Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 3

‫االقتراح في أصول النحو [الجالل السيوطي]‬

‫فصل‬
‫وأما كالمه صلى هللا عليه وسلم فيستدل منه بما ثبت أنه قاله على اللفظ المروي‪,‬‬
‫وذلك نادرا جدا‪ ,‬إنما يوجد في األحاديث القصار‪ ,‬على قلة أيضا‪ ,‬فإن غالب‬
‫األحاديث مروي بالمعنى‪ ,‬وقد تداولتها األعاجم والمولدون قبل تدوينها‪ ,‬فرووها‬
‫بما أدت إليه عبارتهم فزادوا ونقصوا‪ ,‬وقدموا وأخروا‪ ,‬وأبدلوا ألفاظا بألفاظ‪,‬‬
‫ولهذا ترى الحديث الواحد في القصة الواحدة مرويا على أوجه شتى بعبارت‬
‫مختلفة‪ ,‬ومن ثم أنكر على ابن مالك إثباته القواعد النحوية باأللفاظ الواردة في‬
‫الحديث‪.‬‬
‫قال أبو حيان في (شرح التسهيل)‪ " :‬قد أكثر هذا المصنف من االستدالل بما وقع‬
‫في االحاديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب‪ ,‬وما رأيت أحدا من‬
‫المتقدمين والمتأخرين سلك هذه الطريقة غيره‪ .‬على أن الواضعين األولين لعلم‬
‫النحو‪ ,‬المستقرئين لألحكام من لسان العرب كأبي عمرو بن العالء‪ ,‬وعيسى بن‬
‫عمر‪ ,‬والخليل‪ ,‬وسيبويه من أئمة البصريين‪ ,‬والكسائي‪ ,‬والفراء‪ ,‬وعلي بن‬
‫المبارك األحمر‪ ,‬وهشام الضرير من أئمة الكوفيين _ لم يفعلوا ذلك‪ ,‬وتبعهم على‬
‫هذا المسلك المتأخرون من الفريقين وغيرهم من نحاة األقاليم كنحاة بغداد‪ ,‬وأهل‬
‫األندلس‪ .‬وقد جرى الكالم في ذلك مع بعض المتأخرين األذكياء‪ ,‬فقال‪ :‬إنما ترك‬
‫العلماء ذلك‪ ,‬لعدم وثوقهم أن ذلك لفظ الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ,‬إذ لو وثقوا‬
‫بذلك لجرى مجرى القرآن في إثبات القواعد الكلية‪ .‬وإنما كان ذلك ألمرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى‪ ,‬فتجد قصة واحدة جرت في زمانه صلى‬
‫هللا عليه وسلم لم تقل بتلك األلفاظ جميعها‪ ,‬نحو ما روي من قوله‪" :‬زوجتكها بما‬
‫معك من القرآن"‪" ،‬ملكتكها بما معك"‪" ،‬خذها بما معك"‪.‬‬
‫وغير ذلك من األلفاظ الواردة في هذه القصة‪ ،‬فتعلم يقينا أنه ‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ -‬لم يلفظ بجميع هذه األلفاظ؛ بل ال نجزم بأنه قال بعضها‪ ،‬إذ يحتمل أنه قال‬
‫لفظا مرادفا لهذه األلفاظ غيرها‪ ،‬فأتت الرواة بالمرادف ولم تأت بلفظه‪ ،‬إذ المعنى‬
‫هو المطلوب وال سيما مع تقادم السماع‪ ،‬وعدم ضبطه بالكتابة‪ ،‬واالتكال على‬
‫الحفظ‪ ،‬والضابط منهم من ضبط المعنى‪ ،‬وأما من ضبط اللفظ فبعيد جدا‪ ،‬ال سيما‬
‫في األحاديث الطوال‪.‬‬

‫وقد قال سفيان الثوري‪ :‬إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فال تصدقوني؛ إنما‬
‫هو المعنى‪.‬‬
‫ومن نظر في الحديث أدنى نظر علم علم اليقين أنهم إنما يروون بالمعنى‪.‬‬

‫األمر الثاني‪ :‬أنه وقع اللحن كثيرا فيما روي من الحديث؛ ألن كثيرا من الرواة‬
‫كانوا غير عرب‪ ،‬وال يعلمون لسان العرب بصناعة النحو‪ ،‬فوقع اللحن في‬
‫كالمهم‪ ،‬وهم ال يعلمون ذلك‪ ،‬وقد وقع في كالمهم وروايتهم غيُر الفصيح من‬
‫لسان العرب‪ ،‬غير شك‪ ،‬أن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬كان أفصح الناس‪،‬‬
‫فلم يكن ليتكلم إال بأفصح اللغات وأحسن التراكيب وأشهرها وأجزلها وإذا تكلم‬
‫بلغة غير لغته فإنما يتكلم بذلك مع أهل تلك اللغة على طريق اإلعجاز وتعليم هللا‬
‫ذلك له من غير معلم‪.‬‬

‫والمصنف قد أكثر من االستدالل بما ورد في األثر متعقبا بزعمه على النحويين‬
‫وما أمعن النظر في ذلك وال صحب من له التمييز‪ ،‬وقد قال لنا قاضي القضاة بدر‬
‫الدين ابن جماعة وكان ممن أخذ عن ابن مالك‪:‬‬

‫))قلت له‪ :‬يا سيدي هذا الحديث رواية األعاجم‪ ،‬ووقع فيه من روايتهم ما يعلم أنه‬
‫ليس من لفظ الرسول‪ ،‬فلم يجب بشيء((‬

‫قال أبو حيان‪:‬‬

‫))وإنما أمعنت الكالم في هذه المسألة لئال يقول مبتدئ‪ :‬ما بال النحويين يستدلون‬
‫بقول العرب وفيهم المسلم والكافر وال يستدلون بما روي في الحديث بنقل العدول‬
‫كالبخاري ومسلم وأضرابهما؟ فمن طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي ألجله لم‬
‫يستدل النحاة بالحديث ((انتهى كالم أبي حيان بلفظه‪.‬‬
‫وقال أبو الحسن ابن الضائع في (شرح الجمل)‪:‬‬

‫" تجويز الرواية بالمعنى هو السبب عندي في ترك األئمة‪ ,‬كسيبويه وغيره‪,‬‬
‫االستشهاد على إثبات اللغة بالحديث واعتمدوا في ذلك على القرآن وصريح النقل‬
‫عن العرب ولوال تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى لكان األولى في إثبات‬
‫فصيح اللغة كالم النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ,‬ألنه أفصح العرب "‪.‬‬
‫وقال‪ " :‬وابن خروف يستشهد بالحديث كثيرا‪ ,‬فإن كان على وجه االستظهار‬
‫والتبرك بالمروي فحسن وإن كان يرى أن من قبله أغفل شيئا وجب عليه‬
‫استدراكه‪ ,‬فليس كما رأى "‪.‬انتهى‬
‫ومثل ذلك قول صاحب (ثمار الصناعة)‪:‬‬

‫" النحو علم يستنبط بالقياس واالستقراء من كتاب هللا وكالم الفصحاء العرب "‪.‬‬

‫فقصره عليهما ولم يذكر الحديث‪.‬‬


‫نعم اعتمد عليه صاحب (البديع) فقال في (أفعل التفضيل)‪:‬‬
‫" اليلتفت إلى قول من قال‪ :‬إنه اليعمل ألن القرآن واألخبار واألشعار نطقت‬
‫بعمله " ثم أورد آيات ومن األخبار حديث‪:‬‬
‫" ما من أيام العمل الصالح أحب إلى هللا فيها الصوم "‪ .‬ومما يدل لصحة ما ذهب‬
‫إليه ابن الضائع أن ابن مالك استشهد على لغة (أكلوني البراغيث) بحديث‬
‫الصحيحين‪" :‬يتعاقبون فيكم مالئكة بالليل ومالئكة بالنهار "‪.‬‬
‫وأكثر من ذلك حتى صار يسميها (لغة بتعاقبون)‬
‫وقد استدل به السهيلي ثم قال‪:‬‬

‫" لكنني أقول‪ :‬إن الواو فيه عالمة إضمار ألنه حديث مختصر رواه البزاز‬
‫مطوال مجردا فقال فيه‪ :‬إن هلل مالئكة يتعاقبون فيكم‪ ,‬مالئكة بالليل ومالئكة‬
‫بالنهار "‪.‬‬
‫وقال ابن األنباري في (اإلنصاف) في منع (أن) في خبر كاد‪:‬‬
‫" وأما حديث‪ :‬كاد الفقر أن يكون كفرا فإنه من تغييرات الرواة ألنه أفصح من‬
‫نطق بالضاد "‪.‬‬

You might also like