Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 13

‫اللغة العربية‬

‫أثبت التاريخ أن اللغة العربية قادرة على التكيف مع الحض ارات الس ابقة‬
‫والمعاصرة لتفي د منه ا م ا يمّك ن أبناءه ا من المش اركة في البن اء العلمي‬
‫والحضاري‪ ،‬وال ريب في ذلك فهي نداء ال وحي من الس ماء إلى رس ولنا‬
‫الك ريم ولغت ه المحبوب ة وم يراث النب وة‪ ،‬به ا كتب المس لمون ت اريخهم‬
‫وأمج ادهم ومؤلف اتهم وموس وعاتهم في كاف ة فن ون العل وم‪ ،‬فأب دعوا في‬
‫مجال تفسير القرآن وعلومه والفقه وأصوله‪ ،‬والحديث ومناهجه‪.‬‬
‫وقد أثبتت التجارب الميدانية والبحوث التجريبية التي قام بها المختص ون‬
‫أن استيعاب الطالب للمواد العلمية التي تدرس باللغة العربية أعلى بكث ير‬
‫من المواد ذاتها حينما تدرس باللغة األجنبية‪.‬‬

‫والن اظر في ع الم الي وم يج ده يعيش ت دافًعا لغوًي ا بين ال دول في ظ ل‬


‫العولم ة؛ إذ يح اول أص حاب ك ل لغ ة أن يك ون لهم س بق التق دم العلمي‬
‫وتصديره لآلخرين عن طريق لغته التي يسعى إلى نش رها بكاف ة الس بل‪،‬‬
‫وش تى الط رق‪ ،‬لكن واق ع اللغ ة العربي ة الي وم ال ُيظه ر بش كل حقيقي‬
‫االهتمام الكافي بها‪ ..‬ذلك ما أك ده اللق اء الت الي م ع د‪ .‬محم د عب دالرحيم‬
‫الزي ني ‪ -‬أس تاذ الفلس فة بكلي ة العل وم الش رعية‪ .‬ود‪ .‬س ليمان بن س يف‬
‫الغتامي – األستاذ المساعد بقسم المناهج والتدريس بكلية التربية‪ ،‬جامع ة‬
‫السلطان قابوس‪.‬‬

‫بداية يحدثنا د‪ .‬محمد عب دالرحيم الزي ني عن واق ع اللغ ة العربي ة وكيفي ة‬


‫المحافظة عليها وحمايتها في ظل الغزو االلكتروني حيث يق ول‪ :‬ال غ رو‬
‫أن نعود للحديث عن اللغة العربية مرة أخ رى وعن دوره ا المش هود في‬
‫حياتنا اليومية والعلمية‪ ،‬فهي نداء ال وحي من الس ماء إلى رس ولنا الك ريم‬
‫ولغت ه المحبوب ة وم يراث النب وة‪َ( ،‬و ِإَّن ُه َلَت ْن ِز ي ُل َر ِّب اْلَع اَلِميَن ‪َ ،‬ن َز َل ِب ِه‬
‫ال ُّر وُح اَأْلِميُن ‪َ ،‬ع َلى َقْلِب َك ِلَت ُك وَن ِمَن اْلُم ْن ِذ ِر يَن ‪ِ ،‬بِلَس اٍن َع َر ِبٍّي ُم ِبيٍن )‪،‬‬
‫والعم ود الراف ع لخيم ة العروب ة والش ارة األساس ية لهويتن ا الثقافي ة‬
‫وشخص يتنا الحض ارية وحوارن ا المتواص ل وتواص لنا الي ومي‪ ،‬والك نز‬
‫المباح للجمي ع ال ذي يت دفق فن ا وعلًم ا وأدًب ا وش عًر ا ومج ًد ا وحض ارًة‪،‬‬
‫والرابطة العضوية التي تجمعنا وتوحد كلمتنا وتلملم شملنا وتم يز هويتن ا‬
‫وتصهر آمالنا وطموحاتنا في بوتقة واحدة وصعيد واحد وعاَلم واحد‪.‬‬

‫به ذه اللغ ة العبقري ة كتب المس لمون ت اريخهم وأمج ادهم ومؤلف اتهم‬
‫وموس وعاتهم في كاف ة فن ون العل وم‪ ،‬فأب دعوا في مج ال تفس ير الق رآن‬
‫وعلومه والفقه وأص وله‪ ،‬والح ديث ومناهج ه في الج رح والتع ديل وعلم‬
‫الكالم والتاريخ والجغرافيا والمنطق والفلسفة وغيره ا من عل وم األوائ ل‬
‫التي دخلت حياتنا مع ص عود نجم الدول ة األموي ة وازده ار العباس ية في‬
‫طورها األول؛ ونعني الفل ك والكيمي اء والرياض يات والموس يقى‪ .‬وغ ني‬
‫عن البي ان أن وف ود العلم اء من األجن اس األخ رى غ ير العربي ة ال ذين‬
‫اعتنق وا اإلس الم عن اقتن اع وفهم ومحب ة‪ ،‬عش قوا اللغ ة العربي ة ف انكبوا‬
‫يدرسون مفرداتها وجمله ا وأس لوبها نثره ا وش عرها ويحفظ ون قرآنه ا‪،‬‬
‫وكان منهم المفسر والنحوي واللغوي واألديب والمتكلم والفيلس وف‪ ،‬كم ا‬
‫نرى عند سبيويه والثعالبي والزجاج والف راء وأبي س ليمان السجس تاني (‬
‫‪ 391‬هـ) وتلميذه التوحيدي (‪ 404‬هـ) فيلسوف األدباء وأديب الفالس فة‪،‬‬
‫والف ارابي (‪ 339‬هـ) وابن س ينا (‪ 428‬هـ) والشهرس تاني (‪ 548‬هـ)‬
‫وفخ ر ال دين ال رازي (ت ‪ 606‬هـ) وغ يرهم من ال ذين أب دعوا في ه ذا‬
‫الميدان؛ حتى قال الزمخشري (‪ 538‬هـ) ألن أهج و بالعربي ة أفض ل لي‬
‫من أن أمدح بالفارسية‪.‬‬

‫وأوض ح أن الهجم ة العلمي ة المعاص رة ال تي تمثلت في وس ائل اإلعالم‬


‫الحديث ة ال يس تطيع أن ينكره ا أح د وق د تمثلت في نش ر اللغ ة العربي ة‬
‫وفنونها من القصة والش عر والمس رحية والمق االت األدبي ة‪ ،‬ونش ر اللغ ة‬
‫العربية الفصيحة في اآلفاق‪ ،‬وكم ا ه و واق ع الحي اة وجدلي ة المجتمع ات‬
‫وحركة الوجود التي تجمع بين القضية ونقيضها لذلك كانت س لبيات ه ذه‬
‫الوسائل وخيمة على اللغة العربية في بعض أقطارنا العربية على تف اوت‬
‫بطبيعة الحال‪ ،‬إذ لم تل تزم جميعه ا «باللغ ة العربي ة الفص حى» وراحت‬
‫تخاطب المواطن العربي باللغة المحلية والعامية التي تشتهر بها كل دول ة‬
‫مم ا أس هم في تراجعه ا عن الص دارة‪ ،‬وانتش ار العامي ة بين المواط نين‬
‫وربما ساعدت المسلسالت واألفالم على مزيد من هذا التدهور المخي ف‪،‬‬
‫على الرغم من حرص كثير من الدول على رفع شأن هذه اللغة العبقرية‪.‬‬

‫وأض اف‪ :‬ثم ج اءت خط وة ابتك ار «الحواس يب» المذهل ة ال تي تع د من‬


‫أفض ل وأحس ن االختراع ات في الق رن العش رين بال من ازع‪ ،‬وال أح د‬
‫يجادل في الطفرة العلمية ال تي أح دثتها‪ ،‬إذ وف رت على الب احثين ال وقت‬
‫والجه د في الكتاب ة واإلنش اء وس هلت عملي ة الطباع ة ونق ل األفك ار‬
‫والمعارف العربية إلى اآلفاق وطوت المسافات والمساحات بين الب احثين‬
‫والمؤلفين والمفكرين‪ .‬وفي ضوء ذل ك ك انت له ذه الحواس يب خطورته ا‬
‫على تعلم اللغ ة العربي ة وإهانته ا‪ ،‬حيث ب دأ األطف ال في بعض ال دول‬
‫يتعلمون الكتابة عليها «باللغة اإلنجليزية» مباش رة قب ل أن يت دربوا على‬
‫قراءة األبجدية‪ ،‬ويتعرف وا «األل ف ب اء» ويتمرس وا على نط ق حروفه ا‬
‫وحفظها وكتابته ا‪ ،‬وال ش ك أن ه ذه كارث ة على الجي ل الق ادم‪ .‬ونس ارع‬
‫فنقول لسنا ضد تعلم اللغة اإلنجليزية التي أصبحت لغ ة عالمي ة‪ ،‬وع ابرة‬
‫للقارات‪ ،‬ولكن ننبه على خطورة تعلم أطفالن ا له ا قب ل أن يتمرس وا على‬
‫لغتهم األصلية‪ ،‬ويستوعبوا قواعدها ويتمرن وا على أس لوبها والنط ق به ا‬
‫أوال وأخيرا‪ ،‬والتي هي المحدد األول لهويتهم وأبعاد شخصيتهم والوع اء‬
‫الثري والينبوع الدّفاق لعلومنا وتراثنا الحضاري‪.‬‬

‫وأشار قائال‪ :‬ومن المعل وم أن في بعض ال دول األجنبي ة ومنه ا فرنس ا ال‬
‫يس محون للطف ل بتعلم أي لغ ة أخ رى قب ل س ن السادس ة وإتق ان اللغ ة‬
‫الفرنس ية ق راءة وكتاب ة‪ ،‬ولعلن ا ن رى أن رؤس اء فرنس ا ال يتكلم ون في‬
‫المنت ديات الدولي ة والم ؤتمرات إال باللغ ة الفرنس ية على ال رغم من أنهم‬
‫يجيدون اللغة اإلنجليزية‪ ،‬وهذا دلي ل على اع تزازهم بلغتهم واإلعالء من‬
‫شأن الثقافة الفرنسية‪ .‬فنود أن ننبه إلى ضرورة العودة إلى الينابيع الثري ة‬
‫من لغتن ا‪ ،‬واالغ تراف منه ا‪ ،‬والعك وف على قراءته ا أدب ا وعلم ا وفن ا‬
‫ونشرها في اآلفاق‪ ،‬ومنع البرامج التي تقدم بالعامية واألزجال والمواويل‬
‫وكذلك الشعر المرسل الغامض الذي ال يقدم معنا مفهوما وال ذخيرة أدبية‬
‫عن جمي ع من ابر الص حافة واإلعالم‪ .‬ومن جه ة أخ رى تس تطيع أجه زة‬
‫اإلعالم من خالل برامجها الهادفة تقديم دروس في اللغة العربية وتبس يط‬
‫قواعدها وتيسير فهم علم النحو بطريقة سهلة تناسب عقلية المستمعين‪.‬‬

‫وأضاف قائال‪ :‬كذلك من الواجب األخالقي والضمير العلمي نقل الن دوات‬
‫األدبية والم ؤتمرات األكاديمي ة وإذاع ة الح وارات اللغوي ة ال تي يعق دها‬
‫جهابذة اللغة ومناقشة القضايا الدينية واالجتماعية وإذاعته ا في الجمه ور‬
‫لالرتقاء بلغتن ا الخال دة‪ .‬وعلين ا إحي اء األدب الع ربي وتقريب ه من عقلي ة‬
‫الشباب المعاصر وغرسه في وج دانهم وتش جيع الش عراء المجي دين على‬
‫نشر أعمالهم وإذاعته في كل ناد‪ ،‬وكذلك القصاصين الذين يكتبون باللغ ة‬
‫الفصحى مع قيام النقاد بالتحليل والشرح واس تخراج المض امين السياس ية‬
‫والدينية واألخالقية من هذه األعمال‪ .‬وم ع تق ديرنا لمجامعن ا العربي ة في‬
‫دولن ا العربي ة وكفاحه ا المجي د في ترس يخ أهمي ة اللغ ة واالع تزاز به ا‬
‫والفخر بأدبها وتراثه ا وتثمين دوره ا المش هود في الحف اظ على العربي ة‬
‫واالرتق اء به ا والمنافح ة عنه ا‪ ،‬م ازال عليه ا مهم ة ك برى في مواكب ة‬
‫مفردات الحضارة‪ ،‬وإيجاد البدائل للمصطلحات األجنبية التي تنهال علين ا‬
‫من كل حدب وصوب وإشاعتها في المجتمع وكذلك أسماء األجه زة ال تي‬
‫تدفع بها المصانع يوميا‪ ،‬وعلى أجهزة اإلعالم ترويج هذه المص طلحات‪،‬‬
‫وجعل العربية لغة التدريس للعلوم الحديث ة وفرض ها في الكلي ات العلمي ة‬
‫(الطب والهندس ة والص يدلة) بحيث تص بح س يدة اللغ ات‪ ،‬الس يما وأن‬
‫التجارب الميدانية والبحوث التجريبية التي قام بها المختص ون أثبتت ب أن‬
‫استيعاب الطالب للمواد العلمي ة ال تي ت درس باللغ ة العربي ة أعلى بكث ير‬
‫ج دا من الم واد ذاته ا حينم ا ت درس باللغ ة األجنبي ة‪ .‬وق د ُك تب في ه ذا‬
‫المجال بحوث متعددة تطالب بتدريس هذه المقررات باللغ ة العربي ة‪ ،‬وال‬
‫شك أن هذا األمر يحتاج إلى إرادة سياسية وجهود أكاديمية‪.‬‬

‫وأك د الزي ني أن على معلمي اللغ ة العربي ة في كاف ة الم دارس وأس اتذة‬
‫الجامعات دوًر ا حضارًيا ومهًم ا للغاي ة في تح بيب اللغ ة العربي ة لعق ول‬
‫أبنائن ا الطالب من خالل انتق اء نص وص أدبي ة مش وقة للطالب س واء‬
‫أكانت للحفظ أو للدراسة وتقديم السيرة الشخص ية لجمه رة أدب اء العربي ة‬
‫الفطاحل‪ ،‬ودورهم في الحفاظ على العربي ة‪ ،‬م ع ض رورة تبس يط قواع د‬
‫النح و لنفوس هم ح تى يتع ودوا على الق راءة الص حيحة واإلقب ال عليه ا‬
‫بش غف‪ .‬وش رح ه ذه المعلوم ات من خالل اس تعمال وس ائل اإليض اح‬
‫الحديث ة (الس بورة الذكي ة‪ ،‬رس م الخرائ ط للقواع د‪ ،‬ض رب األمثل ة‬
‫التوضيحية)‪ .‬كما أنه من الواجب الجهات المعني ة في دولن ا العربي ة من ع‬
‫وج ود الفت ات على المحالت باللغ ة األجنبي ة‪ ،‬إذ من الالفت للنظ ر في‬
‫بعض دولن ا العربي ة أن بعض أص حاب المحالت والش ركات أص بحوا‬
‫يكتبون أسماء محالتهم باللغ ات األجنبي ة (اإلنجليزي ة والفرنس ية)‪ ،‬وه ذا‬
‫ش يء مؤس ف حقيقي ح تى يختل ط علي ك األم ر أنت في بل د ع ربي أم‬
‫أجن بي!!‪ ،‬وك ذلك وج ود أخط اء فاض حة في كتاب ة ه ذه الالفت ات دون‬
‫مراعاة أبسط قواعد اللغة العربية؛ فالمذكر يؤنث‪ ،‬والمؤنث يذكر وهك ذا‪،‬‬
‫ألننا أوال يجب أن نعتز بلغتنا ونفتخر بها فهي لغة قرآننا وإسالمنا‪ ،‬وثانيا‬
‫نحن عرب وهي عنوان شخصيتنا ومهاد حضارتنا‪.‬‬

‫من جهته قال د‪ .‬سليمان بن سيف الغتامي ‪-‬األستاذ المساعد بقسم المناهج‬
‫والتدريس بكلية التربية‪ -‬جامعة السلطان قابوس في استهالل حديثه أتذكر‬
‫قول المتنبي‪:‬‬

‫عيٌد ِبَأَّيِة حاٍل ُعدَت يا عيُد‬

‫ِبما َم ضى َأم ِبَأمٍر فيَك َت جديُد !‬

‫في ضوء هذا البيت الذي قاله المتنبي منذ مئات السنين‪ ،‬نعيش هذه األي ام‬
‫«اليوم العالمي للغة العربية» الذي يصادف ‪ 18‬من ديسمبر من كل عام‪،‬‬
‫فمما ال شّك فيه أن اللغة العربية األداة الرئيس ة ال تي يتخ اطب به ا أبن اء‬
‫المجتمع العربي‪ ،‬األمر ال ذي يمّك نهم من التف اهم والتفك ير ألج ل اإلب داع‬
‫وال رقي‪ ،‬وك ان للع رب بفض لها فض ل على األمم األخ رى في علومه ا‪،‬‬
‫وعلى أساسها كان ُينظر إلى األمة العربي ة على أنه ا من ارة ُيهت دى به ا‪.‬‬
‫ولقد أثبت التاريخ أن اللغ ة العربي ة ق ادرة على التكي ف م ع الحض ارات‬
‫السابقة والمعاصرة لتفي د منه ا م ا يمّك ن أبناءه ا من المش اركة في البن اء‬
‫العلمي والحضاري؛ وذلك بما تتميز به من مقومات لغوي ة مختلف ة‪ .‬إذن‪،‬‬
‫أليس من ح ق ه ذه اللغ ة ال تي حملت مش عل الحض ارة‪ ،‬وس ايرت‬
‫الحضارات التي باد كثير منها وهي صامدة ش امخة أن تك ون في مقدم ة‬
‫أولوي ات األم ة العربي ة؟ وبالت الي من حقه ا أن نحتفي به ا لتواص ل‬
‫مس يرتها؟! أم حقه ا أن ننس اها ونهجره ا‪ ،‬ونع تز بغيره ا من اللغ ات‬
‫لعرض زائل‪.‬‬

‫وأوضح أن الناظر في عالم اليوم يجده يعيش ت دافًعا لغوًي ا بين ال دول في‬
‫ظل العولمة؛ إذ يحاول أصحاب كل لغة أن يكون لهم س بق التق دم العلمي‬
‫وتصديره لآلخرين عن طريق لغته التي يسعى إلى نش رها بكاف ة الس بل‪،‬‬
‫وشتى الطرق‪ ،‬فق د يك ون ع بر معاه د تعليم اللغ ات المنتش رة في ال دول‬
‫المختلف ة‪ ،‬أو ع بر وس ائل اإلعالم من خالل ال برامج الجاذب ة بش تى‬
‫أنواعه ا‪ ،‬أو ع بر م ا تقدم ه تل ك ال دول من منح دراس ية للدارس ين في‬
‫جامعاته ا‪ ،‬أو ع بر الق وة االقتص ادية وم ا تحمل ه بض ائعها االس تهالكية‬
‫بأنواعها من دعايا للغاتها‪ .‬مؤكدا أن هذا التدافع اللغوي كفيل ب أن يط رح‬
‫تساؤالت مهمة‪ ،‬وهي‪ :‬ه ل أص بحت اللغ ة العربي ة ع اجزة عن المض ي‬
‫ق دًما في مواكب ة تط ورات ه ذا العص ر‪ ،‬والوق وف في مص اف اللغ ات‬
‫العالمية؟ وهل يناضل العرب كغيرهم من أجل نشر لغتهم؟ وه ل الجه ود‬
‫المبذولة حالًيا على المستوى السياسي واالقتصادي واالجتم اعي وغيره ا‬
‫تكفي لنصرة اللغة العربية‪ ،‬وإظهاره ا للع الم في ظ ل تزاي د رغب ة غ ير‬
‫العرب لتعلم اللغة العربية‪ ،‬وفي وقت وجود العديد من الجامعات األجنبية‬
‫التي ت دّر س اللغ ة العربي ة في أقس امها؟ إّن اإلجاب ة بنعم يحق ق االحتف اء‬
‫باللغة العربية‪ ،‬بينما اإلجابة بال تعني الترحم عليها‪.‬‬

‫وأشار إلى أن واق ع اللغ ة العربي ة المعيش يومًي ا ال ُيظه ر بش كل حقيقي‬


‫االهتم ام الك افي به ا‪ ،‬ب ل نج ده يحكي الكث ير من تهميش ها‪ ،‬والعدي د من‬
‫صور التقليل من شأنها‪ ،‬وهناك أدلة واقعية على ه ذا‪ ،‬فق د حض رُت من ذ‬
‫فترة وجيزة خالل ه ذا الش هر ملتقى علمًي ا وطنًي ا في الس لطنة‪ ،‬وه الني‬
‫ضعف حضور اللغة العربية فيه؛ إذ كانت معظم الكتابات حتى اإلرشادية‬
‫إلى مكان الملتقى بلغة أجنبي ة‪ ،‬وفي أثن اء الملتقى أب دى لي أح د األس اتذة‬
‫األكاديميين المقيمين في السلطنة انزعاجه من غياب اللغة العربي ة‪ ،‬وأّك د‬
‫على أهمية إظهارها في مثل هذه المحافل بجانب اللغة األجنبية ‪-‬إن كانت‬
‫ضرورية‪ -‬لما لها من دور في إبراز هوية الدولة‪.‬‬

‫وق ال‪ :‬ومن منطل ق ت أمين الحاج ات األساس ية في الحي اة‪ ،‬تس عى ال دول‬
‫العربية كغيرها إلى تأمين األمن الغذائي لسكانها‪ ،‬وحماية المستهلكين من‬
‫الغش في البضائع‪ ،‬عبر إنشاء مؤسسات متخصصة تق وم به ذه الوظيف ة‪،‬‬
‫وتنفق األموال الطائل ة لتحقي ق األمن في أراض يها‪ ،‬وتبحث عن مص ادر‬
‫متنوعة لتحسين دخلها‪ ،‬ولكنه ا في ال وقت نفس ه نس يت أّن اللغ ة العربي ة‬
‫هي اقتص اد في ح ّد ذاته ا‪ ،‬وث روة وطني ة ينبغي ع دم تجاهله ا‪ ،‬فاللغ ة‬
‫اإلنجليزية مثال ُتنَفق األم وال الطائل ة لتعلمه ا في ش تى أرج اء األرض‪،‬‬
‫وبهذا شكلت رافدا اقتصاديا ألهلها‪ ،‬في حين أن اللغة العربية باتت تع اني‬
‫اإلهم ال في من احي الحي اة المختلف ة‪ ،‬وأوجهه ا المتع ددة‪ ،‬ففي الل وائح‬
‫التجارية على سبيل المثال ال نرى إال لغة مهجنة ُمغَّر بة يحكم من خالله ا‬
‫السائح األجنبي أننا بال هوية‪ ،‬بل َت بع لغيرن ا‪ ،‬وفي ه ذا المق ام استحض ر‬
‫قول مصطفى ص ادق ال رافعي في كتاب ه (وحي القلم‪ )2003 ،‬عن ح ال‬
‫اللغة األم عندما يحافظ عليه ا أبناؤه ا‪ ،‬أو يهملونه ا‪ ،‬فه و ي رى في اللغ ة‬
‫أنها تجعل المتحدث بها «س يد أم ره‪ ،‬ومحق ق وج وده‪ ،‬ومس تعمل قوت ه‪،‬‬
‫واآلخذ بحقه‪ ،‬فأما إذا كان من ه ال تراخي واإلهم ال وت رك اللغ ة للطبيع ة‬
‫الس وقية‪ ،‬وإص غار أمره ا‪ ،‬وته وين خطره ا‪ ،‬وإيث ار غيره ا ب الحب‬
‫واإلكبار؛ فهذا شعب خادم ال مخدوم‪ ،‬تابع ال متبوع‪ ،‬ضعيف عن تكاليف‬
‫الس يادة‪ ،‬ال يطي ق أن يحم ل عظم ة ميراث ه»‪ .‬ويؤك د ه ذا المع نى عب د‬
‫العزي ز الت ويجري في كتاب ه (مس تقبل اللغ ة العربي ة‪ )2004 ،‬بقول ه‪:‬‬
‫«التفكير في مستقبل اللغة العربية قضية بالغة األهمي ة في الفك ر الع ربي‬
‫اإلسالمي المعاصر‪ ،‬لها صلة وثيقة بسيادة األمة العربي ة اإلس المية على‬
‫ثقافته ا وفكره ا‪ ،‬وعلى كيانه ا الحض اري‪ ،‬وعلى حاض رها ومس تقبلها‪.‬‬
‫فهذه (قضية سيادة) بالمعنى الشامل‪ ،‬وليست مج رد قض ية لغوي ة وأدبي ة‬
‫وثقافية»‪.‬‬

‫وأض اف‪ :‬ومن أمثل ة إهم ال اللغ ة العربي ة على أرض الواق ع أيًض ا م ا‬
‫نش اهده في األلع اب اإللكتروني ة ال تي يهواه ا األبن اء وهي منتش رة في‬
‫المحالت التجارية الكبيرة‪ ،‬إذ ُت كتب تعليماتها بلغة أجنبية ال يفهمه ا كث ير‬
‫من المغ رمين به ذه األلع اب المس بوقة ال دفع‪ ،‬فهي به ذا تمّث ل في بعض‬
‫األحيان خس ارة لمس تخدميها؛ نظ را لع دم فهمهم ق انون اللعب ة‪ ،‬وبالت الي‬
‫يذهب الوقت المخص ص لممارس ها‪ ،‬وت ذهب النق ود دون إكم ال اللعب ة‪،‬‬
‫والحال نفسه ينطبق على األدلة اإلرشادية لآلالت واألجهزة المختلفة‪ ،‬فقد‬
‫تتعطل نتيج ة س وء االس تخدام؛ لع دم ق راءة المس تهلك ال دليل اإلرش ادي‬
‫كونه مكتوًبا بغ ير اللغ ة العربي ة‪ ،‬وقس على ذل ك األدوي ة ال تي يتناوله ا‬
‫المريض‪ ،‬فقد ال يعي مضارها عندما ال تكون بلغة مس تخدمها‪ ،‬مم ا ينتج‬
‫عنه مشاكل صحية أخرى‪ .‬واألدهى واألمّر أن إهمال اللغة العربية يظهر‬
‫لدى أصحاب المسؤوليات في قطاعات العمل المختلف ة من خالل تع املهم‬
‫باللغ ة اإلنجليزي ة في مراس التهم‪ ،‬ب ل وص ل األم ر إلى أن يجتم ع ممن‬
‫ينطقون العربية في اجتماع ما‪ ،‬فيتحدثون بلغة أجنبية دون أن يكون بينهم‬
‫أجن بي واح د‪ ،‬ناهي ك عن الكلم ات ال تي يتلوه ا بعض كب ار المس ؤولين‬
‫الع رب في المحاف ل الدولي ة‪ ،‬فهم يلقونه ا بلغ ة أجنبي ة خش ية التقلي ل من‬
‫شأنهم‪ ،‬في حين يستخدم المسؤولون اآلخرون غ ير الع رب في مث ل ه ذه‬
‫المحافل لغتهم األم اعتزاًز ا بها‪ .‬وقد طال إهمال اللغة العربية أسماء جي ل‬
‫هذا الي وم من الب نين والبن ات؛ إذ بتن ا نس مع أس ماء ليس له ا مع نى‪ ،‬ب ل‬
‫بعضها م ركب من كلم ات غ ير مفهوم ة‪ ،‬وبعض ها مس توحى من لغ ات‬
‫أخرى‪ ،‬مما أفقد األسماء جمالها وروحه ا‪ ،‬وأبع دها في ال وقت نفس ه عن‬
‫هوية المجتمع‪ ،‬ناهي ك عن لغ ة التعليم في كث ير من المؤسس ات‪ ،‬فال هي‬
‫بلغة عربية س ليمة ُتعين على تق ويم اللس ان‪ ،‬ويحص ل على أساس ها الفهم‬
‫واإلفهام‪ ،‬وال بلغ ة أجنبي ة ص حيحة‪ ،‬فيبقى المتعلم تائًه ا بينهم ا بش كل ال‬
‫ُيسعفه الوضع على استيعاب العلوم‪ ،‬وال اإلبداع فيها‪.‬‬

‫وأوضح ان الضعف اللغوي ل دى الطلب ة يظ ل منش أ انخف اض مس تواهم‬


‫الدراسي في مراحل التعليم المختلفة‪ ،‬ونتيجة لهذا‪ ،‬وصل األمر بكثير من‬
‫الطلب ة إلى اعتم ادهم في أداء أنش طتهم الدراس ية الكتابي ة على ش بكة‬
‫المعلوم ات دون ق درتهم على اكتش اف األخط اء ال تي ت رد فيم ا ينقلون ه‬
‫وإص الحها‪ ،‬أو إع ادة ص ياغته بأس لوبهم‪ ،‬ويتأص ل ه ذا الض عف ل دى‬
‫الط الب عن دما يالقي ض عًفا من معلم اللغ ة العربي ة نفس ه‪ ،‬وك ذا ب اقي‬
‫المعلمين؛ ففاقد الشيء ال يعطيه‪ ،‬والنتيجة الحتمية هي ترّس خ فك رة ل دى‬
‫المتعلمين أن اللغة العربية ص عبة‪ ،‬ويت درج ه ذا إلى النف ور من تعلمه ا؛‬
‫فاإلنس ان ع دو م ا يجه ل‪ ،‬وبالت الي ض عف في فهم العل وم وفي مق دمتها‬
‫علوم ال دين وتعاليم ه‪ ،‬وس يادة الجه ل ب ه‪ ،‬بش كل ينس حب على األخالق‬
‫والقيم‪ .‬فعن دما يك ون ح ال اللغ ة العربي ة به ذه الش اكلة فهي أق رب إلى‬
‫الترحم عليها‪.‬‬

‫واختتم الغتامي حديثه قائال‪ :‬أملي أن يكون االحتف اء باللغ ة العربي ة يتس م‬
‫بالمس ؤولية المجتمعي ة والمؤسس ية في الحف اظ على اللغ ة‪ ،‬واح ترام‬
‫الدستور الذي تؤمن به الدول العربية الذي ينص على «أن اللغ ة العربي ة‬
‫هي اللغ ة الرس مية له ا» من خالل تحويل ه واقًع ا معيًش ا ينبض بالحي اة‪،‬‬
‫ومحاسبة المتجاوزين لهذا الدستور‪ ،‬والمتعالين عليه‪.‬‬
‫‪/https://www.omandaily.om‬إشراقات‪/‬اللغة‪-‬العربية‪-‬قادرة‪-‬على‪-‬‬
‫التكّيف‪-‬مع‪-‬الح‬

‫اللغة أَدُّل العالمات على اجتماعي ة اإلنس ان؛ فهي وس يلته في االجتم اع والتواص ل والتف اهم‬
‫والعيش المشترك‪ .‬واللغ ة ممارس ٌة اجتماعي ة يومي ة‪ ،‬تحتض ن ُم ْج م ل الُم ْنَج ز اإلنس اني في‬
‫الفكر والثقاف ة والمعتقد والحض ارة‪ ،‬وهي كلم ة الم رور إلى َع ْق ل الف رد وحص يلة المنجز‬
‫الحضاري للمجتمع‪.‬‬

‫وما تزال هذه الفكرة رائدة وسائدة في العلوم المعاصرة كِّلها بدًء ا باإلنسانيات وانتهاًء بالعلوم‬
‫الطبية والهندسية المعَّقدة‪ .‬وإذا كانت هذه الفكرة تنطبق على اللغة في مجتمعها فإنها قد ب دأت‬
‫تتجاوزه ا لتنطب ق على اللغ ات األجنبي ة؛ ذل ك أّن التح والِت االجتماعي َة والسياس َّية ال تي‬
‫أصابت المجتمعاِت المعاصرَة ق د خلقت أنواًع ا جدي دة من المجتمع ات المختلط ة والمتع ددة‬
‫ثقافًيا وسياس ًيا ودينًي ا‪ .‬ثم إن وس ائل التواص ل االجتم اعي المتع ددة َقَّص رت المس افات بين‬
‫الدول واألفراد‪ ،‬وجعلت العالم قريًة صغيرًة‪.‬‬

‫ومهما تعددت األهداف والغايات والمنطلقات من تعُّلم لغة اآلخ ر فال ش ك في أن الرغب ة في‬
‫َفْهم اآلخر ومعرفة كيف ُيَفِّك ر وكيف يمكن َتَفُّهمه والتح اور مع ه ك انت حاض رًة دائًم ا ل دى‬
‫أصحاب القرار‪.‬‬

‫وال يختل ف الح ال كث يًرا في اللس انيات التطبيقي ة وتعليم اللغ ة األجنبي ة؛ فقد ك ان الجانب‬
‫االجتم اعي حاض ًر ا في التجلي ات النظري ة والتطبيقي ة لتعليم اللغ ات؛ فقد ك انت رؤى «دل‬
‫هايمز» في الكفاية التواصلية وما تنطوي عليه من كفاي ات تثاقفي ة ولس انية اجتماعي ة نقط ة‬
‫االنطالق في تحقي ق اجتماعي ة تعُّلم اللغ ة حين جعلت ه دفها ال رئيس إق دار المتعلمين على‬
‫استعمال اللغة استعماًال ُيضاهي اس تعمال الناطقين األص الء‪ ،‬وممارس ة الحي اة االجتماعي ة‬
‫بتلك اللغة على ُم قتضى أعراف مجتمعها الناطق بها‪.‬‬

‫وكانت الدوافع االندماجية حقًال فرعًّيا من حقول دراس ة الف روق الفردي ة ل دى متعلمي اللغ ة‬
‫الثانية‪ ،‬تلك الفروق التي ُتْس ِهُم في تفُّو ق متعلم على آخر؛ فقد وجد الب احثون أن رغب ة المتعلم‬
‫في االندماج في مجتمع اللغة ومحاولته تَم ُّثل نظامه ا الثقافي والت داولي تمثالن ع امًال ُم هًّم ا‬
‫ومحِّفًز ا قوًّيا وُم سهًم ا فاعًال في تنمية كفايته اللغوية والتداولية باللغ ة اله دف‪ُ .‬ثَّم ك انت ث ورة‬
‫الشابكة َم دخًال عريًض ا لزيادة رغبة المجتمعات في التفاهم والتعارف والتقارب‪ ،‬والسيما م ع‬
‫بروز التيارات المتطرفة والمغالية في جميع أنحاء العالم‪ ،‬وم ا ت رَّتب على ذل ك من رغب ات‬
‫أكيدة لدى المجتمعات في مزيد من التواصل تحقيًقا لهدفين‪:‬‬

‫األول‪ :‬الرغبة األكيدة في تقديم صورة حقيقية وواقعية غير مشَّو هة للدين والثقافة والمعرفة‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬الرغبة العارمة في االنفتاح على اآلخر ومّد جسور التواصل للتعرف على الص ورة‬
‫الحقيقية لتلك المجتمعات ومنطوياتها الثقافية والدينية‪.‬‬

‫وظاهر لنا أنهما رغبتان متضافرتان‪ ،‬تجسدان مسعًى أكيًدا للتفاهم والتصالح والتقارب‪.‬‬

‫وقد أدرك القائمون على برامج تعليم اللغة العربية في غير بالدنا أَّن ثمة فرًقا كبيًر ا بين تعليم‬
‫اللغة العربية تعليًم ا رسمًّيا شكلًّيا في تلك البالد وتعليمها في أوطانها‪ ،‬وأدركوا أن تعليم اللغ ة‬
‫عندهم سيظُّل قاصًرا ومنقوًص ا‪ ،‬وقد ال يتحول إلى عملية متكاملة (تعليم ‪ +‬تعُّلم = اكتساب)؛‬
‫وذلك الفتقار ب رامجهم إلى الممارس ة الواقعي ة الحقيقي ة!!! وأدرك وا أيًض ا أَّن «التعليم عن‬
‫الثقافة» تعليًم ا إجرائًّيا كأي مادة علمية أخرى‪ ،‬وبلغة غير العربية‪ ،‬لن َيترَك في الطلب ة أث ًرا‬
‫كبيًرا؛ فالثقافة ممارسة وحي اة اجتماعي ة‪ ،‬وليس ت معلوم اٍت تحش ى به ا األدمغ ة‪ .‬ومن هنا‬
‫يتجلى الفرق بين «التعليم عن الثقافة» و»َعْيش الثقافة وممارستها»‪ .‬ولهذا كل ه تع اظم اتجاه‬
‫تل ك ال برامج نح و ب رامج الدراس ة في الخ ارج (في البالد العربي ة)‪ ،‬وتعزي ز تل ك ال برامج‬
‫ببرامج فرعية في االنغماس اللغوي والتثاقف االجتماعي‪.‬‬

‫وليس من قبي ل المبالغ ة أب ًدا أن نقول إن اللغ ة في زمن الش ابكة والقري ة الكونَّي ة أض حت‬
‫المفت اح الرئيس ي للتث اُقف والتف اهم وتع ُّر ف اآلخ ر وتقُّبل ه‪ ،‬والس يما في ب رامج تعليم اللغ ة‬
‫الثانية؛ ففيها يلتقي طلبة من أديان وأعراق وثقافات مختلفة على هدف واحد هو تعلم اللغة‪.‬‬

‫ولعل اللغة العربية تحظى بنصيب أوفر وأوفى لتحقيق هذا النوع من التفاهم والّتثاُقف؛ ألنه ا‬
‫لغة القرآن الكريم‪ ،‬وبها أنزل هللا تعالى قرآًن ا ُيتلى لياًل ونه اًرا داعًي ا إلى المس اواة والتف اهم‬
‫واحترام اآلخر‪ ،‬وُم علًيا قيم اإلنسانية والعدالة وحرمة الدماء‪.‬‬
‫وأحسُب أن تزاي د اإلقب ال على تعلم العربي ة في بالدن ا يمِّث ل فرص ة جوهري ة‪ ،‬ينبغي علينا‬
‫استغاللها االستغالل األمثل؛ فنحن نتعامل مع أن اس َق ِد موا إلينا رغب ًة في معرفتنا ومعرف ة‬
‫ثقافتنا وقيمنا عن ُقْر ب وعلى الواقع الُم شاَهِد ال ما قَّر في أذه ان كث يرين من ص ورة نمطي ة‬
‫عن العرب والمسلمين؛ إنه ا فرص ة ذهبي ة ِلَطْم ِس تل ك الص ورة واس تنبات ص ورة حقيقي ة‬
‫واقعية لديننا وثقافتنا ومجتمعنا‪ .‬وأحتفي هنا بمث ال ينبئ عن دور معاه د تعليم العربي ة في‬
‫تغيير الصورة النمطية المص نوعة للع رب والمس لمين؛ ففي ع ام ‪ 1997‬وبينم ا كنت ُأَدِّرس‬
‫العربية في مركز اللغات في الجامعة األردنية َأْفَس ْح ُت مجاًال الستطالع آراء الطلبة حول م ا‬
‫يرونه في إعالمهم عن األردن والعالم العربي وما وجدوه حًّقا في عَّم ان‪ .‬لقد أذهلت ني إجاب ة‬
‫طالبة أمريكية تدرس القانون؛ إذ قالت‪ُ :‬كْنُت أظُّن أنني س أنزُل من الط ائرة على جب ل وس ط‬
‫الص حراء‪ ،‬وأنتظ ر من يخ رج من األرض ليقتل ني!!!!! ولكنني عندما ن زلت في المط ار‬
‫وبدأت السيارة تجوب شوارع عمان وجدت أنها عاص مة نظيف ة‪ ،‬وأبنيته ا أجم ل وأرقى من‬
‫كثير من أحيائنا في أمريكا!!!‬

‫إَّن ه من المؤَّك د اآلن أن ه ليس ثم ة تجٍّن على بالدن ا كه ذا التجني بت أثير وس ائل اإلعالم‬
‫واالتصال‪ ،‬ولكن ما ي زال أمامنا عم ل كب ير وكث ير إلع ادة األم ور إلى نص ابها الط بيعي‪.‬‬
‫والشك في أّن علينا مسؤولياٍت كبيرًة لتحقيق هذا اإلنجاز‪.‬‬

‫وتقع على معاهد تعليم اللغة العربية في بالدنا مسؤوليات كبرى لفتح آفاق التح اور والتث اقف‬
‫والتفاهم واحترام اآلخر والتع اون مع ه‪ ،‬ولع ل أولى الخط وات العلمي ة تك ون اح ترام ذك اء‬
‫ه ؤالء المتعلمين ومع املتهم بم ا يس تحقون؛ وإنم ا أقص د ب ذلك أن نك ون على وعي وح ذر‬
‫كبيرين حين نختار أساتذة لتدريس ه ؤالء الطلب ة وتعليمهم‪ ،‬ومن أبس ط قواع د االح ترام أال‬
‫ُيْع َهَد بتدريسهم إَّال إلى األكفياء من المتخصصين في علوم العربية وفنونها‪ ،‬بل إَّن هذا َش ْر ٌط‬
‫من شروط األمانة في العمل و»إتقانه» على ما يرضي هللا ورسوله الكريم‪.‬‬

‫وأن ا أع ِّو ُل كث يًر ا على المدرس ين األكفي اء والمدرس ات الكفَّي ات في تأس يس دروس باللغ ة‬
‫العربية تكون الخطوَة األولى في َك ْس ِر عقدة الَخ ْو ف من المجتمع الع ربي اإلس المّي ‪ ،‬ومنح ه‬
‫الثقة التي تمِّك نه من تجاوز عقب ة الخ وف ه ذه‪ ،‬والخ روج إلى المجتم ع وه و يش عر ب األمن‬
‫والطمأنينة والمحَّبة‪ .‬ويكون من أولويات هذه البرامج أيًض ا تنمي ة قض ايا التث اقف‪ ،‬وتعزي ز‬
‫دورها في خلق عفوية وتلقائية في التواصل مؤسسٍة على أننا جميًع ا َبَش ٌر ونحن أق رُب إلى‬
‫التفاهم والتواصل‪ ،‬وأبعد عن التباُغ ض والّت داُبر‪ ..‬وَلَك ْم ك انت اللغ ة العربي ة س بًبا في إس الم‬
‫طلبة أجانب‪ ،‬صاروا فيما بعد لساًنا َيْدَفع عن العرب والمسلمين بلساٍن عربي مبين!‬

‫أ‪.‬د‪ .‬وليد العناتي ‪ -‬أستاذ اللسانيات التطبيقية ‪ -‬قس م اللغ ة العربي ة بجامع ة قط ر ‪ -‬المستش ار‬
‫األكاديمي لمركز العناتي للدعم العلمي ‪ -‬األردن‬

‫تحتفل األمم المتحدة‪ ،‬اليوم السبت‪ 18 ،‬ديس مبر‪ ،2021 ،‬ب اليوم الع المي للغ ة العربي ة‪ .‬وبه ذه المناس بة‪ ،‬دع ا‬
‫األمين العام لألمم المتح دة‪ ،‬أنطوني و غوت يريش‪ ،‬إلى تعزي ز الح وار والتف اهم المتب ادل‪ ،‬واالحتف اء مع ا بتن ّو ع‬
‫األسرة البشرية‪.‬‬
‫وقال األمين العام‪ ،‬في رسالة به ذه المناس بة‪ ،‬إن اللغ ة العربي ة تس اهم‪ ،‬يومي ا في األمم المتح دة‪ ،‬في التواص ل‬
‫المتناغم بين الشعوب واألمم‪ ،‬والمضي ُقدمًا صوب منظمٍة متعددِة اللغات وشاملٍة للجميع‪.‬‬
‫وإذ أعرب عن سعادته بالمشاركة في االحتفال باليوم العالمي للغة العربية‪ .‬مضى ق ائال‪ :‬إن “اللغ ة العربي ة هي‬
‫إحدى أقدم اللغات التي نطق بها البشر منذ فجر التاريخ‪ .‬فعلى مدى قرون‪ ،‬ربطت اللغُة العربية بين الشعوب من‬
‫خالل األدب والموسيقى والشعر والفلسفة”‪.‬‬
‫وأضاف أن اللغة العربية كانت لغة التواصل الشائعة في مجاالت التجارة والفن والعلم‪.‬‬
‫“واللغة العربية لغٌة غنية ونابضة بالحياة‪ ،‬توّح د مئات الماليين من الناس في ‪ 22‬دولة ناطقة بالعربي ة‪ ،‬وترب ط‬
‫بين حوالي بليوني مسلم يستخدمونها في صالتهم ودعائهم”‪.‬‬
‫وُتعد اللغة العربية ركنًا من أركان التن وع الثق افي للبش رية‪ .‬وهي إح دى اللغ ات األك ثر انتش ارًا واس تخدامًا في‬
‫العالم‪ ،‬إذ يتكلمها يوميًا ما يزيد على ‪ 400‬مليون نسمة من سكان المعمورة‪.‬‬
‫ويتوزع متحدثو العربية بين المنطقة العربية وعديد المناطق األخرى المجاورة في تركيا وتشاد ومالي الس نغال‬
‫وإرتيري ا‪ ،‬حيث أن للعربي ة أهمي ة قص وى ل دى المس لمين‪ .‬فهي لغ ة مقدس ة (لغ ة الق رآن)‪ ،‬وال تتم الص الة‬
‫(وعبادات أخرى) في اإلسالم إال بإتقان بعض من كلماتها‪ .‬كما أن العربية هي كذلك لغ ة ش عائرية رئيس ية ل دى‬
‫عدد من الكنائس المسيحية في المنطقة العربية حيث كتب بها كثير من أهم األعم ال الديني ة والفكري ة اليهودي ة‬
‫في العصور الوسطى(‪.)1‬‬
‫وتتيح اللغة العربية الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجمي ع أش كاله وص وره‪ ،‬ومنه ا تن وع األص ول والمش ارب‬
‫والمعتقدات‪ ،‬كما أنها أب دعت بمختل ف أش كالها وأس اليبها الش فهية والمكتوب ة والفص يحة والعامي ة‪ .‬ومختل ف‬
‫خطوطها وفنونها النثرية والشعرية‪ ،‬آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب األلب اب في مي ادين متنوع ة تض م‬
‫على سبيل المثال ال الحصر الهندسة والشعر والفلسفة والغناء‪.‬‬
‫وسادت العربية لقرون طويلة من تاريخها بوصفها لغة السياس ة والعلم واألدب‪ ،‬ف أثرت ت أثيًر ا مباش ًر ا أو غ ير‬
‫مباشر في كثير من اللغات األخرى في العالم اإلسالمي‪ .‬مثل‪ :‬التركية والفارسية والكردية واألوردي ة والماليزي ة‬
‫واإلندونيسية واأللبانية وبعض اللغات اإلفريقية األخرى مث ل الهاوس ا والس واحيلية‪ ،‬وبعض اللغ ات األوروبي ة‬
‫وخاصًة المتوسطية منها كاإلسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية‪.‬‬
‫وفض ال عن ذل ك‪ ،‬مثلت ح افزًا إلى إنت اج المع ارف ونش رها‪ ،‬وس اعدت على نق ل المع ارف العلمي ة والفلس فية‬
‫اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة‪ .‬كما أت احت إقام ة الح وار بين الثقاف ات على ط ول المس الك‬
‫البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن األفريقي‪.‬‬
‫في إط ار دعم وتعزي ز تع دد اللغ ات وتع دد الثقاف ات في األمم المتح دة‪ ،‬اعتم دت إدارة األمم المتح دة للتواص ل‬
‫العالمي — ُعرفت سابقا باسم إدارة شؤون اإلعالم — قرارا عشية االحتفال باليوم ال دولي للغ ة األم باالحتف ال‬
‫بكل لغة من اللغات الرسمية الست لألمم المتحدة‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬تقرر االحتفال باللغة العربية في ‪ 18‬كانون األول‪/‬ديسمبر كونه اليوم الذي صدر فيه ق رار الجمعي ة‬
‫العام ة ‪(3190‬د‪ )28-‬الم ؤرخ ‪ 18‬ك انون األول‪/‬ديس مبر ‪ 1973‬المع ني بإدخ ال اللغ ة العربي ة ض من اللغ ات‬
‫الرسمية ولغات العمل في األمم المتحدة‪.‬‬
‫والغ رض من ه ذا الي وم ه و إذك اء ال وعي بت اريخ اللغ ة وثقافته ا وتطوره ا من خالل إع داد برن امج أنش طة‬
‫وفعاليات خاصة‪.‬‬
‫“اللغة العربية والتواصل الحضاري”‬
‫موضوُع اليوم العالمي للغة العربية لهذا العام هو “اللغ ة العربي ة والتواص ل الحض اري”‪ ،‬وُيعت بر بمثاب ة ن داء‬
‫للتأكيد مجددًا على الدور الهام الذي تؤّديه اللغة العربية في مّد جس ور الوص ال بين الن اس على ص هوة الثقاف ة‬
‫والعلم واألدب وغيرها من المجاالت الكثيرة جدًا‪.‬‬
‫وتتمّثل الغاية من ه ذا الموض وع في إب راز ال دور الت اريخي ال ذي تض طلع ب ه اللغ ة العربي ة ك أداة الس تحداث‬
‫المعارف وتناقلها‪ ،‬فضًال عن كونها وسيلة لالرتقاء بالحوار وإرساء أسس السالم‪ .‬وكانت اللغة العربية على مّر‬
‫القرون الركيزة المشتركة وحلقة الوصل التي تجّس د ثراء الوجود اإلنساني وتتيح االنتفاع بالعديد من الموارد‪.‬‬
‫ويكتسي موضوع عام ‪ 2021‬أهمّية بالغة في كنف المجتمع ات ال تي تتع اظم فيه ا العولم ة والرقمن ة والتعددي ة‬
‫اللغوية‪ ،‬إذ ُيسّلم بالطبيعة المتغّيرة للعالم والحاجة الماسة لتعزيز الحوار بين األمم والشعوب‪.‬‬
‫أبرز الفعاليات االحتفالية‬
‫تحتفل األمم المتحدة في إطار فعاليات معرض إكسبو ‪ 2020‬دبي — وبتمثيل من مكتب مدير ش عبة التوعي ة في‬
‫إدارة التواصل العالمي — باللغة العربية وجمالها وقيمته ا‪ ،‬والحاج ة إلى ص ون تراثه ا‪ ،‬ودعم اس تخدامها في‬
‫الشؤون السياسية واالقتصادية والثقافية العالمية‪ .‬وتقام تلك الفعاليات بدعم من جامعة الدول العربية‪.‬‬
‫فعاليات في مقر األمانة العامة‬
‫نظمت عديد الكيانات األممية في األمانة العامة لألمم المتحدة — من مثل قسم الترجمة العربي ة‪ ،‬وبرن امج تعليم‬
‫اللغة العربية‪ ،‬ومكتب أمين المظالم وخدمات الوس اطة‪ ،‬والمكتب اإلقليمي لمكتب الح د من الك وارث‪ ،‬فض ال عن‬
‫النادي العربي في األمم المتحدة كذلك — فعاليات احتفالية عبر اإلنترنت‪.‬‬
‫كم ا رعت بعثت ا س لطنة ُعم ان ومملك ة البح رين فعالي ة خطابي ة وتكريمي ة خاص ة حض رها جمه ور من‬
‫الدبلوماسيين وممثلي الدول‪ ،‬وُألقيت فيها كلمات لألمين العام لألمم المتحدة‪ ،‬ولرئيس الجمعي ة العام ة‪ ،‬ولألمين‬
‫العام لجامعة الدول العربية‪ ،‬عبرت عن أهمية هذه المناسبة‪.‬‬
‫فعاليات على مستوى المنظمة‬
‫تقيم كيانات عدة في المنظمة‪ ،‬داخل المقر وخارجه‪ ،‬فعاليات احتفالية بمناسبة حلول اليوم العالمي للغة العربي ة‪.‬‬
‫فمكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة يقيم معرضا للمنشورات العربية وعرض ا س ينمائيا — ب دعم‬
‫من خدمة المعلوم ات بفيين ا — في إط ار الجلس ة التاس عة لم ؤتمر األط راف في اتفاقي ة مكافح ة الفس اد‪ .‬كم ا‬
‫تستضيف إسكوا فعالية على اإلنترنت عنوانها ’’السهل الممتنع‘‘ وعرض ا لفي ديو ’’لك ل زم ان‘‘‪ .‬وفض ال عن‬
‫ذلك‪ ،‬تقيم اللجنة االقتصادية ألفريقيا‪ ،‬بالتعاون مع الجامعة العربية فعالية خاصة في أديس أبابا‪.‬‬

You might also like