Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 10

‫مقالة فلسفية حول الدال والمدلول‬

‫هل العالقة بين الدال و المدلول مبنية على التالزم أم اإلصطالح؟ هل توجد ضرورة بين اللفظ و معناه؟ هل األلفاظ تحاكي‬
‫األشياء؟ هل التالزم و التطابق هو العالقة الوحيدة التي تربط الدال بالمدلول؟‬

‫إن اإلنسان كائن اجتماعي بطبعه فهو بحاجة إلى االتصال والتواصل مع غيره من الناس والتعبير عن أفكاره وهذا ال يتم إال‬
‫بواسطة اللغة الت تعتبر خاصية إنسانية يتفرد بها عن غيره من الكائنات و تشتمل اللغة على خاصيتين أساسيتين هما الدال و‬
‫المدلول و نقصد بالدال الكلمة أو الصيغة اللفظية للشيء أما المدلول فهو المعنى او الشيء المشار إليه ‪ .‬و قد أثارت العالقة بين‬
‫الدال و المدلول جدال واسعا بين المفكرين و الفالسفة فإنقسمو إلى تيارين متعارضين تيار يرى أن العالقة بين الدال و المدلول‬
‫عالقة ضرورية تالزمية و تيار نقيض يرى بأن العالقة بينهما إعتباطية مبنية على اإلتفاق فقط‪.‬‬
‫أمام هذا الجدال الواقع بينهم فإن اإلشكال الذي يمكننا طرحه هو‪ :‬هل العالقة بين الدال و المدلول عالقة تالزمية أم إصطالحية؟ و‬
‫بصيغة أخرى هل العالقة بين األشياء و األلفاظ ضرورية أم تعسفية ‪.‬‬

‫محاولة حل المشكلة ‪:‬‬

‫عرض منطق األطروحة‪:‬‬

‫يري بعض الفالسفة والمفكرين ان العالقة بين الدال و المدلول عالقة تالزمية ضرورية شرطية ألن هناك إرتباط و تالزم وثيق‬
‫بين اللفظ و معناه و هذا اإلرتباط ليس مبني على اإلختيار و التوافق بل هو ضروري إذ يكفي أن نسمع الكلمة حتى نعرف المعن‬
‫الذي تدل عليه و يمثل هذا الموقف كل من “أفالطون‪ ،‬بنفست” و يبرر هؤالء موقفهم بالحجج و البراهين اآلتية‪:‬‬
‫يؤكد أفالطون في “محاورة كراطيل” أن العالقة بين الدال و المدلول هي عالقة ضرورية أي أن اللفظ يطابق ما يدل عليه في‬
‫العالم الخارجي و أساس هذا الرأي نظرية محاكاة اإلنسان ألصوات الطبيعة‪،‬وبهذا فإن العالقة بين اللفظ ومعناه ضرورية تحاكي‬
‫فيها الكلمات أصوات الطبيعة‪،‬فبمجرد سماع الكلمة نعرف معناها وداللتها‪،‬فكلمة زقزقة مثال تشير بالضرورة إلى صوت‬
‫العصفور‪،‬وكلمة مواء تشير بالضرورة إلى صوت القطط يقول أفالطون” إن اإلسم إذن على ما يبدو محاكاة صوتية للشيء‬
‫المحاكى” و يقول كذلك”إن الطبيعة هي التي أضفت على األسماء معنى خاصا”‪.‬‬

‫ان العالقة بين الدال و المدلول ليست اعتباطية بل هي على عكس ذلك عالقة ضرورية وتبرير ذلك ان العالمة اللسانية بنية‬
‫واحدة يتحد فيها الدال بالمدلول وبدون هذا االتحاد تفقد العالمة اللسانية هذه الخاصية ومن جهة ثانية فذهن االنسان ال يستسيغ وال‬
‫يقبل االصوات التي ال تحمل تمثال (او شيئا) يمكن معرفته فلو كان األمر كذلك أي وجود اصوات ال تدل على شيء وال تحمل‬
‫مفهوما يمكن التعرف عليه تصير غريبة ومجهولة‪ ،‬فكل كلمة تدل على معنى ‪ ،‬وتستحضر صورتها في الذهن ‪ ،‬و كلما كررنا‬
‫نفس الكلمة ظهرت نفس الصورة مثل لفظ ( ثور) الذي يستحضر في الذهن صورة هذا الحيوان العشبي ‪،‬و ال يستحضر صورة‬
‫حيوان آخر‪ ،‬إذ أصبح اللفظ يطابق ذات الشيئ في العالم الخارجي وهذا ما يذهب إليه عالم اللسانيات الفرنسي إيميل نفيست حيث‬
‫يرى في كتابه ( مشاكل اللسانيات العامة)ان عالقة الدال بالمدلول ضروريـــــــة و ذاتيـــــــــــة الى درجة انه يستحيل الفصل‬
‫بينهما يقول ‪ ”:‬الدال و المدلول ‪ ،‬الصورة الصوتية و التمثل الذهني هما في الواقع وجهان ألمر واحد و يتشكالن معا كالمحتوي و‬
‫المحتوى”‪.‬‬

‫إن اإلنسان ال دخل له في تحديد معاني الكلمات مادامت األشياء الخارجية هي التي توحي له بذلك إذ يكفي سماع الصوت لتحديد‬
‫اللفظ مثل كلمة ” الطرق” فما هو إال إنعكاس للصوت الصادر عن إصطدام اليد بالباب كما تسمى األشياء نسبة إلى وظيفتها‬
‫فعندما نقول مسطرة فألنها تسطر ‪ ،‬و محفظة أنها تحفظ األدوات ‪ ،‬سيالة النها تترك سائال ‪ ،‬و كذلك بالنسبة للفظ مثلث فألنه‬
‫يتكون من ثالثة أضالع ‪ ،‬و مربع ألنه يتكون من أربعة أضالع …‪ ،.‬فكل لفظ يعكس طبيعة الشيئ و يعبر عن هويته و لم‬
‫يوضع بطريقة عشوائية ‪،‬و لهذا يقول بنفست”إن العالقة بين الدال و المدلول ليست إعتباطية بل هي على العكس من ذلك‬
‫ضرورية”‪.‬‬
‫كما يرى بنفيست أن الذهن عندما يستقبل الذهن كلمة مجهولة يرفضها باعتبارها غريبة ال تحدث أي تصور و ال توحي باي‬
‫معنى يقول‪ ” :‬ان الذهن ال يحتوي على أشكال خاوية” و هذا ما يؤكد العالقة الضرورية بين الدال و المدلول ‪.‬فلو كانت العالقة‬
‫بينهما اعتباطية الستحدث كل فرد لغة خاصة يتحدث بها لكن األمر ال يجري على هذا النحو ‪ ،‬الكل يضطر الى التحدث بلغة‬
‫القوم ‪ ،‬و استعمال نفس اإلشارات الصوتية حتى يتم التواصل بينهم‪.‬‬

‫إضافة إلى هذا يؤكد بعض علماء اللغة أن بعض الحروف لها معان خاصة حيث ‪،‬فحرف(ح) مثال يدل على معاني االنبساط‬
‫والراحة‪ ،‬مثال‪:‬حب‪،‬حنان‪،‬حنين ‪ ،‬حياة…‪ ،..‬وحرف(غ) مثال فيدل على معاني الظلمة والحزن واالختفاء‪ ،‬كما في ‪:‬غيم‪ ،‬غم‪،‬‬
‫غدر‪ ،‬غبن‪ ،‬غرق‪ ،‬غاص…‪ ..‬و عليه نستنتج أن العالقة بين الدال و المدلول عالقة طبيعية ضرورية‪.‬‬
‫‪ #‬نقد و مناقشة‪ :‬صحيح أننا نجد أن بعض األلفاظ تحاكي األشياء التي تدل عليها إال أن أنصار هذا اإلتجاه بالغوا في إعتبارهم أن‬
‫العالقة بين الدال و المدلول ضرورية بصفة مطلقة فهذا التصور مخالف لطبيعة اللغة فهي من إبداع اإلنسان و عليه فإن األمر‬
‫مبني على التوافق ال أكثر‪ ،‬فنظرية المحاكاة ال تشمل كافة األلفاظ ألن عدد الكلمات المستوحاة من الطبيعة قليل جدا مقارنة‬
‫بالكلمات المبنية على اإلصطالح كما أنه لو كانت الكلمات تحاكي األشياء فبما نفسر تعدد مسميات اإلسم الواحد”األسد” و بما‬
‫نفسر تعدد المعاني لنفس اللفظ مثل لفظ مغرب ‪،‬فهو يعني وقت الصالة من جهة ‪،‬و بلد عربي من جهة ثانية ‪.‬‬

‫عرض نقيض األطروحة‪ :‬العالقة بين الدال و المدلول إعتباطية‬

‫إن العالقة بين الدال و المدلول هي عالقة إعتباطية تعسفية من صنع اإلنسان فال يوجد ترابط و تالزم وثيق بين اللفظ و المعنى‬
‫فاللفظ ال ينطوي في صميم خصائصه الصوتية على أية إشارة أو إحالة إلى المعنى الذي يدل عليه فالعالقة التي تجمعهما قائمة‬
‫على اإلصطالح و بوسع كل جماعة إنسانية أن تحدد مسميات األشياء بالطريقة التي تريد و يمثل هذا الموقف كل من “دي‬
‫سوسير ‪،‬بياجي ‪،‬دوالكروا و أرنست كاسيرر ” و يبرر هؤالء موقفهم هذا بالحجج و البراهين اآلتية‪:‬‬

‫إن العالقة بين الدال و المدلول عالقة إصطالحية ال أكثر فاأللفاظ مجرد مصطلحات إتفق عليها الناس لكي تدل على األشياء ‪،‬‬
‫فاللفظ يختلف من مجتمع آلخر أما المعنى فيبقى هو هو فلو كانت األشياء هي التي تفرض االسم بحكم طبيعتها لكانت لغة البشر‬
‫واحدة ‪ ،‬و لما تعددت األلفاظ و مسميات األشياء بتعدد األلسنة و اللغات و المجتمعات ‪،‬فاللسان العربي غير اللسان الفرنسي و‬
‫غير اللسان األلماني يقول في هذا بياجي”إن تعدد اللغات هو نفسه يؤكد بديهيا الميزة اإلصطالحية لإلشارة اللفظية”‪.‬‬
‫كما أننا نجد في اللغة الواحدة في عدة حاالت لفظا واحدا يدل على عدة معاني مثل الفعل ضرب‪ :‬ضرب األستاذ مثاال‪“ :‬أي أنه‬
‫أعطى مثاال”‪،‬و ضرب الرجل في أقطار الوطن‪”،‬أي أنه تجول في البالد”‪ ،‬وضرب األخ أخته “أي أنه عاقبها بالضرب”‪ ،‬و‬
‫ضرب البدوي الخيمة‪”،‬أي أنه بسط وووضع الخيمة” ‪ ،‬و نجد للمعنى الواحد عدة ألفاظ و مسيمات مثل البحر هو اليم ‪ ،‬و السيف‬
‫هو الحسام ‪ ،‬و األسد هو الغضنفر و الضرغام و الليث ‪ ،‬و ملك الغابة ‪..‬الخ و هذا ما يدل على أن األلفاظ وضعت لتدل على‬
‫معان مجردة وأفكار ال يمكن قراءتها في الواقع المادي‪ ،‬بل إن الكلمة‪ ،‬أو الرمز‪ ،‬أو اإلشارة ال تحمل في ذاتها أي معنى أو‬
‫مضمون إال إذا اتفق عليه أفراد المجتمع‪،‬فاإلنسان هو من وضع األلفاظ قصد التعبير والتواصل وهذا ما يؤكده أرنست كاسيرر‬
‫بقوله‪ ”:‬إن األسماء الواردة في الكالم اإلنساني لم توضع لتشير إلى أشياء بذاتها” و يقول دوالكروا” الجماعة هي التي تعطي‬
‫لإلشارة اللغوية داللتها”‪.‬‬

‫و يرى دي سوسير أن الدال ال يعبر عن الشيء بل يعبر عن تصورنا له فالعالقة بينهما ليست طبيعية إذ يمكن اإلشارة إلى الشي‬
‫بأي مصطلح آخر فال وجود لضرورة بين األشياء و مسمياتها و إنما العادة هي التي جعلت الناس يعتقدون ذلك فما سمي قمرا‬
‫على سبيل المثال كان من الممكن أن يسمى شمسا أو أي إسم آخر‪ ،‬و يقدم دي سوسير مثال على ذلك حيث يرى أن المدلول‬
‫“أخت” ال تجمعه أي عالقة داخلية بتتابع االصوات التالية ‪( :‬ا‪ ،‬خ ‪،‬ت) الذي يقوم له داال ‪ ،‬فالتوجد ضرورة عقلية او تجريبية‬
‫فرضت على اللغة العربية مثال التعبير عن هذا المعنى بهذه االصوات بل تم اقتراحها دون مبرر وهذا ما يسمى بالتواضعية‬
‫االعتباطية او التحكمية ( العفوية)‪ .‬و نفس المعنى ( معنى االخت) يعبر عنه في لغات اخرى بتتابع اصوات اخرى فمثال في‬
‫الفرنسية “‪ ،”soeur‬وفي االنجليزية”‪ ”sister‬فلو كانت العالقة ضرورية لما تباينت االصوات بل لما تعددت اللغات بين‬
‫المجتمعات‪ ،‬وهذا التنوع في اللغات يثبت اعتباطية العالمة اللسانية دي سوسير” إن الرابطة الجامعة بين الدال و المدلول‬
‫تحكيمية” و يقول إبن جني” إن إصل اللغة البد فيه من المواضعة” و منه نستنتج أن العالقة بين الدال و المدلول عالقة إعتباطية‪.‬‬

‫نقد و مناقشة‪:‬‬
‫رغم ما قدمه هذا اإلتجاه من أدلة تثبت العالقة اإلعتباطية بين الدالو المدلول إال أن هذه الصفة اإلعتباطية مبالغ فيها فالفرد ال‬
‫يملك الحرية المطلقة في وضع المصطلحات و إستعمالها حسب هواه و إال إنعدم التواصل بين البشر فهناك قوانين لغوية يجب‬
‫اإللتزام بها في وضع المصطلحات كما أن الضرورة موجودة وال يمكن إنكارها فالطبيعة هي التي أوحت لنا بأن الميزان هو رمز‬
‫العدالة و الثعلب هو رمز المكر و ال يمكن ألي إنسان أن يغيرها كما نجد بعض األلفاظ واحدة في كل المجتمعات ‪ .‬مثل‬
‫تكنولوجيا ‪ ،‬بيولوجيا ‪ ،‬أو ديمقراطية ‪ ،‬ديكتاتورية و غيرها‪.‬‬

‫التركيب‪:‬‬

‫كتوفيق بين األطروحتين يمكن أن نقول أن العالقة بين الدال و المدلول عالقة طبيعية و تعسفية في نفس الوقت فاأللفاظ منها ما‬
‫هو محاكاة للطبيعة ‪،‬ومنها ما كان توافقا واصطالحا بين بني البشر ‪،‬فال يمكن إنكار الموقفين ألننا في الكثير من األحيان نعي‬
‫الكلمات بمجرد سماعها وعليه فهي مستوحاة من الطبيعة فالمتأمل في العديد من األلفاظ و المصطلحات يرى أنه بإمكانه فهمها‬
‫مباشرة دون تفكير أو إمعان كقولنا زقزقة فالذهن يعرف معنى هذه الكلمة مباشرة دون تمعن أو تفكير ‪،‬فيكمل مباشرة زقزقة‬
‫العصافير ‪ ،‬إال أن هذا ال يرفض التواضع الذي إتفق حوله البشر منذ األزل و إعطائهم معنى لكل لفظ حتى تسهل عملية التواصل‬
‫بينهم و عليه فاأللفاظ منها ماهو مستوحى من الطبيعة و منها ما هو متواضع عليه من طرف البشر‪.‬‬

‫حل المشكلة ‪:‬‬

‫و في األخير نستنتج أن العالقة بين الدال و المدلول مبنية على الضرورة و اإلصطالح فبعض الكلمات تحاكي طبيعة األشياء‬
‫فهي مستوحاة من الصفات الجوهرية لألشياء كاألصوات و الوظائف و غيرها ‪ ،‬و بعضها اآلخر مبني على التوافق و اإلصطالح‬
‫ألن الدراسات في مجال علم اللغة تؤكد أن الطبيعة عاجزة أن تستوعب كل األلفاظ يقول في هذا الشأن جون بياجي “إن الرمز‬
‫عبارة عن إصطالح صريح أو ضمني يرجع سببه إلى اإلستعمال” و معنى هذا أن بعض األشياء تقتضي اإلرتباط الضروري‬
‫باأللفاظ الموضوعة لها‪ ،‬ومنها ماكان توافقا و تواضعا بين بني البشر‬

‫******‬

‫مقالة رقم ‪2‬‬

‫طرح اإلشكال ‪ :‬من تكوين اول جماعة انسانية احتاج الى التوصل فيما بينهم و نقل حاجياتهم التي بدأت بيولوجية و ثم نفسية ثم‬
‫فكرية وفي هذه المرحلة وضع لنفسه ما يسمى باللغة التي تشمل خاصيتين اللفظ و المعنى الذي يحمله و هذا يسمى بالّد ال و‬
‫المدلول و العالقة بينهما تسمى الداللة ‪ .‬اذ تعرف الداللة بأنها العالقة الموجودة بين الّد ال و المدلول ‪.‬ومن خالل هذا التعريف‬
‫ظهر موقفين متعارضين موفق يرى ان العالقة بين الدال و الندلول ضرورية طبيعية‪.‬و الموقف االخر يعتبرها اعتباطية‬
‫اصطالحية ‪ .‬يمثل الموقف االول افالطون المدرسة اللسانية القديمة و الموقف الثاني المدرسة الللسانية المعاصرة لـ ارنست‬
‫كاسير و ذي سوسير ‪.‬هل فعال ان العالقة بين الرمز و العالمة ضرورية طبيعية ؟ ام انها اعتباطية اصطالحية ؟‬

‫محاولة حل الشكال ‪:‬‬

‫عرض منطق االطروحة (العالقة بين الدال و المدلول ضرورية طبيعية ) يمثل االطروحة المدرسة اللسانية القديمة لـ افالطون‬
‫ان هناك تالزم بين الدال و المدلول ‪.‬‬

‫ضبط الحجة‪:‬‬
‫عندما بدا االنسان التواصل قلد كل مايوجد في الطبيعة من اصوات و رموز و اشارات و مايوجد في الطبيعة كما يؤكد افالطون‬
‫فيه تكون العالقة بين اللفظ و المعنى عالقة تطابق و تالزم و بما ان اللغة عند االنسان نشأة نتيجة تقليد لما في الطبيعة كانت‬
‫العالقة بين الدال و المدلول عالقة ضرورية طبيعية ‪.‬‬

‫في كل لغات العالم نالحظ استمدادها من الطبعة مثل حفيف األوراق زئير األسد هديل الحمام خرير المياه …الخ فكلها مشتقة من‬
‫اصوات الطبيعة التي تحمل داللة واحدة‪.‬‬

‫نقد الحجة‪:‬‬

‫لو كانت العالقة ضرورية طبيعة لوجدنا اللغة اإلنسانية واحدة و ضيقة الكن المالحظ انها واسعة و متنوعة فاللفظ الواحد له عّد ة‬
‫معاني و عليه يستحيل ان تكون العالقة بين الّد ال و المدلول ضرورية طبيعية ‪.‬‬

‫عرض نقيض األطروحة (العالقة بين الّد ال و المدلول اعتباطية اصطالحية) يمثل األطروحة المدرسة اللسانية المعاصرة لـ ذي‬
‫سسسير و ارنست كاسير حيث اعتبرت أن العالقة بين الّد ال و المدلول اصطالحية تواضعية بالتالي تستطيع أي جماعة أن تحّد د‬
‫معنى للفظ بطريقة اعتباطية ‪.‬‬

‫ضبط الحجة ‪:‬‬

‫يقدم ذي سوسير حجة يعتبر فيها ( ان العالقة اعتباطية نالحظ ان لفظ (أخت) ال عالقة له اطالقا كلفظ او كنبرة صوتية او ك‬
‫فوني مات مورفي مات بي المعنى الذي يحمله فاذا قسمنا الفظ الى (أ…خـ…ت) ال نجد ان هناك عالقة بين ما تحدثه فونيمات أ‬
‫– خ – ت وبين المعنى الذي نستخدمه اثناء التلفظ ب األحرف متالصقة مما يعني اننا تواضعنا ان هذا المعنى الذي نريد ايصاله‬
‫للغير ينطق بهذه االحرف)‪.‬‬

‫يقول ارنست كاسير (ان االسماء الموجودة في الكالم لم توضع للداللة عن االشياء المادية انما وضعة للداللة عكس المعاني‬
‫وااللفاظ المجردة التي ال وجود لها في الواقع المادي و بما انها كذلك فمعنى و الفكر ابداع عقلي متنوع تتنوع معه المعاني)‬

‫نقد الحجة‪:‬‬

‫تاريخ اللغة يبين لنا ان بدايتها استمدت من الطبيعة مثل ‪ :‬إحصاء مشتق من كلمة حصى نفس الشيىء في اللغة الالتينية ‪:‬‬
‫‪ calcule=calcaire‬مما يعني ان العالقة بين الدال و المدلول عالقة ضرورية لزومية‪.‬‬

‫التركيب ‪:‬‬

‫( التوفيق) لكل لغة قواعد تلتزم بها و يصبح كالمنا خاطئ اذا خالفنا هذه القواعد لهذا نقول ان الداللة بدات باللغة الطبيعية‬
‫الضرورية مثلما قدمه أفالطون اال ان اللغة بمجرد ما إرتبطة بالفكر بدأت العالقة بين الدال و المدلول تصبح اعتباطية‬
‫اصطالحية و ما اكدته المدرسة الرمزية المعاصرة هنالك عالقة بين الرسم و الطبيعة رغم انه في بدايته بدأ كفن يقد فيه االنسان‬
‫الطبيعة ثم اصبح الرسم رمزي تجريدي‪.‬‬

‫حل االشكال ‪:‬‬


‫تقدم لنا المدرسة الرمزيسة خير دليل يبين طبيعة العالقة بين الدال و المدلول ويحسم الموقف ان كانت ضرورية او اعتباطية كما‬
‫في الرسم بدا بالتقليد لما يوجد في الطبيعة اليخرج عن تفاصيلها و الوانها وذلك يعبر عما حدث في اللغة في العالقة بين الدال‬
‫والمدلول بدات ضرورية طبيعية و اليوم نجد مدارس كثيرة للرسم كالراديكالية الرومانسية التجريدية والرمزية…الخ نفس الشيئ‬
‫فى الداللة عندا ارتبطة اللغة بالفكر اصبحت فيها داللة اعتباطية اصطالحية كلفظ (بيت) بدا للداللة على شيء مادي موجود ثم‬
‫استخدم لمعاني اخرى (البيت شعري)‪.‬‬

‫مقالة ثانية حول العالقة بين الدال والمدلول‬


‫‪ .‬مقال جدلي حول العالقة بين الدال و المدلول‬
‫السؤال‪ :‬هل العالقة بين الدال و المدلول عالقة ضرورية أم إعتباطية؟‬
‫هل العالقة بين الدال و المدلول مبنية على التالزم أم اإلصطالح؟ هل توجد ضرورة بين اللفظ و معناه؟ هل األلفاظ تحاكي‬
‫األشياء؟ هل التالزم و التطابق هو العالقة الوحيدة التي تربط الدال بالمدلول؟‬
‫مقدمة‪(:‬طرح المشكلة)‬
‫إن اإلنسان كائن اجتماعي بطبعه فهو بحاجة إلى االتصال والتواصل مع غيره من الناس والتعبير عن أفكاره وهذا ال يتم إال‬
‫بواسطة اللغة الت تعتبر خاصية إنسانية يتفرد بها عن غيره من الكائنات و تشتمل اللغة على خاصيتين أساسيتين هما الدال و‬
‫المدلول و نقصد بالدال الكلمة أو الصيغة اللفظية للشيء أما المدلول فهو المعنى او الشيء المشار إليه ‪ .‬و قد أثارت العالقة بين‬
‫الدال و المدلول جدال واسعا بين المفكرين و الفالسفة فإنقسمو إلى تيارين متعارضين تيار يرى أن العالقة بين الدال و المدلول‬
‫‪.‬عالقة ضرورية تالزمية و تيار نقيض يرى بأن العالقة بينهما إعتباطية مبنية على اإلتفاق فقط‬
‫أمام هذا الجدال الواقع بينهم فإن اإلشكال الذي يمكننا طرحه هو‪ :‬هل العالقة بين الدال و المدلول عالقة تالزمية أم‬
‫إصطالحية؟ و بصيغة أخرى هل العالقة بين األشياء و األلفاظ ضرورية أم تعسفية؟‬
‫العرض‪( :‬محاولة حل المشكلة)‬
‫عرض منطق األطروحة‪ :‬العالقة بين الدال و المدلول ضرورية‬
‫إن العالقة بين الدال و المدلول عالقة تالزمية ضرورية شرطية ألن هناك إرتباط و تالزم وثيق بين اللفظ و معناه و هذا‬
‫اإلرتباط ليس مبني على اإلختيار و التوافق بل هو ضروري إذ يكفي أن نسمع الكلمة حتى نعرف المعن الذي تدل عليه و يمثل‬
‫‪:‬هذا الموقف كل من "أفالطون‪ ،‬بنفست" و يبرر هؤالء موقفهم بالحجج و البراهين اآلتية‬
‫يؤكد أفالطون في "محاورة كراطيل" أن العالقة بين الدال و المدلول هي عالقة ضرورية أي أن اللفظ يطابق ما يدل عليه في‬
‫العالم الخارجي و أساس هذا الرأي نظرية محاكاة اإلنسان ألصوات الطبيعة‪،‬وبهذا فإن العالقة بين اللفظ ومعناه ضرورية‬
‫تحاكي فيها الكلمات أصوات الطبيعة‪،‬فبمجرد سماع الكلمة نعرف معناها وداللتها‪،‬فكلمة زقزقة مثال تشير بالضرورة إلى صوت‬
‫العصفور‪،‬وكلمة مواء تشير بالضرورة إلى صوت القطط يقول أفالطون" إن اإلسم إذن على ما يبدو محاكاة صوتية للشيء‬
‫‪".‬المحاكى" و يقول كذلك"إن الطبيعة هي التي أضفت على األسماء معنى خاصا‬
‫ان العالقة بين الدال و المدلول ليست اعتباطية بل هي على عكس ذلك عالقة ضرورية وتبرير ذلك ان العالمة اللسانية بنية‬
‫واحدة يتحد فيها الدال بالمدلول وبدون هذا االتحاد تفقد العالمة اللسانية هذه الخاصية ومن جهة ثانية فذهن االنسان ال يستسيغ‬
‫وال يقبل االصوات التي ال تحمل تمثال (او شيئا) يمكن معرفته فلو كان األمر كذلك أي وجود اصوات ال تدل على شيء وال‬
‫تحمل مفهوما يمكن التعرف عليه تصير غريبة ومجهولة‪ ،‬فكل كلمة تدل على معنى ‪ ،‬وتستحضر صورتها في الذهن ‪ ،‬و كلما‬
‫كررنا نفس الكلمة ظهرت نفس الصورة مثل لفظ ( ثور) الذي يستحضر في الذهن صورة هذا الحيوان العشبي ‪،‬و ال يستحضر‬
‫صورة حيوان آخر‪ ،‬إذ أصبح اللفظ يطابق ذات الشيئ في العالم الخارجي وهذا ما يذهب إليه عالم اللسانيات الفرنسي إيميل‬
‫نفيست حيث يرى في كتابه ( مشاكل اللسانيات العامة)ان عالقة الدال بالمدلول ضروريـــــــة و ذاتيـــــــــــة الى درجة انه‬
‫يستحيل الفصل بينهما يقول ‪ ":‬الدال و المدلول ‪ ،‬الصورة الصوتية و التمثل الذهني هما في الواقع وجهان ألمر واحد و‬
‫"يتشكالن معا كالمحتوي و المحتوى‬
‫إن اإلنسان ال دخل له في تحديد معاني الكلمات مادامت األشياء الخارجية هي التي توحي له بذلك إذ يكفي سماع الصوت‬
‫لتحديد اللفظ مثل كلمة " الطرق" فما هو إال إنعكاس للصوت الصادر عن إصطدام اليد بالباب كما تسمى األشياء نسبة إلى‬
‫وظيفتها فعندما نقول مسطرة فألنها تسطر ‪ ،‬و محفظة أنها تحفظ األدوات ‪ ،‬سيالة النها تترك سائال ‪ ،‬و كذلك بالنسبة للفظ مثلث‬
‫فألنه يتكون من ثالثة أضالع ‪ ،‬و مربع ألنه يتكون من أربعة أضالع ‪ ،....‬فكل لفظ يعكس طبيعة الشيئ و يعبر عن هويته و لم‬
‫يوضع بطريقة عشوائية ‪،‬و لهذا يقول بنفست"إن العالقة بين الدال و المدلول ليست إعتباطية بل هي على العكس من ذلك‬
‫"ضرورية‬
‫كما يرى بنفيست أن الذهن عندما يستقبل الذهن كلمة مجهولة يرفضها باعتبارها غريبة ال تحدث أي تصور و ال توحي باي‬
‫معنى يقول‪ " :‬ان الذهن ال يحتوي على أشكال خاوية" و هذا ما يؤكد العالقة الضرورية بين الدال و المدلول ‪.‬فلو كانت العالقة‬
‫بينهما اعتباطية الستحدث كل فرد لغة خاصة يتحدث بها لكن األمر ال يجري على هذا النحو ‪ ،‬الكل يضطر الى التحدث بلغة‬
‫‪.‬القوم ‪ ،‬و استعمال نفس اإلشارات الصوتية حتى يتم التواصل بينهم‬
‫إضافة إلى هذا يؤكد بعض علماء اللغة أن بعض الحروف لها معان خاصة حيث ‪،‬فحرف(ح) مثال يدل على معاني االنبساط‬
‫والراحة‪ ،‬مثال‪:‬حب‪،‬حنان‪،‬حنين ‪ ،‬حياة‪ ،.....‬وحرف(غ) مثال فيدل على معاني الظلمة والحزن واالختفاء‪ ،‬كما في ‪:‬غيم‪ ،‬غم‪،‬‬
‫‪.‬غدر‪ ،‬غبن‪ ،‬غرق‪ ،‬غاص‪ .....‬و عليه نستنتج أن العالقة بين الدال و المدلول عالقة طبيعية ضرورية‬
‫نقد و مناقشة‪ :‬صحيح أننا نجد أن بعض األلفاظ تحاكي األشياء التي تدل عليها إال أن أنصار هذا اإلتجاه بالغوا في إعتبارهم أن‬
‫العالقة بين الدال و المدلول ضرورية بصفة مطلقة فهذا التصور مخالف لطبيعة اللغة فهي من إبداع اإلنسان و عليه فإن األمر‬
‫مبني على التوافق ال أكثر‪ ،‬فنظرية المحاكاة ال تشمل كافة األلفاظ ألن عدد الكلمات المستوحاة من الطبيعة قليل جدا مقارنة‬
‫بالكلمات المبنية على اإلصطالح كما أنه لو كانت الكلمات تحاكي األشياء فبما نفسر تعدد مسميات اإلسم الواحد"األسد" و بما‬
‫نفسر تعدد المعاني لنفس اللفظ مثل لفظ مغرب ‪،‬فهو يعني وقت الصالة من جهة ‪،‬و بلد عربي من جهة ثانية عرض نقيض‬
‫األطروحة‪ :‬العالقة بين الدال و المدلول إعتباطية‬
‫إن العالقة بين الدال و المدلول هي عالقة إعتباطية تعسفية من صنع اإلنسان فال يوجد ترابط و تالزم وثيق بين اللفظ و المعنى‬
‫فاللفظ ال ينطوي في صميم خصائصه الصوتية على أية إشارة أو إحالة إلى المعنى الذي يدل عليه فالعالقة التي تجمعهما قائمة‬
‫على اإلصطالح و بوسع كل جماعة إنسانية أن تحدد مسميات األشياء بالطريقة التي تريد و يمثل هذا الموقف كل من "دي‬
‫‪:‬سوسير ‪،‬بياجي ‪،‬دوالكروا و أرنست كاسيرر " و يبرر هؤالء موقفهم هذا بالحجج و البراهين اآلتية‬
‫إن العالقة بين الدال و المدلول عالقة إصطالحية ال أكثر فاأللفاظ مجرد مصطلحات إتفق عليها الناس لكي تدل على األشياء ‪،‬‬
‫فاللفظ يختلف من مجتمع آلخر أما المعنى فيبقى هو هو فلو كانت األشياء هي التي تفرض االسم بحكم طبيعتها لكانت لغة البشر‬
‫واحدة ‪ ،‬و لما تعددت األلفاظ و مسميات األشياء بتعدد األلسنة و اللغات و المجتمعات ‪،‬فاللسان العربي غير اللسان الفرنسي و‬
‫‪".‬غير اللسان األلماني يقول في هذا بياجي"إن تعدد اللغات هو نفسه يؤكد بديهيا الميزة اإلصطالحية لإلشارة اللفظية‬
‫كما أننا نجد في اللغة الواحدة في عدة حاالت لفظا واحدا يدل على عدة معاني مثل الفعل ضرب‪ :‬ضرب األستاذ مثاال‪" :‬أي أنه‬
‫أعطى مثاال"‪،‬و ضرب الرجل في أقطار الوطن‪"،‬أي أنه تجول في البالد"‪ ،‬وضرب األخ أخته "أي أنه عاقبها بالضرب"‪ ،‬و‬
‫ضرب البدوي الخيمة‪"،‬أي أنه بسط وووضع الخيمة" ‪ ،‬و نجد للمعنى الواحد عدة ألفاظ و مسيمات مثل البحر هو اليم ‪ ،‬و‬
‫السيف هو الحسام ‪ ،‬و األسد هو الغضنفر و الضرغام و الليث ‪ ،‬و ملك الغابة ‪..‬الخ و هذا ما يدل على أن األلفاظ وضعت لتدل‬
‫على معان مجردة وأفكار ال يمكن قراءتها في الواقع المادي‪ ،‬بل إن الكلمة‪ ،‬أو الرمز‪ ،‬أو اإلشارة ال تحمل في ذاتها أي معنى‬
‫أو مضمون إال إذا اتفق عليه أفراد المجتمع‪،‬فاإلنسان هو من وضع األلفاظ قصد التعبير والتواصل وهذا ما يؤكده أرنست‬
‫كاسيرر بقوله‪ ":‬إن األسماء الواردة في الكالم اإلنساني لم توضع لتشير إلى أشياء بذاتها" و يقول دوالكروا" الجماعة هي التي‬
‫"تعطي لإلشارة اللغوية داللتها‬
‫و يرى دي سوسير أن الدال ال يعبر عن الشيء بل يعبر عن تصورنا له فالعالقة بينهما ليست طبيعية إذ يمكن اإلشارة إلى‬
‫الشي بأي مصطلح آخر فال وجود لضرورة بين األشياء و مسمياتها و إنما العادة هي التي جعلت الناس يعتقدون ذلك فما سمي‬
‫قمرا على سبيل المثال كان من الممكن أن يسمى شمسا أو أي إسم آخر‪ ،‬و يقدم دي سوسير مثال على ذلك حيث يرى أن‬
‫المدلول "أخت" ال تجمعه أي عالقة داخلية بتتابع االصوات التالية ‪( :‬ا‪ ،‬خ ‪،‬ت) الذي يقوم له داال ‪ ،‬فالتوجد ضرورة عقلية او‬
‫تجريبية فرضت على اللغة العربية مثال التعبير عن هذا المعنى بهذه االصوات بل تم اقتراحها دون مبرر وهذا ما يسمى‬
‫بالتواضعية االعتباطية او التحكمية ( العفوية)‪ .‬و نفس المعنى ( معنى االخت) يعبر عنه في لغات اخرى بتتابع اصوات اخرى‬
‫فلو كانت العالقة ضرورية لما تباينت االصوات بل لما تعددت اللغات "‪"sister‬وفي االنجليزية ‪ "soeur"،‬فمثال في الفرنسية‬
‫بين المجتمعات‪ ،‬وهذا التنوع في اللغات يثبت اعتباطية العالمة اللسانية دي سوسير" إن الرابطة الجامعة بين الدال و المدلول‬
‫تحكيمية" و يقول إبن جني" إن إصل اللغة البد فيه من المواضعة" و منه نستنتج أن العالقة بين الدال و المدلول عالقة‬
‫‪.‬إعتباطية‬
‫نقد و مناقشة‪ :‬رغم ما قدمه هذا اإلتجاه من أدلة تثبت العالقة اإلعتباطية بين الدالو المدلول إال أن هذه الصفة اإلعتباطية مبالغ‬
‫فيها فالفرد ال يملك الحرية المطلقة في وضع المصطلحات و إستعمالها حسب هواه و إال إنعدم التواصل بين البشر فهناك‬
‫قوانين لغوية يجب اإللتزام بها في وضع المصطلحات كما أن الضرورة موجودة وال يمكن إنكارها فالطبيعة هي التي أوحت لنا‬
‫بأن الميزان هو رمز العدالة و الثعلب هو رمز المكر و ال يمكن ألي إنسان أن يغيرها كما نجد بعض األلفاظ واحدة في كل‬
‫‪.‬المجتمعات ‪ .‬مثل تكنولوجيا ‪ ،‬بيولوجيا ‪ ،‬أو ديمقراطية ‪ ،‬ديكتاتورية و غيرها‬
‫‪:‬التركيب‬
‫و كتوفيق بين األطروحتين يمكن أن نقول أن العالقة بين الدال و المدلول عالقة طبيعية و تعسفية في نفس الوقت فاأللفاظ منها‬
‫ما هو محاكاة للطبيعة ‪،‬ومنها ما كان توافقا واصطالحا بين بني البشر ‪،‬فال يمكن إنكار الموقفين ألننا في الكثير من األحيان نعي‬
‫الكلمات بمجرد سماعها وعليه فهي مستوحاة من الطبيعة فالمتأمل في العديد من األلفاظ و المصطلحات يرى أنه بإمكانه فهمها‬
‫مباشرة دون تفكير أو إمعان كقولنا زقزقة فالذهن يعرف معنى هذه الكلمة مباشرة دون تمعن أو تفكير ‪،‬فيكمل مباشرة زقزقة‬
‫العصافير ‪ ،‬إال أن هذا ال يرفض التواضع الذي إتفق حوله البشر منذ األزل و إعطائهم معنى لكل لفظ حتى تسهل عملية‬
‫‪.‬التواصل بينهم و عليه فاأللفاظ منها ماهو مستوحى من الطبيعة و منها ما هو متواضع عليه من طرف البشر‬
‫الخاتمة‪( :‬حل المشكلة)‬
‫و في األخير نستنتج أن العالقة بين الدال و المدلول مبنية على الضرورة و اإلصطالح فبعض الكلمات تحاكي طبيعة األشياء‬
‫فهي مستوحاة من الصفات الجوهرية لألشياء كاألصوات و الوظائف و غيرها ‪ ،‬و بعضها اآلخر مبني على التوافق و‬
‫اإلصطالح ألن الدراسات في مجال علم اللغة تؤكد أن الطبيعة عاجزة أن تستوعب كل األلفاظ يقول في هذا الشأن جون بياجي‬
‫"إن الرمز عبارة عن إصطالح صريح أو ضمني يرجع سببه إلى اإلستعمال" و معنى هذا أن بعض األشياء تقتضي اإلرتباط‬
‫‪.‬الضروري باأللفاظ الموضوعة لها‪ ،‬ومنها ماكان توافقا و تواضعا بين بني البشر‬

‫مقالة ‪ ....‬هل الحقيقة مطلقة ثابتة أم نسبية متغيرة ؟؟؟‬


‫مقدمة‪ :‬منذ أن وجد االنسان على وجه األرض وهو يسعى إلى إدراك حقيقة نفسه وكل مايحيط به من الموجودات وهذا ماجعل‬
‫االنسان يبحث عن الحقيقة بمختلف الوسائل والطرق مما جعل هذه المسألة محل جدل بين الفالسفة والمفكرين حيث نجد الرأي‬
‫األول يقر أنصاره بأن الحقيقة ثابتة وتتميز بالوضوح والبداهة وفي الرأي الثاني نجد أنصاره يقرون أن الحقيقة متغيرة ونسبية‬
‫وهذا ما يجعلنا نطرح االشكال التالي ياترى أي الرأيين أصح ؟وبعبارة أخرى هل الحقيقة مطلقة واضحة أم متغيرة نسبية؟‬
‫‪:‬محاولة حل المشكلة‬
‫‪:‬عرض منطق األطروحة‬
‫يرى أنصار هذا الرأي بأن الحقيقة ثابتة واضحة ومطلقة اليقين حيث يرى ديكارت أن القضية الصحيحة تبدوا واضحة للعقل‬
‫إلى درجة عدم القدرة على الشك فيها ويؤكد بأن ال أحد يشك دون أن يفكر وال يفكر دون أن يوجد وأكد ديكارت من خالل‬
‫مقولته المشهورة " الكوجيتو"أنا أفكر إذن أنا موجود" فالحقيقة عند ديكارت هي التي يدركها العقل الذي يقوم على مبادئ‬
‫واضحة فطرية أنشأها العقل في ذاته يقول في هذا ديكارت "العقل قوة فطرية معصومة من الخطأ" فحسبه المبادئ األولية في‬
‫الرياضيات هي مبادئ واضحة بديهية في حد ذاتها مما يجعلها صادقة ويقينية زيادة على ذلك نجد الفيلسوف سبينوزا الذي يرى‬
‫بأنه اليوجد معيار للحقيقة خارج عن الوضوح يقول في هذا "هل يمكن أن يكون هناك شيء أكثر وضوحا ويقينيا من الفكرة‬
‫الصادقة يصلح ألن يكون يكون معيارا للحقيقة فكما أن النور يكشف عن نفسه وعن الظلمات كذلك الصدق هو معيار نفسه‬
‫ومعيار الكذب" ويوضح ذلك في المقولة التالية "إن األشياء الواضحة فوق األشياء وأنه اليوجد وضوح آخر يمكن أن يجعل هذه‬
‫األشياء أوضح إضافة إلى ذلك يؤكدا أرسطو أن الحقيقة المطلقة هي في المحرك الذي اليتحرك وهنا يقصد هللا عزوجل كل‬
‫‪.‬هذه الحجج تؤكد بأن معيار الحقيقة هو الفكرة الواضحة المطلقة‬
‫النقد‪:‬صحيح ماذهب إليه أنصار هذا الرأي لكن إرجاع الحقيقة كلها إلى معيار الوضوح اليمكن االعتماد عليه فما يكون اليوم‬
‫حقيقة مطلقة واضحة قد يتغير في المستقبل فقد نشعر أننا على صواب ولكن قد يقف أحدا على خطأنا فالوضوح اليمكن أن‬
‫نسلم به كأساس مطلق للحقيقة‬
‫‪:‬عرض نقيض األطروحة‬
‫يرى أنصار هذا الرأي وهم البراغماتيون بأن الحقيقة نسبية متغيرة بتغير المنافع والوجود االنساني وبالتالي فهي تتغير بتغير‬
‫الزمان والمكان حيث يقدم أنصار هذا الرأي مجموعة من الحجج وهي التأكيد أن الحكم يكون صادقا إذا دلت التجربة على أنه‬
‫مفيد نظريا وعلميا وكذلك عندما تقدم لنا التجربة نتائج واقعية عملية وبذلك تعبتبر المنفعة اداة لتمييز بين صدق األحكام من‬
‫باطلها يقول بيرس"الحقيقة تقاس بمعيار العمل المنجز" وفي نفس االطار يضيف وليام جيمس ويؤكد أن النتائج أو االثار التي‬
‫تنتهي إليها الفكرة هي دليل على صدقها ومقياس صوابها‪.‬يقول في هذا "إذا كانت حقيقة من الحقائق ذات قيمة وجب أن تكون‬
‫نتائجها حسنة وسبيلها الوحيد إلى اختيار صدقها هو كونها مؤيدة أو خاذلة للمصلحة‪ ".‬إضافة إلى ذلك يؤكد جيمس أن كل‬
‫مايؤدي لنفع هو حقيقي مايدل على ذلك من خالل قوله "إن كل مايؤدي إلى النجاح فهو حقيقي وأن كل ما يعطينا أكثر قسط من‬
‫الراحة وماهو صالح ألفكارنا ومفيد لنا فهو حقيقي " هذا ما يدل على أن الحقيقة نسبية ومتغيرة فكل شخص عنده منفعة خاصة‬
‫‪.‬ومتميزة عن غيره فليس هناك حقائق مطلقة بل هناك حقائق متغيرة ترتبط بمنافع ومصالح األفراد‬
‫النقد ‪ :‬صحيح ماذهب إليه أنصار هذا الرأي لكن جعل الحقيقة مرتبطة بالمنافع فيه مبالغة فمثال القضايا التي ال تكون لها أثار‬
‫عملية هي قضايا خاطئة نتخلى عليها فهذا غير ممكن ألن بذلك قد تعود بالنفع على شخص وقد ترجع بالضرر على اآلخرين‬
‫كما أن المنفعة تدعوا الى االعتماد على وسائل أخالقية وغير أخالقية لتحصيل األهداف فهذا دعوة الى التجرد عن القيم‬
‫األخالقية‬
‫‪:‬التركيب‬
‫مايمكن قوله وسط هذا التناقض والجدل العقيم هو أن الحقائق مطلقة ونسبية معا وهذا مانالحظه في بعض الحقائق الميتافيزيقية‬
‫التي تكون وسطية بين النسبي والمطلق فالحقيقة مطلقة عندما تكون مجردة ونسبية عندما تكون حسية واقعية مرتبطة باالنسان‬
‫‪ :‬حل المشكلة‬
‫في ختام مقالنا نستنتج أن التطورات التي عرفها العلم كانت لها انعكاسات على تصور الفالسفة لمفهوم الحقيقة حيث ظهرت‬
‫فلسفات تؤكد أن الحقيقة مطلقة واضحة خاصة ماتعلق بأمور الدين وهذا اليمنع من وجود فلسفات تؤكد بأن الحقيقةعلى متغيرة‬
‫ونسبية وهذا مايؤكد أن الحقيقة نسبية ومطلقة في آن واحد‬

‫مقالة جدلية حول‪ :‬األنظمة السياسية الحكم الفردي والجماعي؟‬

‫سؤال المقالة هو ‪:‬‬

‫هل يستمد الحاكم سلطته من إرادة الشعب؟‬

‫هل نظام الحكم الفردي كفيل بتسيير شؤون الدولة؟‬

‫اإلنسان كائن سياسي بطبعه فهو وبحكم وجوده الطبيعي ال يستطيع أن يتنازل عن وجود قوانين تحدد الحقوق والواجبات‬
‫والعالقات بين األفراد ‪ ،‬ولهذا فالظاهرة السياسية تحتل منزلة كبيرة في الفكر السياسي والفلسفي نظرا لما لها من أهمية كبرى في‬
‫تحديد مصير الشعوب ‪ ،‬ولعل مسألة المسائل التي اشتد النقاش حولها هي‪ .‬مسألة‪ .‬السلطة السياسية وأنظمة الحكم وهذا منذ‬
‫التجمعات اإلنسانية األولى مرورا باإلمبراطوريات الشرقية القديمة وصوال إلى ما يعرف ‪ -‬حاليا ‪ -‬بالدولة الوطنية الحديثة ‪،‬‬
‫والناظر المتفحص لتاريخ ممارسة السلطة السياسية يلمح ال محالة أن نظام الحكم الفردي والذي يتأسس على سلطة الفرد الواحد‬
‫قد كان أول شكل من أشكال أنظمة الحكم ظهورا ‪ ،‬ومع تطور المجتمعات اإلنسانية برز نظام الحكم الجماعي الذي يستلهم من‬
‫سلطة الجماعة مبادئه وأسسه ‪ ،‬ومن خالل هذا االختالف الظاهر بين النظامين فإن البحث في أنواع األنظمة قد شكل المحور‬
‫الرئيسي في ا السياسية ودفع بالفالسفة والمفكرين إلى مناقشة مشكلة النظم السياسية‪ ،‬وهذا ما أدى إلى بروز اتجاهين متعارضين‬
‫أحدهما‪.‬‬

‫بأفضلية نظام الحكم الفردي واآلخر على النقيض تماما حيث يؤكد أنصاره أن النظام األصلح للشعوب هو النظام الديمقراطي‪،‬‬
‫ومن هنا ولرفع هذا التعارض والجدال بين الموقفين وجب طرح اإلشكالية التالية ‪ :‬هل أفضل نظام سياسي هو الذي يعبر عن‬
‫سيادة الشعب ؟ وبتعبير الفلسفة يدعي آخر ‪:‬هل يستمد الحاكم دائما سلطته من إرادة الشعب؟‬

‫مقالة جدلية حول‪ :‬األنظمة السياسية الحكم الفردي والجماعي؟‬

‫محاولة حل المشكلة ‪:‬‬

‫الدولة يجب أن تقوم على سلطة الحكم الواحد وسيادة الفرد الواحد ‪ ،‬وهذا ما أكده أنصار النزعة الفردية بزعامة توماس هوبز ‪،‬‬
‫ميكيافيلي‪ ،‬ماكس فيبر‪ ،‬ابن خلدون ‪ ،‬وينقسم هذا الشكل من أنظمة الحكم إلى الحكم الوراثي والحكم الديكتاتوري وفي العصر‬
‫الحديث بما يعرف بالحكم الملكي‪ ،‬فالحكم الملكي هو نظام حكومي يوجد به شخص واحد كرئيس دائم للدولة حتى يموت أو يقوم‬
‫بالتنازل عن منصبه ‪ .‬وفي العادة يكون وراثيا وتنتقل الشرعية في الحكم داخل أفراد القبيلة الواحدة أو األسرة الواحدة ‪ ،‬وقد ساد‬
‫في المجتمعات الكالسيكية القديمة معبرا عما يسميه عبد الرحمن بن خلدون بالعصبية القبلية ‪ ،‬وفق الرؤية الخلدونية فإن التحيز‬
‫للعرق هو الذي جعل الحكم متوارثا بين أفراد العرق الواحد ‪ ،‬ويكون انتقال الحكم هنا إما أفقيا ( األخ ‪ ،‬األخت‪....‬الخ ) ‪ ،‬أو‬
‫عموديا ( االبن ‪ ،‬الحفيد‪....‬الخ ) ‪.‬‬

‫كما أن الديكتاتورية هي‪:‬‬

‫عبرت عن هذه النزعة الفردية في الحكم باستلهام الجانب الذي يبرز القوة فأصبح الحكم يعبر عن إيديولوجية الطبقة المسيطرة‬
‫ضد طبقة أخرى مسيطر عليها ‪ ،‬وأضحت الدولة أداة هيمنة واستغالل ‪ ،‬ويمكن أن نستشف ذلك من التاريخ السياسي في أوربا‬
‫الديكتاتورية النازية والفاشية اإليطالية على سبيل المثال وقبل ذلك نزعة البراهما عند البوذيين‪ ،‬كما يعتمد هذا النظام على القوة‬
‫والسيطرة في تسيير شؤون الدولة والجدير بالذكر أن هذا الشكل من أنظمة الحكم كان محل قبول وإعجاب لدى بعض الفالسفة‬
‫والمفكرين والسياسيين ‪ ،‬فالفيلسوف اإلنجليزي توماس هوبز يعد من أبرز الفالسفة المدافعين عن هذا النمط من أنظمة الحكم ‪،‬‬
‫فالقانون المتمثل بالنظام الملكي‪ ،‬هو وحده القادر على إنهاء حالة الصراع بين أفراد المجتمع ‪ ،‬من خالل خضوع الكل تحت حكم‬
‫شخص واحد‪ ،‬وحالة الخضوع هذه تعني تخلي الجميع عن حريتهم وتقويض أمر الحكم لنظام سياسي ماثل في شخص واحد هو‬
‫الملك ‪ ،‬ومهمته الدستورية تطبيق القانون إلنهاء حالة التنافر واالقتتال بين البشر ‪ ،‬وذلك بغية العيش في دولة المجتمع المدني‬
‫تحت سلطة القانون ‪ ،‬ويكفي هنا اإلشارة إلى كتابه ( اللفيثان ) وهو تعبير عن كائن خرافي برأس تنين يرمز به هوبز إلى ما‬
‫يجب أن تكون عليه سلطة الدولة في تطبيق القانون‪ ،‬لتخليص اإلنسان من حالة الشر واألنانية الموشم بها‪.‬‬

‫حيث يقول ‪ " :‬ال دين إال ما ترضاه الحكومة وال حقيقة إال ما ينادي به السلطان "‪.‬‬

‫كما أن الفيلسوف اإليطالي نيقوال ميكيافيلي‪:‬‬

‫أوضح في كتابه ( األمير ) أنه يجوز للحاكم أن يستخدم كل الوسائل الالأخالقية ما دام الهدف هو البقاء في الحكم ‪ ،‬حيث يقول ‪:‬‬
‫" الغاية تبرر الوسيلة " ‪ ،‬كما يؤكد ماكس فيبر ذلك في قوله ‪ " :‬الدولة هي عالقة سيطرة قوامها العنف المشروع "‪.‬‬

‫أما النظام الملكي‪:‬‬

‫فهو ال يختلف كثيرا عن سابقيه إال أنه يرى أحقية الملك في سلطة الحكم وحده ال غير ‪ ،‬ويمكن اإلشارة إلى هذا النظام الحكم‬
‫الديني ) التيوقراطي ) وتعني حكم رجال الدين أو الحكومة الدينية أو الحكم الديني ‪ ،‬تتكون كلمة ثيوقراطية من كلمتين مدمجتين‬
‫في اللغة اليونانية هما ثيو ‪ :‬وتعني الدين ‪ ،‬و ( قراط ) وتعني الحكم ‪ ،‬وعليه فإن الثيوقراطية هي إرجاع سلطة الدولة إلى هللا ‪،‬‬
‫حيث توجد تطبيقات متعددة للثيوقراطية ‪ ،‬فهناك نظرية أولى تعد الحكام آلهة‪ ،‬ونظرية ثانية تعد الحكام نوابا لإلله ‪ ،‬ونظرية ثالثة‬
‫تقول بأن الحكام هم خلفاء هللا على األرض ‪ ،‬وفي إطار كل تلك النظريات يمنع منعا باتا كل معارضة للحكام أو مخالفة ألوامرهم‬
‫‪ .‬وقد مارس هذا النوع من الحكم رجال الدين في أوروبا في القرون الوسطى تحت ذريعة ( التفويض اإللهي ) ‪ ،‬وبعد عرض‬
‫أهم أشكال الحكم الفردي نوجز أبرز خصائصه ولعل من أهمها ‪ :‬أن السلطة فيه ال تأخذ بعين االعتبار وزن الجماعة ‪ ،‬وال يؤمن‬
‫هذا الشكل من أنظمة الحكم بالتعددية الحزبية والنقابية‪ ،‬كما أنه يقيد الحريات بمختلف أشكالها وال يفصل بين السلطات الثالث‬
‫التشريعية ‪ ،‬التنفيذية والقضائية ‪ ،‬حيث أن الحاكم هو من يتولى اإلشراف على كل السلطات في نطاق واسع ‪ ،‬كما يعتمد هذا‬
‫النظام على القوة والسيطرة في تسيير شؤون الدولة ‪ ،‬والجدير بالذكر أن هذا الشكل من أنظمة الحكم كان محل قبول وإعجاب‬
‫لدى بعض الفالسفة والمفكرين والسياسيين ‪ ،‬فالفيلسوف اإلنجليزي توماس هوبز يعد من أبرز الفالسفة المدافعين عن هذا النمط‬
‫من أنظمة الحكم من خالل ما دونه في كتابه الشهير ( التنين ) حيث يقول ‪ " :‬ال دين إال ما ترضاه الحكومة وال حقيقة إال ما‬
‫ينادي به السلطان " ‪ .‬كما أوضح الفيلسوف اإليطالي نيقوال ميكيافيلي في كتابه ( األمير ( أهم الصفات التي البد أن تتوفر في‬
‫الحاكم والسلطان ‪ ،‬ومن بين هذه الصفات نجد أنه البد على السلطان أن يمتلك قوة األسد ومكر الثعلب ‪ ،‬وأن يكون محبوبا وهابا‬
‫في الوقت نفسه ‪ ،‬كما أنه يجوز للحاكم أن يستخدم كل الوسائل الالأخالقية ما دام الهدف هو البقاء في الحكم ‪ " :‬الغاية تبرر‬
‫الوسيلة " ‪ ،‬ومن هنا يقول ماكس فيبر ‪ " :‬الدولة هي عالقة سيطرة قوامها العنف المشروع "وبالتالي فنظام الحكم الفردي هو‬
‫الجدير بتسيير شؤون الدولة ‪.‬‬

‫نقد وتقييم ‪:‬‬

‫لكن على الرغم مما قدمه أنصار هذا االتجاه من أدلة وحجج لتبرير موقفهم ‪ ،‬إال أنهم لم يسلموا من االنتقادات ‪ ،‬فعلى الرغم من‬
‫سيادة هذا الشكل من أنظمة الحكم تاريخيا إال أنه لم يحقق السيادة الشرعية التي تمنح له البقاء واالستمرار ‪ ،‬وخير دليل على‬
‫تالشي هذا النظام هو مناهضة الوعي االجتماعي للمزالق التي وقع فيها ( الحربين العالميتين ( على سبيل المثال ‪ ،‬كما أن‬
‫الصراع الطبقي مقولة أفرزها نظام الحكم الفردي ‪ ،‬وفضال على قتل هذا النظام لحق األفراد في الحرية والتعبير ‪ ،‬ولهذا لم تعد‬
‫الشرعية تؤخذ‬

‫بالقوة وال تعبر عن سلطة الفرد الواحد‪.‬‬

‫التركيب‪:‬‬

‫من خالل ما سبق يمكننا القول بأن الجدال القائم بين أنصار النزعة الفردية وكذا النزعة الجماعية أمر أثبت تهافته ‪ ،‬فكالهما لم‬
‫يستطع أن يحقق الشرعية والعدالة في أسمى معانيها ‪ ،‬غير أن نظام الحكم في اإلسالم أال وهو الشورى استطاع أن يكشف عن‬
‫المزايا الحسنة لكل من النظامين ويتجاوزهما معا في نفس الوقت ألنه مقتضى الفطرة اإلنسانية ‪ ،‬وعلى هذا األساس فقد ألزمت‬
‫الشريعة اإلسالمية الحاكم بمبدأ | الشورى ‪ ،‬يقول هللا تعالى ‪ (:‬وشاورهم في األمر ) ‪ ،‬ويقول أيضا سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وأمرهم‬
‫شورى بينهم )‪ ،‬وبالفعل فقد عمل الرسول صلى هللا عليه وسلم بهذا المبدأ ومن ثم اتخذ الخلفاء الراشدون مبدأ الشورى دستورا‬
‫لهم فشاع الحق وعمت العدالة ‪ ،‬فهو يبقى إذن حكم صالح لكل زمان ومكان ‪.‬‬

‫فهو مبدأ يحول دون تهور القوانين التي يفرضها الحكام على هواهم‪ ،‬وال يتقيدون فيها بأصول الشريعة المستمدة من مصادرها‬
‫السماوية ‪ ،‬ويحافظ على المجتمع من العبث ‪ ،‬ويحمي الحاكم والمجتمع في نفس الوقت ‪ ،‬وهذا ألن الجميع في هذا المبدأ سيخضع‬
‫للشريعة اإلسالمية ‪ ،‬فالحاكم مستند إلى اجتهاده المقيد بنصوص الكتاب والسنة ‪ ،‬والذي ال يخرج فيه عن هذا النطاق إال فيما‬
‫أباحه له الشرع الشريف‪.‬‬

‫حل المشكلة ‪:‬‬

‫ختاما ومما سبق نستنتج أن نجاح الحكم السياسي مشروط بالفهم الموضوعي لبنية النسق االجتماعي في أبعاده المختلفة ‪ ،‬أي‬
‫خدمة للصالح العام دون أي تحيز ‪ ،‬واإلسالم لم يترك أمرًا من أمور الحياة بمختلف جوانبها إال وتناوله إما في مبادئه وكلياته أو‬
‫في جزئياته وتفصيالته‪ ،‬وتأسيسًا على ذلك فقد نظم اإلسالم الجانب السياسي للمجتمع ‪ ،‬ووضع له األسس والمبادئ التي تضمن‬
‫حقوق األفراد في المجتمع اإلسالمي ‪ ،‬والشورى كنظام سياسي إسالمي من قواعد الشريعة وعزائم األحكام ومفاخر اإلسالم ‪،‬‬
‫الذي يربي أتباعه على المناقشة والحوار ‪ ،‬وتبادل اآلراء حول القضايا الخاصة والعامة ‪ ،‬يقول هللا تعالى ‪َ ( :‬و اَّلِذيَن اْس َت َج اُبوا‬
‫ِلَر ِّب ِه ْم َو َأَق اُموا الَّصالَة َو َأْمُرُه ْم ُشوَر ى َب ْي َن ُهْم َو ِمَّما َر َز ْق َن اُه ْم ُينِفُقوَن )‪.‬‬

You might also like