Professional Documents
Culture Documents
علاقة المقاصد بالقيم و المداخل
علاقة المقاصد بالقيم و المداخل
أوال :مقاصد منهاج مادة التربية اإلسالمية.
ينطلق المنهاج في بنائه من المقاصد الكبرى األربعة (المقصد الوجودي ،المقصد الكوني،
المقصد الحقوقي ،المقصد الجودي) ،التي تعكس فلسفته التربوية الضامنة لتحقيق مقاصد
الدين وروحه ،والمجسدة للغاية الكبرى للتربية اإلسالمية وهي تحقيق حرية اإلنسان من
خالل إخالص العبودية هلل وحده.
المقصد الوجودي المرتبط بالتشبع بوجود هللا تعالى ومعاني وحدانيته ال يمكن التحقق
من ترسخه في وعي المتعلم(ة) ووجدانه إال بتحرر المتعلم(ة) من الخضوع لما سوى هللا
تعالى ابتداء ،وذلك بالتحرر من نفسه وهواه ،وهذا ما يتم االشتغال عليه عبر مدخل
التزكية.
المقصد الكوني المتصل بعالم ية رسالة اإلسالم ،وحاجة اإلنسانية للتعارف والتساكن
والمعاملة بالحسنى ،ال يرتقي إليه المتعلم(ة) إال باقتفاء المنهج النبوي ،واستجابته لنداء
ربه ،وهذا ما تعالجه محاور مدخلي االقتداء و االستجابة.
المقصد الحقوقي يتحقق من خالل مواضيع مدخل القسط المرتبط بحقوق هللا ،وحقوق
النفس ،وحقوق الغير ،وحقوق البيئة ،والتي تنمي في المتعلم(ة) قيمة اإلحسان واإلتقان.
المقصد الجودي حيث يتجه منهاج المادة –بعد تحقيق ما سبق -إلى الرقي بالمتعلم(ة)
نحو التطلع إلى مستوى المبادرة اإليجابية ،التي ال تقف عند أداء حقوق العباد قسطا
وعدال ،بل تدفع إلى الجود بالموجود ،محبة وتطوعا؛ وهذا ما يروم مدخل الحكمة تنميته
في المتعلم(ة).
فالمتعلم(ة) عندما يدرك أن الوجود الحق المطلق هلل وحده وأنه خلق البشر ليعرفوه
ويعظموه (مقصد وجودي) ،سيوقن أن الخلق شركاء في عبادة هللا تعالى والسعي
لمعرفته (مقصد كوني) ،وه ذا ما يملي عليه الحرص على الوفاء بحقوق العباد (مقصد
حقوقي) ،وألن عالقته بالخلق لن تستمر فقط بأداء الواجب ،فإنه سيكون أحرص على
الجود أداء للواجب وزيادة (مقصد جودي) باعثه في ذلك وغايته أن يحقق كماله
البشري ،وينال شرف إخالص العبودية لربه ،ألن ذلك عنوان سعادته.
1
مادة التربية اإلسالمية نقلها من مادة معرفية تحمل مجموعة من القيم ،إلى مادة قيم تتضمن
مجموعة من المعارف؛ أو بتعبير آخر فإن المعرفة أصبح وجودها في المادة وجودا وظيفيا
مرتبطا بقدر ما تحققه من قيم.
لقد كانت من بين الدوافع المركزية لمراجعة منهاج مادة التربية اإلسالمية ،قضية بناء
القيم ،ألنها تعتبر من اإلشكاالت المركزية التي تعيشها المنظومة التعليمية المغربية،
فبالرغم من أن المنظومة تبنت "مدخل التربية على القيم" ،منذ اعتماد "الميثاق الوطني
للتربية والتكوين" ،إال أن تحديد تلك القيم ظل فضفاضا.
وحددت وثيقة المنهاج القيمة المركزية ،وهي قيمة "التوحيد" باعتبارها تمثل أفق
الكمال البشري عندما نتمثل اإلخالص هلل تعالى.
أما القيم الناظمة للمنهاج فقد حددتها الوثيقة في" :المحبة" و"الحرية"
و"االستقامة" و"اإلحسان"( .ص)8:
هذا ،وقد أشارت وثيقة المنهاج إلى بعض القيم المرتبطة بمقاصد المنهاج ،ومنها
"قيم المقصد الحقوقي" ،والتي لم تكتف بذكرها ،بل تجاوزته إلى تعريفها ،ولعل
هذه أول وثيقة تنحو هذا المنحى في التفصيل؛ وتلك القيم هي:
• الحرية :التحرر من كل القيود واألغالل.
• القسط :حكم المؤمن بالعدل ولو على نفسه واألقربين.
• المساواة :ال تمييز بين البشر.
• الكرامة :عزة الفرد ال ينتقص منها قوة ،أو سلطان ،أو جهل ،أو فقر ،أو
عرف(....ص.)2:
❖ تعريف القيمة المركزية والقيم الناظمة:
oالتوحيد:
اإلقرار بصفات الكمال والجالل هلل عز وجل ،وتنزيهه سبحانه عن النقائص
واألنداد والشركاء ،وإفراده بالطاعات والقربات اعتقادا وقوال وعمال.
oالحرية:
التخلص واالنعتاق من كل القيود التي تعطل حركية اإلنسان في الوجود ،سواء
كانت هذه المكبالت تصورية فكرية (أوهام ،خرافات ،)...أو سلوكية (الخضوع
للشهوات واألهواء والنزوات ،)...أو تبعية للغير ماديا أو معنويا.
oاالستقامة:
السير السوي المتوازن وفق مقتضيات الشرع وأحكامه ،بالتزام الحق في كل حال
ظاهرا وباطنا.
oاإلحسان:
2
االلتزام بمعالي السلوكات والتصرفات ظاهرا وباطنا ،اعتقادا وقوال وعمال ،بتجويد
التعامالت التي تصدر عن اإلنسان تجاه ربه ونفسه وغيره من الناس والمحيط
البيئي.
oالمحبة:
شعور نفسي واستعداد وجداني يثمر عطاء ونفعا وسلوكا خيرا ،ويضمن سيادة
األلفة ومشاعر األخوة ،ويقود إلى التعاون والتعاضد بين الناس.
يسعى منهاج المادة إلى ترسيخ قيمة التوحيد في نفس المتعلم(ة) باعتبارها قيمة مركزية
تتمحور حولها القيم الناظمة للمنهاج "الحرية واالستقامة واإلحسان والمحبة" ،ولهذا وضع
موجهات أساس في كيفية تنمية هذه القيم وترسيخها ،باستحضار خصائص المتعلم النمائية
والنفسية؛ إذ اتسم تناوله لهذه القيم باستحضار مبدأ نموها عبر األسالك التعليمية ومراعاة
سن التعلم(ة) ومستواه اإلدراكي ،جاعال المقاصد األربعة (المقصد الوجودي والمقصد
الكوني والمقصد الحقوقي والمقصد الجودي) ضابطا لسير وحركة المتعلم(ة) نحو التحلي
بهذه القيم؛ فحصر دور المدرس(ة) في توجيه المتعلم(ة) نحو المقاصد العامة للمنهاج ،عبر
تنمية "قيمة التوحيد ونواظمها األربع" ،لينتقل المتعلم(ة) من لحظة الوعي بوجوده الحر
المسؤول ،إلى لحظة خروجه للناس محبا جوادا (من المقصد الوجودي إلى المقصد
الجودي).
ا ستشعارا من منهاج المادة بأهمية القيم في سيرورات بناء شخصية المتعلم(ة) ،فقد ركز
على أن يتم ترسيخ هذه القيم في التحام تام مع تنمية المهارات وبناء المفاهيم ،معتمدا في
ذلك مقاربة "المداخل" أداة لالشتغال الصفي ،ومنوعا أنشطة التعليم والتعلم عبر المداخل
الخمسة (التزكية واالقتداء واالستجابة والقسط والحكمة)؛ حيث يتجه كل مدخل لتنمية
جانب من جوانب شخصية المتعلم(ة) ،ويعزز قيمة من القيم الناظمة للمنهاج ،األمر الذي
يسمح ببناء شخصية المتعلم(ة) من كل جوانبها :المعرفية والوجدانية والسلوكية.
ولتحقيق هذا كله ،يلزم المدرس(ة) العمل على ما يأتي:
✓ التركيز على القيم الخمسة المؤطرة لمنهاج المادة ،والحرص على تنميتها وترسيخها
في نفس المتعلم(ة)؛
✓ اعتماد هذه القيم أساسا وموجها أثناء التخطيط للتعلمات ،واختيار سيرورات
ومسارات بناء التعلمات؛
✓ انتقاء الدعامات والموارد المسهمة في بناء وتنمية هذه القيم وترسيخها لدى
3
✓ تنويع أنشطة وفعاليات بناء هذه القيم وتنميتها ،وتنويع أشكال اكتسابها ،ووضعيات
تملكها؛
✓ التتبع الدائم لمدى تحكم المتعلم(ة) في مقتضيات هذه القيم ،وتملكه لألشكال المثلى
للتفاعل معها تصورا وممارسة ،وتنويع أنشطة ووضعيات تقويم ودعم ترسيخ هذه
القيم؛
✓ الربط الدائم بين المعارف المختلفة وثمراتها القيمية من جهة ،وإبراز عالقة القيم فيما
بينها من جهة ثانية ،مع الربط بين مختلف القيم وأصولها من القيم الخمسة المؤطرة
للمنهاج ،وبيان االمتدادات المصلحية لكل قيمة من القيم.
4
حين مثل لهذا الخلل باإلشارة إلى ضرورة (تحسين منهاج السنوات األربع األولى من
التعلي م االبتدائي لتصحيح النواقص الملحوظة في الكتاب األبيض ،ومنها االختالالت التي
تشوب منهاج التربية اإلسالمية ،ضعف االنسجام).
وقد نصت وثيقة المنهاج على البعد التكاملي والعالقة النسقية بين مداخل المادة في الفقرة
التالية:
"فتزكية النفس بتعظيم هللا ومحبته ودوام ا التصال به ،واالقتداء بالرسول الكريم صلى هللا
عليه وسلم نموذج الكمال البشري تعبدا وسلوكا ،من خالل االستجابة ألوامرهللا ورسوله
صلى هللا عليه وسلم وإخالص العبودية هلل وحده ،وذلك كله يدفع بالفرد للتحقق بالمواطنة
الصالحة ،من خالل تمثل حقوق هللا وحقوق النفس وحقوق المجتمع ،واتخاذ مواقف
ومبادرات إيجابية تهدف تحقيق النفع العام".
إن منطق التكامل بين مداخل المادة يتجلى في كونها تستهدف شخصية المتعلم(ة) ،حيث
تدخل إليه من تصوراته العقدية(مدخل التزكية) ،لتحرره وتدفعه للحركة وفق نموذج
النبوة(مدخل االقتداء) ،وتجدد سيره بالتزود بأداء العبادة والفرائض(مدخل االستجابة) ،حتى
يقوى على الوفاء بالحقوق(مدخل القسط) ،ليرتقي إلى مقام المبادرة والجود بالموجود
1
محبة(مدخل الحكمة)
وتحت بند وسم ب"هام جدا" ،في ختام وثيقة األطر المرجعية لجميع األقسام اإلشهادية ،تم
الحسم في ماهية المادة ،حيث نصت على ما يلي:
وارتباطا بهذا الموضوع ،تقول الدكتورة فاطمة بوسالمة-وهي أحد أعضاء لجنة واضعي
المنهاج( :-وأما من جهة الكيف :فقد اتجه التصور الجديد للمنهاج إلى اعتبار مادة التربية
اإلسالمية بمداخلها الخمسة (التزكية ،واالقتداء ،واالستجابة ،والقسط ،والحكمة) "وحدة
متكاملة ومترابطة يلتحم فيها الفكر بالسلوك والعلم بالعمل" .واألساس المتين الذي تبنى على
قواعده هذه الوحدة ،ويكفل تحقيق ذلك الترابط هو القرآن الكريم ،إذ وردت التوجيهات"
بضرورة اعتماد السور القرآنية المقررة مرجعا معرفيا مؤطرا لمختلف المفاهيم والقضايا
المتداولة في كل المداخل".
وانسجاما مع هذا االتجاه ،لم ترتب سور القرآن الكريم المقررة في سلك التعليم االبتدائي
وفق ترتيب المصحف ،وروعي في الترتيب الجديد مناسبة السور ،ما أمكن ،للموضوعات
5
المقترحة ضمن المداخل ،فبالنسبة لألسابيع(من 23إلى /)26السنة الثانية ابتدائي مثال ،تم
اختيار سورتي االنشقاق والعصر لتأطير دروس المداخل الخمسة ،وهي على الترتيب درس(
هللا يسمعني ويراني ،السميع ،البصير)/مدخل التزكية ،ودرس(كدح الرسول صلى هللا عليه
وسلم ،الرعي)مدخل االقتداء ،ودرس( أصلي المغرب والعشاء)/مدخل االستجابة،
ودر س(أعمل وأجتهد)/مدخل القسط ،ودرس( أتقن عملي)/مدخل الحكمة.
وال يخفى أن هذه المداخل تلتقي في مفهوم العمل الذي تؤطره اآليات من السورتين
ح االَ َٰي َر ابكَ َكدْح ٗا فَ ُم َٰلَ اقي اه " [سورة س ُن اإنَّكَ كَا اد ٌ المقررتين ،من مثل قوله تعالىَٰ ":يََٰٓأَيُّهَا َ۬ا َ االن َٰ َ
َ۬
االنشقاق آية ، ]6وقوله تعالى في سورة العصر" :ا َّاال َ۬ا َل اذينَ َءا َمنُواْ َوع اَملُواْ ا ُل َٰ َّ
ص ال َٰ َح ا
ت" [اآلية
،]2:وهي آيات تبرز والشك قيمة العمل كما تؤكد فكرة ارتباطه باإليمان.
والغاية المقصودة التي ينبغي أن يصل إليها المتعلم في نهاية دروس هذا الشهر(ضمن
مدخل الحكمة) ،هي وجوب( إتقان العمل) مقتديا بالنبي صلى هللا عليه وسلم في عمله وكدحه،
ومطيعا ربه الذي يسمع ويرى عمله ،كما جاء في قوله تعالى أيضا في السورة المقررة" :بَل۪ َٰ َٰٓي
اإنَّ َر َّبهُۥ كَانَ اب اهۦ َب اصير ٗا" )سورة االنشقاق آية )15
وبالنسبة لألسابيع (من 12إلى /) 15السنة الخامسة ابتدائي ،تم اختيار سورة القيامة
لتأطير درس (أومن بالبعث والجزاء) /مدخل التزكية ،وعنوان السورة يكشف بوضوح عن
سر اختيارها قبل النظر في موضوعها ،كما تم اختيار سورة التكوير في الشهر نفسه ،وفيها
قوله تعالىَ۬ َ :
"وإاذَا ا َ ْل َم ْو ُءۥ َدةُ سُئالَتْ ( )8باأَي ا ذَ ۢن ٖ
ب قُتالَتْ ( ،")9وذلك بهدف تأطير باقي المداخل
التي يلتقي موضوعها في التعريف بمنزلة المرأة في اإلسالم وتوجيه القرآن الكريم إلى
احترامها وتقديرها ،إذ سيتعرف المتعلم على شخصية أمنا خديجة رضي هللا عنها من خالل
درس (مساندة خديجة رضي هللا عنها للرسول صلى هللا عليه وسلم)/مدخل االقتداء ،ويقف
على حق المرأة في مساعدتها وتيسير مهامها في درس(أمد يد العون ،قصة موسى عليه
السالم مع بنات شعيب) /مدخل القسط ،ليتقرر في ذهن المتعلم ضرورة تقدير المرأة مع
درس(أقدر المرأة) ،وهو موضوع مدخل الحكمة لهذا الشهر.
وهكذا تتوزع مفردات البرنامج الدراسي ضمن مداخل متكاملة مؤطرة بالقرآن الكريم
يفضي بعضها إلى بعض على نحو يقوي من صلة المتعلم بالقرآن الكريم ،ويساعده أكثر على
ترجمة ما يتعلمه من آيات إلى سلوك واقعي وممارسة يومية.
6
7