعال يمكن تأسيس القيم االخالقية على العقل وحده ؟محاولة حل المشكلة :أ –
عرض االطروحة :يرى البعض ،أن مايميز االنسان – عن الكائنات االخرى -هو العقل ،لذلك فهو المقياس الذي نحكم به على االشياء
وعلى سلوكنا وعلى القيم جميعا ،أي أن أساس الحكم على االفعال و السلوكات وإضفاء طابع اخالقي عليها هو العقل ،وعليه ٌأعتبر
المصدر لكل قيمة خلقية .وقد دافع عن هذا الرأي أفالطون قديما والمعتزلة في العصر االسالمي وكانط في العصر الحديث .ب –
الحجة :ويؤكد ذلك أن ( أفالطون 428ق م – 347ق م ) قسم أفعال الناس تبعا لتقسيم المجتمع ،فإذا كان المجتمع ينقسم الى ثالث
طبقات هي طبقة الحكماء وطبقة الجنود وطبقة العبيد ،فإن االفعال – تبعا لذلك – تنقسم الى ثالثة قوى تحكمها ثالث فضائل :القوة
العاقلة ( تقابل طبقة الحكماء ) وفضيلتها الحكمة والقوة الغضبية ( طبقة الجنود ) وفضيلتها الشجاعة والقوة الشهوانية ( العبيد ) وفضيلتها
العفة ،والحكمة هي رأس الفضائل ألنها تحد من طغيان القوتين الغضبية والشهوانية ،وال يكون االنسان حكيما اال اذا خضعت القوة
الشهوانية والقوة الغضبية للقوة العاقلة .و عند المعتزلة ،فالعقل يدرك ما في االفعال من حسن او قبح ،أي ان بإمكان العقل ادراك قيم
االفعال والتمييز فيها بين ما هو حسن مستحسن وماهو قبيح مستهجن ،وذلك حتى قبل مجيئ الشرع ،ألن الشرع مجرد مخبر لما يدركه
العقل ،بدليل ان العقالء في الجاهلية كانوا يستحسنون افعاال كاصدق والعدل واالمانة والوفاء ،ويستقبحون أخرى كالكذب والظلم
والخيانة والغدر ..وان االنسان مكلف في كل زمان ومكان ولوال القدرة على التمييز لسقطت مسؤولية العباد امام التكليف .والعقل عند
( كانط ) 1804 – 1724الوسيلة التي يميز به اإلنسان بين الخير والشر ،وهوالمشّرعُ لمختلف القوانين والقواعد األخالقية التي تتصف
بالكلية والشمولية ،معتبرًا اإلرادة الخيرة القائمة على اساس الواجب الركيزة األساسية للفعل ألن االنسان بعقله ينجز نوعين من االوامر :
أوامر شرطية مقيدة ( مثل :كن صادقا ليحبك الناس ) ،وأوامر قطعية مطلقة ( مثال :كن صادقا ) ،فاالوامر االولى ليس لها أي قيمة
اخالقية حقيقية ،فهي تحقق اخالق منفعة ،وتتخذ االخالق ال كغاية في ذاتها ،وانما كوسيلة لتحقيق غاية .اما االوامر الثاني فهي اساس
االخالق ،النها ال تهدف الى تحقيق أي غاية او منفعة ،بل تسعى الى انجاز الواجب االخالقي على انه واجب فقط بصرف النظر عن
النتائج التي تحصل منه لذلك يقول « :إن الفعل الذي يتسم بالخيرية الخلقية فعل نقي خالص ,وكأنما هو قد هبط من السماء »
-1جـ -النقد :لكن التصور الذي قدمه العقليون ألساس القيمة االخالقية تصور بعيد عن الواقع االنساني ،فالعقل اوال قاصر واحكامه
متناقضة ،فما يحكم عليه هذا بأنه خير يحكم عليه ذاك بأنه شر فاذا كان العقل قسمة مشتركة بين الناس فلماذا تختلف القيم االخالقية بينهم
إذن ؟ .كما يهمل هذا التصور الطبيعة البشرية ،فاالنسان ليس مالكا يتصرف وفق احكام العقل ،بل هو ايضا كائن له مطالب حيوية
يسعى الى اشباعها ،والتي لها تأثير في تصور الفعل .واخيرا أن األخالق عند كانط هي أخالق متعالية مثالية ال يمكن تجسيدها على
ارض الواقع .أ – عرض نقيض االطروحة :وخالفا لما سبق ،يرى البعض اآلخر أن العقل ليس هو االساس الوحيد للقيم االخالقية ،
باعتبار ان القيمة الخلقية لألفعال اإلنسانية متوقفة على نتائجها وأثارها االيجابية أي ما تحصله من لذة ومنفعة وما تتجنبه من الم
ومضرة ،وقد تتوقف القيم االخالقية على ما هو سائد في المجتمع من عادات وتقاليد واعراف وقوانين ،فتكون بذلك صدى لهذه االطر
االجتماعية ،وقد يتوقف – في االخير -معيار الحكم على قيم االفعال من خير ( حسن ) او شر ( قبح ) على االرادة االلهية او الشرع .
-2ب – الحجة :وما يثبت ذلك ،ان القيم االخالقية ماهي اال مسألة حسابية لنتائج الفعل ،وهذه النتائج ال تخرج عن تحصيل اللذات
والمنافع ؛ فما يحفز االنسان الى الفعل هو دائما رغبته في تحصيل لذة او منفعة ألن ذلك يتوافق مع الطبيعة االنسانية فاالنسان بطبعة
يميل الى اللذة والمنفعة ويتجنب االلم والضرر ،وهو ٌيقدم على الفعل كلما اقترن بلذة او منفعة ،ويحجم عنه اذا اقترن بألم او ضرر ،
فاللذة والمنفعة هما غاية الوجود ومقياس أي عمل أخالقي ،وهما الخير االسمى وااللم والضرر هماالشر االقصى .ومن ناحية أخرى ،
فإن القيم األخالقية بمختلف أنواعها وأشكالها سببها المجتمع ,وما سلوك األفراد في حياتهم اليومية إال انعكاس للضمير الجمعي الذي
ُيهيمن على كل فرد في المجتمع .أي ان معيار تقويم االفعال اساسه المجتمع ،والناس تصدر احكامها باالعتماد عليه ،فمثال الطفل حينما
يولد ال تكون لديه فكرة عن الخير او الشر ،فينشأ في مجتمع – يتعهده بالتربية والتثقيف – يجد فيه الناس تستحسن افعاال وتستقبح
أخرى ،فيأخذ هذا المقياس عنهم ،فيستحسن ما يستحسنه الناس ،ويستقبح ما يستقبحونه ،فإن هواستقبح مثال الجريمة فألن المجتمع كله
يستقبحها ،ومن ثّم يدرك ان كل ما يوافق قواعد السلوك االجتماعي فهو خير وكل ما يخالفها فهو شر .والنتيجة ان القيم االخالقية من
صنع المجتمع ال الفرد ،وما على هذا الفرد اال ان يذعن لها طوعا اوكرها ،االمر الذي جعل دوركايم ( ) 1917 – 1858يقول « :اذا
تكلم ضميرنا فإن المجتمع هو الذي يتكلم فينا » ،وكذلك « :ان المجتمع هو النموذج والمصدر لكل سلطة اخالقية ،وأي فعل ال يقره
المجتمع بأنه اخالقي ،ال يكسب فاعله أي قدر من الهيبة او النفوذ » .ومن ناحية ثالثة ،ان معيار الحكم على قيم االفعال من خير او شر
يرتد الى االرادة االلهية او الشرع .فـنحن – حسب (إبن حزم االندلسي 374هـ 456 -هـ ) – نستند الى الدين في تقويم االفعال الخلقية
وفق قيم العمل بالخير والفضيلة واالنتهاء عن الشر والرذيلة ،وال وجود لشيئ حسنا لذاته او قبيحا لذاته ،ولكن الشرع قرر ذلك ،فما
سّم اه هللا حسنا فهو حسن وما سّم اه قبيحا فهو قبيح .كما ان االفعال حسنة او قبيحة – حسب ما يذهب اليه االشاعرة – باالمر او النهي
االلهي ،فما امر به هللا فهو خير وما نهى عنه فهو شر ،أي ان االوامر االلهية هي التي تضفي صفة الخير على االفعال او تنفيها عنها ،
ولذلك – مثال – الصدق ليس خيرا لذاته وال الكذب شرا لذاته ،ولن الشرع قرر ذلك .والعقل عاجز عن ادراك قيم االفعال والتمييز فيها
بين الحسن والقبح ،وليس له مجال اال اتباع ما اثبته الشرع .جـ -النقد :ولكن النفعيون ال يميزون بين الثابت والمتغير وال بين النسبي
والمطلق ألن القيم االخالقية قيم ثابتة ومطلقة ،واالخذ باللذة والمنفعة كمقياس لها يجعلها متغيرة ونسبية ،فيصبح الفعل الواحد خيرا
وشرا في آن واحد ،خيرا عند هذا اذا حقق له لذة او منفعة ،وشرا عند ذاك اذا لم يحقق أًّيا منهما .ثم ان المنافع متعارضة ،فما ينفعني
قد ال ينفع غيري بالضرورة ،وأخيرا فان ربط االخالق باللذة والمنفعة يحط من قيمة االخالق و االنسان معًا ؛ فتصبح االخالق مجرد
وسيلة لتحقيق غايات كما يصبح االنسان في مستوى واحد مع الحيوان .ثم ان المدرسة االجتماعية تبالغ كثيرا في تقدير المجتمع واالعالء
من شأنه ،وفي المقابل تقلل او تعدم اهمية الفرد ودوره في صنع االخالق ،والتاريخ يثبت ان افرادا ( انبياء ،مصلحين ) كانوا مصدرا
لقيم اخالقية ساعدت المجتمعات على النهوض والتقدم .ومن جهة ثانية ،فالواقع يثبت ان القيم االخالقية تتباين حتى داخل المجتمع
الواحد ،وكذا اختالفها من عصر الى آخر ،ولو كان المجتع مصدرا لالخالق لكانت ثابتة فيه ولزال االختالف بين افراد المجتمع
الواحد .وبالنسبة للنزعة الدينية فإنه ال يجوز الخلط بين مجالين من االحكام - :احكام شرعية حيث الحالل والحرام ،وهي متغيرة وفق
مقاصد الشريعة واحكام اخالقية حيث الخير والشر او الحسن والقبح ،وهي ثابتة في كل زمان ومكان .مثال :الكل يتفق على ان الكذب
شر ،اما االستثناء كجواز الكذب في الحرب او من اجل انقاذ برئ ( بقصد حفظ النفس الذي هو من مقاصد الشريعة ) فال يجعل من
الكذب خيرًاالتركيب :إن االنسان في كينونته متعدد االبعاد ؛ فهو اضافة الى كونه كائن عاقل فإنه كائن بيولوجي أيضا ال يتواجد اال ضمن
الجماعة التي تؤمن بمعتقد خاص ،وهذه االبعاد كلها لها تأثير في تصور االنسان للفعل االخالقي وكيفية الحكم عليه .فقد يتصور االنسان
أخالقية الفعل بمقتضئ ما يحكم به علقه ،أو بمقتضى ما يهدف الى تحصيله من وراء الفعل ،أو بمقتضى العرف االجتماعي أو وفق
معتقداته التي يؤمن بها .حل المشكلة :وهكذا يتضح أن أسس القيم االخالقية مختلفة ومتعددة ،وهذا التعدد واالختالف يعود في جوهره
الى تباين وجهات النظر بين الفالسفة الذين نظر كل واحدا منهم الى المشكلة من زاوية خاصة ،أي زاوية المذهب او االتجاه الذي ينتمي
اليه .والى تعدد ابعاد االنسان ،لذلك جاز القول ان العقل ليس االساس الوحيد للقيم االخالقية .
مالحظة :يمكن االكتفاء في نقيض االطروحة برأي واحد
المقالة الثامنة :هل يمكن اعتبار القوة وسيلة مشروعة لنيل الحقوق ؟ الطريقة :جدلية
طرح المشكلة :إن العدالة مبدأ أخالقي سامي ،سعت المجتمعات قديمها وحديثها الى جعلها واقعا ملموسا بين افرداها ،وال يمكن ان
يحصل ذلك اال اذا ُأعطي كل ذي حق حقه ،والحق هو الشيئ الثابت الذي ال يجوز إنكاره طبيعيا كان او اجتماعيا او اخالقيا .اال ان
المفكرين والفالسفة اختلفوا في الوسائل التي تمكننا من نيل هذه الحقوق ،فاعتقد البعض منهم بأن القوة وسيلة مشروعة لتحقيقها ،فهل
يمكن اعتبار القوة – حقيقة – آداة مشروعة لنيل الحقوق ؟ بمعنى :هل يمكن تأسيس الحقوق على أساس القوة ؟
محاولة حل المشكلة :أ -االطروحة :لقد ذهب فريق من الفالسفة الى اعتبار القوة آداة مشروعة لنيل الحقوق ،واساس سليما يمكن ان
تقوم عليه هذه الحقوق ،ونجد من بين هؤالء المفكر االيطالي " ميكيافيلي " الذي يرى أن « :الغاية تبرر الوسيلة » ،حتى وان كانت
الوسيلة ال اخالقية ،فإذا كان االنتصار ومن ثـّم نيل الحقوق هو ضالة الحاكم وهدفه ،فالبد من استعمال القوة اذا كان االمر يستدعي
ذلك .اما الفيلسوف االنجليزي " توماس هوبز " فيرى ان القوي هو الذي يحدد الخير والشر .بينما الفيلسوف الهولندي " سبينوزا " يرى
« :أن كل فرد يملك من الحق بمقدار ما يملك من القوة » كما أشاد الفيلسوف االلماني " نيتشه " بإرادة القوة حلى حساب الضعفاء .ونجد
– في االخير – .الفيلسوف االلماني المادي " كارل ماركس " الذي يذهب الى ان الحقوق ماهي اال مظهرا لقوة الطبقة المسيطرة اجتماعيا
والمهيمنة اقتصاديا .وعليه فالقوة – حسب هؤالء – آداة مشروعة بل وضرورية لنيل الحقوق ب -الحجة :وما يؤكد مشروعية القوة
كوسيلة الكتساب الحقوق هو تاريخ المجتمعات االنسانية نفسه ؛ إذ يثبت بأن كثيرا من الحقوق وجدت بفضل استخدام القوة ،فقيام
النزاعات والثورات انتهت في معظمها بتأسيس الكثير من الحقوق ،التي صارت فيما بعد موضع اعتراف من طرف الجميع ،مثال ذلك
أن الكثير من الشعوب المستعمرة استردت حريتها – كحق طبيعي – بفعل الثورة المسلحة أي القوة العسكرية .كما ان المجتمع الدولي
حاليا يثبت بأن الدول التي تتمتع بحق النقض ( الفيتو) في مجلس االمن هي الدول القوية اقتصاديا واجتماعيا .
جـ -النقد :ال ننكر ان بعض الحقوق تـّم نيلها عن طريق القوة ،لكن ذلك ال يدعونا الى التسليم أنها – أي القوة – وسيلة مشروعة
للحصول على جميع الحقوق ،ألن ذلك يؤدي الى انتشار قانون الغاب فيأكل بموجبه القوي الضعيف ،وبالتالي تفسد الحياة االجتماعية
وتهدر الكثير من الحقوق .اضافة الى ذلك فالقوة امر نسبي أي متغير ،فالقوي اليوم ضعيف غدًا والعكس صحيح ،وألجل ذلك فإن الحق
الذي يتأسس على القوة يزول بزوالها .أ -نقيض االطروحة :خالفا للموقف السابق ،يذهب فريق من الفالسفة الى االعتقاد أن القوة ال
يمكن ان تعتبر وسيلة سليمة ومشروعة لنيل الحقوق ،وال ينبغي بأي حال من االحول ان تكون اساسا للحقوق .و الذين يدافعون عن هذه
الوجهة من النظر الفيلسوف الفرنسي " جان جاك روسو " الذي يقول « :إن القوة سلطة مادية ،وال أرى بتاتا كيف تنجم االخالقية من
نتائجها » ،فالقوة بهذا المعنى ال يمكن ان تصنع الحق ،ولعل هذه ما ذهب اليه الزعيم الهندي " غاندي " عندما بـّيـن أن استخدام القوة
في سبيل نيل الحقوق ماهو سوى مجرد فلسفة مادية ال اخالقية ،حيث يقول « :اننا سوف نكسب معركتنا ال بمقدار ما نقتل من خصوم ،
ولكن بمدار ما نقتل في نفوسنا الرغبة في القتل » .وعلى هذا االساس فالقوة غير مشروعة في نيل الحقوق .ب – الحجة :ألنه من
التناقض الحصول على حقوق تمتاز بأنها اخالقية بوسائل ال اخالقية " القوة " ،فالحقوق من القيم التي تتأسس علها العدالة ،وعليه
فالعدل والحق من المبادئ االخالقية ومن ثـّم ال يجوز تحقيقهما بوسائل ال اخالقية ،ألن أخالقية الغاية تفرض بالضرورة اخالقية الوسيلة
.كما ان ثبات الكثير من الحقوق يستبعد تأسيسها على القوة او االعتماد عليها في تحصيلها ،ألنها متغيرة ،وكل ما تأسس على متغير كان
متغيرا بالضرورة .ثم ان تاريخ المجتمعات يوكد – من جهة أخرى – أن نسبة كبيرة من الحقوق التي يتمتع بها االفراد ،لم يعتمد على
القوة في نيلها وتحصيلها .النقد :ولكن القول ان القوة ليست مشروعة في نيل الحقوق ،ال يمنع من كونها وسيلة مشروعة للدفاع عن هذه
الحقوق ضد مغتصبيها ،او للمطالبة بها ان اقتضت الضرورة .التركيب :ان الحقوق -من حيث هي مكاسب مادية ومعنوية يتمتع بها
االفراد يخولها لهم القانون وتفرضها االعراف – ال يمكن ارجاعا الى اساس واحد نظرا لتعدد اسسها ،فمنها ما يتأسس على طبيعة
االنسان ذاتها ،ومنها ما يتأسس على اساس اجتماعي من حيث ان المجتمع هو الذي يمنحها ألفراده ،ومنها ما يتأسس على ايماننا
الباطني بها واحترامنا لها حل المشكلة :وهكذا يتضح انه ال يمكن اعتبار القوة اساسا سليما للحقوق ،وال وسيلة مشروعة لنيلها ،وإن
كان ذلك ال يمنعنا من اللجوء الى القوة للدفاع عن الحقوق او المطالبة بها .
المقالة التاسعة :هل تتأسس العدالة االجتماعية على المساواة أم على التفاوت ؟ جدلية طرح المشكلة :كل مجتمع من المجتمعات يسعى الى
تحقيق العدل بين أفراده ،وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه ،ومن هنا ينشأ التناقض بين العدالة التي تقتضي المساواة ،وبين الفروق الفردية
التي تقتضي مراعاتها ،إذ ان تأسيس العدالة على المساواة يوقع الظلم بحكم وجود تفاوت طبيعي بين االفراد ،وتأسيسها على التفاوت فيه
تكريس للطبقية والعنصرية ؛ مما يجعالنا نطرح المشكلة التالية :ماهو المبدأ االمثل الذي يحقق عدالة موضوعية :هل هو مبدأ المساواة
أم مبدأ التفاوت ؟محاولة حل المشكلة :عرض االطروحة:يرى البعض ان العدالة تتأسس على المساواة ،على اعتبار ان العدالة الحقيقية
تعني المساواة بين الجميع االفراد في الحقوق والواجبات وامام القانون ،وأي تفاوت بينهم يعد ظلم ،ويدافع عن هذا الرأي فالسفة القانون
الطبيعي وفالسفة العقد االجتماعي وكذا انصار المذهب االشتراكي .الحجة -:ويؤكد ذلك ،ان االفراد – حسب فالسفة القانون الطبيعي -
الذين كانوا يعيشون في حالة الفطرة كانوا يتمتعون بمساوة تامة وكاملة فيما بينهم ،ومارسوا حقوقهم الطبيعية على قدم المساواة ،لذلك
فاالفراد سواسية ،فـ« ليس هناك شيئ اشبه بشيئ من االنسان باالنسان » ،وعليه فالعدالة تقتضي المساواة بين جميع االفراد في الحقوق
والواجبات بحكم بطبيعتهم المشتركة ،ومادام الناس متساوون في كل شيئ فما على العدالة اال ان تحترم هذه المساواة .اما فالسفة العقد
االجتماعي ،فيؤكدون ان انتقال االنسان من المجتمع الطبيعي الى المجتمع السياسي تـّم بناًء على تعاقد ،وبما ان االفراد في المجتمع
الطبيعي كانوا يتمتعون بمساواة تامة وكاملة ،لم يكونوا ليقبلوا التعاقد مالم يعتبرهم المتعاقدون معهم مساوين لهم ،فالمساواة شرط قيام
العقد ،وبالتالي فالعقد قائم على عدالة اساسها المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات .
-في حين ان االشتراكيين يرون ان ال عدالة حقيقية دون مساواة فعلية بين االفراد في الحقوق والواجبات ،وال تتحقق المساواة دون
االقرار بمبدأ الملكية الجماعية لوسائل االنتاج ،التي تتيح للجميع التمتع بهذا الحق ،ألن الملكية الخاصة تكّر س الطبقية واالستغالل وهي
بذلك تقضي على روح المساواة التي هي اساس العدالة .النقد :إن انصار المساواة مثاليون في دعواهم الى اقامة مساواة مطلقة ،
ويناقضون الواقع ،ألن التفاوت الطبيعي امر مؤكد ،فالناس ليسوا نسخا متطابقة وال متجانسين في كل شيئ ،والفروق الفردية تؤكد ذلك
،ومن ثـّم ففي المساواة ظلم لعدم احترام الفروق الفردية الطبيعية .عرض نقيض االطروحة :وبخالف ما سبق ،يرى البعض االخر ان
العدالة ال تعني بالضرورة المساواة ،بل ان في المساواة ظلم لعدم احترام االختالفات بين الناس ،ومن هذا المنطلق فإن العدالة الحقيقة
تعني تكريس مبدأ التفاوت ،إذ ليس من العدل ان نساوي بين اناس متفاوتين طبيعيا .ويذهب الى هذه الوجهة من النظر فالسفة قدامى
ومحدثين وايضا بعض العلماء في ميدان علم النفس والبيولوجيا .الحجة -:فأفالطون قديما قسم المجتمع الى ثالث طبقات :طبقة الحكماء
وطبقة الجنود وطبقة العبيد ،وهي طبقات تقابل مستويات النفس االنسانية :النفس العاقلة والغضبية والشهوانية ،وهذا التقسيم يرجع الى
االختالف بين االفراد في القدرات والمعرفة والفضيلة ،وعلى العدالة ان تحترم هذا التمايز الطبقي ،ومن واجب الدولة ان تراعي هذه
الفوارق ايضا وتوزع الحقوق وفق مكانة كل فرد .اما ارسطو فاعتبر التفاوت قانون الطبيعة ،حيث ان الناس متفاوتين بطبيعتهم
ومختلفين في قدراتهم وفي ارادة العمل وقيمة الجهد المبذول ،وهذا كله يستلزم التفاوت في االستحقاق ؛ فال يجب ان يحصل اناس
متساوون على حصص غير متساوية ،او يحصل اناس غير متساويين على حصص متساوية .وحديثا يؤكد ( هيجل ) 1831 – 1770
على مبدأ التفاوت بين االمم ،وان االمة القوية هي التي يحق لها امتالك كل الحقوق وتسيطر على العالم ،على اساس انها افضل االمم ،
وعلى االمم االخرى واجب ،هو الخضوع لالمة القوية - .وفي نفس االتجاه ،يذهب ( نيتشه ) 1900 – 1844ان التفاوت بين االفراد
قائم وال يمكن انكاره ،فيقسم المجتمع الى طبقتين :طبقة االسياد وطبقة العبيد ،وان للسادة اخالقهم وحقوقهم ،وللعبيد اخالقهم وواجباتهم
.أما انصار المذهب الرأسمالي فيقيمون العدل على اساس التفاوت ،فالمساواة المطلقة مستحيلة وفيها ظلم ،إذ ال يجب مساواة الفرد
العبقري المبدع بالفرد العادي الساذج ،وال العامل المجد البارع بالعامل الكسول الخامل ،بل البد من االعتراف بهذا التفاوت وتشجيعه ،
ألن ذلك يبعث على الجهد والعمل وخلق جو من المنافسة بين المتفاوتين -.ويؤكد بعض العلماء ان كل حق يقابله واجب ،غير ان قدرة
االفراد في رد الواجب المقابل للحق متفاوتة في مجاالت عدة :فمن الناحية البيولوجية ،هناك اختالف بين الناس في بنياتهم البيولوجية
والجسمانية ،مما ينتج عنه اختالف قدرتهم على العمل ورد الواجب ،لذلك فليس من العدل مساواتهم في الحقوق ،بل يجب ان نساعد
أولئك الذين يملكون افضل االعضاء والعقول على االرتقاء اجتماعيا ،يقول الطبيب الفيزيولوجي الفرنسي ( ألكسيس كاريل – 1873
« : ) 1944بدال من ان نحاول تحقيق المساواة بين الالمساواة العضوية والعقلية ،يجب توسيع دائرة هذه االختالفات وننشئ رجاال
عظماء » .ومن الناحية النفسية ،نجد تمايز بين االفراد من حيث مواهبهم وذكائهم وكل القدرات العقلية االخرى ،ومن العبث ان نحاول
مساواة هؤالء المتفاوتون طبيعيا .واخيرا ومن الناحية االجتماعية ،فالناس ليسوا سواء ،فهناك الغني الذي يملك والفقير الذي ال يملك ،
والملكية حق طبيعي للفرد ،وليس من العدل نزع هذه الملكية ليشاركه فيها آخرين بدعوى المساواة .النقد :ان التفاوت الطبيعي بين
االفراد امر مؤكد وال جدال فيه ،غير انه ال ينبغي ان يكون مبررا لتفاوت طبقي او اجتماعي او عرقي عنصري .كما قد يكون
االختالف في االستحقاق مبنيا على فوارق اصطناعية ال طبيعية فيظهر تفاوت ال تحترم فيه الفروق الفردية .التركيب :ان المساواة
المطلقة مستحيلة ،والتفاوت االجتماعي ال شك انه ظلم ،وعلى المجتمع ان يحارب هذا التفاوت ليقترب ولو نسبيا من العدالة ،وال يكون
ذلك اال بتوفير شروط ذلك ،ولعل من أهمها اقرار مبدأ تكافؤ الفرص والتناسب بين الكفاءة واالستحقاق ومحاربة االستغالل .
حل المشكلة :وهكذا يتضح ان العدالة هي ما تسعى المجتمعات قديمها وحديثها الى تجسيدها ،ويبقى التناقض قائما حول االساس الذي
تبنى عليه العدالة ،غير ان المساواة – رغم صعوبة تحقيقها واقعا – تبقى هي السبيل الى تحقيق هذه العدالة كقيمة اخالقية عليا .
المقالة العاشرة :هل يمكن إبعاد القيم االخالقية من الممارسة السياسية ؟ جدلية .
Iطرح المشكلة :إن الدولة وجدت إلجل غايات ذات طابع أخالقي ،مما يفرض أن تكون الممارسة السياسية أيضا أخالقية ،إال أن الواقع
يكشف خالف ذلك تمامًا ،سواء تعلق االمر بالممارسة السياسية على مستوى الدولة الواحدة أو على مستوى العالقات بين الدول ،حيث
يسود منطق القوة والخداع وهضم الحقوق ..وكأن العمل السياسي ال ينجح إال إذا ُأبعدت القيم االخالقية ؛ فهل فعال يمكن إبعاداالعتبارات
االخالقية من العمل السياسي ؟محاولة حل المشكلة أ -عرض االطروحة:يرى بعض المفكرين ،أن العالقة بين االخالق والسياسة ،لذلك
يجب إبعاد االعتبارات االخالقية تمامًا من العمل السياسي ،وهو ما يذهب إليه صراحة المفكر االيطالي " ميكيافيلي " 1527– 1469
في كتابه " االمير " ،حيث يرى أن مبدأ العمل السياسي هو « :الغاية تبرر الوسيلة » ،فنجاح العمل السياسي هو ما يحققه من نتائج
ناجحة كإستقرار الدولة وحفظ النظام وضمان المصالح الحيوية ..بغض النظر عن الوسائل المتبعة في ذلك حتى وإن كانت الأخالقية ،
بل ويذهب الى أبعد من ذلك ،فيزعم أن االخالق تضر بالسياسة وتعرقل نجاحها ،وان الدول التي تبني سياستها على االخالق تنهار
بسرعة.ويوافقه في ذلك أيضًا فيلسوف القوة " نيتشه ، " 1900– 1844الذي يرى أن السياسة ال تتفق مع االخالق في شيئ ،والحاكم
المقيد باالخالق ليس بسياسي بارع ،وهو لذلك غير راسخ على عرشه ،فيجب على طالب الحكم من االلتجاء الى المكر والخداع والرياء
،فالفضائل االنسانية العظيمة من االخالص واالمانة والرحمة والمحبة تصير رذائل في السياسة .وعلى الحاكم أن يكون قويًا ،ألن
االخالق هي سالح الضعفاء ومن صنعهم .ب -الحجة:وما يبرر ذلك أن المحكوم إنسان ،واالنسان شرير بطبعه ،يميل الى السيطرة
واالستغالل والتمرد وعدم الخضوع الى السلطة المنظمة ،ولو ترك على حاله لعاد المجتمع الى حالته الطبيعية ،فتسود الفوضى والظلم
واستغالل القوي للضعيف ،ويلزم عن ذلك استعمال القوة وجميع الوسائل لردع ذلك الشر حفاظا على استقرار الدولة ويقائها .ومن جهة
ثانية ،فالعالقات السياسية بين الدول تحكمها المصالح الحيوية االستراتيجية ،فتجد الدولة نفسها بين خيارين :إما تعمل على تحقيق
مصالحها بغض النظر عن االعتبارات االخالقية ،وإما تراعي االخالق التي قد ال تتفق مع مصالحها ،فتفقدها ويكون مصيرها الضعف
واالنهيار .جـ -النقد :ولكن القول أن االنسان شرير بطبعه مجرد زعم وإفتراض وهمي ليس له أي أساس من الصحة ؛ فاالنسان مثلما
يحمل االستعداد للشر يحمل أيضا االستعداد للخير ،ووظيفة الدولة تنمية جوانب الخير فيه ،أما لجوئها الى القوة فدليل على عجزها عن
القيام بوظيفتها ،واال فال فرق بين الدولة كمجتمع سياسي منظم والمجتمع الطبيعي حيث يسود منطق الظلم والقوة .هذا ،واستقراء
ميكيافيلي للتاريخ إستقراء ناقص ،مما ال يسمح بتعميم أحكامه ،فهو يؤكد – من التاريخ – زوال الدول التي بنيت على اسس أخالقية ،
غير أن التاريخ نفسه يكشف ان الممارسة السياسية في عهد الخلفاء الراشدين كانت قائمة على اساس من االخالق ،والعالقة بين الخليفة
والرعية كانت تسودها المحبة واالخوة والنصيحة ،مما أدى الى ازدهار الدولة ال إنهيارها .
وأخيرًا ،فالقوة أمر نسبي ،فالقوي اليوم ضعيف غدًا ،والواقع أثبت أن الدول والسياسات التي قامت على القوة كان مصيرها الزوال ،
كما هو الحال بالنسبة لالنظمة االستبدادية الديكتاتورية .أ-عرض نقيض االطروحة :وخالفا لما سلف ،يعتقد البعض االخر أنه من
الضروري مراعاة القيم االخالقية في الممارسة السياسية ،سواء تعلق االمر بالعالقة التي تربط الحاكم والمحكومين على مستوى الدولة
الواحدة ،أو على مستوى العالقات بين الدول .ومعنى ذلك ،أن على السياسي أن يستبعد كل الوسائل الالاخالقية من العمل السياسي ،
وأن يسعى الى تحقيق العدالة واالمن وضمان حقوق االنسان الطبيعية واالجتماعية .وهذا ما دعا إليه أغلب الفالسفة منذ القديم ،فهذا "
أرسطو " يعتبر السياسة فرعًا من االخالق ،ويرى أن وظيفة الدولة االساسية هي نشر الفضيلة وتعليم المواطن االخالق .ثم حديثا
الفيلسوف االلماني " كانط ، " 1804– 1724الذي يدعو الى معاملة االنسان كغاية في ذاته وليس كمجرد وسيلة ،كما دعا في كتابه "
مشروع السالم الدائم " الى إنشاء هيئة دولية تعمل على نشر السالم وفك النزاعات بطرق سلمية وتغليب االخالق في السياسة ،وهو ما
تجسد – الحقا – في عصبة االمم ثم هيئة االمم المتحدة ،كما دعا الى ضرورة قيام نظام دولي يقوم على الديمقراطية والتسامح والعدل
والمساواة بين الشعوب واالمم .ومن بعده ألـّح فالسفة معاصرون على أخالقية الممارسة السياسية ،أبرزهم الفرنسي " هنري برغسون
" 1941 – 1856و االنجليزي " برتراند رسل . " 1969– 1871ب-الحجة :إن الدولة خصوصًا والسياسة عموماً إنما وجدتا ألجل
تحقيق غايات أخالقية منعدمة في المجتمع الطبيعي ،وعليه فأخالقية الغاية تفرض أخالقية الوسيلة .كما أن ارتباط السياسة باالخالق
يسمح بالتطور واالزدهار نتيجة بروز الثقة بين الحكام والمحكومين ،فينمو الشعور بالمسؤولية ويتفانى االفراد في العمل .
ثم ان غياب االخالق وابتعادها من المجال السياسي يّو لد انعدام الثقة والثورات على المستوى الداخلي ،أما على المستوى الخارجي
فيؤدي الى الحروب ،مع ما فيها من ضرر على االمن واالستقرار وإهدار لحقوق االنسان الطبيعية ،وهذا كله يجعل الدولة تتحول الى
أداة قمع وسيطرة واستغالل .جـ النقد :ال يمكن إنكار أهمية دعوة الفالسفة الى أخالقية الممارسة السياسية ،إال ان ذلك يبقـى مجرد دعوة
نظرية فقط ،فالقيم االخالقية وحدها – كقيم معنوية – ال تكفي لتجعل التظيم السياسي قويًا قادرًا على فرض وجوده وفرض احترام
القانون ،وال هي تستطيع ايضًا ضمان بقاء الدولة واستمرارها ،وهو االمر الذي يؤكد صعوبة تجسيد القيم االخالقية في الممارسة
السياسية .التركيب :وفي الواقع أنه ال يمكن الفصل بين االخالق والسياسة ،لذلك فغاية الممارسة السياسية يجب أن تهدف الى تجسيد القيم
االخالقية وترقية المواطن والحفاظ على حقوقه االساسية ،دون إهمال تحقيق المصالح المشروعة التي هي اساس بقاء الدولة وازدهارها
حل المشكلة :وهكذا يتضح ،أنه ال يمكن إطالقا إبعاد القيم االخالقية من الممارسة السياسية رغم صعوبة تجسيدها في الواقع .ومن جهة
أخرى ،فاالخالق بدون قوة ضعف ،والقوة بدون أخالق ذريعة للتعسف ومبررللظلم .وعليه فالسياسي الناجح هوالذي يتخذ من القوة
وسيلة لتجسيد القيم االخالقية وأخالقية الممارسة السياسية .
المقالة الحادية عشر (تصميم جزئي )الموضوع الثامن:إذا كانت التجربة ال تعطينا عددًا خالصًا مجردًا وال خطًا دون عرض وال سطحًا
دون سمك ،فهل يعني ذلك أن المفاهيم الرياضية ليست مستخلصة من التجربة الحسية ؟
Iطرح المشكلة :هل المفاهيم الرياضية أصلها عقلي أم تجريبي ؟ -IIمحاولة حل المشكلة - :أ -عرض االطروحة :يرى أصار النزعة
العقلية المثالية أن المفاهيم الرياضية ليست مستخلصة من التجربة الحسية ،بل هي مفاهيم عقلية خالصة .
-ب -الحجة -:ألن المفاهيم الرياضية مفاهيم مجردة أنشأها العقل و استنبطها من مبادئه االساسية ( الهوية ،عدم التناقض ،الثالث
المرفوع ) من دون الحاجة الى الرجوع الى الواقع الحسي .ان التجربة ال تعطينا عددًا خالصًا مجردًا وال خطًا دون عرض وال سطحًا
دون سمك ،مما يعني ان المفاهيم الرياضية نابعة من العقل وموجودة فيه بصورة قبلية -.المفاهيم الرياضية هي حقائق معقولة وهي
مفاهيم ازلية وثابتة ،والعقل كان يدركها في عالم المثل ،ولكن عند مفارقته لهذا العالم نسيها ،وما عليه اال تذكرها ( افالطون ) .
-ان المفاهيم الرياضية هي مفاهيم فطرية تتميز بالبساطة والبداهة واليقين ،وبما ان العقل قاسم مشترك بين جميع الناس ،فإن الناس
جميعهم بإمكانهم ادراك هذه المفاهيم ( ديكارت ) .جـ -النقد :إن الطفل الصغير يمزج بين العدد والشيئ المعدود .وتاريخ الرياضيات يقدم
لنا الشواهد على ان العمل الرياضي بدأ حسيا ،وتدرج شيئا فشيئا نحو التجريد بإدخال الصفر والعدد السالب والعدد الكسري ...ثم لو
كانت المفاهيم الرياضية فطرية لتساوى في العلم بها الجميع ،لكنها مفاهيم ال يدركها اال القلة القليلة من المتخصصين .
-2أ -عرض االطروحة :يؤكد أنصار النزعة الحسية التجريبية ان المفاهيم الرياضية مثل سائر معارفنا مستمدة من التجربة الحسية .
-2ب -الحجة :مجموعة من االشجار اوحت بفكرة العدد ،وان بعض االشياء الطبيعية اوحت باالشكال الهندسية ،فشكل الشمس مثال
اوحى بفكرة الدائرة ،وان االنسان في اقدم العصور استعان في العّد بالحصى واالصابع ..ثم ان تجربة مسح االراضي عند قدماء
المصريين هي التي ادت الى نشوء علم الهندسة .وان الهندسة اسبق ظهورا من الحساب او الجبر ألنها اقرب الى التجربة .جـ -النقد :ان
المفاهيم الرياضية ليست كما اعتقد التجريبيون مستمدة من التجربة الحسية ،فهذه االخيرة لم تكن االحافزا للعقل على تجريد المعاني
الرياضية .التركيب :في الحقيقة ان هناك تالزم بين العقل والتجربة ،فال وجود لمعرفة عقلية خالصة وال لمعرفة تجريبية خالصة .
وعلى هذا االساس ،فإنه من المنطق القول ان اصل الرياضيات يعود الى التجربة الحسية ،فهي قبل ان تصبح علما عقليا قطعت مرحلة
كلها تجريبية ،ولكن العقل جّرد تلك المعاني الحسية ،فأصبحت مفاهيم مجردة .حل المشكلة :إن أصل المفاهيم الرياضية هو التجربة
الحسية ،ثم اصبحت مفاهيم مجردة ال عالقة لها بالواقع .
المقالة الثانية عشر :اذا كانت الرياضيات ال تقدم معرفة تجريبية ،ففيم تتمثل قيمتها ؟ اسنقصاء
* تعتبر التجرية مقياس اساسي نحكم به على " علمية " أي معرفة من المعارف ،ومن المعلوم ان الرياضيات علم عقلي بحت ،مجرد
تماما عن ماهو محسوس ،لذلك فهي ال تقدم أي معرفة تجريبية ،والسؤال الذي يطرح هنا ؛ فيم تكمن قيمة الرياضيات اذا كانت ال تقدم
أي معرفة تجريبية ؟ إن موضوع الرياضيات هو الكميات العقلية المجردة ،التي تتميز بالثبات واالستقاللية عن الواقع المحسوس ،
ولغتها الرموز من ثوابت ومتغيرات ،وليست ألفاظ اللغة العادية التي تتصف بالغموض واالبهام .ومنهجها االستدالل العقلي ذو الطبيعة
االستنتاجية – االفتراضية ،يراعي فيه الرياضي عدم تناقض النتائج مع ما يفترضه من قضايا أولية دون الرجوع الى الواقع الحسي .
كما توصف الرياضيات بالخصوبة نظرا لتعدد فروعها ( كالجبر ،الهندسة ،الهندسة التحليلية ،نظرية المجموعات ،حساب االحتماالت
) ..وتعدد انساقها ( كنسق اقليدس ،نسق لوباتشوفسكي ،نسق ريمان ) ..دون ان يكون هناك تناقضا بين هذه الفروع واالنساق .كما
تعود خصوبتها الى طبيعة البرهان الرياضي ،فهو – بخالف القياس االرسطي – يتميز بخاصيتيه التركيبية والتعميمية ،حيث ننتقل فيه
من البسيط الى المركب ومن الخاص الى العام .ان الرياضيات وان كانت من العلوم التجريدية فهي لغة العلوم التجريبية ،وتكمن قيمتها
في استعانة العلوم التجريبية بها في صياغة نتائجها .حيث ان العلوم على اختالفها – سواء الطبيعية منها التي تدرس المادة الجامدة او
الحية ،أو االنسانية التي تدرس االنسان ومختلف مواقفه – تسعى الى استخدام الرياضيات في مباحثها ومناهجها وصياغة نتائجها ..
ولقد كانت الرياضيات حتى القرن 17م منفصلة عن العلوم ،وحينئذ تبّين – كما قال " غاليلي " – أن « :الطبيعة مكتوبة بلغة رياضية
» ،ومادامت الطبيعة – التي هي موضوع العلم – مكتوبة كذلك – فإنه ال يصلح لفهم العالقات التي تربط بين ظواهرها اال استعمال لغة
الرياضيات ،التي هي – حسب " بوانكاري " – « اللغة الوحيدة التي يستطيع العِالم أن يتكلم بها » ..وهكذا بدأت الرياضيات تغزو
العلوم .فلقد صاغ " غاليلي " قانون سقوط االجسام صياغة رياضية ( ع = ½ ج xز ، ) 2وكذلك فعل " نيوتن في قانون الجاذبية ،
لتعرف الفيزياء بعدها استعماال واسعا للرياضيات ،كما هو الحال في قوانين السرعة والتسارع و حركة االجسام .
هذا ،وقد حسب " كبلر " حركة كوكب المريخ حسابا رياضيا ،ليعرف علم الفلك – هو االخر – استعمال لغة الرياضيات ،كحساب
حركة الكواكب والظواهر مثل الكسوف والخسوف والمواقيت ..إضافة الى ذلك ،فإن الكمياء إبتداًء من " الفوازييه " أصبحت تعبر عن
تفاعل العناصر و عمليات االكسدة واالرجاع في شكل معادالت رياضية ،كما أصبح العنصر الكميائي يعرف بوزنه الذري ..
واالمر نفسه في البيولوجيا ،السيما استخدام االحصاء الرياضي مثلما فعل " مندل " في قوانين الوراثة .والواقع اليومي يكشف عن
استعمال واسع للرياضيات في البيولوجيا ،وتحديدا في ميدان الطب ،حيث تكمم دقات القلب وعدد كريات الدم ونسبة السكر ومعدل
الضغط ...
ولم يقتصر استعمال الرياضيات على العلوم الطبيعية المادية فحسب ،بل تعداه الى العلوم االنسانية ؛ فلقد تمكن علماء النفس االلمان "
فيبر " و " فيخنر " من صياغة قانون رياضي لالحساس هو قانون العتبة المطلقة والعتبة الفارقة .كما وضع الفرنسي " بيني " مقياسا
رياضيا عاما لدرجة الذكاء ونسبته ،هو العمر العقلي مقسوما على العمر الزمني مضروبا في . 100و ذات االمر في االقتصاد
والجغرافيا البشرية ؛ حيث يستعمل االحصاء وحساب االحتماالت والتعبير عن النتائج في شكل معادالت رياضية ومنحنيات بيانية
ودوائر نسبية .و تكمن قيمة الرياضيات في كونها ساهمت في تطور العلوم ،من مجرد وصف كيفي للظواهر يعتد على اللغة العادية
المبهمة الى تحديد كم دقيق لها ؛ فالعلوم لم تبلغ الدقة في فهم ظواهرها ومن ثــّم التنبؤ بها ،اال بعدما صارت تصوغ نتائجها صياغة
رياضية .هذا من جهة ،ومن جهة فإن الرياضيات تهيئ للعلم المفاهيم التي يقوم عليها ،مثال ذلك ان " نيوتن " اقتبس مفهوم المكان من
المكان الحسي عند " إقليدس " ،ولوال هندسة " ريمان " لما كانت نسبية " إنشتاين " .ومن جهة ثالثة ،فإن الرياضيات تسمح باكتشاف
القوانين العلمية دون الحاجة الى المرور بالمالحظة والتجربة ،مثال ذلك أن حساب العالم " لوفيريي " لكوكب " أورانيوس " أدى الى
اكتشاف كوكب " نيبتون " ،كما وصل العالم " ماكسويل " الى اكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية ووضع لها أربع معادالت رياضية
أحاطت بخواصها من حسابات رياضية خالصة ،ولم يتحقق منها العلماء تجريبيا اال بعد مرور ثمانين – – 80سنة .
* وهكذا يتضح ،أن للرياضيات قيمة كبرى باعتبارها لغة العلوم الحديثة ،فهي وإن كانت ال تقدم أي معرفة تجريبية ،فإنها اللغة التي
تستخدمها هذه العلوم في التعبير عن نتائجها .فالرياضيات تمثل نموذجا للوضوح ومعيارا للدقة واليقين وطريقا لالبداع ،وهو ما يهدف
كل علم الى بلوغه .
الموضوع الثالثة عشر :هل يمكن اخضاع المادة الحية للمنهج التجريبي على غرار المادة الجامدة ؟ جدلية
-Iطرح المشكلة :تختلف المادة الحية عن الجامدة من حيث طبيعتها المعقدة ،االمر الذي جعل البعض يؤمن ان تطبيق خطوات المنهج
التجربيي عليها بنفس الكيفية المطبقة في المادة الجامدة متعذرا ،و يعتقد آخرون ان المادة الحية كالجامدة من حيث مكوناتها مما يسمح
بامكانية اخضاعها للدراسة التجريبية ،فهل يمكن فعال تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية على غرار المادة الجامدة ؟
–IIمحاولة حل المشكلة :أ -االطروحة :يرى البعض ،أنه ال يمكن تطبيق المنهج التجرببي على الظواهر الحية بنفس الكيفية التي يتم
فيها تطبيقه على المادة الجامدة ،إذ تعترض ذلك جملة من الصعوبات و العوائق ،بعضها يتعلق بطبيعة الموضوع المدروس ذاته و هو
المادة الحية ،و بعضها االخر الى يتعلق بتطبيق خطوات المنج التجريبي عليها .ب -الحجة :و يؤكد ذلك ،أن المادة الحية – مقارنة
بالمادة الجامدة – شديدة التعقيد نظرا للخصائص التي تميزها ؛ فالكائنات الحية تتكاثر عن طريق التناسل للمحافظة على النوع و
االستمرار في البقاء .ثم إن المحافظة على توازن الجسم الحي يكون عن طريقالتغذية التي تتكون من جميع العناصر الضرورية التي
يحتاجها الجسم .كما يمر الكائن الحي بسلسلة من المراحل التي هي مراحل النمو ،فتكون كل مرحلة هي نتيجة للمرحلة السابقة و سبب
للمرحلة الالحقة .هذا ،و تعتبر المادة الحية مادة جامدة أضيفت لها صفة الحياة من خالل الوظيفة التي تؤديها ،فالكائن الحي يقوم بجملة
من الوظائف تقوم بها جملة من االعضاء ،مع تخصص كل عضو بالوظيفة التي تؤديها و اذا اختل العضو تعطلت الوظيفة و ال يمكن
لعضو آخر أن يقوم بها .و تتميز الكائنات الحية – ايضا – بـالوحدة العضوية التي تعني ان الجزء تابع للكل و ال يمكن أن يقوم بوظيفته
اال في اطار هذا الكل ،و سبب ذلك يعود الى أن جميع الكائنات الحية – باستثناء الفيروسات – تتكون من خاليا .باالضافة الى الصعوبات
المتعلقة بطبيعة الموضوع ،هناك صعوبات تتعلق بالمنهج المطبق و هو المنهج التجريبي بخطواته المعروفة ،و أول عائق يصادفنا على
مستوى المنهج هو عائقالمالحظة ؛ فمن شروط المالحظة العلمية الدقة و الشمولية و متابعة الظاهرة في جميع شروطها و ظروفها و
مراحلها ،لكن ذلك يبدو صعبا ومتعذرا في المادة الحية ،فألنها حية فإنه ال يمكن مالحظة العضوية ككل نظرا لتشابك و تعقيد و تداخل و
تكامل و ترابط االجزاء العضوية الحية فيما بينها ،مما يحول دون مالحظتها مالحظة علمية ،خاصة عند حركتها أو اثناء قيامها
بوظيفتها .كما ال يمكن مالحظة العضو معزوال ،فالمالحظة تكون ناقصة غير شاملة مما يفقدها صفة العلمية ،ثم ان عزل العضو قد
يؤدي الى موته ،يقول أحد الفيزيولوجيين الفرنسيين « :إن سائر اجزاء الجسم الحي مرتبطة فيما بينها ،فهي ال تتحرك اال بمقدار ما
تتحرك كلها معا ،و الرغبة في فصل جزء منها معناه نقلها من نظام االحياء الى نظام االموات و دائما على مستوى المنهج ،هناك عائق
التجريب الذي يطرح مشاكل كبيرة ؛ فمن المشكالت التي تعترض العالم البيولوجي مشكلة الفرق بين الوسطين الطبيعي و االصطناعي ؛
فالكائن الحي في المخبر ليس كما هو في حالته الطبيعية ،إذ أن تغير المحيط من وسط طبيعي الى شروط اصطناعية يشوه الكائن الحي و
يخلق اضطرابا في العضوية و يفقد التوازن .ومعلوم ان التجريب في المادة الجامدة يقتضي تكرار الظاهرة في المختبر للتأكد من صحة
المالحظات و الفرضيات ،و اذا كان الباحث في ميدان المادة الجامدة يستطيع اصطناع و تكرار الظاهرة وقت ما شاء ،ففي المادة الحية
يتعذر تكرار التجربة ألن تكرارها ال يؤدي دائما الى نفس النتيجة ،مثال ذلك ان حقن فأر بـ1سم 3من المصل ال يؤثر فيه في المرة
االولى ،و في الثانية قد يصاب بصدمة عضوية ،و الثالثة تؤدي الى موته ،مما يعني أن نفس االسباب ال تؤدي الى نفس النتائج في
البيولوجيا ،و هو ما يلزم عنه عدم امكانية تطبيق مبدأ الحتمية بصورة صارمة في البيولوجيا ،علما ان التجريب و تكراره يستند الى هذا
المبدأ .و بشكل عام ،فإن التجريب يؤثر على بنية الجهاز العضوي ،ويدمر أهم عنصر فيه وهو الحياة .و من العوائق كذلك ،عائق
التصنيف و التعميم ؛ فإذا كانت الظواهر الجامدة سهلة التصنيف بحيث يمكن التمييز فيها بين ما هو فلكي أو فيزيائي أو جيولوجي وبين
أصناف الظواهر داخل كل صنف ،فإن التصنيف في المادة الحية يشكل عقبة نظرا لخصوصيات كل كائن حي التي ينفرد بها عن غيره ،
ومن ثـّم فإن كل تصنيف يقضي على الفردية ويشّو ه طبيعة الموضوع مما يؤثر سلبا على نتائج البحث .وهذا بدوره يحول دون تعميم
النتائج على جميع افراد الجنس الواحد ،بحيث ان الكائن الحي ال يكون هو هو مع االنواع االخرى من الكائنات ،ويعود ذلك الى الفردية
التي يتمتع بها الكائن الحي .جـ -النقد :لكن هذه مجرد عوائق تاريخية الزمت البيولوجيا عند بداياتها و محاولتها الظهور كعلم يضاهي
العلوم المادية االخرى بعد انفصالها عن الفلسفة ،كما ان هذه العوائق كانت نتيجة لعدم اكتمال بعض العلوم االخرى التي لها عالقة
بالبيولوجيا خاصة علم الكمياء ..و سرعان ما تــّم تجاوزها .أ -نقيض االطروحة :وخالفا لما سبق ،يعتقد البعض أنه يمكن اخضاع
المادة الحية الى المنهج التجريبي ،فالمادة الحية كالجامدة من حيث المكونات ،وعليه يمكن تفسيرها بالقوانين الفيزيائية -الكميائية أي
يمكن دراستها بنفس الكيفية التي ندرس بها المادة الجامدة .ويعود الفضل في ادخال المنهج التجريبي في البيولوجيا الى العالم
الفيزيولوجي ( كلود بيرنار ) متجاوزا بذلك العوائق المنهجية التي صادفت المادة الحية في تطبيقها للمنهج العلمي .ب -االدلة :و ما يثبت
ذلك ،أنه مادامت المادة الحية تتكون من نفس عناصر المادة الجامدة كاالوكسجين و الهيدروجين و الكربون و االزوت و الكالسيوم و
الفسفور ...فإنه يمكن دراسة المادة الحية تماما مثل المادة الجامدة .هذا على مستوى طبيعة الموضوع ،اما على مستوى المنهج فقد صار
من الممكن القيام بالمالحظة الدقيقة على العضوية دون الحاجة الى فصل االعضاء عن بعضها ،أي مالحظة العضوية وهي تقوم
بوظيفتها ،و ذلك بفضل ابتكار وسائل المالحظة كالمجهر االلكتروني و االشعة و المنظار ...كما اصبح على مستوى التجريب القيام
بالتجربة دون الحاجة الى ابطال وظيفة العضو أو فصله ،و حتى و إن تــّم فصل العضو الحي فيمكن بقائه حيا مدة من الزمن بعد وضعه
في محاليل كميائية خاصة .جـ -النقد :ولكن لو كانت المادة الحية كالجامدة ألمكن دراستها دراسة علمية على غرار المادة الجامدة ،غير
ان ذلك تصادفه جملة من العوائق و الصعوبات تكشف عن الطبيعة المعقدة للمادة الحية .كما انه اذا كانت الظواهر الجامدة تفسر تفسيرا
حتميا و آليا ،فإن للغائية إعتبار و أهمية في فهم وتفسير المادة الحية ،مع ما تحمله الغائية من اعتبارات ميتافيزيقية قد ال تكون للمعرفة
العلمية عالقة بها -.التركيب :و بذلك يمكن القول أن المادة الحية يمكن دراستها دراسة العلمية ،لكن مع مراعاة طبيعتها وخصوصياتها
التي تختلف عن طبيعة المادة الجامدة ،بحيث بحيث يمكن للبيولوجيا ان تستعير المنهج التجريبي من العلوم المادية االخرى مع االحتفاظ
بطبيعتها الخاصة ،يقول كلود بيرنار « :البد لعلم البيولوجيا أن يأخذ من الفيزياء و الكمياء المنهج التجريبي ،مع االحتفاظ بحوادثه
الخاصة و قوانينه الخاصة » .حل المشكلة :وهكذا يتضح ان المشكل المطروح في ميدان البيولوجيا على مستوى المنهج خاصة ،يعود
اساسا الى طبيعة الموضوع المدروس و هو الظاهرة الحية ،والى كون البيولوجيا علم حديث العهد بالدراسات العلمية ،و يمكنه تجاوز
تلك العقبات التي تعترضه تدريجيا .