Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 48

‫المحور األّو ل‪ :‬لمحة عن زاوية سيدي علي بن عون‬

‫‪1‬‬
‫‪ .I‬تعريف املصطلحات‬

‫تعريف الزاوية‪:‬‬ ‫‪.1‬‬

‫لغة‪:‬‬ ‫‪.1.1‬‬

‫ورد تعريف " الزاوية " في العديد من املعاجم العربّي ة‪ ،‬التي نذكر من بينها معجم‬

‫لسان العرب‪ :1‬كالتالي هي الركن من املكان‪ ،‬من فعل زوى الشيء يزويه زويا وزيا جمعه‬
‫ُة‬
‫وقبض ه وم ا ورد في معجم " مخت ار الصحاح‪" :"2‬الَّز اِو َي " واح دة "الَّز َو اَي ا" و"َز َو ى" الشيء‬
‫ُأ‬
‫يزوي ه "َز َّي ا" جمع ه وقبض ه وفي الح ديث‪ُ" :‬ز ويت لي األرض ف ريت مش ارقها ومغاربه ا"‬
‫ْن‬
‫و"ا َز َو ِت " الجلدة في النار اجتمعت وتقبضت‪ .‬و"ال ِّز ُّي " اللباس والهيئة‪ .‬و"َز َو ى" الرجل‬

‫‪ 1‬لسان العرب‪ :‬ابن منظور‪ ،‬مادة زوى‪.‬‬


‫‪ 2‬مختار الصحاح‪ ،‬معجم للغة العربية من باب الهمزة إلى باب الياء‪ ،‬كتبه محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي‪ ،‬صدر معجم مختار‬
‫الصحاح أول مرة في مجلدين بمطبعة بوالق المصرية عام ‪ 1865‬وصدرت الطبعة الثانية عام ‪ 1957‬بتحقيق أحمد عبد الغفور عطار‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ما بين عينيه وزوى املال عن وارثه‪ .‬و"ال َّز اُي " حرف ُي مد وُي قصر وال ُي كتب إال بياء بعد‬

‫األلف‪.‬‬

‫الزاوي ة له ا مع نى الجم ع أو التجم ع من خالل فع ل "زوى" أو مع نى االنع زال من‬

‫خالل فع ل "ان زوى" في حين الزاوي ة هي واح دة الزواي ا‪ .1‬يمكن تفس يره بكون ه ال ركن من‬

‫البناء‪ ،2‬أو هي تعبير عن نقطة تقاطع خطين مستقيمين‪ ،‬اصطلح على تسميتها الزاوية قد‬

‫تكون قائمة أو حادة أومنفرجة‪.3‬‬

‫اصطالحا‪:‬‬ ‫‪.1.2‬‬

‫عرفها ابن مرزوق ‪4‬بقوله‪" :‬الظاهر أن الزوايا هي املواضع املعدة إلرفاق الواردين‬

‫وإطعام املحتاجين من القاصدين"‪.5‬‬

‫أم ا الحس ن اليوسي‪ 6‬في ذهب إلى أن الزاوي ة معناه ا م ركب من أم رين‪ :‬أح دهما‪:‬‬

‫التف رغ إلى عب ادة هللا‪ ،‬ويكون ذل ك ب الهرب من التش اغل بال دنيا وأس باب املع اش‬

‫واالنكم اش في خل وة أوركن بيت أو مسجد لالش تغال ب ذكر هللا واإلقب ال علي ه وبه ذا‬

‫س ميت زاوي ة‪ ،‬ثانيهم ا‪ :‬إطع ام الطع ام‪ ،‬وه و في ع ادة املت أخرين ويرج ع معن اه إلى إك رام‬

‫الضيف وإلى الصدقة‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن منظور األنصاري‪( ،‬حمال الدين أبو الفضل محمد ابن مكرم) ص ‪.366-365‬‬
‫‪ 2‬الرازي (محمد ابن ابي بكر ابن عبد القادر)‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الجيل‪ ،1987 ،‬ص‪.289 ،‬‬
‫‪ 3‬الرازي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.289‬‬
‫‪ 4‬محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق‪ ،‬العجيسي التلمساني‪ ،‬أبو عبد هللا‪ ،‬المعروف بالحفيد‪ ،‬أو حفيد ابن م‪CC‬رزوق‪.‬‬
‫فقيه‪ ،‬حجة في المذهب المالكي‪ ،‬عالم باألصول‪ ،‬حافظ للحديث‪ ،‬مفسر‪ ،‬نحوي‪ ،‬ناظم‪ ،‬ولد بتلمسان‬
‫‪ 5‬محمد مفتاح‪ :‬الخطاب الصوفي‪ :‬مقاربة وظيفية ـ مكتبة الرشاد ـ ط ‪ 1‬ـ ص‪.32‬‬
‫‪ 6‬فقيه مالكي أديب‪ ،‬ينعت بغزالي عصره‪ .‬من بني (يوس‪CC‬ي) (‪ )1‬ب‪CC‬المغرب األقص‪CC‬ى‪ .‬تقلب في ع‪CC‬دة من‪CC‬اطق مغربي‪CC‬ة طلب‪CC‬ا للعلم والمعرف‪CC‬ة‪ ،‬فح‪CC‬ل‬
‫بمنطقة دكالة وم‪CC‬راكش وس‪CC‬وس قب‪CC‬ل أن يقص‪C‬د الزاوي‪CC‬ة الدالئي‪CC‬ة في س‪CC‬نة (‪1060‬هـ) ويس‪CC‬تقر به‪CC‬ا م‪CC‬ا يرب‪CC‬و عن عش‪CC‬رين س‪CC‬نة‪ ،‬طالب‪CC‬ا للعلم أوال‪،‬‬
‫ومتصدرا لمهمة التدريس ثانيا‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫رأى فتحي الزغندة وأن الزاوية مكان يجتمع فيها املريدون وينزوي إليه املنتسبون‬

‫إلى إح دى الط رق الص وفية‪ ،‬قص د التعب د وال ذكر والتق رب إلى هللا تع الى وم دح ش يخ‬

‫الطريقةالتي تنسب إليها الزاوية‪ ،‬ثم أصبح مكانا لنشر علوم الدين وإيواء عابري السبيل‪.‬‬

‫وفي معجم املصطلحات الصوفية فقد عرف فتحي الزغندة الزاوية بكونها مزارات األولياء‬

‫والصالحين يتنقل إليها املنتسبون ألداء األذكار واملدائح‪.1‬‬

‫تعريف الزردة‪:‬‬ ‫‪.2‬‬

‫لغة‪:‬‬ ‫‪.2.1‬‬
‫ًا‬
‫ورد تعري ف " ال زردة" في املعجم الوس يط‪ 2‬كاآلتي‪َ :‬ز َر َد ُه ‪َ ،‬ز َر د ‪ :‬خَن ق ه‪ .‬وُي ق ال‪ :‬زَر د‬
‫ْل َق‬
‫َح ه‪ .‬وعين ه على ص احبه‪ :‬ض ّي قها ال يفتحه ا ح تى ال يمأله ا من ه‪ .‬وال ِّد ْر ع‪ :‬س َر َد ها‪َ( .‬ز ِر َد )‬
‫ُة‬ ‫ًا‬ ‫َـ ًا‬ ‫ُّل‬
‫ال ْق َم ة َز َر د ‪ ،‬وَز ْر د ‪ :‬بِل َع ه ا‪ .‬فه و َز ِر د‪( .‬اْز َد َر َد ) اللقم ة‪ :‬ابتلعه ا‪( .‬ال ِّز َر اَد )‪ :‬حرف ة ال َّز َّر اد‪.‬‬
‫ّل‬ ‫َل‬
‫(ال َّز َر ُد )‪ِ :‬ح ُق اِمل ْغَف ِر وال ِّد ْر ع‪ .‬وال ــِّد ْر ع‪( .‬ج) ُز رود‪( .‬ال َّز ِر ُد ) من الطع ام‪ :‬ال ّي ن الس ريع‬
‫ُد‬ ‫ْز‬ ‫َّز َر َمل‬ ‫ُد‬ ‫َأ‬ ‫ُة‬
‫االنحدار‪( .‬الَّز َر ِد َّي )‪ :‬أداة يشكل بها الصانع السلك ويقطعه‪( .‬ال ا )‪ :‬صانع ال د‪( .‬ا )‪:‬‬
‫َر‬ ‫َّر‬ ‫َّز‬
‫ْل‬
‫الَح ُق ‪( .‬ج) َم زاِر د‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الزغندة‪ ،‬فتحي‪ ،‬الطريقة السالمية في تونس‪ ،‬أشعارها وتالحينها‪ ،‬بيت الحكمة‪ ،1991 ،‬ص‪.201‬‬
‫‪2‬‬
‫معجم الوسيط هو معجم عربي من إصدار مجمع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬الطبعة الخامسة عام ‪ ،2011‬ويتألف من جزء واحد‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫اصطالحا‪:‬‬ ‫‪.2.2‬‬

‫ج اء في كت اب العين للفراهي دي‪( 1‬ب اب زرد) زرد وازدرد الطع ام بلع ه بس رعة ونهم‪.‬‬
‫وجاء في املعجم الوسيط الزرد حيوان مخطط من فصيلة الخيليات‪ .‬وجاء في مجمع اللغة‬
‫العربية بالقاهرة الزردة اسم لنزهة ال تنضبط بضابط وال تراعي قانونا ال في نوم وال في‬
‫أكل وال في شـرب وال في حديث‪ .‬وبالنظر في عبارة زردة كمصطلح شائع نجد أنه يتوزع بين‬
‫مجالين استعماليين‪ ،‬أما األول فهو اجتماعي بما أن الزردة تعني وليمة الطعام املجاني‪ ،‬أما‬
‫الث اني فه و عقائ دي روحي بم ا أنه ا تع ني مجم وع الطق وس أفع اال وأح واال وأق واال يأتيه ا‬
‫املريدون ويمارسونها عند قبر ولي هو لديهم الجد األول للعشيرة‪.2‬‬
‫املوروث الشعبي‪:‬‬ ‫‪.3‬‬

‫ُي ع رف املوروث على أن ه " م ا ينتق ل من ع ادات وتقالي د وعل وم وآداب وفن ون‬

‫ونحوهما من جيل إلى جيل"‪ ،3‬كما يعتبر علم مستقل تتأكد خصوصيته من خالل سماته‬

‫البارزة وعراقته‪ ،‬فهو حصيلة املمارسات التلقائية كالغناء والعزف والرقص‪ ،‬التي يؤديها‬

‫الناس في القرى واألرياف والبادية‪ ،‬وهذا املوروث يحفظ ويخزن في ذاكرة األجيال التي‬

‫تتناقل ه بنص ه وبروح ه عن طري ق املش افهة والتلقين املباش ر واملش اهدة والتقلي د‪" .‬وه و‬

‫يع بر عن ص ور كث يرة من حي اة املجموع ات البش رية وأحاسيس هم ويرتب ط بع اداتهم‬

‫وتقاليدهم ومعتقداتهم"‪.4‬‬

‫تعريف الولي الصالح‪:‬‬ ‫‪.4‬‬


‫ّن‬
‫الولي هو الّن صير الّت ابع‪ ،‬وبال سبة للمتساكنين واملتص ّو فة اإلنسان العارف باهلل‬

‫تمنح ل ه كرام ة ال يع د به ا إمام ا وال نبّي ا‪ .‬وق د أص بحت ظ اهرة االن زواء‪ ،‬ظ اهرة مم يزة‬
‫‪ 1‬أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري (‪ 100‬هـ‪ 170‬هـ ‪718 -‬م ‪786‬م) ع‪CC‬ربي من األزد ول‪CC‬د في ُعم‪CC‬ان وت‪CC‬وفي في البص‪CC‬رة‪.‬‬
‫مؤسس علم العروض وواضع أول معجم للعربية وأسماه العين‪.‬‬
‫‪ 2‬الزردة” رحلة في المفهوم لألديب الباحث عبد الرؤوف روافي ‪ /‬تونس‪.‬‬
‫‪ 3‬مسعود‪ ،‬جبران‪ ،‬معجم الرائد‪ ،‬بيروت‪ :‬دار العلم للماليين‪ ،‬مج ‪ ،1‬ط‪ ،4‬ص‪.1981 ،1 ،392‬‬
‫‪ 4‬العلوجي‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬ونوري الراوي‪ ،‬المدخل الى الفلكلور العراقي‪ ،‬بغداد‪ :‬وزارة اإلرشاد‪ ،1962 ،‬ص ‪.7‬‬

‫‪5‬‬
‫للمجتم ع الع ربي اإلس المي من ذ الق رن الّر ابع والخ امس الهج رّي ين‪ .‬وق د كان اله دف‬

‫األساسي من هذه العملية‪ ،‬التي ارتكزت في بدايتها على مبادرات فردية من قبل أشخاص‬

‫مت ّد ينين لهم زاد مع رفي واض طالع ه ام في أم ور ال دنيا وال دين‪ ،‬ونش ر الفك ر اإلس المي‬
‫والتمّس ك ب ه وبالعقي دة والعب ادات خوف ا عليه ا من النس يان نظ را ملا ظه ر في خض ّم‬

‫الخالفة العباسية من مظاهر االنسالخ عن الدين اإلسالمي ومبادئه‪ .‬لذلك كان "الشيخ"‬

‫ذل ك الف رد املراب ط املض طلع في ال ّد ين وال ذي يجم ع حول ه مجموع ة من الطلب ة فيلّق نهم‬

‫الق رآن الك ريم والح ديث الش ريف والفق ه والس ّن ة والّت فس ير وكل م ا يخص العل وم‬

‫اإلسالمية‪.1‬‬

‫وبهذا الفعل‪ ،‬تركزت وظيفة "الشيخ" على العبادة والذكر‪ ،‬وبانتشار هذه الظاهرة‬

‫في كافة األقطار اإلسالمية وعلى اتساع رقعتها الجغرافية‪ ،‬أصبح لهؤالء "الشيوخ" مكانة‬

‫كبرى لدى جميع املسلمين وقد أطلقت عليهم تسمية "أولياء هللا الصالحين"‪ .‬يجسد "الولي‬

‫الصالح"‪ ،‬بكونه "الشيخ" املتدين والعالم واملعلم‪ ،‬ظاهرة دينية واجتماعية‪ ،‬هذه الظاهرة‬

‫املوغل ة في الق دم ال ت زال تحظى بقس ط واف ر من االهتم ام في املجتم ع اإلس المي‪ ،‬وليس‬

‫بأدّل على ذلك أكثر من املحافظة على "الطرق الصوفية" التي أرساها وأسسها "األولياء‬

‫الصالحون" على وجودها وقيمتها إلى يومنا الحاضر‪ ،‬إن تجذر ظاهرة "الولي الصالح" في‬

‫املجتمع اإلسالمي يفرض علينا التفريق بينها وبين ظاهرة الرسول "فال تشابه وال تناظر‬

‫‪ 1‬الرباعي‪ ،‬أنيس‪ ،‬الحضرة النسائية بالبالد التونسية‪ ،‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه‪ ،‬مثال الس‪CC‬يدة المنوبي‪CC‬ة وأم ال‪CC‬زين الجمالي‪CC‬ة ت‪CC‬ونس‪ ،‬في‬
‫العلوم الثقافية‪ ،‬المعهد العالي للموسيقى‪ ،2015 ،‬ص ‪.76‬‬

‫‪6‬‬
‫بين قدرة الرسول وقدرة الولي كما أن التسمية تختلف في املنطق الصوفي‪ :‬قدرة الرسول‬
‫‪1‬‬
‫الخارقة تنعت باملعجزة في حين أن قدرة الولي تسمى بالكرامة "‪.‬‬

‫ال ولي ه و الع الم باهلل املواظب على طاعت ه‪ ،‬املخلص في عبادت ه‪ ،‬وس مي ولي من‬

‫املحب ة والق رب‪ ،‬ومن مواالت ه للطاع ات أي متابعت ه له ا‪ ،2‬يق ول ال راغب األص فهاني‪:3‬‬

‫"ال والء والت والي يطل ق على الق رب من حيث املكان ومن حيث النس ب ومن حيث ال دين‪،‬‬

‫ومن حيث الص داقة‪ ،‬ومن حيث النص رة‪ ،‬ومن حيث االعتق اد‪ ،‬والوالي ة ت ولي األم ر"‪.4‬‬

‫فالولي اختصه هللا بعنايته وتوفيقه واصطفاه من بين عبيده‪ ،‬وهو عبد ال يضر وال ينفع‬

‫بذاته كباقي البشر‪ ،‬دون األنبياء الصالحين في املرتبة أو املنزلة‪ ،‬إذ ال أحد يصل إلى رتبة‬

‫األنبي اء مهم ا ارتقى في م راتب الوالي ة‪ ،5‬ل ذلك ف الولي ليس معص وم من الخط أ‪ ،‬إال من‬
‫عص مه هللا‪ ،‬ويستش هدون بكالم هللا باآلي ة القرآني ة‪َ۞ :‬أ ال َّن َأ ْو ِل َي اَء الَّل ِه َال َخ ْو ٌف َع َل ْي ْم‬
‫ِه‬ ‫ِإ‬
‫ْا َك ُن ْا‬ ‫َّل‬ ‫ُن‬ ‫َال‬
‫َو ُه ْم َيْح َز وَن ۞ ا ِذ يَن آَم ُن و َو ا و َي َّت ُق وَن ۞‪ 6‬فاملتقون هم أولياء هللا‪.‬‬

‫وفي الفكر الصوفي يحتمل لفظ الولي معنيين‪" :‬أحدهما أن يكون فعيال من الفاعل‪،‬‬

‫كالعليم والقدير وغيره‪ ،‬فيكون معناه‪ ،‬من توالت طاعته من غير تخلل معصيته‪ ،‬ويجوز‬

‫أن يكون فعيال بمع نى مفع ول‪ ،‬وه و ال ذي يت ولى الح ق س بحانه‪ ،‬حفظ ه وحراس ته على‬

‫‪ 1‬الرباعي‪ ،‬أنيس‪ ،‬مرجع سابق ص‪.77‬‬


‫‪ 2‬الفرقان بين أولياء الرحمن‪ ،‬وأولياء الشيطان البن تيمة ص‪.9‬‬
‫‪ 3‬الحسين بن محمد بن المفضل‪ ،‬أبو القاسم األصفهاني (أو األصبهاني) المعروف بالراغب‪ :‬أديب من الحكماء العلم‪CC‬اء‪ .‬من أه‪CC‬ل (أص‪CC‬بهان) س‪CC‬كن‬
‫بغداد‪ ،‬واشتهر‪ ،‬حتى كان يقرن باإلمام الغزالي‪.‬‬
‫‪ 4‬معجم ألفاظ العقيدة‪ ،‬عبد هللا بن عبد الرحمن الجبرين‪ ،‬ص ‪.442‬‬
‫‪ 5‬الوالية‪ :‬األولياء الصالحين‪ ،‬أو الولي الصالح‪ ،‬أو الوالية‪ ،‬وهو مصطلح إسالمي أكد عليه القران في عدد من اآليات وهو تشريع الشــريعة والهــدايا‬
‫واإلرشاد‪.‬‬
‫‪ 6‬سورة يونس‪ ،‬األية ‪.64-63‬‬

‫‪7‬‬
‫اإلدام ة والت والي‪ ،‬فال يخل ق ل ه الخ ذالن ال ذي ه و ق درة العص يان‪ ،‬وإنم ا ي ديم توفيق ه‬
‫‪1‬‬
‫الذي هو قدرة الطاعة‪".‬‬

‫كما جاء في معجم مقاييس اللغة البن فارس‪ :‬الصاد والالم والحاء يدل على خالف‬

‫الفساد‪.‬‬

‫ق ال ابن الج وزي‪ :‬الص الحون اس م لكل من ص لحت س يرته‪ ،‬وقي ل‪ :‬الص ارفون‬

‫أعم ارهم في طاع ة هللا تع الى‪ .‬وعلى أي ح ال فه ذه التعريف ات ت دل على أنهم املؤمن ون‪،‬‬

‫أصحاب األعم ال الص الحة‪ ،‬الق ائمون بحق وق هللا تع الى وحق وق عب اده‪ ،‬ويس مى‬

‫الص الحون باألولي اء هللا‪ ،‬ألن أولي اء هللا هم ال ذين أمن وا ب ه ووال وه‪ ،‬ف أحبوا م ا يحب‪،‬‬

‫ورضوا بما يرضى‪.2‬‬

‫يشتهر الصالحون كذلك بأنهم مستقيمون في جميع أحوالهم‪ ،‬فهم مطيعون لربهم‬
‫‪3‬‬
‫تبارك وتعالى‪ ،‬وال شك أن من عمل بهذه الطاعة تحصل على بركتها وثمرتها‪.‬‬

‫تعريف التبرك‪:‬‬ ‫‪.5‬‬

‫لغة‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫قال ابن منظور‪" :‬يقال بركت عليه تبريكا أي قلت له بارك هللا عليك"‬

‫جاء في كت اب "معجم مقاييس اللغة"‪َ :‬ب َر َك ‪ :‬الب اء والراء والكاف أصل واحد‪ ،‬وهو ثبات‬

‫الشيء‪.‬‬

‫‪ 1‬القشيري أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن‪ :‬الرسالة القشيرية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ط‪ ،1998 ،1‬ص‪.381‬‬
‫‪ 2‬كتاب التبرك أنواعه واحكامه‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬ناصر بن عبد الحمان‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪ 3‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪ 4‬ابن منظور‪ ،‬مرجع سابق ج ‪ ،10‬ص‪.271‬‬

‫‪8‬‬
‫َك‬ ‫َت ًك‬ ‫َت‬
‫الت برك مص در َب َّر َك َي َت َب َّر ُك َب ُّر ا‪ ،‬وه و طلب الَب ر ة‪ ،‬والت برك بالشيء‪ ،‬طلب البرك ة‬

‫بواسطته‪.1‬‬

‫والتبرك بالشيء طلب البركة بواسطته‪ ،‬جاء في معجم الوسيط‪" :‬تبرك به‪ :‬تيمن"‪.2‬‬

‫إصطالحا ‪:‬‬

‫الت برك ب الولي الص الح ه و بمثاب ة عملي ة وس اطة بين الزائ رين واالاله‪ ،‬في أتي الزائ ر‬

‫ويستنجد بالولي‪ ،‬لشفاء إبنته أو زوجته أو لنجاح إبنته إلخ‪.....‬ولعل هذا ما يجعلنا نرى‬

‫بأنها تلبية لدعوة صاحب الضريح للزائرين‪ ،‬وأن الزائر يتخيل له أن روح الولي الصالح‬

‫تح وم حول ه‪ ،‬وتس تمع إلى ش كواه‪ ،‬إض افة على ه ذا نالح ظ مش هدا أخ ر‪ ،‬ي دخل بعض‬

‫الناس متطأطئين الرؤوس‪ ،‬وذلك يدل على التحية وإكبار الولي وبركاته‪ .‬فمنافع املسلمين‬

‫الصالحين عديدة‪ ،‬وخيرهم كثير‪ ،‬ونفعهم مستمر حتى بعد موتهم‪ ،‬كما جاء في قوله عليه‬

‫الصالة والسالم‪" :‬إذا م‪11‬ات اإلنس‪11‬ان إنقط‪11‬ع عمل‪11‬ه إال من ثالث‪11‬ة‪ ،‬إال من ص‪11‬دقة جاري‪11‬ة أو‬
‫‪3‬‬
‫علم ينتفع به‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له"‬

‫تعريف كرامات الولي الصالح‬ ‫‪.6‬‬

‫الكرامة لغة‪:‬‬
‫َش ُر َف‬ ‫ًة‬ ‫َك ًا‬ ‫َك‬ ‫ّش‬
‫تع رف الكرام ة بال رف والِع زة‪ُ ،‬ي ق ال‪ُ :‬ر َم الَر ُج ُل ‪ ،‬رم وكرام ‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ُج ُد ْث ُة‬ ‫وع ّز ‪ .‬وأص لها من الَك َر‬
‫ِم‬‫را‬ ‫اإلك‬ ‫نى‬ ‫بمع‬ ‫ة‬ ‫الكرام‬ ‫تعمل‬ ‫وتس‬ ‫‪.‬‬ ‫ِر‬ ‫ي‬ ‫الخ‬ ‫ر‬ ‫وك‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫وه‬ ‫‪،‬‬ ‫ِم‬
‫ًا‬ ‫َك‬ ‫ْك‬
‫والت ريِم ‪ ،‬وهو إيصال ال رِم والّن فع إلى الغير‪ .‬ومن معانيها أيض ‪ :‬التْع ظي ‪.‬‬
‫ُم ‪4‬‬

‫‪ 1‬كتاب التبرك أنواعه واحكامه‪ ،‬مرحع سابق‪ ،‬ص‪.30‬‬


‫‪ 2‬معجم الوسيط‪ ،‬مطابع دار المعارف بمصر‪ ،‬ط‪ ،1973 ،2‬ج‪ ،1‬ص‪.271‬‬
‫‪ 3‬صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق كتاب التبرك انواعه واحكامه‪ ،‬ص‪.96‬‬
‫‪ 4‬موسوعة المصطلحات اإلسالمية‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬ص‪.172‬‬

‫‪9‬‬
‫إصطالحا‪:‬‬
‫ّل‬
‫أم ٌر خ ارق للع ادِة غ ير مق روٍن بتح ٍّد وال دْع َو ى الُّن ب ّو ِة ‪ُ ،‬ي ظِه رُه ا ل ُه على أي دي‬

‫أْو لياِئِه ‪.1‬‬

‫كما صنف يوسف العثماني خوارق الولي كاألتي‪ ،‬الخوارق املتعلقة باالطالع واملكاشفة‬

‫وعلم الغيب‪ ،‬باستجابة الدعوة‪ ،‬بتجاوز املوعود واملألوف‪ ،‬بالبركة والنجدة واإلغاثة"‪،2‬‬

‫هذه الخوارق التي يعبر عنها أيضا بالكرامات‪ .‬وتعني الكرامة األمر الخارج عن العادة من‬

‫قب ل شخص غ ير مق ارن ل دعوة النب وة‪ ،3‬فاألنبي اء عرف وا ب املعجزات‪ ،‬واملعج زة هي أم ر‬

‫خارق للعادة يعجز البشر عن اإلتيان بمثله‪ ،‬من ذلك أن معجزات األنبياء تكون حسية‬

‫أو مادية أما الكرامة املادية واملحسوسة إذ يمكن للشخص العادي أن يراها أو يستقرئها‬

‫لدى الولي‪.4‬‬

‫تخ زن الرواي ات الش عبية في طياته ا العدي د من القص ص ال تي ت روي كرام ات‬

‫األولياء‪ ،‬وقدراتهم التي قد تصبح دروسا في عديد املجاالت‪ ،‬وأمثاال بها الناس الذين أمنوا‬

‫به ؤالء األولي اء واعتق دوا فيهم إلى درج ة أن بعض هم ق د يخيط ون للكرام ة أثواب ا عدي دة‬

‫تكون أك ثر جم اال ورونق ا من الواق ع ال ذي يعيش ون في ه فيص دقون ويؤمن ون بم ا ذهب‬

‫إليه خي الهم الواسع‪ ،‬وبالتالي تصبح الكرامة عب ارة على " طريقة ملعالجة الواقع ورسم‬

‫صورة مثالية له "‪.5‬‬

‫‪ 1‬نفس المرجع‪.‬‬
‫‪ 2‬العثماني (يوسف)‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ 3‬المنجد في اللغة واإلعالم‪ ،‬ص‪.672‬‬

‫‪ 4‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.488‬‬


‫‪ 5‬زيعور (علي)‪ ،‬الكرامة الصوفية واألسطورة والحلم‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ ،‬دار األندلس للطبع والنشر والتوزيع‪ ،1984 ،‬ص‪.35‬‬

‫‪10‬‬
‫إن كرام ة األولي اء دلي ل على بركاتهم والكرام ة كم ا يق ول الف رد ب ل‪ :‬هي الفع ل‬

‫األساسي لتحقيق والية الولي‪ ،‬وبحصول الكرامة تحصل البركة‪.1‬‬

‫نسبت الكرامة كذلك في قول العلماء‪" ،‬كل كرامة لولي‪ ،‬فهي أية للنبي الذي اتبعه‪،‬‬

‫الن الكرامة شهادة من هللا عز وجل أن الطريق هذا الولي صحيح‪.2‬‬

‫تعريف التصوف‪:‬‬ ‫‪.7‬‬

‫يرجع الجذر األساسي لكلمة "تصوف" في "املعجم الوسيط" إلى "صاف" "تصّو ف‬

‫فالن‪ :‬ص ار من الص وفية‪ ،‬والتص ّو ف‪ :‬طريق ة س لوكية قوامه ا التقش ف والتحلي‬

‫بالفضائل‪ ،‬لتزكو النفس وتسمو الروح‪ ،‬أما علم التصوف‪ :‬مجموعة املبادئ التي يعتقدها‬

‫املتص وفة‪ ،‬واآلداب ال تي يت أدبون به ا في مجتمع اتهم وخل واتهم " ‪ ،3‬وذات الشيء بالنس بة‬

‫لـ"البستان" الذي يرى أن أصل الكلمة يعود إلى "صاف" ويفّس ر الصوفي‪ :‬عند املتصوفة‬

‫من ه و ف ان بنفس ه ب اق باهلل تع الى مس تخلص من الطب ائع متص ل بحقيق ة الحق ائق‪،‬‬

‫والتص وف‪ :‬ه و تص فية القلب عن موافق ة البري ة ومرافق ة الخالق الطبيعي ة وإخم اد‬

‫الص فات البش رية ومجانب ة ال دعاوى النفس انية ومنازل ة الص فات الروحاني ة والتعل ق‬

‫بعلوم الحقيقة‪ ،‬وخرقة والتصوف‪ :‬ما يلبسه املريد من يد شيخه الذي يدخل في إرادته‬

‫ويتوب على يده‪.4‬‬

‫أم ا عن اس ماعيل الع ربي‪ 5‬فق د جم ع في "معجم الف رق واملذاهب اإلس المية"‪ ،‬بين ع دة‬

‫تعريف ات لتص وف وكي ف أن له ذا املص طلح اش تقاقات مختلف ة وي رى‪ " :‬أن أصحها‬
‫‪1‬‬
‫‪Alfred Bel(A) : L’islam mustique, revue africaine N69, année1928, p.p65-111.‬‬
‫‪ 2‬مجموع فتاوي ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج ‪- 8‬العقيدة ‪ ،8‬المجلد الثامن‪ ،‬دار الثريا للنشر‪ ،‬ص ‪.629‬‬
‫‪ 3‬المعجم الوسيط‪ ،‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬دار عمران‪ ،‬ج‪ ،1،‬ط‪ ،1927 ،2‬ص‪.395‬‬
‫‪ 4‬البستاني‪ ،‬اللبناني‪( ،‬عبد هللا)‪ ،‬البستان‪ :‬معجم لغوي‪ ،‬لبنان‪ ،‬المطبعة األمريكانية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ ،1927 ،1 ،‬ص‪.1375‬‬
‫‪ 5‬العربي إسماعيل‪ ،‬معجم الفرق والمذاهب اإلسالمية‪ ،‬المغرب‪ ،‬منشورات دار األفاق الجديدة‪ ،1993 ،‬ص‪.85‬‬

‫‪11‬‬
‫وأصدقها هو التعريف الذي يقول إن الكلمة مشتقة من "تصوف" أي لبس الصوف على‬

‫سبيل التقش ف والزه د في ال دنيا‪ ،‬وه و املنهج ال ذي س لكه متص وفة اإلس الم في عص ور‬

‫التصوف األولى‪ .‬وقد بدأ إستعمال كلمة "متصوف" بمعنى الزاهد‪.‬‬

‫لقد ازدهرت الطرق الصوفية في العهدين املوحدي والحفصي وقويت اللحمة بين شيوخ‬

‫التصوف والفقهاء واستطاع املتصوفون بفضل تضلعهم في العلوم وبصفائهم الروحي أن‬

‫يجمعوا حولهم األتباع واملريدين فأسسوا الزوايا في كل مكان وفرضوا نفوذهم وأخمدوا‬

‫الفتن وبالتالي يرجع إليهم الفضل في ابقاء افريقيا مسلمة‪ .‬وفي مطلع الحكم العثماني على‬

‫البالد التونس ية ‪982‬ه ‪1573-‬م – ‪ 1117‬ه ‪ 1705-‬م س ار رج ال السياس ة على من وال‬

‫من سبقهم في االعتراف بمشائخ الطرق الصوفية واحترام شيوخها والتقرب اليهم‪ ،‬ببناء‬

‫الزوايا وتحبيس العقارات عليها حتى تقوم بأداء رسالتها الدينية والصوفية على أحسن‬

‫وجه‪ .‬ولي العه د الحسيني ( ‪ 1117‬هـ ‪1705‬م ‪ 1376‬هـ ‪1957‬م) اعـتـرف بالطرق الص وفية‬

‫قانوني ا وأح دثت خط ة اداري ة ومعي رئيس ع ام ي دعى ش يخ مش ائخ الطريق ة الص وفية‪،‬‬

‫وبهذه الرعاية تزايد عدد طرق الصوفية وكثر أتباعها في كل مكان‪ ،‬وقد بلغ عدد الطرق‬

‫ال تي كانت موجودة بالبالد التونسية سنة ‪1308‬هـ ‪ 1890‬م ثماني عشرة طريقة موزعة‬

‫على عـ‪505‬ــد زاويـة وع ‪310 . 699‬دد من األتب اع واملري دين وه ذه الط رق على ن وعين‬

‫مـحليـة كالطريقة العامرية نسبة إلى الولي الصالح الشيخ سيدي عامر املزوغي ودخيلة أي‬

‫وفدت على البالد التونسية من الخارج كالطريقة القادرية نسبة الى الشيخ محيي الدين‬
‫‪1‬‬
‫عبد القادر الجيلي أو الجيالني أو الكيالني نسبة ملدينة جيالن ببالد فارس‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫كتاب "السماع عند الصوفية والحياة الموسيقية بصفاقس في القرنين الناسع عشر والعشرين" المؤلف‪ :‬الحشيشة‪ ،‬علي‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪12‬‬
‫الطريقة القادرية‪:‬‬ ‫‪.8‬‬

‫مفهوم الطريقة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫الطريق ة عن د الص وفية‪ ،‬هي الس يرة املختص ة باملتص وفة الس الكين إلى هللا‪ ،‬فهي‬

‫سفر إلى هللا تعالى‪ ،‬ويقول صاحب كتاب ظهور الحقائق في بيان الطرائق‪" :‬والطريقة عند‬

‫أه ل الحقيق ة عب ارة عن مراس م هللا تع الى وأحكام ه التكليفي ة ال تي ال رخص ة فيه ا‪ ،‬وهي‬

‫املختصة بالسالكين إلى هللا تعالى"‪.1‬‬

‫وقد فرق الصوفية بين الطريق والطريقة فالطريق هو السبيل الذي يسلكه املريد‬

‫وصوال الى املراد‪ ،‬وهو ما كان معروفا لدى املتصوفة ابان التصوف في مراحله االولى أو‬

‫ما يعرف بالتصوف الفردي‪ ،‬أما الطريقة كاصطالح ظهر الحقا إبان التصوف الجماعي‬

‫املنظم‪ ،‬يطرق على جماعات املعاشرة اإلخوانية التي تعرف باسم الطرق الصوفية وتدعى‬

‫الواجدة منها باسم الطريقة‪.2‬‬

‫إذن الطريق ة هي مجموع ة من الش عارات واملمارس ات واالذكار‪ ،‬تختل ف فيه ا كل طريق ة‬

‫عن أخ رى الع دد واألزمن ة ولكل طريق ة ص وفية م ا يميزه ا عن غيره ا من املمارس ات‬

‫الصوفية‪ ،‬فالقادرية تتميز باإلحسان والصدقة والرحمانية بالعزة والخلوة والعيساوية‬

‫بالتصوف الخشن بما يوحي بأهمية االحسان البدني عندها‪ ،‬والدرقاوية بتفضيل الفقر‬

‫واالبتعاد عن طلب السلطة والطيبية والتيجانية تتميز بالتسامح واالعتدال والسنوسية‬


‫‪3‬‬
‫بإعطاء األولوية للسلطة الدينية‪.‬‬

‫‪ 1‬كتاب الطرق الصوفية في مصر‪ ،‬الدكتور عامر النجار‪ ،‬ص‪.19‬‬


‫‪ 2‬مرجع سابق‪ ،‬نفس المرجع‪.‬‬
‫‪ 3‬العشعاش‪ ،‬حنان‪ ،‬دور التيار الصوفي في التوراة الشعبية خالل القرن التاسع عشر ميالد‪ ،‬رس‪CC‬الة ماجيس‪CC‬تير في الت‪CC‬اريخ‪ ،‬جامع‪CC‬ة محم‪CC‬د خيض‪CC‬ر‬
‫بسكرة سنة‪ ،2013-2012 ،‬ص‪.12‬‬

‫‪13‬‬
‫تعد الطريقة القادرية نشأت بآسيا الصغرى خالل القرن السادس هجري الثاني عشر‬

‫ميالدي نسبة للشيخ محي الدين عبد القادر الجيلي (نسبة إلى جيالن)‪ ،‬املتوفى سنة ‪561‬‬

‫ه ‪1165‬م دفين بغداد وانتقلت هذه الطريقة إلى األندلس وانتشرت في والية بني األحمر‬

‫مل وك غرناط ة وبع د س قوطها انتقلت ه ذه الطريق ة م ع امله اجرين إلى ش مال إفريقي ا‪،‬‬

‫وانتشرت باملغرب خاصة والشيخ الحاج محمد املازوني املغربي املتوفى سنة ‪1296‬هـ هو‬

‫أول مؤسس للطريقة القادرية بزاوية نهج الديوان بتونس ثم انتشرت في عديد الجهات‬

‫ب داخل البالد التونس ية ففي كل مدين ة أو قري ة الب د من وج ود مكان أو زاوي ة أو زواي ا‬

‫يجتمعون فيها جماعة القادرية لقراءة وإنشاد أذكارهم وأحزابهم‪.1‬‬

‫‪ .II‬تقديم زاوية سيدي علي بن عون‬

‫‪ .1‬تعريف مدينة سيدي علي بن عون‬

‫تقع مدينة سيدي علي بن عون في الجنوب الغربي من والية سيدي بوزيد‪ ،‬تحدها‬

‫ش ماال معتمدي ة ب ئر الحفي وجنوب ا أوالد منص ر وغرب ا حاسي الفري د التابع ة لوالي ة‬

‫القصرين‪ ،‬وكانت تعد قرابة ‪30‬ألف ساكن في عام ‪ .22014‬تبعد عن مركز والية سيدي‬

‫بوزي د‪ 3‬قراب ة ‪ 40‬كلم جنوب ا و‪ 60‬كلم ش مال مدين ة قفص ة‪ ،‬كم ا اش تهرت بمهرج ان‬

‫"ال زردة" لل ولي الص الح س يدي علي بن ع ون‪ ،‬ال ذي أص بح من املوروث ات والع ادات‬

‫والتقاليد التي حافظ عليها أهالي الجهة‪.4‬‬


‫‪ 1‬مرجع سابق‪ ،‬الحشيشة‪ ،‬علي‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫‪ 2‬المعهد الوطني لإلحصاء‪ ،‬إحصائية ‪.2014‬‬
‫‪ 3‬سيدي بوزيد هي احدى واليات الجمهورية التونسية األربع والعشرين‪ ،‬كانت "قمودة" (لفظة بربرية تعني الزهراء البرية‪ ،‬وذهب أخرون الى أن‬
‫قمودة مشتقة من مادة قمد في العربي‪C‬ة وال‪C‬تي تفي‪C‬د مع‪C‬اني الش‪C‬دة والتمعن‪ ،‬لس‪C‬ان الع‪C‬رب‪ ،‬ابن منظ‪C‬ور المجل‪C‬د الث‪C‬الث‪ ،‬ط‪ ،4‬ب‪C‬يروت‪ ،‬دار ص‪C‬ادر‪،‬‬
‫‪ ،2005‬ص‪ ). 160‬تعرف في السابق أو" بر الهمامة" تقع بالوسط الغربي للبالد التونسية تحدها من الشمال كل من واليتا القيروان وسليانة‪ ،‬ومن‬
‫الجنوب قفصة وقابس اما غربا والية القصرين‪ ،‬وشرقا والية صفاقس‪ ،‬فهي بهذا منطقة محورية‪.‬‬
‫‪ 4‬دراسة سوسيولوجية بمدينة سيدي علي بن عون "الشباب السلفي في تونس"‪ ،‬صدر عن المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات كتاب ماجد‪،‬‬
‫فروي‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫تعود تسمية املدينة إلى الولي الصالح "سيدي علي بن عون" حيث يوجد ضريحه‪.1‬‬

‫املوقع الجغرافي لزاوية سيدي علي بن عون‬ ‫‪.II.1‬‬

‫يقع مقام الشيخ سيدي علي بن عون على سفح جبل الساهلة على بعد ‪5‬كلم غرب‬

‫مدينة "سيدي علي بن عون" التي توجد على الطريق الوطنية عدد‪ 03‬الرابطة بين قفصة‬

‫وتونس‪ ،‬تفصلها ‪ 285‬كلم عن العاصمة من جهة الشمال و‪ 60‬كلم من جهة الجنوب عن‬

‫مدينة قفصة‪.‬‬

‫يسمى املكان الذي استقر به الشيخ علي بن عون‬

‫" ِف راْش بالَر اْض َي ة‪ " 2‬وهي كامل املنطقة التي يسكنها أحفاده حاليا‪.‬‬

‫الولي الصالح سيدي علي بن عون‬ ‫‪.2‬‬

‫‪ .1.2‬والدته ونسبه‪:‬‬

‫ًت رجح أغلب املصادر للولي الصالح "سيدي علي بن عون"‪ ،‬بأنه ولد سنة ‪ 1640‬م‬

‫وت وفي س نة ‪ 1640‬م‪ ،‬ويثبت الت واتر ان ه ذا ال ولي الص الح ق د عّم ر ‪ 125‬عام ا قضى‬

‫معظمها في طلب العلم والعبادة واإلرشاد‪ .‬ومنذ وفاته دأب أحفاده على إقامة "الزردة‪،"3‬‬

‫باإلض افة إلى ذل ك نع ود إلى أص ول ال ولي الص الح "س يدي علي بن ع ون بن عب د هللا بن‬

‫مسعود القوماري" نسبة الى املدينة التي انحدر منها ابوه‪ ،‬ومدينة "قومار" هي إحدى مدن‬

‫س وف بجري د الجزائ ر ام ا ام ه ياقوت ة فهي من قبيل ة أوالد إب راهيم (الحرش ان) اح دى‬

‫‪ 1‬الضريح ‪(:‬جمع ضرائح وأضرحة) بناية معمارية تبنى على قبر أحد األشخاص تخليدا لذكراه‪ .‬ويختلف المقام عن‪CC‬ه من ناحي‪CC‬ة أن‪CC‬ه‬
‫ليس بالضرورة أن يكون المقام مكان دفن أو قبر بل من الممكن أن يكون مكان إقامته في يوم من األي‪CC‬ام أو مك‪CC‬ان ممارس‪CC‬ة الطق‪CC‬وس‬
‫الدينية أو كلن قد مرعليه في يوم من األيام‪ ،‬ومن ثم اشتهر بين الناس فيشاد على هدا المكان بناء عبادة لكي يزوره الناس‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وهو السهل الممتد‪ ،‬في سفح جبل الساهلة‪ ،‬وفيه تقع اليوم مدينة بن عون من والية سيدي بوزيد‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪15‬‬
‫قبائل عرش الهمامة نزحت اسرتها إلى بلدة توزر عاصمة الجريد‪ ،‬فتعرفت األسرة على‬

‫الشيخ "ع ون بن مس عود القوماري" حيث كان يعمل مؤدب ا هن اك في ت وزر‪ ،‬وم ع ال وقت‬

‫أص بح ف ردا من أس رة الحرش انية وت زوح ابنتهم ياقوت ة‪ .‬وكان الش يخ "ع ون " من أه ل‬

‫الصالح ولم تطل معاشرته لزوجته اذ فارقها وهي حامل "بسيدي علي بن عون" وتربى‬

‫الشيخ " علي بن ع ون" عن د أخواله مدة وتزوجت امه من أحد أقربائها املسمى يوسف‬

‫وأنجبت منه أوالد يوسف‪ ،‬ففي سن العاشرة ارتحل "علي" الى مدينة فاس باملغرب حيث‬

‫درس الفقه والتفسير والحديث وأصول الحكمة بزاوية موالي ادريس األكبر ثم عاد الى‬

‫القيروان لدراسة العلوم الدينية‪ ،‬ومنها توجه الى قصر قفصة حيث تتلمذ على يد املربي‬

‫الفاضل "سيدي عمر بن عبد الجواد"‪ ،‬حيث مكث مدة طويلة إلى أن بدت تظهر كرماته‬

‫وص الحه‪ ،‬فطلب من ه ال ولي الص الح "س يدي عم ر بن عب د الج واد" املغ ادرة لالس تقالل‬

‫بنفس ه‪ ،‬فس تقرى ب ه املق ام في املكان املع روف بف رش بن راض ية (س فح جب ل الس اهلة)‪،‬‬

‫حيث أقام زاويته املوجودة إلى حد األن في مدينة "سيدي علي بن عون"‪ ،‬قاوم سيدي علي‬

‫بن عون كل أنواع التطرف والتعصب من خالل معامالته مع الناس‪ ،‬كما تصد "سيدي‬

‫علي بن ع ون " لغطرس ة البي ات الحسينيون في عه ده‪ ،‬وحمى أبنائ ه من دف ع الجزي ة‬

‫والض رائب‪ ،‬وكانت ل ه مكان ة خاص ة ل دى العائل ة الحسينية ال ذين كانوا يق درون ورع ه‬

‫وصالحه‪.1‬‬

‫‪ 1‬الحرشاني‪ ،‬محمود‪ ،‬مقتطف من محاضرة طويلة‪ ،‬ألقاها في مدينة العيون بــالمغرب األقصــى في ملتقى العيــون األدبي حــول "الزوايــا وأوليــاء هللا‬
‫الصالحين"‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ان أصالب سيدي علي بن عون هم "العواينية" و"الونايسية" و"البسادرية"‪ ...‬وهم‬

‫يتوزع ون في ع دد من الوالي ات خاص ة والي ة س يدي بوزي د ووالي ة ت وزر ووالي ات أخ رى‬

‫وتتكون زاوية "سيدي علي بن عون" التي يرجع تاريخ بنائها الى القرن ‪18‬م حسب ما تثبته‬

‫بعض املصادر‪ ،‬من قاعة كبرى في املدخل تنفتح على قاعة صغرى بها ضريح الولي الصالح‬

‫وابنت ه ش بلة‪ ،‬وق د ش هد مق ام س يدي علي بن ع ون ع دة تحسينات وتط ويرات خالل‬

‫السنوات األخيرة وبني بجانب املقام مسجد لصالة وبيوت لضيافة إلقامة الزوار‪.‬‬

‫‪.2.2‬كرامات الولي الصالح سيدي علي بن عون‬

‫ي رى كث يرا في عص رنا الي وم أن ج زءا هام ا من تراثن ا غ ير املادي يبقى مه ددا‬

‫بالتالشي والض ياع‪ ،‬طاملا لم يكن م دعما ب ذاكرة ق ادرة على املحافظ ة علي ه ونقل ه ع بر‬

‫ذاك رة األجي ال‪ ،‬وال نقص د ب ذلك املقارب ة املتحفي ة له ذه ال ذاكرة وال تي له ا دوره ا في‬

‫املحافظة على ما يمثله التراث املادي من أهمية بالغة في دراسة مجموعة بشرية معينة أو‬

‫ف ترة زمني ة مح ددة فحس ب وإنم ا نحن إزاء ال ذاكرة البش رية ال تي تعتم د اللغ ة أساس ا‬

‫الس تمرارها‪ ،‬ووس يلة لتمظهره ا والكش ف عن خفاياه ا‪ ،‬فتتح ول إلى لس ان ي روي ذل ك‬

‫املاضي الحاضر أو تلك الزاوية من الزمن التي صورت مشاهد من حياة األجداد ‪ ،‬وتلك‬

‫التفاعالت التي ميزت طرق عيشهم وبقيت ماثلة في حاضر أيامنا ومستقبلنا‪.‬‬

‫ف املروي بوص فه عنص را أساس يا من ض من العناص ر املكون ة ل تراث غ ير املادي‬

‫يقوم بمثابة السجل التذكري‪ ،‬ذلك أن الرواية الشفاهية ال تنقل املخيال املبدع من جيل‬

‫إلى اخر فقط بل إنها كذلك تحث على استمرارية املنتوج املبدع وتوثيق أبرز مراحله‪ ،‬وفي‬

‫‪17‬‬
‫ه ذا اإلط ار يت نزل مج ال بحثن ا في جم ع وتوثي ق مجموع ة من املف ردات التراثي ة املكون ة‬

‫لج انب من املأثور الش عبي ال ت زال امتدادات ه تفع ل في الحاض ر انطالق ا من محافظ ة‬

‫الذاكرة الشعبية على معالم و قراءات معينة وهو ما سنحاول استجالء مضامينه انطالقا‬

‫من البحث في املأثورات القولية في سيرة الشيخ علي بن عون‪.1‬‬

‫ج اء في رواي ات األحف اد أن الش يخ "علي بن ع ون" ع رفت عن ه العدي د من‬

‫الكرام ات‪ ،2‬ش أنه في ذل ك ش أن الكث ير من األولي اء الص الحين‪ 3‬بص ورة عام ة‪ ،‬ب ل إن ه في‬

‫رواي ات البعض وحكاي اتهم املأثورة عن ه ق د تف وق علال ه ؤالء باعتب ار جه ده الكب ير في‬

‫الطاعة والعبادة والورع واإلصالح‪ ،‬ومن أهم الكرامات‪ ،‬أنه ملا كان يدرس مع غيره من‬

‫طلب ة العلم بزاوي ة س يدي عم ر العك رمي بقص ر قفص ة‪ ،‬كان يتقاس م م ع زمالئ ه عملي ة‬

‫إع داد الطع ام‪ ،‬حيث كان يض ع الق در على رجلي ه وه و ج الس فيغلي املاء دون إش عال‬

‫النار‪ ،‬ثم إنه ذات مساء ملا كانت السماء مغيمة سأله شيخه "عمر بن عبد الجواد "عن‬

‫مسار واتجاه هذه السحب واألماكن والديار التي ستشهد نزول االمطار فحدد له الشيخ‬

‫ووصف له كثافة السيول واملنازل التي تمر بها وفعال كان كالمه صحيحا‪.‬‬

‫وإلى ج انب م ا قي ل في ه ذا املج ال‪ ،‬نالح ظ حض ورا متواص ال في املأثور القصصي‬

‫والشعري للشيخ "علي بن عون" مثلما يرويها أحفاده بشكل يصبح معه األسلوب الروائي‬

‫‪ 1‬عمران‪ ،‬كمال‪ ،‬الثقافة اإلسالمية‪ ،‬مظاهر من التجريب والتجريد‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬تونس‪.1992 ،‬‬
‫‪ 2‬الكرامات هي جمع كرامة‪ ،‬وهي أمر خارق للعادة يظهره هللا على يد بعض الصالحين من أتباع الرسل الملتزمين‪ ،‬ألحكام الشريعة فضــال من هللا‬
‫وإكراما من غير شذوذ وال مخالفة‪.‬‬
‫‪ 3‬الولي هو الرجل المؤمن المتقي‪ ،‬المواظب على الطاعات‪ ،‬المتقيد بأوامر هللا ونواهيه‪ .‬وفي هذا اإلطار أصبح االعتقاد في األوليــاء في مجتمعاتنــا‬
‫العربية واإلسالمية يعبر عن مستوى العالفـة بين الـدين الشـعبي والـدين الرسـمي‪ ،‬حيث يشـير الكـاتب التونسـي محمـد المـرزوقي إلى سـعة انتشـار‬
‫االعتقاد باألولياء في أوساط اجتماعية عديدة خصوصا بين قبائل الجنوب التونسي‪.‬‬
‫المرزوقي‪ ،‬محمد‪ ،‬مع البدو في حلهم وترحالهم‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس‪ ،‬ليبيا‪.1983 ،‬‬

‫‪18‬‬
‫وما يتضمنه من أشعار وقصص ومواقف بطولة هو نفسه الوعاء واإلطار العام الذي‬

‫تتحرك ضمنه شبكة من مواقف الكرامات‪.‬‬

‫كما نجد قصة إعفاء عروش الحرشان من الجباية‪:‬‬

‫تق ول الرواي ة الش عبية أن الحس ين بن علي ملا كان باي ا مكلف ا بجم ع الض رائب من‬

‫القبائل التونسية في داخل البالد‪ ،‬طلب منه الشيخ علي بن عون إعفاء عروش الحرشان‬

‫من دف ع الجباي ة إلى ب اي ت ونس‪ ،‬وتحويله ا إلى زكاة مخففة ت دفع إلى زاوي ة الش يخ‪ ،‬وبع د‬

‫م دة أص بح حس ين بن علي باي ا على اإليال ة التونس ية‪ ،‬ف ذهب إلي ه الش يخ لي ذكره بطلب ه‬

‫فأنشد قصيدته التالية‪:‬‬

‫ربيتني في الداللة‬ ‫يا بينا خير وأخـ ـ ــتار‬

‫تشتاق ليك العمالة‬ ‫إنت كيما شهر رمضان‬

‫بالناب خارش جماله‬ ‫وإنت كيما ثلب ه ــدار‬

‫بالخف حاسك أشباله‬ ‫وإنت كيما صيد قحطار‬

‫وبع د اس تماع الب اي الى ه ذه األبي ات تق ول الرواي ات الش عبية أن ه اش ترط على‬

‫الشيخ علي بن عون إقامة وليمة لجميع الحاضرين في القصر من باب التحدي واملناظرة‬

‫مقابل تلبية‪ ،‬مطلبه‪ ،‬فطلب منه الشيخ إمهاله حتى قدوم الليل‪ ،‬وعند املوعد املذكور نزل‬

‫الجميع إلى ساحة القصر أين تجمع الناس للعشاء‪ ،‬فامر الشيخ بإطفاء االنوار ثم أنشد‬

‫يقول‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫وأمس السفرة ليك‬ ‫الليلة السفرة لي‬

‫وهوما شهود عليك‬ ‫ديوانك يتفرج في‬

‫ما هوش شغل إيديك‬ ‫هذا شغل الباري‬

‫وبع د أم ر بإش عال األن وار من جدي د ف إذا القص اع ق د م دت من كل أص ناف‬

‫األطعمة وسط ذهول ودهشة الحاضرين‪ ،‬ولكن الباي رفض ذلك متهما إياه بالشعوذة‬

‫والتحيل ثم أمر بإلقائه ليكون طعاما لألسد عقابا له‪ ،‬وهنا يذكر الرواة أن الشيخ أنشد‬

‫بعض األشعار وهو في قفص األسد‪:‬‬

‫وعلى بركة هللا لي تروم‬ ‫إنت مظلوم وأنا مظلوم‬

‫ويقول الرواة أن الشيخ قد بقي على هذه الحالة ليلة كاملة دون أن يتعرض ألذى‬

‫هذا الحيوان الضاري حتى الصباح‪ ،‬عند ذلك فتح حراسه الباب ليخبرهم بأن الباي ال‬

‫يمكن أن يسجنه لفترة أطول ألنه في حفظ هللا ورعايته‪.‬‬

‫وبقطع النظر عن مدى موضوعية هذه النصوص واألخبار الروائية املتواترة فيها‪،‬‬

‫فإنها تكشف عن تعبير العامة في هذه املجتمعات عن عالقتها بالسلطة املركزية الحاكمة‬

‫ال تي تتس م في مجمله ا بالص راع واملقاوم ة‪ ،‬وهي مقاوم ة تتم في الغ الب بواس طة ش يوخ‬

‫الزواي ا والط رق الص وفية حيث ع رف ه ؤالء بإص الحاتهم االجتماعي ة واغ اثتهم للفق راء‬

‫واملساكين وذوي الفاقة والعوز في مجتمعات غاب عنها حضور الدولة لفترات طويلة‪.1‬‬

‫‪ 1‬أركون‪ ،‬محمد‪ ،‬الفكر اإلسالمي نقد واجتهاد‪ ،‬دار السافي‪ ،‬ط‪ ،1‬لندن‪.1990 ،‬‬

‫‪20‬‬
‫تع ددت الرواي ات والحكاي ات ال تي تص ور كرام ات الش يخ علي بن ع ون‬

‫وتف رده بالص الح وال ورع‪ ،‬وجه ده في اإلص الح وخدم ة الن اس‪ ،‬كم ا نالح ظ حض ورا‬

‫متواص ال ملوض وع الكرام ات في املأثور القصصي والش عري للش يخ علي بن ع ون ال ولي‪،‬‬

‫مثلما يرويها أحفاده بشكل مكثف‪ ،‬يصبح معه األسلوب الروائي وما يتضمنه من أشعار‬

‫وقصص ومواقف بطولة هو نفسه الوعاء واإلطار العام الذي تتحرك ضمنه شبكة من‬

‫مواقف الكرامات واالشادة بخصال ومناقب الشيخ‪.‬‬

‫ويمكن الق ول أن ه ذه الرواي ات على اختالف تفاص يل بنائه ا القصصي‪ ،‬وحيثي ات‬

‫س ياقاتها الروائي ة املتحرك ة تعت بر كله ا مف اهيم منش ودة للبطول ة النفس ية والحربي ة‬

‫املفقودة في الواقع الشعبي للرواية‪.‬‬

‫وصف زاوية سيدي علي بن عون‬ ‫‪.3‬‬

‫ال تكاد قرية أو مدينة في كل الجهات التونسية تخلو من مقام ولي صالح أو ضريح‬

‫أو قب ة أو مق برة‪ .‬فلكل تجم ع ريفي أو حض ري أو قري ة نائي ة وله ا الح ارس وش يخها‬

‫الحاضر في أذهان عجائزها وشبابها على السواء‪ .‬فيرجع تاريخ بناء الزاوية حسب ما تثبته‬

‫بعض املص ادر‪ ،‬إلى الق رن الث امن عش ر وتتكون ه ذه الزاوي ة من قاع ة ك برى في املدخل‬

‫تضفي إلى قاعة صغرى أقل‪ ،‬فهذه القبور مكسوة بالزرابي والتوابيت الخشبية املزخرفة‬

‫على امتداد التوسعات املتعاقبة واالضافات العمرانية التي عرفها املقام‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫وق د ش هد مق ام ه ذا ال ولي ع دة تحسينات وتط ويرات خالل الس نوات األخ يرة‪،‬‬

‫وبني بجانب املقام مسجد لصالة‪ ،‬وبيوت لضيافة إلقامة الزوار‪ ،‬وقد تضمنت الحجرة‬
‫‪ 1‬بحث ميداني‪ ،‬بمرافقة حارس الزاوية‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫الرئيسية للزاوية تحت القبة املغطاة من الداخل بوحدات خزفية اسطوانية‪ ،‬عددا من‬

‫التوابيت املكسوة باألقمشة الخضراء املزينة‪ ،‬تحيط بها من جميع الجهات ستائر حمراء‬

‫وبنية فاتحة ووردية فاقعة ال تخلو مضامينها ومنمنماتها من الفخامة والتعظيم والرهبة‬

‫والوق ار‪ ،‬يتوّس طها من جه ة اليمين ض ريح الش يخ علي بن ع ون يلي ه مباش رة الض ريح‬

‫املشترك بين ابنته شبلة وابنه بلحسن ومحمد الصغير‪" ،‬كما تضم الحجرة أربعة أضرحة‬

‫متالص قة لع دد أخ ر من أبن اء ص احب املق ام‪ ،‬وهم عب د املطلب وعب د الج واد وعب د هللا‬

‫وبو جملين‪ ،‬كما تنتشر توابيت أخرى غرفة القبة لبقية أبناء الشيخ مثل عون البدري‪،‬‬

‫وفاطمة الصغيرة‪ ،‬وقبور زوجاته وبعض األقارب‪.‬‬

‫ل ذلك فكل أش كال تق ّر ب العوايني ة وت وّد د ال زوار الص اخبين ال يتيح فق ط ج ني‬

‫البركات والخيرات ولكن أيضا يبعد الشّر واألذى والهالك وسوء املصير‪.‬‬

‫وتستمر األمني ات وتت واتر الزيارات على م دار السنة األعي اد واملناسبات خاصة‬

‫من النس اء والفتي ات الحاملات‪ ،‬الالتي يتق دمن إلى ض ريح الش يخ لالحتف ال والت برك‬

‫والتض رع من أج ل رف ع املظ الم وتج اوز املحن أو الخ روج من مش كل أو ورط ة أملت‬

‫بالنفس أو باألهل لقول أحد الشعراء في وصف الزاوية‪.‬‬


‫ْت‬
‫إ سَّم ا على بن عون موال الجاه‬

‫رَّو ْح لوطنوا طول بان غاله‬


‫ْن ُت‬
‫جامع كبير في َب ي و صحاني‬

‫يرحم من قام وأسسوا وبناه‬

‫‪22‬‬
‫وقبة جميلة فوق من السيساني‬

‫من البعد تلمع في الظالم تراه‬

‫نطلب عليه يكون من ُّع واني‬

‫وفي كل ساعة نندهو نلقاه‬

‫‪23‬‬
‫اني‪ :‬املوروث‬ ‫املحورالث‬

‫املوس يقي ال دارج ب زردة زاوي ة‬

‫سيدي علي بن عون‬

‫‪ .I‬أطوار املمارسات الطقوسية الدارجة بزردة سيدي علي بن عون‬

‫اإلطار التاريخي لإلحتفال بزردة سيدي علي بن عون‬ ‫‪.1‬‬

‫يع ود تنظيم االحتف ال الش عبي ل زردة إلى نهاي ة الق رن الث امن عش ر أو بداي ة‬

‫الق رن التاس ع عش ر ميالدي ا‪ ،1‬وق د تواص ل ح تى بداي ة العق د األخ ير من الق رن‬

‫العش رين وتحدي دا س نة ‪ ،1992‬ورغم سياس ة التضبيق واالحت واء ال تي تعرض ت له ا‬

‫بعض الزوايا من قبل السلطات الفرنسية في الفترة االستعمارية‪.2‬‬

‫ويعتبر تواصل ظاهرة "الزردة" من أهم طقوس التدين الشعبي‪ ،‬نظرا إلى كونها‬

‫الطقس األكثر شعبية بين مختلف طقوس الزاوية‪ ،‬ألنه الطقس الوحيد الذي يجمع‬

‫‪ 1‬وناسي‪ ،‬مفتاح مقابلة مع رئيس جمعية مهرجان سيدي علي بن عون‪ ،‬منذ ‪ ،2014‬وأمين مالها منذ ‪.2005‬‬
‫‪ 2‬العجيلي‪ ،‬التليلي‪ ،‬الطرق الصوفية واالستعمار الفرنسي بالبالد التونسية ‪.1939-1881‬‬

‫‪24‬‬
‫مختل ف الفئ ات االجتماعي ة والعمري ة من نس اء وأطف ال وكه ول وش يوخ‪ .‬ولئن كانت‬

‫التس مية األك ثر انتش ارا في األوس اط الريفي ة هي "ال زردة"‪ ،‬فإنه ا تس مى ك ذلك في‬

‫األوس اط الحض رية بـ ـ ـ "الزي ارة" أو "الخرج ة"‪ .1‬وتغلب على وظ ائف الزاوي ة أثن اء‬

‫االحتفال الشعبي الوظيفة الدينية‪ ،‬وتقترن بها عدة وظائف أخرى اجتماعية وترفيهية‬

‫واقتصادية يمكن اعتبارها أبعادا للوظيفة الدينية الرئيسة‪ .‬فمختلف هذه الوظائف‬

‫تس تمد معناه ا من س ياقها ال ديني‪ ،2‬وهي وظ ائف متداخل ة س نحاول الفص ل بينه ا‬

‫لغايات إجرائية منهجية‪.‬‬

‫أبعاد الزردة بمدينة سيدي علي بن عون‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫أبعاد دينية‬ ‫‪.2.1‬‬

‫تكشف مختلف الطقوس التي تتكون منها "الزردة" اعتراف املريدين أو حرفاء‬

‫الزاوية‪ ،‬كما يسميهم درمنقهام ‪- Dermenghem‬ببركة الولي وكراماته‪ ،3‬وتشمل الوظيفة‬

‫الدينية "للزردة" عدة أركان تتمثل أهمها في الزيارة والحضرة والوعدة (النذر)‪.‬‬

‫‪ -‬الزيارة‪:‬‬

‫هي طقس يمكن ممارس ته في مختل ف األي ام‪ ،‬إال أن ه أثن اء أي ام "ال زردة" يكتس ب دالل ة‬

‫روحية ودينية أكثر"‪ ،‬وهي الركن األساس في منظومة طقوس أي زاوية‪ .4‬وتشمل العديد‬

‫‪ 1‬الغابري‪ ،‬مريم خير الدين‪ ،‬االحتفال الديني الشعبي‪ :‬التواصل والتح‪CC‬ول زردة س‪CC‬يدي بن ع‪CC‬ون نموذج‪CC‬ا‪ ،‬رس‪CC‬الة دكت‪CC‬وراه‪ ،‬كلي‪CC‬ة العل‪CC‬وم اإلنس‪CC‬انية‬
‫واالجتماعية بتونس ‪ ،2000-1999‬ص‪.65 ،‬‬
‫‪ 2‬الشارني‪ ،‬عبد الوهاب‪ ،‬ظاهرة الزاوية والمعتقدات الشعبية في المجتمع التونسي الي‪CC‬وم‪ ،‬األس‪CC‬س االجتماعي‪CC‬ة والتح‪CC‬والت‪ ،‬رس‪CC‬لة دكت‪CC‬وراه‪ ،‬كلي‪CC‬ة‬
‫العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬ب تونس‪ ،1995‬ص‪.500‬‬
‫‪ 3‬دراسة في الثابت والمتحول في عالقة الدولة بالقبائل في المغرب‪ .‬بيروت دار الطليعة‪ ،1991 ،‬ص‪ .46 ،‬مريم خ‪CC‬ير ال‪CC‬دين الغ‪CC‬ابري‪ ،‬االحتف‪CC‬ال‬
‫الديني الشعبي‪ ،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪ 4‬صولة‪ ،‬عماد‪ ،‬وظائف الزاوية في المجتمع التونسي‪ :‬سيدي بشير نموذجا‪ ،‬رسالة الدكتوراه‪ ،‬كلية العل‪CC‬وم اإلنس‪CC‬انية بت‪CC‬ونس‪ ،1993-1992 ،‬ص‬
‫‪.157‬‬

‫‪25‬‬
‫من املمارسات منها قراءة الفاتحة والطواف حول األضرحة املوجودة في حجرة الزيارة‬

‫والدعاء وتقبيل الجدران واألضرحة واملسح على السناجق التي تغطيها‪ ،‬وبما أن الزاوية‬

‫تحت وي على ض ريح ال ولي س يدي علي بن ع ون والبعض من أبنائ ه وابنت ه لال ش بلة‪ ،‬ف إن‬

‫زوار الزاوية يبدؤن بالوقوف في حضرة الولي أوال ويقرؤون الفاتحة ثم يطوفون ببقية‬

‫األضرحة ويقفون كذلك في حضرة االبن الذي يتحدر منه الفرع الذي ينتمي إليه الزائر‬

‫إن كان ينتمي إلى أوالد س يدي علي بن ع ون‪ ،‬ثم ينته ون بق راءة الفاتح ة والوق وف على‬

‫ضريح لال شبلة‪.1‬‬

‫ولئن تميز الرجال بخشوعهم وصمتهم عند الدخول إلى الحجرة التي تأوي ألضرحة‪ ،‬فإن‬

‫النسوة عن د الزيارة ال يخش عن وأغلبهن ال يقرأن الفاتح ة‪ ،‬وإنما يكتفين بالزغاريد التي‬

‫تع د ص يحات وبتردي د بعض املق اطع من م دائح وأذكار تعلي مرتب ة ال ولي مخل دة خص اله‬

‫وبركات ه طقوس ية‪ .‬وتش كل البركات والكرام ات عنص ر أساسي ورم زي لل ولي والزاوي ة‬

‫وتحرص النسوة على زيارة الزاوية أثناء "الزردة" يوميا بصفة جماعية‪ ،‬ويرددن أغاني‬

‫فيها ذكر لكرامات الشيخ وطهارة ابنته لال شبلة ووصف لجمالها الجذاب وجرت العادة‬

‫أن تحتف ل النس وة عن د ذه ابهن إلى الزي ارة ويرت دين أفض ل م ا ل ديهن من ثي اب وي تزين‬

‫ويلبس ن الحلي‪ ،‬ويحملن معهن (الش موع والحن اء والبخ ور) وتق دم ه دايا للزاوي ة‪ ،‬وهي‬

‫ممارس ة ته دف إلى التق رب من ال ولي وني ل بركت ه‪ .‬وللبخ ور وظيف ة تطهيري ة وتحض ير‬

‫األج واء الروحي ة املناس بة ملمارس ة الطق وس‪ .2‬وتس تعمل الحن اء ل تزيين أعم دة الزاوي ة‬

‫وج درانها‪ ،‬وه و اس تعمال مق دس‪ ،‬وممارس ة طقوس ية يلتجئ إليه ا بعض ال زوار لع دم‬
‫‪1‬‬
‫مقابلة مع لخضر عواينية‪ ،‬من أبناء سيدي علي بن عون ومهتم بتراث الزوايا‪ ،‬سيدي بوزيد‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫صولة‪ ،‬عماد‪ ،‬وظائف الزاوية في المجتمع التونسي‪ ،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص‪.158‬‬

‫‪26‬‬
‫ق درتهم على توف ير األضحية ال تي تع ودوا تق ديمها لل ولي الص الح‪ ،‬وهي من الطق وس‬

‫املنتشرة في العديد من الزوايا املتواجدة بالبالد التونسية‪ .‬ومثلما تقدم النسوة البخور‬

‫والشموع هدية للولي يحرصن على الحصول على البعض من البخور والشموع املوجودة‬

‫في الزاوية الستعماله في بيوتهن نقال لبركة الولي إلى فضائهن الخاص‪ ،‬معتقدات أن ذلك‬

‫يبرئ املريض ويبعد املصائب ويجلب الحظ السعيد‪.‬‬

‫الوعدة‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫الوع دة ركن آخ ر من األركان الديني ة‪ ،‬وهي أح د أش كال تواص ل اإلنس ان م ع املق دس‪،‬‬

‫فيستخدم هذا املصطلح مرادفا للنذر‪ ،‬وجاء في تعريف النذر في اصطالح الفقهاء التزام‬

‫مسلم مكلف قربة‪ ،‬وقيل ما يوجبه املسلم على نفسه من صدقة أو عبادة أو نحوهما‪.1‬‬

‫والوع دة ض ربان‪ :‬ض رب ق ائم على ثنائي ة الطلب واالس تجابة يق وم على اإليف اء بالعه د‬

‫الذي يقطعه املرء على نفسه بتوفير نذر للولي إذا توسط له مع اإلله وتحققت طلباته‪.‬‬

‫وعليه فالوعدة نذر يقدم للولي اعترافا له بفضله في تحقيق طلب ما على غرار الشفاء‬

‫من م رض أو إنج اب بع د عقم أو تحقي ق أرب اح في تج ارة معين ة‪ ،‬وسنقتص ر اهتمامن ا في‬

‫ه ذا الس ياق على األض احي كاألغن ام أو املاعز‪ ،‬باعتباره ا الص نف املم يز للوع دة املقدم ة‬

‫للولي وجرت العادة أن تذبح كل عائلة أضحيتها في حرم الزاوية بالقرب من الخيام التي‬

‫نصبوها إليوائهم أيام "الزردة"‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد عبد القادر‪ ،‬أبو فارس‪" ،‬االيمان والنذر"‪ ،‬باتنة‪ :‬دار الشباب‪ ،1991 ،‬ص‪.132‬‬
‫‪2‬‬
‫مبارك بن محمد الميلي‪ ،‬رسالة الشرك ومظاهره‪ ،‬دار الراية للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2001 ،‬ص ‪.149‬‬

‫‪27‬‬
‫أبعاد اجتماعية‪:‬‬ ‫‪.2.2‬‬

‫تضطلع الزردة بوظيفتين إجتماعيتين‪:‬‬

‫األولى تتمثل في االلتقاء والتواصل‪ ،‬والثانية األكل الجماعي‪ ،‬فأما االلتقاء أو ما يعبر‬

‫عن ه محلي ا بـ "اللم ة"‪ ،‬فجلي في دور "ال زردة" في تجمي ع الع ائالت ال تي تشتتت بفع ل‬

‫التح والت االجتماعي ة واالقتص ادية ال تي عرفته ا البالد‪ .‬فكل الع ائالت تجتم ع في‬

‫"ال زردة" س واء ب دافع الني ة أو الع ادة ويح رص الجمي ع على الحض ور وع دم التغيب‪،‬‬

‫واملش اركة في مختل ف الطق وس‪ ،‬فـ"لل زردة" إذن وظيف ة اجتماعي ة هام ة تتمث ل في‬

‫تجميع ما تفكك من أواصر وإعادة ما افتقد من لحمة وتظهر "اللمة" كذلك في طريقة‬

‫نصب الخيام في الزاوية فغالبا ما تكون قريبة من بعضها إلى حد االلتصاق‪ ،‬وهو ما‬

‫يكشف عن إعادة إنتاج رمزي لعالقات القرابة التي تفككت‪.1‬‬

‫وأم ا األكل الجم اعي املق ترن بالوع دة فه و ج زء رئيس ي من الحف ل‪ ،‬إذ ال يمكن إتم ام‬

‫الحف ل دون الوليم ة واألكل الجم اعي‪ ،‬وتكمن قيم ة األكل الجم اعي في وظيفت ه‬

‫االجتماعية الرمزية‪ ،‬التي تتمثل في إلتقاء الزائرين مرة في السنة‪ ،‬وهو بذلك يجدد‬

‫الرواب ط االجتماعي ة ويمتنه ا‪ .‬وتش ترك الحض ارة العربي ة اإلس المية‪ ،‬م ع العدي د من‬

‫الحض ارات والش عوب األخ رى س واء أكانت مس يحية أم يهودي ة أو غيره ا‪ ،‬وتنهض‬

‫ب دور ه ام في تمتين العالق ات االجتماعية‪ .‬وه و ما يجعل من هذه السلوكيات ثقافة‬

‫إنسانية متحررة من الزمان واملكان‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الشارني‪ ،‬عبد الوهاب‪ ،‬ظاهرة الزاوية والمعتقدات الشعبية‪ ...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.324‬‬

‫‪28‬‬
‫أبعاد اقتصادية‪:‬‬ ‫‪.2.3‬‬

‫يمثل املهرجان مناسبة هامة تساهم في خلق حركية اقتصادية ذات صلة بالتجارة‬

‫والسياحة في الفضاء الذي ينظم فيه ملدة ثالثة أيام‪.‬‬

‫وتع د الوظيف ة االقتص ادية التجاري ة وظيف ة أساس ية للمهرج ان‪ ،‬إذ أن تح ول التظ اهرة‬

‫من "الزردة" إلى مهرجان إلى توسع السوق كميا ونوعيا‪ .‬فأما التوسع الكمي تمثل في تزايد‬

‫ع دد األم اكن املع دة لع رض البض ائع (تس مى نص بة) ال تي تحي ط بالزاوي ة من مختل ف‬

‫الجهات‪ .‬وأما التوسع النوعي فيشمل تنوع البضائع واملنتجات‪ ،‬فالسوق اختلف عما كان‬

‫علي ه قب ل تح ول "ال زردة" إلى مهرج ان‪ ،‬فأص بح يع رض مختل ف البض ائع واملنتج ات‬

‫ومختلف الحيوانات‪ ،‬والخضر والغالل والحلويات على تنوع أصنافها وأشكالها وأذواقها‬

‫وألوانه ا‪ ،‬إض افة إلى تزاي د ع دد املق اهي واملط اعم املتنقل ة ال تي تس تقبل ال زوار موس ميا‪،‬‬

‫ومحالت الجزارة املختصة في ذبح اإلبل بعد تخلي أغلب العائالت عن ذبح الوعدة في حرم‬

‫الزاوية‪ .‬ووفق تقديرات اللجنة املنظمة للمهرجان يبلغ عدد التجار في سوق ما يزيد عن‬

‫خمس مائ ة ت اجر‪ .‬وإذا أخ ذنا بعين االعتب ار العرب ات املتنقل ة فيمكن أن يبل غ ع ددهم‬

‫األلف‪ .1‬ويحقق هؤالء التجار في سوق املهرجان أرباحا هامة قد تتجاوز أضعاف أرباحهم‬

‫الشهرية‪.‬‬

‫ويستقطب املهرجان أعدادا هامة من الزوار خالل األيام الثالثة التي ينتظم فيها‪ ،‬سواء‬

‫أكانوا‬

‫‪1‬‬
‫مقابلة مع مفتاح وناسي‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫من املحلين وخاص ة منهم من والي ة ‪ /‬محافظ ة س يدي بوزي د والوالي ات املج اورة مث ل‬

‫قفصة‬

‫والقص رين‪ ،‬أم من األج انب من ليبي ا والجزائ ر تحدي دا‪ ،‬ويؤك د ه ذا املهرج ان وك ذلك‬

‫مختلف‬

‫املهرجانات الثقافية األخرى العالقة العضوية بين السياحة والتراث‪.‬‬

‫أبعاد ثقافية‪:‬‬ ‫‪.2.4‬‬


‫ّث‬
‫م ل مهرجان سيدي علي بن عون مثاال مجسدا الرتباط الثقافة بالسياحة‪ ،‬فهو‬

‫مع رض حي للعدي د من عناص ر ال تراث الش عبي‪ ،‬وي ولي عناي ة خاص ة بالج انب ال ترفيهي‬

‫الثقافي الفرجوي‪ ،‬إذ يتضمن فقرات عديدة تؤثثها العروض الفرجوية التراثية‪ ،‬منها ما‬

‫كان مميزا لـ "الزردة" فأعيد إنتاجها وتواصلت بتواصل املهرجان‪ ،‬إلى جانب أنشطة أخرى‬

‫مستحدثة استجابة إلى مقتضيات التطور االجتماعي والتحوالت الثقافية‪.‬‬

‫فم ا أعي د إنتاج ه في برن امج املهرج ان‪ ،‬جلي في أنش طة مث ل ألع اب الفروس ية‬

‫والش عر الش عبي‪ .‬فألع اب الفروس ية تواص لت كفق رة ق ارة في برن امج املهرج ان يومي ا‬

‫صباحا مساء‪ ،‬أما الشعر الشعبي فتواصل حضوره في املهرجان ومثل فقرة أخرى قارة‬

‫في مختلف دورات التظاهرة‪ .‬بالنسبة لألنشطة املحدثة أو ما يمكن نعته بجديد املهرجان‪،‬‬

‫فتتمثل في عرض فني موسيقي‪ ،‬دأبت إدارة املهرجان في العشرية األخيرة على تنظيمه في‬

‫كل دورة‪ ،‬ويحيي ه أح د الفن انين املع روفين‪ .‬ومن الفق رات املحدث ة األخ رى ال تي ت ؤثث‬

‫‪30‬‬
‫البرن امج الثق افي للمهرج ان االس تعراض الثق افي الف ني وال تراثي ال ذي يفتتح ب ه املهرج ان‬

‫ويختتم‪.‬‬

‫ورغم تنوع الفقرات التنشيطية للمهرجان تبقى ألعاب الفروسية التي تتفرع إلى‬

‫"املش اف" و"املداوري‪ ،"1‬والش عر الش عبي من أهم األنش طة اس تقطابا للجمه ور‪ ،‬وهي‬

‫األنشطة املوروثة عن "الزردة" التي تجد صدى في أنفس رواد املهرجان‪.‬‬

‫العناصر املجتمعية املؤثثة لزردة سيدي علي بن عون‬ ‫‪.3‬‬

‫املهرجان الدولي لسيدي علي بن عون‪ ،‬يعتبر واحدا من أكبر التظاهرات التراثية‬

‫الثقافية الشعبية في تونس ‪ ،‬نظرا لصبغته الخاصة التي ينفرد بها‪ ،‬نظرا للعدد الهائل من‬

‫الزائرين ففيه الفروسية‪ ،‬والغناء البدوي والشعر الشعبي واللباس التقليدي‪ ،‬والسكن‬

‫تحت الخي ام‪ ،‬فحس ب الت اريخ الش عبي أقيم أول مهرج ان لل ولي الص الح س يدي علي بن‬

‫ع ون‪ ،‬س نة ‪ 1808‬تجم ع األه الي والزائ رين‪ ،‬وق د جلب وا معهم ذب ائحهم للتزري د‪ ،2‬ودأب‬

‫سكان املنطقة على ذلك التقليد السنوي الذي تطور مع الزمن‪ ،‬فأصبح مقصد سكان‬

‫املن اطق املج اورة‪ ،‬الل ذين نص بوا الخي ام لإلقام ة‪ ،‬وعلى ه ذا تمت د م دة ال زردة على ع دة‬

‫أي ام وتط ورت معه ا الحرك ة التجاري ة ك بيع اللح وم والخض ر والغالل ومنتوج ات‬

‫الص ناعات التقليدي ة والفالحي ة‪ ،‬وق د انتصبت املق اهي الوقتي ة واملط اعم الش عبية‪ ،‬وكل‬

‫ذلك لخدمة الزائرين‪.‬‬

‫‪ 1‬رقصة فيها يتفنن الفارس في التحكم بالحصان‪ ،‬وتوجيهه في رقصة دائرية على أنغام الطبول وعلى إيقاع "الس‪CC‬عداوي" فيح‪CC‬دث نم‪CC‬ط فرج‪CC‬وي‬
‫استعراضي‪.‬‬
‫‪ 2‬التزريد‪ :‬وهو مصطلح يطلق على الوالئم‪ ،‬تقام إلطعام الزائرين والتصدق منها على الفقراء والمساكين‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫إضافة على ذلك األنشطة الفلكلورية‪ ،1‬كالغناء الشعبي‪ ،‬والحضرة واملدائح التي يسمونها‬

‫األهالي (الذكر) والفروسية‪ ،‬والعزف على الطبول‪ ،‬وفي سنة ‪ 1992‬أصبح مهرجانا وطنيا‬

‫ومغاربي في سنة ‪ ،2016‬ودوليا سنة ‪.2018‬‬

‫ويمت د املهرج ان على م دى أربع ة أي ام فتك ثر حرك ة ال زوار في املنطق ة على امت داد اللي ل‬

‫والنهار من عائالت وتجار‪ ،‬ويعتبر أكبر ملتقى لعروض الفروسية للجمهورية التونسية‪ ،‬اذ‬

‫يبل غ ع دد الفرس ان املش تركين أك ثر من مئ ة ف ارس وفارس ة‪ ،‬فيتص ف فض اء ال زردة‬

‫بالحضور الجماهيري في العادة أحد شروط نجاح العروض الفر جوية ومقياسا أساسيا‬

‫في تقييم املشروع الثقافي للمنظمين‪.‬‬

‫مراحل املمارسات الطقوسية الدارجة بزردة سيدي علي بن عون‬ ‫‪.4‬‬

‫تع ددت األبع اد االجتماعي ة واالقتص ادية لل زردة‪ ،‬فال تتق اطع ممارس اتها الطقس ية‬

‫واحتفاالته ا العفوي ة م ع املش روع الثق افي املنظم للمهرج ان‪ ،‬كم ا ال ينفي إلزامي ة التع ايش‬

‫بين خصوصية مجتمعات أعماق الوسط التونسي في التعبير عن موروثها الشفوي واملادي‬

‫وبين أش كال التعب ير املعاص رة في إنت اج ونش ر وتوزيع ه ذا املوروث‪ ،‬والتمت ع بتفاص يله‬

‫اإلبداعية الخالدة‪ ،‬أيا كانت الوسائل والتكنولوجيات املستخدمة في ذلك‪.‬‬

‫‪ .6‬الهوي‪11 1 1‬ة املحلي‪11 1 1‬ة من خالل األه‪11 1 1‬ازيج الغنائي‪11 1 1‬ة الش‪11 1 1‬عبية في احتفالي‪11 1 1‬ة ال‪11 1 1‬ولي‬ ‫‪.1‬‬

‫الصالح علي بن عون‪.‬‬

‫إذا كان املقص ود بالهوي ة املحلي ة مجم ل الس مات الديناميكي ة املم يزة لجماع ة‬

‫القبيلة‬
‫‪ 1‬الفولكلور الشعبي‪ :‬هو مجموع عناصر الذاكرة والخفية لجماعة سكانية معينة من خالل فنونها وقصصها وحكاياته‪CC‬ا‪ ،‬وأس‪CC‬اطيرها ال‪CC‬تي يتم نقله‪CC‬ا‬
‫غالبا من خالل الرواية الشفاهية من جيل الى جيل بإضافة أشياء جديدة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫أو القرية‪ ،‬على أساس اللغة والتاريخ الجامع والعادات والتقاليد املشتركة‪ ،‬فإن األغاني‬

‫واأله ازيج الش عبية ال تي تتم يز به ا زردة الش يخ علي بن ع ون‪ .‬ومن أب رز املغ نين الش عبيين‬

‫الذين تحتفظ بهم ذاكرة الزوار‪ ،‬وجمع كثير منهم بين قول الشعر وآداء األغنية الشعبية‬

‫في احتفالية الزردة نذكر‪ :‬حمادي الذيبي وابنه الشاعر نجيب الذيبي‪ ،‬وصالح بن السبري‬

‫حاجي‪ ،‬وعبد العزيز بن عمران كريمي‪ ،‬وشهيد الثورة التونسية الذي كان يلقب بـ "راجل‬

‫غن اي وص ياد"‪ ،‬وه و عم ر بن عي اد التليلي‪ .‬باإلض افة إلى الكث ير من أحف اد الش يخ علي بن‬

‫ع ون أمث ال مجي د بن م ير م يراوي‪ ،‬وع ون بن عم ار بن ص الح ع واني‪ ،‬ش هر "ج دي ع ون"‬

‫وزروق بن مبارك وناسي‪ ،‬ومحمد العابد بن محمد بن احمد الزين عبدلي‪...‬‬

‫إن مصطلح الجراد (نمط غنائي نساني) ممارسة غنائية تتعدد من خاللها أساليب‬

‫األداء الصوتي‪ ،‬يرتبط بحلقات الغناء التي تنظم بصورة عفوية بين خيام واحياء الزردة‪،‬‬

‫ويتميز هذا اللون الغنائي الشعبي بالتظافر والتكامل بين اللحن والكلمة‪ ،‬شأنه في ذلك شأن‬

‫بقي ة جه ات البالد التونس ية ومناطقه ا الريفي ة‪ ،‬من نف زاوة ووزغم ة إلى ب ني زي د واملهاذب ة‬

‫م رورا بالسواسي واملث اليث‪ ،‬ووص وال إلى أوالد عي ان وم اجز وجالص والفراش يش وأوالد‬

‫سيدي تليل‪ .‬حيث تؤدي النسوة هذه األهازيج واألنماط الصوتية امللتصقة بعرس الشيخ‬

‫بصفة جماعية‪ ،‬أو بالتناوب بين الغناء الفردي والجماعي بأسلوب التطويح الذي كثيرا ما‬

‫ين دمج في ه ص وت الص الحي م ع ص وت العرض اوي‪ ،‬بش كل يعس ر على الس امع التمي يز بين‬

‫األلفاظ واملعاني التي تحفل بها هذه النغمات املسترسلة حينا واملتقطعة أحيانا أخرى‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫وعموم ا يمث ل الص وت ب اختالف أنواع ه وس يلة تعب ير ناجع ة تلج أ إليه ا املرأة‬

‫الحض رية والبدوي ة‪ ،‬أو الريفي ة لإلفص اح عم ا يخ الج نفس ها من مش اعر وأحاس يس‬

‫وه واجس أثن اء قيامه ا بمختل ف مهامه ا املنزلي ة أو الفالحي ة‪ .1‬إن النغم ات املوس يقية‬

‫الخاصة بكل "صوت" والتي يمكن أن تلتقطها األذن في الهدوء القصير لليل الزردة‪ ،‬تتمثل‬

‫في تركيب ات لحني ة متوارث ة ال يع رف واض عها‪ ،‬وال تغ نى بالعربي ة الفص حى‪ ،‬ألنه ا ت راكيب‬

‫اق ترنت أساس ا ب القول الش عبي‪ ،‬وال تتغ ير نغماته ا إال تغ يرا طفيف ا رغم تغي ير الظ روف‬

‫االجتماعي ة وطبيع ة الحي اة‪ ،‬ألن حض ور الهيكل ة الثابت ة له ذا الص وت هي ال تي تعطي ه‬

‫خصوصيته الخالدة عبر الزمن‪.‬‬

‫لق د ج اء في لس ان الع رب أن الص وت ه و الج رس‪ ،‬ويق ال ص اَت يُص وُت ص وًت ا‪ ،‬فه و‬

‫صائت‪ ،‬ومعناه صائح وهو كذلك األثر السمعي الناتج عن اهتزاز جسم ما ‪-‬اللحن‪-‬يقال‬

‫غّن ى ص وتا‪ 2.‬والص وت عن د زوار ال زردة رحل ة ع بر ال زمن‪ ،‬وفسحة لت دوين تفاص يل‬

‫املشاهد الالمتناهية للجبال املحيطة‪ ،‬وغيرها من خرجات السعي والسقي وطلب الرزق‪.‬‬

‫فمن هذا الواقع أخذت األهازيج واألصوات املنبعثة من حناجر إمباركة وزينة وفاطمة‬

‫وعلجيه خصائصها الفنية املوسيقية املنسابة عن بعد‪ ،‬دون خضوعها ألوزان مناسبة أو‬

‫لضوابط إيقاعية معينة‪.‬‬

‫‪ 1‬العربي‪ ،‬علياء‪ ،‬مدخل لفهم فني "الصوت" و"الصوت" مدلول المصلحين وخصوصيات الممارسة الموسيقية بين الخليج العربي‬
‫وتونس‪ ،‬مجلة الثقافة الشعبية البحرينية‪ ،‬العدد ‪ ،33‬المنامة‪ ،2016 ،‬ص‪.118 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫ابن المنظور االفريقي‪ ،‬المصري‪( ،‬أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم)‪ ،‬المجلد الثامن‪ ،‬طبعة أخيرة‪ ،‬دار ومكتبة الهالل‪ ،‬بيروت‪.302 ،‬‬

‫‪34‬‬
‫ومن املمارسات الغنائية في الزردة أغاني "املاللية" التي ترددها املرأة انفراديا‪ ،‬كما يمكن‬

‫أن تؤدي بصورة جماعية‪ ،‬وهـي أغاني تبتدأ ضرورة "ياالال" ومنها جاء مصطلح "املرأة‬

‫تاللي أو الرجل ياللي وبالتالي املاللية‪.1‬‬

‫وإذا كانت أغاني املاللية تشترك في التغني بالبيئة البدوية ومشاهدها الحية‪ ،‬فإن‬
‫ّط‬
‫"ال ِر ْق " أكثر قدرة على التعبير عن الجوانب الحسية املباشرة‪ ،‬من خالل صوره‬

‫الشعرية املفعمة باألنغام واملعاني املعبرة عن أعماق النفس البشرية‪.‬‬


‫ْڨ‬ ‫ْڨ‬
‫ف األطرا مفرده ا ط ر ومعناه ا األص لي الص وت أو النغم ة أو اللحن من ذل ك‬

‫قولهم‪ :‬فالن هز الطرڨ أي غنى أو تغنى‪ ،‬ثم تطور شيئا فشيئا ليصبح داال على النغمة أو‬

‫املقام في املصطلح املوسيقي ومثال ذلك " طرق الصيد" وهو عبارة عن قصة محكية بآلة‬

‫الشبابة‬

‫أو القصبة " تصور معركة ضارية دارت بين رجل وأسد اعترضه في بعض الفجاج‪،‬‬

‫أو الفلوات‪.2‬‬

‫وتتنوع األطراق في زردة الشيخ علي بن عون في مضامينها القولية وأشكال أدائها الفردية‬

‫والجماعية‪ ،‬ويمكن أن تتمايز وتتقاطع في ذات الوقت مع أغاني املحفل‪ ،‬وربما يحدث‬

‫بعض التداخل بين هذين الصنفين من حيث عدد النساء والرجال املؤدين‪ ،‬أو في بعض‬

‫املقاطع الغنائية الواردة بنصها في هذا املوضع أو ذاك على غرار طرق "وعالش داللة"‬

‫ومطلعه‪ :‬وعالش داللة يامريم‬

‫وعالش داللة يامريم‬


‫‪ 1‬الخصخوصي‪ ،‬أحمد‪ ،‬أغاني الماللية‪ ،‬مجلة الحياة الثقافية‪ ،‬العدد‪ ،174‬تونس جوان ‪ ،2006‬ص‪.65‬‬
‫‪ 2‬الخصخوصي‪ ،‬احمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.88‬‬

‫‪35‬‬
‫وعالش داللة يامريم‬

‫ياموالت العين الذبالة‬

‫ولقد الحظنا من خالل هذا التزاوج بين النغمات املوسيقية‪ ،‬والشعر الشعبي أنه‬

‫قد يصادف أن تتغير األبيات الشعرية املكونة لهذه األغاني حسب املناسبة واملكان‪ ،‬ولكن‬

‫النغمة املوسيقية تبقى ثابتة رغم اختالفها عن النغمات املوسيقية املنتشرة لهذا اللون‬

‫بالحواض ر واملدن‪ ،‬باعتباره ا خض وعها للدراس ة واإلث راء والتنظ ير‪ .‬ومن مم يزات ه ذه‬

‫األغاني التي تفتتح وتختتم بالزغاريد‪ ،‬أنها تؤدى بمصاحبة "الشدادة" أو "السنيدة" سواء‬

‫تعلق األمر بأغاني النساء أو أغاني الرجال‪ .‬وعادة ما تتم هذه املرافقة أو املصاحبة وفق‬

‫ضوابط معينة‪ .‬فهذه األصوات رغم عدم درايتها بقواعد األداء املوسيقي‪ ،‬فإن إمكانيات‬

‫االتف اق والتن اغم بينه ا تظ ل واس عة‪ ،‬وف رص االرتج ال والتنويع تبقى قائم ة‪ ،‬خاص ة م ع‬

‫ت وفر التفاع ل م ع املس تمعين الحاض رين‪ .‬وتتع دد الس ياقات الطقوس ية ألغ اني ال زردة‪،‬‬

‫ويعيش أوالد الش يخ على بن ع ون وض يوفهم بين أه ازيج املحف ل والس هرات العفوي ة‬

‫للمهرجان‪ ،‬أو إحياء " النجمة" كما يقولون‪ ،‬وهي تسمية مستمدة من إيقاد شعلة النار في‬

‫أولى لي الي ع رس الش يخ في افتت اح حلق ات الغن اء املنتش رة بض وئها الخ افت‪ ،‬بين الخي ام‬

‫الغارق ة في عتمة أبخ رة مواق د الطعام والشواء املسافرة ع بر روائح البخ ور والسخاب‪،‬‬

‫وذلك إيذانا ببدء السهرة وإشهارا لها‪ ،‬فتغني النساء مبتدئات بافتتاحية‪:‬‬

‫سبقن ـ ـ ـ ــاك وال سبقنا حد‬

‫مع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاك‬

‫‪36‬‬
‫أه يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ربي‬

‫سبقنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاك وسبقنا الرسول‬

‫معـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاك‬

‫أه يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ربي‬

‫ولقد جرت العادة االحتفالية ان تفتتح "النجمة" بهذه االغنية التي تنفتح بذكر هللا‬

‫والرسول لتبرك والتخلص من االرتباك وتبديد الخوف من النسيان‪.‬‬

‫وعن د الب دء‪ ،‬وفي األثن اء توق د الن ار لإلض اءة‪ ،‬وإلعالن بداي ة "النجم ة" ويمكن أن يكون‬

‫ذل ك بمثاب ة االس تدعاء الع ام من خ ارج العائل ة أو التجم ع الس كاني الص غير من الخي ام‪.‬‬

‫وتتخلل األغاني النسائية في أحيان كثيرة مشاركات غنائية رجالية‪ ،‬قد ال تخضع في العادة‬

‫الى سابق إعداد‪ .‬حيث يعبر من خاللها الغنائي أو األديب على حضور بديهته وقدرته على‬

‫االرتجال والحفظ‪ ،‬واستعداده للغناء في إطار املراوحة بين الذهاب واإلياب عبر ساحة‬

‫الغناء‪.‬‬

‫ومن القواعد املعمول بها في السهرات الغنائية الشعبية أن يبدأ بالغناء أكبر الغناية سنا‬

‫وأكثرهم حنكة وتجربة‪.‬‬

‫مراحل "املوقف" ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يعتبر املوقف نمط موسيقي شعبي بدوي يسمى في بعض املناطق "الطريق"‪ ،‬يغنى‬

‫في أغلب األع راس واملحاف ل التقليدي ة واملهرجان ات العاملي ة‪ ،‬حيث يرتك ز أساس ا على‬

‫الش عر الش عبي امللح ون‪ .‬فه و عب ارة عن تسلس ل غن ائي ملح ون بمع نى ال دور أو النوب ة‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫وهذا التسلسل يتم حسب قواعد متعارف عليها لدى "الغناية" و"األدباء" و"السامعين"‪،‬‬

‫ولعل أهمه ا وح دة الغ رض والص وت‪ ،‬فه و مجموع ة من القص ائد املغن اة تجمعه ا وح دة‬

‫الغرض‪.1‬‬

‫إن "املوڨ ف" في احتفالي ة زردة الش يخ علي بن ع ون ه و ع رض متكام ل العناص ر‬

‫لقصائد مغناة‪ ،‬يتحد فيها الغرض بالصوت‪ ،‬وتندمج من خاللها حرفية األديب وقدرته‬
‫َمل‬
‫على الغناء والتغني بأشعار غيره وتأدية "ا ْه َو ى" و"القسيم" و"امللزومة"‪...‬‬

‫املهوى‪:‬‬

‫هو نمط موسيقي يشبه الى حد ما املوال‪ ،‬في املوسيقى العربية‪ ،‬كما يغنى جلوسا من‬

‫قبل " األديب‪ "2‬أوال ويردده" السعفة‪ "3‬جلوسا‪ .‬وقد حافظت األنماط الغنائية البدوية‬

‫عموما على هيكل موحد يلتزم فيه "الغناي" بمطلع محدد بكل أغنية‪ ،‬فالغزل مثال غرض‬

‫غالب على غيره من سائر األغراض في جميع األغاني التي تسنى لنا جمعها‪ ،‬أو اإلنصات‬

‫إليها عن قرب حول حلقات الغناء في الزردة‪ ،‬وكل ما يعنيه ذلك من وقوف على األطالل‬

‫وذكر للفراق‪.‬‬

‫دونك يا ذابل لغن ـ ـ ــاج‬ ‫ذاب ـ ـ ـ ــل لغناج‬

‫يصعب عالراكب همالج‬ ‫ضحـ ــضاح يموج‬

‫يقفز كاللي من ل ـ ــواج‬ ‫سـ ـ ــابق مسروج‬

‫ذهب مصفي في لسن ــاج‬ ‫لف ـ ــظي مسنوج‬

‫‪1‬‬
‫رسالة بحث لنيل شهادة الماجستير‪ ،‬رندة‪ ،‬قادري‪ ،‬الحياة الموسيقية بسيدي بوزيد بين الممارسة التلقائية ونشاط المجتمع المدني‬
‫‪2‬‬
‫هو الشاعر والمغني األول في فالب الموقف‪ ،‬واألديب يفتح المحفل أو العرس يرافقه ما يسمون بالسعفة أو الخماس‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫وهما اثنان معينان لألديب‪ ،‬ويكونان مالزمين له‪ .‬ويحفظان كل رصيده الشعري‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫القسيم‪:‬‬

‫يشبه الى حد كبير القصيدة في الشعر الفصيح‪ ،‬وينقسم الى عادي ومربع‪ ،‬ويؤديه األديب‬

‫بصفة فردية‪ ،‬حيث ال يحتاج في أغلب األحيان إلى "الخماسة" أو "السدادة" إال في نهاية‬

‫القسيم‪.‬‬

‫يعوم البحر كان غواص بعقول رياس‬

‫كلفة وحرفة وكنب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫يتعارضوا بالرباص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫امللزومة‪:‬‬

‫تشبه امللزومة املوشح من حيث الشكل والبناء‪ ،‬ويؤديها الغناي أو األديب بمساعدة اثنين‬

‫أو ثالثة من الشدادة أو املسعفين‪ .‬يمكن أن تتكون من طالع تليه أدوار متركبة من أبيات‬

‫متعددة القافية‪ ،‬وتختم بقافية الالزمة‪.‬‬

‫نجعك يا كاحل األصهاد‬ ‫كاحل لص ـ ـ ـ ــهاد‬

‫متطوح في بر بعي ـ ــد‬ ‫من فجره ق ـ ـ ـ ــاد‬

‫رجالة من فوق عي ــاد‬ ‫ساقوا لجـ ـ ـ ـ ــواد‬

‫‪39‬‬
‫‪ .6.3‬أهمي ‪11‬ة حض ‪11‬ور األغ ‪11‬اني الش ‪11‬عبية في مهرج ‪11‬ان ال ‪11‬ولي الص ‪11‬الح س ‪11‬يدي علي بن‬

‫عون‪.‬‬

‫يعتبر مفه وم األغنية الشعبية من بين املص طلحات ال تي يرتكز عليها هذا البحث‪،‬‬

‫وهي خالص ة ال ذاكرة الثقافي ة لألجي ال املتعاقب ة على اختالف مرجعياته ا الفكري ة‬

‫وانتماءاتها الريفية والحضرية‪ .‬لذلك نرى أن احتفالية الزردة عبر تاريخ تشكلها الطويل‬

‫ق د س اهمت في إنت اج وت داول العدي د من األه ازيج والق والب الفني ة البس يطة واملركب ة‪،‬‬

‫ال تي تعكس بالتأكي د طبيع ة العالق ات القائم ة بين الع ائالت والع روش املحيط ة بزاوي ة‬

‫الشيخ علي بن عون‪ ،‬وتعبر عن خلفيات فكرية وثقافية فنية عريقة‪ .‬فاملوسيقى الشعبية‬

‫هي موسيقى نابعة من املخزون الثقافي والحضاري للشعب‪ ،‬والتي حفظتها ورددتها أجيال‬

‫متعاقب ة وتوارثته ا دون طمس ملعانيه ا‪ ،‬وق د" ص قلتها ي د ال زمن بالت داول املتواص ل عن‬

‫طريق التواتر الشفوي وبذلك صارت صورة صادقة لروح الشعب وميزاته"‪.1‬‬

‫يعت بر ال تراث الغن ائي لل زردة‪ ،‬بمثاب ة السجل الش فوي األمين والحلي ف للبيئ ة‬

‫الشعبية التي أنتجته‪ ،‬ومن خالله ترتسم أكثر خصائصها أصالة وأعمقها تأثيرا‪ .‬فتتمثل في‬

‫تل ك الق درة ال تي تمتلكه ا األغ اني الش عبية في املحافظ ة على نظ ام القيم‪ ،‬من أج ل أن‬

‫يتواص ل حي ا ف اعال ع بر الت داول بين األجي ال‪ ،‬وض مان تناس ق الف رد وتناغم ه م ع البن اء‬

‫الثقافي للمجتمع‪.‬‬

‫يق ول احم د خواج ة في ه ذا الص دد "لق د أص بح الفن ظ اهرة عام ة يواج ه به ا اإلنس ان‬

‫احتياجاته الشخصية واالجتماعية والروحية‪ ،‬وقد استخدم جميع وسائل التعبير باللفظ‬
‫‪1‬‬
‫القليبي‪ ،‬الشاذلي‪ ،‬مجلة الحياة الثقافية‪" ،‬الموسيقى الشعبية التونسية"‪ ،‬العدد الخامس‪-‬جوان ‪ .1972‬ص‪.73‬‬

‫‪40‬‬
‫والنغمة والشكل والحرية‪ ،‬ومعنى ذلك يؤكد تفاعل اإلنسان مع املجتمع والبيئة املحيطة‬

‫به‪."1‬‬

‫وتتمث ل ه ذه الوظيف ة ك ذلك في تمري ر التجرب ة الشخص ية في الحي اة في وص ف معان اة‬

‫النفس بأسلوب بالغ التأثير‪:‬‬


‫ُن‬
‫واملوتى والحيين ما يكونوا رفاق ـ ـ ــا‬ ‫*****‬ ‫وْم اله ـ ـ ــنا والضيم ما يتالق ـ ـ ــا‬

‫تقوم األغنية الشعبية كذلك بتنشئة وتشكيل القيم الفردية والجماعية‪ ،‬وذلك من خالل‬

‫تحويل هذه االحتفالية املوسمية إلى مناسبة مستمرة إلعداد الفرد للتكيف االجتماعي‬

‫وتذكيره بعناصره الثقافية ومخزوناته الرمزية‪.‬‬

‫فه ذه األغ اني املتداول ة في ال زردة‪ ،‬تلعب دورا هام ا في نف وس ال زوار فهي ال تي تع بر عن‬

‫مختل ف مش اعرهم واس تجاباتهم الس لوكية الظ اهرة والباطن ة‪ .‬فيتح ول الغن اء إلى‬

‫مستوعب جديد لتفريغ االنفعاالت سواء كان ذلك في عالقة الفرد بمجتمعه املحيط أو‬

‫بالطبيع ة‪ .‬فه و مطي ة الكث يرين إلى اس ترجاع شيء من الت وازن النفسي املنه وب بفع ل‬

‫ضغوطات االلتزامات املهنية والعائلية ورتابة الحياة اليومية‪.‬‬

‫إضافة على ذلك يعتبر املوروث املوسيقي لزردة الولي الصالح سيدي علي بن عون إطارا‬

‫ترفيهي ا تعبيري ا‪ ،‬رمزي ا‪ ،‬ح افال بممارس ات الترفي ه والتس لية واملتع ة‪ ،‬في إط ار العائل ة‬

‫املوس عة والع رش أو القبيل ة‪ .‬فتنص هر الروحاني ات والوج دانيات لتمنح األف راد س ندا‬

‫نفس يا وعاطفي ا يوح د مخي الهم وس لوكهم في اتج اه االس تمتاع ب الوالئم املنص وبة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫تيمور‪ ،‬أحمد يوسف‪ ،‬جمع وتسجيل وتدوين األغاني الشعبية‪ ،‬مجلة التراث الشعبي عدد‪ ،03‬بغداد‪ ،1977 ،‬ص‪.127‬‬

‫‪41‬‬
‫واألصوات والوصالت املوسيقية التراثية أللة "القصبة" ولوحات الفروسية ومناظرات‬

‫املادحين والش عراء الش عبيين‪ ،‬وتس تقطب ه ذه االحتفالي ة أع داد واف رة من الجم اهير ‪،‬‬

‫يتجمع ون في ش كل حلق ة لالس تماع إلى ال ذكر والغن اء ال تي تتخ ذ من األرض البس يطة‬

‫مسرحا لها‪ ،‬وكل ذلك ينتظم في ليالي الزردة وأيامها‪ ،‬من حلقات غناء و انشاد ال يتطلب‬

‫من الجماهير الحاضرة اقتطاعا للتذاكر أو أي شكل من أشكال التكاليف‪ ،‬فكل ذلك يتم‬

‫في اط ار املتع ة الفني ة الش عبية العفوي ة‪ ،‬ال تي تمث ل بالنس بة للكث يرين تنفيس ا حقيقي ا‬

‫لض غوط العيش‪ ،‬وعالج ا ملش اكل الحي اة‪ ،‬وق د ت واترت وتك ررت ه ذه التع ابير الفني ة‬

‫املحلية للحفاظ عليها من التأكل واالندثار‪.‬‬

‫‪ .II‬الرصيد املوسيقي الغنائي املستعمل بزردة زاوية سيدي علي بن عون‪.‬‬

‫‪ .1.‬مدائح الولي الصالح علي بن عون‬

‫‪1‬‬
‫ها سيدي علي بن عون خبرك شايد في األوطان‬

‫خبرْك شايْد في األْو طان‬ ‫أْه يا سيدي عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي بن عون‬

‫راهوا الي ــوم املهرجان‬ ‫اركب شهبة صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافي اللون‬


‫‪2‬‬
‫زيار وثيران وع ـ ـ ــد‬ ‫ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتو خلـ ـ ــق ال تت ـ ـ ــعد‬

‫*** ***‬ ‫***‬ ‫***‬

‫‪1‬‬
‫هذه القصيدة من انشاء الشاعر علي بن فرح عواني‪ ،‬وهو من حفداء الشيخ سيدي علي بن عون‪ ،‬ويبدو أن هذه القصيدة نسبية العهد نسبيا‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وعد‪ :‬جمع مفرده وعدة بمعنى قربان‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫ُخ‬
‫ْم شّر ع ف ــو للَّض ربان‬ ‫جّد ي كيف الصيد مح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارب‬
‫‪1‬‬ ‫فّز ْع ها من كل ْم ضا ْب‬
‫ِر‬ ‫جّد ي كيف الصيد مح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارب‬

‫*** ***‬ ‫***‬ ‫***‬

‫خبرْك شايْد في األْو طان‬ ‫أْه يا سيدي عل ـ ـ ـ ـ ـ ــي بن عون‬

‫راهوا الي ــوم املهرجان‬ ‫اركب شهبة ص ـ ـ ـ ـ ـ ــافي اللون‬

‫*** ***‬ ‫***‬ ‫***‬

‫ُص الْح لشدُّو لركـ ـ ــان‬ ‫سيدي تليل وسيدي عق ـ ـ ـ ـ ــارب‬


‫َش‬
‫ْم ـ ـّر ع بياتو للضيف‬ ‫والشاِي ب مع ـ ـ ـ ـ ــروف ش ـ ــريف‬

‫عندو أْم حال أْو الد الجان‬ ‫عندو الخ ـ ـ ـ ــزنة والتص ـ ـ ــريف‬

‫عندو اللفعة والثعبـ ــان‬ ‫عندو العقـ ـ ـ ــرب عندو السي ـ ــف‬

‫*** ***‬ ‫***‬ ‫***‬

‫خبرْك شايْد في األْو طان‬ ‫أْه يا سيدي عل ـ ـ ـ ـ ـ ــي بن عون‬

‫راهوا الي ــوم املهرجان‬


‫‪2‬‬
‫اركب شهبة ص ـ ـ ـ ـ ـ ــافي اللون‬

‫املدائح واملناجاة املنتشرة في الحضرة‪.‬‬ ‫‪.4.1‬‬

‫‪ 1‬جمع الزوار من كل مكان‪.‬‬


‫‪ 2‬بحث ميداني‪ ،‬الشاعر الشعبي‪ ،‬المتجول سالم‪ ،‬أصيل منطقة بئر الحفي‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫زاُد وك قبْب يا عية‬
‫زاُد وك قبْب ‪ 1‬يا عية‪ ،‬زادوك قب ـ ـ ـْب‬

‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عية‬

‫زادوك قبْب وأْو الدك على الخيل تكب‬

‫ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عية‬

‫*** ***‬ ‫*** ***‬

‫جوْك الزوار يا عية ج ـ ــوْك الزوار‬

‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عية‬


‫جوك الزوار حضروا لكبار مع صغاْر‬

‫ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عية‬
‫زادوك دياْر يا عية زادوك دي ـ ـ ــاْر‬

‫ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عية‬
‫زادوك دياْر كنوها أْو الدك األحـراْر‬
‫ِس‬
‫*** ***‬ ‫*** ***‬

‫زادوك زرابا يا عية زادوك زرابـ ــا‬

‫زادوك زرابا والِع زعْز عليك تتكاب ــا‬


‫‪2‬‬

‫‪1‬‬
‫قبة‪ :‬في معجم المعاني الجامع‪-‬معجم عربي‪ .‬خيمة صغيرة أعالها مستديرة‪ ،‬بناء مقوس مجوف‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫بحث ميداني‪ ،‬الشاعر الشعبي‪ ،‬المتجول‪ ،‬سالم‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫املدح‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫عنا راجل واعر يلي ما تعرف ـ ـ ـ ــاش‬

‫***‬ ‫***‬ ‫***‬

‫وعنا راجل واعر‪ 1‬يلي ما تعرف ـ ـ ـ ــاش‬

‫وعنا راجل واعر يلي ما تعرف ـ ـ ـ ــاش‬

‫وعنا راجل واعر يلي ما تعرف ـ ـ ـ ــاش‬

‫***‬ ‫***‬ ‫***‬

‫وعندوا منجل ماضي ْم ذكر ما يحف ـ ــاش‬

‫سيدي ما تبطاش عليا راني عليك نلـ ــوم‬


‫‪2‬‬
‫الغربي ولد الحرشنية بجاه بابا ف ـ ـ ــطوم‬

‫‪ 1‬شديد المراس‪ ،‬شديد القوة يهبه الظالمون‪ ،‬عنيد‪ ،‬شديد الشكيمة‪( ،‬معجم المعاني)‬
‫‪ 2‬بحث ميداني‪ ،‬الحضرة الحرشانية‬

‫‪45‬‬
‫ْن‬
‫كا جاء نادوا بابا كان جـاء نادوا بابا‬

‫*** ***‬ ‫***‬


‫ْن‬
‫كا جاء نادوا بابا كان جـاء نادوا بابا‬

‫كان جاء عالسالمة مرح ــبا نادوا بابا‬


‫بابا النغار ويركب على عوده نـ ــجاْم‬

‫أه يا سلطان نادي عليه كان جـ ـ ــاْء‬

‫ناديلي بابا ه ـ ــاك ليركب عالّز ّر اَب ــة‬


‫يا طير الغابة وعيط عالشايب ما جـاْء‬
‫ْن‬ ‫ّذ ْن‬
‫شايب ال رعا مولى البْر كة والبرها‬

‫ماْك الح ــنان زّي ــارك تْع نى وتب ــات‬


‫‪1‬‬ ‫راقد القبر يـ ــا م ــولى البركة والسْر‬

‫َب اَب ا وشبلة سكنوا ف ـ ـ ــيها‬ ‫****‬ ‫هاِن ي ُڨ بة في الَه نِش يْر‬

‫والّر ئيس إعلم عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيها‬ ‫****‬ ‫من ُت ونس َج اها لوزيْر‬

‫************************‬

‫جت الخيل ولعبت ف ـ ــيها‬ ‫****‬ ‫ڨالوا تالثة أيام زياره‬

‫‪ 1‬مرجع سابق‪ ،‬الحضرة الحرشانية‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫مالهيبة ربي عط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيها‬ ‫****‬ ‫أي وهاذيك الڨبة املختاره‬

‫َب اَب ا وشبلة سكنوا فيها‬ ‫****‬ ‫هاِن ي ُڨ بة في الَه نِش يْر‬

‫والّر ئيس إعلم عل ـ ـ ـ ـ ـ ــيها‬ ‫****‬ ‫من ُت ونس َج اها لوزيْر‬

‫هانوا فيها جامع داي ـ ـ ـْر‬ ‫****‬ ‫هاني ڨبة ُش ور ْم َح ا ْر‬


‫ِي‬
‫‪1‬‬
‫ولي يسمع جمله دج ـ ـ ــيها‬ ‫****‬ ‫و ْت ها الخيل منالجزائْر‬
‫ِج‬

‫مما جاء في مدح الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬


‫ْن‬ ‫ٌل‬
‫ص و على االْس مُو َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاسي‬
‫ّط‬
‫ال اِه ر محّم د األم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــين‪.‬‬
‫صالتوا تّن وْر في الداريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـْن‬

‫‪1‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬الحضرة الحرشانية‪ ،‬في زاوية سيدي علي بن عون‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ْغ‬
‫صالتُو ت لى على الٌس ٌو ام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـْه ‪.‬‬
‫ْن‬ ‫ُغ‬
‫صالتو تبري املْس وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫ْت‬ ‫ّق ْظ‬
‫تو مّن دابخ ي راَم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‪.‬‬
‫ْن‬ ‫ُت‬
‫صال و تبني ُس وْر حص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬

‫صعيْب طياُح و عالهْر َد اَم ـ ـ ـ ـ ــة‪.‬‬


‫ّل‬
‫زيُد و َص وا على املحُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوب‬
‫ْف ّث‬
‫سّي ْد األمة يا نظِي ال ـ ـ ـ ــوْب ‪.‬‬
‫صالتو تفّر ْج كّل ْك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـُر وْب‬
‫ُتْخ َا‬ ‫ّل‬
‫تج ي على الغاِط ْس م م ــا‬
‫ّل‬ ‫ّل ّل‬
‫ص ى ال ْه عليْك وس ْم ‪.1‬‬

‫‪ 1‬من مقتطفات الشاعر الشعبي‪ ،‬الذيبي‪ ،‬نجيب‪ ،‬من أهّم شعراء تونس وهو من مواليد ‪ 18‬جانفي ‪ 1955‬وت‪CC‬وفي مس‪CC‬اء الخميس ‪ 20‬م‪CC‬اي ‪2021‬‬
‫وهو أصيل مدينة حاسي الفريد من والي‪C‬ة القص‪C‬رين‪ .‬يتم‪C‬يز ش‪C‬اعرنا بص‪C‬وته الق‪C‬وي وحض‪C‬وره المتم‪C‬يز وفي رص‪C‬يده مئ‪C‬ات القص‪C‬ائد في مختل‪C‬ف‬
‫األغراض الّش عرّية‪.‬‬

‫‪48‬‬

You might also like