Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 13

‫لّش باب والجسد‪ :‬سؤال الخضوع والتمرد في مرآة الثقافة االجتماعية‬

‫فئة ‪ :‬مقاالت‬

‫مارس ‪2020‬بقلم عبد اللطيف كدايقسم‪ :‬الفلسفة والعلوم اإلنسانية‬


‫‪13‬‬
‫‪:‬حجم الخط ‪+18-‬للنشر‬

‫الّشباب والجسد‪ :‬سؤال الخضوع والتمرد في مرآة الثقافة االجتماعية(‪)1‬‬


‫يشكل سؤال الجسد في الثقافة المغربية أحد القضايا السجالية الحاضرة باستمرار ‪ ،‬سواء في األدبيات أو في‬

‫مجال التداول العام بين مختلف الشرائح االجتماعية‪ ،‬إذ يظل الجسد بكل تعبيراته تلك الشرارة التي أسالت‬

‫الكثير من المداد هنا وهناك بين الباحثين والدارسين‪ ،‬وأيضا بين عموم األفراد؛ فالجسد باعتباره قضية سجالية‬

‫‪.‬تجعل من كل الحقول المعرفية معنية بها ومساهمة بشكل أو بآخر في النقاش الدائر حوله‬

‫وعلى الرغم من أن اهتمام السوسيولوجيا بالجس‪SS‬د ج‪SS‬اء مت‪SS‬أخرا بعض الشيء‪ ،‬إال أن‪SS‬ه ك‪SS‬ان حاس‪SS‬ما في بل‪SS‬ورة‬

‫توجهات جديدة بعدة منهجية متنوعة في مقاربة موضوع في غاية التعقي‪SS‬د‪ .‬من هن‪SS‬ا ترك‪SS‬ز ه‪SS‬ذه المس‪SS‬اهمة على‬

‫محاولة توصيف العالقة الملتبسة في كثير من األحيان بين الشباب وجس‪S‬ده ض‪S‬من س‪S‬ياق اجتم‪S‬اعي ص‪S‬ار في‪S‬ه‬

‫الجسد جزءا من الرأسمال االجتماعي والرمزي لألفراد‪ ،‬سواء تعلق األمر بالبيت "مؤسسة الزواج" أو العم‪SS‬ل‬

‫أو الشارع‪ ...‬تبع‪SS‬ا لثنائي‪SS‬ة الخض‪SS‬وع والتم‪SS‬رد ال‪SS‬تي ترتب‪SS‬ط من جه‪SS‬ة بمتطلب‪SS‬ات وإكراه‪SS‬ات الحداث‪SS‬ة وظ‪SS‬واهر‬
‫التحضر‪ ،‬ومن جهة أخرى بتمثالت الثقاف‪S‬ة االجتماعي‪S‬ة‪ ،‬وم‪S‬ا تفرض‪S‬ه من قي‪S‬ود وإكراه‪S‬ات تجع‪S‬ل من الرغب‪S‬ة‬

‫‪.‬الشبابية في إعادة تشكيل الهوية الجسدية معاناة وجودية ليس إال‬

‫إن ما تراكم من إنتاج معرفي في موضوع الجسد من العصر اليوناني إلى يومنا هذا كثير ج‪S‬دا لدرج‪S‬ة يص‪S‬عب‬

‫معه القيام بجرد شامل لهذا ال‪S‬زخم المع‪S‬رفي ب‪S‬النظر إلى شس‪S‬اعة وامت‪S‬داد الحق‪S‬ول المعرفي‪S‬ة ال‪S‬تي تن‪S‬اولت ه‪S‬ذا‬

‫الموضوع‪ ،‬السيما في المجاالت ذات الصلة باألدب والفلس‪S‬فة‪ ،‬لكن في المقاب‪S‬ل يب‪S‬دو أن م‪S‬ا كتب سوس‪S‬يولوجيا‬

‫هو جد قليل؛ أي أن االهتمام السوسيولوجي بالجسد جاء متأخرا بعض الشيء بالمقارنة م‪SS‬ع المي‪SS‬ادين المعرفي‪SS‬ة‬

‫‪.‬األخرى‬
‫كما أن الجسد كموضوع سوسيولوجي جديد‪ ،‬لم ينل االهتمام الكافي في الدراسات العربي‪SS‬ة على وج‪SS‬ه التحدي‪SS‬د‪،‬‬

‫من ج‪SS‬راء بعض المخ‪SS‬اوف ال‪SS‬تي نلمس‪SS‬ها ل‪SS‬دى الب‪SS‬احثين‪ ،‬وال‪SS‬تي ارتبطت في غ‪SS‬الب األحي‪SS‬ان بم‪SS‬بررات ديني‪SS‬ة‬

‫وأخالقية‪ ،‬شكلت في الواقع عائقا أمام التناول العلمي والجاد لهذا الموضوع‪ ،‬مم‪SS‬ا ت‪SS‬رك مفه‪SS‬وم الجس‪SS‬د ض‪SS‬حية‬

‫رؤى دونية لم ترتق إلى اعتباره مفهوما مركزيا وأساسيا في فهم عالقة اإلنسان بذاته وباآلخر‪ ،‬لما يشكله ه‪SS‬ذا‬

‫‪.‬الجسد من وسيط حيوي في مختلف التفاعالت اليومية التي تنخرط فيها الذات‬

‫لم يعد الجسد حكرا على البيولوجيا لوحدها‪ ،‬ب‪SS‬ل ه‪S‬و بن‪SS‬اء اجتم‪SS‬اعي وثق‪SS‬افي تتجلى في‪SS‬ه ش‪S‬تى مظ‪S‬اهر التفاع‪SS‬ل‬

‫اإلنساني‬

‫إن هذه الورقة ما هي إال محاولة ضمن س‪SS‬ياق اجتم‪SS‬اعي وثق‪SS‬افي جدي‪SS‬د تمام‪SS‬ا يح‪SS‬اول ط‪SS‬رح س‪SS‬ؤال الجس‪SS‬د في‬

‫المجتمع المغربي والعربي عموما في إط‪SS‬ار مرحل‪SS‬ة جدي‪SS‬دة من التع‪SS‬اطي العلمي م‪SS‬ع ه‪SS‬ذا المفه‪SS‬وم‪ .‬ف‪SS‬القراءات‬

‫والمقاربات التي وظفها عدد من الباحثين في ميادين وحقول معرفية مختلفة أسهمت بال شك في إرساء اللبن‪SS‬ات‬

‫األولى لالشتغال على الجسد كموضوع سوسيولوجي بامتياز‪ ،‬إذ إن مساهمة البحث السوس‪SS‬يولوجي في دراس‪SS‬ة‬

‫قضايا الجسد شكلت منعطفا مهما في البحث العلمي بشكل عام‪ ،‬وسلطت الضوء على قض‪SS‬ايا لم تكن مطروح‪SS‬ة‬

‫من قبل‪ .‬وهذا ما جعلنا نعاود طرح سؤال عالقة الشباب بجسده من منظور ثقافي وص‪SS‬يرورة اجتماعي‪SS‬ة تتم‪SS‬يز‬

‫تارة بالخضوع وتارة بالتمرد‪ ،‬محاولين ربط هذه الثنائية ببعض العناصر التي قد تشكل محاول‪SS‬ة أولي‪SS‬ة لتفس‪SS‬ير‬

‫‪.‬بعض التمظهرات التي يحتل فيها الجسد صدارة األحداث‬

‫لكن قبال‪ ،‬ما هو المدخل لمعالجة قضايا الجسد‪ ،‬ولماذا أصبح هذا الجسد مجاال رئيسيا ألنشطة المجتمع‪SS‬ات في‬

‫الوقت الراهن؟‬

‫‪:‬أي مدخل لمعالجة قضايا الجسد ‪1.‬‬

‫لقد مر مفهوم الجسد من مرحلة طويلة من التفكير والتأم‪SS‬ل الفلس‪SS‬في من‪SS‬ذ العص‪SS‬ر اليون‪SS‬اني إلى يومن‪SS‬ا ه‪SS‬ذا‪ ،‬من‬

‫موضوع "يبدو تافها وفارغا بالنسبة للبعض إلى وسيلة النبثاق الوعي ل‪S‬دى الف‪S‬رد‪ ،‬س‪S‬واء ك‪S‬ان واعي‪S‬ا بذات‪S‬ه أو‬

‫العالم الخارجي‪...‬وهكذا‪ ،‬سيصبح الجسد تدريجيا أهم من الجانب الب‪SS‬اطني لإلنس‪SS‬ان‪ ،‬فه‪SS‬و س‪SS‬بيل تحدي‪SS‬د الهوي‪SS‬ة‬

‫والذاتية وبالتالي قيمة الفرد"[‪ .]2‬لقد اعتبر فالسفة اليونان أن الجسد "متعفن" وأن الروح طاهرة‪ ،‬بل إنه‪SS‬ا هي‬

‫‪.‬من تحفظ للجسد طهارته لكنه حالما يتعفن فهي تغادره بالموت إلى نبعها الطاهر‬
‫في الوقت الذي دافع فيه ديكارت عن وحدة الجسد والفكر التي بموجبه‪SS‬ا تتح‪SS‬دد ج‪SS‬واهر األش‪SS‬ياء‪ ،‬إذ إن الجس‪SS‬د‬

‫لوحده يبقى عاجزا عن المعرفة‪ ،‬وهكذا منح ديكارت من خالل كتاب‪SS‬ه‪ :‬ت‪SS‬أمالت ميتافيزيقي‪SS‬ة‪ ،‬عن أس‪SS‬بقية الفك‪SS‬ر‬
‫‪.‬المتسم بالحرية واإلرادية والذي يتحكم في الجسد[‪]3‬‬

‫ومع اسبينوزا بالتحديد سيفتح الباب على مصراعيه للتفكير الفلسفي في الجسد بمعزل عن ثنائية الروح والعق‪SS‬ل‬

‫التي ظلت سائدة منذ الفكر اليوناني‪ ،‬إذ "يعود نس‪SS‬يان الجس‪SS‬د في الفك‪SS‬ر اإلنس‪SS‬اني حس‪SS‬ب اس‪SS‬بينوزا إلى النزع‪SS‬ة‬

‫العقالنية أو المثالية التي كانت تهتم بالفكر والروح وتحتقر الجسد والغرائز"[‪]4‬؛ فالجسد إذن وفق ه‪SS‬ذه الرؤي‪SS‬ا‬

‫ليس مجرد أداة خاضعة للفكر‪ ،‬بل هذا األخير ه‪SS‬و أداة الجس‪SS‬د‪ ،‬ومن ثم وجب التمي‪SS‬يز حس‪SS‬ب اس‪SS‬بينوزا بين م‪SS‬ا‬

‫‪.‬يستطيع الجسد فعله وما ال يستطيع فعله طبقا لقوانين الطبيعة التي تخضع للضرورة‬

‫وهكذا‪ ،‬تمت إعادة االعتبار للجسد بالتدريج بتجاوز كل الطابوهات ال‪S‬تي الزمت تاريخي‪SS‬ا أش‪S‬كال التفك‪SS‬ير ال‪S‬تي‬

‫كانت سائدة حول الجسد‪ ،‬وصوال إلى المرحلة التي أعلن فيها نتشه‪" :‬إنني بكاملي جسد ال غير‪ ،‬وما الروح إال‬
‫كلمة أطلقت لتعيين جزء من هذا الجسد‪]5[".‬‬

‫بهذا المعنى‪ ،‬تناولت الفلسفة المعاصرة الجسد مستندة بشكل كبير على هذا التراث الفلس‪SS‬في ال‪SS‬تي أث‪SS‬رى الكث‪SS‬ير‬

‫من الحق‪SS‬ول المعرفي‪SS‬ة منه‪SS‬ا السوس‪SS‬يولوجيا باألس‪SS‬اس‪ ،‬ال‪SS‬تي لم تج‪SS‬د في ب‪SS‬دايات البحث في ه‪SS‬ذا الموض‪SS‬وع إال‬

‫اإلسهامات الفكرية التي تركها لنا ه‪S‬ؤالء الفالس‪S‬فة‪ ،‬وبالت‪S‬الي ك‪S‬ان الم‪S‬دخل الط‪S‬بيعي ل‪S‬دى السوس‪S‬يولوجيين في‬

‫تناول الجسد مدخال فلسفيا خاض بدوره في النقاش الفلسفي الدائر‪ ،‬لكن بمحاوالت وفق أسلوب مغاير واعتم‪SS‬اد‬

‫‪.‬مقاربة منهجية مالئمة لسبر أغوار هذا الجسد كظاهرة اجتماعية متميزة‬

‫إن تأثير الفلسفة بدا واضحًا في األعمال األولى التي تناولت موضوع الجسد‪ ،‬خاص‪SS‬ة ل‪SS‬دى بعض الب‪SS‬احثين من‬

‫أمثال‪ :‬مارسيل موس‪ ،‬ومشيل فوكو‪ ،‬وهربرت ماركيز؛ بمعنى آخر أن المدخل السوسيولوجي لم يتبلور بشكل‬

‫واضح إال في مرحلة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماض‪S‬ي ب‪S‬دءا بأعم‪S‬ال ك‪S‬ل من ن‪S‬وبرت إلي‪S‬اس‪ ،‬ج‪S‬ون‬

‫بودريار و بيير بورديو‪ ...‬مما فتح الب‪SS‬اب على مص‪SS‬راعيه لظه‪SS‬ور ف‪SS‬رع جدي‪SS‬د في السوس‪SS‬يولوجيا يهتم بقض‪SS‬ايا‬

‫الجسد على يد األمريكي جونث‪S‬انتورنر والفرنس‪S‬ي دافي‪S‬د لوبروت‪S‬ون‪ ،‬ه‪S‬ذا األخ‪S‬ير ال‪S‬ذي اعت‪S‬بر "أن التفك‪S‬ير في‬

‫الجسد هو طريقة معينة للتفكير في العالم والعالقات االجتماعية‪ ،‬فأي خلل يدخل على ص‪S‬ورة الجس‪S‬د ه‪S‬و خل‪S‬ل‬
‫‪.‬في تناغم العالم"[‪]6‬‬

‫وتعكس هذه النظرة طفرة حقيق‪SS‬ة في التعام‪SS‬ل م‪SS‬ع موض‪SS‬وع الجس‪SS‬د ال‪SS‬ذي ك‪SS‬ان غائب‪SS‬ا تمام‪SS‬ا في السوس‪SS‬يولوجيا‬

‫الكالسيكية؛ بمعنى أن هذا التخصص المعرفي نادرا ما ركز بطريقة ثابتة على الجس‪SS‬د بوص‪SS‬فه مج‪SS‬اال مس‪SS‬تقال‬
‫للبحث‪ ،‬إذ انشغل على ال‪SS‬دوام بب‪SS‬نى ووظ‪SS‬ائف المجتمع‪SS‬ات وطبيع‪SS‬ة الفع‪SS‬ل البشري‪ .‬وج‪SS‬اء تن‪SS‬اول بعض‬

‫السوسيولوجين األوائل للجسد ضمنيا‪ ،‬كما نزع البعض إلى التركيز على ج‪SS‬وانب منتق‪SS‬اة من الجس‪SS‬دية البشرية‬

‫وعلى قضايا بعينها من قبيل اللغة والوعي دون مالحظة أن هاتين القدرتين هي ق‪SS‬درات جس‪SS‬دية‪ .‬فكم‪SS‬ا أوض‪SS‬ح‬

‫أن القدرات المتعلقة باللغة والوعي متضمنة في الجسد‪ ،‬وتشكل ج‪S‬زءا من‪SS‬ه ومرتبط‪S‬ة تم‪SS‬ام ‪Norbert Elias‬‬
‫‪.‬االرتباط به‪ .‬فأجسادنا هي التي تمكننا من الفعل والتدخل في تيار الحياة اليومية وتغييره[‪]7‬‬

‫فالجس‪SS‬د إذن‪ ،‬في الق‪SS‬رن العشرين ومن خالل أبح‪SS‬اث ه‪SS‬ؤالء السوس‪SS‬يولوجيين‪ ،‬ه‪SS‬و م‪SS‬رآة للحي‪SS‬اة االجتماعي‪SS‬ة‬

‫وسلوكيات األفراد وتفاعالتهم وانعكاس للثقافة االجتماعية؛ بمعنى لم يعد هناك ش‪S‬يء ط‪S‬بيعي في الجس‪S‬د‪ ،‬ذل‪S‬ك‬

‫أن الممارسات الجسدية تتنوع بتنوع الثقافات‪ ،‬وهكذا لم يعد الجسد حكرا على البيولوجيا لوحدها‪ ،‬بل ه‪SS‬و بن‪SS‬اء‬

‫على أن مجموع‪SS‬ة من ‪ Norbert Elias‬اجتماعي وثقافي تتجلى فيه شتى مظاهر التفاعل اإلنساني‪ ،‬إذ برهن‬

‫السلوكيات التي قد تبدو طبيعية للغاية‪ ،‬إال أنها ثقافي‪S‬ة واجتماعي‪S‬ة باألس‪S‬اس‪ ،‬من خالل تجلياته‪S‬ا كقواع‪S‬د معين‪S‬ة‬

‫تتحكم في ه‪SS‬ذا الجس‪SS‬د‪ ،‬وتجعل‪SS‬ه يم‪SS‬ارس نوع‪SS‬ا من الرقاب‪SS‬ة الذاتي‪SS‬ة من خالل اللب‪SS‬اس وتعلم أس‪SS‬اليب التص‪SS‬رف‬
‫‪.‬والتحرك والتعامل بالجسد وعبر هذا الجسد[‪]8‬‬

‫أن هيئة الجسد تترجم وتعبر عن هابيتس كل ‪ Habitus‬فيشير من خالل مفهومه المركزي ‪ Bourdieu ،‬أما‬

‫فرد؛ بمعنى أن التاجر والفالح والموظ‪SS‬ف‪ ...‬ليس لهم نفس الهيئ‪SS‬ة الجس‪SS‬دية‪" ،‬فخطاط‪SS‬ة الجس‪SS‬د م‪SS‬زودة بنظ‪SS‬رة‬
‫مكتملة إلى العالم االجتماعي‪ ،‬وبفلسفة مكتملة للشخص والجسد الخاص‪]9[".‬‬

‫هكذا إذن تطور تدريجيا االهتمام بالجسد‪ ،‬ليصبح فرعا سوسيولوجيا قائم ال‪S‬ذات‪ ،‬ولع‪S‬ل ه‪S‬ذا م‪S‬ا يفس‪S‬ر إلى ح‪S‬د‬

‫بعيد رواج موضوعات الجسد بشكل متصاعد في السوسيولوجيا‪ ،‬خاصة إزاء التحوالت التي طرأت على بني‪SS‬ة‬

‫األنظمة االجتماعية الرأسمالية المتقدمة التي بوأت الجسد مكانة خاصة في النظام االستهالكي أم‪SS‬ام تق‪SS‬دم الس‪SS‬ن‬

‫ومعدل األعمار لدى سكان الغرب‪ ،‬ونسوية "الموجة الثانية"‪ ،‬وبالتالي انعكس كل ذلك على النظرة إلى الجس‪SS‬د‬

‫‪.‬الذي تحول إلى رهان اجتماعي‬

‫‪:‬الجسد من منظور المجتمع االستهالكي ‪2.‬‬

‫إن المتأم‪SS‬ل في حجم االس‪SS‬تثمارات الموج‪SS‬ة إلى االهتم‪SS‬ام بالجس‪SS‬د من ك‪SS‬ل الن‪SS‬واحي ال يس‪SS‬عه إال أن ي‪SS‬درك ه‪SS‬ذا‬

‫أصبح المج‪SS‬ال ال‪SS‬رئيس للنشاط ‪ Turner‬االرتباط القوي لالقتصاد المعاصر بالجسد وحاجياته‪ .‬فالجسد حسب‬

‫االقتصادي واالجتماعي والسياسي أيضا[‪ ،]10‬مما أخضع هذا الجسد لمتطلبات المجتم‪SS‬ع االس‪SS‬تهالكي‪ ،‬بمع‪SS‬نى‬

‫آخر انتصار النموذج الرأسمالي في التسويق للجسد بطريقت‪SS‬ه وأس‪SS‬لوبه ض‪SS‬دا على دع‪SS‬وات ع‪SS‬دد من المفك‪SS‬رين‬
‫مثال وجه انتقادا كبيرا للحضارة في بنيتها الحالية‪ ،‬والتي ‪ Herbert Marcuse‬الذين نادوا بتحرير الجسد‪ ،‬ف‬

‫قض‪S‬ية بنيوي‪S‬ة في ص‪S‬لب الحض‪S‬ارة ‪Marcuse‬تدفع باإلنسان إلى نوع من االغتراب‪ ،‬ف‪S‬االغتراب من منظ‪S‬ور‬

‫الحالية ومن تركبيتها الحتمية‪ ،‬ومن هنا نجده يصف هذه الحضارة‪ ،‬وكيف أنها قض‪SS‬ت على الليبي‪SS‬دو‪" :‬إن زمن‬

‫العمل الذي يمثل الجزء األكبر من حياة األفراد هو زمن مرهق‪ ،‬إذ إن العمل االنسالبي معن‪S‬اه غي‪S‬اب االرت‪S‬واء‬

‫ونفي مبدأ اللذة"[‪ .]11‬هن‪S‬ا يك‪S‬ون اإلنس‪S‬ان في أوج اغتراب‪S‬ه‪ ،‬حيث إن‪S‬ه يم‪S‬ارس أعم‪S‬اال ال تنس‪S‬جم م‪S‬ع تطلعات‪S‬ه‬

‫‪.‬الجسدية‬

‫إن المجتمع الصناعي الحالي هو مجتمع السيطرة الكلية‪ ،‬فهو يملك القدرة على امتصاص كل طاقة رفض لدى‬

‫أفراده‪ ،‬وقادر على تعبئة كل طاقاتهم الجسدية لحمايته‪ ،‬فالحاجات التي يوفرها مجتم‪SS‬ع التكنولوجي‪SS‬ا المعاص‪SS‬رة‬

‫هب حاج‪SS‬ات وهمي‪SS‬ة تس‪SS‬اهم في مزي‪SS‬د من اغ‪SS‬تراب اإلنس‪SS‬ان ذي البع‪SS‬د الواح‪SS‬د‪ ،‬ومزي‪SS‬د من ‪ Marcuse‬حسب‬

‫‪.‬استمرارية هذا النظام المجتمعي الذي يدرب أفراده تدريجيا على االستغناء على الحرية بوهم الحرية‬

‫كما أش‪S‬ار الب‪SS‬احث في ذات الس‪S‬ياق من خالل مناقشته لقض‪SS‬ية التح‪S‬رر الجنس‪S‬ي في كتاب‪SS‬ه‪" :‬اإلنس‪S‬ان ذو البع‪SS‬د‬

‫الواحد" إلى ضرورة تخليص الغرائز الجنسية من التحرر الزائ‪SS‬ف ال‪SS‬ذي تمارس‪SS‬ه الرأس‪SS‬مالية‪ ،‬ال‪SS‬تي أخض‪SS‬عت‬

‫إلى ‪ Marcuse‬الغرائز الجنسية لقيم السوق وجعلها س‪S‬لعة في نم‪SS‬ط االس‪S‬تهالك الرأس‪S‬مالي‪ ،‬األم‪SS‬ر ال‪S‬ذي دف‪SS‬ع‬
‫‪.‬انتقاد إبراز المفاتن الجنسية للجسد في عالم الشغل وفي عالقات العمل لتنافيه مع القيم المؤطرة للشغل[‪]12‬‬

‫ما ذهب إليه في كتابه‪" :‬مجتمع االستهالك"[‪ ]13‬إلى أن ‪ Jean Baudrillard‬وهكذا إذن‪ ،‬يمكن أن نتقاسم مع‬

‫الجسد أصبح األسطورة الموجهة ألخالق االستهالك‪ ،‬بل إن‪S‬ه أجم‪S‬ل مواض‪S‬يع اس‪S‬تهالكنا في ال‪S‬وقت الحاض‪S‬ر‪،‬‬
‫فبع‪SS‬د ع‪SS‬دة ق‪SS‬رون من "العف‪SS‬ة" أص‪SS‬بح رأس‪SS‬ماال يتم االس‪SS‬تثمار في‪SS‬ه بق‪SS‬وة‪ ،‬وأص‪SS‬بح موض‪SS‬وع نرجس‪SS‬ية وحظ‪SS‬وة‬

‫اجتماعية بامتياز‪ ،‬ذلك أن مجتمع االستهالك بات يفرض على األفراد االعتن‪S‬اء بجس‪S‬دهم من خالل العم‪S‬ل على‬

‫اجتناب ومحاربة كل ما يعيق حركته الخارجية والداخلي‪SS‬ة؛ أي المادي‪SS‬ة والمعنوي‪SS‬ة‪ ،‬والعم‪SS‬ل أيض‪SS‬ا على تقويم‪SS‬ه‬

‫‪.‬ومعالجته‬

‫نرجس‪SS‬ية جدي‪SS‬دة ترتب‪SS‬ط بالجس‪SS‬د‪ ،‬يمكن تجس‪SS‬يدها بتقني‪SS‬ة أو بأش‪SS‬ياء بعينه‪SS‬ا أو ‪ Baudrillard‬إنه‪SS‬ا إذن حس‪SS‬ب‬

‫بحركات أو عالمات معينة‪ ،‬إذ تحرص ه‪SS‬ذه النرجس‪SS‬ية على التالعب بالجس‪SS‬د كقيم‪SS‬ة‪ .‬إنه‪SS‬ا اقتص‪SS‬اد واس‪SS‬تهالك‬

‫موجه للجسد‪ ،‬يتأسس على مخطط للتفكيك الجنسي والرمزي‪ ،‬وعملية هدم وإع‪SS‬ادة بن‪SS‬اء موج‪SS‬ه لالس‪SS‬تثمارات‪،‬‬

‫‪.‬وإعادة تمثل للجسد وفق نماذج دقيقة ومحددة‬

‫اهتمام المجتمع االستهالكي بالجسد يتجلى باألساس في ثالثة مجاالت حيوية‪ :‬الصحة‪ ،‬الجمال‪ ،‬والجنسانية‬
‫فالجسد من هذا المنظور هو إعادة استثمار نرجسي يتم تمثله وفق مبدإ معياري قائم على إنتاجية متعية‪ ،‬وُي دار‬

‫باعتباره ميراثا‪ ،‬ويتم التالعب به كدال على النظام االجتماعي؛ إال أن األمر يتعلق بصيرورة تقديس جس‪SS‬د ذي‬

‫بعد وظيفي بحت؛ أي جسد يجد أهميته وحضوره في احتفاء المجتمع االستهالكي به‪ .‬أما الخصائص المحورية‬

‫لهذا النوع من األجساد‪ ،‬فتتمثل في الجمالية اإليروسية والشبقية‪ ،‬باعتبارهما تؤّسسان األخالق الجدي‪SS‬دة للعالق‪SS‬ة‬
‫‪ .‬بالجسد‪ ،‬وتتجليان في قطبين رئيسين‪ :‬ذكوري (الصالبة والقوام المنحوت)‪ ،‬وأنثوي (األناقة واإلغراء)[‪]14‬‬

‫مما سبق ينغي التأكي‪SS‬د على اهتم‪SS‬ام المجتم‪SS‬ع االس‪S‬تهالكي بالجس‪S‬د يتجلى باألس‪S‬اس في ثالث‪SS‬ة مج‪S‬االت حيوي‪SS‬ة‪:‬‬

‫وه‪SS‬ذا بالض‪SS‬بط م‪SS‬ا ض‪SS‬اعف حجم ‪la sexualité ،‬والجنس‪SS‬انية ‪ La beauté،‬الجمال ‪ La santé،‬الصحة‬

‫االستثمارات في هذه المجاالت‪ ،‬حتى أصبح الجسد مشروعا قابال إلعادة البن‪SS‬اء وف‪SS‬ق تص‪SS‬ميمات ص‪SS‬احبه وم‪SS‬ا‬

‫يراه من تحسينات ضرورية لترويض هذا الجسد والحفاظ على مظهر مناسب‪ ،‬فالجسد بوصفه موردا شخص‪SS‬يا‬

‫ورمزا اجتماعيا يبعث برسائل عن هوية الشخص الذاتية‪ ،‬في ه‪SS‬ذا الس‪SS‬ياق‪ ،‬يص‪SS‬بح ه‪SS‬ذا األخ‪SS‬ير كينون‪SS‬ة طيع‪SS‬ة‬

‫‪.‬يمكن تشكيلها وشحذها عبر ما يبدي صاحبه من حرص وما يبذل من جهود‬

‫إن نظ‪SS‬ام الحمي‪SS‬ة للحف‪SS‬اظ على الرش‪SS‬اقة وتجنب بعض األم‪SS‬راض‪ ،‬وممارس‪SS‬ة الرياض‪SS‬ة‪ ،‬والجراح‪SS‬ة التجميلي‪SS‬ة‪،‬‬

‫واألدوية المساعدة على قوام أفضل‪ ...‬كلها منتجات جدي‪SS‬دة تك‪SS‬رس مفهوم‪SS‬ا مغ‪SS‬ايرا للجس‪SS‬د لم يكن حاض‪SS‬را من‬

‫قبل‪ ،‬كما أنها في ذات الوقت وسائل‪ /‬سلع ابتكرها المجتمع االس‪S‬تهالكي من أج‪S‬ل جع‪S‬ل أجس‪S‬اد األف‪S‬راد ج‪S‬ديرة‬

‫بـ"عرض الذات"[‪ ]15‬في إطار مشروع هوية جسدية جديدة تجعل اإلنس‪SS‬ان ‪ Goffman‬بالثقة ضمن ما سماه‬

‫قادر ا على التفاع‪SS‬ل اإليج‪SS‬ابي م‪SS‬ع اآلخ‪SS‬رين بن‪SS‬اء على الص‪SS‬ورة اإليجابي‪SS‬ة ال‪SS‬تي يحمله‪SS‬ا عن جس‪SS‬ده‪" ،‬ذل‪SS‬ك أن‬
‫مظاهرنا الخارجية ال تؤثر فقط في سلوك اآلخرين تجاهنا‪ ،‬بل إنها تؤثر فينا نحن أيضا‪ ،‬إلى درج‪SS‬ة أن رض‪SS‬ى‬
‫‪.‬األفراد عن أنفسهم يرتبط ارتباطا يكاد يكون آليا بالصورة التي يحملونها عن أجسادهم"[‪]16‬‬

‫وهك‪SS‬ذا أص‪SS‬بح الف‪SS‬رد في المجتم‪SS‬ع االس‪SS‬تهالكي أك‪SS‬ثر تمرك‪SS‬زا ح‪SS‬ول متطلب‪SS‬ات جس‪SS‬ده أم‪SS‬ام س‪SS‬طوة المنتج‪SS‬ات‬

‫االستهالكية‪ ،‬كما أن التمثل االجتماعي قد عرف تحوال كبيرا‪ ،‬ذلك أن ميالد المخيال االجتماعي الجدي‪S‬د للجس‪S‬د‬

‫قد أدى إلى ظهور نرجسية أك‪S‬ثر في المجتمع‪S‬ات الحالي‪S‬ة تؤش‪S‬ر على نم‪S‬و مض‪S‬طرد للفرداني‪S‬ة على ح‪S‬د تعب‪S‬ير‬

‫‪.‬الذي أطلق على هذا التحول بـ "النيوفردانية من النوع النرجسي"[‪Lipovetsky ]17‬‬

‫جسد الشباب بين الخضوع والتمرد ‪3.‬‬

‫سنركز في الجزء الثاني من هذه المقالة على توص‪SS‬يف عالق‪SS‬ة اإلنس‪SS‬ان والشباب تحدي‪SS‬دا بجس‪SS‬ده ض‪SS‬من ثنائي‪SS‬ة‬

‫الخضوع والتمرد كمدخل أساسي لفهم الكثير من التمظهرات االجتماعية لسلوكيات األفراد‪ ،‬باعتبار أن العبور‬
‫ليس مج‪SS‬رد كي‪SS‬ان ‪ Foucault‬من الطبيعة إلى الثقافة هو عبور يتم بالجسد وعبره ومن أجل‪SS‬ه‪ ،‬فالجس‪SS‬د بتعب‪SS‬ير‬

‫طبيعي‪ ،‬وإنما هو كيان ينتج اجتماعا من خالل نظم المعرفة والسلطة‪ ،‬حيث يصبح جسدا لينا طيعا تحت ت‪SS‬أثير‬

‫‪.‬قوى متعددة ساهمت في إخضاعه وترويضه‬

‫إنها عملية طويلة تتم عبر آلية التنشئة االجتماعية األولي‪SS‬ة داخ‪SS‬ل األس‪SS‬رة تحدي‪SS‬دا ك‪SS‬أول س‪SS‬يرورة اجتماعي‪SS‬ة في‬

‫البناء الهوياتي للفرد ضمن ثقافة اجتماعي‪SS‬ة معين‪SS‬ة له‪SS‬ا منظوره‪SS‬ا الخ‪SS‬اص للجس‪SS‬د‪ ،‬ت‪SS‬دفع الطف‪SS‬ل والمراه‪SS‬ق في‬

‫مرحلة الحقة إلى استدماج األدوار االجتماعية الممنوحة للجسد لينخرط في سيرورات الفعل واإلنتاج والتفاعل‬

‫‪.‬االجتماعي‬

‫اللباس أولى جدلية الصراع لثنائية الخضوع والتمرد الجسدي ‪3-1.‬‬

‫ال يجادل أحد في كون اللباس أحد المظاهر البارزة في صراع الترويض الذي أش‪S‬ار إلي‪S‬ه العدي‪S‬د من الب‪S‬احثين؛‬

‫فثقافة الجسد ال تقف في حدود عالقة البدني بما هو نفسي وعقلي‪ ،‬بل تتجاوز ذلك إلى ما هو مظه‪S‬ري ع‪S‬ام من‬

‫قبي‪SS‬ل اللب‪SS‬اس والع‪SS‬ري والوش‪SS‬م‪ ...‬ومن تم يجب الترك‪SS‬يز في ه‪SS‬ذه المقارب‪SS‬ة أيض‪SS‬ا على الس‪SS‬ياق االجتم‪SS‬اعي‪-‬‬

‫التاريخي للجس‪S‬د كحام‪S‬ل لإلش‪S‬ارات والرم‪S‬وز‪ ،‬إذ ينبغي فهم‪S‬ه كتعب‪S‬ير عن المخ‪S‬زون الثق‪S‬افي الع‪S‬ام للشعوب‪،‬‬

‫"فك‪SS‬ون جس‪SS‬دنا معطى ثق‪SS‬افي بفع‪SS‬ل الواق‪SS‬ع‪ ،‬فه‪SS‬و نص‪ ،‬س‪SS‬واء أردن‪SS‬ا ذل‪SS‬ك أم ال‪ ،‬فمن خالل جس‪SS‬دنا‪ ،‬إش‪SS‬ارتنا‪،‬‬

‫وضعياتنا الجسمية‪ ،‬ألبستنا‪ ،‬حلينا‪ ...‬نتيح القراءة‪ ،‬فالجسد مهما يكن من أمر‪ ،‬موضوع عمليات ح‪SS‬ل الشفرات‪.‬‬
‫‪.‬فلغة الجسد تتيح لكل فرد معرفة المجموعة التي ينتمي إليها والوضعية التي يشغلها فيها"[‪]18‬‬

‫إن تناول الجسد بهذا المعنى‪ ،‬كنص مفتوح على القراءة وفك الرم‪SS‬وز والشفرات الثقافي‪SS‬ة‪ ،‬من ش‪SS‬أنه أن يحيلن‪SS‬ا‬

‫على حضور لغ‪S‬ة م‪S‬ا داخل‪S‬ه تشتغل لقص‪S‬دية معين‪S‬ة‪ ،‬إذ تشترك اس‪S‬تعماالت الجس‪S‬د واللغ‪S‬ة والرم‪S‬ز في كونه‪S‬ا‬

‫‪.‬موضوعات متميزة للمراقبة االجتماعية‬

‫صحيح أن اللباس في أول األمر كان يؤدي وظيفة معينة تبعا للحاجات اإلنسانية ال‪SS‬تي تغ‪SS‬يرت بتغ‪SS‬ير المراح‪SS‬ل‬

‫التاريخية التي عرفتها البشرية إلى يومنا هذا‪ ،‬فهو باإلضافة إلى المسكن "مظهران يعبران على أن مجتمعا م‪SS‬ا‬

‫وجد وتأقلم لتلبية حاجة أساسية تشبه بالضبط حاجة اإلنسان للغذاء والجنس‪ ،‬فقد استعملهما اإلنسان لل‪SS‬دفاع عن‬

‫نفسه ضد قساوة الطبيعة وهمجية اآلخر‪ ،‬فهم‪S‬ا يعت‪S‬بران من أك‪S‬ثر المظ‪S‬اهر الحض‪S‬ارية وأدقه‪S‬ا لتحدي‪S‬د مرحل‪S‬ة‬

‫زمنية ما"[‪ .]19‬لكن استعماالت اللباس قد عرف‪ ،‬إسوة بباقي المؤش‪SS‬رات الثقافي‪SS‬ة‪ ،‬العدي‪SS‬د من التط‪SS‬ورات على‬

‫مدى هذا التاريخ الطويل‪ ،‬ليصبح داال ثقافيا‪" ،‬فاللباس أداة تجعل الجسد رمزا‪ ،‬ففي المجتمعات التقليدي‪SS‬ة تك‪SS‬ون‬
‫الشفرات الثيابية ج‪SS‬د دقيق‪SS‬ة‪ ،‬دال‪SS‬ة على الجماع‪SS‬ة ال‪SS‬تي ينتمي إليه‪SS‬ا الف‪SS‬رد والمكان‪SS‬ة ال‪SS‬تي يحتله‪SS‬ا‪ .‬إن‪SS‬ه من خالل‬
‫‪.‬طريقتي في اللباس أتموقع ضمن رقعة اجتماعية معينة"[‪]20‬‬

‫شكل اللباس أيض‪S‬ا آلي‪S‬ة من اآللي‪S‬ات ال‪S‬تي اعتم‪S‬دها الجس‪S‬د من أج‪S‬ل التم‪S‬رد‪ ،‬والتعب‪S‬ير عن ن‪S‬وع من االحتج‪S‬اج‬

‫والرفض للثقافة االجتماعية السائدة‬

‫وبهذا المعنى‪ ،‬يصبح الجسد عبر أداة اللباس حامال لثقافة اجتماعية معينة وخاض‪SS‬عا له‪SS‬ا؛ ف‪SS‬المرأة ال‪SS‬تي ترت‪SS‬دي‬

‫البرقع تحيل على منظومة معينة من التفكير‪ ،‬وخاضعة لتصور معين يفرض عليها هذا النوع من اللب‪SS‬اس‪ ،‬كم‪SS‬ا‬

‫هو األمر بالنسبة إلى الشاب الذي يحرص على ارتداء اللباس الفضفاض والطويل‪ ،‬فهو ال يشبه في شيء ذل‪SS‬ك‬

‫الشاب الذي يرتدي ألبسة ضيقة وقصيرة أو الشابة التي ترتدي التنورات القصيرة‪ .‬إنن‪S‬ا أم‪S‬ام ثق‪S‬افتين مختلف‪S‬تين‬

‫تحاول األولى إخفاء الجسد وحجبه "وس‪S‬تره"‪ ،‬في حين تحتفي الثاني‪SS‬ة بالجس‪S‬د وت‪SS‬وفر ل‪S‬ه اللب‪SS‬اس الحام‪SS‬ل له‪SS‬ذه‬

‫‪.‬الداللة‬

‫في مقابل هذا الخضوع‪ ،‬شكل اللباس أيضا آلية من اآلليات التي اعتمدها الجسد من أجل التم‪SS‬رد‪ ،‬والتعب‪SS‬ير عن‬

‫نوع من االحتجاج والرفض للثقافة االجتماعية السائدة‪ ،‬ويكفي أن نشير هنا إلى التأثير الذي مارسه "الهيبيزم"‬

‫في عقد السبعينيات على شباب العالم بأسلوب لباسهم وتسريحات شعرهم‪ ،‬فخلخلوا ب‪SS‬ذلك الدالل‪SS‬ة ال‪SS‬تي اتص‪SS‬ف‬

‫بها اللباس على مستوى عالقته بالثقافة االجتماعية‪ .‬ونفس األم‪S‬ر ينطب‪S‬ق الي‪S‬وم على لب‪S‬اس الهيب اله‪S‬وب ال‪S‬ذي‬

‫‪.‬يشكل تمردا واضحا على النمذجة السلوكية التي أرساها المجتمع المعاصر حول اللباس‬

‫ومن خالل اللباس‪ ،‬يحاول الشباب أن ي‪SS‬برز كق‪SS‬وة احتجاجي‪SS‬ة تحم‪SS‬ل ثقاف‪SS‬ة مض‪SS‬ادة بأش‪SS‬كال جدي‪SS‬دة في الس‪SS‬لوك‬

‫والتفكير والمعتقد رافقته‪S‬ا تعب‪S‬يرات ثقافي‪S‬ة فني‪S‬ة خاص‪S‬ة في المجتمع‪S‬ات المص‪S‬نعة "ال‪S‬تي بلغت ق‪S‬درا عالي‪S‬ا من‬

‫التعقيد‪ ،‬وسمحت أكثر من غيرها بظهور ثقافات فرعية شبابية‪ ،‬وببروز حركات شبابية ثقافية تلقائية أو منظمة‬
‫‪.‬تفاعلت مع األحداث الكبرى التاريخية وساهمت فيها"[‪]21‬‬

‫العري والتمرد على اللباس‪ :‬عودة للزمن األول ‪3-2.‬‬

‫)‪ Naturisme‬أتب‪SS‬اع الطبيع‪SS‬ة( إن كان العري يشكل في الثقافة الغربية تحديدا أح‪SS‬د ث‪SS‬وابت المدرس‪SS‬ة الطبيعي‪SS‬ة‬

‫التي تتبنى مفاهيم فلسفية مستمدة من الطبيعة‪ ،‬حيث ال تنظر للعري والتعري نظرة حسية بمعنى اإلثارة‪ ،‬وإنم‪S‬ا‬

‫األمر مرتبط فلسفيا بالرغبة في الحياة الطبيعية تماما والبريئ‪S‬ة من وجه‪S‬ة نظ‪S‬ر المنتمين له‪S‬ذه المدرس‪S‬ة‪ .‬إال أن‬

‫موجات العري الجديدة التي شهدتها البشرية ماهي إال "رد فعل على الحضارة الغربية المعاصرة ال‪SS‬تي راكمت‬
‫زيفها على اإلنسان‪ ،‬فأضحى اللباس واحدا من الفواصل السميكة التي تعمق الفوارق بين البشر‪ ،‬وتمحو ما ه‪SS‬و‬

‫طبيعي فيهم‪ .‬وقد كان الموقف متطرفا لدى بعض التيارات التي رأت اللباس طابوها‪ ،‬فتدفقت موجة من العري‬
‫‪.‬الصارخ تغزو شوارع أوروبا والواليات المتحدة األمريكية مع مطلع السبعينيات"[‪]22‬‬

‫من هنا يتخذ التحرر من اللباس بعدا احتجاجيا يعبر عن تمرد الجسد ضد كل القوالب المجتمعي‪SS‬ة ال‪SS‬تي فرض‪SS‬ت‬

‫عليه إلزامات ومحظورات‪" ،‬فبم‪SS‬ا أن اللب‪SS‬اس يعلن إدم‪SS‬اج الف‪SS‬رد داخ‪SS‬ل مجتم‪SS‬ع م‪SS‬ا‪ ،‬فح‪SS‬ري أن يك‪SS‬ون التع‪SS‬ري‬

‫المكان المدمر النكشاف جس‪SS‬د مت‪SS‬وحش‪ ،‬أعي‪SS‬د إلى طبيعت‪SS‬ه األولى"[‪ .]23‬وهك‪SS‬ذا يمكن الق‪SS‬ول إن التم‪SS‬رد على‬

‫اللباس اتخذ صيغا شتى‪ :‬إما أنها نابعة من اشتهاء إيروسي للجسد‪ ،‬وإما من رؤية فلسفية عميقة تعبر عن حنين‬

‫اإلنسان إلى عهده األول‪ ،‬لكن إلى أي حد أفلح العري في استعادة اإلحساس المفقود بحرية الجس‪SS‬د؟ واس‪SS‬ترجاع‬

‫الشعور الفطري بطبيعة جسده قبل أن يحتله اللباس؟‬

‫طبعا حاول الكثير من الباحثين تقديم أجوبة عن هذا السؤال‪ ،‬وخلص‪SS‬وا في النهاي‪SS‬ة إلى أن حال‪SS‬ة الع‪SS‬ري األولى‬

‫التي عرفها الجسد اإلنس‪SS‬اني تظ‪SS‬ل حال‪SS‬ة فري‪SS‬دة يس‪SS‬تحيل اس‪SS‬ترجاعها‪ ،‬ألنه‪SS‬ا تشكل درج‪SS‬ة الص‪SS‬فر في الثقاف‪SS‬ة‪،‬‬

‫فبمجرد أن تزحف الثقافة على شخصية اإلنسان‪ ،‬فإن معطياته‪SS‬ا المحسوس‪S‬ة والمج‪S‬ردة تحف‪SS‬ر في عم‪SS‬ق الكي‪SS‬ان‬

‫‪.‬اإلنساني الغية بذلك حالة الفطرة والطبيعة‬

‫لكن ما يهمنا هنا بالذات ما يرتبط بالعري ذي البعد االحتجاجي الصرف الذي يمارسه الشباب ك‪SS‬رد فع‪SS‬ل على‬

‫كل أشكال التضييق والحصار التي يتعرض لها‪ ،‬يكفي أن نذكر بمواقف العديد من الشباب الذين يتعرون جزئيا‬

‫أو كليا في مواجه‪S‬ة الس‪S‬لطة‪ ،‬ك‪S‬رفض معلن لم‪S‬ا تمارس‪S‬ه ه‪S‬ذه الس‪S‬لطة من تع‪S‬نيف وحرم‪S‬ان وإقص‪S‬اء وتهميش‬
‫في كتاب‪S‬ه "المراقب‪S‬ة والمعاقب‪S‬ة"[ ‪ Foucault‬وت‪S‬دجين في ح‪S‬ق الجس‪S‬د‪ ،‬ولع‪S‬ل ه‪S‬ذا م‪S‬ا تط‪S‬رق إلي‪S‬ه بالتفص‪S‬يل‬

‫‪ ]24‬ال‪SSS‬ذي عم‪SSS‬ل من خالل‪SSS‬ه على تق‪SSS‬ديم تحلي‪SSS‬ل علمي للجس‪SSS‬د مفكك‪SSS‬ا بالتفص‪SSS‬يل اآللي‪SSS‬ات والنظم المتع‪SSS‬ددة‬

‫التي ساهمت في إخضاع الجسد‪ ،‬كاشفا عما يكبل هذا الجسد ويقيده‪ ،‬ألن ذلك في رأيه تكبيل للعقل‪ ،‬ففك أغالل‬

‫‪.‬الجسد من آليات التوجيه والنفي والترويض هو إطالق سراح العقول من سراديب الحجر والزيف‬

‫إن العري إذن وفق هذا المنظور تمرد واحتجاج وحامل لرس‪S‬الة ولخط‪S‬اب إلى المجتم‪SS‬ع وإلى الس‪S‬لطة تحدي‪SS‬دا؛‬

‫فعندما تقف نساء حركة "فيمن" عاري‪S‬ات يك‪S‬ون ذل‪S‬ك في الغ‪S‬الب للتعب‪S‬ير عن موق‪S‬ف رافض في وج‪S‬ه الس‪S‬لطة‬

‫والمؤسسات المعنية‪ .‬إنه مثال حي على دخول الجسد إلى متاهات الخطاب السياسي‪ ،‬ورفض ه‪SS‬ذا األخ‪SS‬ير ك‪SS‬ل‬

‫‪.‬محاوالت التدجين التي مورست عليه في السابق‬

‫الوشم ذاكرة الجسد الحية ‪3-3.‬‬


‫إذا كان اللباس قد شكل‪ ،‬كما أوضحنا آنفا‪ ،‬أحد الوسائل التي وظفتها البشرية من أج‪SS‬ل إخض‪SS‬اع الجس‪SS‬د للتقالي‪SS‬د‬

‫واألعراف المجتمعي‪SS‬ة؛ فالوش‪SS‬م أيض‪SS‬ا الزم اللب‪SS‬اس وك‪SS‬ان عنص‪SS‬را مكمال في بعض الثقاف‪SS‬ات‪ ،‬ف‪SS‬بين "الجس‪SS‬د ‪-‬‬

‫الجلد" و"الجسد ‪ -‬اللباس" يوجد جسد ثالث‪ ،‬وهو‪" :‬الجسد ‪ -‬الوشم" ال‪SS‬ذي راف‪SS‬ق ك‪SS‬ل مراح‪SS‬ل اإلخض‪SS‬اع ال‪SS‬تي‬

‫تع‪SS‬رض له‪SS‬ا الجس‪SS‬د‪" ،‬فكم ك‪SS‬ان على الجس‪SS‬د أن يس‪SS‬جل ح‪SS‬تى في لحم‪SS‬ه العقوب‪SS‬ات واإلكراه‪SS‬ات ال‪SS‬تي تفرض‪SS‬ها‬
‫‪.‬المقاربة االجتماعية"[‪]25‬‬

‫للوشم إذن‪ ،‬ذاكرة تاريخية طويلة جّد ا‪ ،‬ارتبط بعضها بمعتقدات ضاربة في القدم‪ ،‬كما أنه رافق كل المجتمع‪SS‬ات‬

‫اإلنسانية في مراح‪S‬ل تطوره‪S‬ا المختلف‪SS‬ة‪ ،‬فق‪SS‬د ك‪SS‬ان "وس‪S‬يلة" بعض الشعوب لص‪SS‬د مخ‪S‬اطر الطبيع‪SS‬ة‪ ،‬أو طلب‬

‫النسل‪ ،‬أو نوع من الرقية لصد أذى العين والحسد‪ ...‬و"هك‪SS‬ذا يشتغل الوش‪SS‬م على واجه‪SS‬تين ثق‪SS‬افيتين‪ :‬إم‪SS‬ا لعل‪SS‬ة‬

‫تزيينية محضة أو لعلة عالجية محضة‪ ،‬أو هما معا‪ .‬وأحيانا ُو ظف الوشم لقصدية تعذيبي‪SS‬ة أو جزائي‪SS‬ة كم‪SS‬ا ه‪SS‬و‬
‫‪.‬الحال بالنسبة إلى السجناء أو العبيد‪ ،‬أو كشفرة تواصل بين القراصنة"[‪]26‬‬

‫ويستهوي الوشم الشباب بصفة خاصة أمام تزايد أشكاله ورواجه بين المشاهير (فنانون ‪ -‬العبون‪)...‬؛ إذ يشكل‬

‫ظاهرة جديدة تس‪SS‬ترعي االنتب‪SS‬اه‪ ،‬تط‪SS‬ورت بشكل الفت تماش‪SS‬يا م‪SS‬ع الموض‪SS‬ة واألزي‪SS‬اء‪ ،‬وخض‪SS‬عت للمتطلب‪SS‬ات‬

‫الجمالية للجسد كأشكال مكملة للجوانب التي يراها الشاب ضرورية إلضفاء نوع من التن‪SS‬اغم على جس‪SS‬ده‪ .‬كم‪SS‬ا‬

‫امتد الوشم إلى المجال الحميمي ليعبر لدى البعض عن رباط بين العاش‪SS‬قين‪ ،‬حيث ال يت‪SS‬وانى المحب عن كتاب‪SS‬ة‬

‫اسم حبيبته أو رسم صورتها على جس‪S‬ده كدالل‪SS‬ة على حب‪SS‬ه له‪SS‬ا وولع‪SS‬ه به‪SS‬ا‪ ،‬ألن م‪SS‬ا ُيكتب وم‪SS‬ا ُيرس‪S‬م يص‪SS‬عب‬

‫‪.‬إزالته‬

‫إن هذا االحتفاء بالوشم هو محط نقاش وجدال بين من يرى أن التص‪SS‬رف في الجس‪S‬د من خالل الكتاب‪S‬ة والرس‪S‬م‬

‫هو حرية شخصية‪ ،‬وبالتالي هي عملية تحري‪SS‬ر للجس‪SS‬د‪ ،‬في المقاب‪SS‬ل ي‪SS‬رى آخ‪SS‬رون أن‪SS‬ه ن‪SS‬وع من "االض‪SS‬طراب‬

‫‪.‬النفسي" وتقليد أعمى للنجوم‪ ،‬من دون التفكير في الدالالت التي تحملها هذه الرسوم والكتابات على األجساد‬

‫لكن م‪SS‬ع ذل‪SS‬ك ال يجب أن نغمض أعيينن‪SS‬ا عم‪SS‬ا يحمل‪SS‬ه ه‪SS‬ذا الوش‪SS‬م من بع‪SS‬د تم‪SS‬ردي واض‪SS‬ح ل‪SS‬دى بعض الفئ‪SS‬ات‬

‫االجتماعية‪ ،‬يكفي أن نشير إلى الخرائط الجسدية‪ :‬أي ذلك الحفر الع‪S‬نيف على الجل‪S‬د ب‪S‬آالت ح‪S‬ادة ح‪S‬تى ت‪S‬نزف‬

‫الدماء بغزارة[‪ ]27‬كن‪SS‬وع من االحتج‪SS‬اج ال‪SS‬ذي يمارس‪SS‬ه بعض الج‪SS‬انحين في المؤسس‪SS‬ات اإلص‪SS‬الحية أو داخ‪SS‬ل‬

‫السجون للتعبير عن سخطهم إزاء وضعيتهم‪ .‬إنه بالتأكي‪SS‬د وش‪SS‬م مختل‪SS‬ف م‪SS‬ؤلم ج‪SS‬دا وح‪SS‬اد‪ ،‬يرم‪SS‬ز إلى ن‪SS‬وع من‬

‫التحدي وعدم االكتراث لما قد يحصل لهذا الجس‪SS‬د من آالم وتشوهات‪ ...‬في س‪SS‬بيل إيص‪SS‬ال رس‪SS‬الة جس‪SS‬دية إلى‬

‫‪.‬اآلخر الذي يمثل في الغالب السلطة‬


‫إنه إذن حكي من نوع آخر مختلف‪ ،‬وحكي غير مألوف‪ ،‬ليس فيه أي بعد جم‪SS‬الي‪ .‬إن‪SS‬ه استحض‪SS‬ار لم‪SS‬ا م‪SS‬ورس‬

‫‪.‬على هذا الجسد من تعذيب عبر تاريخ طويل في سبيل التمتع بالحرية‬

‫‪:‬خالصة‬

‫إن الجسد في النهاية ال يمكن أن يكون مجرد معطى بيولوجي محض خاضع لمتطلبات الطبيعة‪ ،‬إنه نتاج ثقافي‬

‫اجتماعي أيضا وثيق الصلة بالقواعد والقيم االجتماعية المشتركة للمجتمعات اإلنسانية‪ .‬فالجسد ه‪SS‬و بوابتن‪SS‬ا إلى‬

‫هذا العالم‪ ،‬إذ من خالله يتمكن الفرد من الحديث عن ذاته وعن العالم المحيط ب‪SS‬ه‪ ،‬مم‪SS‬ا يجع‪SS‬ل من‪SS‬ه ح‪SS‬دثا ثقافي‪SS‬ا‬

‫وبنية رمزية دالة تجمع ما بين الطبيعة والثقافة‪ ،‬فكم‪S‬ا أوض‪S‬حنا من قب‪S‬ل‪ ،‬ف‪S‬العبور من الطبيع‪S‬ة إلى الثقاف‪S‬ة ه‪S‬و‬

‫عبور يتم بالجسد وعبره ومن أجله‪ ،‬فهناك انتق‪SS‬ال له‪SS‬ذا الجس‪SS‬د من بنيت‪SS‬ه البيولوجي‪SS‬ة إلى معطى ثق‪SS‬افي وواقع‪SS‬ة‬

‫‪...‬اجتماعية‬

‫وال شك أننا ندرك اآلن أهمية مقاربة موضوع الجسد سوسيولوجيا‪ ،‬الس‪S‬يما عن‪SS‬دما نقرن‪SS‬ه ب‪SS‬التحوالت العدي‪SS‬دة‪،‬‬

‫وما مورس هذا الجسد عبر التاريخ اإلنساني الطويل من قهر وعنف واحتواء‪...‬وتظل ك‪SS‬ل المح‪SS‬اوالت الحالي‪SS‬ة‬

‫في الدراسات واألبحاث العربية حول الجسد‪ ،‬رغم كثرتها‪ ،‬غير كافية إلعادة االعتبار للجسد في الفكر والثقافة‬

‫العربيتين‪ ،‬ومن ثم هناك حاجة أكثر إلى ترسيخ ثقافة جديدة تتعامل مع الجس‪SS‬د بمنظ‪SS‬ور منفتح يستحض‪SS‬ر كاف‪SS‬ة‬

‫األبعاد الفكرية والفلسفية والفنية واإلبداعية‪ ...‬لمعالجة إشكالية الجسد وطرح كل القضايا المرتبطة به بعيدا كل‬

‫‪...‬البعد عن هيمنة إيديولوجية معينة تحاول إخفاء هذا الجسد ونبذه واحتقاره واستغالله‬

‫ألقيت هذه الورقة في ندوة‪" :‬أس‪SS‬ئلة الجس‪SS‬د في المجتمع‪SS‬ات العربي‪SS‬ة"‪ ،‬المنعق‪SS‬دة بالرب‪SS‬اط ‪ 6‬ف‪SS‬براير ‪[1] .2015‬‬

‫تنس‪SS‬يق د‪ .‬عب‪SS‬د ال‪SS‬رحيم العط‪SS‬ري وإش‪SS‬راف د‪ .‬م‪SS‬والي أحم‪SS‬د ص‪SS‬ابر‪ .‬مؤسس‪SS‬ة مؤمن‪SS‬ون بال ح‪SS‬دود للدراس‪SS‬ات‬

‫‪.‬واألبحاث‬
‫‪[2] Laurent-Sébastien Fournier et Gilles Raveneau. (2008). Anthropologie des‬‬

‫‪usages sociaux et culturels du corps. Journal des anthropologues [En ligne], N°‬‬

‫‪112-113, Ed. Association française d’anthropologues, PP. 9-22‬‬


‫ريني ديكارت (‪ ،)1988‬تأمالت ميتافيزيقية في الفلسفة األولى‪ ،‬ترجمة كمال الح‪SS‬اج‪ ،‬سلس‪SS‬لة زدني علم‪SS‬ا‪[3] ،‬‬

‫‪.‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‬


[4] Baruch Spinoza (1993): L’Éthique, traduite par Armand Guérinot, est parue aux

Éditions d’art Édouard Pelletan, à Paris, en 1930. Paris: Les Éditions Ivrea ,

disponile sur site web:

http://classiques.uqac.ca/classiques/spinoza/ethique/ethique_de_Spinoza.pdf
[5] 52 .‫ ص‬،‫ منشورات الجمل‬،‫ ترجمة علي مصباح‬،‫ هكذا تكلم زرادشت‬،)1985( ‫فريديريك نيتشة‬.

[6] David Le Breton. (2008). La sociologie du corps. Coll. « que sais-je ». Paris:

PUF. P.21
[7] Alain BIHR (2014): La civilisation des mœurs selon Norbert Elias, In classiques

des sciences sociales, bibliothèque numérique, disponible en site web:

http://classiques.uqac.ca/contemporains/bihr_alain/civilisation_des_moeurs/

civilisation_des_moeurs.pdf
[8] Alain BIHR (2014), Op.cit.

[9] SylvèneKitabgi& Isabelle Hanifi (2003), la sociologie et le corps: Généalogie

d’un champ d’analyse, In «Le corps sens dessus dessous: Regards des sciences

sociales sur le corps, sous la direction de Laure Ciosi-Houcke & Magali Pierre, Ed:

L’Harmattan. PP. 13-67


[10] EgléLaufer. (2005). Le corps comme objet interne. In revue adolescence

(n°52), PP. 363-379. DOI 10.3917/ado.052.0363


[11] Alain Giami. (2002). Eros et civilisation de Herbert Marcuse. Simone

Bateman. Séminaire du CERSES, Apr 2000, Paris, France. CERSES / CNRS,

Volume 3, pp. 61-80. Cahiers du CERSES. Disponible sur site web:

https://hal.archives-ouvertes.fr/inserm-00519284/document
[12] Herbert Marcuse. (1968). L'homme unidimensionnel, Paris, Éditions de Minuit.

[13] Jean Baudrillard. (1986). La société de consommation: Ses mythes, ses

structures. Paris: Ed. in Folio.


‫الصادق رابح (‪ .)2009‬ضريبة السعادة‪ :‬اإلشهار وتوثين الجسد‪ .‬في مجل‪SS‬ة ع‪SS‬الم الفك‪SS‬ر‪ ،‬ع‪SS‬دد ‪ 4‬المجل‪SS‬د ]‪[14‬‬

‫‪ ،37‬يونيو ‪ ،2009‬الكويت‪ :‬المجلس الوطني للقافة والفنون واآلداب‪ .‬ص‪ .‬ص‪207-169 .‬‬
‫‪[15] Erving Goffman. (1973). La mise en scène de la vie quotidienne: T. 1 La‬‬

‫‪Présentation de soi. Éditions de Minuit, coll. «Le Sens Commun».‬‬


‫الصادق رابح (‪ .)2009‬مرجع مذكور‪ ،‬ص‪[16] 182 .‬‬

‫‪[17] Gilles Lipovetsky. (2006).Le Bonheur paradoxal: essai sur la société‬‬

‫‪d'hyperconsommation, Paris: Gallimard, coll. «NRF Essais».‬‬


‫‪[18] Françoise Chenet-Faugeras & Jean-Pierre Dupouy. (1981). Le corps. Paris: Ed.‬‬

‫‪Larousse, Collection «Idéologies et sociétés» P.14‬‬


‫أحمد المصباحي‪ .)2001( .‬المسكن الريفي‪ .‬مجلة مقدمات‪ ،‬المجلة المغاربية للكت‪SS‬اب‪ ،‬ع‪SS‬دد ‪ .21‬إي‪SS‬ديف‪[19] ،‬‬

‫‪.‬البيضاء‬
‫الزهرة إبراهيم‪ .)2009(.‬األنثروبولوجيا واألنثروبولوجيا الثقافية‪ :‬وجوه الجسد‪ .‬النايا للدراسات والنشر ]‪[20‬‬

‫والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ .‬سوريا‪ .‬ص‪123 .‬‬


‫المنجي الزيدي (‪ :)2005‬الدخول إلى الحياة‪ ،‬منشورات تبر الزمان‪ ،‬تونس‪.‬ص‪[21] 73.‬‬

‫‪.‬الزهرة إبراهيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪[22] 125.‬‬

‫‪[23] Françoise Chenet-Faugeras& Jean-Pierre Dupouy, Op.cit. P.100‬‬

‫ميشيل فوكو‪ .)1990( .‬المراقبة والمعاقب‪SS‬ة‪ :‬والدة الس‪SS‬جن (ترجم‪SS‬ة علي مقل‪SS‬د)‪ .‬ب‪SS‬يروت‪ :‬مرك‪SS‬ز اإلنم‪SS‬اء ]‪[24‬‬

‫‪.‬القومي‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪[25] 96.‬‬

‫‪.‬الزهرة إبراهيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ]‪[26‬‬

You might also like