Professional Documents
Culture Documents
96022974
96022974
أبو سيف ،محمود ( .)2022العلوم المفتوحة (الحرة) هل الوجه المضاد للملكية الفكرية؟ نشر خاص ،منصة أكاديميا.
مع تطور العلوم ودخول الثورة الصناعية األولى خالل القرن الثامن عشر وتوهج ثورتها خالل القرن التاسع عشر في أوروبا
الغربية ،ومحاولة الدول للحفاظ على سرية ما توصلت إليه من أبحاث في كافة فروع العلم وما نتج عنها من اختراعات
واكتشافات غيرت شكل العالم ،وكان لها األثر البالغ على الحياة االقتصادية واالجتماعية والسياسية سواء في أوروبا أو خارجها.
هذا األمر أدى بال شك ملحاولة هذه الدول الحفاظ على ما تمتلكه من علوم كملكية فكرية لها دون غيرها ،تمكنها من ازدياد
ً هيمنتها وتوسيع نفوذهاً ،
وأيضا زيادة الفجوة بينها وبين دول العالم األخرى ،والتي ستبقى أسواقا مستدامة ملنتجات هذه الثورة،
إال إن الحروب والتوسعات االستعمارية لهذه الدول األوروبية أدت إلى خوفها من بعض ،وتفوق بعضها على اآلخر ،خاصة في
تلك الفترة امللتهبة من التاريخ بنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ،فبمراجعتي لتاريخ املنظمة العاملية للملكية
الفكرية WIPOوجدت إن نشأتها كانت في عام 1883من خالل معاهدة باريس ،ثم تطورت ثم معاهدة بيرن سنة 1886بقيادة
فيكتور هوجو لحماية األدب ،إلى أن أصبحت بشكلها الجديد في جنيف سنة .1976فكانت هذه الدول حريصة كل الحرص
على أن تحمي رأس مالها الفكري ،الذي ُيشكل املصدر الرئيس لالقتصاد املعتمد على الصناعة والتصدير ،إال إن كل تلك
املحاوالت البينية اصطدمت بأسواق أخرى ،خاصة بعد الحرب العاملية الثانية ،بظهور أسواق أخرى تمكنت من البناء على ما
احتفظت به تلك الدول ،مثل كوريا والصين وماليزيا وغيرها ،بل واستطاعت هذه الدول تطوير أسلوبها الذي فاق في أحيان
كثيرة الفكر األوروبي .فزادت حدة الحرب على حفظ حقوق امللكية الفكرية.
الصين دوما متهمة من العالم الرأسمالي بالقرصنة وعدم الحفاظ على حقوق امللكية الفكرية ،فعلى سبيل املثال في أواخر
الثمانينيات وأوائل التسعينيات ،خسرت الواليات املتحدة حوالي ملياري دوالر من اإليرادات ً
سنويا بسبب القرصنة املتفشية
في الصين .مما دفعها لفرض قيود وعقوبات كبيرة على الصين ،األمر الذي أدى إلى اهتمام الحكومة الصينية بحفظ حقوق
امللكية الفكرية ،بل وانتشرت ثقافة امللكية الفكرية.
هنا البد أن يكون لنا وقفة سريعة ،هل سياسات امللكية الفكرية أفادت العالم أم أضرته ( هذا من منظور أن الصين تمارس
القرصنة وال ُتراعي حقوق امللكية الفكرية) ،دعنا نبدأ بمجال واضح وجلي في يدي كل البشر ،أال وهي الهواتف الذكية،
ُ
استطاعت الصين أن تنتج ماركات صينية مثل هواوي أحدثت طفرة عاملية في هذا املجال ،وعلى مستويات أخرى ،لو تركت
الصين السوق العاملي للدول الرأسمالية الزدادت الدول الفقيرة ً
فقرا الرتفاع تكلفة منتجاتها ،فال تستطيع دولة واحدة في
العالم االستغناء عن الصين في كافة املجاالت وكافة مراحل سلسلة القيمة ألي منتج ،وعلى مستوى السيارات باتت اآلن
منافسة من حيث الجودة والسعر مقارنة باملاركات األخرى ،كل هذا كان باستفادتها من حقوق اآلخرين ،بل واستطاعت
تطويره وتقديم نماذج أكثر ابتكارية وذكاء .هنا أعود إلى السؤال املزدوج هل استطاع السوق الرأسمالي إيقاف الصين؟ بل
واألكثر إثارة هل استطاع السوق الرأسمالي نفسه االستغناء عن الصين؟ األمر إذن يتطلب نظرة أخرى في إتاحية املعرفة ،ال
أقصد فقط البحوث ،وإنما ملكية التصاميم والصناعات.
ً
ومنفتحا بعد انتشارفيروس كورونا العالم أصبح ً
مثاليا
ً
(أنانيا أقصد) في السماح ً
ومتعاونا الحقيقة استوقفتني الفكرة بعد انتشار فيروس كورونا ،والحظت كم كان العالم مثال ًيا
باستخدام كافة املوارد املنشورة دون حقوق ملكية فكرية ،وسمحوا بتبادلها ونشرها .فعندما خرج األمر من يد رعاة امللكية
ُ ً
مستعصيا الوصول لحلول سريعة ،فتح الباب على مصراعيه للعلوم املفتوحة ،فعلى سبيل املثال سارعت الفكرية وبات
املفوضية األوروبية عام 2020بالتعاطي مع االتجاه العاملي "الحق في (فتح) العلم" على مستوى السياسة ومستوى البنية
التحتية .أطلقت البيان الخاص "تعظيم إمكانية الوصول إلى نتائج األبحاث في مكافحة كوفيد Maximising the 19
’ ،"accessibility of research results in the fight against COVID-19والذي نتج عنه ثالثة مبادئ تضمنت )1( :لإلعالن
عن جميع حاالت COVIDوإتاحتها للجميع )2( 19-إتاحة جميع األوراق وبيانات البحث على الفور بشكل مفتوح ،و ( )3منح
تراخيص غير حصرية خالية من حقوق امللكية على امللكية الفكرية الناتجة عن املشاريع املمولة من االتحاد األوروبي.
ببساطة امللكية الفكرية هي الحق القانوني للمالك (والذي تم إثباته في أي وسيط) في االحتفاظ بما توصل إليه سواء كانت
اكتشافات أو معارف أو معلومات أو حتى نواحي أدبية أو غيرها ،بل ومطالبة اآلخرين بالتوقف عن أي استخدامها والحصول
على تعويض في حالة االستخدام غير القانوني .واملتعارف عليه في هذا املجال أن املصطلح ُيشير إلى أربع مجاالت رئيسة :حق
املؤلف ،copyrightوبراءات االختراع ،patentsوالعالمات التجارية ،trademarksواألسرار التجاريةtrade secret،
ً
انطالقا من هذا ومع إيماني الشديد بأهمية امللكية الفكرية في الحفاظ على الحقوق ،إال إن ذلك اإليمان يصطدم باملنفعة
العامة ،فعلى سبيل املثال لدينا شاب فقير يود ارتداء قميص جميل ،وعلى جانب آخر هناك رائد أعمال صغير في حارة فقيرة
ً
قميصا بتصميم عاملي، لديه مصنع صغير لصناعة املالبس ،هذا يعرف دخل ذاك ،وذاك يفهم جودة هذا ،فيصمم هذا
ويلبسه هذا ويفرح به ،فلو منعنا هذا من انتاج ذلك القميص ،ما كان ليكون رائد أعمال ،وما كان ذاك ليلبس ما يحب .البد
ُ
لهذا العالم أن ُيراعي احتياجات الفقراء .هذا املثال بالضبط هو املتبع بيه الدول.
بداية من حيث مفهوم العلم املفتوح ،فلو بحثت في أي مكان أو حتى ويكيبيديا ،ستجد املفاهيم الكثيرة ،هنا أبسط لك األمر،
من وجهة نظري العلم املفتوح بدرجة كبيرة أو صغيرة يأخذ بعض التناقض مع امللكية الفكرية ،وذلك فقط على املستويات
السياسية الكبرى ،فالعلم املفتوح هو ذلك العلم الذي يتيح لكل البشر حق املعرفة بأي مجال ،فيتضمن البيانات املفتوحة
واملعلومات املفتوحة والعمليات واإلجراءات املفتوحة وآخر ما توصل إليه الفكر البشري ،فهو حق من حقوق البشر،
وسينفع كل البشر ،ويزداد معه االبداع واالبتكار ،وهنا استشهد بما ذكرته إيرين ماكيرنان ( )2014في منشور لها في صحيفة
الغارديان إلى أن "الوصول إلى املعلومات هو حق من حقوق اإلنسان ،ولكن ً
غالبا ما يتم التعامل معه على أنه امتياز.
ُ ُ ُ
العلوم املقيدة تحرم الكثير من املبدعين واملبتكرين والباحثين من دول العالم الثالث من الخروج بمبتكراتهم للنور ،على
العالم أن ُيغير طريقة تفكيره ،فامللكية الفكرية باتت سهل اختراقها مع تطور العلوم ،وانفجار الثورة .مع هذه الثورة وما
تضمنه من ذكاء اصطناعي ،باتت امللكية الفكرية في مهب الريح .هنا أتذكر مصطلح الصومعة التنظيمية وأربطه بامللكية
الفكرية ،وفكرة الصومعة أن املنظمات أو الدول تنكفئ على نفسها وال ترغب في املشاركة مع اآلخرين ،وكانت السبب الرئيس
ُ
في انهيار شركة نوكيا ،هذا املثال ينطبق على العلم املفتوح في ظل الثورة الصناعية الرابعة ،البد للدول أن تشجع الفكر
اإلبداعي واالبتكاري في كل بقعة من بقاع األرض ،وفتح كل أبوا املعرفة املجانية أمامه؛ إلن ذلك ببساطة سينعكس على كل
أفراد العالم بما فيهم أفراد املجتمعات املتحفظة على العلم املفتوح.
يأتي أحدهم ليقول وكيف ستكون التنافسية العاملية في ظل اإلتاحية العلمية؟ ،هنا تبادر لذهني مباشرة "مثال قد يكون
بعيدا عن املوضوع ،إنما يلمسه ،وهو كيف لشركات االستشارات العاملية من القطاع الخاص تنشر كيفية عمل استراتيجية ً
مؤسسية أو قطاعية ما ،وبالتفصيل ،ومع ذلك ال تستطيع الشركات األخرى إخراجها من السوق ،أو إن طباخ شهير ينشر كل
وصفاته على يوتيوب ،وتجد مطعمه هو األشهر" فقط ،وأدعو القارئ للتفكر في ذلك.