Professional Documents
Culture Documents
مجموع محاضرات مادة القانون العقاري - الجزء الأول
مجموع محاضرات مادة القانون العقاري - الجزء الأول
تعنى هذه المادة بدراسة الحقوق الواردة على العقار والقوانين المنظمة لذلك ،أي حق الملكية والحقوق
العينية المتفرعة عنه ،لذلك ال بد من الحديث عن الشيء ومفهومه من الناحية القانونية ،ما دام أن الشيء
هو أكثر التصاقا وأشد ارتباطا بالحق العيني منه بالحق الشخصي.
فالشيء من الناحية القانونية هو كل ما يصلح ألن يكون محال للحقوق المالية( ،)1وبذلك وجب أال
يكون خارجا عن دائرة التعامل سواء بطبيعته أو بحكم القانون .والحقوق المالية التي يجوز التعامل بها كثيرة
ومتنوعة ،حيث تشمل الحقوق العينية األصلية كحق الملكية ،وحق االنتفاع ،وحق االرتفاق ،وغيرها مما هو
محدد على سبيل الحصر في المادة التاسعة من مدونة الحقوق العينية ،كما تشمل الحقوق العينية التبعية
كحق الرهن ،وحق االمتياز ....المنصوص عليها في المادة العاشرة ،وتشمل أيضا الحقوق الشخصية كحق
المشتري في تسلم المبيع وفي انتقال ملكيته إليه وحق البائع في تسلم الثمن ،وحق المكتري في تسلم العين
المكتراة ،وحق المكري في استخالص الوجيبة الكرائية ،ومنها الحقوق التي تقع على شيء غير مادي
كالحقوق المعنوية.
واستنادا لذلك فإن األشياء تنقسم مبدئيا إلى أشياء مادية وأشياء غير مادية ،وأهم تقسيم لألشياء
المادية هو تقسيمها إلى عقار ومنقول .وإذا كان الفقهاء قد اتفقوا على أن العقار هو كل شيء ثابت في
مكانه ،فإنهم اختلفوا في ذلك إلى فريقين:
-فذهب فقهاء المالكية إلى أن العقار هو كل شيء ال يمكن نقله أبدا ،أو ال يمكن نقله إال بتغيير
هيأته ،فيشمل العقار استنادا لذلك ،األرض واألشجار والبنايات وما يتصل بها مما ال يمكن نقله إال بتغيير
هيأته أو إصابته بالتلف؛
-بينما اعتبر جمهور الفقهاء أن العقار هو كل شيء ال يمكن نقله أبدا ،فال يشمل بذلك سوى
األرض ،أما ما يتصل باألرض من أشجار وأغراس وبنايات ،فال يعتبر عقا ار ما دام باإلمكان نقلها.
وبالرجوع إلى القانون المغربي نجد أن المشرع لم يعرف العقار ،وإنما اكتفى في المادة الخامسة
من مدونة الحقوق العينية بتعداد أنواع العقارات حينما نص على أن األشياء العقارية ،إما عقارات بطبيعتها
أو عقارات بالتخصيص ،وعرف العقار بطبيعته في ا لمادة السادسة بأنه كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه
ال يمكن نقله من دون تلف أو تغيير في هيئته ،أما العقار بالتخصيص فهو -طبقا للمادة السابعة -ذلك
) 1تظهير أهمية التمييز بين الشيء و ما يرد عليه من حقوق مالية في التمييز بين الشيء والمال ،حيث إن الشيء ليس هو المال ما دام أن هذا
األخير (أي المال) هو الحق المالي الذي يرد على الشيء ،أما الشيء فهو محل هذا الحق المالي.
1
المنقول الذي يضعه مالكه ف ي عقار يملكه رصدا لخدمة هذا العقار واستغالله أو يلحقه به بصفة دائمة،
وسنتحدث بشيء من التفصيل عن هذه العقارات بمناسبة الحديث في المحور الثاني عن الحقوق العينية.
ويترتب على تقسيم األشياء إلى عقار ومنقول جملة من النتائج لعل أهمها:
أوال :أن العقار وبالنظر لوضعه الثابت يمكن إخضاعه لقواعد وإجراءات التسجيل والتقييد ،بخالف
المنقول الذي ليس له مقر ثابت ،حيث تسري عليه قواعد الحيازة ألنه ال ينضبط التعامل بشأنه إال بالحيازة،
أما العقار فيمكن أن تسري عليه قواعد التقييد أو التسجيل؛
ثانيا :أن دعاوى الحيازة تحمي العقار دون المنقول نظ ار لطبيعته الثابتة؛
ثالثا :أن هناك بعض الحقوق التي ال يمكن أن تنصب سوى على العقار بفعل طبيعته الثابتة ،كحق
الرهن الرسمي؛
رابعا :أن حق الشفعة تفترض ممارسته وجود ال مشفوع فيه مالصقا للمشفوع به ،وهذا ال يتحقق إال
بالنسبة للعقار بفعل طبيعته الثابتة؛
خامسا :أن تحديد االختصاص المحلي للمحاكم يكون بالنظر للمحكمة التي يوجد العقار موضوع
الدعوى بدائرة نفوذها ،أي أن المحكمة المختصة محليا بنظر الدعوى العقارية هي محكمة وجود العقار؛
سادسا :على مستوى القانون الدولي الخاص يكون القانون الواجب بالنسبة للعقار واحد ال يتغير،
أي قانون موقع العقار.
إذا ثبت هذا قلنا ،إن القوانين التي لهـ ـا ارتبـ ـاط بالعقـ ـ ـار بالمغ ـرب متعددة ومتنوعـ ـة ،فهن ـاك ظهي ـر
1يوليوز 1914المحدد لألمالك العامة المعدل سنة 1919بتاريخ 17أبريل و 27نونبر ،وهناك الظهير
المنظم لألمالك المخزنية أو أمالك الدولة الخاصة ،وهناك الظهير المنظم لألمالك الغابوية ،وهناك القانون
المنظم لألمالك الموقوفة أو الوقفية أو الحبسية ( مدونة األوقاف) ،وهناك الظهير المنظم لألمالك الجماعية،
وهناك القانون المنظم لنزع الملكية من أجل المنفعة العامة ،وهناك قانون التجزئات العقارية والمجموعات
السكنية وتقسيم العقارات رقم ،25.90وهناك القانون المتعلق بالتعمير رقم ، 12.90وهناك القانون المنظم
للملكية المشتركة للعقارات المبنية رقم 18.00المعدل بموجب القانون رقم ،106.12وهناك القانون المنظم
لبيع العقار في طور اإلنجاز القانون رقم ،44.00وهناك ظهير التحفيظ العقاري ظهير 12غشت 1913
المعدل بموجب القانون رقم 14/07الصادر بتنفيذه ظهير 22نونبر ،2011وهناك القانون رقم 39/08
المنظم للحقوق العينية والصادر بتاريخ 22نونبر ،2011إلى غير ذلك من القوانين التي لها صلة بالعقار.
2
وبذلك فإن القانون العقاري بمفهومه العام هو مجموعة من القواعد القانونية التي ترمي إلى تنظيم
العالقات بين األشخاص ،بما يضمن حقوقهم الواردة على العقار ويحمي مراكزهم القانونية التي تخولها لهم
هذه الحقوق ،وذلك بحسب ما إذا كانت هذه األخيرة واردة على عقار محفظ أو على عقار غير محفظ.
ويستمد نظام العقارات المحفظة جذوره من ظهير 9رمضان 1331الموافق ل 12غشت 1913
بشأن التحفيظ العقاري الذي عدل بموجب القانون رقم ،14/07ومن ظهير 19رجب 1333الموافق ل02
يونيو 1915المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة ،الذي ألغي بموجب مدونة الحقوق العينية أي
القانون رقم .39/08
أما العقارات غير المحفظة فكانت تخضع ألحكام الفقه اإلسالمي المالكي ولألحكام الواردة في
قانون االلتزامات والعقود أو لبعض القوانين الخاصة ،وذلك قبل صدور مدونة الحقوق العينية (القانون رقم
)39/08التي نصت في فصلها األول على ما يلي ≫ :تسري مقتضيات هذا القانون على الملكية العقارية
والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار.
تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 12غشت 1913بمثابة قانون االلتزامات والعقود
في ما لم يرد به نص في هذا القانون ،فإن لم يوجد نص يرجع إلى الراجح والمشهور وما جرى به العمل
من الفقه المالكي ≪.
وبناء على ما سبق فإن دراستنا لمادة القانون العقاري ستقتصر على نظام التحفيظ العقاري المنظم
بموجب ظهير 12غشت 1913كما تم تعديله بموجب القانون ،14/07والحقوق العينية كما هي منظمة
بموجب القانون رقم ،39/08دون باقي القوانين األخرى التي لها صلة بالعقار.
ال شك أن غاية كل قاعدة قانونية هي ضمان استقرار المجتمع ،ومن أجل استقرار المجتمع ال بد
من استقرار المعامالت وحماية حقوق األشخاص والحفاظ على النظام العام ،تشجيعا لالستثمار الذي تتحقق
به التنمية االقتصادية واالجتماعية ،ومن أجل تحقيق ذلك كان من الالزم التفكير في اعتماد وسيلة للتعريف
بالحقوق من أجل فرض احترامها على الكافة ،فإذا كانت الحيازة في المنقول تعتبر سندا للملكية ،وتلعب
دورها في إعالم الغير بالتصرفات الواقعة على هذا المنقول بالحيازة ،فإن األمر يختلف عندما يتعلق بالعقار
نظ ار لطبيعته الثابتة ،مما فرض ضرورة وجود آلية قانونية تمكن من إعالم الغير بالتصرفات الواردة على
العقار وكذا أصحاب الحقوق المترتبة على ذات العقار ،لذلك اهتدى الفكر القانوني بالنسبة للحقوق العينية
العقارية أساسا إلى نظام الشهر العقاري ،أي اتخاذ مجموعة من القواعد واإلجراءات القانونية التي تهدف
إلى بيان الوضعية المادية والقانونية للعقار ،من خالل البيان الدقيق لمعالمه وأوصافه ومساحته وحدوده،
3
ومعرفة مالكه وطريقة انتقال العقار إليه ،وكذا جميع ما يتحمله العقار من حقوق عينية أصلية كانت أو
تبعية (كراء طويل األمد ،حق الحبس ،ارتفاقات ،رهون ،).....أو حقوق شخصية خاضعة للشهر وأصحاب
هذه الحقوق المترتبة على العقار ،وبصفة عامة تلك القواعد القانونية التي تنظم ≫ هوية ≪ العقار.
فمشتري العقار أو المستثمر مثال الذي يريد أن يقيم مشروعا اقتصاديا يجب قبل اإلقدام على
المعاملة أن يطمئن إلى أن البائع مالك للعقار موضوع المعاملة ،وأن هذا العقار خال من أي عيب أو
تكليف أو حق ينقص من قيمته ،فال ارتفاق يقيد وجها من أوجه استعماله ،وال حق انتفاع يمكن الغير من
استغالل ثماره وغلته ،وال حج از سابقا يخول الدائن بيعه الستيفاء دينه ،وكذلك الشأن بالنسبة للجهة المقرضة
أي الدائن المرتهن .فال سبيل لبعث االطمئنان لدى هذا المشتري المستثمر أو الدائن المرتهن ،إال عن طريق
نظام الشهر العقاري.
ولقد عرفت المجتمعات منذ القدم فكرة الشهر العقاري ،حيث كان التصرف في األرض يخضع في
كل حقبة تاريخية من الحقب منذ عهد القانون الروماني ،إلجراءات شهر معينة ترمي إلى تثبيت الملكية
العقارية ألصحابها وحماية التعامل بها من كل تدليس أو غش.
ونميز في أنظمة الشهر العقاري بالنسبة للعصر الحديث بين نظام الشهر الشخصي ونظام الشهر
العيني ،حيث يعتمد نظام الشهر الشخصي على سجالت يسجل فيها كل تصرف منشئ لحق عيني استنادا
ألسماء األشخاص أصحاب هذا الحق ،فال يعتد بمواصفات العقار موضوع التصرف بقدر ما يعتد بالهوية
الكاملة لألشخاص المالكين ،حيث ال تعرف العقارات في ظل هذا النظام بالنظر لموقعها وإنما تعرف بأسماء
مالكيها وذوي الحقوق الناشئة عنها .وبذلك فإن الشخص (المشتري مثال) الذي يريد أن يتأكد من الوضع
القانوني والمادي للعقار ،ال بد له من الرجوع إلى سائر السندات التي سجلت باسم المالكين وأصحاب
الحقوق العينية المتعاقبين ،والتأكد من أن المتصرف (البائع) قد قام هو نفسه أو بواسطة المالكين الذين
سبقوه بحيازة العقار طيلة مدة التقادم المكسب للملكية .غير أن هذا النظام عرف العديد من االنتقادات بسبب
العيوب التي اعترته والتي حالت دون مساهمته في تأمين استقرار الملكية العقارية وبالتالي توفر شروط
االئتمان العقاري ،مما أدى إلى ظهور نظام للشهر العيني في أستراليا على يد روبير تورانس ،الذي اقترن
منذ ذلك الحين هذا النظام باسمه ،فأصبح نظام الشهر العيني يعرف باسم نظام تورانس.
يقوم نظام الشهر العيني على أساس العقار نفسه وبغض النظر عن مالكه أو أصحاب الحقوق
العينية المترتبة عليه ،حيث يكفي لصاحب المصلحة (المشتري أو الدائن المرتهن مثال) الذي يريد االطمئنان
والتأكد من الوضعية الحقيقة للعقار ومالكه قبل اإلقدام على التعاقد ،سوى االطالع على رسم ملكية العقار
4
الذي تعتبر جميع التقييدات الواردة به ذات قوة ثبوتية مطلقة ،بشكل يعكس صورة حقيقية عن وضعية
العقار القانونية من حيث مالكه وأصحاب الحقوق العينية المترتبة عليه ،وكذا وضعيته المادية من حيث
معالمه وأوصافه وحدوده ومشتمالته.
وإذا ما رجعنا إلى التشريع المغربي وجدنا أنه يعرف ازدواجية في نظامه العقاري وتعددية في القوانين
ال مطبقة عليه على نحو ما ذكرنا أعاله ،فنجد عقارات خاضعة لنظام الشهر العيني بعد خضوعها لمسطرة
التحفيظ ،وعقارات ال تخضع لنظام الشهر العيني وإنما تستند على الحيازة وتطبق في شأنها مدونة الحقوق
العينية ،بعدما كانت تخضع ألحكام الفقه اإلسالمي المالكي على وجه الخصوص .لذلك ستكون محاور
مقررنا لهذه السنة مقسمة كالتالي:
يقصد بالتحفيظ ا نطالقا من مقتضيات الفصل األول من ظهير 12غشت 1913المتعلق بالتحفيظ
العقاري « جعل العقار خاضعا لنظام خاص من غير أن يكون في اإلمكان إخراجه منه فيما بعد .ويترتب
عنه إقامة رسم للملكية مسجل بسجل عقاري ،وبطالن ما عداه من الرسوم ،وتطهير الملك من جميع الحقوق
السالفة غير المضمنة بهذا السجل ،وكذا تقييد كل التصرفات والوقائع التي ترمي إلى إنشاء أو نقل أو تغيير
أو إقرار أو إسقاط الحقوق العينية أو التحمالت المتعلقة بالملك في الرسم العقاري المؤسس له » ،فيشمل
بذلك التحفيظ كل من مرحلة التحفيظ ،أي تأسيس الرسم العقاري بعد سلوك مسطرة لتطهير العقار من كل
منازعة في شأنه (المبحث األول) ،وكذا المرحلة الالحقة لتأسيس الرسم العقاري أي مرحلة التقييدات التي
تتعلق بالتصرفات أو الوقائع التي تطال العقار بعد تحفيظه (المبحث الثاني).
5
وقبل الحديث عن مسطرة التحفيظ العقاري وإجراءاتها واآلثار المترتبة عنها ،البد من الحديث في
مبحث تمهيدي عن المبادئ التي يقوم عليها نظام التحفيظ العقاري بالمغرب والتي ينبغي التمييز فيها بين
مرحلتين:
-مرحلة التحفيظ والتي تقوم على المبادئ التالية :مبدأ االختيارية ،مبدأ التطهير ،مبدأ اإلشهار؛
-مرحلة التقييدات (أي ما بعد التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري) والتي تقوم على المبادئ التالية:
مبدأ شرعية التقييد والقوة الثبوتية ،مبدأ الترتيب واألولوية ،مبدأ تسلسل التقييدات.
يقوم نظام التحفيظ العقاري على ثالثة مبادئ أساسية ،وهي مبدأ االختيارية ( المطلب األول) مبدأ
اإلشهار ( المطلب الثاني ) ثم مبدأ التطهير ( المطلب الثالث ).
رغم أن المشرع المغربي أخذ بنظام التحفيظ العقاري بموجب ظهير 12غشت ،1913فإنه لم
يجعله إلزاميا كما هو الشأن بالنسبة لبعض التشريعات المقارنة ،حيث نص الفصل السادس على أن
« التحفيظ أمر اختياري ،غير أنه إذا قدم مطلب التحفيظ فإنه ال يمكن سحبه مطلقا» ،وبذلك فإن إخضاع
العقار إلجراءات التحفيظ يكون باختيار وإرادة من يدعي ملكيته ،فإذا قدم مطلبا قصد تحفيظ عقاره أو حقه
العيني ،فإنه ال يستطيع سحبه والتراجع عنه بعد ذلك .غير أن هناك حاالت استثنائية يكون فيها التحفيظ
إجباريا وليس اختياريا ،وهذه الحاالت منها ما هو منصوص عليه في ظهير التحفيظ العقاري (الفقرة األولى)
ومنها ما هو منصوص عليه قوانين خاصة (الفقرة الثانية):
الفقرة األولى :الحاالت المنصوص عليها في ظهير التحفيظ العقاري كما عدل بالقانون رقم 14.07
أوال :حالة التحفيظ اإلجباري في المناطق التي يحددها الوزير الوصي على الوكالة الوطنية للمحافظة
العقارية والمسح العقاري والخرائطية ،بموجب قرار يتم نشره في الجريدة الرسمية ،يتخذه في هذا الشأن بناء
على اقتراح من مدير الوكالة ،وذلك طبقا للفصل السابع من ظهير التحفيظ العقاري ،وقد حدد المشرع
إجراءات تحفيظها في الفرع السادس الخاص بالتحفيظ اإلجباري (الفصول 1-51إلى ،)19-51وهذه
المسطرة هي من مستجدات القانون 14.07التي جاء بها المشرع لتعديل الفصل 51من ظهير 12غشت
1913في شأن التحفيظ العقاري.
6
ومن أجل تنفيذ هذا القرار تحدث لجنة تدعى « لجنة التحفيظ اإلجباري » تكون مهمتها السهر على
إعداد المعنيين باألمر لعمليات التحفيظ اإلجباري ،وضمان حسن تنفيذ أشغال البحث التجزيئي والقانوني
ومراقبتها ،وكذا اتخاذ كافة التدابير التي تمكن من إدراج وتحديد مطالب التحفيظ (الفصل 51مكرر ثالثا).
كما تجدر اإلشارة إلى أنه ابتداء من تاريخ نشر القرار الوزيري القاضي بفتح منطقة للتحفيظ
اإلجباري ،ال يمكن إدراج أي مطلب للتحفيظ ،إال في إطار مقتضيات هذا القسم الخاص بالتحفيظ اإلجباري،
وذلك حسبما ينص عليه الفصل 9-51من ظهير التحفيظ العقاري.
ثانيا :الحالة التي تأمر فيها المحكمة المختصة بمتابعة إجراءات الحجز العقاري في مواجهة
المحجوز عليه استنادا لمقتضيات الفصل الثامن من ظهير التحفيظ العقاري ،بإخضاع العقار المحجوز
لمسطرة التحفيظ قبل عرضه على البيع بالمزاد العلني ،ألن إخضاعه لمسطرة التحفيظ يزيد من قيمته
وبالتالي من ثمن البيع قصد الوفاء بأقصى ما يمكن الوفاء به لفائدة الدائنين ،وألن التحفيظ يحدد كذلك
الحالة المادية والقانونية للعقار قبل بيعه ،ويكتفى في هذه الحالة بتقديم مطلب لتحفيظ العقار المحجوز إذ
ليس المقصود فيما نعتقد من الفصل الثامن الوصول بهذا العقار إلى آخر مرحلة في التحفيظ.
أوال :حالة التحفيظ اإلجباري الناتج عن التعرض على مسطرة تحفيظ أمالك الدولة الخاصة ،طبقا
لظهير 03يناير ، 1916حيث يجب على كل من يدعي بحق عيني على أمالك الدولة الخاصة التي
فتحت في شأنها مسطرة التحديد اإلداري ،أن يتعرض على هذه العملية في ظرف ثالثة أشهر من تاريخ
نشر اإلعالن المتضمن إليداع محضر التحديد بمقر السلطة المحلية بالجريدة الرسمية ،ويجب على هذا
المتعرض تقديم مطلب تحفيظ تأكيدي لتعرضه على عملية التحديد داخل أجل ثالثة أشهر من تاريخ انتهاء
أجل التعرض.
ثانيا :حالة التحفيظ اإلجباري الناتج عن مسطرة ضم األراضي الفالحية ،حيث أجاز ظهير 20
يوليوز 1969للسلطة المختصة اتخاذ قرار ضم األراضي الفالحية التي ال تسمح مساحتها أو موقعها
بحسن استثمارها واستغاللها ،حيث يتم تجميع هذه القطع المتناثرة ويتم إخضاعها للتحفيظ اإلجباري ضمن
مسطرة خاصة ،ثم يعاد توزيع ملكياتها بحيث يكون لكل مال ك قطعة أرضية واحدة أو أكثر يسهل ويحسن
استثمارها.
ثالثا :حالة التحفيظ اإلجباري الناتج عن التعرض على مسطرة تحفيظ أراضي الجماعات الساللية،
حيث تخضع أمالك هذه الجماعات شأنها شأن الملك الخاص للدولة لمسطرة التحديد اإلداري ،وقد أجازت
7
المادة التاسعة من القانون رقم 63.17المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية ،التعرض
على مسطرة تحديد هذه األراضي الجماعية ،داخل أجل ثالثة أشهر ابتداء من تاريخ نشر إيداع محضر
التحديد اإلداري والتصميم المؤقت بالجريدة الرسمية ،ويكون هذا التعرض عديم األثر ما لم يودع المتعرض
على نفقته مطلب تحفيظ تأكيدي لتعرضه داخل أجل 3أشهر الموالية النقضاء األجل المحدد لتقديم
التعرضات ،وذلك استنادا لمقتضيات المادة 10من القانون رقم .63.17
رابعا :حالة المعاوضة العينية مع األوقاف ،حيث يشترط طبقا للمادة 72من مدونة األوقاف
« إلجراء أي معاوضة عينية لألوقاف العامة أن تكون القطعة المعاوض بها محفظة وأن تساوي أو تفوق
قيمتها التقديرية قيمة العين الموقوفة ».
خامسا :حالة التحفيظ اإلجباري المنصوص عليها في المادة الخامسة من القانون رقم 25.90
المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات ،حيث جاء في هذه المادة أنه « ال يقبل
طلب التجزئة المنصوص عليه في المادة الرابعة أعاله إذا كانت األرض المراد تجزئتها ليست محفظة وال
بصدد التحفيظ ،وال يكون الطلب مقبوال إذا تعلق األمر بأرض بصدد التحفيظ إال إذا كان األجل المحدد
لتقديم التعرضات على التحفيظ قد انصرم دون تقديم أي تعرض على تحفيظ العقار المراد تجزئته».
إن أهم مبدإ يقوم عليه نظام التحفيظ العقاري ،بفعل ما يمنحه من ضمانة الستقرار المعامالت ،هو
مبدأ األثر التطهيري للتحفيظ ،أو ما يعب ر عنه كذلك بقاعدة التطهير ،هذا المبدأ مفاده أن تأسيس الرسم
العقاري لعقار ما بعد سلوك مسطرة التحفيظ ،يجعل هذا العقار مطه ار من جميع الحقوق التي لم يتم التعريف
بها خالل متابعة إجراءات التحفيظ عن طريق مسطرة التعرض ،ولو تم تأسيس الرسم العقاري عن طريق
التدليس.
واستنادا لهذا المبدأ ،فإن المالك الذي حفظ العقار باسمه يصبح مالكا لهذا العقار بموجب قرار
المحافظ العقاري ،وليس بناء على سندات التملك التي اعتمد عليها خالل مسطرة التحفيظ ،حيث تنقطع
بذلك الصلة بين العقار بعد التحفيظ وبين ماضيه ،وتفقد جميع الحقوق وسندات التملك التي لم يتم اإلدالء
بها قبل التحفيظ حجيتها ،فيصبح الرسم العقاري هو أساس التملك ونقطة االنطالق الجديدة للحقوق المترتبة
على العقار.
وتجدر اإلشارة إلى أن قاعدة التطهير تشمل جميع الحقوق التي لم يتم التعريف بها خالل مسطرة
التحفيظ عن طريق التعرض أيا كان صاحبها وكيفما كان مصدرها ،مع مراعاة االستثناءات الواردة على
8
ذلك والتي سنتحدث فيما سيأتي ،كما ال يقتصر األثر التطهيري للرسم العقاري على حق الملكية العقارية
فقط ،بل يشمل كذلك جميع الحقوق العينية والتكاليف العقارية المترتبة على العقار عند التحفيظ والمثبتة
بالسجالت العقارية.
ولعل األساس الذي ينبني عليه مبدأ األثر التطهيري للرسم العقاري ،هو أن اتخاذ قرار تأسيس الرسم
العقاري من طرف المحافظ ،ال يكون إال بعد سلوك العديد من إجراءات التحفيظ التي تواكبها عملية إشهار
واسعة بوسائل مختلفة ،وبذلك يعتبر سكوت صاحب الحق وعدم تعرضه طيلة سريان هذه اإلجراءات ،بمثابة
إقرار منه على أن طالب التحفيظ هو صاحب الحق في العقار موضوع مطلب التحفيظ .غير أن هذا
االعتبار إذا كان مقبوال في األحوال العادية ،فهو غير مسلم به في الحالة التي يتم فيها تأسيس الرسم
العقاري نتيجة تدليس ،ما دام أن سكوت المدلس عليه هو سكوت -إقرار -على وضعية غير الوضعية
الحقيقية بفعل ما تعرض له من تدليس.
وإذا كان لمبدأ األثر التطهيري للتحفيظ العقاري دور أساسي في استقرار المعامالت ،بفعل ما يوفره
من اطمئنان للعموم حول مطابقة ما ضمن بالرسم العقاري مع الوضعية الحقيقية للعقار ،فإن ما حدث في
السنوات األخيرة من اتخاذ التحفيظ كوسيلة للسطو على ممتلكات الغير عن طريق التدليس أو التزوير،
يجعلنا نطرح التساؤل حول مدى كفاية هذا النظام -أي التحفيظ العقاري -في حماية الملكية العقارية
وعدم اتخاذه كوسيلة لالستيالء على عقارات الغير؟
وتجدر اإلشارة في األخير إلى ضرورة التمييز من حيث سريان مبدأ األثر التطهيري للتحفيظ بين
مرحلتين:
-مرحلة تأسيس الرسم العقاري التي تشملها قاعدة التطهير ،حيث إن كل ما ضمن بالرسم العقاري
عند تأسيسه يحوز حجية مطلقة اتجاه الكافة بمن فيهم الغير حسن النية ،وذلك استنادا لمقتضيات الفصل
األول من ظهير التحفيظ العقاري الذي نص على ما يلي « :يرمي التحفيظ إلى جعل العقار المحفظ خاضعا
للنظام المقرر في هذا القانون من غير أن يكون في اإلمكان إخراجه منه فيما بعد ويقصد منه:
-تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عتها تأسيس رسم عقاري وبطالن ما عداه من
الرسوم ،وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به؛ »...وكذا الفصل 62من ظهير
التحفيظ العقاري والفصل الثاني من مدونة الحقوق العينية الذي ينص على أن « :الرسوم العقارية وما
تتضمنه من تقييدات تابعة إلنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه وتكون حجة في مواجهة الغير على أن
الشخص المعين بها هو فعال صاحب الحقوق المبينة فيها».
9
-مرحلة التقييدات ،أي تلك المرحلة الالحقة التخاذ قرار التحفيظ والتي ترمي إلى تقييد الحقوق
والتصرفات الناشئة بعد تأسيس الرسم العقاري بهذا األخير ،وهذه ال تشملها قاعدة التطهير ،حيث ال يمكن
مواجهة الغير حسن النية باألثر التطهيري لهذه التقييدات ،وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 66من ظهير
التحفيظ العقاري الذي نص على ما يلي « :كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة
للغير إال بتقييده ،وابتداء من يوم التقييد في الرسم العقاري من طرف المحافظ على األمالك العقارية.
ال يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة » ،ولمقتضيات
الفصل الثاني من مدونة الحقوق العينية التي نصت على أن « ....ما يقع على التقييدات من إبطال أو
تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري ال يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية ،كما ال
يمكن أن يلحق به أي ضرر ،إال إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله،
شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره
أو التشطيب عليه».
وإذا كان األصل كما رأينا في نظام التحفيظ العقاري بالمغرب أنه يقوم على مبدأ التطهير ،فإن
هناك بعض األموال التي تقت ضي طبيعتها ضرورة استثنائها من هذا المبدأ ،ومن هذه االستثناءات القليلة
الواردة على قاعدة التطهير والمنصوص عليها بموجب قوانينها الخاصة نجد:
-الملك العام وذلك بموجب ظهير فاتح يوليوز 1914في شأن األمالك العمومية ،الذي منع في
فصله الرابع التصرف في هذه األمالك بأي تصرف ناقل للملكية ،ولم يعترف بأي تقادم مكسب لها .لذلك
فإن حيازة الغير لملك من األمالك العامة والقيام بتحفيظه واستصدار رسم عقاري له ،ال يجعل منه مالكا
وال تنفعه قاعدة التطهير التي يقوم عليها نظام التحفيظ العقاري في ادعاء الملك ،بل إن التحفيظ ال يمنع
الدولة من المطالبة باستحقاق ملكها بالرغم من تحفيظه.
-المال الموقوف " األوقاف " وذلك بموجب المادة 54من مدونة األوقاف كما تم تغييرها وتتميمها
بموجب ظهير 23جمادى اآلخرة 1440الموافق لفاتح مارس ،2019المنشور بالجريدة الرسمية عدد
6759بتاريخ 11مارس ،2019والتي نصت على ما يلي « :ال تمنع الرسوم العقارية المؤسسة لفائدة
الغير المحكمة من النظر في كل دعوى ترمي إلى إثبات صفة الوقف لعقار محفظ ،شريطة أن ترفع الدعوى
في مواجهة جميع ذوي الحقوق المقيدين.
10
وإذا ثبت أن العقار المذكور موقوف ،بناء على الحكم القضائي الصادر بذلك والحائز لقوة الشيء
المقضي به ،فإن المحافظ يشطب على كل تسجيل سابق ،ويقيد العقار بالرسم العقاري المتعلق به في اسم
الوقف المعني ».
فاستنادا لهذه المادة يجوز إلدارة األوقاف أو لناظر الوقف المعقب أو أحد المستفيدين من الوقف
المعقب ،أن يرفع دعوى للمطالبة بإثبات صفة الوقف – العام أو المعقب – للعقار المحفظ في اسم الغير،
فإذا كان األصل أن المحكمة يمتنع عليها النظر في دعوى المطالبة باستحقاق عقار محفظ ،فإن هذا المنع
يرتفع متى تعلق األمر بالمطالبة بإثبات صفة الوقف للعقار الذي جرى تحفيظه من طرف الغير ،وال يستفيد
هذا األخير بالتالي من قاعدة التطهير التي يقوم عليها التحفيظ العقاري.
وقد اشترط المشرع أن ترفع هذه الدعوى في مواجهة جميع ذوي الحقوق المقيدين بالرسم العقاري،
قصد تمكينهم من الدفاع عن حقوقهم ،كما اشترط إلمكانية اتخاذ المحافظ العق ـ ـاري ق ـ ـرار التشطيب عل ـى
ما ضمن بالرسم العقاري ،وتقييد العقار في اسم الوقف المعني ،ضرورة صدور حكم حائز لقوة الشيء
المقضي به يقضي بثبوت صفة الوقف للعقار المحفظ .والمالحظ هنا أن المشرع لم ينص على إلغاء الرسم
العقاري ،وإلزام األوقاف بإعادة سلوك إجراءات التحفيظ من بدايتها ،وإنما اعتبر ما هو مضمن بالرسم
العقاري ولو استنادا للتحفيظ بمثابة تقييدات أعطى للمحافظ العقاري صالحية التشطيب عليها وتقييد العقار
باسم الوقف المعني.
يقوم نظام التحفيظ العقاري على مبدإ أساسي أال وهو مبدأ اإلشهار ،وهذا المبدأ ال يرتبط فقط
بمرحلة التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري بل يمتد ليشمل مرحلة التقييدات ،وهي المرحلة الالحقة لعملية
التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري.
ويجد هذا المبدأ أهميته في اعتباره األساس الذي تنبني عليه قاعدة التطهير واألثر المنشئ للرسم
العقاري وفق ما أشرنا إليه سابقا ،حيث إن أساس مواجهة الكافة بهذه القاعدة وما يترتب عليها من آثار،
هو أن جميع إجراءات التحفيظ السابقة لتأسيس الرسم العقاري ،تتسم بالعالنية واإلشهار أمام الجميع ليتسنى
لمن له حق من الحقوق المترتبة على العقار أو على الحق موضوع التحفيظ ،التعريف بحقه والدفاع عنه
قبل صدور قرار التحفيظ ،ولذلك سمي نظام التحفيظ بنظام الشهر العقاري.
11
أوجب الفصل السابع عشر من ظهير التحفيظ العقاري على المحافظ العقاري نشر ملخص مطلب
التحفيظ بالجريدة الرسمية وتبليغ مضمونه إلى علم العموم بجميع الوسائل المتاحة ،وذلك داخل أجل عشرة
أيام من إيداع مطلب التحفيظ لدى الوكالة الوطنية للمحافظة على األمالك العقارية.
كما أوجب الفصل الثامن عشر على المحافظ أن يوجه نسخا من الوثائق المشار إليها في الفصل
17مقابل إشعار بالتوصل إلى كل من :رئيس المحكمة االبتدائية ،ممثل السلطة المحلية ،ورئيس المجلس
الجماعي الذين يقع العقار موضوع مطلب التحفيظ في دائرة نفوذهم ،قبل التاريخ المعين التخاذ إجراءات
تحديد العقار بعشرين يوما ،وذلك من أجل أن يعمل هؤالء على تعليق هذه الوثائق بمقرات إدارتهم إلى حين
التاريخ المعين للتحديد ،قصد إحاطة العموم ببدء عملية وإجراءات التحفيظ للعقار المعني ،وتمكين من له
حق من الحقوق المترتبة على هذا العقار موضوع مطلب التحفيظ من التعريف بحقه عن طريق مسطرة
التعرض.
والمالحظ أن المشرع أراد أن يحقق أكبر قدر من اإلشهار والعالنية لبدء مسطرة التحفيظ ،خصوصا
عندما نص على تبليغ ملخص مطلب التحفيظ لفائدة العموم بجميع الوسائل المتاحة (الفصل ،)17وعندما
ألزم ممثل السلطة المحلية بإشهار ملخص المطلب والتاريخ المعين التخاذ إجراءات التحديد في األسواق
العمومية الواقعة في دائرة نفوذه.
باإلضافة إلى ضرورة نشر ملخص مطلب التحفيظ خالل العشرة أيام الموالية إليداع المطلب،
أوجب المشرع بموجب الفصل 17المذكور على المحافظ العقاري ،أن يحرر إعالنا عن تاريخ ووقت التحديد
داخل أجل شهرين من نشر ملخص مطلب التحفيظ ،وأن يستدعي شخصيا لعملية التحديد هذه بكل وسائل
التبيلغ الممكنة (عون من المحافظة العقارية ،البريد المضمون ،السلطة المحلية ،أي وسيلة أخرى للتبليغ)
كل من :طالب التحفيظ ،المجاورين المبينين في مطلب التحفيظ ،المتدخلين وأصحاب الحقوق العينية
والتحمالت العقارية المصرح بهم بصفة قانونية ،وذلك قصد الحضور الشخصي لعمليات التحديد التي تتم
من طرف المهندس الطبوغرافي ،أو بواسطة نائب بموجب وكالة صحيحة في حالة تعذر الحضور الشخصي،
وذلك استنادا لمقتضيات الفصل 19من ظهير التحفيظ العقاري.
وإذا كانت الغاية من إشهار وإعالن تاريخ ووقت التحديد هي إخبار العموم بعملية التحفيظ ،فإن
إلزام المحافظ بتوجيه استدعاء شخصي لألشخاص المحددين في الفصل التاسع عشر المذكور ،قصد
الحضور شخصيا أو بواسطة نائب بموجب وكالة صحيحة ،غايته ضمان إخبار هؤالء األشخاص وإعالمهم
12
بعملية التحديد قصد تمكينهم من اإلدالء بمالحظاتهم والتعريف بحقوقهم وتقديم تعرضاتهم أثناء عملية
التحديد ،نظ ار لآلثار المهمة والخطيرة المترتبة عن هذه العملية التي يتم من خاللها ضبط الوضعية المادية
للعقار وحدوده ومشتمالته والحقوق الواردة عليه ،حيث يتم تضمينها بعين المكان في محضر من طرف
المهندس الطبوغرافي الذي تولى عملية التحديد.
أوجب الفصل 31من ظهير التحفيظ العقاري على المحافظ العقاري أن يبلغ فو ار طالبا التحفيظ
بالتعرضات الواقعة على مطلبه ،وذلك من أجل تمكينه من معرفة خصومه في التحفيظ ،ويقرر ما يراه في
مصلحته ،سواء من خالل اإلدالء بما يدحض ادعاءاتهم أو من خالل التصريح بقبول هذه التعرضات داخل
أجل شهر من انتهاء أجل التعرض.
حيث إن كون العقار في طور التحفيظ ال يمنع صاحبه من التصرف فيه ،غير أن هذا التصرف
يجب أن يخضع لمبدإ اإلشهار قصد ترتيب آثاره من خالل سلوك إحدى المسطرتين المنصوص عليهما في
الفصالن 83و 84من ظهير التحفيظ العقاري ،كما سيأتي بيانه.
استنادا لمقتضيات الفصالن 65و 66من ظهير التحفيظ العقاري ،يجب على من اكتسب حقا
على عقار محفظ ،القيام بإشهار هذا الحق بواسطة تقييده في الرسم العقاري تقييدا نهائيا إن كان الحق
مقر ار بصفة نهائية ،أو تقييد احتياطي إذا كان الحق منازعا فيه أو معلقا ،وذلك من أجل الحفاظ عليه
واكتساب رتبته عند تقييده تقييدا نهائيا ،ما دامت العلة من التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري هي تمكين
الجميع من الوقوف على الوضعية الحقيقية للعقار.
إذا ثبت هذا انتقلنا للحديث عن كيفية وإجراءات إخضاع العقار لنظام التحفيظ العقاري.
استنادا لمقتضيات الفصل األول من ظهير التحفيظ العقاري ،فإن كل تحفيظ يقتضي من المحافظ
على األمالك العقارية إقامة رسم عقاري يتضمن كل ما يفيد الوضعية المادية والقانونية للعقار ،حيث
يتضمن:
13
-وصفا مفصال للعقار :اسمه ،نوعه ،موقعه ،مساحته ،مشتمالته وحدوده ،مع بيان أسماء مالك
العقارات المالصقة أو المجاورة له؛
-التعريف بالمالك ببيان اسمه الشخصي والعائلي ومراجع وثيقة التعريف بهويته وجنسيته وتاريخ
ازدياده ومقر سكناه ،وعند االقتضاء اسم الزوج والنظام المالي للزواج ومحل المخابرة معه .وفي حالة الشياع
يتضمن نفس البيانات السابقة بالنسبة لكل شريك من بيان حصته على الشياع ،وحالتهم المدنية ومقر
سكناهم؛
-بيان الحقوق العينية والتحمالت العقارية المترتبة على العقار مع التعريف بهوية أصحابها وحالتهم
المدنية ونطاق حقوقهم.
ويعطى للرسم العقاري بعد تأسيسه رقما ترتيبيا واسما خاصا به ،كما يضاف إليه تصميم العقار.
وفي سبيل تحقيق ما سبق ،يجب اتباع إجراءات التحفيظ التي نص عليها ظهير 12غشت 1913
كما تم تعديله وتتميمه بموجب القانون ،14.07وهي إجراءات ذات طبيعة إدارية ( المطلب األول ) غير
أن هذه المسطرة االدارية للتحفيظ قد تتخللها مرحلة قضائية وذلك في حالة وجود تعرض على مسطرة
التحفيظ هاته ( المطلب الثاني ).
تنطلق إجراءات تأسيس الرسم العقاري بإيداع مطلب للتحفيظ ( الفقرة األولى ) وتمر بإجراءات
اإلشهار والتحديد ( الفقرة الثانية ) ثم فتح آجال التعرض (الفقرة الثالثة) لتنتهي باتخاذ قرار التحفيظ في حالة
سالمة اإلجراءات وبالتالي تأسيس الرسم العقاري.
وتجدر اإلشارة إلى أن هذه اإلجراءات التي سنتحدث عنها تتعلق بالمسطرة العادية للتحفيظ ،وبالتالي
لن نتطرق للمساطر الخاصة للتحفيظ وال لمسطرة التحفيظ اإلجباري المنصوص عليها في الفرع السادس
من ظهير التحفيظ العقاري.
إن مطلب التحفيظ هو اإلجراء الذي يطلب بواسطته طالب التحفيظ -في شكل طلب أو تصريح-
من المحافظ على األمالك العقارية تحفيظ عقاره أرضا كان أو بناء ،مقابل وصل بذلك بعد أداء رسوم
التحفيظ (ف 13ظ.ت.ع) .فما هي البيانات الواجب توافره عليه؟ ومن هم األشخاص الذين يحق لهم
14
تقديمه؟ وما حدود سلطة المحافظ العقاري إزاء ما يقدم إليه من وثائق مؤيدة لمطلب التحفيظ؟ وما هي
اآلثار المترتبة عن تقديم مطلب التحفيظ؟
طبقا لمقتضيات الفصل 13من ظهير 1913/08/12يجب أن يتضمن مطلب التحفيظ عدة
بيانات ومعلومات تفيد في تحديد الوضعية القانونية والمادية للعقار ،وهي كالتالي:
-التعريف بالهوية الكاملة لطالب التحفيظ وحالته المدنية وجنسيته وعند االقتضاء اسم الزوج
والنظام المالي للزوجين في حالة اتفاقهما على كيفية تدبير األموال المكتسبة بعد الزواج وفق مقتضيات
المادة 49من مدونة االسرة ،سواء كان طالب التحفيظ شخصا ذاتيا أو اعتباريا ،مع ضرورة بيان تسميته
وشكله القانوني ومقره االجتماعي واسم ممثله القانوني في حالة ما إذا كان شخصا اعتباريا.
-وصف العقار ومشتمالته والحقوق العينية الواردة عليه واألمالك المتصلة به وأسماء وعناوين
أصحابها.
وإذا كان طالب التحفيظ ال يستطيع التوقيع أو يجهله ،فإن المحافظ على األمالك العقارية يشير
إلى ذلك ،ويشهد بأن مطلب التحفيظ قدم إليه من طرف المعني باألمر بعد أن يتحقق من هويته.
كما يجب على طالب التحفيظ طبقا لمقتضيات الفصل 14من ظهير التحفيظ العقاري ،أن يرفق
مطلبه بجميع الرسوم والعقود والوثائق التي من شأنها أن تعرف بحق الملكية وبالحقوق العينية المترتبة على
الملك ،كما يتعين عليه أن يصرح بأصحاب العقارات المجاورة لعقاره ،وكذا أصحاب الحقوق العينية
والتحمالت العقارية المترتبة على العقار المطلوب تحفيظه.
وباإلضافة إلى هذه الوثائق المنصوص عليها في الفصل 14المذكور ،فإن هناك بعض الشواهد
أو الرخص اإلدارية المنصوص عليها في بعض التشريعات الخاصة ،والتي تطلب بحسب ما إذا كان العقار
حضريا أو قرويا أو فالحيا ،كرخصة التقسيم أو شهادة تثبت عدم الخضوع للقانون رقم 90.25المتعلق
15
بالتجزئات العقارية والمجمعات السكنية وتقسيم العقارات ،أو شهادة عدم الصبغة الفالحية فيما يتعلق
باألراضي الواقعة خارج المدار الحضري ،والمتعلقة باألمالك الفالحية.
)1المالك أو من ينوب عنه بموجب وكالة صحيحة ،سواء كان مالك العقار شخصا طبيعيا أو
معنويا؛
)2الشريك على الشيا ع مع االحتفاظ لشركائه بحق الشفعة متى توافرت فيهم الشروط الالزمة
لألخذ بها.
)3أصحاب أحد الحقوق العينية األصلية التالية :حق االنتفاع ،حق السطحية ،حق الكراء الطويل
األمد ،حق الزينة ،حق الهواء والتعلية ثم حق الحبس.
)4أصحاب حقوق االرتفاق ،وذلك بعد موافقة صاحب الملك ،فالمتمتع بحق االرتفاق ال يستطيع
طلب تحفيظ العقار المترتب عليه حقه إال بعد الحصول على موافقة مالك هذا العقار.
وبالنسبة للمحجور والقاصر فقد أجاز المشرع في الفصل 12للنائب الشرعي أن يقدم مطلبا للتحفيظ
في اسم المحجور أو القاصر ،عندما تكون لهذا األخير حقوق تسمح له بتقديم الطلب لو لم يكن محجو ار
أو قاصرا.
16
ثالثا :سلطة المحافظ العقاري بالنسبة لمؤيدات مطلب التحفيظ
لقد ثار نقاش فقهي حول مدى دور وسلطة المحافظ العقاري في التحقق من صحة الوثائق
والمستندات المدلى بها تأييدا لمطلب التحفيظ ،بين قائل بضرورة قيام المحافظ العقاري بالتثبت من صحة
ما أدلي به إليه من وثائق تحت طائلة تحمله مسؤولية تعويض الطرف المتضرر من عملية التحفيظ (أوال)
وبين قائل بعدم اختصاصه للقيام بهذه الرقابة (ثانيا)
أوال :االتجاه المعارض لصالحية المحافظ العقاري في الرقابة على صحة مؤيدات مطلب التحفيظ
يؤسس أنصار هذا االتجاه موقفهم على ما يلي:
أ -عدم توفر المحافظ العقاري على األساس القانوني والوسائل العملية للقيام بهذه المهمة ،إذ ليس
هناك أي نص قانوني يلزم أو يسمح للمحافظ العقاري بمراقبة صحة الوثائق والمستندات المقدمة إليه تأييدا
لمطلب التحفيظ ،حيث يكتفي بقبولها ونشر ملخصها وإشهارها ،فالفصل 14من ظهير التحفيظ العقاري
ال يشير إلى ما يخول للمحافظ العقاري هذه اإلمكانية ،ال سيما وأن المحافظ العقاري ليست له الصفة
القضائية التي تمكنه من البحث والتحقق من صحة مؤيدات مطلب التحفيظ.
هذا فضال عن عدم وجود نص قانوني يحمل المحافظ العقاري مسؤولية عدم التحقق من صحة
هذه الوثائق والمؤيدات ،بخالف ما هو عليه األمر بالنسبة لمرحلة التقييدات الالحقة لتأسيس الرسم العقاري،
حيث نص الفصل 72من ظ ت ع صراحة على تحمل المحافظ العقاري المسؤولية الشخصية عن عدم
تحققه من صحة الوثائق المدعمة لطلب التقييد سواء من حيث الشكل أو الجوهر ،كما أن تكليفه بهذه
المهمة يفوق طاقته والوسائل المتوفرة لديه ال من الناحية القانون ية فقط بل من الناحية المادية كذلك.
ب -منح المحافظ العقاري هذه الصالحية من شأنه الزيادة في تعقيد مسطرة التحفيظ وعرقلة سياسة
تعميم التحفيظ على جميع العقارات بالمغرب ،وذلك من خالل زيادة حاالت رفض مطالب التحفيظ .لذلك
فالمشرع رغبة منه في تشجيع المالك على تحفيظ عقاراتهم في أفق تعميم التحفيظ ،لم يمنح هذا االختصاص
للمحافظ بموجب الصياغة الجديدة للفصل 14من ظ ت ع.
ت -قبول مطلب التحفيظ ال ينشئ حقا عينيا ،فمجرد تقديم مطلب التحفيظ لدى المحافظة العقارية
ال يعني خلق وضعية قانونية يصعب التراجع عنها أو تحصين الحق بشكل نهائي ،كما أن قبول هذا
المطلب ال يعني االعتراف بالحقوق المضمنة به وال يعتبر دليال على الملكية وإنما هو مجرد قرينة عليها،
وذلك بخالف التقييدات الالحقة لتأسيس الرسم العقاري التي يتوقف عليها إنشاء الحقوق العينية الواردة على
العقار المحفظ باعتبارها الوسيلة الوحيدة لذلك ،وهي العلة من وراء إلزام المحافظ العقاري بضرورة التحقق
17
من صحة الوثائق المقدمة إليه بمناسبة هذه التقييدات ،سواء من حيث الشكل أو الجوهر وذلك بموجب
الفصل 72من ظ ت ع.
ث -إجراءات التحفيظ كفيلة بكشف عيوب السندات المدعمة لمطلب التحفيظ ،حيث إن عملية
اإلشهار التي تواكب مسطرة التحفيظ وعملية التحديد ،كفيلتان بكشف العيوب التي قد تطال المستندات
والحجج والوثائق المدلى بها تأييدا لمطلب التحفيظ ومدى مطابقتها للواقع ،فإذا ما تم إشهار مطلب التحفيظ
وانتهت اإلجراءات دون أن يتقدم أي متعرض على هذا المطلب ،وكشفت عملية التحديد أن هناك تطابقا
بين ما أسفرت عنه ،وبين ما ضمن بالوثائق المدلى بها تأييدا لمطلب التحفيظ ،فإن المحافظ العقاري يمكنه
أن يصدر ق ارره بتحفيظ العقار.
أما إذا ظهر متعرض أو كشفت عملية التحديد عن اختالف بين ما أدلي به من وثائق وبين ما
هو موجود على أرض الواقع ،فإن المحافظ العقاري ال يمكنه اتخاذ قرار التحفيظ .فلو مثال تم تقديم مطلب
تحفيظ عقار لحوالي خمس هكتارات ،فكشف التحديد عن وجود 10هكتارات ،فهنا المساحة الزائدة تحتاج
إلى إثبات تحت طائلة رفض المطلب نظ ار لعدم كفاية الحجج .لذلك فالذي يقرر صحة وسالمة مؤيدات
مطلب التحفيظ ليس هو المحافظ العقاري ،بل مسطرة التحفيظ هي الكفيلة بذلك وخصوصا عملية التحديد
التي تستطيع كشف ما ال يستطيع المحافظ العقاري كشفه من مجرد تفحص الوثائق المدلى بها إليه تأييدا
لمطلب التحفيظ .وهذا ما يجعل المحافظ العقاري حريصا على مراقبة مدى إتمام إجراءات التحفيظ بشكل
صحيح ،أكثر من اهتمامه بمراقبة مدى صحة السندات والوثائق المؤيدة لمطلب التحفيظ.
ثانيا :االتجاه المؤيد لصالحية المحافظ العقاري في مراقبة السندات والوثائق المؤيدة لمطلب
التحفيظ
يعتبر أصحاب هذا االتجاه أن المحافظ العقاري ملزم ببسط رقابته على الوثائق والمستندات المؤيدة
لمطلب التحفيظ ،قصد التحقق من صحتها شكال ومضمونا ،مستندين في ذلك لما يلي:
أ -عدم اختصاص القضاء بفحص مؤيدات مطلب التحفيظ يوجب على المحافظ العقاري التحقق من
مدى صحتها ،وذلك طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 37من ظ ت ع التي تنص على أن المحكمة
« تبت في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين وطبيعته ومشتمالته ونطاقه ،وتحيل األطراف للعمل
بقرارها ،بعد اكتساب الحكم قوة الشيء المقضي به ،على المحافظ على األمالك العقارية الذي له وحده
النظر في قبول أو رفض مطلب التحفيظ كال أو بعضا مع االحتفاظ بحق الطعن ،»...حيث استنادا لهذه
المقتضيات صدرت العديد من األحكام والق اررات القضائية التي تنص على عدم اختصاص المحكمة لفحص
ومراقبة حجج طالب التحفيظ ،ألن ذلك يدخل ضمن اختصاصات المحافظ العقاري ،الذي له وحده دون
18
غيره سلطة النظر في قبول مطلب التحفيظ أو رفضه كال أو بعضا ،من ذلك قرار محكمة النقض عدد 56
الصادر بتاريخ 06يناير 1998الذي جاء فيه أنه « ليس للمحكمة أن تفحص حجج طالب التحفيظ أو
تقرر بشأنها.»...
ب -المحافظ على األمالك العقارية قاض إداري له سلطات واسعة في مراقبة المستندات المؤيدة
لمطلب التحفيظ ،إذ بخالف االتجاه األول الذي يعتبر أن المحافظ العقاري مجرد موظف إداري ،يرى أنصار
هذا االتجاه وعلى رأسهم األستاذ محمد بن الحاج السلمي ،أن المحافظ العقاري يعتبر قاضيا من الوجهة
اإلدارية ،ويجب تخويله سلطة واسعة لمراقبة حجج ومستندات طالب التحفيظ شكال وجوه ار وتقييمها مسبقا،
قبل قبول مطلب التحفيظ أو اتخاذ أي إجراء من إجراءات المسطرة ،ذلك أن ظهير التحفيظ العقاري منح
للمحافظ على األمالك العقارية مرك از قويا وسلطات واسعة قصد ضمان وحماية حق الملكية ،وهو ما يبرر
منحه سلطة مراقبة مشروعية وشرعية التصرفات المتعلقة بالعقارات المحفظة ،أو التي في طور التحفيظ
من خالل المستندات والوثائق المدلى بها تدعيما لذلك.
ت -نصوص القانون ومتطلبات الواقع تقتضي من المحافظ على األمالك العقارية التحقق من
صحة المستندات المؤيدة لمطلب التحفيظ ،فمن الناحية القانونية توجد بعض المقتضيات التي تفرض على
المحافظ أن يدقق ويتحقق من صحة جميع الوثائق والمستندات المدلى بها إليه شكال ومضمونا ،من ذلك:
-الفصل 15من ظ ت ع الذي أجاز للمحافظ العقاري أن يطلب على نفقة طالب التحفيظ ترجمة
الوثائق المدلى بها بواسطة ترجما ن محلف ،فلو لم يكن المحافظ على األمالك العقارية ملزم بالتدقيق في
هذه الوثائق للتأكد من صحتها شكال ومضمونا ،لما أجاز له المشرع أن يطلب ترجمتها إلى اللغة العربية
بواسطة ترجمان محلف.
-الفصل الرابع من القرار الوزيري الصادر بتاريخ 4يونيو 1915المنظم لمصالح المحافظة
العقارية ،والذي يجعل من بين اختصاصات المحافظ على األمالك العقارية « ...البت في طلبات التحفيظ
والقيام باإلجراءات المسطرية على العقارات الخاضعة لهذا النظام وتقييدها بالسجالت العقارية ».....وعبارة
البت في طلبات التحفيظ الواردة في هذا الفصل ،تفيد مراقبة كل طلبات التحفيظ بجميع أوجه المراقبة ومن
ذلك صحة السندات والوثائق المؤيدة للمطلب.
-الفصل 20من ظ ت ع الذي ينص على أن المحافظ على األمالك العقارية أو من ينتدبه لهذه
الغاية يباشر عملية التحقيق في « .....واقعة الحيازة ومدتها .ويعاين حالة العقار ،كما يباشر غير ذلك من
المعاينات وأعمال البحث المفيدة ، »...فإذا كان المشرع قد كلف المحافظ أو من ينتدبه بالتحقق في واقعة
19
الحيازة وهي عملية دقيقة ،يكون من األولى أن يحقق في مدى صحة وسالمة الوثائق والمستندات المدلى
بها تأييدا لمطلب التحفيظ.
أمـا مـن نـاحية الـ ـواقـع العملي ،فـإن المسؤوليـة التـي يتحمله ـا المحـافـظ على األم ـالك العق ـاري ـة إذا
ما حفظ عقا ار بناء على وثائق غير صحيحة ،تفرض عليه أن يتحرى دائما بأن ال يحفظ إال ما يوافق
الحقيقة والواقع ،حيث عليه أن يراقب ويتفحص مختلف البيانات بكل دقة وعناية.
ولعل أن التحقق من السندات والوثائق تعتبر من أهم ضمانات حماية حق الملكية وتحصينه مما
قد يطاله من األشخاص الذين أصبحوا يحترفون االستيالء على عقارات الغير ،من خالل استغالل نظام
التحفيظ العقاري وانتشار األمية ،باال عتماد على وثائق مزورة أو ناقصة عن درجة االعتبار ،خصوصا في
ظل ضعف وسائل اإلشهار ومحدوديتها ،ولربما هذا ما دفع المحافظ العام إلى إصدار مجموعة من المذكرات
التي يحث من خاللها كافة المحافظين على األمالك العقارية ،على ضرورة إجراء رقابة دقيقة على كل
الوثائق المقدمة تأييدا لمطلب التحفيظ ،بل إن محكمة النقض اعتبرت في قرار حديث لها بتاريخ 30يناير
2018أن « ...مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية تقتضي ارتكابه خطأ أثناء جريان مسطرة التحفيظ،
والخطأ في التحفيظ يترتب عند اتخاذ قرار التحفيظ دون فحص المستندات وعدم تقديرها»...
أ -وجوب تطبيق بعض مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري ،فبالرغم من استمرار خضوع العقار في
طور التحفيظ لألحكام التي تخضع لها العقارات غير المحفظة ،ما دام أنه لم يصدر في شأنه قرار
بالتحفيظ ،فإن هناك بعض مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري التي يجب االعتداد بها ،ومن ذلك ما نص
عليه الفصل 37من ظهير التحفيظ العقاري ،الذي جعل عبئ اإلثبات يقع على عاتق المتعرض الذي
يعتبر بمثابة مدع ملزم بإثبات صحة ادعائه وإن كان هو الحائز للعقار ،مع أن األصل بالنسبة للعقارات
20
غير المحفظة ،أن تقوم قرينة الملكية لصالح حائز العقار وأن الخصم هو الملزم بهدم هذه القرينة وتقديم
البينة المثبتة لعكسها ،فالحائز يكفيه قوله "حوزي وملكي".
ب -إمكانية التصرف في العقار موضوع مطلب التحفيظ ،حيث إن خضوع العقار لمسطرة التحفيظ
ال يجعله جامدا خارجا عن دائرة التعامل ،بل يجوز لطالب التحفيظ أن يتصرف في عقاره كال أو بعضا
بأحد التصرفات الناقلة للملك سواء تصرفا بعوض أو بغير عوض .لكن يجب في هذه الحالة على المتصرف
إليه – المفوت له العقار مثال -اتباع أحد الطريقين المنصوص عليهما في الفصلين ( 83مسطرة الخالصة
اإلصالحية) و( 84مسطرة اإليداع) من ظهير التحفيظ العقاري ،كي يضمن حقوقه يوم صدور قرار التحفيظ
وال يواجه باألثر التطهير للرسم العقاري ،وحتى يتسنى له التمسك بهذه الحقوق في مواجهة طالب التحفيظ
وكذا االغيار.
فجميع الحقوق المكتسبة على العقار في طور التحفيظ ،تكتسب حجية مطلقة عند إنشاء الرسم
العقاري ،ومن ثم وجب إخضاعها لإلشهار قصد إعالم الغير بوجودها لئال يفاجئ بها عند تأسيس الرسم
العقاري الذي يكتسي صبغة نهائية .لذلك ألزم المشرع المستفيد من حق من الحقوق المنشأة أو المعدلة
خالل مسطرة التحفيظ ،أن يقوم بإشهاره لكي يتسنى له ترتيبه في التقييد والتمسك به في مواجهة الغير.
وهكذا ،يمكن للمستفيد من كل حق عيني على عقار في طور التحفيظ من أجل ترتيبه والتمسك به
في مواجهة الغير ،أن يعمل على إشهاره إما عن طريق مسطرة الفصل 83من ظ ت ع أو ما يصطلح
عليه فقها وقضاء بمسطرة الخالصة اإلصالحية ( )1وإما عن طريق مسطرة الفصل 84التي تعرف بمسطرة
اإليداع (.)2
ينص الفصل 83من ظهير التحفيظ العقاري على أنه « بغض النظر عن المسطرة المقررة في
الفصل 84من هذا القانون ،يمكن لصاحب حق وقع إنشاؤه أو تغييره أو اإلقرار به أثناء مسطرة التحفيظ
أن يطلب نشره بالجريدة الرسمية بعد إيداع الوثائق المثبتة للحق بالمحافظة العقارية ».
وهكذا أجاز الفصل 83لصاحب حق وقع إنشاؤه أو تغييره أو اإلقرار به أثناء مسطرة التحفيظ أن
يطلب نشره وإشهاره بالجريدة الرسمية ،وذلك بعد إيداع الوثائق المثبتة لهذا الحق ،حيث يطلب بموجب هذا
اإلجراء من المحافظ العقاري إحالله محل طالب التحفيظ في حدود الحقوق المعترف له بها ،وذلك عن
طريق نشر خالصة إصالحية لمطل ب التحفيظ بالجريدة الرسمية ،يبين فيها الحق المنشأ أو المعدل أو
المغير أو المقر به أ ثناء جريان مسطرة التحفيظ ،فيكتسب بذلك صفة طالب التحفيظ في حدود الحق
21
المعترف له به ،ويصبح معنيا بمسطرة التحفيظ ،حيث يتم تبليغه بكل إجراء تقوم به المحافظة العقارية وبأي
تعرض قدم ضده.
و تجدر اإلشارة أنه إذا تم سلوك هذه المسطرة بعد اإلعالن عن انتهاء أجل التحديد بالجريدة الرسمية،
فإنه يتم إجراء تحديد تكميلي وفتح أجل جديد للتعرض داخل أجل شهرين من نشر الخالصة اإلصالحية
بالجريدة الرسمية ،وهذا التعرض يباشر فقط بالنسبة للحق الذي تمت مباشرة مسطرة الخالصة اإلصالحية
في شأنه ،أي أنه ال يمكن استغالل هذا األجل الجديد للتعرض ،قصد التعرض على حقوق فات أجل
التعرض األصلي عليها ،وذلك بخالف ما إذا تم سلوك هذه المسطرة قبل القيام بإجراءات التحديد واإلعالن
عن انتهاء عملياتها ،حيث يفتح أجل التعرض بالنسبة لجميع الحقوق المطلوب تحفيظها سواء تلك الواردة
بمطلب التحفيظ أو تلك المنشورة بالخالصة اإلصالحية.
كما تجدر اإلشارة في األخير إلى أن سلوك مسطرة الخالصة اإلصالحية رهين بعدم إحالة ملف
التحفيظ على القضاء ،وإال فقدت هذه المسطرة فائدتها بالنسبة لصاحب الحق المطلوب إشهاره.
و بخالف ما كان عليه األمر قبل تعديل الفصل 83بموجب القانون ،14.07فإن الصياغة
الجديدة لهذا الفصل ال تشترط انتقال الملك بين األحياء ،بل إنها تسمح بسلوك هذه المسطرة إلشهار الحقوق
المكتسبة بسبب الوفاة ،إذ يحق للورثة طلب نشر خالصة إصالحية تفيد استمرار مسطرة التحفيظ باسمهم
لكي تثبت لهم الصفة الالزمة للدفاع عن حقوقهم وإنشاء الرسم العقاري باسمهم.
وإذا كان األصل هو اختيارية اللجوء لمسطرة الخالصة اإلصالحية ،فإن هناك حاالت استثنائية
يلزم المستفيد فيها من سلوك مسطرة الخالصة اإلصالحية ،ومن بينها:
-حالة الحكم بصحة التعرض ،حيث نصت الفقرة األخيرة من الفصل 37من ظ ت ع على
ضرورة اإلعالن عن الحقوق المحكوم بها بواسطة الخالصة اإلصالحية.
-الحقوق المكتسبة على العقار في طور التحفيظ والخاضع لمسطرة التحفيظ اإلجباري ،حيث ينص
الفصل 51مكرر 17من ظ ت ع على أنه « يجب ن شر كل حق تم اكتسابه خالل مسطرة التحفيظ طبقا
لمقتضيات الفصل 84من هذا القانون ».
فهل مسطرة الخالصة اإلصالحية ناجعة فعال في حماية الحقوق الواردة على العقار في طور
التحفيظ؟
ال شك أن اإلعالن عن التصرفات الجارية على العقار في طور التحفيظ طبقا لمسطرة الخالصة
اإلصالحية وفق مقتضيات الفصل 83من ظ ت ع ،يعتبر أكثر ضمانا لحماية حقوق األغيار من مسطرة
22
اإليداع ،حيث يتحقق من خاللها إشهار هذه التصرفات على نطاق واسع يمكن األغيار من أخذ علم بها،
حيث يتم إشهار ونشر خالصة إصالحية لمطلب التحفيظ وفق نفس الطريقة التي يتم بها إشهار ملخص
مطلب التحفيظ (الجريدة الرسمية ،التعليق بلوحات تعليق اإلعالنات في مراكز الدائرة اإلدارية والقضائية)،
لكي يتمكن كل من مست هذه التصرفات بحقوقه ،أن يتعرض عليها داخل أجل شهرين من اإلعالن عن
انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية ،في حالة إجراء هذه التصرفات قبل اإلعالن عن انتهاء التحديد ،أو
داخل أجل شهرين من اإلعالن عن انتهاء التحديد التكميلي بالجريدة الرسمية ،في الحالة التي يتم فيها إجراء
هذه التصرفات بعد اإلعالن عن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية.
كما أن هذه المسطرة هي أكثر ضمانة للمستفيد منها ،ما دام أنه يكتسب صفة طالب التحفيظ فيما
يرجع للحقوق المعلن عنها بواسطتها وتتابع مسطرة التحفيظ في اسمه بخصوصها ،كما يكتسب صفة
المدعى عليه التي تمكنه من الدفاع عن حقوقه أوالتصالح في شأنها ،هذا فضال على أن مسطرة الخالصة
اإلصالحية تمكن من تجزيئ المسطرة واتخاذ قرار التحفيظ في األجزاء التي لم يتم التعرض عليها ،وبالتالي
الحصول على رسم عقاري ذو حجية مطلقة تجاه الكافة.
غير أنه بالرغم من هذه اإليجابيات ،فإن الممارسة العملية أبانت عن بعض السلبيات التي تحد من
فعالية مسطرة الخالصة اإلصالحية ،والتي من بينها ما يلي:
-نشر الخالصة اإلصالحية لمطلب التحفيظ من شأنه أن يطيل مسطرة التحفيظ ،ذلك أنه كلما
أنشئ أو عدل حق خالل مسطرة التحفيظ إال وكنا ملزمين بفتح آجال جديدة للتعرض ،علما أن المشرع لم
يحدد أجال معينا لنشر الخالصة اإلصالحية في الجريدة الرسمية ،بخالف ما عليه األمر بالنسبة لنشر
ملخص مطلب التحفيظ (الفصل 17من ظ ت ع) ،مما قد يزيد في تمديد عمر مسطرة التحفيظ؛
-قد يحرم المستفيد من التصرف المعلن عنه وفق مسطرة الخالصة اإلصالحية ،من خدمات طالب
التحفيظ األصلي بسبب اكتسابه لصفة طالب التحفيظ ،وذلك في حالة ظهور تعرضات على هذا التصرف،
خصوصا عندما تكون بحوزة طالب التحفيظ حجج قوية في مواجهة المتعرضين.
)2مسطرة اإليداع
لقد أجاز الفصل 84من ظهير التحفيظ العقاري لمن اكتسب حقا خاضعا لإلشهار على عقار في
طور التحفيظ ،أن يودع لدى المحافظة العقارية الوثائق المثبتة لحقه من أجل الحفاظ على ترتيبه ،حيث
يقيد هذا االيداع بسجل التعرضات ويحتفظ الحق برتبته عند تأسيس الرسم العقاري ،حيث تقيد هذه الحقوق
بالرسم العقاري الذي سيؤسس للعقار المعني حسب ترتيب تقييدها بسجل التعرضات ،على أساس أن مسطرة
23
التحفيظ ستتابع في اسم طالب التحفيظ وحده إلى حين تأسيس الرسم العقاري ،فإذا لم يكن هناك نزاع حول
هذا الحق يقوم المحافظ العقاري بتقييده بالرسم العقاري بالدرجة التي كانت له عند إيداعه .غير أن ما يثير
االنتباه هو تنصيص المشرع على « ...تقييد هذا اإليداع بسجل التعرضات ،» ...علما أن األمر ال يتعلق
بتعرض لكي يقيد بسجل التعرضات ،وإنما يتعلق األمر بإجراء اإليداع وهو مغاير إلجراء التعرض الذي هو
عبارة عن ادعاء بحق في مواجهة طالب التحفيظ ،والذي يلزم صاحبه بضرورة إثبات صحته ،بخالف
اإليداع الذي يهدف إلى الحفاظ على رتبة حق تم اكتسابه على العقار أثناء مسطرة التحفيظ ،عند تأسيس
الرسم العقاري ،إلى غير ذلك من الفروق.
وتجدر اإلشارة إلى أن هناك حاالت استثنائية يجب فيها على المستفيد سلوك مسطرة اإليداع دون
مسطرة الخالصة اإلصالحية ،وذلك كما هو الشأن بالنسبة لما يلي:
-اكتساب جزء مشاع على عقار في طور التحفيظ ،حسب ما يستفاد من نص الفصل 304من
مدونة الحقوق العينية ،الذي استعمل عبارة التقييد في الرسم العقاري كداللة على العقار المحفظ واإليداع
كداللة على العقار في طور التحفيظ؛
-ق اررات نزع الملكية ألجل المنفعة العامة ،حيث يلزم الفصل 12من القانون رقم 7.81السلطة
النازعة للملكية بتسجيل مشروع مقرر التخلي بالسجل الخاص بالتعرضات إلى أن يصدر الحكم القضائي
الذي تنقل بموجبه الملكية لفائدتها بعد إيداعه طبقا للفصل 84من ظ ت ع.
-اإلسراع في اتخاذ قرار التحفيظ ،ال سيما في الحالة التي يكون فيها أجل التعرض قد انتهى،
فضال عن عدم إمكانية التعرض على الحق موضوع مسطرة اإليداع نظ ار لعدم إخضاع هذه األخيرة لنفس
إجراءات اإلشهار المقررة في الفصل 83من ظ ت ع؛
-يكتسب المودع طبقا للفصل 84من ظ ت ع وضعية متميزة ،فال هو بطالب التحفيظ وال هو
بمتعرض ،مما يجعله في وضع مريح يخوله إمكانية االستفادة من خدمات طالب التحفيظ ،ال سيما في
الحالة التي تكون لديه حجج قوية في مواجهة المتعرضين؛
24
-أجاز المشرع بموجب التعديل األخير للفصل 37من ظ ت ع في فقرته األخيرة بموجب القانون
، 14.07للمودع أن يتدخل أمام القضاء للدفاع عن مصالحه وحقوقه ،وذلك بخالف ما كان عليه األمر
قبل التعديل ،حيث كان قضاء النقض مستقر على اعتبار أن المودع في إطار الفصل 84ليس طرفا في
النزاع على غرار طالب التحفيظ والمتعرض ،وليست له بالتالي الصفة للتدخل في دعوى التعرض ،ومن بين
هذه الق اررات قرار المجلس األعلى عدد 1395الصادر بتاريخ 16يونيو 1987الذي جاء فيه ما يلي:
« أطراف النزاع في مسطرة التحفيظ هم طالب التحفيظ والمتعرضون ،والطاعنة باختيارها طريقة إيداع عقد
توثيقي لدى المحافظ ال صفة لها ،وإنما هي مهتمة بالنزاع بالنظر ألثره المستقبلي بعد إنشاء رسم عقاري
نهائي . »...وبغض النظر عن الفهم الذي قد يعطى للفصل 37في صيغته المعدلة ،فإن السماح للمودع
بالتدخل أمام القضاء للدفاع عن حقوقه في مواجهة المتعرضين يثير العديد من اإلشكاالت العملية ،فالمودع
ال يكتسب صفة طالب التحفيظ بل يبقى تابعا له ،الشيء الذي قد يضر بمصالحه في الحالة التي يرفض
فيها طالب التحفيظ متابعة إجراءات التحفيظ ،ال سيما في حالة التفويت الكلي للعقار ،خصوصا وأن المشرع
استلزم في الفصل 19من ظ ت ع الحضور الشخصي لطالب التحفيظ عند إجراء عملية التحديد ،واعتبر
في الفصل 50من نفس القانون أن مطلب التحفيظ يعتبر الغيا وكأن لم يكن إذا لم يقم طالب التحفيظ
بأي إجراء لمتابعة المسطرة بعد إنذاره بذلك ،ليبقى بذلك مصير المودع بيد طالب التحفيظ ،وتظل حقوقه
مجرد تقييدات مؤقتة ليست لها أي حجية ما لم تقيد بالرسم العقاري.
ومن المآخذ التي تحد من فعالية هذه المسطرة كذلك ،أن سلوك مسطرة اإليداع من شأنه اإلبقاء
على الحقوق المكتسبة على العقار في طور التحفيظ طي الكتمان ،على عكس ما يهدف إليه نظام التحفيظ
العقاري من إشهار للحقوق ليكون الغير على علم بها ،الشيء الذي قد يضر بحقوق األغيار المعنيين بهذه
التعديالت الواردة على مطلب التحفيظ ،نظ ار لعدم تمكنهم من التعرض عليها بسبب عدم علمهم بها إال عند
تأسيس الرسم العقاري ،ما دام أن األغيار ليس لديهم من وسيلة -بخالف مسطرة الخالصة اإلصالحية-
لالطالع على التصرفات الجارية على العقار الخاضع لمسطرة التحفيظ ،إال باالطالع المباشر على ملف
مطلب التحفيظ وما يتضمنه من تعرضات وإيداعات ،وهو أمر وإن كان فيه نوع من اإلشهار من حيث
الظاهر ،إال أنه مرهق و ذو فعالية محدودة من الناحية الواقعية.
قد يثير البعض أن التعرض ما دام يقام على الحق في حد ذاته وبغض النظر عن صاحبه هل هو
طالب التحفيظ نفسه أم أي شخص آخر يحل محله؟ وما دام أن التعرض قد فات أجله ،فإنه سواء تم
تأسيس الرسم العقاري في اسم طالب التحفيظ مباشرة أو في اسم من انتقل إليه الحق وقام بإيداعه طبقا
للفصل 84من ظ ت ع ،فإن ذلك ال يغير من األمر شيء ،وهو ما قد يبدو صحيحا من الناحية القانونية،
25
غير أن األمر ليس دائما على هذه الصورة ،إذ هناك بعض الحقوق التي ال يمكن المطالبة بها إال بعد العلم
بانتقالها للغير ،ومن ذلك على سبيل المثال:
-حق الشفعة ،ذلك أن الشريك الذي يريد ممارسة حق الشفعة في مواجهة مشتري الحصة الشائعة
الذي اختار سلوك مسطرة اإليداع لتثبيت حقه ،ل ن يتمكن من العلم بتاريخ الشراء قصد ممارسة هذا الحق
داخل األجل القانوني إال من خالل اإلطالع على ملف التحفيظ ،وهو األمر الذي يتعذر في معظم الحاالت،
نظ ار لعدم وجود عملية إشهار لهذا الشراء ،وبذلك لن يعلم بهذا التفويت إال عند إنشاء الرسم العقاري حيث
يكون األوان قد فات ،ينضاف إلى ذلك أن المشرع في المادة 304من م ح ع ،نص على احتساب أجل
السنة لممارسة حق الشفعة ابتداء من تاريخ إيداع عقد الشراء ،على الرغم من أن مسطرة اإليداع ال تخضع
لعملية إشهار كافية لكي يرتب عليها هذا األثر ،ويجعلها نقطة انطالق احتساب أجل السنة لممارسة حق
الشفعة.
-بالنسبة لعقود التبرع فقد اعتبر المشرع في مدونة الحقوق العينية الفصل 274أن مجرد اإليداع
في السجل العقاري بمثابة حوز فعلي ومادي للملك الموهوب ،عندما نص على ما يلي ...« :يغني التقييد
بالسجالت العقارية عن الحيازة الفعلية للملك الموهوب وعن إخالئه من طرف الواهب إذا كان محفظا أو في
طور التحفيظ ، »...وبذلك يكون المشرع قد منح لمسطرة اإليداع قوة استثنائية بالنسبة للتبرعات ،بشكل
يضر بحقوق األغيار ويخرج عن الغاية التي توخاها الفقه اإلسالمي من وراء اشتراط الحوز بالنسبة
للتبرعات ،والتي ترمي بصفة أساسية إلى حماية الورثة والدائنين ،وبذلك تكون العلة من اشتراط الحوز عند
التبرع في نطاق الفقه اإلسالمي ،هي إشهار إخراجه من ذمة المتبرع قبل حدوث المانع إلى ذمة المتبرع
له ،وهي العلة التي تنتفي وال تتحقق بمسطرة اإليداع التي ال تخضع لإلشهار الكافي .وعليه ،إذا كان الحوز
في الفقه اإلسالمي يعتبر شرط صحة في عقود التبرع ،يترتب على تخلفه القابلية لإلبطال ،فإن اإليداع في
السجالت العقارية ينتقل من مجرد إجراء لحفظ رتبة التصرفات التي يفترض فيها الصحة والتمام ،إلى إجراء
منشئ للحق.
ينضاف إلى ما سبق التساؤل حول أثر إلغاء مطلب التحفيظ على الحوز المنصوص عليه في
الفصل 274من م ح ع الذي سبقت اإلشارة إليه؟ فهل يجب على الموهوب له بعد إلغاء مطلب التحفيظ
لسبب من األسباب ،أن يحوز العقار الموهوب من جديد حيازة مادية بعد أن عاد إلى زمرة العقارات غير
المحفظة ،وبالتالي إلغاء أثر الحوز القانوني الذي تم باإليداع؟ ثم ماذا لو توفي الواهب بعد حصول الحوز
القانوني وقبل إلغاء مطلب التحفيظ؟
26
ت -إمكانية رهن العقار في طور التحفيظ رهنا رسميا ،حيث أجاز المشرع في المادة 165من
مدونة الحقوق العينية إمكانية رهن العقار في طور التحفيظ رهنا رسميا ،بخالف ما عليه األمر بالنسبة
للعقار غير المحفظ الذي ال يجوز رهنه رهنا رسميا ،ولعل العلة في ذلك هي وجود عالنية أصبحت تواكب
العقار في طور التحفيظ ،وبالتالي هناك إمكانية جعل الرهن الرسمي الواقع على هذا العقار ساريا في حق
الغير ،رغم عدم تخلي الراهن عن حيازته للعقار المرهون ،لكن يجب على الدائن المرتهن من أجل الحفاظ
على رتبته وكل حقوقه عند اتخاذ قرار التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري ،إيداع عقد الرهن بسجل التعرضات
طبقا لمقتضيات الفصل 84المذكور .غير أنه تجدر اإلشارة إلى أن التقييد النهائي للرهن الرسمي يبقى
مرهونا بمآل مطلب التحفيظ ،كما أنه ليس للمحافظ العقاري الحق في تسليم شهادة خصوصية بالرهن.
ث -ضرورة مراعاة مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري لممارسة حق الشفعة ،فإذا تقدم أحد الشركاء
بمطلب تحفيظ عقار مملوك على الشياع ،وقام أحد الشركاء المشتاعين ببيع حصته أثناء جريان مسطرة
التحفيظ ،فرغب البعض في ممارسة حق الشفعة ،فان الشريك الشفيع في هذه الحالة ال يكفيه التقيد فقط
بأحكام الشفعة المنصوص عليها في مدونة الحقوق العينية أي المادة 292والمادة 306وما بعدها ،بل
يجب عليه مراعاة المقتضيات المنصوص عليها في قانون التحفيظ العقاري ،ما دام أن العقار المبيع هو
عقار في طور التحفيظ.
وهكذا نجد أن المادة 305مدونة الحقوق العينية تنص على أنه « إذا كان العقار في طور التحفيظ
فال يعتد بطلب الشفعة إال إذا ضمن الشفيع تعرضه بمطلب التحفيظ المتعلق به ».
فإذا تم تفويت الحصة الشائعة بعد فوات أجل التعرض ،فإننا نميز بين حالتين بحسب ما إذا اختار
المشفوع منه (أي المشتري) إشهار عقد شرائه للحصة الشائعة بسلوك إجراءات الفصل 83أو الفصل 84
من ظهير التحفيظ العقاري.
فإذا سلك المشفوع منه مسطرة الخالصة اإلصالحية المنصوص عليها في الفصل ،83فإن تعرض
الشفيع سينصب على مطلب التحفيظ ،وهكذ ا إذا تم نشر اإلعالن عن انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية ثم
وقع البيع بعد ذلك ،فان أجل تعرض الشفيع هو شهرين ابتداء من تاريخ نشر الخالصة اإلصالحية بالجريدة
الرسمية ،أما إذا وقع البيع قبل االعالن عن انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية فإن أجل التعرض هو سنة
ابتداء من تاريخ نشر الخالصة االصالحية في الجريدة الرسمية ،وتنقضي لزوما بانصرام أجل التعرض
الوارد في الفصل 24من ظهير التحفيظ العقاري.
27
أما إذا سلك المشفوع منه مسطرة اإليداع المنصوص عليها في الفصل ،84فإن تعرض الشفيع
سينصب على اإليداع وليس على مطلب التحفيظ ،وفي ه ذه الحالة فإن التعرض يجب أن يتم داخل أجل
سنة من تاريخ إيداع المشفوع منه لعقد شرائه طبقا لمقتضيات المادة 304من مدونة الحقوق العينية ،وقبل
اتخاذ قرار التحفيظ ،أي أن التعرض يجب أن يتم داخل أجل السنة من تاريخ اإليداع ما لم يصدر قرار
التحفيظ ،حيث يسقط أجل التعرض لزوما بصدور قرار التحفيظ بالرغم من عدم انقضاء أجل السنة.
غير أنه في حالة قيام المشفوع منه (المشتري) بعد إيداع عقد الشراء في سجل التعرضات بتبليغ
نسخة من عقد شرائه للحصة الشائعة لفائدة من له الحق في الشفعة شخصيا ،فإن هذا األخير يسقط حقه
في الشفعة إذا لم يمارسه داخل أجل 30يوما من تاريخ التوصل ،حسب ما تنص عليه مقتضيات الفقرة
األولى من المادة 304من مدونة الحقوق العينية.
حماية للملكية العقارية وحقوق األغيار من استغالل نظام التحفيظ العقاري كوسيلة لالستيالء على
الحقوق ،فإن المشرع أولى عناية كبيرة لعملية اإلشهار وجعل منها مبدءا مواكبا لجميع إجراءات التحفيظ،
بما فيها المرحلة الالحقة التخاذ قرار التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري ،ومن بين أهم وسائل اإلشهار المعتمدة
نجد مرحلة التحديد ،التي اشترط المشرع أن يتم خاللها االستدعاء الشخصي لطالب التحفيظ والمالك
المجاورون وجميع أصحاب الحقوق المصرح بهم ،وذلك قصد الحضور إلى موقع العقار موضوع مطلب
التحفيظ ،من أجل التأكد من ادعاءات طالب التحفيظ و إثبات الحالة المادية والقانونية للعقار وتوضيح
معالمه بدقة ويقين ،وإتاحة الفرصة لكل من له منازعة لطالب التحفيظ في حق من الحقوق قصد تسجيل
تعرضه ،قبل ربط العقار هندسيا وفق التصميم الهندسي المؤقت الذي يتم إعداده تبعا لعملية التحديد،
بالخريطة العامة للمنطقة ومتابعة إجراءات تأسيس الرسم العقاري.
وتعتبر عملية التحديد هذه من أنجع وسائل اإلشهار المنصوص عليها في التشريع المغربي ،وأكثرها
حماية للملكية العقارية ولحقوق األغيار ،نظ ار العتمادها على وسائل إشهار متالئمة مع درجة وعي جميع
الفئات المعنية بعملية التحفيظ ،ما دام أن متابعة الجريدة الرسمية واالطالع على سبورة اإلعالنات لدى
مختلف الجهات اإلدارية ،غير متاح وال متالئم مع درجة وعي فئات كبيرة داخل المجتمع بفعل انتشار األمية
وال سيما القانونية ،حيث يقوم التحديد على إخطار جميع األشخاص المصرح بهم من طرف طالب التحفيظ
شخصيا بعملية التحديد ،وما يرتبط بذلك يوم التحديد من تجمهر حول العقار المعني ،بشكل يثير فضول
الجميع فينتشر الخبر بين أبناء المنطقة ال سيما بالقرى والبوادي ،ويتحقق بذلك اإلشهار بطريقة تالءم درجة
وعي وثقافة الجميع.
28
لذلك تعتبر عملية التحديد من أهم المراحل التي تمر منها مسطرة التحفيظ ،باعتبارها األساس في
تحديد الوضعية القانونية والمادية الحقيقية للعقار ،نظ ار لطبيعتها المركبة التي تشمل جانبين ،أحدهما قانوني
واآلخر تقني طبوغرافي.
بعد نشر ملخص مطلب التحفيظ يتم اإلعالن عن تاريخ ووقت إجراء عملية التحديد داخل أجل
شهرين من تاريخ نشر الملخص المذكور ،ويقوم المحافظ بتوجيه نسخة من ملخص مطلب التحفيظ وتصميم
التموقع والمعلومات المتعلقة بطالب التحفيظ ونسخة من الوكالة في حالة حضور نائب عن طالب التحفيظ،
إلى مصلحة الهندسة قصد القيام بعملية التحديد في الوقت والساعة المحددين من طرف المحافظ.
-وضع خريطة هندسية توضح معالم العقار ومساحته وحدوده وجميع مشتمالته (مع اإلشارة الى
خصوصيات العقار ال سيما اإلشارة إلى الطرقات ،الضايات ،السواقي ،المقابر )...؛
-ربط العقار موضوع مسطرة التحفيظ بعمليات التثليت العامة للمنطقة وربطها بالشبكة الجيوديزية
التي تتضمن جميع المعطيات المفيدة في تحديد موقع العقار بدقة ،حيث يصبح العقار بعد التحفيظ ومن
خالل ربطه بهذه الشبكة ،معينا ومشخصا بشكل دقيق حيث يسهل التعرف عليه وعلى حدوده ،بالرغم من
إزالة أو إتالف األنصاب " "les bornesالتي وضعت أثناء عملية التحديد ،وفي ذلك حماية للعقار من
كل ترام عليه أو اعتداء على حدوده.
-تحديد مساحة العقار ،حيث يضع المهندس المساح الطبوغرافي المنتدب للقيام بعملية التحديد
األنصاب » «Bornesلتحديد المساحة التي حددها طالب التحفيظ ،أو لضبط األجزاء المتعرض على
تحفيظها من القطعة موضوع مطل ب التحفيظ ،ثم يضع تصميما موج از يسمى «التصميم المؤقت للتحديد»
وذلك حسب مقتضيات الفقرة من الفصل 20من ظهير التحفيظ العقاري.
يعتبر محضر التحديد الذي ينجزه المساح الطبوغرافي محض ار رسميا ال يطعن فيه إال بالزور،
ومن هنا تأتي أهميته وأهمية مضمونه من الناحية القانونية ،حيث يتحقق المهندس الطبوغرافي من صفات
الحاضرين وهويتهم وصحة الوكالة في حالة وجودها .كما يتحقق من واقعة الحيازة ومدى توافر شروطها
من هدوء وعالنية واستمرار ،ويتأكد من الحقوق العينية العقارية المترتبة على العقار أو الحقوق المترتبة
لصالحه ،حيث يقوم المهندس بمطابقة الوثائق المدلى بها سواء من طرف طالب التحفيظ أو من طرف
29
أصحاب الحقوق المترتبة على العقار موضوع التحفيظ عند عملية التحديد واجراءات المسح العقاري للتأكد
من مطابقتها للعقار.
ومن الجوانب القانونية التي تتضمنها عملية التحديد ،تسجيل التعرضات والوثائق المدلى بها من
طرف المتعرضين ،ومحاولة اجراء الصلح والتوفيق بين األطراف المتنازعين أثناء عملية التحديد ،مع تسجيل
هذه االتفاقات والمصالحات في محضر التحديد.
وتجدر اإلشارة إلى أن المحافظ العقاري هو من يسير عمليات التحديد ،فهو الذي ينتدب لهذه الغاية
مهندسا مساحا طوبوغرافيا عن جهاز المسح العقاري ،حيث يقوم هذا األخير بعمليات التحديد بنفسه أو
يكلف أحد العاملين المؤهلين التابعين له إلنجازها ( طبقا لمقتضيات المادة األولى من المرسوم رقم
173.14.2الصادر بتاريخ 11جمادى الثانية 1435الموافق ل 11ابريل )2014أو ينتدب مهندسا
مساحا طبوغرافيا ينتمي إلى القطاع الخاص ،على أن يكون مسجال بجدول الهيئة الوطنية للمهندسين
المساحين الطبوغرافيين ( طبقا للمادة الفريدة من القانون رقم 57.12الصادر بتنقيده الظهير الشريف رقم
1.13.116بتاريخ 26صفر 1435الموافق ل 30دجنبر .)2013
وطبقا لمقتضيات الفقرة 2من الفصل 19من ظهير التحفيظ العقاري ،فإن المهندس المساح
الطبوغرافي ينجز عمليات التحديد تحت مسؤوليته وبحضور طالب التحفيظ شخصيا ،حيث يجب كما أشرنا
إلى ذلك سابقا على المحافظ العقاري أن يستدعي لعمليات التحديد كل من طالب التحفيظ والمجاورين
المبينين في مطلب التحفيظ ،وكذا المتدخلين وأصحاب الحقوق العينية والتحمالت العقارية المصرح بهم
بصفة قانونية ،وذلك بواسطة عون من المحافظة العقارية أو بالبريد المضمون أو عن طريق السلطة المحلية
أو بأي وسيلة أخرى للتبليغ ،قصد الحضور شخصيا لعمليات التحديد أو بواسطة نائب بموجب وكالة
صحيحة.
وال يتوقف األمر عند ذلك ،بل يمكن لطالب التحفيظ أن يدعو كل من يرى فائدة في حضوره لعملية
التحديد ،قصد اال ستعانة به في دعم ادعاءاته ومزاعمه وخصوصا عندما يتعلق األمر بالتأكد من واقعة
الحيازة ،كما يمكن لكل من يهمه أمر هذا التحديد أن يحضر للدفاع عن حقوقه أو اإلدالء بأقواله وشهادته،
ولو لم يتوجه له أي استدعاء شخصي للحضور ،حيث يتعين تضمين جميع أقوله وادعاءاته بمحضر
التحديد.
وال تخفى أهمية الحضور الشخصي للمعنيين بأمر طلب التحفيظ لعمليات التحديد ،وذلك كي يتمكنوا
من التأكد من مطابقة مطلب التحفيظ للواقع وعدم المساس بحقوقهم عند تأسيس الرسم العقاري ،وكذا من
30
أجل التعريف بحقوقهم واإلدالء بتعرضاتهم للمهندس المكلف بالتحديد ،قصد تضمينها بمحضر التحديد ،أو
تسوية الخالفات بخصوص هذه التعرضات أو تلك التي تنشأ بين طالب التحفيظ والمالك المجاورين في
شأن حدود العقار موضوع مسطرة التحفيظ.
غير أن ما تجدر اإلشارة إليه في هذا الصدد هو أن التطبيق العملي لفكرة االستدعاء الشخصي
لألغيار ،يصطدم ببعض النقائص التي تحد من فعاليته في حماية حقوق هؤالء األغيار ،من ذلك مثال أن
نطاق هذا االستدعاء يبقى منحص ار في حدود أولئك المنصوص عليهم في الفصل 19من ظ ت ع أي
طالب التحفيظ ،والمجاورين المبينين في مطلب التحفيظ ،والمتدخلين وأصحاب الحقوق العينية والتحمالت
ال عقارية المصرح بهم ،كما يبقى خاضعا إلرادة طالب التحفيظ الذي قد يصرح بالبعض ويسكت عن البعض
اآلخر ،ممن له معهم عداوة أو مشاحنة أو قد ينازعونه في العقار موضوع التحفيظ ،وبذلك فإن المحافظ
العقاري ليست لديه الوسيلة للتعرف على هؤالء قصد استدعائهم لحضور عملية التحديد ،الشيء الذي يؤدي
حتما إلى ضياع حقوقهم فيما إذا لم يتمكنو من من العلم بعملية التحفيظ.
ومن األمثلة كذلك نجد تأخر وصول االستدعاء لحضور عملية التحديد إلى حين تمام هذه العملية،
أو تعذر وصول االستدعاء من أساسه ،وذلك بسبب تغيير المعنيين باألمر لعناوينهم أو بسبب إدالء طالب
التحفيظ بعناوين خاطئة أو مغلوطة ،أو بسبب المشاكل المرتبطة بالطريقة اإلدارية للتبليغ ،حيث ال يعير
بعض أعوان السلطة أهمية لتبليغ هذه االستدعاءات خصوصا في البوادي ،بسبب عدم إدراكهم ألهمية
وخطورة عملية التحديد على حقوق المعنيين بها ،ينضاف إلى ذلك عدم إدراك غالبية المعنيين بالتحفيظ في
البادية ألهمية االستدعاء وخطورة ما يترتب عن عملية التحديد وعن تأسيس الرسم العقاري من آثار.
ينضاف إلى ما سبق أن المشرع لم يرتب أي أثر عن عدم حضور هؤالء األغيار لعمليات التحديد،
مما قد يشجع طالب التحفيظ على اإلدالء بعناوين مغلوطة للمالك المجاورين أو أصحاب الحقوق الذين
يخشى منازعتهم له بخصوص عملية التحفيظ ،وذلك بنية استبعادهم من حضور عملية التحديد نتيجة عدم
توصلهم باالستدعاء.
لذا يرى بعض الباحثين عن صواب ضرورة تبليغ هذه االستدعاءات وكل الق اررات الصادرة عن
المحافظ على األمالك العقارية ،وكذا اإلعالنات المتعلقة بعمليات التحفيظ العقاري ،بواسطة عون من
المحافظة العقارية توفر له الوسائل المادية واللوجيستيكية الالزمة للقيام بعملية التبليغ ،على أساس توضيح
الغاية من كل استدعاء للمعنيين باألمر ،تحت طائلة مسؤوليته عن كل تقصير في ذلك.
31
فإذا تعذر على طالب التحفيظ أو نائبه الحضور في المكان والتاريخ والوقت المعينين إلنجاز
عمليات التحديد ،فإن المهندس المساح الطبوغرافي يمتنع عن إجرائها ويقتصر على إثبات هذا التغيب في
المحضر وذلك طبقا للفصل 22من ظهير التحفيظ العقاري ،ويجب في هذه الحالة -أي حالة التحديد
السلبي -على المحافظ العقاري توجيه إنذار لطالب التحفيظ قصد اإلدالء بعذر مقبول عن سبب تغيبه داخل
أجل شهر من توصله باإلنذار ،تحت طائلة اعتبار مطلب تحفيظه الغيا.
أما إذا تعذر إنجاز عملية التحديد بسبب عرقلة أحد األشخاص األجنبيين ،فإنه يجوز للمحافظ
العقاري أو من له المصلحة في إتمام إجراءات التحفيظ (طالب التحفيظ ،المتعرض تعرضا جزئيا).....
تقديم طلب تسخير القوة العمومية لوكيل الملك ،الذي يكون ملزما طبقا للفقرة األولى من الفصل 20من
ظهير التحفيظ العقاري باالستجابة للطلب ،وذلك قصد تهيئ الظروف المالئمة إلج ارء عملية التحديد.
وإذا تعذر إنجاز عملية التحديد لمرتين متتاليتين بسبب نزاع حول الملك ،فإن مطلب التحفيظ يعتبر
الغيا حسب مقتضيات الفصل 23من ظهير التحفيظ العقاري.
وتجدر اإلشارة في األخير إلى أن المهندس المساح الطبوغرافي يجب عليه أن يحرر محض ار للتحديد
عند االنتهاء من عملية التحديد ،موقعا من طرفه ومن طرف طالب التحفيظ ،وكذا األشخاص الذين حضروا
عملية التحديد إن كانوا يعرفون التوقيع أو يشير إلى أنهم ال يستطيعون التوقيع أو أنهم امتنعوا عن ذلك،
وذلك بعد أن يتضمن هذا المحضر مجموعة من البيانات المنصوص عليها في الفصل 21من ظهير 12
غشت .1913
بعد توصل المحافظ العقاري بمحضر التحديد وتأكده من تنفيذ العمليات المقررة في الفصل 21
من ظهير التحفيظ العقاري ،يجب عليه أن ينشر إعالنا عن انتهاء التحديد وفتح أجل التعرض ،وذلك داخل
أجل أقصاه أربعة أشهر الموالية للتحديد النهائي للعقار.
ويتم نشر وتعليق اإلعالن عن انتهاء التحديد بنفس طرق نشر مطلب التحفيظ المنصوص عليها
في الفصل 18من ظهير التحفيظ العقاري (رئيس المحكمة ،رئيس الجماعة ،السلطة المحلية ،الجريدة
الرسمية).
وتتجلى أهمية هذا اإلعالن عن انتهاء التحديد في اعتباره نقطة انطالق احتساب أجل التعرض ،أي
أنه في حالة وجود تعرض لم يتم اإلدالء به من قبل ،يكون للمتعرض أجل شهرين فقط من تاريخ نشر
اإلعالن عن انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية ،لإلدالء بتعرضه تحت طائلة عدم القبول.
32
وتجدر اإلشارة إلى أنه في حالة القيام بتحديد تكميلي الحق ترتب عنه تغيير حدود العقار ،كما في
حالة سلوك مسطرة الخالصة اإلصالحية وفق مقتضيات الفصل ، 83فإنه يتم إعادة نشر إعالن جديد
بانتهاء إجراءات التحديد التكميلي ،ويتم كذلك فتح أجل جديد للتعرض مدته شهران على الحقوق المترتبة
عن عملية التحديد التكميلي وفق ما سبق لنا بيانه.
وبذلك ي تضح أن عملية التحديد تعتبر من أهم وسائل إشهار مطلب التحفيظ ،وأكثرها نجاعة ومالءمة
لواقعنا االجتماعي ودرجة وعي وثقافة أفراده ،بل إن التحديد يعتبر الوسيلة الوحيدة للتأكد من حالة العقار
القانونية ( الحيازة ) والمادية ،ومدى مطابقة مستندات طالب التحفيظ لواقع العقار وبالتالي التأكد من صحة
ادعاءات طالب التحفيظ.
التعرض هو الوسيلة اإلجرائية التي يستطيع بواسطتها كل من له حق عيني على العقار موضوع
مطلب التحفيظ ،منازعة طالب التحفيظ بخصوص مطلب تحفيظه ،أو حول حق وقع اإلعالن عنه طبقا
للفصل 84من ظهير التحفيظ العقاري ،فيترتب عن ذلك إيقاف إجراءات التحفيظ ،حيث ال يستطيع المحافظ
العقاري متابعة مسطرة التحفيظ إال في حالة رفع هذا التعرض أو صدور حكم قضائي حائز لقوة الشيء
المقضي به يقضي بصحته أو بعدم صحته.
أ -حالة المنازعة في وجود حق الملكية لطالب التحفيظ أو مدى هذا الحق أو في حدود العقار،
حيث قد ينصب التعرض على حق ملكية طالب التحفيظ للعقار موضوع التحفيظ ،فيدعي المتعرض استحقاق
هذا العقار استحقاقا كليا فيكون التعرض على مطلب التحفيظ تعرضا كليا ،أو يدعي استحقاق جزء منه
فقط فيكون التعرض تعرضا جزئيا.
كما قد ينصب التعرض على مدى حق ملكية طا لب التحفيظ ،أي نسبة وحدود ملكيته ،كحالة
المطالبة بتحفيظ عقار مملوك على الشياع وادعاء طالب التحفيظ لنسبة تملك مختلف بشأنها ،حيث ينازعه
فيها أحد أو باقي المالك على الشياع.
33
وقد ينصب التعرض على حدود العقار المصرح بها من طرف طالب التحفيظ ،حيث ينازعه في
ذلك أحد أو باقي المالك المجاورين ،الذين يتبين لهم من خالل عمليات التحديد مثال أن الحدود التي أسفرت
عنها عمليات التحديد بناء على رسم ملكية أو أصل تملك طالب التحفيظ غير حقيقية ،فيتعرضون على
ذلك.
ب -حالة االدعاء بحق عيني قابل للتقييد بالرسم العقاري عند تأسيسه ،حيث يجوز لمن اكتسب
حقا عينيا على العقار موضوع مطلب التحفيظ أن يتعرض على مسطرة التحفيظ وذلك قصد ضمان تقييد
حقه بالرسم العقاري عند نهاية إجراءات التحفيظ واتخاذ المحافظ العقاري ق ارره بالتحفيظ ،وذلك كما هو
الشأن بالنسبة لمن له حق ارتفاق أو انتفاع أو عقد مغارسة أو رهن حيازي أو غيرها من الحقوق العينية
أصلية كانت أو تبعية.
ت -حالة المنازعة في حق وقع اإلعالن عنه طبقا لمسطرة اإليداع المنصوص عليها في الفصل
84من ظهير التحفيظ العقاري ،فمن التعديالت المهمة التي جاء بها المشرع بموجب التعديل األخير للقانون
،14.07أنه يتعين ع لى من اكسب حقا عينيا على عقار في طور التحفيظ أن يسلك مسطرة الخالصة
اإلصالحية أو مسطرة اإليداع ،قصد ضمان حقه عند تأسيس الرسم العقاري وعدم مواجهته باألثر التطهيري،
وأنه يجوز التعرض على هذا الحق المعلن عنه بمقتضى مسطرة اإليداع ،من طرف أي شخص له المصلحة
في ذلك .
ورغم األهمية الكبرى لهذا التعديل الذي جاء به المشرع ،ليسمح بالتعرض على الحقوق المعلن عنها
بموجب مسطرة اإليداع ،فإن هناك بعض اإلشكاالت القانونية التي أثارها التعرض على اإليداع ال سيما ما
يلي:
-أن المشرع نص على تبليغ طالب التحفيظ بكل ما يط أر على مطلب التحفيظ من تعرضات أو
غيرها ،ليكون على علم بها وليتخذ في شأنها ما يراه مناسبا ،وذلك بموجب الفصل 31من ظ ت ع الذي
جاء فيه « إذا وقعت تعرضات فإن المحافظ على األمالك العقارية يبلغ فو ار نسخة من مضمونها إلى طالب
التحفيظ الذي يمكنه ،قبل انصرام الشهر الموالي النتهاء أجل التعرض ،أن يدلي بما يثبت رفعها أو يصرح
بقبولها ، »...وكذا الفصل 37مكرر الذي نص على أنه « :يجب على المحافظ على األمالك العقارية في
جميع الحاالت التي يرفض فيها طلبا للتحفيظ أن يعلل ق ارره ويبلغه لطالب التحفيظ ، »...ففي هذه الحاالت
نجد أن المشرع في الوقت ال ذي نص فيه ضرورة تبليغ طالب التحفيظ ،فإنه لم ينص على تبليغ المودع
34
أيضا على غرار طالب التحفيظ ،بالرغم من أن المودع يصبح هو المالك الحقيقي لكل الحقوق التي تنصب
عليها مسطرة التحفيظ أو على األقل مالك لجزء منها.
-أن المشرع سمح بإمكانية التعرض على اإليداع ،لكن ربط ممارسة التعرض بآجال التعرض
العادي ،أي شهرين من اإلعالن عن انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية ،يفقد هذه المكنة القانونية كل أهميتها
عند فوات هذا األجل ،حيث يطرح التساؤل عن اإلجراء القانوني الواجب سلوكه لحماية األغيار من اإليداع
الذي يتم بعد فوات أجل التعرض سواء بحسن أو سوء نية.
وتجدر اإلشارة في األخير إلى أن الدعاوى العينية العقارية يمكن أن تكون موجبا للتعرض ،كحالة
الدعوى الرامية إلى فسخ أو إبطال عقد البيع الذي يستند عليه طالب التحفيظ لتحفيظ العقار ،أو حالة
الدعوى الرامية إلى استحقاق العقار موضوع مطلب التحف يظ استنادا لعقد هبة أو وقف العقار المذكور .إذ
ال يجوز االكتفاء في مثل هذه الحاالت برفع الدعوى في الموضوع واالنتظار إلى أن يصبح الحكم نهائيا
قصد العمل على تنفيذه بعد تأسيس الرسم العقاري ،بل يجب على المدعي لضمان حقوقه سلوك مسطرة
التعرض ،فهي الوسيلة اإلجرائية الوحيدة التي تمكن صاحب الحق من ضمان حقه العيني في مواجهة طالب
التحفيظ ،وإال تمت مواجهته باألثر التطهيري للرسم العقاري عند انتهاء إجراءات التحفيظ.
وهكذا فإن التعرض يقتصر فقط على االدعاء بحقوق عينية على العقار المطلوب تحفيظه أو
دعاوى عينية عقارية مرتبطة به ،أما االدعاء بحق شخصي فال يمكن أن يعتبر أساسا للتعرض ،حيث ال
يمكن المطالبة مثال عن طريق التعرض بأداء باقي الثمن الناتج عن عملية بيع العقار.
فما هي إذن اإلجراءات التي يتعين القيام بها ليكون التعرض مقبوال؟
وكما يجوز تقديم التعرض من الشخص نفسه ،يجوز كذلك تقديمه طبقا لمقتضيات الفصل 26
بواسطة الغير في حالة وجود نيابة قانونية أو اتفاقية ،حيث يجوز تقديم التعرض نيابة عن المحجورين
35
والغائبين وال مفقودين وغير الحاضرين ،وذلك من طرف األوصياء والممثلين الشرعيين ووكيل الملك والقاضي
المكلف بشؤون القاصرين ،والقيم على أموال الغائبين والمفقودين.
وبذلك يمكن القول بأن المشرع فتح باب التعرض على مصراعيه في وجه طالب التحفيظ ،حيث لم
يضع أي قيد في مواجهة األشخاص الذين يريدون التعرض على مطلب التحفيظ ،لكنه عمل في المقابل
بموجب الفصل 48من ظ.ت.ع ،على فرض غرامات مالية وتعويضات على المتعرضين كيديا على مطلب
التحفيظ ،متى ثبت للمحكمة أن هؤالء المتعرضين لم تكن غايتهم سوى تعطيل أو تأخير مسطرة التحفيظ.
ويتعين أن يتضمن التصري ح بالتعرض سواء كان كتابيا أو شفاهيا ،البيانات األساسية التالية:
-اإلسم الشخصي والعائلي للمتعرض وحالته المدنية وعنوانه الحقيقي أو المختار ،قصد ضمان
وصول المراسالت إليه ،خصوصا وأن ملف التحفيظ (أي مطلب التحفيظ بمؤيداته +ملف التعرض بوثائقه)
قد يحال برمته عل ى المحكمة للبت في مدى صحة التعرض ،ويتعين على المتعرض التوصل باستدعاءات
المحكمة قصد يتمكن من الدفاع عن حقوقه؛
-اسم الملك ورقم مطلب التحفيظ في حالة التعرض على مطلب التحفيظ ،أو ذكر رقم اإليداع
وتاريخه والسجل المضمن به ،في حالة ما إذا تعلق األمر بتعرض على إيداع تم وفق مقتضيات الفصل
84من ظ.ت.ع؛
-طبيعة الحق المدعى به ومداه ،كما إذا تعلق األمر بتعرض كلي أو جزئي ،أو بتعرض على
حقوق مشاعة مع ذكر نسبة ومقدار هذه الحقوق؛
-اإلدالء بما يثبت الصفة والهوية عند التعرض بصفته نائبا أو وصيا ....
وباإلضافة إلى هذه البيانات ،يجب أن يرفق التصريح بالتعرض بجميع الوثائق والمستندات المثبتة
للحق المدعى به ،وذلك حسب الفقرة الثانية من الفصل 25ظ.ت.ع ،أي جميع العقود المثبتة للملكية رسمية
كانت أو عرفية ،وكذا كل رسم وعقد يثبت وجه مدخل المتعرض إذا كان ناقال للملكية ،كرسوم األشرية
واإلراث ة ومختلف الرسوم العدلية المتعلقة بالمخارجات أو المناقالت ،....ويجب ليعتد بهذه الوثائق والرسوم
أن تكون مستوفية ألركانها وشروط صحتها ،لذلك يجب على المحافظ العقاري التحري والضبط ومراقبة
مدى صحة هذه الوثائق والعقود عند قبول التعرض ،وذلك نظ ار ألهمية وخطورة اآلثار المترتبة عن التعرض
على مسطرة التحفيظ.
36
وال يعتبر التعرض مقبوال إال بعد أداء المصاريف القضائية وحقوق المرافعة ،أو اإلدالء بما يفيد
حصول المتعرض على المساعدة القضائية ،وذلك قبل انصرام الشهر الموالي النتهاء أجل التعرض ،تحت
طائلة إلغائه (فق 1من ف ،)32وفي حالة وجود عدة تعرضات على مطلب تحفيظ واحد ،فإنه يتعين أداء
هذه المصاريف وحقوق المرافعة عن كل تعرض على حدة وذلك حسب الفقرة الثانية من الفصل ،32غير
أنه في حالة وجود تعرض متبادل نتيجة تداخل مطلبين للتحفيظ ،فإن المشرع أعفى الطرفين من أداء الرسوم
القضائية وحقوق المرافعة (فق 3ف 32ظ.ت.ع) ،ما دام أن الطرفان أديا عند تقديم مطلب التحفيظ رسوم
التحفيظ .وإن كان ال يوجد من الناحية القانونية ما سمي بالتعرض المتبادل ،إذ بعد إحالة الملف على
المحكمة يأخذ صاحب مطلب التحفيظ األقدم تاريخا حكم طالب التحفيظ وصاحب المطلب الالحق حكم
المتعرض.
وتجدر اإلشارة في األخير إلى أنه يتعين القيام بتحديد تكميلي في حالة وجود تعرض جزئي بعد
القيام بعملية التحديد ،وذلك من أجل تحديد وعاء وحدود الجزء المشمول بالتعرض .غير أنه في حالة عدم
التمكن من القيام بهذا اإلجراء ،فإنه تتم إحالة مطلب التحفيظ على القضاء ليتولى القاضي المقرر القيام
بإنجاز هذا التحديد طبقا للفصل 34من ظ.ت.ع.
فإذا رأى المحافظ العقاري بأن التعرض قد استوفى شروطه الجوهرية والشكلية ،فال يبقى أمامه سوى
قبوله وتسجيله بسجل التعرضات مع تبليغ نسخة من محتوياته فو ار لطالب التحفيظ ،الذي له أجل شهر
ابتداء من انتهاء أجل التعرض قصد رفع هذا التعرض أو التصريح بقبوله ( فق 1من ف .)31
انطالقا من مقتضيات الفصل 24من ظهير التحفيظ العقاري في فقرته األولى ،فإنه يحق لكل
شخص يدعي حقا على عقار تم طلب تحفيظه أن يتدخل في مسطرة التحفيظ بواسطة التعرض ،وذلك
ابتداء من تاريخ تقديم مطلب التحفيظ دون التقيد بأي أجل ،لكن بعد االنتهاء من عمليات التحديد وإشهار
اإلعالن عن اختتام هذه العمليات بالجريدة الرسمية ،فإن المتعرض يكون ملزما باإلدالء بتعرضه داخل أجل
37
شهرين من تاريخ اإلعالن عن انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية ،وذلك تحت طائلة عدم القبول ،حيث
ال يجوز بصريح عبارة الفصل 27من ظ.ت.ع قبول أي تعرض إال استثناء في نطاق الفصل .29
وتجدر اإلشارة إلى أنه يمكن للمتعرض تعديل تعرضه قبل فوات أجل التعرض العادي ،أي شهرين
من اإلعالن عن انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية.
-2التعرض االستثنائي
انطالقا من مقتضيات الفصل 29من ظ.ت.ع ،فإنه يجوز للمحافظ العقاري وحده وبصفة استثنائية
قبول التعرض المقدم خارج األجل األصلي ،ولو لم يرد على مطلب التحفيظ أي تعرض سابق في شأنه،
وذلك شريطة:
-عدم إحالة الملف على المحكمة االبتدائية المختصة ،حيث يفقد المحافظ في هذه الحالة واليته
على الملف ،وال يستطيع قبول التعرض المقدم خارج األجل.
-التأكد من وجود أسباب جدية منعت المتعرض من تقديم تعرضه داخل األجل ،فبخالف ما كان
عليه األمر قبل التعديل األخير بموجب القانون رقم ،14.07فإن المشرع قيد من سلطة المحافظ العقاري
بخصوص قبول التعرض االستثنائي ،عندما ألزمه بضرورة التأكد من جدية األسباب التي منعت المتعرض
من تقديم تعرضه خالل األجل ،وذلك من خالل الوثائق والمستندات التي يجب عليه أي يدلي بها لتبرير
تقاعسه عن تقديم التعرض خالل األجل األصلي ،كما يجب على هذا األخير لقبول تعرضه استثناء خارج
األجل ،أن يؤدي الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو اإلدالء بما يفيد حصوله على المساعدة القضائية،
وذلك تحت طائلة اعتبار قرار المحافظ بقبول التعرض خارج األجل بدون أداء هذه المصاريف ،أو بدون
التأكد من جدية السبب المانع من احترام األجل األصلي ق ار ار تعسفيا ،لما فيه من إضرار بطالب التحفيظ
أو المستفيد من اإليداع طبقا للفصل .84
لكن إذا كان المشرع قد قيد من سلطة المحافظ بخصوص قبول التعرضات المقدمة إليه خارج
األجل ،لما في ذلك من ضمانة لحقوق المتعرض وطالب التحفيظ على السواء ،فإن اعتبار قرار المحافظ
برفض هذا التعرض االستثنائي محصنا وغير قابل ألي طعن ،فيه إضرار بحقوق المتعرض وضرب بمبدأ
أساسي لدولة الحق والقانون أال وهو وجوب تعليل الق اررات اإلدارية وخضوعها لمراقبة الشرعية من طرف
القضاء اإلداري.
38
وتجدر اإلشارة في ختام الحديث عن التعرض ،أن المحافظ العقاري يمكنه أن يلعب دو ار أساسيا
في رفع التعرض أو التعرضات الواردة على مطلب التحفيظ ،وذلك من خالل محاولة الصلح بين جميع
األطراف ،حيث أجاز له المشرع إمكانية التوفيق بين المتعرض أو المتعرضين وطالب التحفيظ وتسجيل
ذلك في محضر الصلح الذي ينتهي به النزاع وتتابع بعده إجراءات التحفيظ ،وإن لم يمنح المشرع لهذا
المحضر سوى قيمة االتفاق العرفي ،فال تخلو أهميت ه خصوصا بالنسبة للمنازعات البسيطة كتلك المتعلقة
بالحدود أساسا .حتى إذا فشل المحافظ العقاري في محاولة الصلح ،فإنه يحيل الملف برمته على المحكمة
االبتدائية المختصة ،لتدخل بذلك مسطرة التحفيظ مرحلة جديدة تسمى المرحلة القضائية للتحفيظ ،وهي التي
ستكون موضوع دراستنا في المحور الموالي.
39