Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 15

‫قواعد التفسير‬

‫القواعد ىي‪ :‬األمور الكمية المنضبطة التي يستخدميا المفسر في تفسيره‪ ،‬ويكون‬
‫ابتداء‪ ،‬ويبني عمييا فائدة في التفسير‪ ،‬أو ترجيحاً بين األقوال (‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫استخدامو ليا إما‬
‫ويمكن استنباط ىذه القواعد من كتب التفسير‪ ،‬وكتب المغة‪ ،‬والبالغة‪ ،‬واألصول‪ .‬وتنقسم‬
‫ىذه القواعد إلى قسمين‪ :‬القواعد العامة‪ ،‬والقواعد الترجيحية‪ ،‬وبينيما تداخل ظاىر عند‬
‫التأمل‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬القواعد العامة‬
‫المراد بيذه القواعد‪ :‬القواعد التي يمكن أن يعمميا المفسر عندما يفسر آية من القرآن‪.‬‬
‫ويبدو عمى بعض ىذه القواعد أنيا بمثابة الفوائد‪ ،‬ومنيا ما يكون لغوياً‪ ،‬ومنيا ما يكون‬
‫بالغياً ‪...‬‬
‫ّ‬ ‫أصولياً‪ ،‬ومنيا ما يكون‬
‫ّ‬
‫وسأذكر جممة منثورة من ىذه القواعد من غير تبويب وترتيب‪ ،‬نظ اًر لقمة ما سأذكره‬
‫منيا‪ ،‬وما ىي إال أمثمة ليذه القواعد‪:‬‬
‫‪ - 1‬قال ابن القيم‪« :‬المعيود من ألفاظ القرآن أنيا تكون دالة عمى جممة معان»‬
‫تقرر عند العمماء أن اآلية إن كانت تحتمل معاني‬
‫‪ - 2‬قال الشنقيطي‪َّ « :‬‬
‫كميا صحيح َّ‬
‫تعين حمميا عمى الجميع‪ ،‬كما حققو بأدلة الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن‬
‫تيمية في رسالتو في عموم القرآن» (‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬ما أبيم في القرآن فال فائدة في بحثو‪.‬‬
‫قال الشنقيطي‪« :‬ففي القرآن العظيم أشياء كثيرة لم يبينيا اهلل لنا وال رسولو‪ ،‬ولم يثبت في‬
‫بيانيا شيء‪ ،‬والبحث عنيا ال طائل تحتو وال فائدة فيو»‪.‬‬
‫‪ - 4‬إذا عرف تفسير القرآن من جية النبي صمّى اهلل عميو وسمّم فال حاجة إلى قول من‬
‫بعده ‪.‬‬
‫‪ - 5‬قول الصحابة مقدم عمى غيرىم في التفسير‪ ،‬وان كان ظاىر السياق ال يدل عميو؛‬
‫ألنيم أعمم بمعاني القرآن‪ ،‬والسبب الذي فيو نزل‪ ،‬وما أريد بو‪.‬‬
‫آم َن‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫{و َشي َد َشاى ٌد م ْن َبني إ ْس َرائي َل َعمَى م ْثمو فَ َ‬
‫ومن األمثمة عمى ذلك قولو تعالى‪َ :‬‬
‫استَ ْكَب ْرتُ ْم} [األحقاف‪.]11 :‬‬
‫َو ْ‬
‫قال مسروق‪ :‬واهلل ما نزلت في عبد اهلل بن سالم‪ ،‬وما نزلت إال بمكة‪ ،‬وما أسمم عبد اهلل‬
‫إال بالمدينة‪ ،‬ولكنيا خصومة خاصم محمد صمّى اهلل عميو وسمّم بيا قومو‪ ،‬قال فنزلت‪:‬‬
‫آم َن‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫َرَْيتُم إِن َك ِ ِ ِ َّ ِ‬
‫ان م ْن ع ْند المو َو َكفَ ْرتُ ْم بو َو َشي َد َشاى ٌد م ْن َبني إ ْس َرائي َل َعمَى مثْمو فَ َ‬
‫{قُ ْل أ َأ ْ ْ َ‬
‫استَ ْكَب ْرتُ ْم} قال‪ :‬فالتوراة مثل القرآن‪ ،‬وموسى مثل محمد صمّى اهلل عميو وسمّم فآمنوا‬ ‫َو ْ‬
‫بالتوراة وبرسوليم‪ ،‬وكفرتم بو‪ .‬وقال سعد بن أبي وقاص‪ ،‬وعبد اهلل بن سالم وابن عباس‪:‬‬
‫الشاىد عبد اهلل بن سالم‪ ،‬وبو قال مجاىد‪ ،‬وقتادة‪ ،‬والضحاك‪ ،‬والحسن‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬
‫قال الطبري‪:‬‬
‫«والصواب من القول في ذلك عندنا أن الذي قالو مسروق في تأويل ذلك أشبو بظاىر‬
‫اى ٌد ِم ْن َبنِي‬
‫َرَْيتُم إِن َكان ِمن ِع ْن ِد المَّ ِو و َكفَرتُم بِ ِو و َش ِي َد َش ِ‬
‫َ ْ ْ َ‬ ‫التنزيل؛ ألن قولو‪ُ { :‬ق ْل أ َأ ْ ْ َ ْ‬
‫إِ ْس َرائِي َل َعمَى ِم ْثمِ ِو} في سياق توبيخ اهلل ـ تعالى ذكره ـ مشركي قريش احتجاجاً عمييم‬
‫لنبيو صمّى اهلل عميو وسمّم‪ ،‬وىذه اآلية نظيرة سائر اآليات قبميا‪ ،‬ولم يجر ألىل الكتاب‬
‫وال لمييود قبل ذلك ذكر‪ ،‬فتوجو ىذه اآلية إلى أنيا فييم نزلت‪ ،‬وال د ّل عمى انصراف‬
‫الكالم عن قصص الذين تقدم الخبر عنيم معنى‪ ،‬غير أن األخبار قد وردت عن جماعة‬
‫من أصحاب رسول اهلل صمّى اهلل عميو وسمّم بأن ذلك عني بو عبد اهلل بن سالم وعميو‬
‫أكثر أىل التأويل‪ ،‬وىم كانوا أعمم بمعاني القرآن‪ ،‬والسبب التي نزل فيو‪ ،‬وما أريد بو‪،‬‬
‫فتأويل الكالم إذ كان ذلك كذلك‪ ،‬وشيد عبد اهلل بن سالم وىو الشاىد من بني إسرائيل‬
‫عمى مثمو‪ ،‬يعني عمى مثل القرآن‪ ،‬وىو التوراة‪ ،‬وذلك شيادتو أن محمداً مكتوب في‬
‫نبي تجده الييود مكتوباً عندىم في التوراة‪ ،‬كما ىو مكتوب في القرآن أنو‬
‫التوراة أنو ّ‬
‫نبي» (‪]88[ .)1‬‬
‫‪ - 6‬إعراب القرآن ينبغي أن يكون عمى أفصح الوجوه‪ ،‬وال يفسر بمجرد االحتمال‬
‫النحوي اإلعرابي الذي يحتممو تركيب الكالم‪ ،‬ويكون الكالم بو لو معنى ما‪.‬‬
‫ين} [األعراف‪ ،]56 :‬ذكر ابن‬ ‫ِِ‬ ‫مثال‪ :‬في قولو تعالى‪ِ{ :‬إ َّن ر ْحمةَ المَّ ِو قَ ِر ٌ ِ‬
‫يب م َن ا ْل ُم ْحسن َ‬ ‫َ َ‬
‫القيم قول من قال‪ :‬إنو من باب حذف الموصوف واقامة الصفة مقامو؛ كأنو قال‪ :‬إن‬
‫رحمة اهلل شيء قريب من المحسنين‪ ،‬ثم رد عمى ىذا القول من وجوه وذكر أحدىا‪ ،‬وىو‪:‬‬
‫«أن الشيء أعم من المعمومات‪ ،‬فإنو يشمل الواجب والممكن‪ ،‬فميس في تقديره وال في‬
‫المفظ بو زيادة فائدة يكون الكالم بيا فصيحاً بميغاً‪ ،‬فضالً عن أن يكون بيا في أعمى‬
‫مراتب الفصاحة والبالغة‪ ،‬فأي فصاحة وبالغة في قول القائل في حائض وطامث‬
‫وطالق‪ :‬شيء حائض‪ ،‬وشيء طامث‪ ،‬وشيء طالق؟ وىو لو صرح بيذا الستيجنو‬
‫السامع‪ .‬فكيف يقدر في الكالم مع أنو ال يتضمن فائدة أصالً؟‬

‫قواعد في العموم‪:‬‬
‫أـ حذف المتعمق يفيد العموم النسبي (‪)3‬؛ أي‪ :‬يفيد تعميم المعنى المناسب لو‪ ،‬ويدخل‬
‫في ذلك العموم ما كان سياق الكالم جاء من أجمو‪ ،‬وىو فرد من أفراد ىذا المعنى العام‪.‬‬
‫ين ِم ْن قَْبمِ ُك ْم لَ َعمَّ ُك ْم‬ ‫َِّ‬
‫ب َعمَى الذ َ‬
‫ِ‬
‫ام َك َما ُكت َ‬
‫ِّي ُ‬
‫ب َعمَ ْي ُك ُم الصَ‬
‫ِ‬
‫ومن أمثمتو قولو تعالى‪ُ { :‬كت َ‬
‫ون} [البقرة‪]91[ .]183 :‬‬ ‫تَتَّقُ َ‬
‫فالمتعمق بالفعل «تتقون» محذوف‪ ،‬ويمكن تقدير عدة متعمقات؛ مثل‪ :‬تتقون اهلل‪ ،‬تتقون‬
‫النار‪ ،‬تتقون المحارم (‪.)4‬‬
‫ب ـ إذا دخمت (ال) عمى األوصاف‪ ،‬وأسماء األجناس‪ ،‬فإنيا تفيد استغراق من يشممو‬
‫ىذا الوصف أو االسم‪.‬‬
‫ات وا ْلمؤ ِمنِين وا ْلمؤ ِمَن ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ات} إلى قولو‪:‬‬ ‫مثال الوصف‪ :‬قولو تعالى‪{ :‬إِ َّن ا ْل ُم ْسمم َ‬
‫ين َوا ْل ُم ْسم َم َ ُ ْ َ َ ُ ْ‬
‫يما} [األحزاب‪.]35 :‬‬ ‫ِ‬ ‫َع َّد المَّوُ لَيُ ْم َم ْغ ِف َرةً َوأ ْ‬
‫َج ًار َعظ ً‬ ‫{أ َ‬
‫يدخل في ىذه األوصاف كل ما تناولو معاني اإلسالم‪ ،‬واإليمان‪ ،‬والقنوت‪ ،‬والصدق ‪...‬‬
‫إلخ‪.‬‬
‫{وتَ َع َاوُنوا َعمَى ا ْلبِِّّر َوالتَّ ْق َوى} [المائدة‪.]2 :‬‬
‫مثال اسم الجنس‪ :‬قولو تعالى‪َ :‬‬
‫فيشمل البر جميع أنواع الخير‪ ،‬وتشمل التقوى كل ما يمزم اتقاؤه (‪.)1‬‬
‫جـ النكرة في سياق النفي‪ ،‬والنيي‪ ،‬والشرط‪ ،‬واالستفيام‪ ،‬تفيد العموم‪.‬‬
‫س َش ْيًئا} [االنفطار‪ ]19 :‬يعم كل‬ ‫ك َن ْف ٌس لَِن ْف ٍ‬ ‫{ي ْوَم الَ تَ ْممِ ُ‬
‫مثال سياق النفي‪ :‬قولو تعالى‪َ :‬‬
‫نفس‪ ،‬وكل شيء‪.‬‬
‫ون} [البقرة‪ ]22 :‬تشمل‬ ‫َِّ ِ‬
‫مثال سياق النيي‪ :‬قولو تعالى‪{ :‬فَالَ تَ ْج َعمُوا لمو أ َْن َد ًادا َوأ َْنتُ ْم تَ ْعمَ ُم َ‬
‫أي ند جعل اهلل‪.‬‬
‫{و َما بِ ُك ْم ِم ْن ِن ْع َم ٍة فَ ِم َن المَّ ِو} [النحل‪ ]53 :‬تشمل أي‬ ‫مثال سياق الشرط‪ :‬قولو تعالى‪َ :‬‬
‫نعمة عند العبد‪.‬‬
‫ق َغ ْير المَّ ِو يرُزقُ ُكم ِمن الس ِ‬
‫اء واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض}‬ ‫َّم َ‬‫َ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫{ى ْل م ْن َخال ٍ ُ‬ ‫مثال سياق االستفيام‪ :‬قولو تعالى‪َ :‬‬
‫[فاطر‪ ]3 :‬تشمل أي خالق غير اهلل (‪]91[ .)2‬‬
‫د ـ المفرد المضاف يفيد العموم‪.‬‬
‫{وِا ْن تَ ُع ُّدوا‬
‫ث} [الضحى‪ ،]11 :‬وقولو‪َ :‬‬ ‫َما بِنِ ْع َم ِة َرب َ‬
‫ِّك فَ َح ِّد ْ‬ ‫{وأ َّ‬
‫ومن أمثمتو قولو تعالى‪َ :‬‬
‫وىا} [إبراىيم‪ ]34 :‬فإنيا تشمل كل نعمة أنعميا اهلل عمى عبده‪.‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َ‬‫ن ْع َمةَ المو الَ تُ ْح ُ‬
‫َّ ِ‬
‫{و َما أ َْم ُرَنا ِإال َواح َدةٌ َكمَ ْم ٍح بِا ْلَب َ‬
‫ص ِر} [القمر‪.]51 :‬‬ ‫ومن أمثمتو‪ :‬قولو تعالى‪َ :‬‬
‫فاألمر‪ ،‬يشمل كل أمر كوني قدري (‪.)1‬‬
‫ىـ الفعل المضارع إذا ُجزم أو ُنفي بـ (ال) فإنو يفيد العموم‪.‬‬
‫ال تُْمقُوا بِأ َْي ِدي ُك ْم إِلَى التَّ ْيمُ َك ِة} [البقرة‪.]195 :‬‬
‫{و َ‬
‫مثالو‪ :‬قولو تعالى‪َ :‬‬
‫قال الطاىر بن عاشور‪« :‬ووقوع فعل «تمقوا» في سياق النيي يقتضي عموم كل إلقاء‬
‫باليد إلى التيمكة ‪.)2( »...‬‬
‫وـ ومن صيغ العموم وألفاظو الواردة في القرآن ـ وىي كثيرة ـ‪:‬‬
‫كل‪ ،‬وجميع‪ ،‬وأجمعون‪ ،‬وكافَّة‪ ،‬ومن وما الشرطية واالستفيامية‪ ،‬والموصولة والمصدرية‪،‬‬
‫والجمع المضاف‪ ،‬واسم الجمع‪ ،‬كالقوم‪ ،‬والذي‪ ،‬والتي ‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫فيذه األلفاظ إذا جاءت فإنيا تدل عمى العموم‪ ،‬وذكر شواىدىا يطول‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن المشددة المكسورة تفيد التعميل‪:‬‬
‫يم} [الحج‪]1 :‬‬ ‫ِ‬ ‫مثل قولو تعالى‪{ :‬اتَّقُوا رَّب ُكم إِ َّن َزْل َزلَةَ الس ِ‬
‫َّاعة َش ْي ٌء َعظ ٌ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫والمعنى‪ :‬اتقوا ربكم؛ ألن زلزلة الساعة شيء عظيم (‪.)3‬‬
‫الفاء تفيد التعميل‪:‬‬
‫اء ِفي ا ْل َم ِح ِ‬
‫يض} [البقرة‪]92[ .]222 :‬‬ ‫اعتَ ِزلُوا ِّ‬
‫الن َس َ‬ ‫َذى فَ ْ‬
‫مثل قولو تعالى‪ُ { :‬ق ْل ُى َو أ ً‬
‫َّارقَةُ فَا ْقطَعوا أ ِ‬
‫َيدَييُ َما} [المائدة‪.]38 :‬‬ ‫ق َوالس ِ‬ ‫{والس ِ‬
‫َّار ُ‬
‫ُ‬ ‫وقولو تعالى‪َ :‬‬
‫ففي األولى‪ :‬لعمة كون المحيض أذى‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬القواعد الترجيحية‬


‫المراد بالقواعد الترجيحية‪ :‬القواعد التي نعمميا عند الترجيح بين أقوال المفسرين‪.‬‬
‫ويكون استعمال ىذه القواعد في حالتين‪:‬‬

‫األولى‪ :‬ترجيح أحد األقوال عمى غيره‪.‬‬


‫الثانية‪ :‬رد أحد األقوال‪.‬‬

‫متى يكون الترجيح؟‬


‫التفسير المنقول إما أن يكون مجمعاً عميو‪ ،‬أوالً‪.‬‬
‫فإن كان مجمعاً عميو؛ فال حاجة إلى الترجيح‪ .‬واإلجماعات في التفسير كثيرة‪ ،‬وقد ُذكر‬
‫بعضيا في مبحث (اإلجماع في التفسير)‪ ،‬ومنيا‪:‬‬
‫{وا ْلَي ْوِم ا ْل َم ْو ُعوِد} [البروج‪]2 :‬‬
‫‪ - 1‬تفسير اليوم الموعود بيوم القيامة في قولو تعالى‪َ :‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬تفسير المغضوب عمييم بالييود‪ ،‬والضالين بالنصارى (‪.)2‬‬
‫وان كان مختمفاً فيو‪ ،‬فاالختالف نوعان‪:‬‬
‫ك ِفي ا ْل َح ِّ‬
‫ق َب ْع َد َما تََبَّي َن}‬ ‫{ي َج ِادلُ َ‬
‫ون َ‬ ‫األول‪ :‬اختالف تضاد‪ :‬مثل تفسير قولو تعالى‪ُ :‬‬
‫[األنفال‪.]6 :‬‬
‫قيل‪ :‬المجادل ىم المسممون‪ ،‬وقيل‪ :‬ىم الكفار‪.‬‬
‫وفي مثل ىذا النوع يعمل بقواعد الترجيح لبيان القول الصواب في اآلية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬اختالف تنوع‪ :‬وقد سبق بيان أمثمتو‪.‬‬
‫وفي ىذا النوع يعمل بقواعد الترجيح لبيان القول األولى إن احتاج األمر إلى ذلك وان‬
‫كانت اآلية تحتمل المرجوح‪]94[ .‬‬

‫طريقة المفسرين في عرض التفاسير المنقولة‪:‬‬


‫لما كان الترجيح ال يأتي إال في االختالف بنوعيو‪ ،‬فإن المفسرين ليم ثالث طرق في‬
‫حكاية ىذا االختالف‪:‬‬
‫األولى‪ :‬حكاية االختالف دون بيان الراجح من األقوال؛ كتفسير الماوردي وابن الجوزي‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬حكاية االختالف مع بيان الراجح دون ذكر مستند الترجيح؛ كتفسير ابن عطية‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬حكاية االختالف مع بيان الراجح والقاعدة الترجيحية التي ىي سبب الترجيح‪،‬‬
‫كتفسير الطبري والشنقيطي‪.‬‬
‫خاصاً في مقدمات المفسرين‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ومع أىمية ىذا الموضوع‪ ،‬فإنك َّ‬
‫قل أن تجد لو مبحثاً‬
‫وغيرىا‪.‬‬
‫وقد أشار إليو العز بن عبد السالم (ت‪661:‬ىـ) في كتابو الموسوم بـ (اإلشارة إلى‬
‫اإليجاز في بعض أنواع المجاز) حيث ذكر بعض القواعد الترجيحية دون ذكر أمثمة ليا‬
‫(‪.)1‬‬
‫وذكر المفسر محمد بن أحمد بن جزي الكمبي (ت‪741:‬ىـ) في مقدمة تفسيره اثني عشر‬
‫وجياً في الترجيح (‪.)2‬‬
‫أما استعمال القواعد الترجيحية في ثنايا التفسير فقد حاز قصب السبق فييا شيخ‬
‫المفسرين اإلمام ابن جرير الطبري‪ ،‬وقد كان لو في الترجيح بالقواعد طريقان‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يذكر القاعدة الترجيحية بنصيا عند ترجيحو لقول في التفسير‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن ال ينص عمى القاعدة بعينيا ولكن يرجح بيا؛ كقاعدة‪« :‬العبرة بعموم المفظ ال‬
‫بخصوص السبب» (‪ ،)3‬فيو يرجح بناء عمى ىذه القاعدة‪ ،‬وال ينص عمييا‪]95[ .‬‬
‫ونظ اًر إلى كون اإلمام ابن جرير ىو أول من أعمل ىذه القواعد في‬
‫جداً‪ ،‬فإني أرى أن أسرد لك عباراتو في بعض القواعد‪:‬‬
‫تفسيره بكثرة واضحة ّ‬
‫‪ - 1‬غير جائز ادعاء خصوص في آية عام ظاىرىا إال بحجة يجب التسميم ليا (‪)1‬؛‬
‫أي‪ :‬أن الخبر عمى عمومو حتى يأتي ما يخصصو (‪.)2‬‬
‫‪ - 2‬التأويل المجمع (‪ )3‬عميو أولى بتأويل القرآن (‪.)4‬‬
‫‪ - 3‬الكممة إذا احتممت وجوىاً لم يكن ألحد صرف معناىا إلى بعض وجوىيا دون‬
‫بعض إال بحجة (‪.)5‬‬
‫‪ - 4‬إنما يوجو كالم كل متكمم إلى المعروف في الناس من مخارجو دون المجيول من‬
‫معانيو (‪.)6‬‬
‫‪ - 5‬أولى التأويالت باآلية ما كان عميو من ظاىر التنزيل داللة مما يصح مخرجو في‬
‫المفيوم (‪.)7‬‬
‫‪ - 6‬غير جائز ترك الظاىر المفيوم من الكالم إلى باطن ال داللة عمى صحتو (‪.)8‬‬
‫‪ - 7‬إلحاق بعض الكالم ببعض إذا كان لو وجو صحيح أولى من القول بتفرقو‬
‫واعتراض جممة بينو وبينو (‪]96[ .)9‬‬
‫عز وجل أن يوجو إليو من المغات األفصح األعرف من‬
‫‪ -‬الذي ىو أولى بكتاب اهلل ّ‬
‫كالم العرب دون األنكر األجيل من منطقيا (‪.)1‬‬
‫‪ - 9‬غير جائز االعتراض بالشاذ من القول عمى ما قد ثبت حجتو بالنقل المستفيض‬
‫(‪.)2‬‬
‫ومن القواعد التي استعمميا ولم ينص عمييا‪:‬‬
‫‪ - 1‬العبرة بعموم المفظ ال بخصوص السبب (‪.)3‬‬
‫‪ - 2‬الترجيح بداللة السياق (‪.)4‬‬
‫وبعد‪ ،‬فيذه بعض القواعد التي استعمميا ابن جرير‪ ،‬وقد حاولت نقل عبارتو وان تكررت‬
‫بعض القواعد‪ ،‬ولذا فإنك تستطيع أن تسبك ىذه القواعد‪ ،‬وتضعيا في جمل واضحة بعد‬
‫جمعيا وتنقيحيا (‪.)5‬‬
‫والمراد في ىذا المبحث بيان بعض القواعد المرجحة التي يستفاد منيا في ترجيح‬
‫األقوال‪ ،‬ولذا فيكفي في أمثمة ىذه القواعد مطمق المثال دون التحقيق في صحتو (‪.)6‬‬
‫ثم إن المثال قد تتنازعو قاعدتان‪ ،‬ويصمح أن يكون مثاالً ليما‪.‬‬
‫وقد يترجح قول بإعمال قاعدة‪ ،‬ويترجح آخر بإعمال قاعدة أخرى‪.‬‬
‫وىذه القواعد تعتبر األصل في الترجيح إال إذا دل دليل عمى عدم استخداميا في ىذا‬
‫الموضع‪ ،‬فكل قاعدة يستثنى منيا‪ ،‬فيقال‪ :‬يكون الترجيح باألغمب من لغة العرب‪ ،‬إال‬
‫إذا َّ‬
‫دل الدليل عمى إرادة غيره ‪ ...‬وىكذا في بقية القواعد‪ ،‬فتنبو ليذه الممحوظات‪]97[ .‬‬
‫القواعد الترجيحية‪:‬‬
‫‪ - 1‬ما يتعمق منيا بالعموم في القرآن‪.‬‬
‫‪ - 2‬ما يتعمق منيا بالسياق القرآني‪.‬‬
‫‪ - 3‬ما يتعمق منيا برسم المصحف‪.‬‬
‫‪ - 4‬ما يتعمق منيا باألغمب من لغة العرب‪.‬‬
‫‪ - 5‬ما يتعمق منو بالمعاني الشرعية في القرآن‪.‬‬
‫‪ - 6‬ما يتعمق منيا بتصريف المفظ‪.‬‬
‫‪ - 7‬ما يتعمق منيا بالتقديم والتأخير‪.‬‬
‫‪ - 8‬ما يتعمق منيا بظاىر القرآن‪.‬‬
‫‪ - 9‬ما يتعمق منيا بطريقة القرآن وعادتو‪.‬‬
‫‪ - 11‬ما يتعمق منيا بإجماع الحجة أو قول األكثر من الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫‪ - 11‬ما يتعمق منيا باالستعمال العربي‪.‬‬
‫‪ - 12‬ما يتعمق منيا بالسنة النبوية‪.‬‬
‫‪ - 13‬ما يتعمق منيا بالتأسيس والتأكيد‪.‬‬
‫‪ - 14‬ما يتعمق منيا بعود الضمير إلى أقرب مذكور‪.‬‬
‫‪ - 15‬ما يتعمق منيا بتوافق الضمائر‪.‬‬
‫‪ - 16‬ما يتعمق منيا بالتقدير وعدمو‪.‬‬
‫‪ - 1‬ما يتعمق بالعموم في القرآن‬
‫وفيو قاعدتان‪:‬‬
‫أـ الخبر عمى عمومو حتى يأتي ما يخصصو‪]98[ :‬‬
‫ب ـ العبرة بعموم المفظ ال بخصوص السبب‪.‬‬
‫شرح القاعدتين مع األمثمة‪:‬‬
‫أـ الخبر عمى عمومو حتى يأتي ما يخصصو‪:‬‬
‫أخبار اهلل في القرآن تأتي في كثير من األحيان عامة غير مخصَّصة‪ ،‬وقد يذكر بعض‬
‫مخصصة ليذا العموم‪ ،‬فيقال في مثل ىذا‪( :‬الخبر عمى‬
‫ِّ‬ ‫المفسرين أقواالً ىي في معناىا‬
‫يخصصو) (‪.)1‬‬ ‫ِّ‬ ‫عمومو حتى يأتي ما‬
‫{وَوالِ ٍد َو َما َولَ َد} [البمد‪.]3 :‬‬
‫مثال‪ :‬قولو تعالى‪َ :‬‬
‫قيل‪ :‬آدم وولده‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إبراىيم وولده‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬عام في كل والد وما ولد‪.‬‬
‫قال ابن جرير الطبري‪« :‬والصواب من القول في ذلك ما قالو الذين قالوا‪ :‬إن اهلل أقسم‬
‫عم كل والد وما ولد‪.‬‬
‫بكل والد وولده؛ ألن اهلل َّ‬
‫ب ـ العبرة بعموم المفظ ال بخصوص السبب‪:‬‬
‫إذا قيل في آية‪ :‬إنيا نزلت في كذا‪ ،‬فيذا ال يعني أنيا تُقصر عمى ىذا السبب‪ ،‬بل المراد‬
‫خاصاً (‪]99[ .)2‬‬
‫ّ‬ ‫تعمم ىذه األلفاظ وان كان السبب‬ ‫ىنا األلفاظ‪ ،‬ولذا َّ‬
‫مثال قولو تعالى‪{ :‬إِ َّن َشانَِئ َك ُى َو األ َْبتَُر} [الكوثر‪.]3 :‬‬
‫قيل‪ :‬نزلت في العاص بن وائل السيمي‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬نزلت في عقبة بن أبي معيط‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬نزلت في جماعة من قريش‪.‬‬
‫قال ابن جرير الطبري‪« :‬وأولى األقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال‪ :‬إن اهلل تعالى‬
‫ِذ ْك ُره أخبر أن مبغض رسول اهلل صمّى اهلل عميو وسمّم ىو األقل األذل المنقطع عقبو‪،‬‬
‫فذلك صفة كل من أبغضو من الناس‪ ،‬وان كانت اآلية نزلت في شخص بعينو» (‪.)3‬‬
‫اء ِف ِ‬
‫ِّب ِمن السَّم ِ‬
‫ق} ‪[ ...‬البقرة‪.]19 :‬‬
‫ات َوَر ْع ٌد َوَب ْر ٌ‬
‫يو ظُمُ َم ٌ‬ ‫َ‬ ‫صي ٍ َ‬ ‫مثال‪ :‬قولو تعالى‪{ :‬أ َْو َك َ‬
‫قال الشنقيطي‪« :‬واآلية التي نحن بصددىا وان كانت في المنافقين‪ ،‬فالعبرة بعموم المفظ‬
‫ال بخصوص األسباب» (‪.)4‬‬
‫‪ - 2‬ما يتعمق بالسياق القرآني‬
‫إن النظر في سياق اآلية من حيث سباقيا ولحاقيا يعين عمى تعيين القول الراجح‪ ،‬وقد‬
‫اىتم كثير من المفسرين بالسياق في ترجيح أحد األقوال أو ردىا لمخالفتيا السياق‪ ،‬وقد‬
‫عاماً محتمالً ألكثر من معنى فيحدد بالسياق أحد ىذه المعاني؛ ألنو أولى‬ ‫يكون المفظ ّ‬
‫بو وأقرب إليو‪ ،‬مع أن غيره من األقوال محتمل‪.‬‬
‫مثال‪ :‬قولو تعالى‪َّ ِ :‬‬
‫اآلن‬
‫اب َعمَ ْي ُك ْم َو َعفَا َع ْن ُك ْم فَ َ‬ ‫{عم َم الموُ أََّن ُك ْم ُك ْنتُ ْم تَ ْختَ ُان َ‬
‫ون أ َْنفُ َس ُك ْم فَتَ َ‬ ‫َ‬
‫ب المَّوُ لَ ُك ْم} [البقرة‪.]187 :‬‬ ‫وى َّن َو ْابتَ ُغوا َما َكتَ َ‬
‫ِ‬
‫َباش ُر ُ‬
‫ب المَّوُ} قيل‪ :‬ىو الولد‪.‬‬ ‫{ما َكتَ َ‬
‫ففي تأويل‪َ :‬‬
‫وقيل‪ :‬ليمة القدر‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ما أحمو اهلل لكم ورخص لكم‪.‬‬
‫‪ - 3‬ما يتعمق برسم المصحف‬
‫المراد أن رسم المصحف يرجح أحد األقوال المذكورة في اآلية‪ ،‬ويرد اآلخر لمخالفتو‬
‫الرسم‪.‬‬
‫{س ُن ْق ِرُئ َ‬
‫ك فَالَ تَْن َسى} [األعمى‪.]6 :‬‬ ‫مثال‪ :‬قولو تعالى‪َ :‬‬
‫قيل في (ال) قوالن‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنيا نافية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنيا ناىية‪.‬‬
‫ويترجح األول؛ ألن رسم (تنسى) في المصحف بإثبات األلف المقصورة‪ ،‬والفعل‬
‫المضارع إذا تقدمت عميو (ال) الناىية جزمتو‪ ،‬فإذا جزم وفي نيايتو حرف عمة ُح ِذف‪،‬‬
‫أن (ال) ىنا غير ناىية‪.‬‬
‫ولما كان حرف العمة ىنا غير محذوف دل عمى ّ‬
‫قال القرطبي‪« :‬واألول ىو المختار ـ أي‪ :‬كونيا نافية ـ؛ إن االستثناء من النيي ال يكاد‬
‫القراء» (‪.)1‬‬
‫يكون إال مؤقتاً‪ ،‬وأيضاً فإن الياء مثبتة في جميع المصاحف‪ ،‬وعمييا َّ‬
‫‪ - 4‬ما يتعمق باألغمب من لغة العرب‬
‫إنما يحمل كالم اهلل عمى األغمب المعروف من لغة العرب‪ ،‬دون األنكر المجيول أو‬
‫الشاذ‪.‬‬
‫وذلك أن يكون لمكممة في لغة العرب أكثر من معنى‪ ،‬فيختار المفسر المعروف األغمب‬
‫إال أن يقع دليل عمى غير ذلك‪.‬‬
‫ون ِفييَا َب ْرًدا َوالَ َش َرًابا} [النبأ‪.]24 :‬‬
‫مثال‪ :‬قولو تعالى‪{ :‬الَ َي ُذوقُ َ‬
‫‪ - 5‬ما يتعمق بالمعنى الشرعي‬
‫لما كان القرآن نازالً بمغة العرب‪ ،‬فإنو قد وقع فيو من األلفاظ ما ليا دالالت خاصة في‬
‫الشرع لم تكن معروفة قبل عند العرب‪ ،‬وىذه األلفاظ ىي مصطمحات وأسماء شرعية‪،‬‬
‫وقد أُلِّف فييا كتب؛ ككتاب «الزينة في الكممات اإلسالمية» لحمدان الرازي‬
‫(ت‪322:‬ىـ)‪.‬‬
‫ومن ىذه األلفاظ الجنة والنار‪ ،‬الصالة والزكاة‪ ،‬العمرة والحج‪ ،‬البعث والنشور‪ ،‬وغيرىا‬
‫من الكممات التي صار ليا مدلول خاص عند المسمم‪ ،‬فإذا سمع أحد ىذه األلفاظ تبادر‬
‫إلى ذىنو المعنى الشرعي ليا‪.‬‬
‫والمقصود ىنا أنو إذا اختمف المعنى الشرعي والمعنى المغوي فإن َّ‬
‫المقدم المعنى‬
‫الشرعي؛ ألن القرآن نزل لبيان الشرع ال لبيان المغة‪ ،‬إال أن يكون ىناك دليل يترجح بو‬
‫المعنى المغوي‪ ،‬فيؤخذ بو‪.‬‬
‫‪ - 6‬ما يتعمق بتصريف المفظة‬
‫معرفة تصريف المفظة وارجاعيا إلى أصميا يعين في بيان الراجح من األقوال‪ ،‬ورد ما‬
‫كان غير صواب‪.‬‬
‫وال شك أن األلفاظ تختمف معانييا باختالف تصريفيا وان كانت من مادة واحدة مثل‬
‫(قسط وأقسط)‪.‬‬
‫ون فَ َك ُانوا لِ َجيََّن َم َحطًَبا}‬ ‫ِ‬
‫َما ا ْلقَاسطُ َ‬‫{وأ َّ‬
‫فقسط بمعنى جار‪ ،‬ولم يعدل‪ ،‬ومنو قولو تعالى‪َ :‬‬
‫[الجن‪.]15 :‬‬
‫ين} [المائدة‪.]42 :‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫وأقسط بمعنى عدل‪ ،‬ومنو قولو تعالى‪{ :‬إِ َّن المَّوَ ُي ِح ُّ‬
‫ب ا ْل ُم ْقسط َ‬
‫‪ - 7‬ما يتعمق بالتقديم والتأخير‬
‫األصل في الكالم تقديم ما حقو التقديم‪ ،‬وتأخير ما حقو التأخير‪ ،‬وال يعدل عن ىذا‬
‫األصل إال بحجة يجب التسميم ليا‪.‬‬
‫قال أبو جعفر النحاس‪« :‬التقديم والتأخير إنما يكون إذا لم يجز غيرىما» (‪.)1‬‬
‫وقال أبو عمرو الداني‪« :‬التقديم والتأخير ال يصح إال بتوقيف أو بدليل قاطع» (‪.)2‬‬
‫‪ - 8‬ما يتعمق بظاىر القرآن‬
‫المراد من ىذا أن ظاىر القرآن ال يجوز العدول عنو إال بدليل يجب الرجوع إليو‪ ،‬أو كما‬
‫قال اإلمام ابن جرير‪« :‬غير جائز ترك الظاىر المفيوم من الكالم إلى باطن إال بدليل»‬
‫(‪.)1‬‬
‫ِِ‬ ‫َّ‬ ‫َّب ِر و َّ ِ‬ ‫مثال‪ :‬قولو تعالى‪{ :‬و ْ ِ ِ‬
‫الصالَة َوِاَّنيَا لَ َكبِ َيرةٌ ِإال َعمَى ا ْل َخاشع َ‬
‫ين} [البقرة‪:‬‬ ‫استَع ُينوا بالص ْ َ‬ ‫َ‬
‫‪.]45‬‬
‫{وِاَّنيَا} وان الصالة‪ ،‬فالياء واأللف في «إنيا»‬
‫قال ابن جرير‪« :‬يعني بقولو جل ثناءه‪َ :‬‬
‫عائدتان عمى الصالة‪.‬‬
‫{وِاَّنيَا} بمعنى إجابة محمد صمّى اهلل عميو وسمّم‪ ،‬ولم َي ْج ِر‬
‫وقد قال بعضيم‪ :‬إن قولو‪َ :‬‬
‫ذلك بمفظ اإلجابة ذكر‪ ،‬فتجعل الياء واأللف كناية عنو‪ ،‬وغير جائز ترك الظاىر‬
‫المفيوم من الكالم إلى باطن ال داللة عمى صحتو» (‪.)2‬‬
‫‪ - 9‬ما يتعمق بطريقة القرآن‬
‫والمراد ىنا أن اختيار التأويل الموافق لطريقة القرآن الكمية أو األغمبية أولى من غيره‪.‬‬
‫آن تُرجِّح إحدى التأويالت عمى غيرىا‪ ،‬وقد تَُرُّد بعض األقوال‬ ‫وىذا يعني أن طريقة القر ُ‬
‫ألنيا عمى غير طريقة القرآن ومعيوده في االستعمال‪.‬‬
‫مثال‪ :‬قولو تعالى‪{ :‬إَِّنوُ َعمَى َر ْج ِع ِو لَقَ ِادٌر} [الطارق‪.]8 :‬‬
‫{ر ْج ِع ِو} قوالن‪:‬‬ ‫في مرجع الضمير في َ‬
‫األول‪ :‬أنو يعود إلى اإلنسان‪ ،‬ويكون المعنى‪ :‬قادر عمى رده لمحياة بعد موتو‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنو يعود إلى الماء‪ ،‬ويكون المعنى‪ :‬قادر عمى رد الماء إلى الصمب ـ‪ - 11‬ما‬
‫يتعمق بإجماع الحجة أو قول األكثر من الصحابة والتابعين‬
‫استخدام ابن جرير في ترجيحاتو إجماع الحجة ـ وىو قول األكثر عنده ـ استخدمو في‬
‫ترجيح أحد األقوال أو في تخطئتيا‪.‬‬
‫اس} [البقرة‪.]199 :‬‬ ‫اض َّ‬
‫الن ُ‬ ‫يضوا ِم ْن َح ْي ُ‬
‫ث أَفَ َ‬
‫ِ‬
‫مثال‪ :‬قولو تعالى‪{ :‬ثَُّم أَف ُ‬
‫قيل‪ :‬األمر لقريش‪ ،‬والناس من عداىم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬األمر لممسممين‪ ،‬والناس وابراىيم عميو السالم‪ ،‬وىو قول الضحاك‪.‬‬
‫‪ - 11‬الترجيح باالستعمال العربي‬
‫المراد بيذه القاعدة أن االستعمال العربي لمفظة أو األسموب يكون دليالً في ترجيح أحد‬
‫األقوال عمى غيرىا‪.‬‬
‫اء فَ ِاقعٌ لَ ْوُنيَا} [البقرة‪.]69 :‬‬ ‫ومن أمثمة ذلك‪ :‬قولو تعالى‪{ :‬قَا َل إَِّنوُ َيقُو ُل إَِّنيَا َبقَ َرةٌ َ‬
‫ص ْف َر ُ‬
‫رد ابن جرير قول من قال‪ :‬فاقع‪ :‬سوداء شديدة السواد‪.‬‬
‫‪ - 12‬الترجيح بالسنة النبوية‬
‫ال شك أن تفسير النبي صمّى اهلل عميو وسمّم مقدم عمى تفسير غيره‪ ،‬ولكن قد يكون في‬
‫النصوص احتمال؛ فيستند المفسر عمى السنة النبوية لبيان األقوى منيا‪ ،‬ومن ذلك ما‬
‫ألت َوتَقُو ُل َى ْل ِم ْن َم ِز ٍيد} [ق‪.]31 :‬‬
‫ورد في قولو تعالى‪{ :‬يوم َنقُو ُل لِجيَّنم ى ِل امتَ ِ‬
‫َََ َ ْ‬ ‫َْ َ‬
‫{ى ْل ِم ْن َم ِز ٍيد} قولين‪:‬‬
‫أورد ابن جرير في معنى قولو تعالى‪َ :‬‬
‫األول‪ :‬أنيا بمعنى‪ :‬النفي‪ ،‬بمعنى‪ :‬ما من مزيد؛ ألنيا قد امتألت‪ ،‬وكأن قوليا ىذا من‬
‫باب التأفف من ىؤالء الكفار الذي ألقوا فييا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنيا بمعنى‪ :‬االستزادة‪ ،‬وأنيا تطمب مزيداً إن كان ىناك مزيداً‪.‬‬
‫‪ - 13‬التأسيس أولى من التأكيد‬
‫المراد بيذه القاعدة أن الكالم إذا دار بين التأسيس والتأكيد ُح ِمل عمى التأسيس‪.‬‬
‫صالِ ًحا ِم ْن َذ َك ٍر أ َْو أ ُْنثَى َو ُى َو ُم ْؤ ِم ٌن‬ ‫ِ‬
‫{م ْن َعم َل َ‬ ‫ومن أمثمة ىذه القاعدة قولو تعالى‪َ :‬‬
‫ون} [النحل‪.]97 :‬‬ ‫َج َرُى ْم بِأ ْ‬
‫َح َس ِن َما َك ُانوا َي ْع َممُ َ‬ ‫َفمَُن ْحيَِيَّنوُ َح َياةً طَيَِّبةً َوَلَن ْج ِزَيَّنيُ ْم أ ْ‬
‫لمعمماء في المراد بالحياة الطيبة قوالن‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنيا في الدنيا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنيا في اآلخرة‪ ،‬بدخول الجنة‪.‬‬
‫‪ - 14‬األصل في الضمير أن يعود إلى أقرب مذكور‬
‫المراد بيذه القاعدة أن الضمائر ـ ويمحق بيا ما يناسب قاعدة الضمير من أسماء اإلشارة‬
‫وما شابييا ـ إذا احتمل عودىا إلى أكثر من مذكور‪ ،‬فاألصل عودىا إلى أقرب مذكور‪.‬‬
‫اد ِة ا ْل َكبِير ا ْلمتَع ِ‬
‫ال‬ ‫{عالِم ا ْل َغ ْي ِب و َّ‬
‫الشيَ َ‬
‫ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫من أمثمة رجوع الضمير ألقرب مذكور قولو تعالى‪ُ َ :‬‬
‫ب بِ َّ‬
‫النيَ ِار * لَوُ‬ ‫ف بِالمَّْي ِل َو َس ِار ٌ‬
‫*سواء ِم ْن ُكم من أَس َّر ا ْلقَو َل ومن جير بِ ِو ومن ىو مستَ ْخ ٍ‬
‫َ َ ْ َُ ُ ْ‬ ‫ْ َ َ ْ َ ََ‬ ‫ََ ٌ ْ َ ْ َ‬
‫ونوُ ِم ْن أ َْم ِر المَّ ِو}‬
‫ات ِم ْن َب ْي ِن َي َد ْي ِو َو ِم ْن َخ ْم ِف ِو َي ْح َفظُ َ‬
‫ُم َعقَِّب ٌ‬
‫‪ - 15‬األصل توافق الضمائر في المرجع حذ اًر من التشتت (‪)1‬‬
‫المراد بيذه القاعدة أن الضمائر التي يحتمل رجوعيا إلى مرجع واحد‪ ،‬ويحتمل توزيعيا‬
‫عمى أكثر من مرجع‪ ،‬فإن األولى رجوعيا إلى مرجع واحد؛ ألن في توزيعيا عمى أكثر‬
‫من مرجع تفكيكاً لمنظم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن أمثمة ىذه القاعدة قولو تعالى‪{ :‬لتُ ْؤ ِم ُنوا بِالمو َوَر ُسولِو َوتُ َعِّزُروهُ َوتَُوقِّ ُروهُ َوتُ َسب ُ‬
‫ِّحوهُ ُب ْك َرةً‬
‫{وتُ َعِّزُروهُ َوتَُوقِّ ُروهُ}‬ ‫ِ‬
‫َوأَصيالً} [الفتح‪ ،]9 :‬اختمف العمماء في مرجع الضمائر في قولو‪َ :‬‬
‫ِّحوهُ} عائد إلى اهلل سبحانو وتعالى‪.‬‬
‫{وتُ َسب ُ‬
‫بعد إجماعيم عمى أن الضمير في َ‬
‫فقال بعض العمماء‪ :‬مرجع الضمائر إلى الرسول صمّى اهلل عميو وسمّم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬مرجعيا إلى اهلل سبحانو‪.‬‬
‫‪ - 16‬األصل عدم التقدير وال يمجأ إليو إال بحجة يجب الرجوع إلييا تثبت ىذا‬
‫المحذوف (‪)1‬‬
‫المراد بيذه القاعدة أن الخطاب إذا كان يفيم من غير حاجة إلى تقدير مقدر فال معنى‬
‫ليذا التقدير‪.‬‬
‫ون المَّوَ َوَر ُسولَوُ َوَي ْس َع ْو َن ِفي‬
‫ين ُي َح ِارُب َ‬
‫ومن أمثمة ىذه القاعدة قولو تعالى‪{ :‬إَِّنما ج َز َِّ‬
‫اء الذ َ‬
‫َ َ ُ‬
‫ف أ َْو ُي ْنفَ ْوا ِم َن‬‫ادا أَن يقَتَّمُوا أَو يصمَّبوا أَو تُقَطَّع أ َْي ِدي ِيم وأَرجمُيم ِمن ِخالَ ٍ‬ ‫األ َْر ِ‬
‫ْ َ ْ ُ ُْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َُ ْ‬ ‫ض فَ َس ً ْ ُ‬
‫األ َْر ِ‬
‫ض} [المائدة‪.]33 :‬‬

You might also like