المحكمات والمتشابهات بين القرآن والفقه متشابها مثاني سبعا من المثاني

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 94

‫احملكمات واملتشابهات‬

‫القرآن والفقه‬

‫متشابها مثاني‬
‫سبعا من المثاني‬

‫~‪~1‬‬
‫خليد بنعكراش‬
‫متشابها مثاني‬

‫سبعا من المثاني‬

‫~‪~2‬‬
‫الفهرس‬
‫مقدمة‪8.............................................‬‬

‫الكتاب والقرآن‪59...................................‬‬

‫أمّ الكتاب‪6=........................................‬‬

‫متشابهات‪79........................................‬‬

‫تأو يله‪84............................................‬‬

‫الراسخون في العلم‪8:..................................‬‬

‫منه وفيه‪97..........................................‬‬

‫متشابها مثاني‪:4......................................‬‬

‫سبب نزول الآية‪:=..................................‬‬

‫سبعا من المثاني‪<5...................................‬‬

‫~‪~3‬‬
‫مقدمة‬
‫قال الل ّه تعالى في سورة آل عمران;[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ‬
‫ل‬
‫اب و َ ُأخَر ُ‬‫ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ‬
‫كم َ ٌ‬
‫مح ْ َ‬
‫َات ُ‬
‫ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ آي ٌ‬
‫عَلَي ْ َ‬
‫ن فِي قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَي ََّت ّب ِع ُونَ م َا تَش َاب َه َ‬
‫ات ف َأَ َّمّا ال َّ ّذ ِي َ‬
‫م ُتَش َابِه َ ٌ‬
‫مِن ْه ُ اب ْتِغ َاء َ الْفِت ْنَة ِ و َاب ْتِغ َاء َ ت َأْ وِ يلِه ِ وَم َا يَعْلَم ُ ت َأْ وِ يلَه ُ ِإ َّلّا َّ‬
‫الل ّه ُ‬
‫لٌّ م ِنْ عِنْدِ ر َب ّنَِا وَم َا‬ ‫ن فِي ال ْعِلْم ِ يَق ُولُونَ آم ََّن ّا بِه ِ ك ُ ّ‬ ‫و َّ‬
‫َالر ّاسِ خ ُو َ‬
‫ي َ َّذّ َّك ّر ُ ِإ َّلّا ُأولُو الْأَ ل ْب َ ِ‬
‫اب] كما يعلم الجميع بأن هذه الآية هي‬
‫مصدر فقه المحكم والمتشابه‪ ,‬وما نتج عنه من اختلافات‬
‫في الآراء بين الفقهاء‪ ,‬وذلك لأزيد من ألف سنة‪,‬‬
‫ل كن يجب أن نعلم كذلك بأن الل ّه تعالى أنزل كتابه‬
‫فأحكم آياته‪ ,‬ثم فصّ لها ل كي لا يكون اختلاف في‬
‫تدبرها‪ ,‬وذلك بوضعه سبحانه قواعد أساسية ومحدّدة‬
‫ل كي لا يكون في القرآن ما يدعو إلى الاختلاف‪ ,‬ولهذا‬
‫قال تعالى في سورة النساء‪[<6‬أَ فَلَا يَتَد َ َّب ّر ُونَ الْقُر ْءَا َ‬
‫ن و َلَوْ‬
‫ك َانَ م ِنْ عِندِ غَيْرِ ا َّلل ّه ِ لَوَجَد ُوا ف ِيه ِ اخْ ت ِل َافًا كَث ِير ًا]‬

‫~‪~4‬‬
‫فكلما وجدنا اختلافا في تفسير آية ما‪ ,‬أو كان تفسيرها‬
‫يناقض تفسير آية أخرى‪ ,‬أو يناقض المنطق أو العقل‪,‬‬
‫أو إنسانية البشر‪ ,‬أو رحمة الرحمان‪ ,‬وجب أن نعلم بأن‬
‫تفسير تلك الآية لا يطابق قول الل ّه تعالى‪ ,‬وبالتالي‬
‫وجب التجرد من كل تقديس وتعظيم لأقوال آبائنا‪,‬‬
‫والتحر ّر من تلك الأكنة التي سبتنا بها عقولنا‪ ,‬والقوللة‬
‫التي ألبسنا بها قول الل ّه سبحانه‪ ,‬بظن ِّنا أن ما عقله‬
‫أسلافنا‪ ,‬والذي يناسب الحقبة التي عاشوا فيها والآليات‬
‫المتوفرة لديهم آنذاك‪ ,‬هو الحقيقة المطلقة‪ ,‬ولا يمكن أن‬
‫يكونوا قد أخطأوا‪ ,‬وبالتالي الاستمرار في جعل فقه‬
‫المحكم والمتشابه خاضعا لأول تفسير فُس ّرت به الآية‪,‬‬
‫وبما أن تدبرها لم يخضع للقواعد الربانية‪ ,‬كما الحال لجميع‬
‫آيات الكتاب‪ ,‬وهذا ما سنحاول تبيانه‪ ,‬أدّى إلى تعدّد‬
‫تعر يفات المحكم والمتشابه‪ ,‬والتي سنذكر البعض منها‬
‫بطر يقة ملخصة من كتاب <الإتقان في علوم القرآن>‬
‫للمرحوم جلال الدين السيوطي‪ ,‬الذي تحدث فيه عن‬

‫~‪~5‬‬
‫أغلب التعر يفات للمحكم والمتشابه التي جاء بها جل‬
‫الفقهاء الذين عاشوا من قبله‪ ,‬أي القرن التاسع‬
‫الهجري‪.‬‬

‫فقد جاء في الجزء الرابع والأربعين‪ ,‬والخامس‬


‫والأربعين من الكتاب عن حبيب النيسابوري ثلاثة‬
‫أقوال>‬

‫ب ُأحْكِم َْت‬
‫أولهم> أن القرآن كله محكم لقوله تعالى[كِتاَ ٌ‬
‫آي َاتُه ُ] ونحن نقول كما سيقول كل عاقل‪ ,‬بأن هذا قول‬
‫صحيح لأن ما قاله وما استدل به لا يتناقضان‪.‬‬

‫ثانيهم> أن القرآن كله متشابه لقوله تعالى[كِتاَب ًا ُمّتَش َابِهًا‬


‫َّمّثَان ِي] ونحن نقول‪ ,‬بأن هذا قول خاطئ‪ ,‬كما سيقول‬
‫كل من يتدبر القرآن‪ ,‬لأنه ينفي قول النيسابوري الأول‬
‫ل به‪ ,‬لأن الل ّه تعالى لا يناقض‬
‫وينفي كذلك ما استد ّ‬
‫قوله بقول آخر‪ ,‬فهو إله عظم شأنه‪ ,‬ولا يمكن أن‬
‫يناقض قوله‪.‬‬
‫~‪~6‬‬
‫ثالثهم > وهو الصحيح بالنسبة للسيوطي‪ ,‬انقسام القرآن‬
‫إلى محكم ومتشابه‪ ,‬وذلك ظنا من هذا الأخير وكثير من‬
‫الفقهاء كذلك‪ ,‬أن المحكم هو نقيض المتشابه‪ ,‬أي المحكم‬
‫لا تتوقف معرفته على بيان‪ ,‬والمتشابه لا ي ُرجى بيانه‪.‬‬

‫وهنا وجب أن نتوقف لنتساءل‪ ,‬من قبل أن نتابع ذكر‬


‫بعض الاختلافات‪ ,‬ما معنى قوله تعالى في سورة هود‪5‬‬
‫ِيم‬ ‫ب ُأحْكِم َْت آياته ث َُّم ّ ف ُِّصل َ ْ‬
‫ت م ِن ل َّ ّد ُ ْن حَك ٍ‬ ‫[الر كِتاَ ٌ‬
‫خَب ِير]؟ أم وجب علينا تفسير هذه الآية بما يناسب قول‬
‫السيوطي ل كي لا نعترف بعدم صواب قوله وكذلك‬
‫قول الآخرين؟‬

‫ثم جاء السيوطي رحمه الل ّه باختلافات أخرى لفقهاء‬


‫آخرين في تعر يف المحكم والمتشابه‪ ,‬ومنها أن المحكم ما‬
‫ع ُرف المراد منه إما بالظهور أو بالتأو يل‪ ,‬والمتشابه ما‬
‫استأثر الل ّه تعالى‪ ,‬كقيام الساعة وخروج الدجال‪,‬‬
‫والحروف المتقطعة في أوائل السور‪.‬‬

‫~‪~7‬‬
‫ونحن نقول‪ ,‬بأن كل هذا خطأ‪ ,‬لأن ما جاء به‬
‫السيوطي هنا يتكلم عن مضمون الآيات‪ ,‬وليس الآيات‬
‫نفسها‪ ,‬لأن الل ّه تعالى أحكم آياته‪ ,‬وليس أنبائه التي بي ّنها‬
‫تعالى وفصّ لها كما هو الشأن لأحكامه‪ ,‬وهناك من الأنباء‬
‫ما أصبحنا نعلمها قبل وقوعها كقيام الساعة مثلا‪,‬‬
‫وذلك بواسطة العلم‪ ,‬إلا ّ أمرين لا يمكن لأحد أن‬
‫يعلمهما في الحياة الدنيا‪ ,‬وهما الوجود المادّي لل ّه تعالى‬
‫و يوم الحساب‪ ,‬ولهذا أمرنا سبحانه بالظن بهما‪ ,‬أي‬
‫الإيمان بهما‪ ,‬وليس بتصديقهما‪ ,‬ولهذا قال تعالى في‬
‫ن يَظ ُُن ّونَ أَ َّ ّنه ُم ُمّل َاق ُوا ر َ ّبِه ِ ْم و َأَ َّ ّنه ُ ْم‬
‫سورة البقرة‪[8:‬ال َّ ّذ ِي َ‬
‫ن‬
‫ِإلَيْه ِ ر َاجِع ُون] وليس يعلمون‪ ,‬وفي سورة البقرة<[وَم ِ َ‬
‫ل ءَام ََّن ّا ب ِا َّلل ّه ِ و َب ِالْيَو ْ ِم ا ْلآ ِ‬
‫خر ِ وَم َا ه ُم‬ ‫ا َّلن ّا ِ‬
‫س م َن يَق ُو ُ‬
‫بِمُؤْم ِنِينَ] وليس يصدّقون‪.‬‬

‫ثم جاء رحمه الل ّه برأي آخر‪ ,‬وهو أن المحكم ما وضح‬


‫معناه والمتشابه نقيضه‪ ,‬ونحن وجب أن نتوقف هنا‬

‫~‪~8‬‬
‫كذلك لنتساءل مرة أخرى‪ ,‬كيف لإله سبحانه أن‬
‫ينزل إلينا كتابا نحاسب على ما بداخله يوم القيامة‪,‬‬
‫و يجعل فيه ما لا نستطيع توضيح معناه؟ فما جدوى‬
‫إنزاله إذ ًا؟‬

‫ثم جاء رحمه الل ّه برأي آخر‪ ,‬وهو أن المحكم ما لا يحتمل‬


‫من التأو يل إلا ّ وجها واحدا‪ ,‬والمتشابه ما احتمل‬
‫أوجها‪ ,‬وهذا القول الذي جاء به السيوطي هو الذي‬
‫جعل كتاب الل ّه تعالى قرآنا ذا عوج‪ ,‬وجعل بعض‬
‫الفقهاء يفسرون الآيات حسب آرائهم‪ ,‬فيحرمون‬
‫بأهوائهم وليس بما قال الل ّه تعالى‪ ,‬ولهذا عندما قال‬
‫سبحانه في سورة الأنعام=‪[55‬وَم َا ل َك ُ ْم أَ َّلّا ت َأْ ك ُلُوا م َِّم ّا‬
‫الل ّه ِ عَلَيْه ِ و َق َ ْد ف ََّصّ َ‬
‫ل ل َك ُ ْم م َا ح َ َّرّم َ عَلَيْك ُ ْم ِإ َّلّا م َا‬ ‫ذُك ِر َ اسْم ُ َّ‬
‫ن كَث ِير ًا لَي ُضِ ُل ّو َ‬
‫ن‬ ‫اضْ طُرِ ْرتُم ْ ِإلَيْه ِ] تابع سبحانه قائلا[َ ِإ َّ ّ‬
‫ن] وعندما‬ ‫ن ر ََّب ّ َ‬
‫ك ه ُو َ أَ ع ْلَم ُ ب ِال ْمُعْتَدِي َ‬ ‫ب ِأَ ه ْوَائِه ِ ْم بِغَيْر ِ عِلْم ٍ ِإ َّ ّ‬
‫قال تعالى في سورة الأعراف‪[76‬قلْ م َنْ ح َ َّرّم َ زِين َة َ‬

‫~‪~9‬‬
‫هي َ‬
‫ق ق ُلْ ِ‬ ‫ن الر ِ ّ ْز ِ‬‫ات م ِ َ‬ ‫ج ل ِع ِبَادِه ِ و َال َّ ّ‬
‫طي ِّب َ ِ‬ ‫الل ّه ِ َّال ّتِي أَ ْ‬
‫خر َ َ‬ ‫َّ‬
‫ن آم َن ُوا فِي الْحي ََاة ِ ال ُد ّن ْيَا خ َالِصَة ً يَوْم َ ال ْق ِيَامَة ِ] تابع‬ ‫ل َِّل ّذ ِي َ‬
‫ن]‬
‫َات لِقَو ْ ٍم يَعْلَم ُو َ‬
‫ل الْآي ِ‬
‫َص ُ‬
‫ك نُف ِّ‬
‫سبحانه قائلا[كَذَل ِ َ‬
‫ف‬
‫وعندما قال في سورة النحل‪[55:‬وَل َا تَق ُولُوا لم َِا تَصِ ُ‬
‫ل و َهَذ َا ح َر َام ٌ] تابع سبحانه‬
‫أَ لْسِنَتُكُم ُ ال ْ كَذِبَ هَذ َا ح َلَا ٌ‬
‫الل ّه ِ‬
‫ن عَلَى َّ‬
‫ن يَفْت َر ُو َ‬ ‫الل ّه ِ ال ْ كَذِبَ ِإ َّ ّ‬
‫ن ال َّ ّذ ِي َ‬ ‫قائلا[لِتَفْت َر ُوا عَلَى َّ‬
‫ال ْ كَذِبَ ل َا يُفْلِحُونَ] وعندما قال في سورة يونس‬
‫ق فَجَعَل ْتُم ْ مِن ْه ُ‬
‫الل ّه ُ ل َك ُ ْم م ِنْ رِ ْز ٍ‬
‫ل َّ‬‫=‪ُ[9‬قلْ أَ ر َأَ ي ْتُم ْ م َا أَ ن ْز َ َ‬
‫آلل ّه ُ أَ ذِنَ ل َك ُ ْم أَ ْم‬
‫حَر َام ًا وَح َلَال ًا] تابع سبحانه قائلا[قُلْ َّ‬
‫الل ّه ِ تَفْت َر ُونَ]‬
‫عَلَى َّ‬

‫وهكذا استمر ّ السيوطي في ذكر الاختلافات في تعر يف‬


‫المحكم والمتشابه إلى أن ذكر قول ابن العباس‪ ,‬وهو أن‬
‫المحكمات هي ناسخه‪ ,‬وحلاله وحرامه‪ ,‬وحدوده وفرائضه‪,‬‬
‫وما يؤمن به و يعمل به‪ ,‬والمتشابهات هي منسوخه‪,‬‬

‫~‪~11‬‬
‫ومقدمه ومؤخره‪ ,‬وأمثاله وأقسامه‪ ,‬وما يؤمن به ولا‬
‫يعمل به‪.‬‬

‫ومرة أخرى نتساءل‪ ,‬على أيّ قاعدة من القواعد التي‬


‫وضع الل ّه سبحانه اعتمد ابن العباس رحمه الل ّه ليعر ّف‬
‫ما هي المحكمات‪ ,‬وما هي المتشابهات‪ ,‬إذا علمنا كما قلنا‬
‫من قبل‪ ,‬بأن الل ّه تعالى أحكم آياته‪ ,‬وذلك من قوله‬
‫تعالى(بسم الل ّه الرحمان الرحيم)إلى آخر آية في المصحف‬
‫وهي(من الجنة والناس)فهل هاتان الآيتان‪ ,‬وأخر‬
‫مثلهما في القرآن‪ ,‬تتكلمان عن حكم من أحكام الل ّه‬
‫تعالى أو نبأ أو قصة؟ أم ليستا من كتاب الل ّه تعالى‬
‫ب ُأحْكِم َْت آي َاتُه ُ‬
‫الذي قال فيه في سورة هود‪[5‬الر كِتاَ ٌ‬

‫ت م ِن ل َّ ّد ُ ْن حَك ٍ‬
‫ِيم خَب ِيرٍ]؟‬ ‫ث َُّم ّ ف ُ ِّ‬
‫صل َ ْ‬

‫فكما نرى‪ ,‬هذه الاختلافات كلها آراء بشر ية‪ ,‬وليس لها‬
‫أيّ صلة بكتاب الل ّه تعالى الذي أنزله بعلمه‪ ,‬ووضع له‬
‫قواعدا لتدبره‪ ,‬كما هو الشأن للعلوم التي اكتشفها‬

‫~‪~11‬‬
‫الإنسان‪ ,‬ووضع لها هو كذلك قواعدا للعمل بها‪ ,‬كعلوم‬
‫الر ياضيات والفيز ياء مثلا‪ ,‬وبما أن الل ّه تعالى قال في‬
‫ل ذِي عِلْم ٍ عَل ِيم ٌ]‬
‫كتابه في سورة يوسف‪[;:‬و َفَوْقَ ك ُ ّ ِ‬
‫وجب علينا أن نخضع لقواعد علم الل ّه سبحانه‪ ,‬وهذا ما‬
‫سنقوم به في آية المحكم والمتشابه‪ ,‬كما هو الشأن في كل‬
‫ما نتدبره من آيات كتابه تعالى‪ ,‬وسوف نرى بأن هذه‬
‫الآية لا علاقة لها بكل ما قيل عن المحكم والمتشابه‪,‬‬
‫وبأن كتاب الل ّه ليس فيه متشابه‪ ,‬وبأن المتشابه ليس‬
‫هو نقيض المحكم‪ ,‬وبأن كتاب الل ّه كل آياته محكمة‪,‬‬
‫وهذه الآيات منها ما هي متشابهة‪ ,‬يعني أن الآية محكمة‪,‬‬
‫وهي القاعدة‪ ,‬وقد تكون متشابهة مثاني‪.‬‬

‫ك‬
‫ب أَ نزَلْن َاه ُ ِإلَي ْ َ‬
‫فالل ّه تعالى قال في سورة ص=‪[6‬ك ِتاَ ٌ‬
‫م ُب َارَك ٌ لِّي َ َّ ّد َّب ّر ُوا ءَاي َاتِه ِ و َلِيَتَذ َ َّك ّر َ ُأولُوا الْأَ لْب َاب] وبما أننا‬
‫نريد أن نتدبر آية المحكم والمتشابه‪ ,‬وجب علينا أن نلبّها‬

‫~‪~12‬‬
‫حتى نتعر ّف على معناها الحقيقي‪ ,‬وذلك بتحليلها تحليلا‬
‫دقيقا يناسب علم الل ّه تعالى‪ ,‬وطر يقة إحكام آيات كتابه‪.‬‬

‫ولهذا وجب علينا أولا أن نحدد دلالات الكلمات التي‬


‫جاءت في آية المحكم والمتشابه‪ ,‬وذلك باستعمال القواعد‬
‫التي بداخل القرآن‪ ,‬وأولها اللغة العربية‪ ,‬ثم نتدبر الآية‬
‫حسب تلك الدلالات‪ ,‬حتى يتوافق مفهومها مع كل ما‬
‫صرّف تعالى من أمثلة كتفصيل للآية التي نحن في‬
‫صددها‪ ,‬وهذه الكلمات هي> الكتاب – أمّ الكتاب –‬
‫متشابهات – ما تشابه منه – تأو يله – منه وفيه ‪-‬‬
‫الراسخون في العلم – وكذلك متشابها مثاني‪.‬‬

‫وهذه الآية لا يمكن تدبرها كذلك إلا ّ باستحضار‬


‫الآيات الأخر التي فصّ لها تعالى‪ ,‬وصرّفها في أمثلة‪ ,‬ولها‬
‫علاقة مباشرة بها‪ ,‬ومنها قوله تعالى في سورة هود‪[5‬الر‬

‫ت م ِن ل َّ ّد ُ ْن حَك ٍ‬
‫ِيم خَب ِيرٍ]‬ ‫ب ُأحْكِم َْت ءَاي َاتُه ُ ث َُّم ّ ف ُ ِّ‬
‫صل َ ْ‬ ‫كِتاَ ٌ‬
‫ِيث‬
‫ن الْحَد ِ‬ ‫الل ّه ُ ن ََّز ّ َ‬
‫ل أَ حْ س َ َ‬ ‫وقوله تعالى في سورة الزمر‪َّ [67‬‬

‫~‪~13‬‬
‫كِتاَب ًا ُمّتَش َابِهًا َّمّثَان ِي] حتى لا يناقض تفسير آية تفسير‬
‫أخرى‪ ,‬وبالتالي يكون تناقض في كلام الل ّه تعالى‬
‫حاشاه سبحانه‪ ,‬وسوف نستحضر الآية التي كانت سببا‬
‫لنزول آية المحكم والمتشابه‪.‬‬

‫~‪~14‬‬
‫الكتاب والقرآن‬

‫ك‬ ‫قال الل ّه تعالى في أول الآية[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ نز َ َ‬


‫ل عَلَي ْ َ‬
‫اب] ولم يقل‬
‫الْكِتاَبَ ] وهنا كما نرى‪ ,‬قال تعالى[الك ِت َ ٌ‬
‫(القرآن)وبما أن الل ّه سبحانه أحكم آياته كما جاء في‬
‫اب ُأ ْ‬
‫حكِم َْت آي َاتُه ُ ث َُّم ّ ف ُِّصل َْت] فجعل‬ ‫سورة هود‪[5‬ك ِت َ ٌ‬
‫لكل كلمة دلالتها‪ ,‬وجب أن نبيّن دلالة كلمة الكتاب‪,‬‬
‫ل كي نعلم لماذا استعمل كلمة الكتاب في آية المحكم‬
‫والمتشابه‪ ,‬كما استعملها عندما تكلم عن إحكام آيات‬
‫الكتاب‪ ,‬ولم يستعمل كلمة القرآن!‬

‫وبما أن الل ّه تعالى قال في سورة الزخرف‪ِ [7‬إ َّن ّا َ‬


‫جعَل ْنَاه ُ‬
‫قُر ْآن ًا ع َرَ ب ًّيِ ّا لَع َ َّل ّ ك ُ ْم تَعْق ِلُونَ] وجب إذ ًا أن نتدبر القرآن‬
‫باللغة العربية ل كي نعقله‪ ,‬وباللسان العربي كما جاء في‬

‫~‪~15‬‬
‫ح الْأَ م ِينُ ‪461‬عَلَى‬ ‫ل بِه ِ ُ‬
‫الر ّو ُ‬ ‫سورة الشعراء‪[5=7‬ن َز َ َ‬
‫ن ع َرَ ب ِ ٍيّ م ُبِينٍ]‬
‫ن ‪462‬بِلِس َا ٍ‬
‫ن ال ْمُنْذِرِي َ‬
‫ك لِتَكُونَ م ِ َ‬
‫قَل ْب ِ َ‬

‫فكلمة كتاب جذرها اللغوي هو فعل كتب‪ ,‬فنقول‬


‫خط عليها‪ ,‬ونقول كتب عليه‬
‫ّ‬ ‫كتب على الورقة يعني‬
‫الطاعة‪ ,‬يعني أمره بها وأوجبها عليه‪ ,‬وهنا كما نرى فعل‬
‫كتب له دلالتان‪ ,‬وبما أن الل ّه تعالى جعل كتابه قرآنا‬
‫غير ذي عوج‪ ,‬يعني لكل كلمة دلالة واحدة ولا تتغير‬
‫مع تغير الآية‪ ,‬وجب أن نبيّن أيّ الدلالتين هي من‬
‫اللسان العربي الذي نز ّل به تعالى كتابه‪ ,‬ولهذا سنعتمد‬
‫على الأمثلة التي ضربها لنا في القرآن‪.‬‬

‫فالل ّه تعالى قال في سورة البقرة‪[5<7‬ي َا أَ ُ ّيهَا ال َّ ّذ ِي َ‬


‫ن آم َن ُوا‬
‫الصيَام ُ كَمَا كُت ِبَ عَلَى ال َّ ّذ ِي َ‬
‫ن م ِنْ قَبْل ِك ُ ْم‬ ‫كُت ِبَ عَلَيْكُم ُ ِّ‬
‫لَع َ َّل ّ ك ُ ْم ت ََّت ّق ُونَ] وهنا كما نرى‪ ,‬قال تعالى[كُت ِبَ عَلَيْكُمُ‬
‫الصيَام ُ] يعني أوجبه علينا‪ ,‬وقال تعالى في سورة‬
‫ِّ‬
‫التوبة‪[95‬قُلْ لَنْ يُصِ يبَنَا ِإ َّلّا م َا كَت َبَ َّ‬
‫الل ّه ُ لَنَا ه ُو َ مَوْل َان َا‬

‫~‪~16‬‬
‫الل ّه ِ فَل ْيَت َو َ َّكّ ِ‬
‫ل ال ْمُؤْم ِن ُون] وهنا كما نرى‪ ,‬قال تعالى‬ ‫و َعَلَى َّ‬
‫[كَت َبَ الل ّه لَنَا] يعني أوجب لنا وليس أوجب علينا‪,‬‬
‫فالل ّه تعالى أوجب أن يكون مرض وعافية‪ ,‬وعقم‬
‫وخصوبة‪ ,‬وكل شيء يصيبنا هو مما أوجب أن يكون‪,‬‬
‫ولا يمكن أن يصيبنا شيء لا وجود له في الأرض وغير‬
‫منطقي‪ ,‬وبما أن المصحف يحتوي على ما أوجب علينا‬
‫تعالى من فرائض وأحكام‪ ,‬وعلى ما أوجب أن يكون‬
‫كما هي القصص والأنباء التي جاءت في القرآن‪ ,‬ولا‬
‫تخالف المنطق‪ ,‬فكلمة الكتاب إذ ًا هي دلالة على محتوى‬
‫ما جاء به المصحف‪ ,‬ولهذا عندما تكلم سبحانه عن ما‬
‫كتب لنا وما كتب علينا‪ ,‬والذي جعله تعالى عبارة عن‬
‫آيات محكمات ل كي نعلمه‪ ,‬استعمل كلمة الكتاب‪ ,‬وليس‬
‫كلمة القرآن‪.‬‬

‫أما عندما أراد تعالى أن يتحدث عن الدلالة الثانية‬


‫لفعل كتب كما نعرفها بلسان العرب‪ ,‬فهو سبحانه قال‬

‫~‪~17‬‬
‫كن ْتَ تَت ْلُو م ِنْ قَبْلِه ِ م ِنْ‬
‫في سورة العنكبوت<‪[8‬وَم َا ُ‬
‫ك ِإذ ًا ل َارْت َابَ ال ْمُبْط ِلُونَ] وهنا كما‬ ‫اب وَل َا تَخ ُ ُ ّ‬
‫طه ُ بِيمَِين ِ َ‬ ‫كِت َ ٍ‬
‫نرى‪ ,‬قال تعالى[وَل َا تَخ ُ ُ ّ‬
‫طه ُ] ولم يقل (تكتبه)لأنه يتكلم‬
‫خط الذي نعرفه بلسان العرب بفعل‬
‫سبحانه عن فعل ّ‬
‫ك] ولم يقل(بيدك)‬
‫كتب‪ ,‬ولهذا تابع تعالى قائلا[بِيمَِين ِ َ‬
‫وذلك لأن كلمة يمين في القرآن هي دلالة على الجزء‬
‫المتقدم من اليد‪ ,‬والذي يبدأ من رؤوس الأصابع إلى‬
‫خط‪ ,‬ولهذا‬
‫كف‪ ,‬وهو الذي نستعمله لل ّ‬
‫المعصم و يحتوي ال ّ‬
‫ك ي َا م ُوس َى‬
‫ك بِيمَِين ِ َ‬
‫قال تعالى في سورة طه;‪[5‬وَم َا تِل ْ َ‬
‫هي َ عَصَايَ أَ تَو َ َّكّ ُأ عَلَيْهَا و َأَ ه ُ ُّش بِهَا عَلَى غ َنَمِي‬
‫ل ِ‬
‫‪|45‬قَا َ‬
‫و َلِي َ ف ِيهَا م َآرِبُ ُأ ْ‬
‫خر َى] وقال كذلك في سورة‬
‫الصافات‪[=7‬ف َرَاغَ عَلَيْه ِ ْم ضَرْب ًا ب ِالْيم َِينِ] وذلك دلالة على‬
‫أن إبراهيم عليه السلام لم يستعمل أيّ آلة لدفع الأصنام‬
‫لإسقاطهن‪.‬‬

‫~‪~18‬‬
‫فعندما يستعمل تعالى كلمة الكتاب‪ ,‬فذلك ليتكلم عن‬
‫ك‬
‫مضمون الوحي‪ ,‬ولهذا قال تعالى في سورة البقرة‪[6‬ذَل ِ َ‬
‫الْكِتَابُ ل َا ر َي ْبَ ف ِيه ِ هُدًى لِل ْم َُّت ّق ِينَ] وهنا كما نرى‪ ,‬قال‬
‫تعالى[الْكِتَابُ ] ثم قال[هُدًى لِّل ْم َُّت ّق ِينَ] يعني إن قام‬
‫المؤمن بما أحتوى عليه المصحف من أحكام وفرائض‪,‬‬
‫وآمن بما جاء به من أنباء‪ ,‬وأخذ العبرة والموعظة مما‬
‫جاء به من قصص‪ ,‬فهو من المتقين‪ ,‬ولهذا قال تعالى‬
‫ك‬ ‫كذلك في سورة آل عمران;[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ‬
‫ل عَلَي ْ َ‬
‫اب و َ ُأخَر ُ‬
‫ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ‬
‫كم َ ٌ‬
‫مح ْ َ‬
‫َات ُ‬
‫الْكِتَابَ مِن ْه ُ آي ٌ‬
‫ات] وهنا كما نرى‪ ,‬استعمل تعالى كلمة كتاب‪,‬‬
‫م ُتَشَابِه َ ٌ‬
‫وذلك لأنه يتكلم عن محتوى المصحف الذي يتكون‬
‫اب‬
‫من آيات محكمات كما ذكر تعالى في سورة هود‪[5‬كِت َ ٌ‬
‫ُأحْكِم َْت آي َاتُه ُ ث َُّم ّ ف ُِّصل َْت]‬

‫ل‬
‫وكذلك عندما قال تعالى في سورة البقرة=;[ف َو َي ْ ٌ‬
‫ن يَكْتُب ُونَ الْكِتَابَ ب ِأَ يْدِيه ِ ْم ث َُّم ّ يَق ُولُونَ هَذ َا م ِنْ عِنْدِ‬
‫ل َِّل ّذ ِي َ‬

‫~‪~19‬‬
‫الل ّه ِ لِيَشْت َر ُوا بِه ِ ثَمَنًا قَلِيل ًا ف َو َي ْ ٌ‬
‫ل لَه ُ ْم م َِّم ّا كَتَب َْت أَ يْدِيه ِ ْم‬ ‫َّ‬
‫ل لَه ُ ْم م َِّم ّا ي َ ْكسِب ُون] استعمل سبحانه فعل كتب‪,‬‬ ‫وَو َي ْ ٌ‬
‫وذلك دلالة على فعل أمر أو أوجب‪ ,‬فعندما قال‬
‫ل‬
‫عز وج ّ‬ ‫ل ل َِّّل ّذ ِي َ‬
‫ن يَكْتُب ُونَ الْكِتَابَ ] فهو يُنذر ّ‬ ‫تعالى[ف َو َي ْ ٌ‬
‫الذين يأمرون الناس‪ ,‬و يوجبون عليهم ما لم يوجبه تعالى‬
‫على عباده رحمة منه‪ ,‬ولهذا تابع قائلا[ب ِأَ يْدِيه ِ ْم] يعني‬
‫يأمرون بأشياء لم ينزل الل ّه بها من سلطان‪ ,‬وإنما من‬
‫تلقاء أنفسهم وبأهوائهم‪ ,‬و يوجبونها على الناس بزعمهم‬
‫أنها من دين الل ّه تعالى‪ ,‬ولهذا تابع قائلا[ث َُّم ّ يَق ُولُونَ هَذ َا‬
‫الل ّه ِ]‬
‫م ِنْ عِنْدِ َّ‬

‫فدلالة كلمة الكتاب ليست هي دلالة كلمة القرآن‪,‬‬


‫وليست هي دلالة كلمة التوراة‪ ,‬وكذلك كلمة الإنجيل‪,‬‬
‫ولهذا كلما أمر تعالى بالإيمان بما جاء به الرسل واتباعه‪,‬‬
‫إلا ّ واستعمل كلمة الكتاب‪ ,‬وذلك بالنسبة لكل الرسل‪,‬‬
‫اب‬
‫ولهذا قال تعالى في سورة الأنعام ‪[599‬و َهَذَا كِت َ ٌ‬

‫~‪~21‬‬
‫أَ ن ْزَلْنَاه ُ م ُبَارَك ٌ فَا َّت ّبِع ُوه ُ و ََّات ّق ُوا لَع ََّل ّ ك ُ ْم تُرْحَم ُو َ‬
‫ن] وهنا كما‬
‫نرى‪ ,‬استعمل تعالى كلمة الكتاب ولم يستعمل كلمة‬
‫القرآن‪ ,‬وقال كذلك في سورة البقرة ‪[<9‬ث َُّم ّ أَ ن ْتُم ْ ه َؤُل َاء ِ‬

‫تخْرِجُونَ فَرِ يق ًا مِنْك ُ ْم م ِنْ دِي َارِه ِ ْم‬


‫تَقْتُلُونَ أَ نْفُسَك ُ ْم و َ ُ‬
‫ن و َِإ ْن ي َأْ تُوك ُ ْم ُأسَار َى‬ ‫ن عَلَيْه ِ ْم ب ِال ِْإ ْث ِم و َال ْع ُ ْدو َا ِ‬
‫تَظ َاه َر ُو َ‬
‫ض‬
‫ن ببَِعْ ِ‬‫جه ُ ْم أَ فَتُؤْم ِن ُو َ‬
‫خر َا ُ‬‫مح ََّر ّم ٌ عَلَيْك ُ ْم ِإ ْ‬‫تُف َاد ُوه ُ ْم و َه ُو َ ُ‬
‫الْكِتاَب] وهنا كما نرى‪ ,‬استعمل تعالى كلمة الكتاب ولم‬
‫يستعمل كلمة التوراة‪ ,‬وذلك لأنه يتكلم عن المحتوى كما‬
‫جاء في سورة الأنعام‪[598‬ث َُّم ّ آتَي ْنَا م ُوس َى الْكِتَابَ تَمَام ًا‬
‫ل شَيْء ٍ و َهُدًى وَرَحْم َة ً‬ ‫عَلَى ال َّ ّذ ِي أَ حْ س َ َ‬
‫ن و َتَفْصِ يل ًا لِك ُ ّ ِ‬
‫لَع َ َّل ّه ُ ْم بِلِق َاء ِ ر َ ّبِه ِ ْم يُؤْم ِن ُو َ‬
‫ن]‬

‫ولهذا كلما أراد كذلك أن يتكلم سبحانه عن الذين‬


‫يعلمون محتوى الكتاب‪ ,‬فهو يقول مثلا في سورة النساء‬
‫اب ِإ َّلّا لَيُؤْم ِن ََّ ّن بِه ِ قَب ْ َ‬
‫ل مَو ْتِه ِ‬ ‫ل الْكِت َ ِ‬
‫=‪[59‬و َِإ ْن م ِنْ أَ ه ْ ِ‬
‫و َيَوْم َ ال ْق ِيَامَة ِ يَكُونُ عَلَيْه ِ ْم شَه ِيدًا] وهنا يتكلم سبحانه عن‬

‫~‪~21‬‬
‫النصارى الذين يعلمون ما جاء به كتابهم‪ ,‬والذي يذكر‬
‫بأن الل ّه تعالى سيرفع عيسى إليه كما جاء ذلك بطر يقة‬
‫مباشرة في عديد من الآيات في كتابنا‪ ,‬وأخرى غير‬
‫مباشرة كقوله سبحانه في سورة آل عمران‪[ 8:‬و َيُك َل ِ ّم ُ‬
‫ن َّ‬
‫الصّ الِ ح ِينَ] وهنا كما نرى‪,‬‬ ‫كهْل ًا وَم ِ َ‬
‫اس فِي ال ْم َ ْهدِ و َ َ‬ ‫َّ‬
‫الن ّ َ‬
‫اس فِي ال ْم َ ْهدِ] وهذه آية بي ّنة‬ ‫قال الل ّه تعالى[و َيُك َل ِ ّم ُ َّ‬
‫الن ّ َ‬
‫خاصة بعيسى عليه السلام‪ ,‬ل كن الل ّه تعالى تابع قائلا‬
‫خاص بعيسى وإنما هو شيء عام‪,‬‬
‫ّ‬ ‫كهْل ًا] وهذا ليس‬
‫[و َ َ‬
‫ل كن الل ّه تعالى بيّن هنا بأن عيسى ستتوقف حياته عند‬
‫ال كهولة ولن يكلم الناس بعدها‪.‬‬

‫فإذا كانت كلمة الكتاب هي دلالة على محتوى‬


‫المصحف الذي هو عبارة عن آيات محكمات‪ ,‬فما هي‬
‫دلالة كلمة القرآن إذ ًا؟‬

‫قال الل ّه تعالى في سورة محمد‪[68‬أَ فَلَا يَتَد َ َّب ّر ُونَ الْقُر ْآنَ أَ ْم‬
‫وب أَ قْف َالُهَا] وهنا كما نرى‪ ,‬قال تعالى[أَ فَلَا‬
‫عَلَى قُل ُ ٍ‬

‫~‪~22‬‬
‫يَتَد َ َّب ّر ُونَ الْقُر ْآنَ] ولم يقل(أفلا يتدبرون الكتاب)وكلمة‬
‫القرآن هي على وزن فعلان‪ ,‬كما نقول ظمآن التي‬
‫جذرها اللغوي هو فعل ظمأ‪ ,‬وكذلك كلمة القرآن‬
‫جذرها اللغوي هو فعل قرأ‪ ,‬فنقول قرأ الرسالة‪ ,‬يعني علم‬
‫عن طر يق القراءة ما هو مخطوط بداخلها‪ ,‬فهو إذ ًا علم‬
‫محتواها‪ ,‬ولهذا قال تعالى في سورة العلق ‪[5‬اق ْرأْ َ ب ِاس ْ ِم‬
‫ك ال َّ ّذ ِي خ َلَق] وذلك لأن محمدا ﷺ علم الوحي‪ ,‬أي‬
‫ر َب ّ ِ َ‬
‫محتوى الكتاب عن طر يقة القراءة‪ ,‬فكلمة القرآن إذ ًا هي‬
‫دلالة على الطر يقة التي أوحى بها تعالى إلى رسوله‪ ,‬وعلم‬
‫بها الكتاب‪ ,‬أي محتوى الرسالة‪ ,‬فالقرآن هي القراءة‬
‫بلسان العرب‪ ,‬والتي بواسطتها نتعرف على الأشياء‪ ,‬ولهذا‬
‫قال تعالى[أَ فَلَا يَتَد َ َّب ّر ُونَ الْقُر ْآنَ] وذلك لأنه يتكلم‬
‫سبحانه عن فهم ما جاءت به الرسالة‪ ,‬ولهذا قال تعالى‬
‫ن الذي ُأنز ِ َ‬
‫ل ف ِيه ِ‬ ‫في سورة البقرة‪[5<9‬شهْر ُ رَمَضَا َ‬
‫ن هُدًى ل ّ ِ َّلن ّا ِ‬
‫س] وهنا كما نرى قال تعالى[الْقُر ْآنُ‬ ‫الْقُر ْآ َ‬
‫هُدًى ل ِ َّلن ّا ِ‬
‫س] ولم يقل الكتاب‪ ,‬وذلك لأنه يتكلم عن‬

‫~‪~23‬‬
‫معرفة محتوى الكتاب وليس الإيمان به‪ ,‬ولهذا قال‬
‫تعالى[هُدًى ل ّ ِ َّلن ّا ِ‬
‫س] يعني ل كي يهتدي الإنسان يجب أن‬
‫يقرأ المصحف ليتعر ّف على محتوى الرسالة‪ ,‬أي الكتاب‪,‬‬
‫وبعد ذلك إن شاء آمن بمحتواه وإن شاء كفر به‪ ,‬ولهذا‬
‫ك الْكِتَابُ ل َا ر َي ْبَ ف ِيه ِ‬
‫قال تعالى في سورة البقرة‪[6‬ذَل ِ َ‬
‫هُدًى لِل ْم َُّت ّق ِينَ]‬

‫وبما أن كتاب الل ّه تعالى هو من علمه‪ ,‬ولكل كلمة‬


‫دلالتها‪ ,‬فدلالة الكلمة المُعر ّفة ليست هي نفس دلالة‬
‫تلك الكلمة عندما تكون نكرة‪ ,‬فدلالة كلمة العاقبة مثلا‬
‫ليست هي دلالة كلمة عاقبة‪ ,‬وكذلك دلالة كلمة الساعة‬
‫ليست هي دلالة كلمة ساعة‪ ,‬وبالتالي دلالة كلمة القرآن‬
‫ليست هي دلالة كلمة قرآن‪ ,‬فعندما يقول تعالى‬
‫(القرآن)فهذا يعني المصحف الذي نعلم محتواه بالقراءة‪,‬‬
‫والذي ليس هناك سواه‪ ,‬وعندما يقول تعالى(قرآن)‬
‫فهذا يعني معرفة أيّ شيء عن طر يقة القراءة‪ ,‬أي‬

‫~‪~24‬‬
‫اكتساب المعرفة‪ ,‬ولهذا قال تعالى في سورة فصلت‬
‫ت آي َاتُه ُ قُر ْآن ًا ع َرَ ب ًّيِ ّا لِقَو ْ ٍم يَعْلَم ُونَ] وهنا كما‬
‫اب ف ُِّصل َ ْ‬
‫‪[7‬كِت َ ٌ‬
‫اب] والذي هو دلالة على المحتوى‪,‬‬ ‫نرى‪ ,‬قال تعالى[كِت َ ٌ‬
‫قد فصّ ل سبحانه محتواه عبر آيات بقراءة عربية‪ ,‬ولهذا‬
‫جاءت كلمة قرآنا نكرة‪.‬‬

‫جع َل ْنَاه ُ قُر ْآن ًا أَ عْجَم ًِّي ّا‬


‫وقال تعالى في سورة فصلت‪[88‬و َلَو ْ َ‬
‫يٌّ وَع َرَ بِيّ ٌّ]وهنا كما نرى‪,‬‬
‫صل َْت آي َاتُه ُ أَ عْجَمِ ّ‬
‫لَق َالُوا لَوْل َا ف ُ ِّ‬
‫جعَل ْنَاه ُ] والهاء ضمير متصل دلالة على‬ ‫قال تعالى[ َ‬
‫الكتاب‪ ,‬يعني لو جعل تعالى الكتاب بقراءة أعجمية‪ ,‬أي‬
‫لغة أهل الكتاب‪ ,‬وأنزله تعالى على محمد ﷺ لاحتاجوا‬
‫يٌّ وَع َرَ بِيّ ٌّ]‬
‫لمن يفصّ ل آياته بلغتهم‪ ,‬ولهذا تابع قائلا[أَ عْجَمِ ّ‬
‫يعني كيف يمكن أن يُنز ّل الل ّه تعالى كتابا يقرأ بلغة‬
‫أعجمية على رسول عربي!‬

‫َت بِه ِ‬
‫سيِّر ْ‬ ‫وقال تعالى في سورة الرعد‪َ[75‬لَو ْ أَ َّ ّ‬
‫ن قُر ْآن ًا ُ‬
‫ْض أَ ْو ك ُل ِ ّم َ بِه ِ ال ْمَو ْتَى] وهنا‬
‫َت بِه ِ الْأَ ر ُ‬
‫طِع ْ‬
‫ل أَ ْو ق ُ ّ‬
‫الْج ِبَا ُ‬

‫~‪~25‬‬
‫كما نرى‪ ,‬قال تعالى[َولَوْ أَ َّ ّ‬
‫ن قُر ْءَان ًا] ولم يقل القرآن هنا‬
‫كذلك‪ ,‬وذلك لأنه يتكلم سبحانه عن أيّ قراءة‪ ,‬أي‬
‫اكتساب معرفة‪ ,‬والتي بواسطتها يمكننا أن نُسي ّر الجبال‪,‬‬
‫أي نجعلها تتحرك باستعمال المفجرات مثلا‪ ,‬ولهذا قال‬
‫ل] ونستطيع كذلك‬ ‫َت بِه ِ الْج ِبَا ُ‬
‫سيِّر ْ‬ ‫تعالى[ولَو ْ أَ َّ ّ‬
‫ن قُر ْءَان ًا ُ‬
‫أن نقطّع به الأرض‪ ,‬يعني نترك ال كرة الأرضية تماما‬
‫ونتجه إلى الفضاء‪ ,‬وهذا كذلك توصلنا إليه بواسطة‬
‫ْض] وكما يعلم‬
‫َت بِه ِ الْأَ ر ُ‬
‫طِع ْ‬
‫القراءة‪ ,‬ولهذا تابع قائلا[أَ ْو ق ُ ّ‬
‫البعض‪ ,‬بأنه قد أصبح بواسطة القراءة أي العلم‪ ,‬الكلام‬
‫مع الموتى(أنفس بدون جسد على وجه الأرض)وليس‬
‫الأموات(نفوس رجعت إلى ربها)ولهذا تابع تعالى‬
‫قائلا[أَ ْو ك ُل ِ ّم َ بِه ِ ال ْمَو ْتَى] ولم يقل(أو ك ُلم به الأموات)‬

‫وهكذا يتبيّن بأن كلمة الكتاب هي دلالة على محتوى‬


‫الرسالة‪ ,‬وكلمة القرآن هي دلالة على الطر يقة التي أوحى‬
‫بها الل ّه تعالى ذلك الكتاب وعل ِمه رسوله‪ ,‬ولهذا كلما تكلم‬

‫~‪~26‬‬
‫سبحانه عن تدبر المحتوى لمعرفة ما جاءت به رسالة محمد‬
‫ﷺ إلا ّ واستعمل كلمة القرآن‪ ,‬وكلما تكلم تعالى عن‬
‫مضمون الرسالة الذي هو عبارة عن آيات محكمات‪ ,‬أو‬
‫التصديق أو التكذيب بها‪ ,‬وبالتالي الإيمان أو ال كفر بها‪,‬‬
‫إلا ّ واستعمل سبحانه كلمة الكتاب‪ ,‬وبما أن كل الرسل‬
‫ل كلمة‬
‫عز وج ّ‬
‫جاؤوا بنفس المحتوى‪ ,‬فلذلك استعمل ّ‬
‫الكتاب بالنسبة لمحمد وعيسى وموسى‪ ,‬ل كنه خالف‬
‫تعر يف الكتاب بينهم‪ ,‬وذلك لاختلاف طر يقة الوحي‪,‬‬
‫ولهذا نعت الكتاب الذي أنزله سبحانه على محمد بالقرآن‪,‬‬
‫والذي أنزله على عيسى بالإنجيل‪ ,‬والذي أنزله على‬
‫موسى بالتوراة‪.‬‬

‫فعندما بدأ تعالى آية المحكم والمتشابه بقوله[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ‬


‫ل‬
‫ك الْكِتَابَ ]فذلك لأن كلمة الكتاب هي دلالة على‬
‫عَلَي ْ َ‬
‫المضمون الذي هو عبارة عن آيات محكمات‪ ,‬ولهذا تابع‬
‫ات]‬
‫كم َ ٌ‬
‫مح ْ َ‬
‫َات ُ‬
‫سبحانه قائلا[مِن ْه ُ آي ٌ‬

‫~‪~27‬‬
‫وهكذا يتبين بأن كلما تكلم تعالى عن مضمون الرسالة‬
‫إلا ّ واستعمل كلمة الكتاب‪ ,‬ولا يمكن أن يستعمل كلمة‬
‫القرآن‪ ,‬ولهذا لن تجد أبدا في القرآن كلمة آيات مقرونة‬
‫بكلمة القرآن‪ ,‬ولن تجد كذلك فعل قرأ إلا ّ وهو مقرون‬
‫بكلمة القرآن‪ ,‬وليس بكلمة الكتاب‪ ,‬وهذه من الطرق‬
‫التي أحكم بها سبحانه آيات الكتاب ل كي لا نز يغ عن‬
‫فهم قوله‪.‬‬

‫~‪~28‬‬
‫أمّ الكتاب‬

‫َات‬
‫ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ آي ٌ‬ ‫قال الل ّه تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ‬
‫ل عَلَي ْ َ‬
‫اب] وبما أنه تبيّن دلالة الكتاب‪,‬‬ ‫ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ‬‫كم َ ٌ‬
‫مح ْ َ‬
‫ُ‬
‫وجب أن نبيّن دلالة كلمة أمّ‪ ,‬وبالتالي دلالة عبارة أمّ‬
‫الكتاب‪ ,‬فكلمة أمّ جذرها اللغوي هو فعل أ َّمّ‪ ,‬فنقول‬
‫أمّت المرأة يعني صارت أمّا‪ ,‬أي هي المصدر لأطفالها‪,‬‬
‫وهي الأصل أو البداية‪ ,‬ولهذا ننعت من يقيم الصلاة في‬
‫الناس بالإمام‪ ,‬لأنه هو الأصل في الفعل‪ ,‬فهو الأول‬
‫الذي يقوم بالحركة ثم يتبعه الآخرون‪.‬‬

‫فعبارة أمّ الشيء إذ ًا‪ ,‬تعني أصل أو بداية شيء لم يكن‬


‫موجودا من قبل‪ ,‬ولم يكن هناك مثيله‪ ,‬ول كي لا يكون‬
‫كتاب الل ّه تعالى قرآنا ذا عوج‪ ,‬وجب أن نضع هذه‬
‫الدلالة لكلمة أمّ في بعض الأمثلة التي ضربها سبحانه‬

‫~‪~29‬‬
‫ب‬
‫في القرآن‪ ,‬ومنها قوله في سورة الأنعام‪[=6‬و َهَذ َا كِتاَ ٌ‬
‫ص ّدِقُ ال َّ ّذ ِي بَيْنَ يَد َيْه ِ و َلِتُنذِر َ ُأ َّمّ الْق ُر َى]‬
‫أَ نزَلْن َاه ُ م ُبَارَك ٌ ُمّ َ‬
‫وهنا كما نرى‪ ,‬قال تعالى[ ُأ َّمّ الْق ُر َى] وكما يعلم الجميع بأن‬
‫محمدا ﷺ نزل عليه الوحي في مك ّة‪ ,‬وهي القر ية التي‬
‫جعل الل ّه تعالى فيها بيته الذي يُحجّ إليه‪ ,‬وبالتالي أصبح‬
‫ل‬
‫المكان آمنا كما جاء في سورة إبراهيم‪[79‬و َِإ ْذ قَا َ‬
‫َب اجْ ع َلْ هَذ َا الْبَلَد َ آم ِنًا و َاجْ نُبْنِي و َبَنِ َّ ّي أَ ْن‬
‫ِإ ب ْر َاه ِيم ُ ر ِّ‬
‫نَعْبُد َ الْأَ صْ نَام َ] وكذلك في سورة القصص;‪[9‬و َقَالُوا ِإ ْن‬
‫ف م ِنْ أَ ْرضِنَا أَ و َل َ ْم نُم َ ّ‬
‫كِنْ لَه ُ ْم‬ ‫ك نُتَخ َ َّ ّ‬
‫ط ْ‬ ‫ن ََّت ّب ِ‬
‫ِِع ال ْهُد َى مَع َ َ‬
‫ل شَيْء ٍ رِزْقًا م ِنْ لَد ُ َّن ّا‬
‫يج ْب َى ِإلَيْه ِ ثَم َرَاتُ ك ُ ّ ِ‬
‫حَرَم ًا آم ِنًا ُ‬
‫و َل َك َِّنّ أَ كْ ثَر َه ُ ْم ل َا يَعْلَم ُونَ] وهذا ما جعل الناس تستقر ّ‬
‫في مكة و يعمرونها‪ ,‬فكانت القبائل تأتي من كل الأنحاء‪,‬‬
‫ولهذا نعتهم تعالى بقريش‪ ,‬لأن كلمة قريش جذرها‬
‫اللغوي هو فعل قرش‪ ,‬فنقول قرش الشيء بمعنى كو ّنه‬
‫من أشياء مختلفة‪ ,‬فقريش إذ ًا هي دلالة على القوم‬
‫الذي يتكون من قبائل مختلفة‪ ,‬وبما أن لكل قبيلة‬

‫~‪~31‬‬
‫عرفها ولسانها‪ ,‬فهذا الذي أدّى إلى ظهور لغة يتحاورون‬
‫بها بينهم‪ ,‬وكانت هي اللهجة العربية التي تحولت إلى لغة‬
‫بعد نزول القرآن‪ ,‬ولهذا استعمل سبحانه عبارة أمّ‬
‫القرى‪ ,‬يعني المكان الذي كان هو الأصل في وجود‬
‫اللغة العربية التي نزل بها القرآن‪ ,‬لأن مكة هي أول‬
‫مكان ظهر فيه اللسان العربي ولم يكن موجودا من‬
‫قبل‪ ,‬ولهذا قال تعالى في سورة الأعراف;‪[59‬ال َّ ّذ ِي َ‬
‫ن‬
‫ل النبي ا ْل ُأ ِم ّي] وذلك لأن كلمة أمّي في‬
‫ن ا َّلر ّسُو َ‬
‫ي ََّت ّب ِع ُو َ‬
‫القرآن تعني الذي يجهل الدين‪ ,‬وليس القراءة‪ ,‬وهذا ما‬
‫كن ْتَ تَت ْلُو م ِنْ‬
‫بي ّنه تعالى في سورة العنكبوت <‪[8‬وَم َا ُ‬
‫ك‬
‫اب] وكذلك في سورة الشورى‪[96‬وَكَذَل ِ َ‬
‫قَبْلِه ِ م ِنْ كِت َ ٍ‬
‫كن ْتَ ت َ ْدرِي م َا الْكِتَابُ‬
‫ك ر ُوح ًا م ِنْ أَ ْمر ِن َا م َا ُ‬
‫حي ْنَا ِإلَي ْ َ‬
‫أَ ْو َ‬
‫وَل َا ال ِْإ يمَانُ] وذلك لأن الل ّه سبحانه لم ينزل من قبل‬
‫محمد ﷺ كتابا باللغة العربية التي ظهرت في أول الأمر‬
‫بمكة‪ ,‬ولهذا نعت تعالى العرب كذلك بالأميين كما جاء‬
‫في سورة الجمعة‪[6‬ه ُو َ ال َّ ّذ ِي بَع َثَ فِي ا ْل ُأمّ ِيِّينَ رَسُول ًا‬

‫~‪~31‬‬
‫كِيه ِ ْم و َيُع َل ِّمُهُم ُ الْكِتَابَ و َالْح ِ ْ‬
‫كم َة َ‬ ‫مِنْه ُ ْم يَت ْلُو عَلَيْه ِ ْم آي َاتِه ِ و َيُز َ ّ‬
‫ن] وهنا كما نرى‬ ‫ل م ُبِي ٍ‬
‫ل لَفِي ضَلَا ٍ‬ ‫و َِإ ْن ك َانُوا م ِنْ قَب ْ ُ‬
‫كذلك قال تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي بَع َثَ ف ِي ا ْل ُأمّ ِيينَ رَسُول ًا‬
‫مِّنْه ُ ْم] يعني أن الل ّه تعالى بعث في العرب‪ ,‬الذين لم يكن‬
‫لهم أيّ كتاب من قبل بلغتهم‪ ,‬رسولا عربيا لأول مرة‪,‬‬
‫ل لَفِي‬
‫ولهذا ختم الآية سبحانه قائلا[و َِإ ْن ك َانُوا م ِنْ قَب ْ ُ‬
‫ل م ُبِينٍ]‬
‫ضَلَا ٍ‬

‫ولهذا قال كذلك في سورة القصص=‪[9‬وَم َا ك َانَ ر َُب ّ َ‬


‫ك‬
‫ك الْق ُر َى ح ََّت ّى يَبْع َثَ فِي ُأمِّهَا رَسُول ًا يَت ْلُو عَلَيْه ِ ْم آي َاتنَِا‬
‫مُه ْل ِ َ‬
‫وَم َا ك َُّن ّا مُه ْل ِكِي الْق ُر َى ِإ َّلّا و َأَ ه ْلُه َا ظَالم ُِونَ] وهنا كما نرى‪,‬‬
‫قال تعالى[ح ََّت ّى يَبْع َثَ ف ِي ُأمِّهَا رَسُول ًا] يعني أن الل ّه‬
‫سبحانه لا يمكن أن يُهلك قر ية ليس لها أيّ كتاب‬
‫بلغتها حتى يبعث فيها رسولا يتلو عليهم آيات الل ّه تعالى‬
‫بلسانهم‪.‬‬

‫~‪~32‬‬
‫فالأميّ في القرآن وليس في مجتمعنا‪ ,‬هو الذي يجهل‬
‫الدين إمّا أن الل ّه تعالى لم ينزل كتابا بلسانه من قبل‪ ,‬وإمّا‬
‫أنه يجهل قراءة الكتاب كما جاء في سورة البقرة<;‬
‫[وَمِنْه ُ ْم ُأمّ ُِي ّونَ ل َا يَعْلَم ُو َ‬
‫ن الْكِتَابَ ِإ َّلّا أَ م َان ِ َّيّ و َِإ ْن ه ُ ْم ِإ َّلّا‬
‫يَظ ُُن ّونَ]‬

‫ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ‬ ‫فعندما قال تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ‬


‫ل عَلَي ْ َ‬
‫ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ‬
‫اب] فهذا يعني بأن الكتاب‬ ‫كم َ ٌ‬
‫مح ْ َ‬
‫َات ُ‬
‫آي ٌ‬
‫الذي أنزله تعالى على محمد ﷺ وأحكم كل آياته‪ ,‬فهو‬
‫جعل من هذه الآيات ما هن أمّ الكتاب‪ ,‬أي أنزلهن‬
‫تعالى لأول مرة ولم ينزل مثلهن من قبل‪ ,‬وذلك لأن‬
‫الل ّه تعالى قد أنزل الكتاب من قبل على موسى عليه‬
‫السلام وأحكم آياته‪ ,‬وأنزل الكتاب على عيسى عليه‬
‫السلام وأحكم آياته‪ ,‬ولهذا قال تعالى في سورة الحجر=[ ِإ َّن ّا‬
‫ن ن ََّز ّلْنَا الذِّك ْر َ و َِإ َّن ّا لَه ُ لَحا َفِظ ُونَ] وكما نرى‪ ,‬قال‬
‫نح ْ ُ‬
‫َ‬
‫تعالى[الذِّك ْر َ] ولم يقل القرآن‪ ,‬وذلك لأن الل ّه تعالى‬

‫~‪~33‬‬
‫حفظ كذلك التوراة والإنجيل لأنهما ذكر من عند الل ّه‬
‫كما هو القرآن‪.‬‬

‫فالل ّه تعالى أحكم آيات الكتاب الذي أنزله على محمد ﷺ‬


‫وأنزل فيه آيات لم ينزل مثلهن من قبل في أيّ كتاب‪,‬‬
‫فهن إذ ًا أمّ الكتاب‪ ,‬وقد بي ّنا في فقرة(سبب نزول‬
‫الآية)أمثلة لآيات هن أمّ الكتاب‪.‬‬

‫~‪~34‬‬
‫متشابهات‬

‫َات‬
‫ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ آي ٌ‬ ‫ل عَلَي ْ َ‬‫قال الل ّه تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ‬
‫ت] وهنا كما نرى‬ ‫اب و َ ُأخَر ُ م ُتَشَابِه َا ٌ‬
‫ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ‬
‫كم َ ٌ‬
‫مح ْ َ‬
‫ُ‬
‫ت] وكلمة متشابهات جذرها اللغوي‬
‫قال تعالى[م ُتَشَابِه َا ٌ‬
‫هو فعل شبه‪ ,‬فنقول زيد يشبه عمرا‪ ,‬يعني إذا رأيت‬
‫زيدا حسبته عمرا‪ ,‬وإذا رأيت عمرا حسبته زيدا‪ ,‬وذلك‬
‫لأنهما متشابهان‪ ,‬ولهذا قال تعالى في سورة النساء‬
‫ل‬
‫ن م َْر ي َم َ رَسُو َ‬ ‫;‪[59‬و َقَو ْلِه ِ ْم ِإ َّن ّا قَتَل ْنَا ال ْمَسِي َ‬
‫ح ع ِيس َى اب ْ َ‬
‫ا َّلل ّه ِ وَم َا قَتَلُوه ُ وَم َا صَلَب ُوه ُ و َل َكِن شُب ِّه َ لَه ُ ْم] يعني أنهم‬
‫قتلوا شخصا حسبوه عيسى لأنه كان يشبهه‪.‬‬

‫فكلمة متشابهات تعني أن هناك أشياء تشبه أشياء‬


‫أخرى مم ّا يجعل الإنسان يظن أنها نفس الشيء‪ ,‬ولهذا‬
‫قال تعالى في سورة البقرة‪[69‬و َبَش ِ ّر ِ ال َّ ّذ ِي َ‬
‫ن آم َن ُوا و َعَم ِلُوا‬

‫~‪~35‬‬
‫تحْتِهَا الْأَ نْهَار ُ ك ُ َّل ّمَا‬
‫تجْرِي م ِنْ َ‬ ‫ن لَه ُ ْم ج ََّن ّ ٍ‬
‫ات َ‬ ‫ات أَ َّ ّ‬ ‫َّ‬
‫الصّ الِ ح َ ِ‬
‫رُزِقُوا مِنْهَا م ِنْ ثَم َرَة ٍ رِزْقًا قَالُوا هَذ َا ال َّ ّذ ِي رُزِق ْنَا م ِنْ قَب ْ ُ‬
‫ل‬
‫و َ ُأتُوا بِه ِ م ُتَش َابِهًا و َلَه ُ ْم ف ِيهَا أَ ْزو َا ٌ‬
‫ج مُط َ َّهّرَة ٌ و َه ُ ْم ف ِيهَا‬
‫خ َالِد ُونَ] وهنا كما نرى‪ ,‬الل ّه تعالى يتحدث عن أصحاب‬
‫الجنة‪ ,‬وأنهم سوف ي ُرزقون بثمار تشبه تلك التي كانوا‬
‫ي ُرزقونها في الحياة الدنيا‪ ,‬ولا علاقة لهذا بالمشتبه فيه‪,‬‬
‫والذي أدّى إلى القول بأن في القرآن آيات تحتمل‬
‫أوجها‪ ,‬لأننا عندما نتهم شخصا مثلا لا نقول متشابه‪,‬‬
‫وإنما مشتبه فيه أو به‪ ,‬يعني يُحتمل وليس بمؤكد أن‬
‫يكون هو الجاني‪ ,‬ولهذا قال تعالى في سورة الأنعام==‬
‫َالز ّي ْت ُونَ و ُ‬
‫َالر ّ َّمّانَ مُشْتَبِهًا و َغَيْر َ‬ ‫اب و َّ‬ ‫[وَج ََّن ّ ٍ‬
‫ات م ِنْ أَ عْن َ ٍ‬
‫م ُتَشَابِه ٍ] وهنا كما نرى‪ ,‬قال تعالى[مُشْتَبِهًا و َغَيْر َ م ُتَشَابِه ٍ]‬
‫يعني أن هناك من ثمار الزيتون ومن ثمار الرمان ما‬
‫نحسبها نفس الشيء‪ ,‬ولهذا قال تعالى[مُشْتَبِهًا] ولم يقل‬
‫متشابها‪ ,‬ل كن عندما نطعمها نكتشف بأنها ليست‬
‫كذلك‪ ,‬ولهذا تابع تعالى قائلا[و َغَيْر َ م ُتَشَابِه ٍ] ل كن في‬

‫~‪~36‬‬
‫ت] وليس‬
‫آية المحكم والمتشابه قال تعالى[م ُتَشَا ِبَها ٌ‬
‫مشتبهات أو ما يُشتبه فيهن‪ ,‬كما نقول متفاعلات وليس‬
‫مفتعلات‪.‬‬

‫ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ‬ ‫فعندما قال تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ‬


‫ل عَلَي ْ َ‬
‫اب و َ ُأخَر ُ م ُتَشَابِه َا ٌ‬
‫ت] فهذا‬ ‫ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ‬
‫كم َ ٌ‬
‫مح ْ َ‬
‫َات ُ‬
‫آي ٌ‬
‫يعني كما قلنا في الفقرة السابقة‪ ,‬بأن الل ّه تعالى أنزل على‬
‫محمد ﷺ كتابا آياته محكمات‪ ,‬ومن هذه الآيات المحكمات‬
‫ما هن أمّ الكتاب‪ ,‬يعني لم يسبق أن أنزل مثلهن من‬
‫قبل‪ ,‬فهو أنزلهن لأول مرة في هذا الكتاب‪ ,‬ومنهن‪ ,‬أي‬
‫المحكمات‪ ,‬ما هن متشابهات‪ ,‬يعني هناك تشابه بينهن‪,‬‬
‫وبالتالي لا يمكن أن تكون الآيات المتشابهات نقيض‬
‫الآيات المحكمات‪ ,‬وهذا ما يؤكد قوله تعالى في سورة‬
‫ت م ِن ل َّ ّد ُ ْن‬ ‫ب ُأحْكِم َْت ءَاي َاتُه ُ ث َُّم ّ ف ُ ِّ‬
‫صل َ ْ‬ ‫هود‪[5‬الر ك ِتاَ ٌ‬
‫ِيم خَب ِيرٍ]‬
‫حَك ٍ‬

‫~‪~37‬‬
‫ل كن السؤال هو‪ ,‬هل الل ّه تعالى أنزل في القرآن آيات‬
‫تشبه بعضها البعض؟ فإن كان كذلك‪ ,‬وجب علينا أن‬
‫نجدها داخل الكتاب! وكمثل على هذا‪ ,‬عندما يقول‬
‫َت] وجب‬
‫كوِ ّر ْ‬
‫ْس ُ‬ ‫تعالى في سورة التكوير‪ِ [5‬إذ َا ال َّ ّ‬
‫شم ُ‬
‫أن نجد في الكتاب نفسه‪ ,‬أي القرآن‪ ,‬آية تشبهها‪ ,‬إمّا‬
‫تعبيرا أو مضمونا‪ ,‬وهذا ما يُسمّى بتكرار القول‪ ,‬والل ّه‬
‫تعالى لا يكر ّر كلامه في نفس الكتاب ولنفس القوم‪,‬‬
‫فعن أيّ تشابه يتكلم سبحانه إذ ًا؟‬

‫وهذا ما سيتبيّن‪ ,‬و يجعلنا نقف على الخطأ الذي ارتكبه‬


‫أول من فس ّر آية المحكم والمتشابه‪ ,‬والذي توارثناه بدون‬
‫ل آيات الكتاب‪ ,‬وذلك راجع‬
‫أن نعقله كما هو الشأن لج ّ‬
‫ل قولهم كقول الل ّه تعالى مم ّا‬
‫لتقديس أقوال آبائنا‪ ,‬وجع ِ‬
‫يجعلهم أندادا له بزعمنا أنهم لا يُخطئون‪ ,‬وكل ما عقلوه‬
‫هو الحقيقة المطلقة‪ ,‬ولا يمكن لأحد أن يعقل ما لم‬
‫يعقلوه‪ ,‬وبالتالي وجب الأخذ بقولهم دون الرجوع إلى‬

‫~‪~38‬‬
‫قول الل ّه تعالى‪ ,‬ولو كان قولهم يخالف العقل والمنطق‪,‬‬
‫و يؤدّي إلى تناقض في كلام الل ّه الذي رضينا به‪,‬‬
‫وغدونا نزعم بأنه رحمة‪ ,‬ولهذا عندما قال تعالى في‬
‫الل ّه ُ قَالُوا‬
‫ل َّ‬‫ل لَهُم ُ ا َّت ّبِع ُوا م َا أَ ن ْز َ َ‬
‫سورة البقرة‪[5;4‬و َِإذ َا ق ِي َ‬
‫بَلْ ن ََّت ّب ِِ ُع م َا أَ لْفَي ْنَا عَلَيْه ِ آب َاءَن َا] تابع سبحانه قائلا[أَ و َلَو ْ‬
‫شي ْئًا وَل َا يَه ْتَد ُونَ]‬
‫ك َانَ آب َاؤ ُه ُ ْم ل َا يَعْق ِلُونَ َ‬

‫فكما قلنا في الفقرة السابقة‪ ,‬بأننا ذكرنا أمثلة لآيات هن‬


‫أمّ الكتاب‪ ,‬فقد ذكرنا كذلك أمثلة لآيات متشابهات‪.‬‬

‫~‪~39‬‬
‫تأو يله‬

‫َات‬
‫ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ آي ٌ‬ ‫ل عَلَي ْ َ‬‫قال الل ّه تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ‬
‫ن فِي‬ ‫اب و َ ُأخَر ُ م ُتَش َابِه َ ٌ‬
‫ات ف َأَ َّمّا ال َّ ّذ ِي َ‬ ‫ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ‬
‫كم َ ٌ‬
‫مح ْ َ‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَيَت ّب ِع ُونَ م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ اب ْتِغ َاء َ ال ْفِت ْنَة ِ و َاب ْتِغ َاء َ‬
‫ت َأْ وِ يلِه ِ] كما تبيّن بأنه من الأساليب التي استعملها تعالى‬
‫لإحكام آياته‪ ,‬هو جعله لكل كلمة دلالتها الخاصة بها‬
‫ولا تتغير في جميع الآيات‪ ,‬وهذا الذي يجعل كتابه تعالى‬
‫قرآنا غير ذي عوج‪ ,‬فكلمة تأو يله لا علاقة لها بالتفسير‪,‬‬
‫وهذا ما سنراه طبقا للقواعد التي وضع سبحانه داخل‬
‫كتابه‪.‬‬

‫فكلمة تأو يله جذرها اللغوي هو فعل آل‪ ,‬فنقول آل‬


‫الشيء يعني ردّه‪ ,‬ونقول آل إليه يعني رجع إليه‪ ,‬والل ّه‬
‫تعالى قد ضرب لنا الأمثال ل كي نعلم دلالة كلمة‬

‫~‪~41‬‬
‫تأو يل‪ ,‬والتي لا تتغير حسب تغير الآية مما يجعل‬
‫كلمات القرآن كرجل سلما لرجل‪ ,‬ومن هذه الأمثلة ما‬
‫ك‬
‫ل هَذ َا ف ِرَاقُ بَيْن ِي و َبَي ْن ِ َ‬ ‫جاء في سورة ال كهف<;[قَا َ‬
‫صبْر ًا] والكل يعلم‬ ‫ل م َا ل َ ْم تَسْتَط ِِع َّع ّلَيْه ِ َ‬ ‫س َُأنَب ِّئ ُ َ‬
‫ك بتِ َأْ وِ ي ِ‬
‫بقصة موسى مع العبد الصالح‪ ,‬وما فعل هذا الأخير‪,‬‬
‫فهو خرق السفينة‪ ,‬وقتل نفسا زكية‪ ,‬وأقام الجدار لقوم‬
‫رفضوا ضيافتهما‪ ,‬وهذا كله غير منطقي‪ ,‬ولهذا كلما قام‬
‫العبد الصالح بفعل من الأفعال التي ذكرها سبحانه إلا ّ‬
‫وسأله موسى عن السبب‪ ,‬ولهذا قال تعالى[س َُأنَب ِّئ ُ َ‬
‫ك‬
‫ل م َا ل َ ْم تَسْتَط ِِع َّع ّلَيْه ِ َ‬
‫صبْر ًا] يعني أنه سيخبره‬ ‫بتِ َأْ وِ ي ِ‬
‫السبب لفعله ذلك‪ ,‬يعني السبب لماذا خرق السفينة‪,‬‬
‫ولماذا قتل نفسا زكية‪ ,‬ولماذا أقام الجدار‪.‬‬

‫فدلالة كلمة تأو يل هي معرفة السبب لماذا ف ُعل الشيء‪,‬‬


‫أو السبب لماذا قيل أو و ُجد الشيء‪ ,‬أو لما يرجع سبب‬
‫الفعل أو القول‪ ,‬ولهذا قال تعالى في نفس السورة‪<6‬‬

‫~‪~41‬‬
‫[و َأَ َّمّا الْجِد َار ُ فَك َانَ ل ِغ ُلَام َيْنِ يَت ِيم َيْنِ فِي ال ْمَدِينَة ِ وَك َا َ‬
‫ن‬
‫كنْز ٌ لَهُم َا وَك َانَ أَ بُوهُمَا صَالِ حاً ف َأَ ر َاد َ ر َُب ّ َ‬
‫ك أَ ْن يَب ْلُغ َا‬ ‫تح ْت َه ُ َ‬
‫َ‬
‫ك وَم َا فَعَل ْت ُه ُ‬ ‫ش َّ ّدهُمَا و َيَسْت َخْ رِج َا َ‬
‫كنْز َهُمَا رَحْم َة ً م ِنْ ر َب ّ ِ َ‬ ‫أَ ُ‬
‫ل م َا ل َ ْم ت َ ْسط ِِعْ عَلَيْه ِ َ‬
‫صبْر ًا] وهنا‬ ‫ك ت َأْ وِ ي ُ‬
‫ع َنْ أَ ْمر ِي ذَل ِ َ‬
‫كما نرى‪ ,‬عندما بيّن العبد الصالح لما يرجع سبب ما قام‬
‫ل م َا ل َ ْم ت َ ْسط ِِع‬
‫ك ت َأْ وِ ي ُ‬
‫به‪ ,‬ختم الآية سبحانه بقوله[ذَل ِ َ‬
‫َّع ّلَيْه ِ َ‬
‫صبْر ًا] يعني ذلك هو سبب ما قمت به من أفعال ‪.‬‬

‫ن‬
‫سِجْ َ‬
‫ل مَع َه ُ ال ّ‬
‫وقال تعالى في سورة يوسف‪[7:‬وَدَخ َ َ‬
‫ل الْآخَر ُ‬
‫ل أَ حَد ُهُمَا ِإن ِ ّي أَ ر َانِي أَ ْعصِر ُ خَم ْرًا و َقَا َ‬
‫ن قَا َ‬
‫فَتَيَا ِ‬
‫ل ال َّ ّ‬
‫طي ْر ُ مِن ْه ُ نَبِّئ ْنَا‬ ‫ل فَو ْقَ ر َأْ سِي خُبْز ًا ت َأْ ك ُ ُ‬
‫ِإن ِ ّي أَ ر َانِي أَ ْحم ِ ُ‬
‫بتِ َأْ وِ يلِه ِ ِإ َّن ّا ن َر َاك َ م ِ َ‬
‫ن ال ْم ُحْ سِنِينَ] وهنا كما نرى‪ ,‬الفتيان‬
‫طلبا من يوسف تأو يل رؤ ياهما‪ ,‬يعني ما هو المغزى مما‬
‫رأياه في منامهما‪ ,‬ولهذا قال تعالى[نَبِّئ ْنَا بتِ َأْ وِ يلِه ِ] ولم‬
‫يقل(تعبيره)لأن تعبير الرؤ يا هو أن تأخذ كل كلمة من‬
‫الرؤ يا فتعبرها‪ ,‬يعني أن تبيّن مقياسها في الحقيقة‪ ,‬وهذا‬

‫~‪~42‬‬
‫ما فعله يوسف مع العزيز‪ ,‬فهو عبر البقرة في المنام بالسنة‬
‫في الحقيقة‪ ,‬والسنبلة بالإنتاج الزراعي‪ ,‬وبعد ذلك قام‬
‫بتأو يل الرؤ يا‪ ,‬يعني السبب أو المغزى من تلك الرؤ يا‪,‬‬
‫ك‬
‫ل ال ْمَل ِ ُ‬
‫ولهذا عندما قال تعالى في سورة يوسف‪[87‬و َقَا َ‬
‫سب ْ َع‬
‫اف و َ َ‬ ‫ن ي َأْ ك ُلُه َُّنّ َ‬
‫سب ْ ٌع عِ ج َ ٌ‬ ‫ات سِمَا ٍ‬
‫سب ْ َع بَق َر َ ٍ‬
‫ِإن ِ ّي أَ ر َى َ‬
‫خضْرٍ و َ ُأخَر َ ي َابِس ٍ‬
‫َات ي َا أَ ُ ّيهَا ال ْمَل َ ُأ أَ ف ْت ُونِي فِي‬ ‫ات ُ‬
‫سن ْبُل َ ٍ‬
‫ُ‬
‫كن ْتُم ْ ل ِ ُلر ّؤْي َا تَعْب ُر ُو َ‬
‫ن] تابع تعالى قائلا‬ ‫رُؤْي َايَ ِإ ْن ُ‬
‫ل الْأَ حْلَا ِم‬
‫ن بتِ َأْ وِ ي ِ‬
‫نح ْ ُ‬
‫[‪|11‬قَالُوا أَ ضْ غ َاثُ أَ حْلَا ٍم وَم َا َ‬
‫بِع َالِمِينَ] وهذا ما علّمه الل ّه تعالى ليوسف‪ ,‬أي تأو يل‬
‫َب ق َ ْد‬
‫الأحاديث كما جاء في سورة يوسف‪[545‬ر ِّ‬
‫ِيث] يعني‬ ‫ن ال ْمُل ْكِ و َع َ َّل ّم ْتَنِي م ِنْ ت َأْ وِ ي ِ‬
‫ل الْأَ ح َاد ِ‬ ‫آتَي ْتَنِي م ِ َ‬
‫معرفة مغزى الحديث أو المراد من القول‪ ,‬وليس تدبره‬
‫كما قال تعالى في سورة محمد‪[68‬أَ فَلَا يَتَد َ َّب ّر ُونَ الْقُر ْءَا َ‬
‫ن‬
‫وب أَ قْف َالُهَا] وهنا كما نرى‪ ,‬قال تعالى‬
‫أَ ْم عَلَى قُل ُ ٍ‬
‫[َيتَد َ َّب ّر ُونَ] يعني يبحثون في معاني آيات الكتاب بقواعده‪,‬‬
‫أما التأو يل فهو معرفة سبب قول الشيء أو فعله‪,‬‬

‫~‪~43‬‬
‫وكمثال على الفرق بين التدبر والتأو يل‪ ,‬ما جاء في سورة‬
‫س ل ََّل ّذ ِي ببِ َ َّك ّة َ‬
‫ْت وُضِِ َع ل ِ َّلن ّا ِ‬ ‫ن أَ َّ ّو َ‬
‫ل بَي ٍ‬ ‫آل عمران‪ِ [=:‬إ َّ ّ‬
‫م ُبَارَك ًا و َهُدًى لِّلْع َالم َي ِنَ] فالتدبر هو أن نعرف معنى كلمة‬
‫بك ّة مثلا لغو يا‪ ,‬والتأو يل هو أن نعرف لماذا قال سبحانه‬
‫بك ّة ولم يقل مك ّة‪ ,‬وهكذا يتبين بأن كل تأو يل هو تدبر‪,‬‬
‫ل كن ليس كل تدبر هو بالضروري تأو يل‪.‬‬

‫ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ‬ ‫فعندما قال تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ‬


‫ل عَلَي ْ َ‬
‫اب و َ ُأخَر ُ م ُتَش َابِه َ ٌ‬
‫ات ف َأَ َّمّا‬ ‫ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ‬
‫كم َ ٌ‬
‫مح ْ َ‬
‫َات ُ‬
‫آي ٌ‬
‫ن فِي قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَي ََّت ّب ِع ُونَ م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ اب ْتِغ َاء َ ال ْفِت ْنَة ِ‬
‫ال َّ ّذ ِي َ‬
‫و َاب ْتِغ َاء َ ت َأْ وِ يلِه ِ] فهو سبحانه يتكلم عن سبب وجود‬
‫التشابه الذي جاء به القرآن‪ ,‬ولهذا قال تعالى[ت َأْ وِ يلِه ِ]‬
‫والهاء ضمير متصل للتشابه‪ ,‬ولا يتكلم سبحانه عن‬
‫الآيات المتشابهات ولو كان كذلك لقال(تأو يلهن)وبما‬
‫أن الل ّه تعالى أحكم آياته‪ ,‬فيجب علينا أن نتدبرها كما‬
‫هي‪ ,‬وليس كما فهمها آباؤنا‪.‬‬

‫~‪~44‬‬
‫فالل ّه تعالى قال بأنه أنزل كتابا ُأحكمت آياته‪ ,‬ومن هذه‬
‫الآيات ما هن أمّ الكتاب‪ ,‬يعني أنزلهن لأول مرة في‬
‫القرآن‪ ,‬ولم ينزل مثلهن من قبل‪ ,‬ومنهن أخر(الآيات‬
‫المحكمات)متشابهات‪ ,‬يعني هناك مثيلاتهن(ولا يمكن أن‬
‫يكنّ داخل القرآن)فالذين لا يريدون الإيمان برسالة‬
‫الآيات‬ ‫التشابه(وليس‬ ‫ذلك‬ ‫يتبعون‬ ‫محمد ﷺ‬
‫المتشابهات) لوجود سبب له ابتغاء الفتنة‪ ,‬وهذا السبب‬
‫الذي زعموه‪ ,‬ذكره الل ّه تعالى في كتابه‪ ,‬وهو الذي كان‬
‫سببا في إنزال آية المحكم والمتشابه‪ ,‬وصدق قوله تعالى في‬
‫ل ش َيء‬ ‫سورة النحل =<[و َن ََّز ّلْنَا عَلَي ْ َ‬
‫ك الْكِتاَبَ تِب ْي َان ًا لِّك ُ ّ ِ‬
‫و َهُدًى وَرَحْم َة ً و َبُشْر َى لِل ْمُسْل ِمِينَ] وقوله كذلك في سورة‬
‫ق ال َّ ّذ ِي‬
‫ن حَدِيثًا يُفْتَر َى و َل َكِن تَصْ دِي َ‬
‫يوسف‪[555‬م َا ك َا َ‬
‫ل ش َيء و َهُدًى وَرَحْم َة ً لِّقَو ْ ٍم‬
‫ل ك ُ ِّ‬
‫بَيْنَ يَد َيْه ِ و َتَفْصِ ي َ‬
‫ن]‬
‫يُؤْم ِن ُو َ‬

‫~‪~45‬‬
‫الراسخون في العلم‬

‫َات‬
‫ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ آي ٌ‬ ‫ل عَلَي ْ َ‬‫قال الل ّه تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ‬
‫ن فِي‬ ‫اب و َ ُأخَر ُ م ُتَش َابِه َ ٌ‬
‫ات ف َأَ َّمّا ال َّ ّذ ِي َ‬ ‫ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ‬
‫كم َ ٌ‬
‫مح ْ َ‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَيَت ّب ِع ُونَ م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ اب ْتِغ َاء َ ال ْفِت ْنَة ِ و َاب ْتِغ َاء َ‬
‫َالر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ‬ ‫الل ّه ُ و َّ‬ ‫ت َأْ وِ يلِه ِ وَم َا يَعْلَم ُ ت َأْ وِ يلَه ُ ِإ َّلّا َّ‬
‫لٌّ م ِنْ عِنْدِ ر َب ّنَِا] فهنا كما نرى قال‬
‫يَق ُولُونَ آم ََّن ّا بِه ِ ك ُ ّ‬
‫تعالى[و َّ‬
‫َالر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ] والسؤال هو لماذا تحدث‬
‫سبحانه عن الراسخ ين في العلم‪ ,‬ولم يتحدث مثلا عن‬
‫المؤمنين‪ ,‬أو الذين أوتوا العلم؟ فمنهم إذ ًا الراسخون في‬
‫العلم‪ ,‬وعن أيّ علم يتحدث سبحانه؟‬

‫ك‬
‫فالل ّه تعالى قال في سورة البقرة‪[564‬و َلَنْ تَرْض َى عَن ْ َ‬
‫الل ّه ِ‬
‫ن هُد َى َّ‬‫الن ّصَار َى ح ََّت ّى ت ََّت ّب ِِ َع م َِّل ّتَه ُ ْم قُلْ ِإ َّ ّ‬
‫الْيَه ُود ُ وَل َا َّ‬
‫ه ُو َ ال ْهُد َى و َلئَِنِ ا َّت ّبَعْتَ أَ ه ْوَاءَه ُ ْم بَعْد َ ال َّ ّذ ِي ج َاءَك َ م ِ َ‬
‫ن‬

‫~‪~46‬‬
‫الل ّه ِ م ِنْ و َل ِ ٍيّ وَل َا نَصِ ير] وكما نعلم‪ ,‬الل ّه‬
‫ن َّ‬‫ك مِ َ‬
‫ال ْعِلْم ِ م َا ل َ َ‬
‫تعالى يخاطب في هذه الآية محمدا ﷺ فقال له[بَعْد َ‬
‫ال َّ ّذ ِي ج َاءَك َ م ِ َ‬
‫ن ال ْعِلْم ِ] يعني كتابه سبحانه‪ ,‬وهو القرآن‪.‬‬

‫ف ال َّ ّذ ِي َ‬
‫ن‬ ‫وقال تعالى في سورة آل عمران=‪[5‬وَم َا اخْ تَل َ َ‬
‫ُأوتُوا الْكِتاَبَ ِإ َّلّا م ِن بَعْدِ م َا ج َاءَهُم ُ ال ْعِلْم ُ] ونحن نعلم‬
‫بأن اليهود والنصارى هم الذين أوتوا الكتاب من قبلنا‪,‬‬
‫فهم كذلك جاءهم علم الل ّه سبحانه بواسطة التوراة‬
‫والإنجيل‪.‬‬

‫فعندما قال تعالى[و َّ‬


‫َالر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ] فهو يتحدث‬
‫سبحانه عن الراسخ ين في علمه الذي جاء به الرسل‪ ,‬أي‬
‫علم ال كتب السماو ية‪ ,‬وليس العلم الذي جاء به البشر‪,‬‬
‫أي علم ال كتب البشر ية‪ ,‬ولهذا قال تعالى في سورة‬
‫ك أَ ن ْزَلَه ُ ب ِع ِل ْمِه ِ‬
‫ل ِإلَي ْ َ‬
‫الل ّه ُ يَشْهَد ُ بِمَا أَ ن ْز َ َ‬
‫ن َّ‬‫ك ِ‬
‫النساء‪[5::‬ل َ ِ‬
‫كفَى ب َِّالل ّه ِ شَه ِيدًا]‬
‫و َال ْمَلَائِك َة ُ يَشْهَد ُونَ و َ َ‬

‫~‪~47‬‬
‫فكما يعلم الجميع بأن الل ّه تعالى ذكر في كتابه عبارة الذين‬
‫أوتوا الكتاب‪ ,‬وهي دلالة على القوم الذين جاءهم‬
‫رسول بكتاب بلسانهم‪ ,‬فأمّة موسى هم من الذين أوتوا‬
‫الكتاب من قبلنا الذي هو التوراة‪ ,‬وأمّة عيسى هم‬
‫كذلك من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا الذي هو‬
‫الإنجيل‪ ,‬ثم جاء محمد ﷺ بالقرآن‪ ,‬فأصبح العرب هم‬
‫كذلك من الذين أوتوا الكتاب‪ ,‬ولهذا قال تعالى في‬
‫سورة النساء البقرة‪[5<7‬ي َا أَ ُ ّيهَا ال َّ ّذ ِي َ‬
‫ن آم َن ُوا كُت ِبَ عَلَيْكُم ُ‬
‫ن م ِنْ قَب ْل ِك ُ ْم لَع َ َّل ّ ك ُ ْم ت ََّت ّق ُونَ]‬
‫الصيَام ُ كَمَا كُت ِبَ عَلَى ال َّ ّذ ِي َ‬
‫ِّ‬
‫وقال كذلك في سورة المائدة‪[9‬ال ْيَوْم َ ُأ ِ‬
‫ح َّ ّ‬
‫ل ل َكُم ُ‬
‫لٌّ ل َك ُ ْم و َ َ‬
‫طع َامُك ُ ْم‬ ‫ن ُأوتُوا الْكِتَابَ ِ‬
‫ح ّ‬ ‫طع َام ُ ال َّ ّذ ِي َ‬ ‫ال َّ ّ‬
‫طيِّبَاتُ و َ َ‬
‫ن‬
‫ات و َال ْم ُحْ صَنَاتُ م ِ َ‬ ‫لٌّ لَه ُ ْم و َال ْم ُحْ صَنَاتُ م ِ َ‬
‫ن ال ْمُؤْم ِن َ ِ‬ ‫ح ّ‬
‫ِ‬
‫ن ُأوتُوا الْكِتَابَ م ِنْ قَبْل ِك ُ ْم]‬
‫ال َّ ّذ ِي َ‬

‫وهكذا صارت كل أمّة لها كتابها بلسانها‪ ,‬ل كن ليس‬


‫كل من أوتي كتابه يستطيع قراءته‪ ,‬كما هو الشأن مثلا‬

‫~‪~48‬‬
‫لأمّة القرآن‪ ,‬فهناك من يستطيع قراءة القرآن‪ ,‬وهؤلاء‬
‫هم الذين نعتهم تعالى بأهل الكتاب‪ ,‬وهي ليست عبارة‬
‫خاصة باليهود والنصارى‪ ,‬وإنما هي نعت لكل من‬
‫يستطيع قراءة الكتاب باللسان الذي ن ُز ِل به‪ ,‬وهناك من‬
‫لا يستطيع قراءة القرآن أي الكتاب‪ ,‬وهؤلاء هم الذين‬
‫نعتهم سبحانه بالأميين‪ ,‬ولهذا قال تعالى في سورة البقرة‬
‫<;[وَمِنْه ُ ْم ُأمّ ُِي ّونَ ل َا يَعْلَم ُونَ الْكِتاَبَ ِإ َّلّا أَ م َان ِي و َِإ ْن ه ُ ْم‬
‫ِإ َّلّا يَظ ُُن ّون]‬

‫وبما أنه ليس كل من أوتي كتابه بلسانه يستطيع قراءته‪,‬‬


‫فليس كذلك كل من استطاع قراءته‪ ,‬أي من الذين‬
‫نعتهم تعالى بأهل الكتاب‪ ,‬يستطيع أن يعقل ما بداخله‪,‬‬
‫وبالتالي يؤمن به‪ ,‬وإن كان كذلك‪ ,‬فهو إذ ًا من الذين‬
‫أوتوا العلم‪ ,‬يعني من الذين فقهوا وأدركوا ما بداخل‬
‫ل‬
‫الكتاب وص ّدقوا بقوله تعالى في سورة الصف‪[:‬و َِإ ْذ قَا َ‬
‫الل ّه ِ ِإلَيْك ُ ْم‬
‫ل َّ‬‫ل ِإن ِ ّي رَسُو ُ‬
‫ن م َْر ي َم َ ي َا بَنِي ِإسْر َائيِ َ‬
‫ع ِيس َى اب ْ ُ‬

‫~‪~49‬‬
‫ل ي َأْ تِي م ِنْ‬ ‫ن َّ‬
‫الت ّوْر َاة ِ وَم ُبَش ِّر ًا ب ِرَسُو ٍ‬ ‫ص ّدِقًا لم َِا بَيْنَ يَد ََّيّ م ِ َ‬
‫مُ َ‬
‫بَعْدِي اسْم ُه ُ أَ حْمَد ُ] ولهذا عندما أرسل تعالى رسوله آمنوا‬
‫بما جاء به كما قال سبحانه في سورة سبأ‪|[:‬و َيَر َى ال َّ ّذ ِي َ‬
‫ن‬
‫ك ه ُو َ الْح ََّقّ و َيَهْدِي‬
‫ك م ِنْ ر َب ّ ِ َ‬ ‫ُأوتُوا ال ْعِلْم َ ال َّ ّذ ِي ُأنْز ِ َ‬
‫ل ِإلَي ْ َ‬
‫ِإلَى صِر َاطِ الْعَزِيز ِ ا ْلحم َِيدِ] وكذلك في سورة الحج‬
‫ن ُأوتُوا ال ْعِلْم َ أَ َّن ّه ُ الْح َُقّ م ِنْ ر َب ّ ِ َ‬
‫ك فَيُؤْم ِن ُوا‬ ‫‪|[98‬و َلِيَعْلَم َ ال َّ ّذ ِي َ‬
‫الل ّه َ لَهَادِ ال َّ ّذ ِي َ‬
‫ن آم َن ُوا ِإلَى‬ ‫ن َّ‬‫بِه ِ فَت ُخْ ب ِتَ لَه ُ قُلُو بُه ُ ْم و َِإ َّ ّ‬
‫صِر َاطٍ مُسْتَق ِيم] والأمثلة كثيرة في القرآن‪.‬‬

‫ل كن في آية المحكم والمتشابه‪ ,‬قال تعالى[و َّ‬


‫َالر ّاسِ خ ُونَ فِي‬
‫ال ْعِلْم ِ] ولم يقل(الذين أوتوا العلم) وذلك لأن كلمة‬
‫الراسخون جذرها اللغوي هو فعل رسخ‪ ,‬فنقول رسخ في‬
‫العلم يعني تمكن فيه‪ ,‬أي علمه كله وتعمق في معانيه‪,‬‬
‫وبما أن التوراة هي كتاب من عند الل ّه أحكم آياته تعالى‪,‬‬
‫والإنجيل هو كتاب من عند الل ّه أحكم آياته كذلك‪ ,‬وبما‬
‫أن آية المحكم والمتشابه نزلت في عهد محمد ﷺ وآنذاك لم‬

‫~‪~51‬‬
‫يكن بعد قد تم ّ تنز يل القرآن‪ ,‬فعندما قال تعالى‬
‫[و َّ‬
‫َالر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ] فذلك دلالة على اليهود والنصارى‬
‫الذين يعلمون ما جاءت به التوراة وما جاء به الإنجيل‪,‬‬
‫وبالتالي علموا جيدا كيف أحكم الل ّه آياته‪ ,‬مما يجعلهم‬
‫يفر ّقون بين ما هو من عند الل ّه تعالى وما هو من عند‬
‫غير الل ّه‪ ,‬ولا علاقة لهم بالعرب الذين كانوا جديدي‬
‫العهد بالرسالة‪ ,‬ولم يكن قد تم ّ تنز يل القرآن‪ ,‬ولهذا‬
‫عندما قال تعالى[و َّ‬
‫َالر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ] تابع قوله سبحانه‬
‫لٌّ مّ ِنْ عِندِ ر َب ّنَِا] يعني أمنوا بكل ما‬
‫[يق ُولُونَ ءَام ََّن ّا بِه ِ ك ُ ّ‬
‫جاء به محمد ﷺ الذي هو عبارة عن آيات محكمات كما‬
‫هو الشأن للتوراة والإنجيل‪ ,‬وبالتالي هو من عند الل ّه‬
‫وليس من عند البشر‪ ,‬ولو كان منه ما تشابه‪ ,‬كما جاء‬
‫ن َّ‬
‫الر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ مِنْه ُ ْم‬ ‫ك ِ‬
‫في سورة النساء‪[5:6‬ل َ ِ‬
‫ك]‬ ‫ك وَم َا ُأنْز ِ َ‬
‫ل م ِنْ قَب ْل ِ َ‬ ‫و َال ْمُؤْم ِن ُونَ يُؤْم ِن ُونَ بِمَا ُأنْز ِ َ‬
‫ل ِإلَي ْ َ‬

‫~‪~51‬‬
‫ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ‬ ‫فعندما قال تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ‬
‫ل عَلَي ْ َ‬
‫اب و َ ُأخَر ُ م ُتَش َابِه َ ٌ‬
‫ات ف َأَ َّمّا‬ ‫ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ‬
‫كم َ ٌ‬
‫مح ْ َ‬
‫َات ُ‬
‫آي ٌ‬
‫ن فِي قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَي ََّت ّب ِع ُونَ م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ اب ْتِغ َاء َ ال ْفِت ْنَة ِ‬
‫ال َّ ّذ ِي َ‬
‫الل ّه ُ و َّ‬
‫َالر ّاسِ خ ُونَ فِي‬ ‫و َاب ْتِغ َاء َ ت َأْ وِ يلِه ِ وَم َا يَعْلَم ُ ت َأْ وِ يلَه ُ ِإ َّلّا َّ‬
‫لٌّ م ِنْ عِنْدِ ر َب ّنَِا] فهذا يعني كما‬ ‫ال ْعِلْم ِ يَق ُولُونَ آم ََّن ّا بِه ِ ك ُ ّ‬
‫قلنا‪ ,‬بأن الل ّه تعالى أنزل على رسوله كتابا أحكم آياته‪,‬‬
‫ومن هذه الآيات ما هن أمّ الكتاب‪ ,‬أي أنزلهن لأول‬
‫مرة في القرآن‪ ,‬ومنهن أخر متشابهات(مثاني) فأما‬
‫الذين عندهم شكّ في رسالة محمد ﷺ اتبعوا ذلك‬
‫التشابه(وليس الآيات المتشابهات)لإثارة الفتنة وإيجاد‬
‫سبب له(تأو يله)لتكذيب ما جاء به محمد ﷺ ل كن‬
‫الذين تمكنوا من علم الل ّه تعالى من أهل الكتاب‪ ,‬آمنوا‬
‫بكل ما جاء به محمد ﷺ من آيات محكمات‪ ,‬سواء كنّ‬
‫أمّ الكتاب أو متشابهات‪ ,‬ولهذا عندما قال تعالى‬
‫َالر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ يَق ُولُونَ آم ََّن ّا بِه ِ] تابع سبحانه قائلا‬
‫[و َّ‬
‫لٌّ مّ ِنْ عِندِ ر َب ّنَِا]‬
‫[ك ُ ّ‬

‫~‪~52‬‬
‫منه وفيه‬

‫َات‬
‫ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ آي ٌ‬ ‫ل عَلَي ْ َ‬‫قال الل ّه تعالى[|ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ‬
‫ن فِي‬ ‫اب و َ ُأخَر ُ م ُتَش َابِه َ ٌ‬
‫ات ف َأَ َّمّا ال َّ ّذ ِي َ‬ ‫ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ‬‫كم َ ٌ‬
‫مح ْ َ‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَيَت ّب ِع ُونَ م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ اب ْتِغ َاء َ ال ْفِت ْنَة ِ و َاب ْتِغ َاء َ‬
‫َالر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ‬ ‫الل ّه ُ و َّ‬ ‫ت َأْ وِ يلِه ِ وَم َا يَعْلَم ُ ت َأْ وِ يلَه ُ ِإ َّلّا َّ‬
‫لٌّ م ِنْ عِنْدِ ر َب ّنَِا وَم َا ي َ َّ ّذ َّك ّر ُ ِإ َّلّا ُأولُو‬
‫يَق ُولُونَ آم ََّن ّا بِه ِ ك ُ ّ‬
‫اب] يجب أن نعلم كما قلنا من قبل‪ ,‬بأن فقه المحكم‬
‫الْأَ ل ْب َ ِ‬
‫والمتشابه انبثق عن أول تفسير ف ُسرت به الآية‪ ,‬وبما أننا‬
‫قدّسنا ما قاله الذين من قبلنا‪ ,‬وجعلناه كقول الل ّه تعالى‪,‬‬
‫أصبح مصدرنا في فهم الآية هو ما فهمه آباؤنا‪ ,‬وليس‬
‫الآية نفسها‪ ,‬وهذا ما وقع بالنسبة لجميع آيات الكتاب‪,‬‬
‫والذي أصبح حاجزا بيننا و بين ما قاله الل ّه تعالى‪ ,‬ل كن‬
‫عندما نتجرد من هذا التقديس‪ ,‬سوف يز يل ذلك‬
‫الغشاء الذي يحجب قول الل ّه تعالى‪ ,‬وبالتالي نستطيع أن‬
‫~‪~53‬‬
‫نتدبر آيات الكتاب كما أنزلها سبحانه على رسوله‪,‬‬
‫وأحكمها بحكمته‪ ,‬ثم فصّ لها بخ برته‪.‬‬

‫ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ‬ ‫فعندما قال تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ‬


‫ل عَلَي ْ َ‬
‫اب و َ ُأخَر ُ م ُتَش َابِه َ ٌ‬
‫ات ف َأَ َّمّا‬ ‫ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ‬
‫كم َ ٌ‬
‫مح ْ َ‬
‫َات ُ‬
‫آي ٌ‬
‫ن فِي قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَي ََّت ّب ِع ُو َ‬
‫ن م َا تَش َاب َه َ مِن ْه ُ] فآباؤنا لم‬ ‫ال َّ ّذ ِي َ‬
‫ينتبهوا لقوله تعالى[الْكِتاَبَ مِن ْه ُ] وكذلك قوله[م َا تَش َابَه َ‬
‫مِن ْه ُ] أي لم ينتبهوا لكلمة منه‪ ,‬فتدبروا الآية بقول‬
‫(الكتاب فيه)وقول(ما تشابه فيه)وذلك لأنهم لم يفرقوا‬
‫بين فيه ومنه‪ ,‬وهذا الذي جعلهم يقولون بأن القرآن فيه‬
‫آيات تشابه آيات أخر‪ ,‬أو بالأحرى(فيه آيات‬
‫مشتبهات) ولهذا وضعنا سطرين تحت كلمة فيه في أول‬
‫الفقرة‪ ,‬وكذلك سطرين تحت كلمة منه في فقرة‬
‫<الراسخون في العلم> وذلك لنشير للخطأ الذي ارتُكب‬
‫عند تدبر الآية لأول مرة‪ ,‬ز يادة على الخطأ الذي بي ّنا‬
‫من قبل‪ ,‬وهو عندما قال تعالى[ت َأْ وِ يلَه ُ] ظنوا أن الل ّه‬

‫~‪~54‬‬
‫تعالى يتكلم عن الآيات المتشابهات‪ ,‬ولو كان كذلك‪,‬‬
‫لقال تعالى(تأو يلهن)ول كنه سبحانه يتكلم عن ما تشابه‬
‫منه وليس ما تشابه منهن‪ ,‬أو بالأحرى ما اشتبه فيهن أو‬
‫بهن(حسب فقه المحكم والمتشابه)ولهذا وجب أن نبي ّن‬
‫الفرق بين كلمة منه وكلمة فيه‪ ,‬والذي سيساعدنا على‬
‫فهم الآية بطر يقة صحيحة‪.‬‬

‫كي َْف‬ ‫فالل ّه تعالى قال في سورة آل عمران‪[545‬و َ َ‬


‫ت َ ْكف ُر ُونَ و َأَ نتُم ْ تُت ْلَى عَلَيْك ُ ْم ءَاي َاتُ ا َّلل ّه ِ و َف ِيك ُ ْم رَسُولُه ُ]‬
‫وهنا كما نرى‪ ,‬استعمل سبحانه كلمة فيكم ولم يستعمل‬
‫كلمة منكم‪ ,‬وذلك لأنه يتكلم سبحانه عن رسول بين‬
‫مجموعة من الناس‪ ,‬فكلمة فيكم أو مشتقاتها هي دلالة‬
‫على شيء ضمن مجموعة‪ ,‬ولهذا قال تعالى في سورة النساء‬
‫‪ِ َ[546‬وإذ َا كُنتَ ف ِيه ِ ْم ف َأَ قَم ْتَ لَهُم ُ ا َّ‬
‫لصّ ل َاة َ]‬

‫ل كن قال تعالى في سورة البقرة‪[5<8‬أ َّي ّام ًا َّمّعْد ُود َا ٍ‬


‫ت‬
‫سفَرٍ ف َع ِ َّ ّدة ٌ مّ ِنْ أَ َّي ّا ٍم ُأخَر َ]‬
‫فَم َن ك َانَ م ِنك ُم َّمّر ِيضًا أَ ْو عَلَى َ‬

‫~‪~55‬‬
‫وهنا كما نرى‪ ,‬قال تعالى(منكم)ولم يقل(فيكم)وذلك‬
‫لأنه استثنى سبحانه المر يض‪ ,‬والذي على سفر من الذين‬
‫كُتب عليهم الصيام‪ ,‬ونفس الشيء كذلك في سورة‬
‫ل‬ ‫ك تَق ُوم ُ أَ دْنَى م ِنْ ثلُُث َِي َّ‬
‫الل ّي ْ ِ‬ ‫ك يَعْلَم ُ أَ َّن ّ َ‬ ‫ن ر ََّب ّ َ‬
‫المزمل‪ِ [64‬إ َّ ّ‬
‫ل‬
‫الل ّي ْ َ‬‫ك و ََّالل ّه ُ يُق َ ّدِر ُ َّ‬ ‫ن ال َّ ّذ ِي َ‬
‫ن مَع َ َ‬ ‫و َن ِصْ ف َه ُ و َثلُُث َه ُ وَطَائِف َة ٌ م ِ َ‬
‫تحْصُوه ُ فَتَابَ عَلَيْك ُ ْم فَاق ْر َءُوا م َا تَي َ َّس ّر َ‬
‫و َال َّنّهَار َ عَل ِم َ أَ ْن لَنْ ُ‬
‫ن‬
‫ن عَل ِم َ أَ ْن سَيَكُونُ مِنْك ُ ْم م َْرض َى و َآخَر ُو َ‬ ‫ن الْقُر ْآ ِ‬ ‫مِ َ‬
‫الل ّه ِ و َآخَر ُونَ‬
‫ل َّ‬‫ن م ِنْ ف َضْ ِ‬
‫ض يَب ْت َغ ُو َ‬
‫ن فِي الْأَ ْر ِ‬‫يَضْر ِبُو َ‬
‫الل ّه ِ] وهنا كما نرى‪ ,‬استعمل سبحانه‬ ‫ل َّ‬
‫يُق َاتِلُونَ فِي سَب ِي ِ‬
‫كذلك كلمة منكم وليس كلمة فيكم‪ ,‬وذلك دلالة على‬
‫استثناء المرضى‪ ,‬والذين يضربون في الأرض‪ ,‬والذين‬
‫يقاتلون في سبيل الل ّه‪ ,‬مم ّا أمر الل ّه به المؤمنين آنذاك‪ ,‬وهو‬
‫الخروج مع محمد ﷺ ليلا لنشر الدعوة‪.‬‬

‫فكلمة منهم أو مشتقاتها‪ ,‬هي دلالة على شيء يُستثنى من‬


‫مجموعة أو من حكم عام(حرف تبعيض)ولهذا عندما‬

‫~‪~56‬‬
‫كن ْتَ ف ِيه ِ ْم ف َأَ قَم ْتَ‬
‫قال تعالى في سورة النساء‪[546‬و َِإذ َا ُ‬
‫ك‬ ‫لَهُم ُ َّ‬
‫الصّ لَاة َ] تابع سبحانه قائلا[فل ْتَق ُ ْم طَائِف َة ٌ مِنْه ُ ْم مَع َ َ‬
‫حتَه ُ ْم ف َِإذ َا سَ جَد ُوا فَل ْيَكُونُوا م ِنْ وَر َائِك ُ ْم‬
‫و َلْي َأْ خُذ ُوا أَ سْ ل ِ َ‬
‫ك] فهو‬ ‫ت طَائِفَة ٌ ُأ ْ‬
‫خر َى ل َ ْم يُص َُل ّوا فَل ْيُص َُل ّوا مَع َ َ‬ ‫و َلْت َأْ ِ‬
‫سبحانه استثنى فرقة من المؤمنين من الذين وجب عليهم‬
‫إقامة الصلاة‪.‬‬

‫ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ‬ ‫فعندما قال تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ‬


‫ل عَلَي ْ َ‬
‫اب و َ ُأخَر ُ م ُتَش َابِه َ ٌ‬
‫ات] فهذا‬ ‫ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ‬
‫كم َ ٌ‬
‫مح ْ َ‬
‫َات ُ‬
‫آي ٌ‬
‫يعني أن الل ّه أنزل على محمد ﷺ كتابا عبارة عن آيات‬
‫ب‬
‫محكمات‪ ,‬ولهذا قال تعالى في سورة هود‪[5‬الر كِتاَ ٌ‬
‫ُأحْكِم َْت ءَاي َاتُه ُ] واستثنى من بين هذه الآيات ما هن‬
‫أمّ الكتاب(لم يُنزل تعالى مثلهن من قبل)ومن بينهن‬
‫كذلك‪ ,‬أي الآيات المحكمات‪ ,‬ما هن متشابهات(أنزل‬
‫مثلهن من قبل)والذين في قلوبهم ز يغ اهتموا بهذا‬
‫بالآيات‬ ‫القرآن(وليس‬ ‫به‬ ‫جاء‬ ‫الذي‬ ‫التشابه‬

‫~‪~57‬‬
‫المتشابهات)ولهذا قال تعالى [ف َأَ َّمّا ال َّ ّذ ِي َ‬
‫ن فِي قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ‬
‫فَي ََّت ّب ِع ُو َ‬
‫ن م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ] فاخترعوا له سببا(تأو يلا للتشابه‬
‫وليس للآيات المتشابهات)وبالتالي زرع الفتنة بين‬
‫الناس‪ ,‬ولهذا قال تعالى[اب ْتِغ َاء َ الْفِت ْنَة ِ و َاب ْتِغ َاء َ ت َأْ وِ يلِه ِ] وكما‬
‫نرى‪ ,‬بأن الل ّه تعالى قال[ت َأْ وِ يلِه ِ] أي التشابه وليس‬
‫تأو يلهن‪ ,‬وهذا التشابه ليس في القرآن‪ ,‬ولهذا قال‬
‫تعالى[م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ] ولم يقل(ما تشابه فيه) يعني التشابه‬
‫ليس بين آيات القرآن‪ ,‬ول كن التشابه هو بين آيات من‬
‫القرآن وآيات أخر من خارج القرآن‪ ,‬ولهذا قال تعالى‬
‫ِيث كِتاَب ًا‬
‫ن الْحَد ِ‬ ‫الل ّه ُ ن ََّز ّ َ‬
‫ل أَ حْ س َ َ‬ ‫في سورة الزمر‪َّ [67‬‬
‫ُمّتَش َابِهًا َّمّثَان ِي] وهنا يبيّن الل ّه تعالى نوع ذلك التشابه‬
‫الذي جاء به القرآن‪ ,‬والذي جعل له سببا‪ ,‬أي تأو يلا‪,‬‬
‫الذين في قلوبهم ز يغ لإثارة الفتنة‪ ,‬فعندما قال تعالى‬
‫[الْكِتاَبَ مِن ْه ُ] وكذلك[م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ] فذلك دلالة على‬
‫استثناء آيات لمقارنتها مع آيات أخر خارج القرآن‪,‬‬
‫ولهذا لم يقل سبحانه(الكتاب فيه)و(ما تشابه فيه)‬

‫~‪~58‬‬
‫ولهذا وجب علينا أن نبيّن نوع هذا التشابه في الفقرة‬
‫التالية‪ ,‬وبعد ذلك الشيء الذي ألْحد إليه الذين في‬
‫قلوبهم ز يغ لإ يجاد سبب له‪ ,‬والذي ذكره تعالى في‬
‫القرآن‪ ,‬وأعرض سبحانه عن ذكر حقيقة سبب وجوده‪,‬‬
‫ولهذا قال تعالى [وَم َا يَعْلَم ُ ت َأْ وِ يلَه ُ ِإ َّلّا ا َّلل ّه ُ] ل كن الذين‬
‫تعمقوا في علم الل ّه ‪ ,‬آمنوا بكل آيات الكتاب الذي أنزله‬
‫تعالى على محمد ﷺ سواء ُأنزل مثلهن من قبل أو لم‬
‫يُنزل مثلهن من قبل‪ ,‬ولهذا تابع تعالى قائلا [و َا َّلر ّاسِ خ ُو َ‬
‫ن‬
‫لٌّ مّ ِنْ عِندِ ر َب ّنَِا]‬
‫ف ِي ال ْعِلْم ِ يَق ُولُونَ ءَام ََّن ّا بِه ِ ك ُ ّ‬

‫~‪~59‬‬
‫متشابها مثاني‬

‫ن‬ ‫الل ّه ُ ن ََّز ّ َ‬


‫ل أَ حْ س َ َ‬ ‫قال الل ّه تعالى في سورة الزمر‪َّ [67‬‬
‫ِيث كِتاَب ًا ُمّتَش َابِهًا َّمّثَان ِي] يجب أن نعلم بأن الل ّه‬
‫الْحَد ِ‬
‫تعالى جعل القرآن عربيا ل كي نعقل قوله كما جاء في‬
‫جعَل ْن َاه ُ قُر ْء َان ًا ع َرَ ب ًّيِ ّا َّل ّع َ َّل ّ ك ُ ْم‬
‫سورة الزخرف‪ِ [7‬إ َّن ّا َ‬
‫تَعْق ِلُونَ] ونزل به الروح الأمين بلسان عربي مبين‬
‫وليس بلسان العرب‪ ,‬أو لسان الشاعر كما جاء في سورة‬
‫ك‬ ‫ل بِه ِ ا ُلر ّو ُ‬
‫ح الْأَ م ِينُ‪461‬عَلَى قَل ْب ِ َ‬ ‫الشعراء‪[5=7‬ن َز َ َ‬
‫ن] وكذلك في‬ ‫ن ع َرَ ب ِي ُمّبِي ٍ‬‫ن ال ْمُنذِرِين‪462‬بِلِسَا ٍ‬
‫لِتَكُونَ م ِ َ‬
‫ل شَاعِرٍ قَلِيل ًا َّمّا تُؤْم ِن ُو َ‬
‫ن‬ ‫سورة الحاقة‪[85‬وَم َا ه ُو َ بِقَوْ ِ‬
‫ن قَلِيل ًا َّمّا تَذ َ َّك ّر ُون] ولهذا وجب أن‬
‫ل ك َاه ِ ٍ‬
‫‪|14‬وَل َا بِقَوْ ِ‬
‫نتدبر آيات الكتاب كذلك‪ ,‬ولا يحقّ لنا أن نُخضع كلام‬
‫الل ّه تعالى لأيّ لسان آخر‪.‬‬

‫~‪~61‬‬
‫فكما يعلم الجميع بالاختلاف الذي وقع في كلمة مثاني‪,‬‬
‫كما هو الحال لأغلب كلمات القرآن‪ ,‬وكأن القرآن من‬
‫عند غير الل ّه‪ ,‬أو كأن الل ّه تعالى لم يحكم آياته‪ ,‬ولم يضع‬
‫القواعد لتدبرها! أولم يجعل سبحانه القرآن عربيا ونزَله‬
‫بلسان عربي؟ فلماذا لا نفس ّر كلماته باللغة العربية‪,‬‬
‫ونتدبرها بالسياق العربي؟‬

‫ففي اللغة العربية نجد كلمة مقاهي‪ ,‬وهي جمع لكلمة‬


‫مقهى‪ ,‬وكذلك مباني هي جمع لمبنى‪ ,‬ومعاني هي جمع‬
‫لمعنى‪ ,‬وبالتالي كلمة مثاني هي جمع لكلمة مثنى‪ ,‬والتي‬
‫تعني الجمع بين‪ ,‬اثنين في وقت واحد‪ ,‬أو اثنين في تماثل‬
‫ما‪ ,‬فنقول‪ ,‬دخل العمال مثنى مثنى‪ ,‬أي دخل اثنان‬
‫من العمال في آن واحد‪ ,‬ثم اثنان آخران في آن واحد‬
‫خفْتُم ْ‬‫كذلك‪ ,‬ولهذا قال تعالى في سورة النساء‪[7‬و َِإ ْن ِ‬
‫ن النِّس َاء ِ‬
‫كحُوا م َا طَابَ ل َك ُم مّ ِ َ‬ ‫أَ َّلّا ت ُ ْق ِ‬
‫سط ُوا ف ِي ال ْيَت َام َى ف َان ِ‬
‫مَث ْن َى و َثُل َاثَ وَر ُب َاعَ] وهنا كما نرى‪ ,‬قال تعالى[مَث ْن َى‬

‫~‪~61‬‬
‫و َثُل َاثَ وَر ُب َاعَ] يعني أن يجمع رجل واحد بين اثنتين في‬
‫ل على‬
‫آن واحد أو بين ثلاث أو أربع‪ ,‬وهذا الذي يد ّ‬
‫التعدّد‪ ,‬ولهذا لم يقل تعالى(اثنتين وثلاثا وأربعا) لأن‬
‫هذا لا يدل على التعدّد‪ ,‬فقد ينكح الرجل امرأة ثم‬
‫يطلقها وينكح أخرى‪ ,‬فهو قد نكح اثنتين وليس مثنى‪,‬‬
‫لأنه لم يجمع بينهما في آن واحد‪ ,‬ولهذا قال تعالى في‬
‫حدَة ٍ أَ ن تَق ُوم ُوا ل َِّل ّه ِ مَث ْن َى‬
‫سورة سبأ‪[8:‬قلْ ِإ َّن ّمَا أَ عِظُك ُم ب ِو َا ِ‬
‫و َفُر َاد َى ث َُّم ّ تَتَف َ َّك ّر ُوا] يعني أن يقوموا(اثنين اثنين)أو‬
‫يقوموا(واحدا واحدا) ولهذا قال تعالى كذلك في سورة‬
‫ل‬
‫ض ج َاع ِ ِ‬
‫َات و َالْأَ ْر ِ‬ ‫سم َاو ِ‬ ‫فاطر‪[5‬ا ْلحم َْد ُ ل َِّل ّه ِ فَاطِر ِ ال َّ ّ‬
‫ال ْمَلَائِكَة ِ رُسُل ًا ُأول ِي أَ جْ ن ِحَة ٍ مَث ْن َى و َثُلَاثَ وَر ُب َاع َ] يعني‬
‫هناك ملائكة جعل لهم الل ّه جناحين‪ ,‬وهناك من جعل‬
‫لهم ثلاثة‪ ,‬وهناك من جعل لهم أربعة‪.‬‬

‫ِيث كِتاَب ًا ُمّتَش َابِهًا‬


‫ن الْحَد ِ‬ ‫الل ّه ُ ن ََّز ّ َ‬
‫ل أَ حْ س َ َ‬ ‫فعندما قال تعالى[ َّ‬
‫َّمّثَان ِي] فهذا يعني أنه عندما قال في آية المحكم والمتشابه‬

‫~‪~62‬‬
‫ن ف ِي قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَي ََّت ّب ِع ُونَ م َا‬ ‫[و َ ُأخَر ُ م ُتَشَابِه َا ٌ‬
‫ت ف َأَ َّمّا ال َّ ّذ ِي َ‬
‫تَش َابَه َ مِن ْه ُ] وكما تبيّن بأن هذا التشابه ليس في القرآن‪,‬‬
‫ول كن هو تشابه بين آيات من القرآن وأخر خارجه‪,‬‬
‫فنوعيته إذ ًا هو أنه تشابه مثاني‪ ,‬يعني أن الل ّه تعالى أنزل‬
‫في القرآن آيات تشابه آيات أخر خارجه مثنى مثنى‪,‬‬
‫ولهذا قال تعالى[ ُمّتَش َابِهًا َّمّثَان ِي] ولم يقل(متشابه المثاني)‬
‫وذلك لاختلاف معناهما في اللسان العربي‪.‬‬

‫فدلالة عبارة متشابها مثاني ليست هي نفس دلالة‬


‫عبارة متشابها المثاني‪ ,‬ول كي نبيّن الفرق بينهما سنأتي‬
‫بمثال‪ ,‬فعندما نقول> بيتا متساوي الجدران‪ ,‬فهذا يعني‬
‫أن جدران البيت متساو ية بينها‪ ,‬ل كن عندما نقول> بيتا‬
‫متساو يا جدرانا‪ ,‬فهذا يعني أن جدران البيت تساوي‬
‫جدران بيت آخر‪ ,‬ولهذا قال تعالى[ ُمّتَش َابِهًا َّمّثَان ِي] ولم‬
‫يقل(متشابه المثاني)يعني أن التشابه الذي تكلم عنه‬
‫تعالى في آية المحكم والمتشابه‪ ,‬ليس بين آيات القرآن‪,‬‬

‫~‪~63‬‬
‫ول كنه بين آيات الكتاب‪ ,‬أي القرآن‪ ,‬وبين آيات من‬
‫كتابين آخرين في آن واحد‪ ,‬وبما أن الل ّه تعالى أنزل‬
‫الكتاب على موسى وهو التوراة‪ ,‬وأنزل الكتاب على‬
‫عيسى وهو الإنجيل‪ ,‬فهو عندما أنزل الكتاب على محمد‬
‫وهو القرآن‪ ,‬جعل فيه بعض الآيات إذا أخذنا واحدة‬
‫منهن سنجد مثلها(أي آية مشابهة لها)في التوراة‪ ,‬وكذلك‬
‫في الإنجيل‪ ,‬يعني هناك آية أنزلها تعالى في التوراة بلسان‬
‫موسى‪ ,‬أنزل مثلها في الإنجيل بلسان عيسى‪ ,‬ثم أنزل في‬
‫القرآن مثيلتهما بلسان محمد‪ ,‬فأصبحت الآية التي في‬
‫القرآن تشابه آية في التوراة‪ ,‬وفي نفس الوقت آية في‬
‫الإنجيل‪ ,‬فصار القرآن متشابها مثاني‪ ,‬وليس متشابها‬
‫المثاني‪.‬‬

‫ِيث كِتاَب ًا ُمّتَش َابِهًا‬


‫ن الْحَد ِ‬ ‫الل ّه ُ ن ََّز ّ َ‬
‫ل أَ حْ س َ َ‬ ‫وعندما قال تعالى[ َّ‬
‫َّمّثَان ِي] وبما أن الل ّه أحكم آياته‪ ,‬فهو سبحانه قال‬
‫ِيث] ولم يقل الكتاب أو الذكر أو القرآن‪ ,‬وذلك‬
‫[الْحَد ِ‬

‫~‪~64‬‬
‫لأن كلمة حديث جذرها اللغوي هو فعل حدث‪ ,‬أي‬
‫وقع‪ ,‬فكلمة حديث في القرآن هي دلالة على ما وقع وما‬
‫سيقع‪ ,‬أي القصص والأنباء التي جاء بها القرآن‪ ,‬ولهذا‬
‫عندما قال تعالى في سورة يوسف‪[555‬ق َ ْد ك َانَ ف ِي‬
‫صصِه ِ ْم عِبْرَة ٌ لّ ِ ُأول ِي الْأَ ل ْب َا ِ‬
‫ب] تابع سبحانه قائلا[م َا‬ ‫قَ َ‬
‫ق ال َّ ّذ ِي بَيْنَ يَد َيْه ِ] أي‬
‫ك َانَ حَدِيثًا يُفْتَر َى و َل َكِن تَصْ دِي َ‬
‫أن القرآن جاء بقصص تصدق ما جاءت به التوراة‬
‫من قبل‪ ,‬وكذلك الإنجيل‪ ,‬ولهذا عندما قال تعالى‬
‫كذلك في سورة النساء;<[ا َّلل ّه ُ ل َا ِإلَه َ ِإ َّلّا ه ُو َ لَي َجْ مَع ََّن ّك ُ ْم‬
‫ِإلَى يَو ْ ِم الْق ِي َامَة ِ ل َا ر َي ْبَ ف ِيه ِ] تابع سبحانه قائلا[وم َنْ‬
‫ن ا َّلل ّه ِ حَدِيثًا] وذلك لأن الل ّه سبحانه يتكلم‬
‫أَ صْ د َقُ م ِ َ‬
‫عن ما سيقع‪ ,‬أي النبأ‪.‬‬

‫فالتشابه الذي جاء به القرآن‪ ,‬يكمن في الآيات التي‬


‫تتحدث عن ما وقع(القصص) وما سيقع(الأنباء)والتي‬
‫الل ّه ُ ن ََّز ّ َ‬
‫ل‬ ‫جاء مثلها في التوراة والإنجيل‪ ,‬ولهذا قال تعالى[ َّ‬

‫~‪~65‬‬
‫ِيث] وتابع قائلا[ك ِتاَب ًا ُمّتَش َابِهًا َّمّثَان ِي] وهنا‬
‫ن الْحَد ِ‬
‫أَ حْ س َ َ‬
‫كما نرى قال تعالى كتابا‪ ,‬وذلك لأنه يتكلم عن مضمون‬
‫الرسالة‪ ,‬الذي هو عبارة عن آيات محكمات‪ ,‬ولهذا في آية‬
‫المحكم والمتشابه استعمل سبحانه كلمة الكتاب كذلك‪,‬‬
‫وليس كلمة القرآن‪.‬‬

‫فالكل يعلم بأن القرآن جاء بأنباء عن خلق الإنسان‬


‫مثلا‪ ,‬وقيام الساعة‪ ,‬و يوم الحساب‪ ,‬وقصص الأنبياء‪,‬‬
‫وما غير ذلك‪ ,‬وذلك ليبشرنا سبحانه وينذرنا‪ ,‬وهو‬
‫الشيء الذي فعله تعالى كذلك مع الذين أوتوا الكتاب‬
‫من قبلنا‪ ,‬فعندما قال سبحانه في القرآن في سورة‬
‫ل ك َالْف َ َّخ ّار] بلسان‬
‫صا ٍ‬
‫ق ال ِْإنس َانَ م ِن صَل ْ َ‬
‫الرحمان‪[58‬خ َل َ َ‬
‫محمد ﷺ قاله تعالى كذلك في التوراة بلسان موسى عليه‬
‫السلام‪ ,‬وقاله كذلك في الإنجيل بلسان عيسى عليه‬
‫السلام‪ ,‬فأصبحت آية من القرآن تشابه في نفس الوقت‪,‬‬
‫آية من التوراة وآية من الإنجيل‪ ,‬ونفس الشيء عندما‬

‫~‪~66‬‬
‫أنذر الل ّه تعالى أمّة محمد ﷺ في سورة المائدة‪[<:‬و َال َّ ّذ ِي َ‬
‫ن‬
‫صح َابُ الْ جحَ ِِيم] فهو أنذر‬ ‫كف َر ُوا وَك َ َّذ ّبُوا ب ِآي َاتنَِا ُأولَئ ِ َ‬
‫ك أَ ْ‬ ‫َ‬
‫تعالى كذلك أمّة موسى بنفس الآية‪ ,‬وأنذر كذلك أمّة‬
‫عيسى بنفس الآية‪ ,‬فأصبحت الآيتان معا تشابه آية من‬
‫القرآن‪ ,‬ولهذا قال تعالى[م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ] ولم يقل(ما تشابه‬
‫فيه)ولهذا قال تعالى كذلك[ ُمّتَش َابِهًا َّمّثَان ِي] ولم يقل‬
‫(متشابها المثاني)‬

‫وكمثال معيّن على ذلك‪ ,‬قوله تعالى في سورة الأعراف‬


‫ن ك َ َّذ ّبُوا ب ِآي َاتنَِا و َاسْ تَكْبَر ُوا عَنْهَا ل َا تُف ََّت ّ ُ‬
‫ح لَه ُ ْم‬ ‫ن ال َّ ّذ ِي َ‬
‫‪ِ [84‬إ َّ ّ‬
‫م‬
‫ل فِي س َ ِ ّ‬ ‫سم َاء ِ وَل َا ي َ ْدخ ُلُونَ الْج َّنَ ّة َ ح ََّت ّى يلَ ِ َ‬
‫ج ا ْلجم َ َ ُ‬ ‫أَ ب ْوَابُ ال َّ ّ‬
‫الْخ ِيَاطِ ] فهو أنزل مثلها في التوراة بلسان عبري‪ ,‬وفي‬
‫الإنجيل بلسان آرامي‪ ,‬وهما موجودتان في سفر متى‬
‫صحاح =‪ 68/5‬ومرقس ‪ 69/54‬ولوقا <‪ 59/5‬مع‬
‫تغيير في مضمونها‪ ,‬وذلك ل كثرة الترجمات التي خضعت‬
‫لها آيات الكتاب‪ ,‬فأصبحت على الشكل التالي – وأقول‬

‫~‪~67‬‬
‫ل كم أيضا أن مرور الجمل من ثقب إبرة أيسر من أن‬
‫يدخل غني إلى مل كوت الل ّه – وكذلك على الشكل‬
‫التالي – لأن دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من أن‬
‫يدخل غني إلى مل كوت الل ّه –‬

‫وهكذا يتبيّن بأن الل ّه تعالى لا يمكن أن يقول قولا ثم‬


‫يأتي بقول آخر يناقضه‪ ,‬أو يأمر بشيء ثم ينسخه تعالى‪,‬‬
‫أو ي ّنزل آيات لا نستطيع فهمها‪ ,‬وإن وجدت ذلك في‬
‫القرآن فاعلم أنه ناتج عن فهم خاطئ لآيات الل ّه تعالى‪.‬‬

‫فآيات الكتاب كلهن محكمات‪ ,‬ومنهن ما هن أمّ الكتاب‪,‬‬


‫ومنهن ما هن متشابهات‪ ,‬وذلك التشابه ليس في‬
‫القرآن(أي بين آيات القرآن)ول كن بين آيات من‬
‫القرآن‪ ,‬وآيات من التوراة والإنجيل معا‪ ,‬وبما أننا أتينا‬
‫بأمثلة للآيات المتشابهات‪ ,‬سنأتي في الفقرة التالية بأمثلة‬
‫لآيات هن أمّ الكتاب‪.‬‬

‫~‪~68‬‬
‫سبب نزول الآية‬

‫َات‬
‫ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ آي ٌ‬ ‫ل عَلَي ْ َ‬‫قال الل ّه تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ‬
‫ن فِي‬ ‫اب و َ ُأخَر ُ م ُتَش َابِه َ ٌ‬
‫ات ف َأَ َّمّا ال َّ ّذ ِي َ‬ ‫ات ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ‬
‫كم َ ٌ‬
‫مح ْ َ‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَيَت ّب ِع ُونَ م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ اب ْتِغ َاء َ ال ْفِت ْنَة ِ و َاب ْتِغ َاء َ‬
‫َالر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ‬ ‫الل ّه ُ و َّ‬ ‫ت َأْ وِ يلِه ِ وَم َا يَعْلَم ُ ت َأْ وِ يلَه ُ ِإ َّلّا َّ‬
‫لٌّ م ِنْ عِنْدِ ر َب ّنَِا وَم َا ي َ َّ ّذ َّك ّر ُ ِإ َّلّا ُأولُو‬
‫يَق ُولُونَ آم ََّن ّا بِه ِ ك ُ ّ‬
‫اب] كما بي ّنا من قبل‪ ,‬عندما قال تعالى في سورة‬
‫الْأَ ل ْب َ ِ‬
‫ب ُأحْكِم َْت ءَاي َاتُه ُ] فهو يتكلم سبحانه عن‬
‫هود‪[5‬الر ك ِتاَ ٌ‬
‫جميع آيات الكتاب‪ ,‬وذلك من قوله تعالى‪ -‬بسم الل ّه‬
‫الرحمان الرحيم – إلى قوله – من الجنة والناس – وبما‬
‫أن الكتاب يحوي آيات جاءت بأحكام‪ ,‬وأخر بأمثلة‪,‬‬
‫ب ُأحْكِم َْت‬
‫وأخر بأنباء وقصص‪ ,‬فعندما قال تعالى[كِتاَ ٌ‬
‫ءَاي َاتُه ُ] فهو يتكلم سبحانه عن الطر يقة التي صاغ بها‬
‫قوله الذي جعله عبارة عن آيات تخضع لقواعد وضعها‬
‫~‪~69‬‬
‫تعالى بعلمه‪ ,‬ل كي لا نز يغ عن فهمها‪ ,‬ولهذا قال تعالى في‬
‫ن و َلَو ْ ك َانَ م ِنْ عِندِ‬
‫ن الْقُر ْءَا َ‬‫سورة النساء‪[<6‬أَ فَلَا يَتَد َ َّب ّر ُو َ‬
‫غَيْرِ ا َّلل ّه ِ لَوَجَد ُوا ف ِيه ِ اخْ ت ِل َافًا كَث ِير ًا]‬

‫ل كن آباءنا جاءوا بقواعد من عندهم حسب ما عقلوه‬


‫آنذاك‪ ,‬الشيء الذي أدّى إلى كل هذه الاختلافات في‬
‫التفاسير‪ ,‬وبعض التناقضات بين المنطق والإنسانية‪,‬‬
‫وبين رحمة الل ّه وما جاء به القرآن‪ ,‬والتي أصبحت من‬
‫المسلّمات‪ ,‬حتى غدونا نقول بأن الاختلاف رحمة‪,‬‬
‫وبالتالي أصبحت لنا الرخصة في اختيار المفهوم الذي‬
‫يناسب أهواءنا‪ ,‬ولم يعد الدين خالصا لل ّه‪ ,‬بل هناك‬
‫شركاء لل ّه في تشر يعه‪ ,‬وأصبح الإنسان الأمّي عبدا‬
‫لهؤلاء الشركاء ل كي يقر ّبونه إلى الل ّه زلفى كما جاء في‬
‫ن َّاتّ خَذ ُوا م ِنْ‬ ‫سورة الزمر‪[7‬أَ ل َا ل َِّل ّه ِ الد ِّي ُ‬
‫ن الْخَال ُِص و َال َّ ّذ ِي َ‬

‫الل ّه َ‬
‫ن َّ‬‫الل ّه ِ زُلْفَى ِإ َّ ّ‬
‫د ُونِه ِ أَ وْلِيَاء َ م َا نَعْبُد ُه ُ ْم ِإ َّلّا لِيُق َرِّبُون َا ِإلَى َّ‬

‫~‪~71‬‬
‫الل ّه َ ل َا يَهْدِي م َنْ‬
‫ن َّ‬‫يخ ْتَلِف ُونَ ِإ َّ ّ‬
‫يحْكُم ُ بَيْنَه ُ ْم فِي م َا ه ُ ْم ف ِيه ِ َ‬
‫َ‬
‫ك َّ ّفار ٌ]‬
‫ِب َ‬
‫ه ُو َ ك َاذ ٌ‬

‫فالاختلافات التي جاء بها المرحوم السيوطي في كتابه‪,‬‬


‫كما ذكرنا في أول الفقرة‪ ,‬سببها هو عدم خضوع الآية‬
‫للقواعد الربانية كما هو الشأن لكل آيات القرآن‪ ,‬وتوارثنا‬
‫نحن تلك الاختلافات‪ ,‬واتخذناها كقول الل ّه تعالى دون‬
‫أن نعقلها نتيجة تقديس أقوال آبائنا‪ ,‬ظنا منا أنهم لا‬
‫يُخطئون‪ ,‬وبالتالي كل من تجرأ على تخطيئهم فقد طعن‬
‫في الدين كما لو أنه طعن في قول الل ّه تعالى‪ ,‬مم ّا يجعلهم‬
‫ن‬
‫أندادا له سبحانه كما جاء في سورة البقرة‪[5:9‬وَم ِ َ‬
‫ب ا َّلل ّه ِ‬ ‫ن ا َّلل ّه ِ أَ ند َاد ًا ُ‬
‫يح ُِب ّونَه ُ ْم كَح ُ ِّ‬ ‫س م َن ي َ َّ ّتخِذ ُ م ِن د ُو ِ‬
‫ا َّلن ّا ِ‬
‫ش ُ ّد ح ًُّب ّا ل َِّّل ّه ِ]‬ ‫و َال َّ ّذ ِي َ‬
‫ن ءَام َن ُوا أَ َ‬

‫ول كي ي ُحم ّل الل ّه كل واحد مسؤوليته كما جاء في سورة‬


‫حسْنًا و َِإن‬
‫ُ‬ ‫العنكبوت<[وَو َ َّ ّ‬
‫صي ْنَا ال ِْإنس َانَ ب ِو َالِدَيْه ِ‬
‫ك بِه ِ عِلْم ٌ فَلَا تُطِعْهُم َا ِإل ََّىّ‬
‫ْس ل َ َ‬
‫ج َاهَد َاك َ لِتُشْرِك َ ب ِي م َا لَي َ‬

‫~‪~71‬‬
‫م َْرجِعُك ُ ْم ف َُأنَب ِّئُك ُم بِمَا كُنتُم ْ تَعْم َلُونَ] فقد قال تعالى في‬
‫ظ َّنّ‬
‫سورة النجم<‪[6‬وَم َا لَه ُم بِه ِ م ِنْ عِلْم ٍ ِإن ي ََّت ّب ِع ُونَ ِإ َّلّا ال َّ ّ‬
‫شيئا] ولهذا تبرأ منا الأئمة‬
‫ق َ‬ ‫ظ َّنّ ل َا يُغْنِى م ِ َ‬
‫ن الْح َ ّ ِ‬ ‫ن ال َّ ّ‬
‫و َِإ َّ ّ‬
‫الأربعة الكبار بقولهم المعروف(لا تتبعوا قولنا حتى‬
‫تعلموا دليلنا)‬

‫فعندما قال تعالى في آية المحكم والمتشابه[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ نز َ َ‬


‫ل‬
‫ك الْكِتاَبَ ] وبما أنه قال تعالى في سورة هود‪[5‬الر‬
‫عَلَي ْ َ‬
‫ب ُأحْكِم َْت ءَاي َاتُه ُ] فهذا يعني بأن كل آيات الكتاب‬
‫كِتاَ ٌ‬
‫محكمات بدون استثناء‪.‬‬

‫ب]‬‫ت ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِتاَ ِ‬ ‫ت ُ ّمح ْ َ‬


‫كم َا ٌ‬ ‫ثم تابع قوله تعالى[مِن ْه ُ ءَاي َا ٌ‬
‫يعني من آيات الكتاب والتي هن محكمات‪ ,‬ما هن أمّ‬
‫الكتاب‪ ,‬أي أنزلهن تعالى لأول مرة في القرآن ولم يُنزل‬
‫مثلهن من قبل في أيّ كتاب من ال كتب الأولى‪ ,‬ومن‬
‫هذه الآيات اللاتي هن أمّ الكتاب بالنسبة للقرآن‪ ,‬ما‬
‫يتعلق بالأحكام كقوله سبحانه في سورة البقرة ‪5<9‬‬

‫~‪~72‬‬
‫[شَهْر ُ رَمَضَانَ ال َّ ّذ ِي ُأنْز ِ َ‬
‫ل ف ِيه ِ الْقُر ْآنُ هُدًى ل ِ َّلن ّا ِ‬
‫س‬
‫ن فَم َنْ شَهِد َ مِنْكُم ُ ال َّش ّهْر َ‬
‫ن ال ْهُد َى و َالْفُر ْقَا ِ‬
‫ات م ِ َ‬
‫و َبَي ِّن َ ٍ‬
‫صمْه ُ] وذلك لأن الل ّه تعالى خصّ ص أمّة محمد ﷺ‬
‫فَل ْي َ ُ‬
‫بالصيام في شهر رمضان‪ ,‬وهو الشهر الذي أنزل فيه‬
‫القرآن‪ ,‬ولم يفرضه تعالى على أيّ أمّة من قبل‪ ,‬وكل‬
‫كتاب أنزله تعالى إلا ّ وجعل من آياته المحكمات ما هن‬
‫أمّ ذلك الكتاب‪ ,‬والتي هي خاصة بملة تلك الأمّة‪,‬‬
‫ليجعل لها تعالى شرعتها ومنهاجها كما جاء في سورة‬

‫الل ّه ُ‬
‫جع َل ْنَا مِنْك ُ ْم شِرْع َة ً وَمِنْهَاج ًا و َلَو ْ شَاء َ َّ‬‫ل َ‬ ‫المائدة<‪[8‬لِك ُ ّ ٍ‬
‫حدَة ً و َل َكِنْ لِيَب ْلُو َك ُ ْم فِي م َا آت َاك ُ ْم‬ ‫لَجَعَل َك ُ ْم ُأ َّمّة ً و َا ِ‬
‫َات]‬
‫فَاسْ تَبِق ُوا الْخ َيْر ِ‬

‫ثم تابع قوله تعالى[و َ ُأخَر ُ م ُتَشَابِه َا ٌ‬


‫ت] يعني من آيات‬
‫الكتاب اللاتي هن محكمات‪ ,‬ما هن متشابهات‪ ,‬وبما أن‬
‫ن‬ ‫الل ّه تعالى قال في سورة الزمر‪[67‬ا َّلل ّه ُ ن ََّز ّ َ‬
‫ل أَ حْ س َ َ‬
‫ِيث كِتاَب ًا ُمّتَش َابِهًا َّمّثَان ِي] وكما بي ّنا من قبل الفرق‬
‫الْحَد ِ‬

‫~‪~73‬‬
‫بين عبارة(متشابها مثاني)وعبارة (متشابها المثاني) فهذا‬
‫يعني أن هناك آيات من القرآن تشابه آيات من كتابين‬
‫آخرين‪ ,‬وهما التوراة والإنجيل‪ ,‬يعني أن هناك آية مثلا‬
‫أنزلها تعالى في التوراة تتحدث عن خلق آدم ليخبر بها‬
‫قوم موسى بلسانهم‪ ,‬أنزلها كذلك في الإنجيل لقوم‬
‫عيسى بلسانهم‪ ,‬فهاتان الآيتان معا أنزل تعالى مثيلتهما‬
‫في القرآن بلسان قوم محمد ﷺ وهكذا يتبيّن بأن الآيات‬
‫المتشابهات هن نقيض ما هن أمّ الكتاب‪.‬‬

‫ن ف ِي قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَي ََّت ّب ِع ُونَ م َا‬


‫ثم تابع قوله تعالى[ف َأَ َّمّا ال َّ ّذ ِي َ‬
‫تَش َابَه َ مِن ْه ُ اب ْتِغ َاء َ الْفِت ْنَة ِ و َاب ْتِغ َاء َ ت َأْ وِ يلِه ِ] يعني أن الذين‬
‫يشكّون في رسالة محمد ﷺ اهتموا بما تشابه من القرآن‬
‫(وليس ما تشابه فيه أو الآيات المتشابهات) لإ يجاد‬
‫سبب له للتكذيب بما جاء به رسول الل ّه‪ ,‬وهذا السبب‬
‫هو الذي ذكره تعالى في سورة النحل‪[547‬و َلَق َ ْد نَعْلَم ُ‬
‫أَ َّ ّنه ُ ْم يَق ُولُونَ ِإ َّن ّمَا يُع َل ِّم ُه ُ بَشَر ٌ لِس َانُ ال َّ ّذ ِي يلُ ْ ِ‬
‫حد ُونَ ِإلَيْه ِ‬

‫~‪~74‬‬
‫ن ع َرَ بِيّ ٌّ م ُبِي ٌ‬
‫ن] فهم كانوا يزعمون بأن‬ ‫يٌّ و َهَذ َا لِس َا ٌ‬
‫أَ عْجَمِ ّ‬
‫محمدا ﷺ لم يُنز َل عليه الوحي‪ ,‬وإنما كان يذهب عند‬
‫أعجمي‪ ,‬أي رجل غير عربي‪ ,‬يعلَم قراءة التوراة‬
‫والإنجيل‪ ,‬فيعلّم ُه بعض الآيات ثم يتلوها على الناس‪,‬‬
‫ويزعم بأن الل ّه تعالى أوحى بها إليه‪ ,‬ولهذا قال تعالى‬
‫ن ِإ َّن ّمَا يُع َل ِّم ُه ُ بَشَر ٌ] فأجابهم تعالى‬
‫[و َلَق َ ْد نَعْلَم ُ أَ َّ ّنه ُ ْم يَق ُولُو َ‬
‫بأن الشخص الذي يزعمون بأنه يُعل ّم محمدا هو أعجمي‪,‬‬
‫وما ينطق به رسوله هو بلسان عربي مبين‪ ,‬ولهذا قال‬
‫ن ع َر بِيّ ٌّ‬ ‫حد ُونَ ِإلَيْه ِ أَ عْجَمِ ّ ٌّ‬
‫تعالى[لِس َانُ ال َّ ّذ ِي يلُ ْ ِ‬
‫ي و َهَذ َا لِس َا ٌ َ‬
‫ن] وهذا كان هو سبب نزول آية المحكم والمتشابه‪,‬‬ ‫م ُبِي ٌ‬
‫ولهذا عندما قال تعالى في سورة العنكبوت<‪[8‬وَم َا‬
‫ك] تابع‬ ‫ب وَل َا تَخ ُ ُ ّ‬
‫طه ُ بِيمَِين ِ َ‬ ‫كُنتَ تَت ْلُوا م ِن قَبْلِه ِ م ِن كِتاَ ٍ‬
‫سبحانه قائلا[ ِإذ ًا لارْت َابَ ال ْمُبْط ِلُونَ]‬

‫ثم تابع قوله تعالى[وَم َا يَعْلَم ُ ت َأْ وِ يلَه ُ ِإ َّلّا ا َّلل ّه ُ] يعني أن‬
‫سبب وجود التشابه بين آيات من القرآن‪ ,‬وآيات من‬

‫~‪~75‬‬
‫التوراة والإنجيل‪ ,‬هو الذي لا يعلمه إلا ّ الل ّه تعالى‪,‬‬
‫وليس تأو يل الآيات(والذي يعلمه كل من تدبر القرآن‬
‫بقواعده)ولهذا قال تعالى[ت َأْ وِ يلَه ُ] وليس(تأو يلهن)لأن‬
‫الل ّه تعالى لا يمكن أن ينزل إلينا آيات لا نستطيع‬
‫تدبرهن وتأو يلهن ثم يحاسبنا عليهن‪ ,‬فما جدوى إنزالهن‬
‫إذ ًا؟‬

‫ثم تابع قوله تعالى[و َالر ّاسِ خ ُونَ ف ِي ال ْعِلْم ِ يَق ُولُونَ ءَام ََّن ّا بِه ِ‬
‫لٌّ مّ ِنْ عِندِ ر َب ّنَِا] يعني الذين تعمقوا في علم الل ّه الذي‬ ‫كُ ّ‬
‫أنزله في كتبه‪ ,‬وعلموا كيف أحكم آياته‪ ,‬وبالتالي‬
‫يستطيعون أن يتعرفوا على ما هو من عند الل ّه‪ ,‬وما هو‬
‫من عند غير الل ّه‪ ,‬آمنوا بكل آيات الكتاب الذي أنزله‬
‫تعالى على رسوله‪.‬‬

‫ثم ختم الآية بقوله تعالى[وَم َا ي َ َّذّ َّك ّر ُ ِإ َّلّا ُأولُوا الْأَ لْب َاب]‬
‫يعني لا يمكن أن يتعرف على مفهوم آيات الكتاب إلا‬
‫الذين يلب ّون‪ ,‬أي يتعمقون و يحل ّلون كلام الل ّه تحليلا‬

‫~‪~76‬‬
‫دقيقا‪ ,‬وليس الذين يتدبرون آيات الكتاب بطر يقة‬
‫سطحية‪ ,‬أي عابري سبيل‪ ,‬كما فعل كثير منا فجعلوا‬
‫خطاب الل ّه تعالى كخطاب بعضهم لبعض‪.‬‬

‫ك الْكِتاَبَ‬ ‫ملاحظة> عندما قال تعالى[ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ نز َ َ‬


‫ل عَلَي ْ َ‬
‫ت ه َُّنّ ُأ ُمّ الْكِتاَ ِ‬
‫ب] تابع سبحانه قائلا‬ ‫ت ُ ّمح ْ َ‬
‫كم َا ٌ‬ ‫مِن ْه ُ ءَاي َا ٌ‬
‫ت] ولم يقل(والأخر)أي ما بقي‪ ,‬فهذا‬ ‫[و َ ُأخَر ُ م ُتَشَابِه َا ٌ‬
‫يعني أن هناك آيات أخر لا هن أمّ الكتاب‪ ,‬ولا هن مما‬
‫تشابه من القرآن‪ ,‬مثل الآيات الخاصة بمحمد ﷺ كقوله‬
‫الن ّب ِ ُيّ لِم َ تُح َرِ ّم ُ م َا أَ ح َ َّ ّ‬
‫ل‬ ‫تعالى في سورة التحريم‪[5‬ي َا أَ ُ ّيهَا َّ‬
‫ك و ََّالل ّه ُ غَف ُور ٌ رَحِيم ٌ]‬
‫ج َ‬
‫ك تَب ْتَغ ِي م َْرضَاتَ أَ ْزو َا ِ‬
‫الل ّه ُ ل َ َ‬
‫َّ‬
‫والآيات الخاصة بمدة تنز يل الرسالة‪ ,‬والدفاع عنها‪,‬‬
‫كالأمر بالهجرة من مكة إلى المدينة مثلا كما جاء في‬
‫ن آم َن ُوا و َال َّ ّذ ِي َ‬
‫ن ه َاجَر ُوا‬ ‫ن ال َّ ّذ ِي َ‬
‫سورة البقرة<‪ِ [65‬إ َّ ّ‬
‫ك يَرْجُونَ رَحْم َتَ َّ ِ‬
‫الل ّه ِ ُأولَئ ِ َ‬
‫الل ّه و ََّالل ّه ُ‬ ‫ل َّ‬‫وَج َاهَد ُوا فِي سَب ِي ِ‬
‫غَف ُور ٌ رَحِيم ٌ] والأمر بقتال المشركين كما جاء مثلا في‬

‫~‪~77‬‬
‫الل ّه َ‬
‫ن َّ‬‫ن يُق َاتَلُونَ ب ِأَ َّ ّنه ُ ْم ظُل ِم ُوا و َِإ َّ ّ‬‫سورة الحج =‪ُ [7‬أذِنَ ل َِّل ّذ ِي َ‬
‫خرِجُوا م ِنْ دِي َارِه ِ ْم بِغَيْرِ‬ ‫ن ُأ ْ‬ ‫عَلَى نَصْرِه ِ ْم لَقَدِير ‪14‬ال َّ ّذ ِي َ‬
‫اس بَعْضَه ُ ْم‬ ‫الل ّه ِ َّ‬
‫الن ّ َ‬ ‫َق ِإ َّلّا أَ ْن يَق ُولُوا ر َ ُب ّنَا َّ‬
‫الل ّه ُ و َلَوْل َا د َف ْ ُع َّ‬ ‫ح ٍّ‬
‫جد ُ ي ُ ْذك َر ُ‬
‫ات وَمَسَا ِ‬
‫َت صَوَام ِِ ُع و َبيِ َ ٌع وَصَلَو َ ٌ‬
‫ض لَه ُ ّدِم ْ‬
‫ببَِعْ ٍ‬
‫الل ّه ُ م َنْ يَن ْصُرُه ُ ِإ َّ ّ‬ ‫كَث ِير ًا و َلَيَن ْصُر َ َّ ّ‬ ‫الل ّه ِ‬
‫الل ّه َ‬
‫ن َّ‬ ‫ن َّ‬ ‫ف ِيهَا اسْم ُ َّ‬
‫ل‬
‫وفي سورة البقرة‪[5=4‬و َقَاتِلُوا فِي سَب ِي ِ‬ ‫لَقَو ّ ٌّ‬
‫ِي عَز ِيز]‬
‫يح ُ ّ‬
‫ِب‬ ‫الل ّه َ ل َا ُ‬
‫ن َّ‬ ‫الل ّه ِ ال َّ ّذ ِي َ‬
‫ن يُق َاتِلُونَك ُ ْم و َل َا تَعْتَد ُوا ِإ َّ ّ‬ ‫َّ‬
‫ن آم َن ُوا يُق َاتِلُونَ فِي‬ ‫ن] وفي سورة النساء‪[;:‬ال َّ ّذ ِي َ‬ ‫ال ْمُعْتَدِي َ‬
‫ُوت‬
‫طاغ ِ‬ ‫ل ال َّ ّ‬‫كف َر ُوا يُق َاتِلُونَ فِي سَب ِي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫الل ّه ِ و َال َّ ّذ ِي َ‬
‫ل َّ‬‫سَب ِي ِ‬
‫ن ك َانَ ضَع ِيف ًا]‬ ‫كيْد َ ال َّ ّ‬
‫شيْط َا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ِإ َّ ّ‬ ‫فَق َاتِلُوا أَ وْلِيَاء َ ال َّ ّ‬
‫شيْط َا ِ‬
‫خ الْأَ شْه ُر ُ الْحُرُم ُ فَاق ْتُلُوا‬ ‫وفي سورة التوبة‪[9‬ف َِإذ َا انْس َل َ َ‬
‫حي ْثُ وَجَدْتُمُوه ُ ْم وَخُذ ُوهم و َاحْ صُر ُوه ُ ْم‬
‫ال ْمُشْرِكِينَ َ‬
‫ص ٍد ف َِإ ْن ت َابُوا و َأَ قَام ُوا َّ‬
‫الصّ لَاة َ و َآتَوُا‬ ‫ل م َْر َ‬ ‫و َاق ْعُد ُوا لَه ُ ْم ك ُ َّ ّ‬
‫الل ّه َ غَف ُور ٌ رَحِيم ٌ] والأمثلة كثيرة‬ ‫ن َّ‬ ‫الز ّك َاة َ فَخ ُلَ ّوا سَب ِيلَه ُ ْم ِإ َّ ّ‬
‫َّ‬
‫في القرآن‪ ,‬وكل هذه الآيات ومثلهن‪ ,‬كانت خاصة‬
‫بمحمد ﷺ وقومه الذين أذن لهم تعالى بقتال المشركين‬

‫~‪~78‬‬
‫الذين سعوا لوضع ح ّد للرسالة السماو ية‪ ,‬ولهذا قال‬
‫ل رَسُولَه ُ ب ِال ْهُد َى‬ ‫تعالى في سورة التوبة‪[77‬ه ُو َ ال َّ ّذ ِي أَ ْر َ‬
‫س َ‬
‫ق لِي ُ ْظه ِرَه ُ عَلَى الد ِّي ِن كُلِّه ِ و َلَو ْ كَرِه َ ال ْمُشْرِكُونَ]‬
‫وَدِي ِن الْح َ ّ ِ‬

‫فبالتالي أصبحت هذه الآيات من القصص نأخذ منها‬


‫العبر كما جاء في سورة يوسف‪[555‬لق َ ْد ك َانَ فِي‬
‫صصِه ِ ْم عِبْرَة ٌ ل ِ ُأول ِي الْأَ ل ْب َ ِ‬
‫اب م َا ك َانَ حَدِيث ًا يُفْتَر َى‬ ‫قَ َ‬
‫ل شَيْءٍ‬ ‫ق ال َّ ّذ ِي بَيْنَ يَد َيْه ِ و َتَفْصِ ي َ‬
‫ل ك ُ ِّ‬ ‫و َل َكِنْ تَصْ دِي َ‬
‫و َهُدًى وَرَحْم َة ً لِقَو ْ ٍم يُؤْم ِن ُونَ] وليست من الأحكام‪ ,‬لأن‬
‫الل ّه تعالى أتم ّ رسالته‪ ,‬وصار البيت الذي وضعه سبحانه‬
‫آمنا‪ ,‬يأتون الناس إليه من كل فج عميق ليطوفوا بالبيت‬
‫العتيق‪ ,‬وأصبح الدين معلوما‪ ,‬وصار الإنسان يمي ّز بين‬
‫الحق والباطل‪ ,‬فيختار ما يشاء كما جاء في سورة‬
‫ل الْح َُقّ م ِن َّرّ بِّك ُ ْم فَم َن شَاء َ فَل ْيُؤْم ِن وَم َن‬
‫ال كهف=‪[6‬و َق ُ ِ‬
‫شَاء َ فَل ْي َ ْكفُر ْ] ولهذا قال تعالى في سورة البقرة‪[ 69:‬ل َا‬
‫ن الْغ َ ِيّ فَم َنْ ي َ ْكفُر ْ‬ ‫ِإك ْرَاه َ فِي الد ِّي ِن ق َ ْد تَبَيَّ ّنَ ُ‬
‫الر ّشْ د ُ م ِ َ‬

‫~‪~79‬‬
‫ُوت و َيُؤْم ِنْ ب َِّالل ّه ِ فَقَدِ اسْ تَمْس َ َ‬
‫ك ب ِال ْعُرْوَة ِ ال ْوُثْقَى ل َا‬ ‫ب ِال َّ ّ‬
‫طاغ ِ‬
‫ان ْفِصَام َ لَهَا و ََّالل ّه ُ سَم ِي ٌع عَل ِيم ٌ]‬

‫~‪~81‬‬
‫سبعا من المثاني‬

‫ن‬
‫سبْع ًا م ِ َ‬
‫قال الل ّه تعالى في سورة الحجر;<[و َلَق َ ْد آتَي ْنَاك َ َ‬
‫ال ْمَثَانِي و َالْقُر ْآنَ الْعَظ ِيم َ] كما بي ّنا من قبل‪ ,‬الل ّه تعالى أنزل‬
‫كتابه على رسوله وأحكم آياته‪ ,‬ووضع قواعدا بداخله ل كي‬
‫نعقل قوله سبحانه‪ ,‬ولا نختلف في معانيه(كتاب>‬
‫القواعد الأساسية لتدبر القرآن) ولهذا قال تعالى في‬
‫سورة النساء‪[<6‬أَ فَلَا يَتَد َ َّب ّر ُونَ الْقُر ْآنَ و َلَو ْ ك َانَ م ِنْ عِنْدِ‬
‫الل ّه ِ لَوَجَد ُوا ف ِيه ِ اخْ ت ِلَافًا كَث ِير ًا] ل كن آباءنا لم‬
‫غَيْر ِ َّ‬
‫يعتمدوا على تلك القواعد‪ ,‬وأولها اللسان العربي الذي‬
‫أنزل به تعالى كتابه‪ ,‬فهم رحمهم الل ّه‪ ,‬كثيرا ما كانوا‬
‫يعتمدون على لسان العرب‪ ,‬ولسان الشاعر‪ ,‬وكانوا‬
‫كذلك كثيرا ما يعبرون الكلمات كما تُعبر الرؤ يا‪ ,‬ولا‬
‫يتدبرونها باللسان العربي‪ ,‬وهذا كان من الأسباب التي‬
‫أدّت إلى وقوع الاختلاف‪ ,‬فيوسف عليه السلام عبر‬
‫~‪~81‬‬
‫البقرة بالسنة‪ ,‬وقد نعبرها نحن بشيء آخر حسب عرفنا‪,‬‬
‫ل كن البقرة في اللسان العربي‪ ,‬هي حيوان أهلي من‬
‫فصيلة الب َقر يات‪ ,‬وهذا لا يختلف فيه العرب ولو‬
‫اختلف عرفهم‪.‬‬

‫ن ال ْمَثَان ِي] اختلف آباؤنا في‬


‫سبْع ًا مّ ِ َ‬
‫فعندما قال تعالى[ َ‬
‫تفسيرها‪ ,‬أو بالأحرى تعبيرها‪ ,‬ونحن ورثنا ذلك‬
‫الاختلاف‪ ,‬فمنهم من قال كابن مسعود وابن عمر وابن‬
‫عباس ومجاهد والضحاك حسب ما جاء به ابن كثير في‬
‫تفسيره‪ ,‬بأن السبع المثاني هي السبع الطّو َل‪ ,‬أي البقرة‬
‫وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف‬
‫و يونس‪ ,‬وهناك من ذكر سور أخرى‪.‬‬

‫فهنا وجب أن نتساءل‪ ,‬هل فعلا في اللسان العربي ما‬


‫يقول بأن كلمة المثاني معناها السور الطول‪ ,‬أم الآية‬
‫عبارة عن رؤ يا؟ وإن كانت فعلا السبع المثاني تعني‬
‫السبع الطول‪ ,‬فهل الل ّه تعالى هو الذي جمع القرآن في‬

‫~‪~82‬‬
‫سور وسم ّاها؟ أوليس هذا من فعل البشر؟ أم الل ّه تعالى‬
‫خاطبنا بالألغاز؟ فأصبح كل واحد يقول برأيه ما شاء؟‬
‫ل بِه ِ‬
‫أولم يقل في كتابه العزيز في سورة الشعراء‪[5=7‬ن َز َ َ‬
‫ن ال ْمُنذِرِين‬
‫ك لِتَكُونَ م ِ َ‬ ‫ا ُلر ّو ُ‬
‫ح الْأَ م ِينُ‪461‬عَلَى قَل ْب ِ َ‬
‫ن ع َرَ ب ِي ُمّبِينٍ]؟ فلماذا وقعت كل هذه‬‫‪462‬بِلِسَا ٍ‬
‫الاختلافات إذ ًا في تفسير آيات الكتاب‪ ,‬كما هو الشأن‬
‫في هذه الآية؟ وذلك لأن هناك من قال حسب تفسير‬
‫ابن كثير دائما‪ ,‬بأن السبع المثاني هي سورة الفاتحة‪,‬‬
‫فأيّ التعبير وليس التفسير هو أصح ّ؟‬

‫كما بي ّنا في الفقرة السابقة‪ ,‬بأن كلمة مثاني في اللسان‬


‫العربي الذي نز ّل به تعالى القرآن‪ ,‬هي جمع لكلمة مثنى‪,‬‬
‫والتي تدل على جمع شيئين معا في نفس الوقت أو نفس‬
‫النعت‪.‬‬

‫ن‬
‫ن ال ْمَثَانِي و َالْقُر ْآ َ‬
‫سبْع ًا م ِ َ‬
‫فعندما قال تعالى[و َلَق َ ْد آتَي ْنَاك َ َ‬
‫الْعَظ ِيم َ] فهو يتكلم عن سبعة من الأشياء آتاها محمدا ﷺ‬

‫~‪~83‬‬
‫الذي هو رسول الل ّه ونبي‪ ,‬وآتى مثلها نبي ّين من قبله‪,‬‬
‫ولهذا قال تعالى[و َلَق َ ْد آتَي ْنَاك َ] يعني أشياء جاء بها محمد‬
‫ﷺ قد جاء بمثلها نبيان من قبل كما تبيّن في الفقرة‬
‫ن‬ ‫السابقة لقوله تعالى في سورة الزمر‪[67‬ا َّلل ّه ُ ن ََّز ّ َ‬
‫ل أَ حْ س َ َ‬
‫ِيث ك ِتاَب ًا ُمّتَش َابِهًا َّمّثَان ِي ] وبما أن الل ّه تعالى قال في‬
‫الْحَد ِ‬
‫ل ش َيء‬ ‫سورة النحل=<[و َن ََّز ّل ْنَا عَلَي ْ َ‬
‫ك الْكِتاَبَ تِب ْي َان ًا لِّك ُ ّ ِ‬
‫و َهُدًى وَرَحْم َة ً و َبُشْر َى لِلْمُسْل ِمِين] وجب أن نجد هذه‬
‫السبع من المثاني في كتاب الل ّه تعالى‪ ,‬وليس في كتب‬
‫البشر‪.‬‬

‫ن‬
‫‪ -5‬فالل ّه تعالى قال في سورة آل عمران=;[م َا ك َا َ‬
‫ل‬‫لِب َشَرٍ أَ ن يُؤْتيِ َه ُ ا َّلل ّه ُ الْكِتاَبَ و َالْح ُ ْكمَ و َا ُلن ّب َُّو ّة َ ث َُّم ّ يَق ُو َ‬
‫ن ا َّلل ّه ِ] وكما نعلم بأن الل ّه‬ ‫ل ِ َّلن ّا ِ‬
‫س كُونُوا عِبَاد ًا ل ِ ّي م ِن د ُو ِ‬
‫تعالى‪ ,‬آتى محمدا ﷺ الكتاب‪ ,‬وهو القرآن كما جاء في‬
‫ق و َِإ َّ ّ‬
‫ن‬ ‫الل ّه َ ن ََّز ّ َ‬
‫ل الْكِتَابَ ب ِالْح َ ّ ِ‬ ‫ن َّ‬‫ك ب ِأَ َّ ّ‬‫سورة البقرة‪[5;:‬ذَل ِ َ‬
‫ق بَع ِيد] وآتاه موسى‪,‬‬ ‫شق َا ٍ‬ ‫اب لَفِي ِ‬ ‫ال َّ ّذ ِي َ‬
‫ن اخْ تَلَف ُوا فِي الْكِت َ ِ‬

‫~‪~84‬‬
‫وهو التوراة كما جاء في سورة البقرة;<[و َلَق َ ْد آتَي ْنَا‬
‫ل] وآتاه عيسى‬
‫س ِ‬ ‫م ُوس َى الْكِتَابَ و َق ََّ ّفي ْنَا م ِنْ بَعْدِه ِ ب ُ‬
‫ِالر ّ ُ‬
‫كذلك‪ ,‬وهو الإنجيل كما جاء في سورة المائدة ‪8:‬‬
‫[و َق َّ َ ّفي ْنَا عَلَى آث َارِه ِ ْم ب ِع ِيس َى اب ْ ِن م َْر ي َم َ م ُ َ‬
‫ص ّدِقًا لم َِا بَيْنَ يَد َيْه ِ‬
‫ص ّدِقًا لم َِا‬
‫ل ف ِيه ِ هُدًى و َنُور ٌ وَم ُ َ‬ ‫ن َّ‬
‫الت ّوْر َاة ِ و َآتَي ْنَاه ُ ال ِْإنْ ج ِي َ‬ ‫مِ َ‬
‫الت ّوْر َاة ِ و َهُدًى وَمَوْعِظَة ً لِل ْم َُّت ّق ِينَ] فالل ّه تعالى‬
‫ن َّ‬‫بَيْنَ يَد َيْه ِ م ِ َ‬
‫إذ ًا آتى محمدا ﷺ الكتاب‪ ,‬كما آتاه موسى وعيسى معا‬
‫عليهما السلام‪ ,‬وهذا واحد(من المثاني)‪.‬‬

‫‪ -6‬والل ّه آتى محمدا النبوة كما جاء في سورة الأنفال‪:8‬‬


‫ن ال ْمُؤْم ِنِينَ]‬ ‫ن ا َّت ّبَع َ َ‬
‫ك مِ َ‬ ‫الل ّه ُ وَم َ ِ‬
‫ك َّ‬ ‫الن ّب ِ ُيّ َ‬
‫حسْب ُ َ‬ ‫[ي َا أَ ُ ّيهَا َّ‬
‫وآتى موسى النبوة كما جاء في سورة مريم‪[95‬و َا ْذكُر ْ ف ِي‬
‫مخ ْلَصً ا وَك َانَ رَسُول ًا َّن ّب ِي ّا] وآتى‬ ‫ب م ُوس َى ِإ َّن ّه ُ ك َا َ‬
‫ن ُ‬ ‫الْكِتاَ ِ‬
‫عيسى النبوة كذلك كما جاء في سورة مريم‬
‫كي َْف نُك َل ِ ّم ُ م َن ك َانَ ف ِي ال ْم َ ْهدِ‬
‫َت ِإلَيْه ِ قَالُوا َ‬
‫=‪[6‬ف َأَ شَار ْ‬
‫ل ِإن ِ ّي عَبْد ُ ا َّلل ّه ِ آت َان ِي الْكِتاَبَ و َ َ‬
‫جعَلَن ِي نَب ًِّي ّا]‬ ‫صَب ًِّي ّا‪04‬قَا َ‬

‫~‪~85‬‬
‫فالل ّه إذ ًا آتى محمدا ﷺ النبوة‪ ,‬كما آتاها موسى وعيسى معا‬
‫عليهما السلام‪ ,‬وهذا ثاني(اثنين من المثاني)‪.‬‬

‫‪ -7‬والل ّه آتى محمدا ﷺ الحكمة ليحكم بين الناس كما جاء‬


‫ق‬ ‫في سورة النساء‪ِ [549‬إ َّن ّا أَ ن ْزَلْنَا ِإلَي ْ َ‬
‫ك الْكِتَابَ ب ِالْح َ ّ ِ‬
‫الل ّه ُ وَل َا تَكُنْ لِلْخَائنِِينَ‬
‫س بِمَا أَ ر َاك َ َّ‬ ‫لِتَحْكُم َ بَيْنَ َّ‬
‫الن ّا ِ‬
‫ك م َِّم ّا‬
‫خَصِ يم ًا] وقال كذلك في سورة الإسراء=‪[7‬ذَل ِ َ‬
‫الل ّه ِ ِإلَهًا آخَر َ‬
‫تجْع َلْ م َ َع َّ‬ ‫ن الْح ِ ْ‬
‫كمَة ِ وَل َا َ‬ ‫ك ر َُب ّ َ‬
‫ك مِ َ‬ ‫أَ ْوحَى ِإلَي ْ َ‬
‫جه َ َّن ّم َ م َلُوم ًا م َ ْدحُور ًا] وآتاها كذلك موسى‬
‫فَتُلْقَى فِي َ‬
‫ليحكم بين الناس كما جاء في سورة المائدة‪ِ[88‬إ َّن ّا أَ ن ْزَلْنَا‬
‫الن ّب ُِي ّونَ ال َّ ّذ ِي َ‬
‫ن أَ سْ لَم ُوا‬ ‫يحْكُم ُ بِهَا َّ‬ ‫َّ‬
‫الت ّوْر َاة َ ف ِيهَا هُدًى و َنُور ٌ َ‬
‫َالر ّ َّب ّان ُيِ ّو َ‬
‫ن و َالْأَ حْ بَار ُ بِمَا اسْ ت ُحْ فِظ ُوا م ِنْ‬ ‫ن ه َاد ُوا و َّ‬
‫ل َِّل ّذ ِي َ‬
‫الل ّه ِ وَك َانُوا عَلَيْه ِ شُهَد َاء َ] وكما جاء كذلك في سورة‬
‫اب َّ‬
‫كِت َ ِ‬
‫الشعراء‪[65‬فَف َرَرْتُ م ِنك ُ ْم ل ََّم ّا ِ‬
‫خفْتُك ُ ْم ف َو َه َبَ ل ِي ر َب ِ ّى‬
‫ن ال ْم ُرسلين] وآتاها كذلك عيسى ليحكم‬
‫جعَلَن ِي م ِ َ‬
‫ح ُكْ مًا و َ َ‬
‫بين الناس كما جاء في سورة آل عمران <‪[8‬و َيُع َل ِّم ُه ُ‬

‫~‪~86‬‬
‫الْكِتاَبَ و َالْح ِ ْ‬
‫كم َة َ و َا َّلت ّوْر َاة َ و َال ِْإنج ِيل] ولهذا قال تعال في‬
‫الل ّه ُ ف ِيه ِ‬
‫ل َّ‬‫ل بِمَا أَ ن ْز َ َ‬
‫ل ال ِْإنْ ج ِي ِ‬
‫سورة المائدة;‪[8‬و َلْيَحْك ُ ْم أَ ه ْ ُ‬
‫سق ُونَ] فالل ّه‬ ‫الل ّه ُ ف َُأولَئ ِ َ‬
‫ك هُم ُ الْف َا ِ‬ ‫ل َّ‬ ‫وَم َنْ ل َ ْم َ‬
‫يحْك ُ ْم بِمَا أَ ن ْز َ َ‬
‫إذ ًا آتى محمدا ﷺ الحكم‪ ,‬كما آتاه موسى وعيسى معا‬
‫عليهما السلام‪ ,‬وهذا ثالث(ثلاثا من المثاني)‬

‫‪ -8‬والل ّه تعالى آتى محمدا ﷺ الفرقان كما جاء في سورة‬


‫ن‬ ‫الفرقان‪َ[5‬تبَارَك َ ال َّ ّذ ِي ن ََّز ّ َ‬
‫ل الْفُر ْقَانَ عَلَى عَبْدِه ِ لِيَكُو َ‬
‫لِلْع َالم َي ِنَ نَذِير ًا] وآتاه موسى وهارون معا كما جاء في‬
‫ن‬
‫ن الْفُر ْقَا َ‬
‫سورة الأنبياء<‪[8‬و َلَق َ ْد ءَاتَي ْنَا م ُوس َى و َه َار ُو َ‬
‫وَضِيَاء ً وَذِك ْرًا لِّل ْم َُّت ّق ِين] فالل ّه تعالى إذ ًا آتى محمدا ﷺ‬
‫الفرقان‪ ,‬كما آتاه موسى وهارون معا عليهما السلام‪,‬‬
‫وهذا رابع(أربعا من المثاني)‬

‫‪ -9‬والل ّه تعالى آتى محمدا ﷺ الهدى كما جاء في سورة‬


‫ك الْكِتاَبُ ل َا ر َي ْبَ ف ِيه ِ هُدًى لِّل ْم َُّت ّق ِين] وآتى‬
‫البقرة‪[5‬ذَل ِ َ‬
‫موسى الهدى كما جاء في سورة المائدة‪[88‬إ َّن ّا أَ نزَلْنَا‬

‫~‪~87‬‬
‫ا َّلت ّوْر َاة َ ف ِيهَا هُدًى] وجاء كذلك في سورة غافر‪[97‬و َلَق َ ْد‬
‫ءَاتَي ْنَا م ُوس َى ال ْهُد َى] وآتى عيسى الهدى كذلك كما جاء‬
‫ل ف ِيه ِ هُدًى] فالل ّه‬
‫في سورة المائدة‪[8:‬و َآتَي ْن َاه ُ ال ِْإنج ِي َ‬
‫تعالى إذ ًا آتى محمدا ﷺ الهدى‪ ,‬كما آتاها موسى وعيسى‬
‫معا عليهما السلام‪ ,‬وهذا خامس(خمسا من المثاني)‬

‫‪ -:‬والل ّه تعالى آتى محمدا ﷺ البي ّنات كما جاء في سورة‬


‫ل ي َأْ تِي م ِنْ بَعْدِي اسْم ُه ُ أَ حْمَد ُ فَل ََّم ّا‬
‫الصف‪[:‬وم ُبَش ِّر ًا ب ِرَسُو ٍ‬
‫ن] وكما جاء في سورة‬ ‫ات قَالُوا هَذ َا سِ ح ْر ٌ م ُبِي ٌ‬
‫ج َاءَه ُ ْم ب ِال ْبَي ِّن َ ِ‬
‫الل ّه َ يَهْدِي‬
‫ن َّ‬‫ات و َأَ َّ ّ‬
‫َات بَي ِّن َ ٍ‬
‫ك أَ ن ْزَلْنَاه ُ آي ٍ‬
‫الحج‪[5:‬وَكَذَل ِ َ‬
‫م َنْ يُر ِيد] وآتاها تعالى موسى عليه السلام كما جاء في‬
‫سورة البقرة‪[=6‬و َلَق َ ْد ج َاءَك ُ ْم م ُوس َى ب ِال ْبَي ِّن َ ِ‬
‫ات ث َُّم ّ َّاتّ خ َ ْذت ُم ُ‬
‫ل م ِنْ بَعْدِه ِ و َأَ ن ْتُم ْ ظَالم ُِونَ] وآتاها كذلك عيسى عليه‬ ‫ال ْعِجْ َ‬
‫ن‬
‫السلام كما جاء في سورة البقرة‪[697‬و َآتَي ْنَا ع ِيس َى اب ْ َ‬
‫ات] فالل ّه تعالى آتى محمدا ﷺ البينات‪ ,‬وآتاها‬
‫م َْر ي َم َ ال ْبَي ِّن َ ِ‬

‫~‪~88‬‬
‫موسى وعيسى معا عليهما السلام‪ ,‬وهذا سادس(ستا من‬
‫المثاني)‬

‫;‪ -‬والل ّه تعالى آتى محمدا سلطانا كما جاء في سورة‬


‫خر ِجْ ن ِي‬
‫ق و َأَ ْ‬
‫ص ْد ٍ‬
‫ل ِ‬ ‫الإسراء‪[<4‬و َقُل َّرّ ِّ‬
‫ب أَ ْدخِلْن ِي م ُ ْدخ َ َ‬
‫ك سُلْطَان ًا َّن ّصِ ير ًا] وآتاه‬
‫ق و َاجْ ع َل ل ِ ّي م ِن ل َّ ّدُن َ‬
‫ص ْد ٍ‬
‫ج ِ‬
‫مخ ْر َ َ‬
‫ُ‬
‫كذلك موسى كما جاء في سورة النساء‪[597‬و َآتَي ْنَا‬
‫م ُوس َى سُلْطَان ًا ُمّب ِينًا] وآتاه كذلك هارون كما جاء في‬
‫ل‬
‫نجْع َ ُ‬
‫ك وَ َ‬ ‫ل سَنَش ُ ُ ّد ع َ ُ‬
‫ضدَك َ ب ِأَ خِي َ‬ ‫سورة القصص‪[79‬قَا َ‬
‫ن ا َّت ّبَع َ ُ‬
‫كمَا‬ ‫كمَا ب ِآي َاتنَِا أَ نْتم َُا وَم َ ِ‬
‫ن ِإلَي ْ ُ‬
‫كمَا سُلْطَان ًا فَلَا يَصِ لُو َ‬
‫لَ ُ‬
‫ن] وكما جاء كذلك في سورة المؤمنون ‪[89‬ث َُّم ّ‬
‫الْغ َالِب ُو َ‬
‫ن م ُبِينٍ] فالل ّه‬
‫أَ ْرسَل ْنَا م ُوس َى و َأَ خ َاه ُ ه َار ُونَ ب ِآي َاتنَِا وَسُلْط َا ٍ‬
‫إذ ًا آتى محمدا ﷺ سلطانا‪ ,‬وآتاه موسى وهارون معا‬
‫عليهما السلام‪ ,‬وهذا سابع(سبعا من المثاني)‪.‬‬

‫ن ال ْمَثَان ِي]‬
‫سبْع ًا مّ ِ َ‬
‫فالل ّه تعالى عندما قال[و َلَق َ ْد آتَي ْن َاك َ َ‬
‫تابع سبحانه قائلا[و َالقُر ْآنَ الْعَظ ِيم َ] وذلك دلالة على‬

‫~‪~89‬‬
‫إضافة شيء آخر لم يؤته أحدا من قبله‪ ,‬وهو القرآن‪,‬‬
‫ولهذا جاء به منفردا‪ ,‬وكلمة القرآن هي دلالة على‬
‫الطر يقة التي أوحى بها سبحانه لمحمد ﷺ والتي تختلف‬
‫عن الطرق الأخرى التي أوحى بها للرسل من قبله‪,‬‬
‫وكلمة العظيم دلالة على الرحمة التي جاء بها هذا القرآن‪,‬‬
‫وهي وضع الإصر الذي جاءت به الصحف الأولى‪,‬‬
‫ولهذا أضاف تعالى القرآن العظيم لسبع من المثاني‪.‬‬

‫ن ال ْمَثَان ِي] فهو‬


‫سبْع ًا مّ ِ َ‬
‫وعندما قال تعالى[و َلَق َ ْد آتَي ْن َاك َ َ‬
‫بيّن سبحانه بأن هناك أشياء أخرى آتاها لنبيّين معا لم‬
‫يؤتها محمدا ﷺ ولهذا لم يقل(السبع المثاني)ول كن قال‬
‫ن ال ْمَثَان ِي] ثم تابع تعالى قائلا في الآية‬
‫سبْع ًا مّ ِ َ‬
‫تعالى[ َ‬
‫ك ِإلَى م َا م ََّت ّعْنَا بِه ِ أَ ْزو َاج ًا مِّنْه ُ ْم وَل َا‬ ‫التالية[ول َا تَم ُ َّ ّد َّ ّ‬
‫ن عَي ْنَي ْ َ‬
‫ك لِلْمُؤْم ِنِينَ] فهو سبحانه‬
‫تح ْز َ ْن عَلَيْه ِ ْم و َاخْ ف ِْض جَنَاح َ َ‬
‫َ‬
‫مت ّع أزواجا من النبيين‪ ,‬أي اثنين من النبيين بأشياء‬
‫مختلفة بينهما‪ ,‬ولهذا قال تعالى [أَ ْزو َاج ًا] ولم يقل(مثنى)‬

‫~‪~91‬‬
‫بما لم يُمت ّع به محمدا ﷺ ولهذا تابع قائلا[مِّنْه ُ ْم] أي‬
‫ك ِإلَى م َا م ََّت ّعْنَا‬ ‫النبيين‪ ,‬ولهذا قال تعالى[ول َا تَم ُ َّ ّد َّ ّ‬
‫ن عَي ْنَي ْ َ‬
‫بِه ِ أَ ْزو َاج ًا مِّنْه ُ ْم] يعني أن الل ّه تعالى أمر محمدا ﷺ بأن‬
‫لا يهتم بما مت ّع به أزواجا‪ ,‬أي اثنين من النبيين من قبله‬
‫بأشياء مختلفة بينهما‪ ,‬ومن بين هؤلاء الأزواج‪ ,‬سليمان‬
‫وداوود‪ ,‬كما جاء في سورة النمل‪[59‬و َلَق َ ْد آتَي ْنَا د َاو ُود َ‬
‫وَسُلَيْم َانَ ع ِلْمًا و َقَال َا ا ْلحم َْد ُ ل َِّل ّه ِ ال َّ ّذ ِي ف ََّضّ لَنَا عَلَى كَث ِيرٍ م ِنْ‬
‫َب‬
‫ل ر ِّ‬
‫عِبَادِه ِ ال ْمُؤْم ِنِينَ] وكما جاء في سورة ص‪[79‬قَا َ‬
‫اغْفِر ْ ل ِي و َه َْب ل ِي م ُلْك ًا ل َا يَن ْبَغ ِي ل ِأَ حَدٍ م ِنْ بَعْدِي ِإ َّن ّ َ‬
‫ك‬

‫تجْرِي ب ِأَ ْمرِه ِ رُخ َاء ً‬‫أَ ن ْتَ ال ْو َ َّه ّابُ ‪03‬فَس ََّخّ ر ْن َا لَه ُ الر ِّيح َ َ‬
‫ل ب ََّن ّاء ٍ وَغ َ َّو ّاص‪05‬‬ ‫شي َاطِينَ ك ُ َّ ّ‬ ‫حي ْثُ أَ صَابَ ‪04‬و َال َّ ّ‬ ‫َ‬
‫ن مُق ََّر ّنِينَ فِي الْأَ صْ ف َاد‪06‬هَذ َا عَطَاؤ ُن َا فَامْن ُ ْن أَ ْو‬
‫و َآخَر ِي َ‬
‫َاب] وكذلك في سورة سبأ‪[54‬و َلَق َ ْد‬
‫حس ٍ‬‫أَ ْمسِكْ بِغَيْر ِ ِ‬
‫طيْر َ و َأَ ل ََّن ّا لَه ُ‬
‫ل أَ وِّ بِي مَع َه ُ و َال َّ ّ‬
‫آتَي ْنَا د َاو ُود َ م َِّن ّا ف َضْ ل ًا ي َا جِبَا ُ‬
‫الْحَدِيد َ] وكما نرى‪ ,‬ما مت ّع به تعالى سليمان ليس هو‬
‫نفس الشيء الذي متع به داوود‪ ,‬ولهذا استعمل‬

‫~‪~91‬‬
‫سبحانه كلمة زوج وليس مثنى‪ ,‬وكل هذا الفضل الذي‬
‫آتاه تعالى سليمان وداوود‪ ,‬هو من متاع الحياة الدنيا‪,‬‬
‫والذي لم يؤته محمدا ﷺ ولهذا قال تعالى[ول َا تَم ُ َّ ّد َّ ّ‬
‫ن‬
‫ك ِإلَى م َا م ََّت ّعْنَا بِه ِ أَ ْزو َاج ًا مِّنْه ُ ْم] ثم تابع قوله‬
‫عَي ْنَي ْ َ‬
‫ك لِلْمُؤْم ِنِينَ] وهنا‬
‫تح ْز َ ْن عَلَيْه ِ ْم و َاخْ ف ِْض جَنَاح َ َ‬
‫تعالى[وَل َا َ‬
‫أمر سبحانه رسوله بأن لا يحزن على النبيين من قبله‬
‫الذين آتاهم من فضله تعالى‪ ,‬ولم يؤته هو‪ ,‬ولهذا قال‬
‫الل ّه ُ بِه ِ‬
‫ل َّ‬ ‫تعالى في سورة النساء‪[76‬وَل َا تَتمَ ََّن ّو ْا م َا ف ََّضّ َ‬
‫يب م َِّم ّا اكْ تَسَب ُوا وَلِلنِّس َاء ِ‬ ‫ل نَصِ ٌ‬ ‫ض لِلرِ ّج َا ِ‬
‫ضك ُ ْم عَلَى بَعْ ٍ‬
‫بَعْ َ‬
‫ن‬
‫الل ّه َ ك َا َ‬
‫ن َّ‬‫الل ّه َ م ِنْ ف َضْ لِه ِ ِإ َّ ّ‬
‫يب م َِّم ّا اكْ تَس َبْنَ و َاسْ أَ لُوا َّ‬
‫نَصِ ٌ‬
‫ل شَيْء ٍ عَلِيم ًا]‬ ‫بِك ُ ّ ِ‬

‫فعندما قال تعالى في سورة النحل=<[و َن ََّز ّل ْنَا عَلَي ْ َ‬


‫ك‬
‫ل شَيْء ٍ و َهُدًى وَرَحْم َة ً و َبُشْر َى‬‫الْكِتَابَ تِب ْيَان ًا لِك ُ ّ ِ‬
‫لِلْمُسْل ِمِينَ] فذلك ل كي لا نحتاج لأيّ كتاب آخر‪ ,‬ول كي‬
‫لا نُضل بأهوائنا بغير علم من كتابه سبحانه‪ ,‬ولهذا قال‬

‫~‪~92‬‬
‫كذلك في سورة يوسف‪[555‬م َا ك َانَ حَدِيث ًا يُفْتَر َى‬
‫ل ش َيء‬ ‫ق ال َّ ّذ ِي بَيْنَ يَد َيْه ِ و َتَفْصِ ي َ‬
‫ل ك ُ ِّ‬ ‫و َل َكِن تَصْ دِي َ‬
‫و َهُدًى وَرَحْم َة ً لِّقَو ْ ٍم يُؤْم ِن ُون] فهو سبحانه صدق قوله‪,‬‬
‫وهو أصدق القائلين‪ ,‬فقد بيّن كل شيء وفصّ له تفصيلا‪,‬‬
‫ولا يمكن أن نعلمه إلا ّ إذا نحن اتبعنا القواعد التي أنزل‬
‫تعالى في كتابه لتدبر القرآن‪ ,‬وأولها اللسان العربي‪.‬‬

‫فالسبع من المثاني التي آتاها الل ّه تعالى محمدا ﷺ هي >‬


‫الكتاب‪ ,‬والحكم‪ ,‬والنبوة‪ ,‬والفرقان‪ ,‬والهدى‪ ,‬والبينات‪,‬‬
‫وسلطان مبين‪.‬‬

‫والل ّه هو العليم الحكيم الخبير‪.‬‬

‫~‪~93‬‬
‫كهما وجدوا اختالفا في تفسير آيت ما‪ ،‬أو‬
‫كان تفسيرها يىاقض تفسير آيت أخري‪ ،‬أو‬
‫يىافض انمىطق أو إوساويت انبشر أو رحمت‬
‫انرحمان وعدنه‪ ،‬وجب عهيىا حيىها أن‬
‫وتجرد مه كم تقديس ألقىال آبائىا‪ ,‬وإعادة‬
‫انىظر في تدبرها نكي وصحح األخطاء انتي‬
‫أدث نتهك االختالفاث أو انتىاقضاث‪.‬‬

‫~‪~94‬‬

You might also like