Professional Documents
Culture Documents
المحكمات والمتشابهات بين القرآن والفقه متشابها مثاني سبعا من المثاني
المحكمات والمتشابهات بين القرآن والفقه متشابها مثاني سبعا من المثاني
المحكمات والمتشابهات بين القرآن والفقه متشابها مثاني سبعا من المثاني
القرآن والفقه
متشابها مثاني
سبعا من المثاني
~~1
خليد بنعكراش
متشابها مثاني
سبعا من المثاني
~~2
الفهرس
مقدمة8.............................................
الكتاب والقرآن59...................................
أمّ الكتاب6=........................................
متشابهات79........................................
تأو يله84............................................
الراسخون في العلم8:..................................
منه وفيه97..........................................
متشابها مثاني:4......................................
سبعا من المثاني<5...................................
~~3
مقدمة
قال الل ّه تعالى في سورة آل عمران;[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ
ل
اب و َ ُأخَر ُات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ
كم َ ٌ
مح ْ َ
َات ُ
ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ آي ٌ
عَلَي ْ َ
ن فِي قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَي ََّت ّب ِع ُونَ م َا تَش َاب َه َ
ات ف َأَ َّمّا ال َّ ّذ ِي َ
م ُتَش َابِه َ ٌ
مِن ْه ُ اب ْتِغ َاء َ الْفِت ْنَة ِ و َاب ْتِغ َاء َ ت َأْ وِ يلِه ِ وَم َا يَعْلَم ُ ت َأْ وِ يلَه ُ ِإ َّلّا َّ
الل ّه ُ
لٌّ م ِنْ عِنْدِ ر َب ّنَِا وَم َا ن فِي ال ْعِلْم ِ يَق ُولُونَ آم ََّن ّا بِه ِ ك ُ ّ و َّ
َالر ّاسِ خ ُو َ
ي َ َّذّ َّك ّر ُ ِإ َّلّا ُأولُو الْأَ ل ْب َ ِ
اب] كما يعلم الجميع بأن هذه الآية هي
مصدر فقه المحكم والمتشابه ,وما نتج عنه من اختلافات
في الآراء بين الفقهاء ,وذلك لأزيد من ألف سنة,
ل كن يجب أن نعلم كذلك بأن الل ّه تعالى أنزل كتابه
فأحكم آياته ,ثم فصّ لها ل كي لا يكون اختلاف في
تدبرها ,وذلك بوضعه سبحانه قواعد أساسية ومحدّدة
ل كي لا يكون في القرآن ما يدعو إلى الاختلاف ,ولهذا
قال تعالى في سورة النساء[<6أَ فَلَا يَتَد َ َّب ّر ُونَ الْقُر ْءَا َ
ن و َلَوْ
ك َانَ م ِنْ عِندِ غَيْرِ ا َّلل ّه ِ لَوَجَد ُوا ف ِيه ِ اخْ ت ِل َافًا كَث ِير ًا]
~~4
فكلما وجدنا اختلافا في تفسير آية ما ,أو كان تفسيرها
يناقض تفسير آية أخرى ,أو يناقض المنطق أو العقل,
أو إنسانية البشر ,أو رحمة الرحمان ,وجب أن نعلم بأن
تفسير تلك الآية لا يطابق قول الل ّه تعالى ,وبالتالي
وجب التجرد من كل تقديس وتعظيم لأقوال آبائنا,
والتحر ّر من تلك الأكنة التي سبتنا بها عقولنا ,والقوللة
التي ألبسنا بها قول الل ّه سبحانه ,بظن ِّنا أن ما عقله
أسلافنا ,والذي يناسب الحقبة التي عاشوا فيها والآليات
المتوفرة لديهم آنذاك ,هو الحقيقة المطلقة ,ولا يمكن أن
يكونوا قد أخطأوا ,وبالتالي الاستمرار في جعل فقه
المحكم والمتشابه خاضعا لأول تفسير فُس ّرت به الآية,
وبما أن تدبرها لم يخضع للقواعد الربانية ,كما الحال لجميع
آيات الكتاب ,وهذا ما سنحاول تبيانه ,أدّى إلى تعدّد
تعر يفات المحكم والمتشابه ,والتي سنذكر البعض منها
بطر يقة ملخصة من كتاب <الإتقان في علوم القرآن>
للمرحوم جلال الدين السيوطي ,الذي تحدث فيه عن
~~5
أغلب التعر يفات للمحكم والمتشابه التي جاء بها جل
الفقهاء الذين عاشوا من قبله ,أي القرن التاسع
الهجري.
ب ُأحْكِم َْت
أولهم> أن القرآن كله محكم لقوله تعالى[كِتاَ ٌ
آي َاتُه ُ] ونحن نقول كما سيقول كل عاقل ,بأن هذا قول
صحيح لأن ما قاله وما استدل به لا يتناقضان.
~~7
ونحن نقول ,بأن كل هذا خطأ ,لأن ما جاء به
السيوطي هنا يتكلم عن مضمون الآيات ,وليس الآيات
نفسها ,لأن الل ّه تعالى أحكم آياته ,وليس أنبائه التي بي ّنها
تعالى وفصّ لها كما هو الشأن لأحكامه ,وهناك من الأنباء
ما أصبحنا نعلمها قبل وقوعها كقيام الساعة مثلا,
وذلك بواسطة العلم ,إلا ّ أمرين لا يمكن لأحد أن
يعلمهما في الحياة الدنيا ,وهما الوجود المادّي لل ّه تعالى
و يوم الحساب ,ولهذا أمرنا سبحانه بالظن بهما ,أي
الإيمان بهما ,وليس بتصديقهما ,ولهذا قال تعالى في
ن يَظ ُُن ّونَ أَ َّ ّنه ُم ُمّل َاق ُوا ر َ ّبِه ِ ْم و َأَ َّ ّنه ُ ْم
سورة البقرة[8:ال َّ ّذ ِي َ
ن
ِإلَيْه ِ ر َاجِع ُون] وليس يعلمون ,وفي سورة البقرة<[وَم ِ َ
ل ءَام ََّن ّا ب ِا َّلل ّه ِ و َب ِالْيَو ْ ِم ا ْلآ ِ
خر ِ وَم َا ه ُم ا َّلن ّا ِ
س م َن يَق ُو ُ
بِمُؤْم ِنِينَ] وليس يصدّقون.
~~8
كذلك لنتساءل مرة أخرى ,كيف لإله سبحانه أن
ينزل إلينا كتابا نحاسب على ما بداخله يوم القيامة,
و يجعل فيه ما لا نستطيع توضيح معناه؟ فما جدوى
إنزاله إذ ًا؟
~~9
هي َ
ق ق ُلْ ِ ن الر ِ ّ ْز ِات م ِ َ ج ل ِع ِبَادِه ِ و َال َّ ّ
طي ِّب َ ِ الل ّه ِ َّال ّتِي أَ ْ
خر َ َ َّ
ن آم َن ُوا فِي الْحي ََاة ِ ال ُد ّن ْيَا خ َالِصَة ً يَوْم َ ال ْق ِيَامَة ِ] تابع ل َِّل ّذ ِي َ
ن]
َات لِقَو ْ ٍم يَعْلَم ُو َ
ل الْآي ِ
َص ُ
ك نُف ِّ
سبحانه قائلا[كَذَل ِ َ
ف
وعندما قال في سورة النحل[55:وَل َا تَق ُولُوا لم َِا تَصِ ُ
ل و َهَذ َا ح َر َام ٌ] تابع سبحانه
أَ لْسِنَتُكُم ُ ال ْ كَذِبَ هَذ َا ح َلَا ٌ
الل ّه ِ
ن عَلَى َّ
ن يَفْت َر ُو َ الل ّه ِ ال ْ كَذِبَ ِإ َّ ّ
ن ال َّ ّذ ِي َ قائلا[لِتَفْت َر ُوا عَلَى َّ
ال ْ كَذِبَ ل َا يُفْلِحُونَ] وعندما قال في سورة يونس
ق فَجَعَل ْتُم ْ مِن ْه ُ
الل ّه ُ ل َك ُ ْم م ِنْ رِ ْز ٍ
ل َّ=ُ[9قلْ أَ ر َأَ ي ْتُم ْ م َا أَ ن ْز َ َ
آلل ّه ُ أَ ذِنَ ل َك ُ ْم أَ ْم
حَر َام ًا وَح َلَال ًا] تابع سبحانه قائلا[قُلْ َّ
الل ّه ِ تَفْت َر ُونَ]
عَلَى َّ
~~11
ومقدمه ومؤخره ,وأمثاله وأقسامه ,وما يؤمن به ولا
يعمل به.
ت م ِن ل َّ ّد ُ ْن حَك ٍ
ِيم خَب ِيرٍ]؟ ث َُّم ّ ف ُ ِّ
صل َ ْ
فكما نرى ,هذه الاختلافات كلها آراء بشر ية ,وليس لها
أيّ صلة بكتاب الل ّه تعالى الذي أنزله بعلمه ,ووضع له
قواعدا لتدبره ,كما هو الشأن للعلوم التي اكتشفها
~~11
الإنسان ,ووضع لها هو كذلك قواعدا للعمل بها ,كعلوم
الر ياضيات والفيز ياء مثلا ,وبما أن الل ّه تعالى قال في
ل ذِي عِلْم ٍ عَل ِيم ٌ]
كتابه في سورة يوسف[;:و َفَوْقَ ك ُ ّ ِ
وجب علينا أن نخضع لقواعد علم الل ّه سبحانه ,وهذا ما
سنقوم به في آية المحكم والمتشابه ,كما هو الشأن في كل
ما نتدبره من آيات كتابه تعالى ,وسوف نرى بأن هذه
الآية لا علاقة لها بكل ما قيل عن المحكم والمتشابه,
وبأن كتاب الل ّه ليس فيه متشابه ,وبأن المتشابه ليس
هو نقيض المحكم ,وبأن كتاب الل ّه كل آياته محكمة,
وهذه الآيات منها ما هي متشابهة ,يعني أن الآية محكمة,
وهي القاعدة ,وقد تكون متشابهة مثاني.
ك
ب أَ نزَلْن َاه ُ ِإلَي ْ َ
فالل ّه تعالى قال في سورة ص=[6ك ِتاَ ٌ
م ُب َارَك ٌ لِّي َ َّ ّد َّب ّر ُوا ءَاي َاتِه ِ و َلِيَتَذ َ َّك ّر َ ُأولُوا الْأَ لْب َاب] وبما أننا
نريد أن نتدبر آية المحكم والمتشابه ,وجب علينا أن نلبّها
~~12
حتى نتعر ّف على معناها الحقيقي ,وذلك بتحليلها تحليلا
دقيقا يناسب علم الل ّه تعالى ,وطر يقة إحكام آيات كتابه.
ت م ِن ل َّ ّد ُ ْن حَك ٍ
ِيم خَب ِيرٍ] ب ُأحْكِم َْت ءَاي َاتُه ُ ث َُّم ّ ف ُ ِّ
صل َ ْ كِتاَ ٌ
ِيث
ن الْحَد ِ الل ّه ُ ن ََّز ّ َ
ل أَ حْ س َ َ وقوله تعالى في سورة الزمرَّ [67
~~13
كِتاَب ًا ُمّتَش َابِهًا َّمّثَان ِي] حتى لا يناقض تفسير آية تفسير
أخرى ,وبالتالي يكون تناقض في كلام الل ّه تعالى
حاشاه سبحانه ,وسوف نستحضر الآية التي كانت سببا
لنزول آية المحكم والمتشابه.
~~14
الكتاب والقرآن
~~15
ح الْأَ م ِينُ 461عَلَى ل بِه ِ ُ
الر ّو ُ سورة الشعراء[5=7ن َز َ َ
ن ع َرَ ب ِ ٍيّ م ُبِينٍ]
ن 462بِلِس َا ٍ
ن ال ْمُنْذِرِي َ
ك لِتَكُونَ م ِ َ
قَل ْب ِ َ
~~16
الل ّه ِ فَل ْيَت َو َ َّكّ ِ
ل ال ْمُؤْم ِن ُون] وهنا كما نرى ,قال تعالى و َعَلَى َّ
[كَت َبَ الل ّه لَنَا] يعني أوجب لنا وليس أوجب علينا,
فالل ّه تعالى أوجب أن يكون مرض وعافية ,وعقم
وخصوبة ,وكل شيء يصيبنا هو مما أوجب أن يكون,
ولا يمكن أن يصيبنا شيء لا وجود له في الأرض وغير
منطقي ,وبما أن المصحف يحتوي على ما أوجب علينا
تعالى من فرائض وأحكام ,وعلى ما أوجب أن يكون
كما هي القصص والأنباء التي جاءت في القرآن ,ولا
تخالف المنطق ,فكلمة الكتاب إذ ًا هي دلالة على محتوى
ما جاء به المصحف ,ولهذا عندما تكلم سبحانه عن ما
كتب لنا وما كتب علينا ,والذي جعله تعالى عبارة عن
آيات محكمات ل كي نعلمه ,استعمل كلمة الكتاب ,وليس
كلمة القرآن.
~~17
كن ْتَ تَت ْلُو م ِنْ قَبْلِه ِ م ِنْ
في سورة العنكبوت<[8وَم َا ُ
ك ِإذ ًا ل َارْت َابَ ال ْمُبْط ِلُونَ] وهنا كما اب وَل َا تَخ ُ ُ ّ
طه ُ بِيمَِين ِ َ كِت َ ٍ
نرى ,قال تعالى[وَل َا تَخ ُ ُ ّ
طه ُ] ولم يقل (تكتبه)لأنه يتكلم
خط الذي نعرفه بلسان العرب بفعل
سبحانه عن فعل ّ
ك] ولم يقل(بيدك)
كتب ,ولهذا تابع تعالى قائلا[بِيمَِين ِ َ
وذلك لأن كلمة يمين في القرآن هي دلالة على الجزء
المتقدم من اليد ,والذي يبدأ من رؤوس الأصابع إلى
خط ,ولهذا
كف ,وهو الذي نستعمله لل ّ
المعصم و يحتوي ال ّ
ك ي َا م ُوس َى
ك بِيمَِين ِ َ
قال تعالى في سورة طه;[5وَم َا تِل ْ َ
هي َ عَصَايَ أَ تَو َ َّكّ ُأ عَلَيْهَا و َأَ ه ُ ُّش بِهَا عَلَى غ َنَمِي
ل ِ
|45قَا َ
و َلِي َ ف ِيهَا م َآرِبُ ُأ ْ
خر َى] وقال كذلك في سورة
الصافات[=7ف َرَاغَ عَلَيْه ِ ْم ضَرْب ًا ب ِالْيم َِينِ] وذلك دلالة على
أن إبراهيم عليه السلام لم يستعمل أيّ آلة لدفع الأصنام
لإسقاطهن.
~~18
فعندما يستعمل تعالى كلمة الكتاب ,فذلك ليتكلم عن
ك
مضمون الوحي ,ولهذا قال تعالى في سورة البقرة[6ذَل ِ َ
الْكِتَابُ ل َا ر َي ْبَ ف ِيه ِ هُدًى لِل ْم َُّت ّق ِينَ] وهنا كما نرى ,قال
تعالى[الْكِتَابُ ] ثم قال[هُدًى لِّل ْم َُّت ّق ِينَ] يعني إن قام
المؤمن بما أحتوى عليه المصحف من أحكام وفرائض,
وآمن بما جاء به من أنباء ,وأخذ العبرة والموعظة مما
جاء به من قصص ,فهو من المتقين ,ولهذا قال تعالى
ك كذلك في سورة آل عمران;[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ
ل عَلَي ْ َ
اب و َ ُأخَر ُ
ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ
كم َ ٌ
مح ْ َ
َات ُ
الْكِتَابَ مِن ْه ُ آي ٌ
ات] وهنا كما نرى ,استعمل تعالى كلمة كتاب,
م ُتَشَابِه َ ٌ
وذلك لأنه يتكلم عن محتوى المصحف الذي يتكون
اب
من آيات محكمات كما ذكر تعالى في سورة هود[5كِت َ ٌ
ُأحْكِم َْت آي َاتُه ُ ث َُّم ّ ف ُِّصل َْت]
ل
وكذلك عندما قال تعالى في سورة البقرة=;[ف َو َي ْ ٌ
ن يَكْتُب ُونَ الْكِتَابَ ب ِأَ يْدِيه ِ ْم ث َُّم ّ يَق ُولُونَ هَذ َا م ِنْ عِنْدِ
ل َِّل ّذ ِي َ
~~19
الل ّه ِ لِيَشْت َر ُوا بِه ِ ثَمَنًا قَلِيل ًا ف َو َي ْ ٌ
ل لَه ُ ْم م َِّم ّا كَتَب َْت أَ يْدِيه ِ ْم َّ
ل لَه ُ ْم م َِّم ّا ي َ ْكسِب ُون] استعمل سبحانه فعل كتب, وَو َي ْ ٌ
وذلك دلالة على فعل أمر أو أوجب ,فعندما قال
ل
عز وج ّ ل ل َِّّل ّذ ِي َ
ن يَكْتُب ُونَ الْكِتَابَ ] فهو يُنذر ّ تعالى[ف َو َي ْ ٌ
الذين يأمرون الناس ,و يوجبون عليهم ما لم يوجبه تعالى
على عباده رحمة منه ,ولهذا تابع قائلا[ب ِأَ يْدِيه ِ ْم] يعني
يأمرون بأشياء لم ينزل الل ّه بها من سلطان ,وإنما من
تلقاء أنفسهم وبأهوائهم ,و يوجبونها على الناس بزعمهم
أنها من دين الل ّه تعالى ,ولهذا تابع قائلا[ث َُّم ّ يَق ُولُونَ هَذ َا
الل ّه ِ]
م ِنْ عِنْدِ َّ
~~21
أَ ن ْزَلْنَاه ُ م ُبَارَك ٌ فَا َّت ّبِع ُوه ُ و ََّات ّق ُوا لَع ََّل ّ ك ُ ْم تُرْحَم ُو َ
ن] وهنا كما
نرى ,استعمل تعالى كلمة الكتاب ولم يستعمل كلمة
القرآن ,وقال كذلك في سورة البقرة [<9ث َُّم ّ أَ ن ْتُم ْ ه َؤُل َاء ِ
~~21
النصارى الذين يعلمون ما جاء به كتابهم ,والذي يذكر
بأن الل ّه تعالى سيرفع عيسى إليه كما جاء ذلك بطر يقة
مباشرة في عديد من الآيات في كتابنا ,وأخرى غير
مباشرة كقوله سبحانه في سورة آل عمران[ 8:و َيُك َل ِ ّم ُ
ن َّ
الصّ الِ ح ِينَ] وهنا كما نرى, كهْل ًا وَم ِ َ
اس فِي ال ْم َ ْهدِ و َ َ َّ
الن ّ َ
اس فِي ال ْم َ ْهدِ] وهذه آية بي ّنة قال الل ّه تعالى[و َيُك َل ِ ّم ُ َّ
الن ّ َ
خاصة بعيسى عليه السلام ,ل كن الل ّه تعالى تابع قائلا
خاص بعيسى وإنما هو شيء عام,
ّ كهْل ًا] وهذا ليس
[و َ َ
ل كن الل ّه تعالى بيّن هنا بأن عيسى ستتوقف حياته عند
ال كهولة ولن يكلم الناس بعدها.
قال الل ّه تعالى في سورة محمد[68أَ فَلَا يَتَد َ َّب ّر ُونَ الْقُر ْآنَ أَ ْم
وب أَ قْف َالُهَا] وهنا كما نرى ,قال تعالى[أَ فَلَا
عَلَى قُل ُ ٍ
~~22
يَتَد َ َّب ّر ُونَ الْقُر ْآنَ] ولم يقل(أفلا يتدبرون الكتاب)وكلمة
القرآن هي على وزن فعلان ,كما نقول ظمآن التي
جذرها اللغوي هو فعل ظمأ ,وكذلك كلمة القرآن
جذرها اللغوي هو فعل قرأ ,فنقول قرأ الرسالة ,يعني علم
عن طر يق القراءة ما هو مخطوط بداخلها ,فهو إذ ًا علم
محتواها ,ولهذا قال تعالى في سورة العلق [5اق ْرأْ َ ب ِاس ْ ِم
ك ال َّ ّذ ِي خ َلَق] وذلك لأن محمدا ﷺ علم الوحي ,أي
ر َب ّ ِ َ
محتوى الكتاب عن طر يقة القراءة ,فكلمة القرآن إذ ًا هي
دلالة على الطر يقة التي أوحى بها تعالى إلى رسوله ,وعلم
بها الكتاب ,أي محتوى الرسالة ,فالقرآن هي القراءة
بلسان العرب ,والتي بواسطتها نتعرف على الأشياء ,ولهذا
قال تعالى[أَ فَلَا يَتَد َ َّب ّر ُونَ الْقُر ْآنَ] وذلك لأنه يتكلم
سبحانه عن فهم ما جاءت به الرسالة ,ولهذا قال تعالى
ن الذي ُأنز ِ َ
ل ف ِيه ِ في سورة البقرة[5<9شهْر ُ رَمَضَا َ
ن هُدًى ل ّ ِ َّلن ّا ِ
س] وهنا كما نرى قال تعالى[الْقُر ْآنُ الْقُر ْآ َ
هُدًى ل ِ َّلن ّا ِ
س] ولم يقل الكتاب ,وذلك لأنه يتكلم عن
~~23
معرفة محتوى الكتاب وليس الإيمان به ,ولهذا قال
تعالى[هُدًى ل ّ ِ َّلن ّا ِ
س] يعني ل كي يهتدي الإنسان يجب أن
يقرأ المصحف ليتعر ّف على محتوى الرسالة ,أي الكتاب,
وبعد ذلك إن شاء آمن بمحتواه وإن شاء كفر به ,ولهذا
ك الْكِتَابُ ل َا ر َي ْبَ ف ِيه ِ
قال تعالى في سورة البقرة[6ذَل ِ َ
هُدًى لِل ْم َُّت ّق ِينَ]
~~24
اكتساب المعرفة ,ولهذا قال تعالى في سورة فصلت
ت آي َاتُه ُ قُر ْآن ًا ع َرَ ب ًّيِ ّا لِقَو ْ ٍم يَعْلَم ُونَ] وهنا كما
اب ف ُِّصل َ ْ
[7كِت َ ٌ
اب] والذي هو دلالة على المحتوى, نرى ,قال تعالى[كِت َ ٌ
قد فصّ ل سبحانه محتواه عبر آيات بقراءة عربية ,ولهذا
جاءت كلمة قرآنا نكرة.
َت بِه ِ
سيِّر ْ وقال تعالى في سورة الرعدَ[75لَو ْ أَ َّ ّ
ن قُر ْآن ًا ُ
ْض أَ ْو ك ُل ِ ّم َ بِه ِ ال ْمَو ْتَى] وهنا
َت بِه ِ الْأَ ر ُ
طِع ْ
ل أَ ْو ق ُ ّ
الْج ِبَا ُ
~~25
كما نرى ,قال تعالى[َولَوْ أَ َّ ّ
ن قُر ْءَان ًا] ولم يقل القرآن هنا
كذلك ,وذلك لأنه يتكلم سبحانه عن أيّ قراءة ,أي
اكتساب معرفة ,والتي بواسطتها يمكننا أن نُسي ّر الجبال,
أي نجعلها تتحرك باستعمال المفجرات مثلا ,ولهذا قال
ل] ونستطيع كذلك َت بِه ِ الْج ِبَا ُ
سيِّر ْ تعالى[ولَو ْ أَ َّ ّ
ن قُر ْءَان ًا ُ
أن نقطّع به الأرض ,يعني نترك ال كرة الأرضية تماما
ونتجه إلى الفضاء ,وهذا كذلك توصلنا إليه بواسطة
ْض] وكما يعلم
َت بِه ِ الْأَ ر ُ
طِع ْ
القراءة ,ولهذا تابع قائلا[أَ ْو ق ُ ّ
البعض ,بأنه قد أصبح بواسطة القراءة أي العلم ,الكلام
مع الموتى(أنفس بدون جسد على وجه الأرض)وليس
الأموات(نفوس رجعت إلى ربها)ولهذا تابع تعالى
قائلا[أَ ْو ك ُل ِ ّم َ بِه ِ ال ْمَو ْتَى] ولم يقل(أو ك ُلم به الأموات)
~~26
سبحانه عن تدبر المحتوى لمعرفة ما جاءت به رسالة محمد
ﷺ إلا ّ واستعمل كلمة القرآن ,وكلما تكلم تعالى عن
مضمون الرسالة الذي هو عبارة عن آيات محكمات ,أو
التصديق أو التكذيب بها ,وبالتالي الإيمان أو ال كفر بها,
إلا ّ واستعمل سبحانه كلمة الكتاب ,وبما أن كل الرسل
ل كلمة
عز وج ّ
جاؤوا بنفس المحتوى ,فلذلك استعمل ّ
الكتاب بالنسبة لمحمد وعيسى وموسى ,ل كنه خالف
تعر يف الكتاب بينهم ,وذلك لاختلاف طر يقة الوحي,
ولهذا نعت الكتاب الذي أنزله سبحانه على محمد بالقرآن,
والذي أنزله على عيسى بالإنجيل ,والذي أنزله على
موسى بالتوراة.
~~27
وهكذا يتبين بأن كلما تكلم تعالى عن مضمون الرسالة
إلا ّ واستعمل كلمة الكتاب ,ولا يمكن أن يستعمل كلمة
القرآن ,ولهذا لن تجد أبدا في القرآن كلمة آيات مقرونة
بكلمة القرآن ,ولن تجد كذلك فعل قرأ إلا ّ وهو مقرون
بكلمة القرآن ,وليس بكلمة الكتاب ,وهذه من الطرق
التي أحكم بها سبحانه آيات الكتاب ل كي لا نز يغ عن
فهم قوله.
~~28
أمّ الكتاب
َات
ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ آي ٌ قال الل ّه تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ
ل عَلَي ْ َ
اب] وبما أنه تبيّن دلالة الكتاب, ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِكم َ ٌ
مح ْ َ
ُ
وجب أن نبيّن دلالة كلمة أمّ ,وبالتالي دلالة عبارة أمّ
الكتاب ,فكلمة أمّ جذرها اللغوي هو فعل أ َّمّ ,فنقول
أمّت المرأة يعني صارت أمّا ,أي هي المصدر لأطفالها,
وهي الأصل أو البداية ,ولهذا ننعت من يقيم الصلاة في
الناس بالإمام ,لأنه هو الأصل في الفعل ,فهو الأول
الذي يقوم بالحركة ثم يتبعه الآخرون.
~~29
ب
في القرآن ,ومنها قوله في سورة الأنعام[=6و َهَذ َا كِتاَ ٌ
ص ّدِقُ ال َّ ّذ ِي بَيْنَ يَد َيْه ِ و َلِتُنذِر َ ُأ َّمّ الْق ُر َى]
أَ نزَلْن َاه ُ م ُبَارَك ٌ ُمّ َ
وهنا كما نرى ,قال تعالى[ ُأ َّمّ الْق ُر َى] وكما يعلم الجميع بأن
محمدا ﷺ نزل عليه الوحي في مك ّة ,وهي القر ية التي
جعل الل ّه تعالى فيها بيته الذي يُحجّ إليه ,وبالتالي أصبح
ل
المكان آمنا كما جاء في سورة إبراهيم[79و َِإ ْذ قَا َ
َب اجْ ع َلْ هَذ َا الْبَلَد َ آم ِنًا و َاجْ نُبْنِي و َبَنِ َّ ّي أَ ْن
ِإ ب ْر َاه ِيم ُ ر ِّ
نَعْبُد َ الْأَ صْ نَام َ] وكذلك في سورة القصص;[9و َقَالُوا ِإ ْن
ف م ِنْ أَ ْرضِنَا أَ و َل َ ْم نُم َ ّ
كِنْ لَه ُ ْم ك نُتَخ َ َّ ّ
ط ْ ن ََّت ّب ِ
ِِع ال ْهُد َى مَع َ َ
ل شَيْء ٍ رِزْقًا م ِنْ لَد ُ َّن ّا
يج ْب َى ِإلَيْه ِ ثَم َرَاتُ ك ُ ّ ِ
حَرَم ًا آم ِنًا ُ
و َل َك َِّنّ أَ كْ ثَر َه ُ ْم ل َا يَعْلَم ُونَ] وهذا ما جعل الناس تستقر ّ
في مكة و يعمرونها ,فكانت القبائل تأتي من كل الأنحاء,
ولهذا نعتهم تعالى بقريش ,لأن كلمة قريش جذرها
اللغوي هو فعل قرش ,فنقول قرش الشيء بمعنى كو ّنه
من أشياء مختلفة ,فقريش إذ ًا هي دلالة على القوم
الذي يتكون من قبائل مختلفة ,وبما أن لكل قبيلة
~~31
عرفها ولسانها ,فهذا الذي أدّى إلى ظهور لغة يتحاورون
بها بينهم ,وكانت هي اللهجة العربية التي تحولت إلى لغة
بعد نزول القرآن ,ولهذا استعمل سبحانه عبارة أمّ
القرى ,يعني المكان الذي كان هو الأصل في وجود
اللغة العربية التي نزل بها القرآن ,لأن مكة هي أول
مكان ظهر فيه اللسان العربي ولم يكن موجودا من
قبل ,ولهذا قال تعالى في سورة الأعراف;[59ال َّ ّذ ِي َ
ن
ل النبي ا ْل ُأ ِم ّي] وذلك لأن كلمة أمّي في
ن ا َّلر ّسُو َ
ي ََّت ّب ِع ُو َ
القرآن تعني الذي يجهل الدين ,وليس القراءة ,وهذا ما
كن ْتَ تَت ْلُو م ِنْ
بي ّنه تعالى في سورة العنكبوت <[8وَم َا ُ
ك
اب] وكذلك في سورة الشورى[96وَكَذَل ِ َ
قَبْلِه ِ م ِنْ كِت َ ٍ
كن ْتَ ت َ ْدرِي م َا الْكِتَابُ
ك ر ُوح ًا م ِنْ أَ ْمر ِن َا م َا ُ
حي ْنَا ِإلَي ْ َ
أَ ْو َ
وَل َا ال ِْإ يمَانُ] وذلك لأن الل ّه سبحانه لم ينزل من قبل
محمد ﷺ كتابا باللغة العربية التي ظهرت في أول الأمر
بمكة ,ولهذا نعت تعالى العرب كذلك بالأميين كما جاء
في سورة الجمعة[6ه ُو َ ال َّ ّذ ِي بَع َثَ فِي ا ْل ُأمّ ِيِّينَ رَسُول ًا
~~31
كِيه ِ ْم و َيُع َل ِّمُهُم ُ الْكِتَابَ و َالْح ِ ْ
كم َة َ مِنْه ُ ْم يَت ْلُو عَلَيْه ِ ْم آي َاتِه ِ و َيُز َ ّ
ن] وهنا كما نرى ل م ُبِي ٍ
ل لَفِي ضَلَا ٍ و َِإ ْن ك َانُوا م ِنْ قَب ْ ُ
كذلك قال تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي بَع َثَ ف ِي ا ْل ُأمّ ِيينَ رَسُول ًا
مِّنْه ُ ْم] يعني أن الل ّه تعالى بعث في العرب ,الذين لم يكن
لهم أيّ كتاب من قبل بلغتهم ,رسولا عربيا لأول مرة,
ل لَفِي
ولهذا ختم الآية سبحانه قائلا[و َِإ ْن ك َانُوا م ِنْ قَب ْ ُ
ل م ُبِينٍ]
ضَلَا ٍ
~~32
فالأميّ في القرآن وليس في مجتمعنا ,هو الذي يجهل
الدين إمّا أن الل ّه تعالى لم ينزل كتابا بلسانه من قبل ,وإمّا
أنه يجهل قراءة الكتاب كما جاء في سورة البقرة<;
[وَمِنْه ُ ْم ُأمّ ُِي ّونَ ل َا يَعْلَم ُو َ
ن الْكِتَابَ ِإ َّلّا أَ م َان ِ َّيّ و َِإ ْن ه ُ ْم ِإ َّلّا
يَظ ُُن ّونَ]
~~33
حفظ كذلك التوراة والإنجيل لأنهما ذكر من عند الل ّه
كما هو القرآن.
~~34
متشابهات
َات
ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ آي ٌ ل عَلَي ْ َقال الل ّه تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ
ت] وهنا كما نرى اب و َ ُأخَر ُ م ُتَشَابِه َا ٌ
ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ
كم َ ٌ
مح ْ َ
ُ
ت] وكلمة متشابهات جذرها اللغوي
قال تعالى[م ُتَشَابِه َا ٌ
هو فعل شبه ,فنقول زيد يشبه عمرا ,يعني إذا رأيت
زيدا حسبته عمرا ,وإذا رأيت عمرا حسبته زيدا ,وذلك
لأنهما متشابهان ,ولهذا قال تعالى في سورة النساء
ل
ن م َْر ي َم َ رَسُو َ ;[59و َقَو ْلِه ِ ْم ِإ َّن ّا قَتَل ْنَا ال ْمَسِي َ
ح ع ِيس َى اب ْ َ
ا َّلل ّه ِ وَم َا قَتَلُوه ُ وَم َا صَلَب ُوه ُ و َل َكِن شُب ِّه َ لَه ُ ْم] يعني أنهم
قتلوا شخصا حسبوه عيسى لأنه كان يشبهه.
~~35
تحْتِهَا الْأَ نْهَار ُ ك ُ َّل ّمَا
تجْرِي م ِنْ َ ن لَه ُ ْم ج ََّن ّ ٍ
ات َ ات أَ َّ ّ َّ
الصّ الِ ح َ ِ
رُزِقُوا مِنْهَا م ِنْ ثَم َرَة ٍ رِزْقًا قَالُوا هَذ َا ال َّ ّذ ِي رُزِق ْنَا م ِنْ قَب ْ ُ
ل
و َ ُأتُوا بِه ِ م ُتَش َابِهًا و َلَه ُ ْم ف ِيهَا أَ ْزو َا ٌ
ج مُط َ َّهّرَة ٌ و َه ُ ْم ف ِيهَا
خ َالِد ُونَ] وهنا كما نرى ,الل ّه تعالى يتحدث عن أصحاب
الجنة ,وأنهم سوف ي ُرزقون بثمار تشبه تلك التي كانوا
ي ُرزقونها في الحياة الدنيا ,ولا علاقة لهذا بالمشتبه فيه,
والذي أدّى إلى القول بأن في القرآن آيات تحتمل
أوجها ,لأننا عندما نتهم شخصا مثلا لا نقول متشابه,
وإنما مشتبه فيه أو به ,يعني يُحتمل وليس بمؤكد أن
يكون هو الجاني ,ولهذا قال تعالى في سورة الأنعام==
َالز ّي ْت ُونَ و ُ
َالر ّ َّمّانَ مُشْتَبِهًا و َغَيْر َ اب و َّ [وَج ََّن ّ ٍ
ات م ِنْ أَ عْن َ ٍ
م ُتَشَابِه ٍ] وهنا كما نرى ,قال تعالى[مُشْتَبِهًا و َغَيْر َ م ُتَشَابِه ٍ]
يعني أن هناك من ثمار الزيتون ومن ثمار الرمان ما
نحسبها نفس الشيء ,ولهذا قال تعالى[مُشْتَبِهًا] ولم يقل
متشابها ,ل كن عندما نطعمها نكتشف بأنها ليست
كذلك ,ولهذا تابع تعالى قائلا[و َغَيْر َ م ُتَشَابِه ٍ] ل كن في
~~36
ت] وليس
آية المحكم والمتشابه قال تعالى[م ُتَشَا ِبَها ٌ
مشتبهات أو ما يُشتبه فيهن ,كما نقول متفاعلات وليس
مفتعلات.
~~37
ل كن السؤال هو ,هل الل ّه تعالى أنزل في القرآن آيات
تشبه بعضها البعض؟ فإن كان كذلك ,وجب علينا أن
نجدها داخل الكتاب! وكمثل على هذا ,عندما يقول
َت] وجب
كوِ ّر ْ
ْس ُ تعالى في سورة التكويرِ [5إذ َا ال َّ ّ
شم ُ
أن نجد في الكتاب نفسه ,أي القرآن ,آية تشبهها ,إمّا
تعبيرا أو مضمونا ,وهذا ما يُسمّى بتكرار القول ,والل ّه
تعالى لا يكر ّر كلامه في نفس الكتاب ولنفس القوم,
فعن أيّ تشابه يتكلم سبحانه إذ ًا؟
~~38
قول الل ّه تعالى ,ولو كان قولهم يخالف العقل والمنطق,
و يؤدّي إلى تناقض في كلام الل ّه الذي رضينا به,
وغدونا نزعم بأنه رحمة ,ولهذا عندما قال تعالى في
الل ّه ُ قَالُوا
ل َّل لَهُم ُ ا َّت ّبِع ُوا م َا أَ ن ْز َ َ
سورة البقرة[5;4و َِإذ َا ق ِي َ
بَلْ ن ََّت ّب ِِ ُع م َا أَ لْفَي ْنَا عَلَيْه ِ آب َاءَن َا] تابع سبحانه قائلا[أَ و َلَو ْ
شي ْئًا وَل َا يَه ْتَد ُونَ]
ك َانَ آب َاؤ ُه ُ ْم ل َا يَعْق ِلُونَ َ
~~39
تأو يله
َات
ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ آي ٌ ل عَلَي ْ َقال الل ّه تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ
ن فِي اب و َ ُأخَر ُ م ُتَش َابِه َ ٌ
ات ف َأَ َّمّا ال َّ ّذ ِي َ ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ
كم َ ٌ
مح ْ َ
ُ
َّ
قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَيَت ّب ِع ُونَ م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ اب ْتِغ َاء َ ال ْفِت ْنَة ِ و َاب ْتِغ َاء َ
ت َأْ وِ يلِه ِ] كما تبيّن بأنه من الأساليب التي استعملها تعالى
لإحكام آياته ,هو جعله لكل كلمة دلالتها الخاصة بها
ولا تتغير في جميع الآيات ,وهذا الذي يجعل كتابه تعالى
قرآنا غير ذي عوج ,فكلمة تأو يله لا علاقة لها بالتفسير,
وهذا ما سنراه طبقا للقواعد التي وضع سبحانه داخل
كتابه.
~~41
تأو يل ,والتي لا تتغير حسب تغير الآية مما يجعل
كلمات القرآن كرجل سلما لرجل ,ومن هذه الأمثلة ما
ك
ل هَذ َا ف ِرَاقُ بَيْن ِي و َبَي ْن ِ َ جاء في سورة ال كهف<;[قَا َ
صبْر ًا] والكل يعلم ل م َا ل َ ْم تَسْتَط ِِع َّع ّلَيْه ِ َ س َُأنَب ِّئ ُ َ
ك بتِ َأْ وِ ي ِ
بقصة موسى مع العبد الصالح ,وما فعل هذا الأخير,
فهو خرق السفينة ,وقتل نفسا زكية ,وأقام الجدار لقوم
رفضوا ضيافتهما ,وهذا كله غير منطقي ,ولهذا كلما قام
العبد الصالح بفعل من الأفعال التي ذكرها سبحانه إلا ّ
وسأله موسى عن السبب ,ولهذا قال تعالى[س َُأنَب ِّئ ُ َ
ك
ل م َا ل َ ْم تَسْتَط ِِع َّع ّلَيْه ِ َ
صبْر ًا] يعني أنه سيخبره بتِ َأْ وِ ي ِ
السبب لفعله ذلك ,يعني السبب لماذا خرق السفينة,
ولماذا قتل نفسا زكية ,ولماذا أقام الجدار.
~~41
[و َأَ َّمّا الْجِد َار ُ فَك َانَ ل ِغ ُلَام َيْنِ يَت ِيم َيْنِ فِي ال ْمَدِينَة ِ وَك َا َ
ن
كنْز ٌ لَهُم َا وَك َانَ أَ بُوهُمَا صَالِ حاً ف َأَ ر َاد َ ر َُب ّ َ
ك أَ ْن يَب ْلُغ َا تح ْت َه ُ َ
َ
ك وَم َا فَعَل ْت ُه ُ ش َّ ّدهُمَا و َيَسْت َخْ رِج َا َ
كنْز َهُمَا رَحْم َة ً م ِنْ ر َب ّ ِ َ أَ ُ
ل م َا ل َ ْم ت َ ْسط ِِعْ عَلَيْه ِ َ
صبْر ًا] وهنا ك ت َأْ وِ ي ُ
ع َنْ أَ ْمر ِي ذَل ِ َ
كما نرى ,عندما بيّن العبد الصالح لما يرجع سبب ما قام
ل م َا ل َ ْم ت َ ْسط ِِع
ك ت َأْ وِ ي ُ
به ,ختم الآية سبحانه بقوله[ذَل ِ َ
َّع ّلَيْه ِ َ
صبْر ًا] يعني ذلك هو سبب ما قمت به من أفعال .
ن
سِجْ َ
ل مَع َه ُ ال ّ
وقال تعالى في سورة يوسف[7:وَدَخ َ َ
ل الْآخَر ُ
ل أَ حَد ُهُمَا ِإن ِ ّي أَ ر َانِي أَ ْعصِر ُ خَم ْرًا و َقَا َ
ن قَا َ
فَتَيَا ِ
ل ال َّ ّ
طي ْر ُ مِن ْه ُ نَبِّئ ْنَا ل فَو ْقَ ر َأْ سِي خُبْز ًا ت َأْ ك ُ ُ
ِإن ِ ّي أَ ر َانِي أَ ْحم ِ ُ
بتِ َأْ وِ يلِه ِ ِإ َّن ّا ن َر َاك َ م ِ َ
ن ال ْم ُحْ سِنِينَ] وهنا كما نرى ,الفتيان
طلبا من يوسف تأو يل رؤ ياهما ,يعني ما هو المغزى مما
رأياه في منامهما ,ولهذا قال تعالى[نَبِّئ ْنَا بتِ َأْ وِ يلِه ِ] ولم
يقل(تعبيره)لأن تعبير الرؤ يا هو أن تأخذ كل كلمة من
الرؤ يا فتعبرها ,يعني أن تبيّن مقياسها في الحقيقة ,وهذا
~~42
ما فعله يوسف مع العزيز ,فهو عبر البقرة في المنام بالسنة
في الحقيقة ,والسنبلة بالإنتاج الزراعي ,وبعد ذلك قام
بتأو يل الرؤ يا ,يعني السبب أو المغزى من تلك الرؤ يا,
ك
ل ال ْمَل ِ ُ
ولهذا عندما قال تعالى في سورة يوسف[87و َقَا َ
سب ْ َع
اف و َ َ ن ي َأْ ك ُلُه َُّنّ َ
سب ْ ٌع عِ ج َ ٌ ات سِمَا ٍ
سب ْ َع بَق َر َ ٍ
ِإن ِ ّي أَ ر َى َ
خضْرٍ و َ ُأخَر َ ي َابِس ٍ
َات ي َا أَ ُ ّيهَا ال ْمَل َ ُأ أَ ف ْت ُونِي فِي ات ُ
سن ْبُل َ ٍ
ُ
كن ْتُم ْ ل ِ ُلر ّؤْي َا تَعْب ُر ُو َ
ن] تابع تعالى قائلا رُؤْي َايَ ِإ ْن ُ
ل الْأَ حْلَا ِم
ن بتِ َأْ وِ ي ِ
نح ْ ُ
[|11قَالُوا أَ ضْ غ َاثُ أَ حْلَا ٍم وَم َا َ
بِع َالِمِينَ] وهذا ما علّمه الل ّه تعالى ليوسف ,أي تأو يل
َب ق َ ْد
الأحاديث كما جاء في سورة يوسف[545ر ِّ
ِيث] يعني ن ال ْمُل ْكِ و َع َ َّل ّم ْتَنِي م ِنْ ت َأْ وِ ي ِ
ل الْأَ ح َاد ِ آتَي ْتَنِي م ِ َ
معرفة مغزى الحديث أو المراد من القول ,وليس تدبره
كما قال تعالى في سورة محمد[68أَ فَلَا يَتَد َ َّب ّر ُونَ الْقُر ْءَا َ
ن
وب أَ قْف َالُهَا] وهنا كما نرى ,قال تعالى
أَ ْم عَلَى قُل ُ ٍ
[َيتَد َ َّب ّر ُونَ] يعني يبحثون في معاني آيات الكتاب بقواعده,
أما التأو يل فهو معرفة سبب قول الشيء أو فعله,
~~43
وكمثال على الفرق بين التدبر والتأو يل ,ما جاء في سورة
س ل ََّل ّذ ِي ببِ َ َّك ّة َ
ْت وُضِِ َع ل ِ َّلن ّا ِ ن أَ َّ ّو َ
ل بَي ٍ آل عمرانِ [=:إ َّ ّ
م ُبَارَك ًا و َهُدًى لِّلْع َالم َي ِنَ] فالتدبر هو أن نعرف معنى كلمة
بك ّة مثلا لغو يا ,والتأو يل هو أن نعرف لماذا قال سبحانه
بك ّة ولم يقل مك ّة ,وهكذا يتبين بأن كل تأو يل هو تدبر,
ل كن ليس كل تدبر هو بالضروري تأو يل.
~~44
فالل ّه تعالى قال بأنه أنزل كتابا ُأحكمت آياته ,ومن هذه
الآيات ما هن أمّ الكتاب ,يعني أنزلهن لأول مرة في
القرآن ,ولم ينزل مثلهن من قبل ,ومنهن أخر(الآيات
المحكمات)متشابهات ,يعني هناك مثيلاتهن(ولا يمكن أن
يكنّ داخل القرآن)فالذين لا يريدون الإيمان برسالة
الآيات التشابه(وليس ذلك يتبعون محمد ﷺ
المتشابهات) لوجود سبب له ابتغاء الفتنة ,وهذا السبب
الذي زعموه ,ذكره الل ّه تعالى في كتابه ,وهو الذي كان
سببا في إنزال آية المحكم والمتشابه ,وصدق قوله تعالى في
ل ش َيء سورة النحل =<[و َن ََّز ّلْنَا عَلَي ْ َ
ك الْكِتاَبَ تِب ْي َان ًا لِّك ُ ّ ِ
و َهُدًى وَرَحْم َة ً و َبُشْر َى لِل ْمُسْل ِمِينَ] وقوله كذلك في سورة
ق ال َّ ّذ ِي
ن حَدِيثًا يُفْتَر َى و َل َكِن تَصْ دِي َ
يوسف[555م َا ك َا َ
ل ش َيء و َهُدًى وَرَحْم َة ً لِّقَو ْ ٍم
ل ك ُ ِّ
بَيْنَ يَد َيْه ِ و َتَفْصِ ي َ
ن]
يُؤْم ِن ُو َ
~~45
الراسخون في العلم
َات
ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ آي ٌ ل عَلَي ْ َقال الل ّه تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ
ن فِي اب و َ ُأخَر ُ م ُتَش َابِه َ ٌ
ات ف َأَ َّمّا ال َّ ّذ ِي َ ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ
كم َ ٌ
مح ْ َ
ُ
َّ
قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَيَت ّب ِع ُونَ م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ اب ْتِغ َاء َ ال ْفِت ْنَة ِ و َاب ْتِغ َاء َ
َالر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ الل ّه ُ و َّ ت َأْ وِ يلِه ِ وَم َا يَعْلَم ُ ت َأْ وِ يلَه ُ ِإ َّلّا َّ
لٌّ م ِنْ عِنْدِ ر َب ّنَِا] فهنا كما نرى قال
يَق ُولُونَ آم ََّن ّا بِه ِ ك ُ ّ
تعالى[و َّ
َالر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ] والسؤال هو لماذا تحدث
سبحانه عن الراسخ ين في العلم ,ولم يتحدث مثلا عن
المؤمنين ,أو الذين أوتوا العلم؟ فمنهم إذ ًا الراسخون في
العلم ,وعن أيّ علم يتحدث سبحانه؟
ك
فالل ّه تعالى قال في سورة البقرة[564و َلَنْ تَرْض َى عَن ْ َ
الل ّه ِ
ن هُد َى َّالن ّصَار َى ح ََّت ّى ت ََّت ّب ِِ َع م َِّل ّتَه ُ ْم قُلْ ِإ َّ ّ
الْيَه ُود ُ وَل َا َّ
ه ُو َ ال ْهُد َى و َلئَِنِ ا َّت ّبَعْتَ أَ ه ْوَاءَه ُ ْم بَعْد َ ال َّ ّذ ِي ج َاءَك َ م ِ َ
ن
~~46
الل ّه ِ م ِنْ و َل ِ ٍيّ وَل َا نَصِ ير] وكما نعلم ,الل ّه
ن َّك مِ َ
ال ْعِلْم ِ م َا ل َ َ
تعالى يخاطب في هذه الآية محمدا ﷺ فقال له[بَعْد َ
ال َّ ّذ ِي ج َاءَك َ م ِ َ
ن ال ْعِلْم ِ] يعني كتابه سبحانه ,وهو القرآن.
ف ال َّ ّذ ِي َ
ن وقال تعالى في سورة آل عمران=[5وَم َا اخْ تَل َ َ
ُأوتُوا الْكِتاَبَ ِإ َّلّا م ِن بَعْدِ م َا ج َاءَهُم ُ ال ْعِلْم ُ] ونحن نعلم
بأن اليهود والنصارى هم الذين أوتوا الكتاب من قبلنا,
فهم كذلك جاءهم علم الل ّه سبحانه بواسطة التوراة
والإنجيل.
~~47
فكما يعلم الجميع بأن الل ّه تعالى ذكر في كتابه عبارة الذين
أوتوا الكتاب ,وهي دلالة على القوم الذين جاءهم
رسول بكتاب بلسانهم ,فأمّة موسى هم من الذين أوتوا
الكتاب من قبلنا الذي هو التوراة ,وأمّة عيسى هم
كذلك من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا الذي هو
الإنجيل ,ثم جاء محمد ﷺ بالقرآن ,فأصبح العرب هم
كذلك من الذين أوتوا الكتاب ,ولهذا قال تعالى في
سورة النساء البقرة[5<7ي َا أَ ُ ّيهَا ال َّ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا كُت ِبَ عَلَيْكُم ُ
ن م ِنْ قَب ْل ِك ُ ْم لَع َ َّل ّ ك ُ ْم ت ََّت ّق ُونَ]
الصيَام ُ كَمَا كُت ِبَ عَلَى ال َّ ّذ ِي َ
ِّ
وقال كذلك في سورة المائدة[9ال ْيَوْم َ ُأ ِ
ح َّ ّ
ل ل َكُم ُ
لٌّ ل َك ُ ْم و َ َ
طع َامُك ُ ْم ن ُأوتُوا الْكِتَابَ ِ
ح ّ طع َام ُ ال َّ ّذ ِي َ ال َّ ّ
طيِّبَاتُ و َ َ
ن
ات و َال ْم ُحْ صَنَاتُ م ِ َ لٌّ لَه ُ ْم و َال ْم ُحْ صَنَاتُ م ِ َ
ن ال ْمُؤْم ِن َ ِ ح ّ
ِ
ن ُأوتُوا الْكِتَابَ م ِنْ قَبْل ِك ُ ْم]
ال َّ ّذ ِي َ
~~48
لأمّة القرآن ,فهناك من يستطيع قراءة القرآن ,وهؤلاء
هم الذين نعتهم تعالى بأهل الكتاب ,وهي ليست عبارة
خاصة باليهود والنصارى ,وإنما هي نعت لكل من
يستطيع قراءة الكتاب باللسان الذي ن ُز ِل به ,وهناك من
لا يستطيع قراءة القرآن أي الكتاب ,وهؤلاء هم الذين
نعتهم سبحانه بالأميين ,ولهذا قال تعالى في سورة البقرة
<;[وَمِنْه ُ ْم ُأمّ ُِي ّونَ ل َا يَعْلَم ُونَ الْكِتاَبَ ِإ َّلّا أَ م َان ِي و َِإ ْن ه ُ ْم
ِإ َّلّا يَظ ُُن ّون]
~~49
ل ي َأْ تِي م ِنْ ن َّ
الت ّوْر َاة ِ وَم ُبَش ِّر ًا ب ِرَسُو ٍ ص ّدِقًا لم َِا بَيْنَ يَد ََّيّ م ِ َ
مُ َ
بَعْدِي اسْم ُه ُ أَ حْمَد ُ] ولهذا عندما أرسل تعالى رسوله آمنوا
بما جاء به كما قال سبحانه في سورة سبأ|[:و َيَر َى ال َّ ّذ ِي َ
ن
ك ه ُو َ الْح ََّقّ و َيَهْدِي
ك م ِنْ ر َب ّ ِ َ ُأوتُوا ال ْعِلْم َ ال َّ ّذ ِي ُأنْز ِ َ
ل ِإلَي ْ َ
ِإلَى صِر َاطِ الْعَزِيز ِ ا ْلحم َِيدِ] وكذلك في سورة الحج
ن ُأوتُوا ال ْعِلْم َ أَ َّن ّه ُ الْح َُقّ م ِنْ ر َب ّ ِ َ
ك فَيُؤْم ِن ُوا |[98و َلِيَعْلَم َ ال َّ ّذ ِي َ
الل ّه َ لَهَادِ ال َّ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا ِإلَى ن َّبِه ِ فَت ُخْ ب ِتَ لَه ُ قُلُو بُه ُ ْم و َِإ َّ ّ
صِر َاطٍ مُسْتَق ِيم] والأمثلة كثيرة في القرآن.
~~51
يكن بعد قد تم ّ تنز يل القرآن ,فعندما قال تعالى
[و َّ
َالر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ] فذلك دلالة على اليهود والنصارى
الذين يعلمون ما جاءت به التوراة وما جاء به الإنجيل,
وبالتالي علموا جيدا كيف أحكم الل ّه آياته ,مما يجعلهم
يفر ّقون بين ما هو من عند الل ّه تعالى وما هو من عند
غير الل ّه ,ولا علاقة لهم بالعرب الذين كانوا جديدي
العهد بالرسالة ,ولم يكن قد تم ّ تنز يل القرآن ,ولهذا
عندما قال تعالى[و َّ
َالر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ] تابع قوله سبحانه
لٌّ مّ ِنْ عِندِ ر َب ّنَِا] يعني أمنوا بكل ما
[يق ُولُونَ ءَام ََّن ّا بِه ِ ك ُ ّ
جاء به محمد ﷺ الذي هو عبارة عن آيات محكمات كما
هو الشأن للتوراة والإنجيل ,وبالتالي هو من عند الل ّه
وليس من عند البشر ,ولو كان منه ما تشابه ,كما جاء
ن َّ
الر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ مِنْه ُ ْم ك ِ
في سورة النساء[5:6ل َ ِ
ك] ك وَم َا ُأنْز ِ َ
ل م ِنْ قَب ْل ِ َ و َال ْمُؤْم ِن ُونَ يُؤْم ِن ُونَ بِمَا ُأنْز ِ َ
ل ِإلَي ْ َ
~~51
ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ فعندما قال تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ
ل عَلَي ْ َ
اب و َ ُأخَر ُ م ُتَش َابِه َ ٌ
ات ف َأَ َّمّا ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ
كم َ ٌ
مح ْ َ
َات ُ
آي ٌ
ن فِي قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَي ََّت ّب ِع ُونَ م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ اب ْتِغ َاء َ ال ْفِت ْنَة ِ
ال َّ ّذ ِي َ
الل ّه ُ و َّ
َالر ّاسِ خ ُونَ فِي و َاب ْتِغ َاء َ ت َأْ وِ يلِه ِ وَم َا يَعْلَم ُ ت َأْ وِ يلَه ُ ِإ َّلّا َّ
لٌّ م ِنْ عِنْدِ ر َب ّنَِا] فهذا يعني كما ال ْعِلْم ِ يَق ُولُونَ آم ََّن ّا بِه ِ ك ُ ّ
قلنا ,بأن الل ّه تعالى أنزل على رسوله كتابا أحكم آياته,
ومن هذه الآيات ما هن أمّ الكتاب ,أي أنزلهن لأول
مرة في القرآن ,ومنهن أخر متشابهات(مثاني) فأما
الذين عندهم شكّ في رسالة محمد ﷺ اتبعوا ذلك
التشابه(وليس الآيات المتشابهات)لإثارة الفتنة وإيجاد
سبب له(تأو يله)لتكذيب ما جاء به محمد ﷺ ل كن
الذين تمكنوا من علم الل ّه تعالى من أهل الكتاب ,آمنوا
بكل ما جاء به محمد ﷺ من آيات محكمات ,سواء كنّ
أمّ الكتاب أو متشابهات ,ولهذا عندما قال تعالى
َالر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ يَق ُولُونَ آم ََّن ّا بِه ِ] تابع سبحانه قائلا
[و َّ
لٌّ مّ ِنْ عِندِ ر َب ّنَِا]
[ك ُ ّ
~~52
منه وفيه
َات
ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ آي ٌ ل عَلَي ْ َقال الل ّه تعالى[|ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ
ن فِي اب و َ ُأخَر ُ م ُتَش َابِه َ ٌ
ات ف َأَ َّمّا ال َّ ّذ ِي َ ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِكم َ ٌ
مح ْ َ
ُ
َّ
قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَيَت ّب ِع ُونَ م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ اب ْتِغ َاء َ ال ْفِت ْنَة ِ و َاب ْتِغ َاء َ
َالر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ الل ّه ُ و َّ ت َأْ وِ يلِه ِ وَم َا يَعْلَم ُ ت َأْ وِ يلَه ُ ِإ َّلّا َّ
لٌّ م ِنْ عِنْدِ ر َب ّنَِا وَم َا ي َ َّ ّذ َّك ّر ُ ِإ َّلّا ُأولُو
يَق ُولُونَ آم ََّن ّا بِه ِ ك ُ ّ
اب] يجب أن نعلم كما قلنا من قبل ,بأن فقه المحكم
الْأَ ل ْب َ ِ
والمتشابه انبثق عن أول تفسير ف ُسرت به الآية ,وبما أننا
قدّسنا ما قاله الذين من قبلنا ,وجعلناه كقول الل ّه تعالى,
أصبح مصدرنا في فهم الآية هو ما فهمه آباؤنا ,وليس
الآية نفسها ,وهذا ما وقع بالنسبة لجميع آيات الكتاب,
والذي أصبح حاجزا بيننا و بين ما قاله الل ّه تعالى ,ل كن
عندما نتجرد من هذا التقديس ,سوف يز يل ذلك
الغشاء الذي يحجب قول الل ّه تعالى ,وبالتالي نستطيع أن
~~53
نتدبر آيات الكتاب كما أنزلها سبحانه على رسوله,
وأحكمها بحكمته ,ثم فصّ لها بخ برته.
~~54
تعالى يتكلم عن الآيات المتشابهات ,ولو كان كذلك,
لقال تعالى(تأو يلهن)ول كنه سبحانه يتكلم عن ما تشابه
منه وليس ما تشابه منهن ,أو بالأحرى ما اشتبه فيهن أو
بهن(حسب فقه المحكم والمتشابه)ولهذا وجب أن نبي ّن
الفرق بين كلمة منه وكلمة فيه ,والذي سيساعدنا على
فهم الآية بطر يقة صحيحة.
~~55
وهنا كما نرى ,قال تعالى(منكم)ولم يقل(فيكم)وذلك
لأنه استثنى سبحانه المر يض ,والذي على سفر من الذين
كُتب عليهم الصيام ,ونفس الشيء كذلك في سورة
ل ك تَق ُوم ُ أَ دْنَى م ِنْ ثلُُث َِي َّ
الل ّي ْ ِ ك يَعْلَم ُ أَ َّن ّ َ ن ر ََّب ّ َ
المزملِ [64إ َّ ّ
ل
الل ّي ْ َك و ََّالل ّه ُ يُق َ ّدِر ُ َّ ن ال َّ ّذ ِي َ
ن مَع َ َ و َن ِصْ ف َه ُ و َثلُُث َه ُ وَطَائِف َة ٌ م ِ َ
تحْصُوه ُ فَتَابَ عَلَيْك ُ ْم فَاق ْر َءُوا م َا تَي َ َّس ّر َ
و َال َّنّهَار َ عَل ِم َ أَ ْن لَنْ ُ
ن
ن عَل ِم َ أَ ْن سَيَكُونُ مِنْك ُ ْم م َْرض َى و َآخَر ُو َ ن الْقُر ْآ ِ مِ َ
الل ّه ِ و َآخَر ُونَ
ل َّن م ِنْ ف َضْ ِ
ض يَب ْت َغ ُو َ
ن فِي الْأَ ْر ِيَضْر ِبُو َ
الل ّه ِ] وهنا كما نرى ,استعمل سبحانه ل َّ
يُق َاتِلُونَ فِي سَب ِي ِ
كذلك كلمة منكم وليس كلمة فيكم ,وذلك دلالة على
استثناء المرضى ,والذين يضربون في الأرض ,والذين
يقاتلون في سبيل الل ّه ,مم ّا أمر الل ّه به المؤمنين آنذاك ,وهو
الخروج مع محمد ﷺ ليلا لنشر الدعوة.
~~56
كن ْتَ ف ِيه ِ ْم ف َأَ قَم ْتَ
قال تعالى في سورة النساء[546و َِإذ َا ُ
ك لَهُم ُ َّ
الصّ لَاة َ] تابع سبحانه قائلا[فل ْتَق ُ ْم طَائِف َة ٌ مِنْه ُ ْم مَع َ َ
حتَه ُ ْم ف َِإذ َا سَ جَد ُوا فَل ْيَكُونُوا م ِنْ وَر َائِك ُ ْم
و َلْي َأْ خُذ ُوا أَ سْ ل ِ َ
ك] فهو ت طَائِفَة ٌ ُأ ْ
خر َى ل َ ْم يُص َُل ّوا فَل ْيُص َُل ّوا مَع َ َ و َلْت َأْ ِ
سبحانه استثنى فرقة من المؤمنين من الذين وجب عليهم
إقامة الصلاة.
~~57
المتشابهات)ولهذا قال تعالى [ف َأَ َّمّا ال َّ ّذ ِي َ
ن فِي قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ
فَي ََّت ّب ِع ُو َ
ن م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ] فاخترعوا له سببا(تأو يلا للتشابه
وليس للآيات المتشابهات)وبالتالي زرع الفتنة بين
الناس ,ولهذا قال تعالى[اب ْتِغ َاء َ الْفِت ْنَة ِ و َاب ْتِغ َاء َ ت َأْ وِ يلِه ِ] وكما
نرى ,بأن الل ّه تعالى قال[ت َأْ وِ يلِه ِ] أي التشابه وليس
تأو يلهن ,وهذا التشابه ليس في القرآن ,ولهذا قال
تعالى[م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ] ولم يقل(ما تشابه فيه) يعني التشابه
ليس بين آيات القرآن ,ول كن التشابه هو بين آيات من
القرآن وآيات أخر من خارج القرآن ,ولهذا قال تعالى
ِيث كِتاَب ًا
ن الْحَد ِ الل ّه ُ ن ََّز ّ َ
ل أَ حْ س َ َ في سورة الزمرَّ [67
ُمّتَش َابِهًا َّمّثَان ِي] وهنا يبيّن الل ّه تعالى نوع ذلك التشابه
الذي جاء به القرآن ,والذي جعل له سببا ,أي تأو يلا,
الذين في قلوبهم ز يغ لإثارة الفتنة ,فعندما قال تعالى
[الْكِتاَبَ مِن ْه ُ] وكذلك[م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ] فذلك دلالة على
استثناء آيات لمقارنتها مع آيات أخر خارج القرآن,
ولهذا لم يقل سبحانه(الكتاب فيه)و(ما تشابه فيه)
~~58
ولهذا وجب علينا أن نبيّن نوع هذا التشابه في الفقرة
التالية ,وبعد ذلك الشيء الذي ألْحد إليه الذين في
قلوبهم ز يغ لإ يجاد سبب له ,والذي ذكره تعالى في
القرآن ,وأعرض سبحانه عن ذكر حقيقة سبب وجوده,
ولهذا قال تعالى [وَم َا يَعْلَم ُ ت َأْ وِ يلَه ُ ِإ َّلّا ا َّلل ّه ُ] ل كن الذين
تعمقوا في علم الل ّه ,آمنوا بكل آيات الكتاب الذي أنزله
تعالى على محمد ﷺ سواء ُأنزل مثلهن من قبل أو لم
يُنزل مثلهن من قبل ,ولهذا تابع تعالى قائلا [و َا َّلر ّاسِ خ ُو َ
ن
لٌّ مّ ِنْ عِندِ ر َب ّنَِا]
ف ِي ال ْعِلْم ِ يَق ُولُونَ ءَام ََّن ّا بِه ِ ك ُ ّ
~~59
متشابها مثاني
~~61
فكما يعلم الجميع بالاختلاف الذي وقع في كلمة مثاني,
كما هو الحال لأغلب كلمات القرآن ,وكأن القرآن من
عند غير الل ّه ,أو كأن الل ّه تعالى لم يحكم آياته ,ولم يضع
القواعد لتدبرها! أولم يجعل سبحانه القرآن عربيا ونزَله
بلسان عربي؟ فلماذا لا نفس ّر كلماته باللغة العربية,
ونتدبرها بالسياق العربي؟
~~61
و َثُل َاثَ وَر ُب َاعَ] يعني أن يجمع رجل واحد بين اثنتين في
ل على
آن واحد أو بين ثلاث أو أربع ,وهذا الذي يد ّ
التعدّد ,ولهذا لم يقل تعالى(اثنتين وثلاثا وأربعا) لأن
هذا لا يدل على التعدّد ,فقد ينكح الرجل امرأة ثم
يطلقها وينكح أخرى ,فهو قد نكح اثنتين وليس مثنى,
لأنه لم يجمع بينهما في آن واحد ,ولهذا قال تعالى في
حدَة ٍ أَ ن تَق ُوم ُوا ل َِّل ّه ِ مَث ْن َى
سورة سبأ[8:قلْ ِإ َّن ّمَا أَ عِظُك ُم ب ِو َا ِ
و َفُر َاد َى ث َُّم ّ تَتَف َ َّك ّر ُوا] يعني أن يقوموا(اثنين اثنين)أو
يقوموا(واحدا واحدا) ولهذا قال تعالى كذلك في سورة
ل
ض ج َاع ِ ِ
َات و َالْأَ ْر ِ سم َاو ِ فاطر[5ا ْلحم َْد ُ ل َِّل ّه ِ فَاطِر ِ ال َّ ّ
ال ْمَلَائِكَة ِ رُسُل ًا ُأول ِي أَ جْ ن ِحَة ٍ مَث ْن َى و َثُلَاثَ وَر ُب َاع َ] يعني
هناك ملائكة جعل لهم الل ّه جناحين ,وهناك من جعل
لهم ثلاثة ,وهناك من جعل لهم أربعة.
~~62
ن ف ِي قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَي ََّت ّب ِع ُونَ م َا [و َ ُأخَر ُ م ُتَشَابِه َا ٌ
ت ف َأَ َّمّا ال َّ ّذ ِي َ
تَش َابَه َ مِن ْه ُ] وكما تبيّن بأن هذا التشابه ليس في القرآن,
ول كن هو تشابه بين آيات من القرآن وأخر خارجه,
فنوعيته إذ ًا هو أنه تشابه مثاني ,يعني أن الل ّه تعالى أنزل
في القرآن آيات تشابه آيات أخر خارجه مثنى مثنى,
ولهذا قال تعالى[ ُمّتَش َابِهًا َّمّثَان ِي] ولم يقل(متشابه المثاني)
وذلك لاختلاف معناهما في اللسان العربي.
~~63
ول كنه بين آيات الكتاب ,أي القرآن ,وبين آيات من
كتابين آخرين في آن واحد ,وبما أن الل ّه تعالى أنزل
الكتاب على موسى وهو التوراة ,وأنزل الكتاب على
عيسى وهو الإنجيل ,فهو عندما أنزل الكتاب على محمد
وهو القرآن ,جعل فيه بعض الآيات إذا أخذنا واحدة
منهن سنجد مثلها(أي آية مشابهة لها)في التوراة ,وكذلك
في الإنجيل ,يعني هناك آية أنزلها تعالى في التوراة بلسان
موسى ,أنزل مثلها في الإنجيل بلسان عيسى ,ثم أنزل في
القرآن مثيلتهما بلسان محمد ,فأصبحت الآية التي في
القرآن تشابه آية في التوراة ,وفي نفس الوقت آية في
الإنجيل ,فصار القرآن متشابها مثاني ,وليس متشابها
المثاني.
~~64
لأن كلمة حديث جذرها اللغوي هو فعل حدث ,أي
وقع ,فكلمة حديث في القرآن هي دلالة على ما وقع وما
سيقع ,أي القصص والأنباء التي جاء بها القرآن ,ولهذا
عندما قال تعالى في سورة يوسف[555ق َ ْد ك َانَ ف ِي
صصِه ِ ْم عِبْرَة ٌ لّ ِ ُأول ِي الْأَ ل ْب َا ِ
ب] تابع سبحانه قائلا[م َا قَ َ
ق ال َّ ّذ ِي بَيْنَ يَد َيْه ِ] أي
ك َانَ حَدِيثًا يُفْتَر َى و َل َكِن تَصْ دِي َ
أن القرآن جاء بقصص تصدق ما جاءت به التوراة
من قبل ,وكذلك الإنجيل ,ولهذا عندما قال تعالى
كذلك في سورة النساء;<[ا َّلل ّه ُ ل َا ِإلَه َ ِإ َّلّا ه ُو َ لَي َجْ مَع ََّن ّك ُ ْم
ِإلَى يَو ْ ِم الْق ِي َامَة ِ ل َا ر َي ْبَ ف ِيه ِ] تابع سبحانه قائلا[وم َنْ
ن ا َّلل ّه ِ حَدِيثًا] وذلك لأن الل ّه سبحانه يتكلم
أَ صْ د َقُ م ِ َ
عن ما سيقع ,أي النبأ.
~~65
ِيث] وتابع قائلا[ك ِتاَب ًا ُمّتَش َابِهًا َّمّثَان ِي] وهنا
ن الْحَد ِ
أَ حْ س َ َ
كما نرى قال تعالى كتابا ,وذلك لأنه يتكلم عن مضمون
الرسالة ,الذي هو عبارة عن آيات محكمات ,ولهذا في آية
المحكم والمتشابه استعمل سبحانه كلمة الكتاب كذلك,
وليس كلمة القرآن.
~~66
أنذر الل ّه تعالى أمّة محمد ﷺ في سورة المائدة[<:و َال َّ ّذ ِي َ
ن
صح َابُ الْ جحَ ِِيم] فهو أنذر كف َر ُوا وَك َ َّذ ّبُوا ب ِآي َاتنَِا ُأولَئ ِ َ
ك أَ ْ َ
تعالى كذلك أمّة موسى بنفس الآية ,وأنذر كذلك أمّة
عيسى بنفس الآية ,فأصبحت الآيتان معا تشابه آية من
القرآن ,ولهذا قال تعالى[م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ] ولم يقل(ما تشابه
فيه)ولهذا قال تعالى كذلك[ ُمّتَش َابِهًا َّمّثَان ِي] ولم يقل
(متشابها المثاني)
~~67
ل كم أيضا أن مرور الجمل من ثقب إبرة أيسر من أن
يدخل غني إلى مل كوت الل ّه – وكذلك على الشكل
التالي – لأن دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من أن
يدخل غني إلى مل كوت الل ّه –
~~68
سبب نزول الآية
َات
ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ آي ٌ ل عَلَي ْ َقال الل ّه تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ
ن فِي اب و َ ُأخَر ُ م ُتَش َابِه َ ٌ
ات ف َأَ َّمّا ال َّ ّذ ِي َ ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ
كم َ ٌ
مح ْ َ
ُ
َّ
قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَيَت ّب ِع ُونَ م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ اب ْتِغ َاء َ ال ْفِت ْنَة ِ و َاب ْتِغ َاء َ
َالر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ الل ّه ُ و َّ ت َأْ وِ يلِه ِ وَم َا يَعْلَم ُ ت َأْ وِ يلَه ُ ِإ َّلّا َّ
لٌّ م ِنْ عِنْدِ ر َب ّنَِا وَم َا ي َ َّ ّذ َّك ّر ُ ِإ َّلّا ُأولُو
يَق ُولُونَ آم ََّن ّا بِه ِ ك ُ ّ
اب] كما بي ّنا من قبل ,عندما قال تعالى في سورة
الْأَ ل ْب َ ِ
ب ُأحْكِم َْت ءَاي َاتُه ُ] فهو يتكلم سبحانه عن
هود[5الر ك ِتاَ ٌ
جميع آيات الكتاب ,وذلك من قوله تعالى -بسم الل ّه
الرحمان الرحيم – إلى قوله – من الجنة والناس – وبما
أن الكتاب يحوي آيات جاءت بأحكام ,وأخر بأمثلة,
ب ُأحْكِم َْت
وأخر بأنباء وقصص ,فعندما قال تعالى[كِتاَ ٌ
ءَاي َاتُه ُ] فهو يتكلم سبحانه عن الطر يقة التي صاغ بها
قوله الذي جعله عبارة عن آيات تخضع لقواعد وضعها
~~69
تعالى بعلمه ,ل كي لا نز يغ عن فهمها ,ولهذا قال تعالى في
ن و َلَو ْ ك َانَ م ِنْ عِندِ
ن الْقُر ْءَا َسورة النساء[<6أَ فَلَا يَتَد َ َّب ّر ُو َ
غَيْرِ ا َّلل ّه ِ لَوَجَد ُوا ف ِيه ِ اخْ ت ِل َافًا كَث ِير ًا]
الل ّه َ
ن َّالل ّه ِ زُلْفَى ِإ َّ ّ
د ُونِه ِ أَ وْلِيَاء َ م َا نَعْبُد ُه ُ ْم ِإ َّلّا لِيُق َرِّبُون َا ِإلَى َّ
~~71
الل ّه َ ل َا يَهْدِي م َنْ
ن َّيخ ْتَلِف ُونَ ِإ َّ ّ
يحْكُم ُ بَيْنَه ُ ْم فِي م َا ه ُ ْم ف ِيه ِ َ
َ
ك َّ ّفار ٌ]
ِب َ
ه ُو َ ك َاذ ٌ
~~71
م َْرجِعُك ُ ْم ف َُأنَب ِّئُك ُم بِمَا كُنتُم ْ تَعْم َلُونَ] فقد قال تعالى في
ظ َّنّ
سورة النجم<[6وَم َا لَه ُم بِه ِ م ِنْ عِلْم ٍ ِإن ي ََّت ّب ِع ُونَ ِإ َّلّا ال َّ ّ
شيئا] ولهذا تبرأ منا الأئمة
ق َ ظ َّنّ ل َا يُغْنِى م ِ َ
ن الْح َ ّ ِ ن ال َّ ّ
و َِإ َّ ّ
الأربعة الكبار بقولهم المعروف(لا تتبعوا قولنا حتى
تعلموا دليلنا)
~~72
[شَهْر ُ رَمَضَانَ ال َّ ّذ ِي ُأنْز ِ َ
ل ف ِيه ِ الْقُر ْآنُ هُدًى ل ِ َّلن ّا ِ
س
ن فَم َنْ شَهِد َ مِنْكُم ُ ال َّش ّهْر َ
ن ال ْهُد َى و َالْفُر ْقَا ِ
ات م ِ َ
و َبَي ِّن َ ٍ
صمْه ُ] وذلك لأن الل ّه تعالى خصّ ص أمّة محمد ﷺ
فَل ْي َ ُ
بالصيام في شهر رمضان ,وهو الشهر الذي أنزل فيه
القرآن ,ولم يفرضه تعالى على أيّ أمّة من قبل ,وكل
كتاب أنزله تعالى إلا ّ وجعل من آياته المحكمات ما هن
أمّ ذلك الكتاب ,والتي هي خاصة بملة تلك الأمّة,
ليجعل لها تعالى شرعتها ومنهاجها كما جاء في سورة
الل ّه ُ
جع َل ْنَا مِنْك ُ ْم شِرْع َة ً وَمِنْهَاج ًا و َلَو ْ شَاء َ َّل َ المائدة<[8لِك ُ ّ ٍ
حدَة ً و َل َكِنْ لِيَب ْلُو َك ُ ْم فِي م َا آت َاك ُ ْم لَجَعَل َك ُ ْم ُأ َّمّة ً و َا ِ
َات]
فَاسْ تَبِق ُوا الْخ َيْر ِ
~~73
بين عبارة(متشابها مثاني)وعبارة (متشابها المثاني) فهذا
يعني أن هناك آيات من القرآن تشابه آيات من كتابين
آخرين ,وهما التوراة والإنجيل ,يعني أن هناك آية مثلا
أنزلها تعالى في التوراة تتحدث عن خلق آدم ليخبر بها
قوم موسى بلسانهم ,أنزلها كذلك في الإنجيل لقوم
عيسى بلسانهم ,فهاتان الآيتان معا أنزل تعالى مثيلتهما
في القرآن بلسان قوم محمد ﷺ وهكذا يتبيّن بأن الآيات
المتشابهات هن نقيض ما هن أمّ الكتاب.
~~74
ن ع َرَ بِيّ ٌّ م ُبِي ٌ
ن] فهم كانوا يزعمون بأن يٌّ و َهَذ َا لِس َا ٌ
أَ عْجَمِ ّ
محمدا ﷺ لم يُنز َل عليه الوحي ,وإنما كان يذهب عند
أعجمي ,أي رجل غير عربي ,يعلَم قراءة التوراة
والإنجيل ,فيعلّم ُه بعض الآيات ثم يتلوها على الناس,
ويزعم بأن الل ّه تعالى أوحى بها إليه ,ولهذا قال تعالى
ن ِإ َّن ّمَا يُع َل ِّم ُه ُ بَشَر ٌ] فأجابهم تعالى
[و َلَق َ ْد نَعْلَم ُ أَ َّ ّنه ُ ْم يَق ُولُو َ
بأن الشخص الذي يزعمون بأنه يُعل ّم محمدا هو أعجمي,
وما ينطق به رسوله هو بلسان عربي مبين ,ولهذا قال
ن ع َر بِيّ ٌّ حد ُونَ ِإلَيْه ِ أَ عْجَمِ ّ ٌّ
تعالى[لِس َانُ ال َّ ّذ ِي يلُ ْ ِ
ي و َهَذ َا لِس َا ٌ َ
ن] وهذا كان هو سبب نزول آية المحكم والمتشابه, م ُبِي ٌ
ولهذا عندما قال تعالى في سورة العنكبوت<[8وَم َا
ك] تابع ب وَل َا تَخ ُ ُ ّ
طه ُ بِيمَِين ِ َ كُنتَ تَت ْلُوا م ِن قَبْلِه ِ م ِن كِتاَ ٍ
سبحانه قائلا[ ِإذ ًا لارْت َابَ ال ْمُبْط ِلُونَ]
ثم تابع قوله تعالى[وَم َا يَعْلَم ُ ت َأْ وِ يلَه ُ ِإ َّلّا ا َّلل ّه ُ] يعني أن
سبب وجود التشابه بين آيات من القرآن ,وآيات من
~~75
التوراة والإنجيل ,هو الذي لا يعلمه إلا ّ الل ّه تعالى,
وليس تأو يل الآيات(والذي يعلمه كل من تدبر القرآن
بقواعده)ولهذا قال تعالى[ت َأْ وِ يلَه ُ] وليس(تأو يلهن)لأن
الل ّه تعالى لا يمكن أن ينزل إلينا آيات لا نستطيع
تدبرهن وتأو يلهن ثم يحاسبنا عليهن ,فما جدوى إنزالهن
إذ ًا؟
ثم تابع قوله تعالى[و َالر ّاسِ خ ُونَ ف ِي ال ْعِلْم ِ يَق ُولُونَ ءَام ََّن ّا بِه ِ
لٌّ مّ ِنْ عِندِ ر َب ّنَِا] يعني الذين تعمقوا في علم الل ّه الذي كُ ّ
أنزله في كتبه ,وعلموا كيف أحكم آياته ,وبالتالي
يستطيعون أن يتعرفوا على ما هو من عند الل ّه ,وما هو
من عند غير الل ّه ,آمنوا بكل آيات الكتاب الذي أنزله
تعالى على رسوله.
ثم ختم الآية بقوله تعالى[وَم َا ي َ َّذّ َّك ّر ُ ِإ َّلّا ُأولُوا الْأَ لْب َاب]
يعني لا يمكن أن يتعرف على مفهوم آيات الكتاب إلا
الذين يلب ّون ,أي يتعمقون و يحل ّلون كلام الل ّه تحليلا
~~76
دقيقا ,وليس الذين يتدبرون آيات الكتاب بطر يقة
سطحية ,أي عابري سبيل ,كما فعل كثير منا فجعلوا
خطاب الل ّه تعالى كخطاب بعضهم لبعض.
~~77
الل ّه َ
ن َّن يُق َاتَلُونَ ب ِأَ َّ ّنه ُ ْم ظُل ِم ُوا و َِإ َّ ّسورة الحج =ُ [7أذِنَ ل َِّل ّذ ِي َ
خرِجُوا م ِنْ دِي َارِه ِ ْم بِغَيْرِ ن ُأ ْ عَلَى نَصْرِه ِ ْم لَقَدِير 14ال َّ ّذ ِي َ
اس بَعْضَه ُ ْم الل ّه ِ َّ
الن ّ َ َق ِإ َّلّا أَ ْن يَق ُولُوا ر َ ُب ّنَا َّ
الل ّه ُ و َلَوْل َا د َف ْ ُع َّ ح ٍّ
جد ُ ي ُ ْذك َر ُ
ات وَمَسَا ِ
َت صَوَام ِِ ُع و َبيِ َ ٌع وَصَلَو َ ٌ
ض لَه ُ ّدِم ْ
ببَِعْ ٍ
الل ّه ُ م َنْ يَن ْصُرُه ُ ِإ َّ ّ كَث ِير ًا و َلَيَن ْصُر َ َّ ّ الل ّه ِ
الل ّه َ
ن َّ ن َّ ف ِيهَا اسْم ُ َّ
ل
وفي سورة البقرة[5=4و َقَاتِلُوا فِي سَب ِي ِ لَقَو ّ ٌّ
ِي عَز ِيز]
يح ُ ّ
ِب الل ّه َ ل َا ُ
ن َّ الل ّه ِ ال َّ ّذ ِي َ
ن يُق َاتِلُونَك ُ ْم و َل َا تَعْتَد ُوا ِإ َّ ّ َّ
ن آم َن ُوا يُق َاتِلُونَ فِي ن] وفي سورة النساء[;:ال َّ ّذ ِي َ ال ْمُعْتَدِي َ
ُوت
طاغ ِ ل ال َّ ّكف َر ُوا يُق َاتِلُونَ فِي سَب ِي ِ ن َ الل ّه ِ و َال َّ ّذ ِي َ
ل َّسَب ِي ِ
ن ك َانَ ضَع ِيف ًا] كيْد َ ال َّ ّ
شيْط َا ِ ن َ ن ِإ َّ ّ فَق َاتِلُوا أَ وْلِيَاء َ ال َّ ّ
شيْط َا ِ
خ الْأَ شْه ُر ُ الْحُرُم ُ فَاق ْتُلُوا وفي سورة التوبة[9ف َِإذ َا انْس َل َ َ
حي ْثُ وَجَدْتُمُوه ُ ْم وَخُذ ُوهم و َاحْ صُر ُوه ُ ْم
ال ْمُشْرِكِينَ َ
ص ٍد ف َِإ ْن ت َابُوا و َأَ قَام ُوا َّ
الصّ لَاة َ و َآتَوُا ل م َْر َ و َاق ْعُد ُوا لَه ُ ْم ك ُ َّ ّ
الل ّه َ غَف ُور ٌ رَحِيم ٌ] والأمثلة كثيرة ن َّ الز ّك َاة َ فَخ ُلَ ّوا سَب ِيلَه ُ ْم ِإ َّ ّ
َّ
في القرآن ,وكل هذه الآيات ومثلهن ,كانت خاصة
بمحمد ﷺ وقومه الذين أذن لهم تعالى بقتال المشركين
~~78
الذين سعوا لوضع ح ّد للرسالة السماو ية ,ولهذا قال
ل رَسُولَه ُ ب ِال ْهُد َى تعالى في سورة التوبة[77ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ْر َ
س َ
ق لِي ُ ْظه ِرَه ُ عَلَى الد ِّي ِن كُلِّه ِ و َلَو ْ كَرِه َ ال ْمُشْرِكُونَ]
وَدِي ِن الْح َ ّ ِ
~~79
ُوت و َيُؤْم ِنْ ب َِّالل ّه ِ فَقَدِ اسْ تَمْس َ َ
ك ب ِال ْعُرْوَة ِ ال ْوُثْقَى ل َا ب ِال َّ ّ
طاغ ِ
ان ْفِصَام َ لَهَا و ََّالل ّه ُ سَم ِي ٌع عَل ِيم ٌ]
~~81
سبعا من المثاني
ن
سبْع ًا م ِ َ
قال الل ّه تعالى في سورة الحجر;<[و َلَق َ ْد آتَي ْنَاك َ َ
ال ْمَثَانِي و َالْقُر ْآنَ الْعَظ ِيم َ] كما بي ّنا من قبل ,الل ّه تعالى أنزل
كتابه على رسوله وأحكم آياته ,ووضع قواعدا بداخله ل كي
نعقل قوله سبحانه ,ولا نختلف في معانيه(كتاب>
القواعد الأساسية لتدبر القرآن) ولهذا قال تعالى في
سورة النساء[<6أَ فَلَا يَتَد َ َّب ّر ُونَ الْقُر ْآنَ و َلَو ْ ك َانَ م ِنْ عِنْدِ
الل ّه ِ لَوَجَد ُوا ف ِيه ِ اخْ ت ِلَافًا كَث ِير ًا] ل كن آباءنا لم
غَيْر ِ َّ
يعتمدوا على تلك القواعد ,وأولها اللسان العربي الذي
أنزل به تعالى كتابه ,فهم رحمهم الل ّه ,كثيرا ما كانوا
يعتمدون على لسان العرب ,ولسان الشاعر ,وكانوا
كذلك كثيرا ما يعبرون الكلمات كما تُعبر الرؤ يا ,ولا
يتدبرونها باللسان العربي ,وهذا كان من الأسباب التي
أدّت إلى وقوع الاختلاف ,فيوسف عليه السلام عبر
~~81
البقرة بالسنة ,وقد نعبرها نحن بشيء آخر حسب عرفنا,
ل كن البقرة في اللسان العربي ,هي حيوان أهلي من
فصيلة الب َقر يات ,وهذا لا يختلف فيه العرب ولو
اختلف عرفهم.
~~82
سور وسم ّاها؟ أوليس هذا من فعل البشر؟ أم الل ّه تعالى
خاطبنا بالألغاز؟ فأصبح كل واحد يقول برأيه ما شاء؟
ل بِه ِ
أولم يقل في كتابه العزيز في سورة الشعراء[5=7ن َز َ َ
ن ال ْمُنذِرِين
ك لِتَكُونَ م ِ َ ا ُلر ّو ُ
ح الْأَ م ِينُ461عَلَى قَل ْب ِ َ
ن ع َرَ ب ِي ُمّبِينٍ]؟ فلماذا وقعت كل هذه462بِلِسَا ٍ
الاختلافات إذ ًا في تفسير آيات الكتاب ,كما هو الشأن
في هذه الآية؟ وذلك لأن هناك من قال حسب تفسير
ابن كثير دائما ,بأن السبع المثاني هي سورة الفاتحة,
فأيّ التعبير وليس التفسير هو أصح ّ؟
ن
ن ال ْمَثَانِي و َالْقُر ْآ َ
سبْع ًا م ِ َ
فعندما قال تعالى[و َلَق َ ْد آتَي ْنَاك َ َ
الْعَظ ِيم َ] فهو يتكلم عن سبعة من الأشياء آتاها محمدا ﷺ
~~83
الذي هو رسول الل ّه ونبي ,وآتى مثلها نبي ّين من قبله,
ولهذا قال تعالى[و َلَق َ ْد آتَي ْنَاك َ] يعني أشياء جاء بها محمد
ﷺ قد جاء بمثلها نبيان من قبل كما تبيّن في الفقرة
ن السابقة لقوله تعالى في سورة الزمر[67ا َّلل ّه ُ ن ََّز ّ َ
ل أَ حْ س َ َ
ِيث ك ِتاَب ًا ُمّتَش َابِهًا َّمّثَان ِي ] وبما أن الل ّه تعالى قال في
الْحَد ِ
ل ش َيء سورة النحل=<[و َن ََّز ّل ْنَا عَلَي ْ َ
ك الْكِتاَبَ تِب ْي َان ًا لِّك ُ ّ ِ
و َهُدًى وَرَحْم َة ً و َبُشْر َى لِلْمُسْل ِمِين] وجب أن نجد هذه
السبع من المثاني في كتاب الل ّه تعالى ,وليس في كتب
البشر.
ن
-5فالل ّه تعالى قال في سورة آل عمران=;[م َا ك َا َ
للِب َشَرٍ أَ ن يُؤْتيِ َه ُ ا َّلل ّه ُ الْكِتاَبَ و َالْح ُ ْكمَ و َا ُلن ّب َُّو ّة َ ث َُّم ّ يَق ُو َ
ن ا َّلل ّه ِ] وكما نعلم بأن الل ّه ل ِ َّلن ّا ِ
س كُونُوا عِبَاد ًا ل ِ ّي م ِن د ُو ِ
تعالى ,آتى محمدا ﷺ الكتاب ,وهو القرآن كما جاء في
ق و َِإ َّ ّ
ن الل ّه َ ن ََّز ّ َ
ل الْكِتَابَ ب ِالْح َ ّ ِ ن َّك ب ِأَ َّ ّسورة البقرة[5;:ذَل ِ َ
ق بَع ِيد] وآتاه موسى, شق َا ٍ اب لَفِي ِ ال َّ ّذ ِي َ
ن اخْ تَلَف ُوا فِي الْكِت َ ِ
~~84
وهو التوراة كما جاء في سورة البقرة;<[و َلَق َ ْد آتَي ْنَا
ل] وآتاه عيسى
س ِ م ُوس َى الْكِتَابَ و َق ََّ ّفي ْنَا م ِنْ بَعْدِه ِ ب ُ
ِالر ّ ُ
كذلك ,وهو الإنجيل كما جاء في سورة المائدة 8:
[و َق َّ َ ّفي ْنَا عَلَى آث َارِه ِ ْم ب ِع ِيس َى اب ْ ِن م َْر ي َم َ م ُ َ
ص ّدِقًا لم َِا بَيْنَ يَد َيْه ِ
ص ّدِقًا لم َِا
ل ف ِيه ِ هُدًى و َنُور ٌ وَم ُ َ ن َّ
الت ّوْر َاة ِ و َآتَي ْنَاه ُ ال ِْإنْ ج ِي َ مِ َ
الت ّوْر َاة ِ و َهُدًى وَمَوْعِظَة ً لِل ْم َُّت ّق ِينَ] فالل ّه تعالى
ن َّبَيْنَ يَد َيْه ِ م ِ َ
إذ ًا آتى محمدا ﷺ الكتاب ,كما آتاه موسى وعيسى معا
عليهما السلام ,وهذا واحد(من المثاني).
~~85
فالل ّه إذ ًا آتى محمدا ﷺ النبوة ,كما آتاها موسى وعيسى معا
عليهما السلام ,وهذا ثاني(اثنين من المثاني).
~~86
الْكِتاَبَ و َالْح ِ ْ
كم َة َ و َا َّلت ّوْر َاة َ و َال ِْإنج ِيل] ولهذا قال تعال في
الل ّه ُ ف ِيه ِ
ل َّل بِمَا أَ ن ْز َ َ
ل ال ِْإنْ ج ِي ِ
سورة المائدة;[8و َلْيَحْك ُ ْم أَ ه ْ ُ
سق ُونَ] فالل ّه الل ّه ُ ف َُأولَئ ِ َ
ك هُم ُ الْف َا ِ ل َّ وَم َنْ ل َ ْم َ
يحْك ُ ْم بِمَا أَ ن ْز َ َ
إذ ًا آتى محمدا ﷺ الحكم ,كما آتاه موسى وعيسى معا
عليهما السلام ,وهذا ثالث(ثلاثا من المثاني)
~~87
ا َّلت ّوْر َاة َ ف ِيهَا هُدًى] وجاء كذلك في سورة غافر[97و َلَق َ ْد
ءَاتَي ْنَا م ُوس َى ال ْهُد َى] وآتى عيسى الهدى كذلك كما جاء
ل ف ِيه ِ هُدًى] فالل ّه
في سورة المائدة[8:و َآتَي ْن َاه ُ ال ِْإنج ِي َ
تعالى إذ ًا آتى محمدا ﷺ الهدى ,كما آتاها موسى وعيسى
معا عليهما السلام ,وهذا خامس(خمسا من المثاني)
~~88
موسى وعيسى معا عليهما السلام ,وهذا سادس(ستا من
المثاني)
ن ال ْمَثَان ِي]
سبْع ًا مّ ِ َ
فالل ّه تعالى عندما قال[و َلَق َ ْد آتَي ْن َاك َ َ
تابع سبحانه قائلا[و َالقُر ْآنَ الْعَظ ِيم َ] وذلك دلالة على
~~89
إضافة شيء آخر لم يؤته أحدا من قبله ,وهو القرآن,
ولهذا جاء به منفردا ,وكلمة القرآن هي دلالة على
الطر يقة التي أوحى بها سبحانه لمحمد ﷺ والتي تختلف
عن الطرق الأخرى التي أوحى بها للرسل من قبله,
وكلمة العظيم دلالة على الرحمة التي جاء بها هذا القرآن,
وهي وضع الإصر الذي جاءت به الصحف الأولى,
ولهذا أضاف تعالى القرآن العظيم لسبع من المثاني.
~~91
بما لم يُمت ّع به محمدا ﷺ ولهذا تابع قائلا[مِّنْه ُ ْم] أي
ك ِإلَى م َا م ََّت ّعْنَا النبيين ,ولهذا قال تعالى[ول َا تَم ُ َّ ّد َّ ّ
ن عَي ْنَي ْ َ
بِه ِ أَ ْزو َاج ًا مِّنْه ُ ْم] يعني أن الل ّه تعالى أمر محمدا ﷺ بأن
لا يهتم بما مت ّع به أزواجا ,أي اثنين من النبيين من قبله
بأشياء مختلفة بينهما ,ومن بين هؤلاء الأزواج ,سليمان
وداوود ,كما جاء في سورة النمل[59و َلَق َ ْد آتَي ْنَا د َاو ُود َ
وَسُلَيْم َانَ ع ِلْمًا و َقَال َا ا ْلحم َْد ُ ل َِّل ّه ِ ال َّ ّذ ِي ف ََّضّ لَنَا عَلَى كَث ِيرٍ م ِنْ
َب
ل ر ِّ
عِبَادِه ِ ال ْمُؤْم ِنِينَ] وكما جاء في سورة ص[79قَا َ
اغْفِر ْ ل ِي و َه َْب ل ِي م ُلْك ًا ل َا يَن ْبَغ ِي ل ِأَ حَدٍ م ِنْ بَعْدِي ِإ َّن ّ َ
ك
تجْرِي ب ِأَ ْمرِه ِ رُخ َاء ًأَ ن ْتَ ال ْو َ َّه ّابُ 03فَس ََّخّ ر ْن َا لَه ُ الر ِّيح َ َ
ل ب ََّن ّاء ٍ وَغ َ َّو ّاص05 شي َاطِينَ ك ُ َّ ّ حي ْثُ أَ صَابَ 04و َال َّ ّ َ
ن مُق ََّر ّنِينَ فِي الْأَ صْ ف َاد06هَذ َا عَطَاؤ ُن َا فَامْن ُ ْن أَ ْو
و َآخَر ِي َ
َاب] وكذلك في سورة سبأ[54و َلَق َ ْد
حس ٍأَ ْمسِكْ بِغَيْر ِ ِ
طيْر َ و َأَ ل ََّن ّا لَه ُ
ل أَ وِّ بِي مَع َه ُ و َال َّ ّ
آتَي ْنَا د َاو ُود َ م َِّن ّا ف َضْ ل ًا ي َا جِبَا ُ
الْحَدِيد َ] وكما نرى ,ما مت ّع به تعالى سليمان ليس هو
نفس الشيء الذي متع به داوود ,ولهذا استعمل
~~91
سبحانه كلمة زوج وليس مثنى ,وكل هذا الفضل الذي
آتاه تعالى سليمان وداوود ,هو من متاع الحياة الدنيا,
والذي لم يؤته محمدا ﷺ ولهذا قال تعالى[ول َا تَم ُ َّ ّد َّ ّ
ن
ك ِإلَى م َا م ََّت ّعْنَا بِه ِ أَ ْزو َاج ًا مِّنْه ُ ْم] ثم تابع قوله
عَي ْنَي ْ َ
ك لِلْمُؤْم ِنِينَ] وهنا
تح ْز َ ْن عَلَيْه ِ ْم و َاخْ ف ِْض جَنَاح َ َ
تعالى[وَل َا َ
أمر سبحانه رسوله بأن لا يحزن على النبيين من قبله
الذين آتاهم من فضله تعالى ,ولم يؤته هو ,ولهذا قال
الل ّه ُ بِه ِ
ل َّ تعالى في سورة النساء[76وَل َا تَتمَ ََّن ّو ْا م َا ف ََّضّ َ
يب م َِّم ّا اكْ تَسَب ُوا وَلِلنِّس َاء ِ ل نَصِ ٌ ض لِلرِ ّج َا ِ
ضك ُ ْم عَلَى بَعْ ٍ
بَعْ َ
ن
الل ّه َ ك َا َ
ن َّالل ّه َ م ِنْ ف َضْ لِه ِ ِإ َّ ّ
يب م َِّم ّا اكْ تَس َبْنَ و َاسْ أَ لُوا َّ
نَصِ ٌ
ل شَيْء ٍ عَلِيم ًا] بِك ُ ّ ِ
~~92
كذلك في سورة يوسف[555م َا ك َانَ حَدِيث ًا يُفْتَر َى
ل ش َيء ق ال َّ ّذ ِي بَيْنَ يَد َيْه ِ و َتَفْصِ ي َ
ل ك ُ ِّ و َل َكِن تَصْ دِي َ
و َهُدًى وَرَحْم َة ً لِّقَو ْ ٍم يُؤْم ِن ُون] فهو سبحانه صدق قوله,
وهو أصدق القائلين ,فقد بيّن كل شيء وفصّ له تفصيلا,
ولا يمكن أن نعلمه إلا ّ إذا نحن اتبعنا القواعد التي أنزل
تعالى في كتابه لتدبر القرآن ,وأولها اللسان العربي.
~~93
كهما وجدوا اختالفا في تفسير آيت ما ،أو
كان تفسيرها يىاقض تفسير آيت أخري ،أو
يىافض انمىطق أو إوساويت انبشر أو رحمت
انرحمان وعدنه ،وجب عهيىا حيىها أن
وتجرد مه كم تقديس ألقىال آبائىا ,وإعادة
انىظر في تدبرها نكي وصحح األخطاء انتي
أدث نتهك االختالفاث أو انتىاقضاث.
~~94