‫الحق والحرية ‪:‬‬

‫من اصعب الكلمات التي يمكن التعرض لهما ووضع تعريف جامع مانع لكل منهما ‪ ،‬فللوهلة االولى‬
‫تبدو داللة هذين المفهومين واضحة ‪ ،‬لكن عند بحثهما نكتشف ان من الصعب ان نحدد داللة مطلق ة‬
‫تخاطب الجماعات االنسانية على كافة مشاربهم وعقائدهم ‪ ،‬اذ يفسرها ك ل منهم تحت دالل ة التش به‬
‫داللة اآلخر ‪ ،‬ولعلنا نتوفق بعد استعراض هذين المفهومين في اللغة الى ايجاد تعريفات اص طالحية‬
‫جامعة ومانعة تؤدي الغرض من دراستنا لحقوق االنسان ‪ ،‬وذلك على وفق اآلتي ‪:‬‬

‫الحق في االلغة ‪:‬‬

‫هو الثابت بال شك ‪ ،‬وهو اسم من اسماء هللا تعالى ‪ ،‬وهو صفة هلل ‪ ،‬وصفة للرسول االك رم محم د "‬
‫ص " ‪ ،‬ويطلق على الصدق ‪ ،‬ولالمر الواجب حصوله ‪ ،‬وأيضا يطلق على العذاب ال ذي ينف ذ على‬
‫أقوام بعينهم ‪ ،‬ويطلق على لفظ التنزيل المعظم ‪ .... ،‬جاء في لسان العرب البن منضور ان ‪:‬الح َّق‬
‫واحد الُحقوق والَح َّقُة والِح َّقُة أخُّص منه وهو في معنى الَح ق وَح َّق اَألم ُر َيِح ُّق وَي ُح ُّق َح ّق ًا وُحقوق ًا‬
‫ص ار َح ّق ًا وَث بت ق ال اَألزه ري معن اه وَج ب َي ِج ب وُجوب ًا والَح ق ‪ِ :‬خالف الباِط ل َج مُع ه ‪ُ :‬ح ُق وق‬
‫وحقاٌق ‪ ،‬والَح ُّق ‪ :‬من أسماء ِهللا َت عاَلى‪ .‬وياتي بمعنى الُق رآُن ‪ ،‬والَح ق ‪ :‬الَع دُل ‪ .‬والَح ُّق ‪ :‬اإلس الم‬
‫والَح ُّق ‪ :‬الم اُل ‪ .‬والح ق ‪ :‬الِم ْل ُك بكس ِر الميم ‪ .‬والَح ق ‪ :‬الَم ْو ُج وُد الث اِبُت ال ذي ال َي ُس وُغ ِإْن ك اُر ه ‪.‬‬
‫والَح ُّق ‪ :‬الِّص دُق في الَح ِديِث ‪ .‬والَح ُّق ‪ :‬الَم ْو ُت ‪ ،‬والح ُّق نقيض الباط ل ‪ ،‬وق ال ال راِغ ُب ‪ :‬أص ُل‬
‫الَح ِّق ‪ :‬الُمطابقُة والُمواَفَق ة كُمطاَب َقِة ِر جِل الباب في ُحقِه لَد َو راِنه على االسِتقاَمِة ‪.‬‬

‫الحق في االصطالح ‪:‬‬

‫سار العلماء المحدثون من اص حاب التش ريع الوض عي او الفقهي لتحدي د دالل ة الح ق االص طالحية‬
‫على وفق اتجاهات ثالث ‪:‬‬

‫االول ‪ :‬الحق ‪ :‬هو مصلحة ثابتة للفرد او المجتمع ‪ ،‬او لهما معا يقررها المشرع الحكيم ‪.‬‬

‫الح ق ‪ :‬ه و مص لحة ثابت ة على س بيل االس تئثار للف رد او المجتم ع او لهم ا مع ا يقرره ا المش رع‬
‫الحكيم ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬الحق ‪ :‬هو ما يثبت في الشرع لالنسان او هلل تعالى على الغير ‪.‬‬

‫الحق ‪ :‬هو ما ثبت باقرار الشارع واضفى عليه حمايته ‪.‬‬

‫الث الث ‪ :‬الح ق ‪ :‬هواختص اص يق ر ب ه الش رع س لطة على ش ئ او اقتض اء أداء من آخ ر تحقيق ا‬
‫لمصلحة معينة ‪.‬‬

‫الحق ‪ :‬هو اختصاص يقر به الشرع سلطة او تكليفا ‪.‬‬

‫الحق ‪ :‬ميزة يخولها القانون لشخص ويضمنها بوسائله ‪ ،‬بمقتضاها يتصرف في قمة معترف بثبوتها‬
‫له ‪ ،‬اما باعتبارها مملوكة له او باعتبارها مستحقة له ‪.‬‬

‫ولعل التعري ف الج امع الم انع ال ذي ه و اش مل من حيث ح ده الح ق ‪ ،‬بك ل م ا يت وفر من المع اني‬
‫االصطالحي الدالة على مجموعة الشرع الخاصة بما لالنسان من حقوق يثبتها الشارع عن طرب ق‬
‫العرف والشرع معا يتحقق بتعريف الحق انه ‪ :‬م ا ثبت على وج ه االختص اص وق رر ب ه الش ارع‬
‫سلطة او تكليفا تحقيقا لمصلحة معينة ‪.‬‬

‫الحرية في اللغة ‪:‬‬

‫اسم من حّر ‪ ،‬فيقال ‪ :‬حّر الرجل حرية ‪ ،‬اذا صار حرا ‪.‬‬

‫الحر من الرجال ‪ :‬خالف العبد ‪ ،‬وسمي بذلك النه خلص من الرق ‪ .‬عن ابن األع رابِّي ‪َ :‬ح َّر َيَح ُّر‬
‫َك َظ َّل َي َظ ُّل َح َر ارًا بالفتح ‪َ :‬ع َت َق واالسُم الُحِّر َّي ُة ‪ .‬وقال الِكَس ائُّي ‪َ :‬ح رْر َت َت َح ُّر من الُحِّر َّي ِة ال غير ‪.‬‬
‫أي بَك ْس ر الَع ْي ِن في الماضي وَف ْت ِحها في الُم َض اِر ع كما َص َّر ح به غيُر واح د وق د ُيس َت عمل في ُحِّر َّي ِة‬
‫األصل أيضًا َح ِر ْر َت َت َح ُّر من الُحِّر َّيِة ال غير وقال ابن اَألعرابي َح َّر َيَح ُّر َح رارًا ِإذا َع َت َق وَح َّر َيَح ُّر‬
‫ُحِّر َّي ًة من ُحِّر َّية اَألصل‬

‫الحرية اصطالحا ‪:‬‬

‫اثبت الجرجاني في كتابه " التعريفات " حدا للحرية بقول ه ‪ ":‬في اص طالح أه ل الحقيق ة‪ :‬الخ روج‬
‫عن رق الكائن ات وقط ع جمي ع العالئ ق واألغي ار‪ ،‬وهي على م راتب‪ :‬حري ة العام ة‪ ،‬عن رق‬
‫الش هوات‪ ،‬وحري ة الخاص ة‪ ،‬عن رق الم رادات لفن اء إرادتهم من إرادة الح ق‪ ،‬وحري ة خاص ة‬
‫الخاصة‪ ،‬عن رق الرسوم واآلثار النمحاقهم في تجلي نور األنوار "‪.‬‬

‫وعبر اصحاب االختصاص في القانون عن الحرية اصطالحا بقولهم ‪ :‬مكنات يتمتع بها الفرد بسبب‬
‫طبيعته البشرية ‪ ،‬او نظرا لعضويته في المجتمع ‪ ،‬يحقق به ا الف رد ص الحه الخ اص ‪ ،‬ويس هم فيه ا‬
‫بتحقي ق الص الح المش ترك للبالد ‪ ،‬ويمتن ع على الس لطة ان تح د منه ا اال اذا اض رت بمص الح‬
‫اآلخرين ‪.‬‬

‫وعدها السياسيون بانها ‪ :‬حرية الف رد في التص رف بك ل م ا يتعل ق بش ؤونه الخاص ة ض من دائ رة‬
‫القانون ‪.‬‬

‫ويرى بعض العلماء المعاص رين وج ود ف رق بين الحري ة والح ق في المفه وم ‪ ،‬ينعكس على م دى‬
‫التصرف في كل منهما ‪ ،‬فجوهر الحق عندهم ‪ :‬اختص اص ‪ ،‬اي انف راد واس تئثار بموض وع الح ق‬
‫ومحله ‪ ،‬بحيث يكون لصاحب الحق سلطة التصرف بما اختص ب ه ض من الح دود ال تي رس مها ل ه‬
‫الشرع ‪ ،‬وهذا يستلزم اباحة األفعال المالئمة لذلك األستعمال والتصرف المشروع ‪.‬‬
‫اما الحرية فهي ‪ :‬المكنة العامة التي قررها الشارع لألف راد على الس واء ‪ ،‬تمكين ا لهم من التص رف‬
‫على خيرة من امرهم ‪ ،‬دون االضرار باآلخرين ‪ ،‬فالتص رف موض وع الحري ة ومحله ا م أذون ب ه‬
‫شرعا ‪ ،‬وهو من قيب ل المباح ات ‪ ،‬والمب اح كم ا اق ره علم اص ول الفق ه ‪ :‬ال ذي يس توي في ه الفع ل‬
‫والترك ‪ ،‬فالمكلف مخير فيه بين ان يفعله او يتركه ‪.‬‬

‫مما سبق يظهر ان كل حرية هي حق فحرية الرأي ‪ ،‬وحرية العقيدة ‪ ،‬وحرية التظ اهر ‪ ،‬هي حق وق‬
‫ال اختصاص فيها الحد فكل االفراد يتمتعون بها على قدر المساواة ‪ ،‬وعطف الحرية على الحق ه و‬
‫من قبيل عطف الخاص على العام فاالعم هي الحريات والخاص منها هي الحقوق موضوع الدراسة‬
‫‪.‬‬

‫االنسان لغة واصطالحا ‪:‬‬

‫جاء في مختار الصحاح للرازي ما نصه " أ ن س " ‪ :‬االنس البشر والواحد ِإْن س ي بالكس ر وس كون‬
‫النون ‪ ،‬والجمع َأَن اِس ُّي ‪ .‬قال هللا تعالى (وَأَن اِس َّي َك ِثيرا) وك ذا اَألَن اِس َي ة ويق ال للم رأة إنس ان وال يق ال‬
‫إنسانة "‪ .‬وكذا في لسان العرب ‪ ،‬والواحُد ِإْن ِس ٌّي وُأناٌس ‪.‬‬

‫عن ابن عباس رضي هَّللا عنهما َأنه قال ِإنما سمي اِإلنسان ِإنسانًا َألنه عه د ِإلي ه َفَن س َي وِإْن س اٌن في‬
‫اَألصل ِإْن ِس ياٌن وهو ِفْع لي اٌن من اِإلنس ‪ ،‬واِإلْن ُس جماع ة الن اس والجم ع ُأن اٌس وهم اَألَن ُس ‪ ،‬تق ول ‪:‬‬
‫رَأيت بمكان كذا وكذا َأَن سًا كثيرًا َأي ناسًا كثيرًا ‪.‬‬

‫وحدها الجرجاني في تعريفاته بقوله ‪ ":‬هو الحيوان الناطق " وهو اصطالحا في معناه متط ابق م ع‬
‫اصل الوضع في اللغة ‪ ،‬فالمقصود منه واحد البشر ‪.‬‬

‫ومن هنا تظهر القرائن التي تحدد الحقوق والحريات باالنس ان وليس غيره من الكائن ات االخ رى ‪،‬‬
‫فالحقوق مضافة الى االنسان على سبيل تقييد المطلق ‪ ،‬فالحقوق لفظ ع ام يص لح الس تعماالت ش تى‬
‫وقد اضيف اليه االنسان ليحدد المطلق الى مخصص بغية تخص يص المص طلح باالنس ان حص را ‪،‬‬
‫اما اشتمال المصطلح على داللة ما لالنسان وماله من الحقوق والواجبات فكانت على وف ق اس تقراء‬
‫الداللة االصطالحية من وجهة نظر اآليديولوجيات المختلف ة في العص ر الح ديث على دالالت ش تى‬
‫تذهب كل منها الى تخصيص الداللة االصطالحية لحقوق االنسان على وفق ما قامت عليه من اسس‬
‫معرفية واخالقية في تقييم االمور ومعالجتها ‪ ،‬وفي القابل تفصيل بهذا الشأن ‪..‬‬