Professional Documents
Culture Documents
مقالة فلسفية حول الدال والمدلول
مقالة فلسفية حول الدال والمدلول
هل العالقة بين الدال و المدلول مبنية على التالزم أم اإلصطالح؟ هل توجد ضرورة بين اللفظ و معناه؟ هل األلفاظ تحاكي
األشياء؟ هل التالزم و التطابق هو العالقة الوحيدة التي تربط الدال بالمدلول؟
إن اإلنسان كائن اجتماعي بطبعه فهو بحاجة إلى االتصال والتواصل مع غيره من الناس والتعبير عن أفكاره وهذا ال يتم إال
بواسطة اللغة الت تعتبر خاصية إنسانية يتفرد بها عن غيره من الكائنات و تشتمل اللغة على خاصيتين أساسيتين هما الدال و
المدلول و نقصد بالدال الكلمة أو الصيغة اللفظية للشيء أما المدلول فهو المعنى او الشيء المشار إليه .و قد أثارت العالقة بين
الدال و المدلول جدال واسعا بين المفكرين و الفالسفة فإنقسمو إلى تيارين متعارضين تيار يرى أن العالقة بين الدال و المدلول
عالقة ضرورية تالزمية و تيار نقيض يرى بأن العالقة بينهما إعتباطية مبنية على اإلتفاق فقط.
أمام هذا الجدال الواقع بينهم فإن اإلشكال الذي يمكننا طرحه هو :هل العالقة بين الدال و المدلول عالقة تالزمية أم إصطالحية؟ و
بصيغة أخرى هل العالقة بين األشياء و األلفاظ ضرورية أم تعسفية .
يري بعض الفالسفة والمفكرين ان العالقة بين الدال و المدلول عالقة تالزمية ضرورية شرطية ألن هناك إرتباط و تالزم وثيق
بين اللفظ و معناه و هذا اإلرتباط ليس مبني على اإلختيار و التوافق بل هو ضروري إذ يكفي أن نسمع الكلمة حتى نعرف المعن
الذي تدل عليه و يمثل هذا الموقف كل من “أفالطون ،بنفست” و يبرر هؤالء موقفهم بالحجج و البراهين اآلتية:
يؤكد أفالطون في “محاورة كراطيل” أن العالقة بين الدال و المدلول هي عالقة ضرورية أي أن اللفظ يطابق ما يدل عليه في
العالم الخارجي و أساس هذا الرأي نظرية محاكاة اإلنسان ألصوات الطبيعة،وبهذا فإن العالقة بين اللفظ ومعناه ضرورية تحاكي
فيها الكلمات أصوات الطبيعة،فبمجرد سماع الكلمة نعرف معناها وداللتها،فكلمة زقزقة مثال تشير بالضرورة إلى صوت
العصفور،وكلمة مواء تشير بالضرورة إلى صوت القطط يقول أفالطون” إن اإلسم إذن على ما يبدو محاكاة صوتية للشيء
المحاكى” و يقول كذلك”إن الطبيعة هي التي أضفت على األسماء معنى خاصا”.
ان العالقة بين الدال و المدلول ليست اعتباطية بل هي على عكس ذلك عالقة ضرورية وتبرير ذلك ان العالمة اللسانية بنية
واحدة يتحد فيها الدال بالمدلول وبدون هذا االتحاد تفقد العالمة اللسانية هذه الخاصية ومن جهة ثانية فذهن االنسان ال يستسيغ وال
يقبل االصوات التي ال تحمل تمثال (او شيئا) يمكن معرفته فلو كان األمر كذلك أي وجود اصوات ال تدل على شيء وال تحمل
مفهوما يمكن التعرف عليه تصير غريبة ومجهولة ،فكل كلمة تدل على معنى ،وتستحضر صورتها في الذهن ،و كلما كررنا
نفس الكلمة ظهرت نفس الصورة مثل لفظ ( ثور) الذي يستحضر في الذهن صورة هذا الحيوان العشبي ،و ال يستحضر صورة
حيوان آخر ،إذ أصبح اللفظ يطابق ذات الشيئ في العالم الخارجي وهذا ما يذهب إليه عالم اللسانيات الفرنسي إيميل نفيست حيث
يرى في كتابه ( مشاكل اللسانيات العامة)ان عالقة الدال بالمدلول ضروريـــــــة و ذاتيـــــــــــة الى درجة انه يستحيل الفصل
بينهما يقول ”:الدال و المدلول ،الصورة الصوتية و التمثل الذهني هما في الواقع وجهان ألمر واحد و يتشكالن معا كالمحتوي و
المحتوى”.
إن اإلنسان ال دخل له في تحديد معاني الكلمات مادامت األشياء الخارجية هي التي توحي له بذلك إذ يكفي سماع الصوت لتحديد
اللفظ مثل كلمة ” الطرق” فما هو إال إنعكاس للصوت الصادر عن إصطدام اليد بالباب كما تسمى األشياء نسبة إلى وظيفتها
فعندما نقول مسطرة فألنها تسطر ،و محفظة أنها تحفظ األدوات ،سيالة النها تترك سائال ،و كذلك بالنسبة للفظ مثلث فألنه
يتكون من ثالثة أضالع ،و مربع ألنه يتكون من أربعة أضالع … ،.فكل لفظ يعكس طبيعة الشيئ و يعبر عن هويته و لم
يوضع بطريقة عشوائية ،و لهذا يقول بنفست”إن العالقة بين الدال و المدلول ليست إعتباطية بل هي على العكس من ذلك
ضرورية”.
كما يرى بنفيست أن الذهن عندما يستقبل الذهن كلمة مجهولة يرفضها باعتبارها غريبة ال تحدث أي تصور و ال توحي باي
معنى يقول ” :ان الذهن ال يحتوي على أشكال خاوية” و هذا ما يؤكد العالقة الضرورية بين الدال و المدلول .فلو كانت العالقة
بينهما اعتباطية الستحدث كل فرد لغة خاصة يتحدث بها لكن األمر ال يجري على هذا النحو ،الكل يضطر الى التحدث بلغة
القوم ،و استعمال نفس اإلشارات الصوتية حتى يتم التواصل بينهم.
إضافة إلى هذا يؤكد بعض علماء اللغة أن بعض الحروف لها معان خاصة حيث ،فحرف(ح) مثال يدل على معاني االنبساط
والراحة ،مثال:حب،حنان،حنين ،حياة… ،..وحرف(غ) مثال فيدل على معاني الظلمة والحزن واالختفاء ،كما في :غيم ،غم،
غدر ،غبن ،غرق ،غاص… ..و عليه نستنتج أن العالقة بين الدال و المدلول عالقة طبيعية ضرورية.
#نقد و مناقشة :صحيح أننا نجد أن بعض األلفاظ تحاكي األشياء التي تدل عليها إال أن أنصار هذا اإلتجاه بالغوا في إعتبارهم أن
العالقة بين الدال و المدلول ضرورية بصفة مطلقة فهذا التصور مخالف لطبيعة اللغة فهي من إبداع اإلنسان و عليه فإن األمر
مبني على التوافق ال أكثر ،فنظرية المحاكاة ال تشمل كافة األلفاظ ألن عدد الكلمات المستوحاة من الطبيعة قليل جدا مقارنة
بالكلمات المبنية على اإلصطالح كما أنه لو كانت الكلمات تحاكي األشياء فبما نفسر تعدد مسميات اإلسم الواحد”األسد” و بما
نفسر تعدد المعاني لنفس اللفظ مثل لفظ مغرب ،فهو يعني وقت الصالة من جهة ،و بلد عربي من جهة ثانية .
إن العالقة بين الدال و المدلول هي عالقة إعتباطية تعسفية من صنع اإلنسان فال يوجد ترابط و تالزم وثيق بين اللفظ و المعنى
فاللفظ ال ينطوي في صميم خصائصه الصوتية على أية إشارة أو إحالة إلى المعنى الذي يدل عليه فالعالقة التي تجمعهما قائمة
على اإلصطالح و بوسع كل جماعة إنسانية أن تحدد مسميات األشياء بالطريقة التي تريد و يمثل هذا الموقف كل من “دي
سوسير ،بياجي ،دوالكروا و أرنست كاسيرر ” و يبرر هؤالء موقفهم هذا بالحجج و البراهين اآلتية:
إن العالقة بين الدال و المدلول عالقة إصطالحية ال أكثر فاأللفاظ مجرد مصطلحات إتفق عليها الناس لكي تدل على األشياء ،
فاللفظ يختلف من مجتمع آلخر أما المعنى فيبقى هو هو فلو كانت األشياء هي التي تفرض االسم بحكم طبيعتها لكانت لغة البشر
واحدة ،و لما تعددت األلفاظ و مسميات األشياء بتعدد األلسنة و اللغات و المجتمعات ،فاللسان العربي غير اللسان الفرنسي و
غير اللسان األلماني يقول في هذا بياجي”إن تعدد اللغات هو نفسه يؤكد بديهيا الميزة اإلصطالحية لإلشارة اللفظية”.
كما أننا نجد في اللغة الواحدة في عدة حاالت لفظا واحدا يدل على عدة معاني مثل الفعل ضرب :ضرب األستاذ مثاال“ :أي أنه
أعطى مثاال”،و ضرب الرجل في أقطار الوطن”،أي أنه تجول في البالد” ،وضرب األخ أخته “أي أنه عاقبها بالضرب” ،و
ضرب البدوي الخيمة”،أي أنه بسط وووضع الخيمة” ،و نجد للمعنى الواحد عدة ألفاظ و مسيمات مثل البحر هو اليم ،و السيف
هو الحسام ،و األسد هو الغضنفر و الضرغام و الليث ،و ملك الغابة ..الخ و هذا ما يدل على أن األلفاظ وضعت لتدل على
معان مجردة وأفكار ال يمكن قراءتها في الواقع المادي ،بل إن الكلمة ،أو الرمز ،أو اإلشارة ال تحمل في ذاتها أي معنى أو
مضمون إال إذا اتفق عليه أفراد المجتمع،فاإلنسان هو من وضع األلفاظ قصد التعبير والتواصل وهذا ما يؤكده أرنست كاسيرر
بقوله ”:إن األسماء الواردة في الكالم اإلنساني لم توضع لتشير إلى أشياء بذاتها” و يقول دوالكروا” الجماعة هي التي تعطي
لإلشارة اللغوية داللتها”.
و يرى دي سوسير أن الدال ال يعبر عن الشيء بل يعبر عن تصورنا له فالعالقة بينهما ليست طبيعية إذ يمكن اإلشارة إلى الشي
بأي مصطلح آخر فال وجود لضرورة بين األشياء و مسمياتها و إنما العادة هي التي جعلت الناس يعتقدون ذلك فما سمي قمرا
على سبيل المثال كان من الممكن أن يسمى شمسا أو أي إسم آخر ،و يقدم دي سوسير مثال على ذلك حيث يرى أن المدلول
“أخت” ال تجمعه أي عالقة داخلية بتتابع االصوات التالية ( :ا ،خ ،ت) الذي يقوم له داال ،فالتوجد ضرورة عقلية او تجريبية
فرضت على اللغة العربية مثال التعبير عن هذا المعنى بهذه االصوات بل تم اقتراحها دون مبرر وهذا ما يسمى بالتواضعية
االعتباطية او التحكمية ( العفوية) .و نفس المعنى ( معنى االخت) يعبر عنه في لغات اخرى بتتابع اصوات اخرى فمثال في
الفرنسية “ ،”soeurوفي االنجليزية” ”sisterفلو كانت العالقة ضرورية لما تباينت االصوات بل لما تعددت اللغات بين
المجتمعات ،وهذا التنوع في اللغات يثبت اعتباطية العالمة اللسانية دي سوسير” إن الرابطة الجامعة بين الدال و المدلول
تحكيمية” و يقول إبن جني” إن إصل اللغة البد فيه من المواضعة” و منه نستنتج أن العالقة بين الدال و المدلول عالقة إعتباطية.
نقد و مناقشة:
رغم ما قدمه هذا اإلتجاه من أدلة تثبت العالقة اإلعتباطية بين الدالو المدلول إال أن هذه الصفة اإلعتباطية مبالغ فيها فالفرد ال
يملك الحرية المطلقة في وضع المصطلحات و إستعمالها حسب هواه و إال إنعدم التواصل بين البشر فهناك قوانين لغوية يجب
اإللتزام بها في وضع المصطلحات كما أن الضرورة موجودة وال يمكن إنكارها فالطبيعة هي التي أوحت لنا بأن الميزان هو رمز
العدالة و الثعلب هو رمز المكر و ال يمكن ألي إنسان أن يغيرها كما نجد بعض األلفاظ واحدة في كل المجتمعات .مثل
تكنولوجيا ،بيولوجيا ،أو ديمقراطية ،ديكتاتورية و غيرها.
التركيب:
كتوفيق بين األطروحتين يمكن أن نقول أن العالقة بين الدال و المدلول عالقة طبيعية و تعسفية في نفس الوقت فاأللفاظ منها ما
هو محاكاة للطبيعة ،ومنها ما كان توافقا واصطالحا بين بني البشر ،فال يمكن إنكار الموقفين ألننا في الكثير من األحيان نعي
الكلمات بمجرد سماعها وعليه فهي مستوحاة من الطبيعة فالمتأمل في العديد من األلفاظ و المصطلحات يرى أنه بإمكانه فهمها
مباشرة دون تفكير أو إمعان كقولنا زقزقة فالذهن يعرف معنى هذه الكلمة مباشرة دون تمعن أو تفكير ،فيكمل مباشرة زقزقة
العصافير ،إال أن هذا ال يرفض التواضع الذي إتفق حوله البشر منذ األزل و إعطائهم معنى لكل لفظ حتى تسهل عملية التواصل
بينهم و عليه فاأللفاظ منها ماهو مستوحى من الطبيعة و منها ما هو متواضع عليه من طرف البشر.
و في األخير نستنتج أن العالقة بين الدال و المدلول مبنية على الضرورة و اإلصطالح فبعض الكلمات تحاكي طبيعة األشياء
فهي مستوحاة من الصفات الجوهرية لألشياء كاألصوات و الوظائف و غيرها ،و بعضها اآلخر مبني على التوافق و اإلصطالح
ألن الدراسات في مجال علم اللغة تؤكد أن الطبيعة عاجزة أن تستوعب كل األلفاظ يقول في هذا الشأن جون بياجي “إن الرمز
عبارة عن إصطالح صريح أو ضمني يرجع سببه إلى اإلستعمال” و معنى هذا أن بعض األشياء تقتضي اإلرتباط الضروري
باأللفاظ الموضوعة لها ،ومنها ماكان توافقا و تواضعا بين بني البشر
******
طرح اإلشكال :من تكوين اول جماعة انسانية احتاج الى التوصل فيما بينهم و نقل حاجياتهم التي بدأت بيولوجية و ثم نفسية ثم
فكرية وفي هذه المرحلة وضع لنفسه ما يسمى باللغة التي تشمل خاصيتين اللفظ و المعنى الذي يحمله و هذا يسمى بالّد ال و
المدلول و العالقة بينهما تسمى الداللة .اذ تعرف الداللة بأنها العالقة الموجودة بين الّد ال و المدلول .ومن خالل هذا التعريف
ظهر موقفين متعارضين موفق يرى ان العالقة بين الدال و الندلول ضرورية طبيعية.و الموقف االخر يعتبرها اعتباطية
اصطالحية .يمثل الموقف االول افالطون المدرسة اللسانية القديمة و الموقف الثاني المدرسة الللسانية المعاصرة لـ ارنست
كاسير و ذي سوسير .هل فعال ان العالقة بين الرمز و العالمة ضرورية طبيعية ؟ ام انها اعتباطية اصطالحية ؟
عرض منطق االطروحة (العالقة بين الدال و المدلول ضرورية طبيعية ) يمثل االطروحة المدرسة اللسانية القديمة لـ افالطون
ان هناك تالزم بين الدال و المدلول .
ضبط الحجة:
عندما بدا االنسان التواصل قلد كل مايوجد في الطبيعة من اصوات و رموز و اشارات و مايوجد في الطبيعة كما يؤكد افالطون
فيه تكون العالقة بين اللفظ و المعنى عالقة تطابق و تالزم و بما ان اللغة عند االنسان نشأة نتيجة تقليد لما في الطبيعة كانت
العالقة بين الدال و المدلول عالقة ضرورية طبيعية .
في كل لغات العالم نالحظ استمدادها من الطبعة مثل حفيف األوراق زئير األسد هديل الحمام خرير المياه …الخ فكلها مشتقة من
اصوات الطبيعة التي تحمل داللة واحدة.
نقد الحجة:
لو كانت العالقة ضرورية طبيعة لوجدنا اللغة اإلنسانية واحدة و ضيقة الكن المالحظ انها واسعة و متنوعة فاللفظ الواحد له عّد ة
معاني و عليه يستحيل ان تكون العالقة بين الّد ال و المدلول ضرورية طبيعية .
عرض نقيض األطروحة (العالقة بين الّد ال و المدلول اعتباطية اصطالحية) يمثل األطروحة المدرسة اللسانية المعاصرة لـ ذي
سسسير و ارنست كاسير حيث اعتبرت أن العالقة بين الّد ال و المدلول اصطالحية تواضعية بالتالي تستطيع أي جماعة أن تحّد د
معنى للفظ بطريقة اعتباطية .
يقدم ذي سوسير حجة يعتبر فيها ( ان العالقة اعتباطية نالحظ ان لفظ (أخت) ال عالقة له اطالقا كلفظ او كنبرة صوتية او ك
فوني مات مورفي مات بي المعنى الذي يحمله فاذا قسمنا الفظ الى (أ…خـ…ت) ال نجد ان هناك عالقة بين ما تحدثه فونيمات أ
– خ – ت وبين المعنى الذي نستخدمه اثناء التلفظ ب األحرف متالصقة مما يعني اننا تواضعنا ان هذا المعنى الذي نريد ايصاله
للغير ينطق بهذه االحرف).
يقول ارنست كاسير (ان االسماء الموجودة في الكالم لم توضع للداللة عن االشياء المادية انما وضعة للداللة عكس المعاني
وااللفاظ المجردة التي ال وجود لها في الواقع المادي و بما انها كذلك فمعنى و الفكر ابداع عقلي متنوع تتنوع معه المعاني)
نقد الحجة:
تاريخ اللغة يبين لنا ان بدايتها استمدت من الطبيعة مثل :إحصاء مشتق من كلمة حصى نفس الشيىء في اللغة الالتينية :
calcule=calcaireمما يعني ان العالقة بين الدال و المدلول عالقة ضرورية لزومية.
التركيب :
( التوفيق) لكل لغة قواعد تلتزم بها و يصبح كالمنا خاطئ اذا خالفنا هذه القواعد لهذا نقول ان الداللة بدات باللغة الطبيعية
الضرورية مثلما قدمه أفالطون اال ان اللغة بمجرد ما إرتبطة بالفكر بدأت العالقة بين الدال و المدلول تصبح اعتباطية
اصطالحية و ما اكدته المدرسة الرمزية المعاصرة هنالك عالقة بين الرسم و الطبيعة رغم انه في بدايته بدأ كفن يقد فيه االنسان
الطبيعة ثم اصبح الرسم رمزي تجريدي.
اإلنسان كائن سياسي بطبعه فهو وبحكم وجوده الطبيعي ال يستطيع أن يتنازل عن وجود قوانين تحدد الحقوق والواجبات
والعالقات بين األفراد ،ولهذا فالظاهرة السياسية تحتل منزلة كبيرة في الفكر السياسي والفلسفي نظرا لما لها من أهمية كبرى في
تحديد مصير الشعوب ،ولعل مسألة المسائل التي اشتد النقاش حولها هي .مسألة .السلطة السياسية وأنظمة الحكم وهذا منذ
التجمعات اإلنسانية األولى مرورا باإلمبراطوريات الشرقية القديمة وصوال إلى ما يعرف -حاليا -بالدولة الوطنية الحديثة ،
والناظر المتفحص لتاريخ ممارسة السلطة السياسية يلمح ال محالة أن نظام الحكم الفردي والذي يتأسس على سلطة الفرد الواحد
قد كان أول شكل من أشكال أنظمة الحكم ظهورا ،ومع تطور المجتمعات اإلنسانية برز نظام الحكم الجماعي الذي يستلهم من
سلطة الجماعة مبادئه وأسسه ،ومن خالل هذا االختالف الظاهر بين النظامين فإن البحث في أنواع األنظمة قد شكل المحور
الرئيسي في ا السياسية ودفع بالفالسفة والمفكرين إلى مناقشة مشكلة النظم السياسية ،وهذا ما أدى إلى بروز اتجاهين متعارضين
أحدهما.
بأفضلية نظام الحكم الفردي واآلخر على النقيض تماما حيث يؤكد أنصاره أن النظام األصلح للشعوب هو النظام الديمقراطي،
ومن هنا ولرفع هذا التعارض والجدال بين الموقفين وجب طرح اإلشكالية التالية :هل أفضل نظام سياسي هو الذي يعبر عن
سيادة الشعب ؟ وبتعبير الفلسفة يدعي آخر :هل يستمد الحاكم دائما سلطته من إرادة الشعب؟
الدولة يجب أن تقوم على سلطة الحكم الواحد وسيادة الفرد الواحد ،وهذا ما أكده أنصار النزعة الفردية بزعامة توماس هوبز ،
ميكيافيلي ،ماكس فيبر ،ابن خلدون ،وينقسم هذا الشكل من أنظمة الحكم إلى الحكم الوراثي والحكم الديكتاتوري وفي العصر
الحديث بما يعرف بالحكم الملكي ،فالحكم الملكي هو نظام حكومي يوجد به شخص واحد كرئيس دائم للدولة حتى يموت أو يقوم
بالتنازل عن منصبه .وفي العادة يكون وراثيا وتنتقل الشرعية في الحكم داخل أفراد القبيلة الواحدة أو األسرة الواحدة ،وقد ساد
في المجتمعات الكالسيكية القديمة معبرا عما يسميه عبد الرحمن بن خلدون بالعصبية القبلية ،وفق الرؤية الخلدونية فإن التحيز
للعرق هو الذي جعل الحكم متوارثا بين أفراد العرق الواحد ،ويكون انتقال الحكم هنا إما أفقيا ( األخ ،األخت....الخ ) ،أو
عموديا ( االبن ،الحفيد....الخ ) .
عبرت عن هذه النزعة الفردية في الحكم باستلهام الجانب الذي يبرز القوة فأصبح الحكم يعبر عن إيديولوجية الطبقة المسيطرة
ضد طبقة أخرى مسيطر عليها ،وأضحت الدولة أداة هيمنة واستغالل ،ويمكن أن نستشف ذلك من التاريخ السياسي في أوربا
الديكتاتورية النازية والفاشية اإليطالية على سبيل المثال وقبل ذلك نزعة البراهما عند البوذيين ،كما يعتمد هذا النظام على القوة
والسيطرة في تسيير شؤون الدولة والجدير بالذكر أن هذا الشكل من أنظمة الحكم كان محل قبول وإعجاب لدى بعض الفالسفة
والمفكرين والسياسيين ،فالفيلسوف اإلنجليزي توماس هوبز يعد من أبرز الفالسفة المدافعين عن هذا النمط من أنظمة الحكم ،
فالقانون المتمثل بالنظام الملكي ،هو وحده القادر على إنهاء حالة الصراع بين أفراد المجتمع ،من خالل خضوع الكل تحت حكم
شخص واحد ،وحالة الخضوع هذه تعني تخلي الجميع عن حريتهم وتقويض أمر الحكم لنظام سياسي ماثل في شخص واحد هو
الملك ،ومهمته الدستورية تطبيق القانون إلنهاء حالة التنافر واالقتتال بين البشر ،وذلك بغية العيش في دولة المجتمع المدني
تحت سلطة القانون ،ويكفي هنا اإلشارة إلى كتابه ( اللفيثان ) وهو تعبير عن كائن خرافي برأس تنين يرمز به هوبز إلى ما
يجب أن تكون عليه سلطة الدولة في تطبيق القانون ،لتخليص اإلنسان من حالة الشر واألنانية الموشم بها.
حيث يقول " :ال دين إال ما ترضاه الحكومة وال حقيقة إال ما ينادي به السلطان ".
أوضح في كتابه ( األمير ) أنه يجوز للحاكم أن يستخدم كل الوسائل الالأخالقية ما دام الهدف هو البقاء في الحكم ،حيث يقول :
" الغاية تبرر الوسيلة " ،كما يؤكد ماكس فيبر ذلك في قوله " :الدولة هي عالقة سيطرة قوامها العنف المشروع ".
فهو ال يختلف كثيرا عن سابقيه إال أنه يرى أحقية الملك في سلطة الحكم وحده ال غير ،ويمكن اإلشارة إلى هذا النظام الحكم
الديني ) التيوقراطي ) وتعني حكم رجال الدين أو الحكومة الدينية أو الحكم الديني ،تتكون كلمة ثيوقراطية من كلمتين مدمجتين
في اللغة اليونانية هما ثيو :وتعني الدين ،و ( قراط ) وتعني الحكم ،وعليه فإن الثيوقراطية هي إرجاع سلطة الدولة إلى هللا ،
حيث توجد تطبيقات متعددة للثيوقراطية ،فهناك نظرية أولى تعد الحكام آلهة ،ونظرية ثانية تعد الحكام نوابا لإلله ،ونظرية ثالثة
تقول بأن الحكام هم خلفاء هللا على األرض ،وفي إطار كل تلك النظريات يمنع منعا باتا كل معارضة للحكام أو مخالفة ألوامرهم
.وقد مارس هذا النوع من الحكم رجال الدين في أوروبا في القرون الوسطى تحت ذريعة ( التفويض اإللهي ) ،وبعد عرض
أهم أشكال الحكم الفردي نوجز أبرز خصائصه ولعل من أهمها :أن السلطة فيه ال تأخذ بعين االعتبار وزن الجماعة ،وال يؤمن
هذا الشكل من أنظمة الحكم بالتعددية الحزبية والنقابية ،كما أنه يقيد الحريات بمختلف أشكالها وال يفصل بين السلطات الثالث
التشريعية ،التنفيذية والقضائية ،حيث أن الحاكم هو من يتولى اإلشراف على كل السلطات في نطاق واسع ،كما يعتمد هذا
النظام على القوة والسيطرة في تسيير شؤون الدولة ،والجدير بالذكر أن هذا الشكل من أنظمة الحكم كان محل قبول وإعجاب
لدى بعض الفالسفة والمفكرين والسياسيين ،فالفيلسوف اإلنجليزي توماس هوبز يعد من أبرز الفالسفة المدافعين عن هذا النمط
من أنظمة الحكم من خالل ما دونه في كتابه الشهير ( التنين ) حيث يقول " :ال دين إال ما ترضاه الحكومة وال حقيقة إال ما
ينادي به السلطان " .كما أوضح الفيلسوف اإليطالي نيقوال ميكيافيلي في كتابه ( األمير ( أهم الصفات التي البد أن تتوفر في
الحاكم والسلطان ،ومن بين هذه الصفات نجد أنه البد على السلطان أن يمتلك قوة األسد ومكر الثعلب ،وأن يكون محبوبا وهابا
في الوقت نفسه ،كما أنه يجوز للحاكم أن يستخدم كل الوسائل الالأخالقية ما دام الهدف هو البقاء في الحكم " :الغاية تبرر
الوسيلة " ،ومن هنا يقول ماكس فيبر " :الدولة هي عالقة سيطرة قوامها العنف المشروع "وبالتالي فنظام الحكم الفردي هو
الجدير بتسيير شؤون الدولة .
لكن على الرغم مما قدمه أنصار هذا االتجاه من أدلة وحجج لتبرير موقفهم ،إال أنهم لم يسلموا من االنتقادات ،فعلى الرغم من
سيادة هذا الشكل من أنظمة الحكم تاريخيا إال أنه لم يحقق السيادة الشرعية التي تمنح له البقاء واالستمرار ،وخير دليل على
تالشي هذا النظام هو مناهضة الوعي االجتماعي للمزالق التي وقع فيها ( الحربين العالميتين ( على سبيل المثال ،كما أن
الصراع الطبقي مقولة أفرزها نظام الحكم الفردي ،وفضال على قتل هذا النظام لحق األفراد في الحرية والتعبير ،ولهذا لم تعد
الشرعية تؤخذ
التركيب:
من خالل ما سبق يمكننا القول بأن الجدال القائم بين أنصار النزعة الفردية وكذا النزعة الجماعية أمر أثبت تهافته ،فكالهما لم
يستطع أن يحقق الشرعية والعدالة في أسمى معانيها ،غير أن نظام الحكم في اإلسالم أال وهو الشورى استطاع أن يكشف عن
المزايا الحسنة لكل من النظامين ويتجاوزهما معا في نفس الوقت ألنه مقتضى الفطرة اإلنسانية ،وعلى هذا األساس فقد ألزمت
الشريعة اإلسالمية الحاكم بمبدأ | الشورى ،يقول هللا تعالى (:وشاورهم في األمر ) ،ويقول أيضا سبحانه وتعالى ( :وأمرهم
شورى بينهم ) ،وبالفعل فقد عمل الرسول صلى هللا عليه وسلم بهذا المبدأ ومن ثم اتخذ الخلفاء الراشدون مبدأ الشورى دستورا
لهم فشاع الحق وعمت العدالة ،فهو يبقى إذن حكم صالح لكل زمان ومكان .
فهو مبدأ يحول دون تهور القوانين التي يفرضها الحكام على هواهم ،وال يتقيدون فيها بأصول الشريعة المستمدة من مصادرها
السماوية ،ويحافظ على المجتمع من العبث ،ويحمي الحاكم والمجتمع في نفس الوقت ،وهذا ألن الجميع في هذا المبدأ سيخضع
للشريعة اإلسالمية ،فالحاكم مستند إلى اجتهاده المقيد بنصوص الكتاب والسنة ،والذي ال يخرج فيه عن هذا النطاق إال فيما
أباحه له الشرع الشريف.
ختاما ومما سبق نستنتج أن نجاح الحكم السياسي مشروط بالفهم الموضوعي لبنية النسق االجتماعي في أبعاده المختلفة ،أي
خدمة للصالح العام دون أي تحيز ،واإلسالم لم يترك أمرًا من أمور الحياة بمختلف جوانبها إال وتناوله إما في مبادئه وكلياته أو
في جزئياته وتفصيالته ،وتأسيسًا على ذلك فقد نظم اإلسالم الجانب السياسي للمجتمع ،ووضع له األسس والمبادئ التي تضمن
حقوق األفراد في المجتمع اإلسالمي ،والشورى كنظام سياسي إسالمي من قواعد الشريعة وعزائم األحكام ومفاخر اإلسالم ،
الذي يربي أتباعه على المناقشة والحوار ،وتبادل اآلراء حول القضايا الخاصة والعامة ،يقول هللا تعالى َ ( :و اَّلِذيَن اْس َت َج اُبوا
ِلَر ِّب ِه ْم َو َأَق اُموا الَّصالَة َو َأْمُرُه ْم ُشوَر ى َب ْي َن ُهْم َو ِمَّما َر َز ْق َن اُه ْم ُينِفُقوَن ).