Wa0004.

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 11

‫األكـاديـمـية الليـبية فــرع اجـدابيـا‬

‫مـدرسة الـدراسـات اإلستـراتيجية والـدوليـة‬


‫قسـم الـعلـوم السـياسـية‬
‫بـرنـامـج الـدراسـات الـدقيـقة (الدكتــوراه)‬
‫المحاضرة األولى بعنوان ‪:‬‬
‫بناء النظرية في علم السياسة والعوائق االبستمولوجية‬
‫مـقــدم ضمـن متـطلـبات مـادة ‪:‬‬
‫النظرية السياسية (( تحليل للعقائد واأليديولوجيات))‬
‫‪PPS703‬‬
‫إعــداد الطلبـــة ‪:‬‬
‫عــادل محمـد علـي بـوغرسة‬
‫‪DA23718‬‬
‫صالح جمعة محمود الدغيلي‬
‫‪DA23707‬‬
‫تحت إشراف ‪:‬‬
‫أ‪.‬د ‪ :‬أحمد الزروق‪.‬‬
‫للعام الجامعي ‪ 2024/2023‬م‬
‫المحور األول ‪(( :‬مقاربة تحليلية)) بناء النظرية في علم السياسة‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف النظرية السياسية ‪ :‬ـــ‬
‫النظرية لغ ًة من النظري‪ :‬يقال أمر نظري‪ :‬وسائل بحثه الفكر والتخيل‪ ،‬وعلوم نظرية أي هي التي تعتمد‬
‫على التجارب العلمية ووسائلها‪ ،‬والنظرية قضية تثبت ببرهان‪.‬‬

‫أما النظرية اصطالحاً يقصد بها مجموعة من التعميمات أو األحكام المجردة عن حقيقة ما‪ ،‬يجب أن‬
‫تثبت ببرهان‪ ،‬فهي تركيب عقلي مؤلف من تصورات تهدف إلى ربط النتائج بالمبادئ(ربيع‪،)5 :1994 ،‬‬
‫وفي نفس السياق يعرف (حسن صعب) النظرية بأنها بناء تصوري يبنيه الفكر ليربط بين مبادئ ونتائج‬
‫معينة وقد يكون هذا البناء التصوري صائباً أو خاطئاً‪ ،‬بحيث ال تصبح نظرية علمية إال إذا أثبتت التجربة‬
‫صحتها‪ ،‬وصعوبة التجربة العلمية في الحقل السياسي جعلت النظريات السياسية حتى اآلن فلسفية أكثر‬
‫مما هي علمية (صعب‪.)94 :1985 ،‬‬
‫كما هناك من يعرف النظرية بأنها عبارة عن مجموعة منسقة من المقوالت واالفتراضات حول ظاهرة ما‬
‫تجرى عليها عملية المالحظة‪ ،‬وتكون قابلة لالختبار االمبريقي(أبو قنطار‪ ،‬معلمي‪.)51 :1985 ،‬‬

‫وفي سياق متصل نشير إلى أن النظرية السياسية حسب (قاموس أكسفورد) هي محاولة للربط بطريقة‬
‫منظومية المعرفة المتعلقة بجانب مفرد من عالم الخبرة‪ ،‬لهدف تحقيق نوع من الفهم يتعين عادة في القدرة‬
‫التفسيرية والتنبؤية‪ ،‬قديماً ترجع إلى اليونان‪ ،‬وحديثاً عند مجموعة من االمبريقيين أمثال (كارل هامبل‪،‬‬
‫وارنست نيجل)‪ ،‬كما تعرف النظرية أيضاً بأنها أكثر مستويات التحليل السياسي دقة وإحاطة‪.‬‬

‫والنظرية هي بمثابة تفسير عام لظاهرة معينة صيغة مالمحها وتحددت في جميع عناصرها وتفاصيلها‬
‫تحديداً قريباً جداً وإن لم يكن مطابقاً لما هي عليه في واقع األمر‪ ،‬أو هي مجموعة من المفاهيم والفرضيات‬
‫والقوانين المرتبطة عضوياً ومنطقياً ببعضها‪ ،‬والتي تستطيع من خالل هذا الترابط العضوي والمنطقي أن‬
‫تقدم تفسي اًر مقنعاً ومحدد للظاهرة التي تتناول بالتحليل‪ ،‬كما إن بمقدور النظرية أن تجعل من الممكن التنبؤ‬
‫بما يحتمل أن تؤول إليه هذه الظواهر(مقلد‪ ،) 49 :1987 ،‬حيث تعتمد قيمة النظرية على مقدار نجاحها‬
‫في تحليلها الدقيق للظاهرة وفقاً للمعطيات المفترضة وتعرف على أساس وجود الوقائع والظواهر ب ـ(الرابطة‬
‫العقلية بين مجموعة من الوقائع والظواهر السياسية المحكومة بالتجربة الموضوعية التي يمكن أن تحدد‬
‫قانوناً عاماً لدى مجموعة من الظواهر السياسية) كما تعرف النظرية أيضاً بأنها التنسيق الموضوعي‬
‫للمالحظات الواردة بصدد الظاهرة السياسية وتفسيرها والكشف عن داللتها باإلضافة إلى عموميتها‪ ،‬وهي‬
‫الرابطة التي يقيمها العقل بين هذه الوقائع السياسية‪.‬‬

‫كما تعتبر النظرية السياسية باب أساسي من أبواب علم السياسة وهي مجموعة تحليالت وفروض‬
‫وتصورات للنتائج‪ ،‬تفسر في ضوئها الظواهر السياسية‪ ،‬أي حول هوية الدولة ونشأتها وتطورها ووظائفها‬
‫ونظمها وأهدافها‪ ،‬حيث ترتبط النظرية السياسية بفهم معين للتاريخ واألخالق والسلوك السياسي‪ ،‬كما إنها‬

‫‪1‬‬
‫تضع في اعتبارها القيم والمبادئ السائدة والتكوين النفسي والتركيب االجتماعي والتفاعل والصراع السائد فيه‬
‫لتحديد وسائل النظرية وغاياتها (الكيالي‪ ،) 587 :1995 ،‬كما تعرف النظرية السياسية بأنها مجموعة من‬
‫القواعد والقوانين المنظمة منهجياً تشكل أساساً لعلم وتقدم تفسي اًر لعدد كبير من الوقائع والظواهر واألحداث‪،‬‬
‫أو هي مجموعة منهجية من اآلراء واألفكار المتعلقة بموضوع محدد‪ ،‬حيث تعتبر النظرية السياسية هي‬
‫تعبير عن مجموعة من الفرضيات العلمية التي تتسم بالتناسق والترابط مع بعضها‪ ،‬بمعنى إن تلك الفرضيات‬
‫العلمية لم يتم وضعها بصورة اجتهادية وعفوية‪ ،‬وإنما نتيجة دراسات أساسية‪ ،‬كما تستند إلى المالحظة‬
‫المباشرة لمجموعة الوقائع المتصلة بموضوع معين‪ ،‬فالمالحظة هي أول ركائز البحث العلمي ومنها يبدأ‬
‫بناء الفرضيات العلمية‪ ،‬أما دون ذلك فهي نظريات فلسفية‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬بنية مفهوم النظرية (فلسفة بناء النظرية) ‪ :‬ــــــ‬


‫ال يكاد يخلو بحث في مفهوم النظرية من الحديث عن عمليتين متالزمتين‪ ،‬وهما‪( :‬عملية بناء النظرية‬
‫وعملية اختبار النظرية)‪ ،‬غير أن هناك اختالف حول فلسفة بناء النظرية‪ ،‬حيث يرى البعض أن النظرية‬
‫يجب أن تبنى على أسس امبريقية من مالحظة وتجربة‪ ،‬ويرى آخرون أن النظرية بها وحدات ال يمكن أن‬
‫تتأسس على المالحظة والتجربة فحسب‪ ،‬إذ أن األفكار والفروض قد تكون نابعة من الواقع ولكنها مستقلة‬
‫عنه في نفس الوقت‪ ،‬الن الواقع نسبي متغير متحول بصورة تفقد نتائج المالحظة موضوعيتها ومصداقيتها‪،‬‬
‫ألنه ليس هناك ضمان نهائي بأن النظريات التي بنيت على ا لمالحظة هي نظريات صحيحة‪ ،‬كذلك ليس‬
‫هناك ضمان بأننا اقتربنا من الحقيقة بصورة حقيقية‪ ،‬ولكن بغض النظر عن الخالف حول مصدر بناء‪،‬‬
‫ووزن األبعاد االمبيريقية في ذلك‪ ،‬سوف يتم تناول عمليتي بناء النظرية واختبارها في نسق واحد قدمه لنا‬
‫(جراهام كينلوتش) ينتظم في خطوات مرتبة بصورة تصاعدية‪ُ ،‬يعد سابقها مؤث اًر في الحقها أو محدداً له‪،‬‬
‫وأخرها ترجع نتائجه في التغذية األسترجاعية ألولها على شكل خطوات على النحو التالي ‪ :‬ـ ـ‬

‫‪ .1‬النموذج المعرفي ‪ :‬أن أساس يناء النظرية هو وجود نموذج معرفي تتأسس عليه مسلماتها‪ ،‬ويمثل إطارها‬
‫ومحيطها أو ما يطلق عليه ما وراء النظرية‪ ،‬مثل النموذج المعرفي التصوري‪ ،‬أو الصراعي‪.‬‬
‫‪ . 2‬بناء مفاهيم واضحة ومحددة متسقة مع النموذج المعرفي ونابعة منه ‪.‬‬
‫‪ .3‬نمط من العالقات المنطقية بين هذه المفاهيم محدد األنواع تكون فيه عالقات بديهية أو حقيقية أو تكون‬
‫افتراضية‪ ،‬وكذلك ايجابية وسلبية ‪.‬‬
‫‪ .4‬المفاهيم والمقوالت المتعلقة بالعالقات تحتاج إلى تعريفات إجرائية في شكل متغيرات‪ ،‬وكل متغير يحتوي‬
‫على العديد من المؤشرات ‪.‬‬
‫‪ .5‬منهجية إمبيريقية الختبار العالقات المفترضة بين المتغيرات‪ ،‬مثل المسح االجتماعي أو المالحظة أو‬
‫المقابلة أو التحليل الرياضي‪ ،‬أو التجربة المعملية لمجموعة صغيرة ‪.‬‬
‫‪ . 6‬تحليل المعلومات‪ ،‬سواء باستخدام التحليل الكمي أو النوعي ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ .7‬التفسير ثم التقويم على ضوء الفاعلية والقدرة على التنبؤ‪ ،‬وتعود النتائج مرة أخرى إلى النموذج المعرفي‪،‬‬
‫سواء لتأكيد النظرية أو لتعديلها‪( .‬عارف‪.)73 :2002 ،‬‬

‫ثالثاً‪ :‬أسس بناء النظرية السياسية‪ :‬ــــــ‬


‫من خالل التحليل السابق الذي يوضح بنية مفهوم النظرية التي توضح الخالف الفلسفي حول بناء‬
‫النظرية‪ ،‬والتي دفعت (جراهام كينلوتش) إلى تناول عمليتي بناء النظرية واختبارها في نسق واحد تقوم على‬
‫سبع خطوات مرتبة بصورة تصاعدية ُيعد سابقها مؤث اًر في الحقها أو محدداً له‪ ،‬وأخرها ترجع نتائجه في‬
‫التغذية األسترجاعية ألولها‪ ،‬نجد إنه من المفيد أن نتعرف على الكيفية التي من خاللها نستطيع أن نصل‬
‫إلى تأسيس نظرية في علم السياسة‪ ،‬ولكن قبل أن نخوض في كيفية بناء هذه النظرية ال بد لنا من الوقوف‬
‫على عدة أسس مهمة تأتي في صدارتها (مفردات النظرية السياسية)‪ ،‬حيث نجد إن هذه المفردات التي‬
‫يتناولها الباحث السياسي هي نفسها مفردات الفكر السياسي‪ ،‬مثل (ليبرالية‪ ،‬اشتراكية‪ ،‬ديمقراطية‪ ،‬العدالة‪،‬‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬النفعية‪ ،‬المساواة‪ ... ،‬إلخ) ‪ ،‬إال أنها ال تنحصر على الفكر فحسب بل توجد نظريات في‬
‫حقول النظم السياسية والسياسة الخارجية‪ ،‬مثل نظرية (إستون‪ ،‬مورغنتاو‪ ،‬كابالن‪ ،‬سنايدر)‪ ،‬وبالتالي يمكن‬
‫القول إن مفردات النظرية السياسية هي نفس مفردات الفكر السياسي والنظم السياسية والدراسات الدولية‪.‬‬

‫كما نجد إن من أسس بناء النظرية السياسية هي إن (النظرية السياسية تطرح قوانين عامة) وهذا ما‬
‫يميز النظرية السياسية عن الفكر السياسي‪ ،‬حيث نجد إن النظرية السياسية هي محاولة لصنع قوانين عامة‬
‫عبر تعميمات أو مبادئ تطرحها النظرية السياسية‪ ،‬فهي أكثر من كونها تأمل ذهني يقوده عقل اإلنسان‪،‬‬
‫مساو في‬
‫ٍ‬ ‫ومن أمثلة هذه التعميمات ما قدمه (جون راولز) حول نظريته في العدالة وهي (لكل شخص حق‬
‫خطة مناسبة كاملة للحريات األساسية تتوافق مع خطة مشابهة للحريات العامة) (العدالة هي منح المزيد‬
‫لمن يملكون أقل‪ ،‬أو األقل لمن يملكون المزيد‪ ،‬لتحقيق المساواة عند نقطة الوصول)‪ ،‬وبالتالي تستطيع‬
‫النظرية السياسية صنع قوانين عامة‪.‬‬

‫كما نجد أيضاً من أسس النظرية السياسية هو (ارتباطها بالمفكر أو الفيلسوف)‪ ،‬مثال على ذلك نظرية‬
‫نشوء الدولة‪ ،‬نظرية أرسطو عن الثورة‪ ،‬نظرية المدخالت والمخرجات عند ألموند‪ ،‬نظرية الفصل بين‬
‫السلطات عند مونتسكيو‪ ،‬نظرية العقد االجتماعي عند هوبز وروسو ولوك‪ ،‬كذلك من أسس بناء النظرية‬
‫أيضاً (وجود قاعدة عامة وقوانين تحكم النظرية السياسية)‪ ،‬حيث نجد النظرية الماركسية قد حكمتها قوانين‬
‫ورسمت لها صور وأشكال متعاقبة‪ ،‬إذ توجد لكل نظرية مجموعة من األسس تنطلق في بناءها وحسب‬
‫منهجها المتبع‪ ،‬فنظرية العقد االجتماعي مثالً قوامها (الدولة)‪ ،‬والنظرية الفردية قوامها (الفرد)‪ ،‬والنظرية‬
‫الماركسية قوامها (المجتمع)‪ ،‬والنظرية الديمقراطية قوامها (الحرية واالنتخابات)‪ ،‬والنظرية النسوية قوامها‬
‫(المرأة)‪ ،‬ونظرية التدخل اإلنساني قوامها (اإلنسان) وهكذا‪.‬‬

‫وفي سياق متصل نشير أيضاً إلى أن (النظريات السياسية القديمة والمعاصرة) تلعب هي األخرى دور‬
‫كبير ومساعد في فهم النظرية السياسية‪ ،‬حيث تساهم تلك النظريات عبر ما طرحه الفالسفة وعلماء السياسة‬
‫‪3‬‬
‫في تأصيل عمليات البحث السياسي‪ ،‬وقد أدت تلك النظريات إلى تطوره من بين ميادين العلوم االجتماعية‪،‬‬
‫حيث نجد إن من أهم هذه النظريات هي نظرية الدولة (أفالطون‪ ،‬أرسطو‪ ،‬هيجل‪ ،‬ابن خلدون)‪ ،‬ونظرية‬
‫العائلة عند (أرسطو)‪ ،‬ونظرية الحق اإللهي عند (الفراعنة‪ ،‬اإلمبراطور قسطنطين)‪ ،‬نظرية السيفين عند‬
‫(جالسيوس)‪ ،‬نظرية الطاعة العمياء للحكام عند (كالفين)‪ ،‬نظرية اللذة واأللم عند (جيرمي بنثام)‪ ،‬نظرية‬
‫العقد االجتماعي عند (هوبز ولوك وروسو)‪ ،‬نظرية الفصل بين السلطات عند (مونتسكيو)‪ ،‬نظرية الدستور‬
‫المختلط عند (بولينب)‪ ،‬نظرية القانون الطبيعي عند (شيشرون)‪ ،‬النظرية المادية التاريخية عند (كارل‬
‫ماركس)‪ ،‬نظرية الديمقراطية عند (إيمانويل كانط)‪.‬‬

‫وبعد وقوفنا في هذه المحاضرة على األسس الهامة في بناء النظرية السياسية والمتمثلة في مفردات النظرية‬
‫وقوانينها العامة وارتباطها بالمفكر أو الفيلسوف والقوانين التي تحكمها والنظريات القديمة والمعاصرة المساعدة‬
‫في بناء النظرية في علم السياسة نصل إلى معرفة الكيفية التي يمكن من خاللها بناء النظرية في علم‬
‫السياسة وذلك من خالل معرفة المراحل التي تمر به ا النظرية السياسية‪ ،‬حيث تمر النظرية السياسية عبر‬
‫سلسلة من المراحل هي ‪ :‬ـ ـ ـ‬
‫‪(-‬المرحلة األولى) المالحظة التي تتمثل في رصد مجموعة من الظواهر والوقائع‪.‬‬
‫‪(-‬المرحلة الثانية) األسباب والتي تتمثل في تقديم الفرضيات‪.‬‬
‫_(المرحلة الثالثة) المعادلة أو المنهج والتي تتمثل في طرح التعميمات‪ ،‬وذلك عن طريق المنهج المتبع في‬
‫التحليل كالمنهج التاريخي الذي يمثله (جورج ه سابين) وهو المنهج الذي يعتمد على تحليله للنظرية على‬
‫التراث السياسي لليونان كأفالطون وأرسطو وما قدمه كل من هوبز ولوك وروسو والذين شكلوا النظريات‬
‫السياسية الكبرى‪ ،‬والمنهج السوسيولوجي والذي يمثله (جورج ج كاتلين) وهو الذي يربط دراسته بالنظرية‬
‫العامة للمجتمع والذي يمكن أن يتناولها علماء السياسية على مسؤوليتهم‪ ،‬أي ربط دراسة السياسة بالمجتمع‪،‬‬
‫والمنهج الفلسفي ويمثله (ليو شتراوس) والذي يرى إن القيم جزء ال يمكن االستغناء عنها في الفلسفة السياسية‬
‫وال يمكن استبعادها من السياسة‪ ،‬وال بد لعالم السياسة أن تتوفر لديه المعرفة عن الخير والحياة وخير‬
‫المجتمع‪ ،‬والمنهج المتكامل والذي يمثله (كارل ج فريدريتش) وهو المنهج الذي يرى ضرورة اإلحاطة بجميع‬
‫طرق علم االجتماع وعلم النفس وغيرهما للوصول إلى نتائج محددة كون علم السياسة يتصل بالفرد والمجتمع‬
‫والدولة والدول اإلقليمية وغيرها من المواضيع التي تتغير طبيعتها وصورتها حسب الزمان والمكان‬
‫_(المرحلة الرابعة)‪ :‬وهى النتيجة أي تقديم النتائج ‪( .‬مهنا‪ ،‬والشهابي‪.)55 :2009 ،‬‬

‫مخطط توضيحي حول كيفية بناء النظرية السياسية‬


‫المرحلة الرابعة‬ ‫المرحلة الثالثة‬ ‫المرحلة الثانية‬ ‫المرحلة األولى‬

‫‪4‬‬
‫النتيجة‬ ‫المعادلة ‪ -‬المنهج‬ ‫األسباب‬ ‫المالحظة‬

‫النتائج‬ ‫التعميمات والقوانين‬ ‫الفرضيات‬ ‫الظواهر والوقائع‬

‫وسوف نستعرض في هذه المحاضرة نظرية أرسطو عن الثورة كمثال يوضح المخطط والمراحل وبناء النظرية‬
‫في علم السياسة‪.‬‬
‫النتائج‬ ‫التعميمات والقوانين‬ ‫الفرضيات‬ ‫الظواهر والوقائع‬

‫تندلع الثورات عندما‬ ‫الالمساواة‬ ‫فروقات ونزاعات‬


‫الثورة‬
‫يحصل التفاوت‬

‫ومن خالل هذا المثال نجد أن أرسطو أراد أن يوضح أن علة الثورات هي التفاوت والشعور بالحرمان‬
‫والالمساواة االقتصادية والسياسية‪ ،‬وعلى عكس ذلك فالدولة التي تتمتع بتوافق في حياتها االقتصادية‬
‫والسياسية‪ ،‬تنعم بنظام سياسي متوازن ومستقر وعادل(صالح‪ 2001،‬أ‪.)101 :‬‬
‫مخطط النظرية السياسية الميكافيللية‬

‫المرحلة الرابعة‬ ‫المرحلة الثالثة‬ ‫المرحلة الثانية‬ ‫المرحلة األولى‬

‫النتيجة‬ ‫المعادلة ‪ -‬المنهج‬ ‫األسباب‬ ‫المالحظة‬

‫النتائج‬ ‫التعميمات والقوانين‬ ‫الفرضيات‬ ‫الوقائع والظواهر‬

‫دولة موحدة وقوية‬ ‫الغاية تبرر الوسيلة‬ ‫هيمنة رجال الدين واإلقطاع‬ ‫حروب وانقسامات داخلية‬
‫قوة الدولة تتطلب وجود‬ ‫سبب ضياع الدولة‬ ‫وميليشيات‬
‫األمير والجيش‬

‫ومن خالل استقراء هذا المخطط يمكن أن نالحظ إن نظرية ميكافيلي في السياسة استطاعت عبر‬
‫المالحظة أن تشخص إن سبب انقسام إيطاليا‪ ،‬هي هيمنة رجال الدين واإلقطاع‪ ،‬وإن وجود األمير (الحاكم)‬
‫الذي يتمتع بصفات تؤهله إلى قيادة الدولة ودفع األخطار الداخلية والخارجية عنها والجيش‪ ،‬يؤدي إلى دولة‬
‫موحدة وقوية(صالح‪ 2001،‬ب‪.)102 :‬‬
‫المحور الثاني ‪ :‬العوائق االبستمولوجية في علم السياسة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫االبستمولوجيا هي ذلك القسم من الفلسفة التي تهتم بالمعرفة العلمية‪ ،‬حيث تركز على صالحية العلوم‬
‫كنمط للمعرفة من خالل دراسة األسس والمعايير التي تستند إليها العلوم‪ ،‬كما يعتبر المختصون إن‬
‫االبستمولوجيا تقدم الدراسة النقدية للمبادئ أو الفرضيات والنتائج العلمية‪ ،‬الهادفة إلى بيان أصلها المنطقي‬
‫ال النفسي وقيمتها وأهميتها الموضوعية‪.‬‬

‫لذا؛ يجب علينا في هذه المحاضرة قبل الشروع في توضيح العوائق االبستمولوجية في علم السياسة أن‬
‫نقف على وضع خطوط عريضة وفاصلة بين كل من االبستمولوجيا ونظرية المعرفة هذا من جانب‪ ،‬وكذلك‬
‫االبستمولوجيا وعلم المناهج من جانب آخر‪.‬‬

‫أما من حيث االبستمولوجيا ونظرية المعرفة نجد إن االبستمولوجيا تعتبر مدخالً أساسياً وأداة هامة لتحقيق‬
‫نظرية المعرفة أي إنها نقد لمعرفة علمية‪ ،‬أما االبستمولوجيا وعلم المناهج‪ ،‬نجد إن علم المناهج هو دراسة‬
‫وصفية في حين إن االبستمولوجيا هي دراسة نقدية‪ ،‬وإن كان التمييز هنا ال يعني الفصل بين المجالين‪ ،‬بل‬
‫يلزم التأكيد على إن الترابط بينهما ضروري‪ ،‬فاالبستمولوجي ال يمكن أن يستغني في دراسته النقدية عن‬
‫دراسة مناهج العلوم‪ ،‬ألنه قبل النقد يحتاج إلى معرفة مناهج العلوم التي يدرسها(محمد‪.)88 :1997 ،‬‬
‫أوال ‪ :‬ــ مفهوم العائق االبستمولوجي ‪ :‬ــــ‬
‫يعرف العائق االبستمولوجي في اللغة بأنه كل ما يعطل أو يؤخر الحركة أو فعل ما‪ ،‬أما اصطالحاً فإن‬
‫العوائق االبستمولوجية هي تلك العقبات األيديولوجية والعقلية والمعرفية‪ ،‬التي تحول دون تطور العلم‪ ،‬وكذلك‬
‫التفكير العلمي‪.‬‬

‫وقد عرف (غاستون باشالر) العوائق االبستمولوجية بأنها عوائق نفسية داخلية نجدها عند العلماء‬
‫والباحثين‪ ،‬وتلعب تقريباً نفس األدوار المعيقة لتطور العلم وبناء معارف جديدة‪ ،‬مما يؤدي بدوره إلى بروز‬
‫مفهوم القطيعة االبستمولوجية أو العائق من خالل الدراسة التاريخية للمفاهيم العلمية‪ ،‬أي إن نمو الفكر‬
‫العلمي ينتج عن صيرورة ال خطية‪ ،‬أي تطبعه عدة منعرجات تتخللها عوائق وقطائع وبهذا فإن ظهور‬
‫نظرية معينة ال يتم إال عن طريق تجاوز هذه العوائق‪.‬‬

‫ثانياً ـــ اإلشكاليات والعوائق االبستمولوجية في علم السياسة‪ :‬ـــ‬


‫يمكن أن نشير في هذه المحاضرة إلى أهم العوائق االبستمولوجية في علم السياسة وهذه العوائق هي‪:‬ـ ـ ـ‬
‫‪( .1‬العائق األول) األيديولوجية ‪ :‬ـ ـ ـ حيث تعرف على إنها مجموعة من المعتقدات واالتجاهات واآلراء التي‬
‫تتشكل مجتمعة‪ ،‬كما تشير إلى األفكار والمعتقدات التي يستخدمها المفكر‪ ،‬إن كلمة فكر إذا اقترنت بوصف‬
‫(الفكر الغربي) فهو جملة اآلراء واألفكار التي يعبر من خاللها الشعب عن اهتماماته وأخالقه ومعتقداته‬
‫المذهبية‪ ،‬وطموحاته السياسية واالجتماعية‪ ،‬أو بمعنى آخر إن الفكر بهذا المعنى هو األيديولوجية‪ ،‬أي إن‬
‫هناك تداخالً بين الفكرة واأليديولوجية في المعتقد باعتبار إن الفكر بوصفه أداة إلنتاج األفكار‪ ،‬واأليديولوجية‬

‫‪6‬‬
‫باعتبارها مجموعة تلك األفكار‪ ،‬فالفكر واأليديولوجية هما العقل الفاعل والعقل السائد‪ ،‬فمن جهة ليس العقل‬
‫السائد (األيديولوجية) شيئاً سوى تلك المبادئ والقواعد التي أنشأها العقل الفاعل وهو الفكر‪.‬‬

‫إن الحديث عن هذا العائق يدفعنا في هذه المحاضرة للحديث عن إشكالية (التحيز) التي تعد من أهم‬
‫اإلشكاليات االبستمولوجية‪ ،‬التي تواجه عملية البحث في علم السياسة‪ ،‬وقد ناقش العديد من المفكرين هذه‬
‫اإلشكالية وأطلق عليها تسويته بـــ(المنظور)‪ ،‬حيث يعرف المنظور على إنه مجموعة من المفاهيم التي‬
‫يستخدمها اإلنسان لالختيار بين مجموعة من البدائل في موضوع ما‪ ،‬وبذلك فإن المنظور يسمح لنا باختيار‬
‫مدركاتنا وتنظيمها وتوجيه أفعالنا‪ ،‬فالمنظور يعني القيم والمعتقدات واالتجاهات التي تتوفر في اإلطار‬
‫الفكري‪ ،‬أو في وجهة نظر الفرد إلى موقف معين‪ ،‬ويتكون من مجموعة مبادئ تؤثر في ما يدركه الشخص‬
‫في تفسيره للظواهر محل الدراسة‪.‬‬

‫وعليه فإن المنظور يعكس تأثير القيم والمعتقدات للباحث على موضوع بحثه‪ ،‬ومن ذلك المنطلق يقول‬
‫(روبرت كوكس) النظرية دائماً لبعض األشخاص ولبعض األغراض‪ ،‬وفي رأيه كل نظرية تمتلك منظو اًر‬
‫خاصاً‪ ،‬والمنظور ينبثق من الوضع المحدد بالزمان والمكان‪ ،‬أو بالتحديد الزمان والمكان االجتماعي‬
‫والسياسي ورؤية العالم يتم من خالل مواقع مختلفة‪ ،‬لذلك النظرية تمثل نفسها فقط‪ ،‬ويجب التعامل معها‬
‫بطريقة نقدية‪.‬‬
‫‪( .2‬العائق الثاني) عائق المنهج أو الطريقة ‪ :‬ـ ـ فالمنهج هو الطريقة التي يعتمدها الباحث للوصول إلى‬
‫هدف منشود‪ ،‬ووظيفته في العلوم االجتماعية هي اكتشاف المبادئ التي تنظم الظواهر االجتماعية والسياسية‪،‬‬
‫وقد شهد المنهج وخاص ًة في القرن السابع عشر تغيرات هامة في طريقة التفكير‪ ،‬من التفكير الفلسفي إلى‬
‫التفكير العلمي القائم على الشك عبر تطوير المناهج من المناهج الفلسفية إلى المناهج العقلية إلى المناهج‬
‫الحسية‪ ،‬فالمعرفة تبدأ بالتجربة الحسية التي تعمل على إثرائها بالمالحظات الدقيقة والتجارب العلمية‪ ،‬ثم‬
‫يأتي دور استخراج النتائج وفق شرطين هما‪:‬ـ ـ ـ‬

‫(الشرط األول)‪ :‬الشرط الذاتي ‪:‬ـ ـ ـ الذي يتمثل في تطهير العقل من كل األحكام السابقة واألخطاء‪.‬‬
‫(الشرط الثاني)‪ :‬الشرط الموضوعي ‪ :‬ـ ـ ـ الذي يتمثل في رد العلوم إلى التجربة وهذا يتطلب معرفة المنهج‬
‫القويم للبحث‪.‬‬
‫حيث شكل المنهج تلك اإلجراءات الذهنية التي تدور بين طرفي عملية المعرفة‪ ،‬ويمكن القول أن هناك‬
‫منهجان رئيسيان لعملية المعرفة‪ ،‬وهما‪ :‬ـ ـ ـ‬
‫‪ .1‬المنهج الفلسفي االستنباطي‪ :‬ويتمثل في مجموعة من العمليات الذهنية التي تدور في العقل‪ ،‬وبعيداً‬
‫عن الواقع‪ ،‬وهذا المنهج تنقصه الموضوعية التي هي ركن أساسي للعلم‪ ،‬وهي التي تعتمد باألساس على‬
‫المناهج الكيفية‪.‬‬
‫‪ .2‬المنهج االختباري االستقرائي‪ :‬وهو منهج استقراء الواقع من خالل المالحظة‪ ،‬وهى تلك الدراسات التي‬
‫انتشرت في الواليات المتحدة األمريكية في مجال الدراسات االجتماعية‪ ،‬خاص ًة مع ظهور المدرسة السلوكية‬

‫‪7‬‬
‫وسميت بالدراسات اإلمبريقة أو االختبارية‪ ،‬أو الدراسات الميدانية‪ ،‬والتي اعتمدت باألساس على المناهج‬
‫الكمية‪ ،‬بمعنى التكميم أي لغة الرمز أو الرقم على غرار المنهج الرياضي واإلحصائي والمسح االجتماعي‪.‬‬

‫وانطالقاً مما سبق فإن االعتماد في المعرفة العلمية على المنهج االستنباطي الفلسفي وحده معناه إدارة‬
‫هذه العملية في داخل عقل الباحث بعيداً عن الواقع‪ ،‬وإن االعتماد في عملية المعرفة على المنهج االستقرائي‬
‫االختباري وحده يقف دون البلوغ بنتائج االختبار إلى مستوى التعميم‪ ،‬وعليه فإن المنهج التجريبي بالنسبة‬
‫للعلوم السياسية هو الذي يجمع في منهجه بين االستقراء واالختبار‪ ،‬وبين االستنباط الذي يعتمد على التدليل‬
‫العقلي‪ ،‬فالمعرفة تعتمد على الجمع بين الحس والعقل أي بين االختبارية والتدليل العقلي‪ ،‬وهو منهج النظرية‬
‫السياسية في عصرنا‪ ،‬فالنظري يبدأ بمالحظة بعض الحاالت في الواقع السياسي المستهدف‪ ،‬ليصور بهذه‬
‫المالحظة فرضاً أولياً‪ ،‬ثم يعرض هذا الفرض على واقع علم السياسة للتحقق من مدى مطابقته له‪ ،‬وذلك‬
‫عن طريق إعادة عرضه على أكبر عدد مستطاع من حاالت نوعه‪ ،‬وهنا نقول إن صحته قد تثبت بالتجربة‪،‬‬
‫ثم يتجه النظري بهذه النتيجة المستقرات من تلك الحاالت المحدودة إلى تعميماً عن طريق عمليات التدليل‬
‫العقلي للبحث االستنباطي منتهياً بها إلى بناء نظري عام وهو النظرية السياسية‪.‬‬

‫ولكن في علم السياسة نجد إن هناك إشكالية تتعلق ب ـ(المنهج) وهي مسألة الموضوعية‪ ،‬وإشكالية التعقيد‬
‫والتعميم‪ ،‬حيث إن (مسألة الموضوعية) في علم السياسة هي قدرة الباحث على الفصل بين الباحث من‬
‫جهة وموضوع بحثه من جهة أخرى‪ ،‬وهي جوهر البحث العلمي‪ ،‬الذي ينطلق من المالحظة بما ال يدع‬
‫مجاالً لوجهات نظر الباحثين الذاتية في شأن وحقيقة هذا الواقع‪ ،‬ومن ثم فإن األحكام التي ينتهي إليها‬
‫الباحث بالمنهج التجريبي هي أحكام موضوعية أو واقعية في مواجهة أحكام ذاتية‪.‬‬
‫أما (إشكالية التعقيد والتعميم) في علم السياسة هي إن التعميم الذي ينتهي إليه أصحاب المنهج التجريبي‬
‫هو تعميم نسبي وليس مطلق‪ ،‬أي تعميم نسبي في مواجهة التعميم المطلق الذي ينتهي إليه أصحاب المنهج‬
‫المثالي‪ ،‬وذلك راجع إلى إشكالية التعقيد والتركيب والحركية في علم السياسة‪ ،‬فالواقع السياسي متغير زماناً‬
‫ومكاناً وطبقاً لطبيعة علم السياسة المتغيرة‪ ،‬وهذا ما نسميه بنسبية الحقائق العلمية في علم السياسة‪.‬‬

‫‪(.3‬العائق الثالث) عائق الموضوع‪:‬ــــ يمكن لنا في هذه المحاضرة أن نحصر عائق الموضوع في علم‬
‫السياسة في إشكاليتين وهما إشكالية تتعلق بعلم السياسة وتدخالت مواضيعه مع العلوم االجتماعية األخرى‪،‬‬
‫وإشكالية تتعلق بالمسار الذي تسلكه المعرفة العلمية في علم السياسة أي بين التراكمية والقطيعة‪.‬‬
‫ـــــ إشكالية علم السياسة وتدخالت مواضيعه مع العلوم االجتماعية األخرى‪:‬ـــــ وحول هذه اإلشكالية يمكن‬
‫(أصحاب‬ ‫لنا في هذه المحاضرة أن نميز بين اتجاهين‪ ،‬اتجاه ضيق مغلق واتجاه مرن منفتح‪ ،‬حيث نجد‬
‫االتجاه الضيق المغلق) ينطلقون من إن قضايا ومشاكل التي تخص داخل علم من العلوم قد ال تخص‬
‫علماً آخر‪ ،‬وبالتالي لكل علم من العلوم االجتماعية موضوعه الخاص‪ ،‬باإلضافة إلى االختالف في النظر‬
‫إلى جوهر المواضيع‪ ،‬وهنا تبرز إشكالية العقالنية‪ ،‬فخصوصية المواضيع في العلوم السياسية وتعقد حركتها‬
‫يجعل من مواضيعها ذات خصوصية في فهمها وتحليلها عن بقية العلوم األخرى‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫أما (أصحاب االتجاه المرن المنفتح) ينطلقون من إن فصل العلوم االجتماعية عن بعضها البعض ال‬
‫يساعد على تقدم المعرفة‪ ،‬فالمشاكل التي تعترض علم من العلوم كثي اًر ما تكون هي نفسها التي تعترض‬
‫علماً آخر‪ ،‬فالعلوم حسب هذا االتجاه خاصة في العلوم االجتماعية متداخلة ومتشابكة‪ ،‬وهناك معارف وعلوم‬
‫مشتركة من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى ال يمكن تكوين صورة كاملة عن القضايا إال من خالل النظر إليها من‬
‫عدة زوايا مختلفة‪.‬‬

‫‪ -‬إشكالية المسار الذي تسلكه المعرفة العلمية في علم السياسة‪:‬ــــ إن المسار الذي تسلكه المعرفة العلمية‬
‫في علم السياسة يقوم على مبدأين‪ ،‬أما مبدأ التراكمية المعرفية في حقل العلوم السياسية‪ ،‬أو مبدأ القطيعة‪،‬‬
‫وهنا انقسم االبستمولوجيين في النظر إلى هذه المشكلة إلى فريقين وهم (أنصار االتصال) أي أصحاب مبدأ‬
‫التراكمية المعرفية في حقل علم السياسة‪ ،‬و(أنصار االنفصال) أي أصحاب مبدأ القطيعة المعرفية في حقل‬
‫علم السياسة‪.‬‬

‫حيث يرى (أنصار االتصال) إن مسار العلم ومنه إلى علم السياسة على إنه صيرورة مستمرة ال انقطاع‬
‫فيها وال انفصال‪ ،‬أي ال يرون إن مسار العلم انقطاع وأزمات وثورات‪ ،‬بل يقولون باستمرار وتطور المعرفة‬
‫العلمية من المعرفة العادية إلى المعرفة العلمية إلى المعرفة العلمية الجديدة‪ ،‬فتاريخ العلم سلسلة متواصلة‬
‫وما التغيير الذي يحدث في العلم إال تغيير تدريجي‪ ،‬فالمعرفة البشرية مرت بثالث مراحل متصلة الهوتية‬
‫ميتافيزيقية وعلمية‪ ،‬كما يرى أنصار هذا االتجاه إن المعرفة العلمية لم تنشأ من العدم بل هي حصيلة تطور‬
‫معارف عامية وخبرات شخصية ذاتية‪ ،‬وهذا هو االتجاه التجديدي في العالقات الدولية‪.‬‬

‫أما (أنصار االنفصال) فهم يؤمنون بمبدأ القطيعة أي قطيعة وانفصال مطلق بين المعرفة العلمية الجديدة‬
‫والمعرفة السابقة‪ ،‬حيث يؤكدون على االنفصال المطلق بين المعرفتين‪ ،‬والذي يفصل بين هذين النمطين‬
‫من المعرفة هي القطيعة االبستمولوجية‪ ،‬فالمعرفة العلمية ليست امتداد للمعرفة العامية‪ ،‬حيث إن لغة العلم‬
‫ومنهاجه معياران أساسيان في حدوث القطيعة االبستمولوجية‪ ،‬فلغة العلم متجددة دائماً إلى حد تصبح لغة‬
‫العلم الجديدة مختلفة عن لغة العلم القديمة‪ ،‬وهذا هو االتجاه اإلنشائي في العالقات الدولية‪.‬‬

‫ـــ قائمة المراجع‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬المراجع العربية‪:‬‬
‫‪ .1‬محمد نصر مهنا‪ ،‬منال أبو زيد الشهابي‪ ،‬في النظرية السياسية والفلسفة السياسية‪ ،‬مركز اإلسكندرية‬
‫للكتاب‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪.2009 ،‬‬
‫‪ .2‬غانم محمد صالح‪ ،‬الفكر السياسي القديم والوسيط‪ ،‬جامعة الموصل‪ ،‬دار الكتب للطباعة والنشر‪،‬‬
‫العراق‪.2001 ،‬‬
‫‪ .3‬محمد محمود ربيع‪ ،‬النظرية السياسية في موسوعة العلوم السياسية‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬الكويت‪.1994 ،‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ .4‬حسن صعب‪ ،‬علم السياسة‪ ،‬ط‪ ،8‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.1985 ،‬‬
‫‪.5‬اسماعيل صبري مقلد‪ ،‬نظريات السياسة الدولية‪ ،‬منشورات ذات السالسل‪ ،‬الكويت‪.1987 ،‬‬
‫‪ .6‬عبدالوهاب الكيالي‪ ،‬موسوعة السياسة‪ ،‬ط‪ ، 3‬الموسوعة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪.1995‬‬
‫‪ .7‬نصر محمد عارف‪ ،‬إبستمولوجيا السياسة المقارنة‪(،‬النموذج المعرفي النظرية والمنهج)‪ ،‬المؤسسة‬
‫الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪. 2002 ،‬‬
‫‪ . 8‬الحسان أبو قنطار‪ ،‬وعبدالوهاب معلمي‪ ،‬العالقات الدولية‪ :‬مفاهيم وإرشادات منهجية‪ ،‬دار توبقال‬
‫للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪.1985 ،‬‬
‫‪ .9‬ماهر عبدالقادر محمد‪ ،‬فلسفة العلوم (قراءات عربية)‪ ،‬سلسلة قضايا الفكر العربي المعاصر‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.1997 ،‬‬

‫‪10‬‬

You might also like