Professional Documents
Culture Documents
Wa0004.
Wa0004.
Wa0004.
أما النظرية اصطالحاً يقصد بها مجموعة من التعميمات أو األحكام المجردة عن حقيقة ما ،يجب أن
تثبت ببرهان ،فهي تركيب عقلي مؤلف من تصورات تهدف إلى ربط النتائج بالمبادئ(ربيع،)5 :1994 ،
وفي نفس السياق يعرف (حسن صعب) النظرية بأنها بناء تصوري يبنيه الفكر ليربط بين مبادئ ونتائج
معينة وقد يكون هذا البناء التصوري صائباً أو خاطئاً ،بحيث ال تصبح نظرية علمية إال إذا أثبتت التجربة
صحتها ،وصعوبة التجربة العلمية في الحقل السياسي جعلت النظريات السياسية حتى اآلن فلسفية أكثر
مما هي علمية (صعب.)94 :1985 ،
كما هناك من يعرف النظرية بأنها عبارة عن مجموعة منسقة من المقوالت واالفتراضات حول ظاهرة ما
تجرى عليها عملية المالحظة ،وتكون قابلة لالختبار االمبريقي(أبو قنطار ،معلمي.)51 :1985 ،
وفي سياق متصل نشير إلى أن النظرية السياسية حسب (قاموس أكسفورد) هي محاولة للربط بطريقة
منظومية المعرفة المتعلقة بجانب مفرد من عالم الخبرة ،لهدف تحقيق نوع من الفهم يتعين عادة في القدرة
التفسيرية والتنبؤية ،قديماً ترجع إلى اليونان ،وحديثاً عند مجموعة من االمبريقيين أمثال (كارل هامبل،
وارنست نيجل) ،كما تعرف النظرية أيضاً بأنها أكثر مستويات التحليل السياسي دقة وإحاطة.
والنظرية هي بمثابة تفسير عام لظاهرة معينة صيغة مالمحها وتحددت في جميع عناصرها وتفاصيلها
تحديداً قريباً جداً وإن لم يكن مطابقاً لما هي عليه في واقع األمر ،أو هي مجموعة من المفاهيم والفرضيات
والقوانين المرتبطة عضوياً ومنطقياً ببعضها ،والتي تستطيع من خالل هذا الترابط العضوي والمنطقي أن
تقدم تفسي اًر مقنعاً ومحدد للظاهرة التي تتناول بالتحليل ،كما إن بمقدور النظرية أن تجعل من الممكن التنبؤ
بما يحتمل أن تؤول إليه هذه الظواهر(مقلد ،) 49 :1987 ،حيث تعتمد قيمة النظرية على مقدار نجاحها
في تحليلها الدقيق للظاهرة وفقاً للمعطيات المفترضة وتعرف على أساس وجود الوقائع والظواهر ب ـ(الرابطة
العقلية بين مجموعة من الوقائع والظواهر السياسية المحكومة بالتجربة الموضوعية التي يمكن أن تحدد
قانوناً عاماً لدى مجموعة من الظواهر السياسية) كما تعرف النظرية أيضاً بأنها التنسيق الموضوعي
للمالحظات الواردة بصدد الظاهرة السياسية وتفسيرها والكشف عن داللتها باإلضافة إلى عموميتها ،وهي
الرابطة التي يقيمها العقل بين هذه الوقائع السياسية.
كما تعتبر النظرية السياسية باب أساسي من أبواب علم السياسة وهي مجموعة تحليالت وفروض
وتصورات للنتائج ،تفسر في ضوئها الظواهر السياسية ،أي حول هوية الدولة ونشأتها وتطورها ووظائفها
ونظمها وأهدافها ،حيث ترتبط النظرية السياسية بفهم معين للتاريخ واألخالق والسلوك السياسي ،كما إنها
1
تضع في اعتبارها القيم والمبادئ السائدة والتكوين النفسي والتركيب االجتماعي والتفاعل والصراع السائد فيه
لتحديد وسائل النظرية وغاياتها (الكيالي ،) 587 :1995 ،كما تعرف النظرية السياسية بأنها مجموعة من
القواعد والقوانين المنظمة منهجياً تشكل أساساً لعلم وتقدم تفسي اًر لعدد كبير من الوقائع والظواهر واألحداث،
أو هي مجموعة منهجية من اآلراء واألفكار المتعلقة بموضوع محدد ،حيث تعتبر النظرية السياسية هي
تعبير عن مجموعة من الفرضيات العلمية التي تتسم بالتناسق والترابط مع بعضها ،بمعنى إن تلك الفرضيات
العلمية لم يتم وضعها بصورة اجتهادية وعفوية ،وإنما نتيجة دراسات أساسية ،كما تستند إلى المالحظة
المباشرة لمجموعة الوقائع المتصلة بموضوع معين ،فالمالحظة هي أول ركائز البحث العلمي ومنها يبدأ
بناء الفرضيات العلمية ،أما دون ذلك فهي نظريات فلسفية.
.1النموذج المعرفي :أن أساس يناء النظرية هو وجود نموذج معرفي تتأسس عليه مسلماتها ،ويمثل إطارها
ومحيطها أو ما يطلق عليه ما وراء النظرية ،مثل النموذج المعرفي التصوري ،أو الصراعي.
. 2بناء مفاهيم واضحة ومحددة متسقة مع النموذج المعرفي ونابعة منه .
.3نمط من العالقات المنطقية بين هذه المفاهيم محدد األنواع تكون فيه عالقات بديهية أو حقيقية أو تكون
افتراضية ،وكذلك ايجابية وسلبية .
.4المفاهيم والمقوالت المتعلقة بالعالقات تحتاج إلى تعريفات إجرائية في شكل متغيرات ،وكل متغير يحتوي
على العديد من المؤشرات .
.5منهجية إمبيريقية الختبار العالقات المفترضة بين المتغيرات ،مثل المسح االجتماعي أو المالحظة أو
المقابلة أو التحليل الرياضي ،أو التجربة المعملية لمجموعة صغيرة .
. 6تحليل المعلومات ،سواء باستخدام التحليل الكمي أو النوعي .
2
.7التفسير ثم التقويم على ضوء الفاعلية والقدرة على التنبؤ ،وتعود النتائج مرة أخرى إلى النموذج المعرفي،
سواء لتأكيد النظرية أو لتعديلها( .عارف.)73 :2002 ،
كما نجد إن من أسس بناء النظرية السياسية هي إن (النظرية السياسية تطرح قوانين عامة) وهذا ما
يميز النظرية السياسية عن الفكر السياسي ،حيث نجد إن النظرية السياسية هي محاولة لصنع قوانين عامة
عبر تعميمات أو مبادئ تطرحها النظرية السياسية ،فهي أكثر من كونها تأمل ذهني يقوده عقل اإلنسان،
مساو في
ٍ ومن أمثلة هذه التعميمات ما قدمه (جون راولز) حول نظريته في العدالة وهي (لكل شخص حق
خطة مناسبة كاملة للحريات األساسية تتوافق مع خطة مشابهة للحريات العامة) (العدالة هي منح المزيد
لمن يملكون أقل ،أو األقل لمن يملكون المزيد ،لتحقيق المساواة عند نقطة الوصول) ،وبالتالي تستطيع
النظرية السياسية صنع قوانين عامة.
كما نجد أيضاً من أسس النظرية السياسية هو (ارتباطها بالمفكر أو الفيلسوف) ،مثال على ذلك نظرية
نشوء الدولة ،نظرية أرسطو عن الثورة ،نظرية المدخالت والمخرجات عند ألموند ،نظرية الفصل بين
السلطات عند مونتسكيو ،نظرية العقد االجتماعي عند هوبز وروسو ولوك ،كذلك من أسس بناء النظرية
أيضاً (وجود قاعدة عامة وقوانين تحكم النظرية السياسية) ،حيث نجد النظرية الماركسية قد حكمتها قوانين
ورسمت لها صور وأشكال متعاقبة ،إذ توجد لكل نظرية مجموعة من األسس تنطلق في بناءها وحسب
منهجها المتبع ،فنظرية العقد االجتماعي مثالً قوامها (الدولة) ،والنظرية الفردية قوامها (الفرد) ،والنظرية
الماركسية قوامها (المجتمع) ،والنظرية الديمقراطية قوامها (الحرية واالنتخابات) ،والنظرية النسوية قوامها
(المرأة) ،ونظرية التدخل اإلنساني قوامها (اإلنسان) وهكذا.
وفي سياق متصل نشير أيضاً إلى أن (النظريات السياسية القديمة والمعاصرة) تلعب هي األخرى دور
كبير ومساعد في فهم النظرية السياسية ،حيث تساهم تلك النظريات عبر ما طرحه الفالسفة وعلماء السياسة
3
في تأصيل عمليات البحث السياسي ،وقد أدت تلك النظريات إلى تطوره من بين ميادين العلوم االجتماعية،
حيث نجد إن من أهم هذه النظريات هي نظرية الدولة (أفالطون ،أرسطو ،هيجل ،ابن خلدون) ،ونظرية
العائلة عند (أرسطو) ،ونظرية الحق اإللهي عند (الفراعنة ،اإلمبراطور قسطنطين) ،نظرية السيفين عند
(جالسيوس) ،نظرية الطاعة العمياء للحكام عند (كالفين) ،نظرية اللذة واأللم عند (جيرمي بنثام) ،نظرية
العقد االجتماعي عند (هوبز ولوك وروسو) ،نظرية الفصل بين السلطات عند (مونتسكيو) ،نظرية الدستور
المختلط عند (بولينب) ،نظرية القانون الطبيعي عند (شيشرون) ،النظرية المادية التاريخية عند (كارل
ماركس) ،نظرية الديمقراطية عند (إيمانويل كانط).
وبعد وقوفنا في هذه المحاضرة على األسس الهامة في بناء النظرية السياسية والمتمثلة في مفردات النظرية
وقوانينها العامة وارتباطها بالمفكر أو الفيلسوف والقوانين التي تحكمها والنظريات القديمة والمعاصرة المساعدة
في بناء النظرية في علم السياسة نصل إلى معرفة الكيفية التي يمكن من خاللها بناء النظرية في علم
السياسة وذلك من خالل معرفة المراحل التي تمر به ا النظرية السياسية ،حيث تمر النظرية السياسية عبر
سلسلة من المراحل هي :ـ ـ ـ
(-المرحلة األولى) المالحظة التي تتمثل في رصد مجموعة من الظواهر والوقائع.
(-المرحلة الثانية) األسباب والتي تتمثل في تقديم الفرضيات.
_(المرحلة الثالثة) المعادلة أو المنهج والتي تتمثل في طرح التعميمات ،وذلك عن طريق المنهج المتبع في
التحليل كالمنهج التاريخي الذي يمثله (جورج ه سابين) وهو المنهج الذي يعتمد على تحليله للنظرية على
التراث السياسي لليونان كأفالطون وأرسطو وما قدمه كل من هوبز ولوك وروسو والذين شكلوا النظريات
السياسية الكبرى ،والمنهج السوسيولوجي والذي يمثله (جورج ج كاتلين) وهو الذي يربط دراسته بالنظرية
العامة للمجتمع والذي يمكن أن يتناولها علماء السياسية على مسؤوليتهم ،أي ربط دراسة السياسة بالمجتمع،
والمنهج الفلسفي ويمثله (ليو شتراوس) والذي يرى إن القيم جزء ال يمكن االستغناء عنها في الفلسفة السياسية
وال يمكن استبعادها من السياسة ،وال بد لعالم السياسة أن تتوفر لديه المعرفة عن الخير والحياة وخير
المجتمع ،والمنهج المتكامل والذي يمثله (كارل ج فريدريتش) وهو المنهج الذي يرى ضرورة اإلحاطة بجميع
طرق علم االجتماع وعلم النفس وغيرهما للوصول إلى نتائج محددة كون علم السياسة يتصل بالفرد والمجتمع
والدولة والدول اإلقليمية وغيرها من المواضيع التي تتغير طبيعتها وصورتها حسب الزمان والمكان
_(المرحلة الرابعة) :وهى النتيجة أي تقديم النتائج ( .مهنا ،والشهابي.)55 :2009 ،
4
النتيجة المعادلة -المنهج األسباب المالحظة
وسوف نستعرض في هذه المحاضرة نظرية أرسطو عن الثورة كمثال يوضح المخطط والمراحل وبناء النظرية
في علم السياسة.
النتائج التعميمات والقوانين الفرضيات الظواهر والوقائع
ومن خالل هذا المثال نجد أن أرسطو أراد أن يوضح أن علة الثورات هي التفاوت والشعور بالحرمان
والالمساواة االقتصادية والسياسية ،وعلى عكس ذلك فالدولة التي تتمتع بتوافق في حياتها االقتصادية
والسياسية ،تنعم بنظام سياسي متوازن ومستقر وعادل(صالح 2001،أ.)101 :
مخطط النظرية السياسية الميكافيللية
دولة موحدة وقوية الغاية تبرر الوسيلة هيمنة رجال الدين واإلقطاع حروب وانقسامات داخلية
قوة الدولة تتطلب وجود سبب ضياع الدولة وميليشيات
األمير والجيش
ومن خالل استقراء هذا المخطط يمكن أن نالحظ إن نظرية ميكافيلي في السياسة استطاعت عبر
المالحظة أن تشخص إن سبب انقسام إيطاليا ،هي هيمنة رجال الدين واإلقطاع ،وإن وجود األمير (الحاكم)
الذي يتمتع بصفات تؤهله إلى قيادة الدولة ودفع األخطار الداخلية والخارجية عنها والجيش ،يؤدي إلى دولة
موحدة وقوية(صالح 2001،ب.)102 :
المحور الثاني :العوائق االبستمولوجية في علم السياسة.
5
االبستمولوجيا هي ذلك القسم من الفلسفة التي تهتم بالمعرفة العلمية ،حيث تركز على صالحية العلوم
كنمط للمعرفة من خالل دراسة األسس والمعايير التي تستند إليها العلوم ،كما يعتبر المختصون إن
االبستمولوجيا تقدم الدراسة النقدية للمبادئ أو الفرضيات والنتائج العلمية ،الهادفة إلى بيان أصلها المنطقي
ال النفسي وقيمتها وأهميتها الموضوعية.
لذا؛ يجب علينا في هذه المحاضرة قبل الشروع في توضيح العوائق االبستمولوجية في علم السياسة أن
نقف على وضع خطوط عريضة وفاصلة بين كل من االبستمولوجيا ونظرية المعرفة هذا من جانب ،وكذلك
االبستمولوجيا وعلم المناهج من جانب آخر.
أما من حيث االبستمولوجيا ونظرية المعرفة نجد إن االبستمولوجيا تعتبر مدخالً أساسياً وأداة هامة لتحقيق
نظرية المعرفة أي إنها نقد لمعرفة علمية ،أما االبستمولوجيا وعلم المناهج ،نجد إن علم المناهج هو دراسة
وصفية في حين إن االبستمولوجيا هي دراسة نقدية ،وإن كان التمييز هنا ال يعني الفصل بين المجالين ،بل
يلزم التأكيد على إن الترابط بينهما ضروري ،فاالبستمولوجي ال يمكن أن يستغني في دراسته النقدية عن
دراسة مناهج العلوم ،ألنه قبل النقد يحتاج إلى معرفة مناهج العلوم التي يدرسها(محمد.)88 :1997 ،
أوال :ــ مفهوم العائق االبستمولوجي :ــــ
يعرف العائق االبستمولوجي في اللغة بأنه كل ما يعطل أو يؤخر الحركة أو فعل ما ،أما اصطالحاً فإن
العوائق االبستمولوجية هي تلك العقبات األيديولوجية والعقلية والمعرفية ،التي تحول دون تطور العلم ،وكذلك
التفكير العلمي.
وقد عرف (غاستون باشالر) العوائق االبستمولوجية بأنها عوائق نفسية داخلية نجدها عند العلماء
والباحثين ،وتلعب تقريباً نفس األدوار المعيقة لتطور العلم وبناء معارف جديدة ،مما يؤدي بدوره إلى بروز
مفهوم القطيعة االبستمولوجية أو العائق من خالل الدراسة التاريخية للمفاهيم العلمية ،أي إن نمو الفكر
العلمي ينتج عن صيرورة ال خطية ،أي تطبعه عدة منعرجات تتخللها عوائق وقطائع وبهذا فإن ظهور
نظرية معينة ال يتم إال عن طريق تجاوز هذه العوائق.
6
باعتبارها مجموعة تلك األفكار ،فالفكر واأليديولوجية هما العقل الفاعل والعقل السائد ،فمن جهة ليس العقل
السائد (األيديولوجية) شيئاً سوى تلك المبادئ والقواعد التي أنشأها العقل الفاعل وهو الفكر.
إن الحديث عن هذا العائق يدفعنا في هذه المحاضرة للحديث عن إشكالية (التحيز) التي تعد من أهم
اإلشكاليات االبستمولوجية ،التي تواجه عملية البحث في علم السياسة ،وقد ناقش العديد من المفكرين هذه
اإلشكالية وأطلق عليها تسويته بـــ(المنظور) ،حيث يعرف المنظور على إنه مجموعة من المفاهيم التي
يستخدمها اإلنسان لالختيار بين مجموعة من البدائل في موضوع ما ،وبذلك فإن المنظور يسمح لنا باختيار
مدركاتنا وتنظيمها وتوجيه أفعالنا ،فالمنظور يعني القيم والمعتقدات واالتجاهات التي تتوفر في اإلطار
الفكري ،أو في وجهة نظر الفرد إلى موقف معين ،ويتكون من مجموعة مبادئ تؤثر في ما يدركه الشخص
في تفسيره للظواهر محل الدراسة.
وعليه فإن المنظور يعكس تأثير القيم والمعتقدات للباحث على موضوع بحثه ،ومن ذلك المنطلق يقول
(روبرت كوكس) النظرية دائماً لبعض األشخاص ولبعض األغراض ،وفي رأيه كل نظرية تمتلك منظو اًر
خاصاً ،والمنظور ينبثق من الوضع المحدد بالزمان والمكان ،أو بالتحديد الزمان والمكان االجتماعي
والسياسي ورؤية العالم يتم من خالل مواقع مختلفة ،لذلك النظرية تمثل نفسها فقط ،ويجب التعامل معها
بطريقة نقدية.
( .2العائق الثاني) عائق المنهج أو الطريقة :ـ ـ فالمنهج هو الطريقة التي يعتمدها الباحث للوصول إلى
هدف منشود ،ووظيفته في العلوم االجتماعية هي اكتشاف المبادئ التي تنظم الظواهر االجتماعية والسياسية،
وقد شهد المنهج وخاص ًة في القرن السابع عشر تغيرات هامة في طريقة التفكير ،من التفكير الفلسفي إلى
التفكير العلمي القائم على الشك عبر تطوير المناهج من المناهج الفلسفية إلى المناهج العقلية إلى المناهج
الحسية ،فالمعرفة تبدأ بالتجربة الحسية التي تعمل على إثرائها بالمالحظات الدقيقة والتجارب العلمية ،ثم
يأتي دور استخراج النتائج وفق شرطين هما:ـ ـ ـ
(الشرط األول) :الشرط الذاتي :ـ ـ ـ الذي يتمثل في تطهير العقل من كل األحكام السابقة واألخطاء.
(الشرط الثاني) :الشرط الموضوعي :ـ ـ ـ الذي يتمثل في رد العلوم إلى التجربة وهذا يتطلب معرفة المنهج
القويم للبحث.
حيث شكل المنهج تلك اإلجراءات الذهنية التي تدور بين طرفي عملية المعرفة ،ويمكن القول أن هناك
منهجان رئيسيان لعملية المعرفة ،وهما :ـ ـ ـ
.1المنهج الفلسفي االستنباطي :ويتمثل في مجموعة من العمليات الذهنية التي تدور في العقل ،وبعيداً
عن الواقع ،وهذا المنهج تنقصه الموضوعية التي هي ركن أساسي للعلم ،وهي التي تعتمد باألساس على
المناهج الكيفية.
.2المنهج االختباري االستقرائي :وهو منهج استقراء الواقع من خالل المالحظة ،وهى تلك الدراسات التي
انتشرت في الواليات المتحدة األمريكية في مجال الدراسات االجتماعية ،خاص ًة مع ظهور المدرسة السلوكية
7
وسميت بالدراسات اإلمبريقة أو االختبارية ،أو الدراسات الميدانية ،والتي اعتمدت باألساس على المناهج
الكمية ،بمعنى التكميم أي لغة الرمز أو الرقم على غرار المنهج الرياضي واإلحصائي والمسح االجتماعي.
وانطالقاً مما سبق فإن االعتماد في المعرفة العلمية على المنهج االستنباطي الفلسفي وحده معناه إدارة
هذه العملية في داخل عقل الباحث بعيداً عن الواقع ،وإن االعتماد في عملية المعرفة على المنهج االستقرائي
االختباري وحده يقف دون البلوغ بنتائج االختبار إلى مستوى التعميم ،وعليه فإن المنهج التجريبي بالنسبة
للعلوم السياسية هو الذي يجمع في منهجه بين االستقراء واالختبار ،وبين االستنباط الذي يعتمد على التدليل
العقلي ،فالمعرفة تعتمد على الجمع بين الحس والعقل أي بين االختبارية والتدليل العقلي ،وهو منهج النظرية
السياسية في عصرنا ،فالنظري يبدأ بمالحظة بعض الحاالت في الواقع السياسي المستهدف ،ليصور بهذه
المالحظة فرضاً أولياً ،ثم يعرض هذا الفرض على واقع علم السياسة للتحقق من مدى مطابقته له ،وذلك
عن طريق إعادة عرضه على أكبر عدد مستطاع من حاالت نوعه ،وهنا نقول إن صحته قد تثبت بالتجربة،
ثم يتجه النظري بهذه النتيجة المستقرات من تلك الحاالت المحدودة إلى تعميماً عن طريق عمليات التدليل
العقلي للبحث االستنباطي منتهياً بها إلى بناء نظري عام وهو النظرية السياسية.
ولكن في علم السياسة نجد إن هناك إشكالية تتعلق ب ـ(المنهج) وهي مسألة الموضوعية ،وإشكالية التعقيد
والتعميم ،حيث إن (مسألة الموضوعية) في علم السياسة هي قدرة الباحث على الفصل بين الباحث من
جهة وموضوع بحثه من جهة أخرى ،وهي جوهر البحث العلمي ،الذي ينطلق من المالحظة بما ال يدع
مجاالً لوجهات نظر الباحثين الذاتية في شأن وحقيقة هذا الواقع ،ومن ثم فإن األحكام التي ينتهي إليها
الباحث بالمنهج التجريبي هي أحكام موضوعية أو واقعية في مواجهة أحكام ذاتية.
أما (إشكالية التعقيد والتعميم) في علم السياسة هي إن التعميم الذي ينتهي إليه أصحاب المنهج التجريبي
هو تعميم نسبي وليس مطلق ،أي تعميم نسبي في مواجهة التعميم المطلق الذي ينتهي إليه أصحاب المنهج
المثالي ،وذلك راجع إلى إشكالية التعقيد والتركيب والحركية في علم السياسة ،فالواقع السياسي متغير زماناً
ومكاناً وطبقاً لطبيعة علم السياسة المتغيرة ،وهذا ما نسميه بنسبية الحقائق العلمية في علم السياسة.
(.3العائق الثالث) عائق الموضوع:ــــ يمكن لنا في هذه المحاضرة أن نحصر عائق الموضوع في علم
السياسة في إشكاليتين وهما إشكالية تتعلق بعلم السياسة وتدخالت مواضيعه مع العلوم االجتماعية األخرى،
وإشكالية تتعلق بالمسار الذي تسلكه المعرفة العلمية في علم السياسة أي بين التراكمية والقطيعة.
ـــــ إشكالية علم السياسة وتدخالت مواضيعه مع العلوم االجتماعية األخرى:ـــــ وحول هذه اإلشكالية يمكن
(أصحاب لنا في هذه المحاضرة أن نميز بين اتجاهين ،اتجاه ضيق مغلق واتجاه مرن منفتح ،حيث نجد
االتجاه الضيق المغلق) ينطلقون من إن قضايا ومشاكل التي تخص داخل علم من العلوم قد ال تخص
علماً آخر ،وبالتالي لكل علم من العلوم االجتماعية موضوعه الخاص ،باإلضافة إلى االختالف في النظر
إلى جوهر المواضيع ،وهنا تبرز إشكالية العقالنية ،فخصوصية المواضيع في العلوم السياسية وتعقد حركتها
يجعل من مواضيعها ذات خصوصية في فهمها وتحليلها عن بقية العلوم األخرى.
8
أما (أصحاب االتجاه المرن المنفتح) ينطلقون من إن فصل العلوم االجتماعية عن بعضها البعض ال
يساعد على تقدم المعرفة ،فالمشاكل التي تعترض علم من العلوم كثي اًر ما تكون هي نفسها التي تعترض
علماً آخر ،فالعلوم حسب هذا االتجاه خاصة في العلوم االجتماعية متداخلة ومتشابكة ،وهناك معارف وعلوم
مشتركة من جهة ،ومن جهة أخرى ال يمكن تكوين صورة كاملة عن القضايا إال من خالل النظر إليها من
عدة زوايا مختلفة.
-إشكالية المسار الذي تسلكه المعرفة العلمية في علم السياسة:ــــ إن المسار الذي تسلكه المعرفة العلمية
في علم السياسة يقوم على مبدأين ،أما مبدأ التراكمية المعرفية في حقل العلوم السياسية ،أو مبدأ القطيعة،
وهنا انقسم االبستمولوجيين في النظر إلى هذه المشكلة إلى فريقين وهم (أنصار االتصال) أي أصحاب مبدأ
التراكمية المعرفية في حقل علم السياسة ،و(أنصار االنفصال) أي أصحاب مبدأ القطيعة المعرفية في حقل
علم السياسة.
حيث يرى (أنصار االتصال) إن مسار العلم ومنه إلى علم السياسة على إنه صيرورة مستمرة ال انقطاع
فيها وال انفصال ،أي ال يرون إن مسار العلم انقطاع وأزمات وثورات ،بل يقولون باستمرار وتطور المعرفة
العلمية من المعرفة العادية إلى المعرفة العلمية إلى المعرفة العلمية الجديدة ،فتاريخ العلم سلسلة متواصلة
وما التغيير الذي يحدث في العلم إال تغيير تدريجي ،فالمعرفة البشرية مرت بثالث مراحل متصلة الهوتية
ميتافيزيقية وعلمية ،كما يرى أنصار هذا االتجاه إن المعرفة العلمية لم تنشأ من العدم بل هي حصيلة تطور
معارف عامية وخبرات شخصية ذاتية ،وهذا هو االتجاه التجديدي في العالقات الدولية.
أما (أنصار االنفصال) فهم يؤمنون بمبدأ القطيعة أي قطيعة وانفصال مطلق بين المعرفة العلمية الجديدة
والمعرفة السابقة ،حيث يؤكدون على االنفصال المطلق بين المعرفتين ،والذي يفصل بين هذين النمطين
من المعرفة هي القطيعة االبستمولوجية ،فالمعرفة العلمية ليست امتداد للمعرفة العامية ،حيث إن لغة العلم
ومنهاجه معياران أساسيان في حدوث القطيعة االبستمولوجية ،فلغة العلم متجددة دائماً إلى حد تصبح لغة
العلم الجديدة مختلفة عن لغة العلم القديمة ،وهذا هو االتجاه اإلنشائي في العالقات الدولية.
9
.4حسن صعب ،علم السياسة ،ط ،8دار العلم للماليين ،بيروت ،لبنان.1985 ،
.5اسماعيل صبري مقلد ،نظريات السياسة الدولية ،منشورات ذات السالسل ،الكويت.1987 ،
.6عبدالوهاب الكيالي ،موسوعة السياسة ،ط ، 3الموسوعة العربية للدراسات والنشر ،بيروت ،لبنان،
.1995
.7نصر محمد عارف ،إبستمولوجيا السياسة المقارنة(،النموذج المعرفي النظرية والمنهج) ،المؤسسة
الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت ،لبنان. 2002 ،
. 8الحسان أبو قنطار ،وعبدالوهاب معلمي ،العالقات الدولية :مفاهيم وإرشادات منهجية ،دار توبقال
للنشر ،الدار البيضاء ،المغرب.1985 ،
.9ماهر عبدالقادر محمد ،فلسفة العلوم (قراءات عربية) ،سلسلة قضايا الفكر العربي المعاصر ،دار
النهضة العربية للطباعة والنشر ،بيروت ،لبنان.1997 ،
10