Professional Documents
Culture Documents
Muqoror Tafsir Ayat Ahkam 1
Muqoror Tafsir Ayat Ahkam 1
صبع وترتيب
جوكو نور سيو وردي
مدير معهد دار النحاة المونغاف جاوى الشرقية
1مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
2مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
ِ
الفاربة سورةُ
الرِحي ِم (ٖ) مالِ ِ اْلم ُد لِلَّ ِو ر ِّ ِ الر ْضب ِن َّ ِ ِ
بِ ْس ِم اللَّو َّ َ
ك َ الر ْضبَ ِن َّ
ُت (ٕ) َّ ب الْ َعالَم َ َ الرحي ِم (ٔ) َْ ْ
يم (ِ )ٙصَرا َط ِ ُت (٘) ْاى ِدنَا ِّ اؾ نػَعب ُد وإِيَّ َ ِ ِ ِ
الصَرا َط الْ ُم ْستَق َ اؾ نَ ْستَع ُ يػَ ْوـ الدِّي ِن (ٗ) إيَّ َ ْ ُ َ
ض ِ َّ ِ
ُت ()ٚ وب َعلَْي ِه ْم َوَال الضَّالِّ َ ت َعلَْي ِه ْم َغ َِْت الْ َم ْغ ُ
ين أَنْػ َع ْم َ
الذ َ
التحليل اللفظي
{اْلمد للَّ ِو} :اْلمد ىو الثناء باجلميل على جهة التعظيم والتبجيل .قاؿ القرطيب:
اْلمد يف كبلـ العرب معناه :الثناء الكامل ،واأللف والبلـ الستغراؽ اجلنس ،فهو -
سبحانو -يستحق اْلمد بأصبعو ،والثناء املطلق .واْلمد نقيض الذـ .وىو أعم من
الشكر ،ألف الشكر يكوف مقابل النعمة خببلؼ اْلمد ،تقوؿ :ضبدت الرجل على
شجاعتو ،وعلى علمو ،وتقوؿ :شكرتو على إحسانو .واْلمد يكوف باللساف ،و ّأما
الشكر فيكوف بالقلب ،واللساف ،واجلوارح .قاؿ الشاعر:
أفادتكم النعماء منّي ثالثة ...يدي ولساني والضمير المحجبّا
وذىب الطربي :إذل أف اْلمد والشكر دبعٌت واحد سواء ،ألنك تقوؿ :اْلمد هلل
شكراً.
قاؿ القرطيب :وما ذىب إليو الطربي ليس دبرضي ،ألف اْلمد ثناء على املمدوح بصفاتو
الشكر ثناءٌ على املمدوح دبا أوذل من اإلحساف ،وعلى ىذا من غَت سبق إحساف ،و ُ
أعم من الشكر. يكوف {اْلمد} ّ
الرب يف اللغة :مصد دبعٌت الًتبية ،وىي إصبلح شؤوف الغَت ،ورعاية ب العاملُت} ّ : {ر ِّ
َ
مسي (الربانيوف)
أمره ،قاؿ اهلروي :يقاؿ ملن أقاـ بإصبلح شيء وإسبامو :قد ربّو ،ومنو ّ
رب فبل ٌف ولده يربّو تربية أي ربّاه ،واملربوف :صبع الصحاح» ّ : لقيامهم بالكتب .ويف « ّ
املرّب.
ّ
3مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
الرب على
مشتق من الًتبية ،فهو سبحانو وتعاذل مدبّر خللقو ومربيّهم ،ويطلق ّ الربٌ : وّ
ورب
رب اإلبلّ ، معاف وىي( :املَالك ،واملصلح ،واملعبود ،والسيّد املطاع) تقوؿ :ىذا ّ
الدار ،أي مالكها ،وال يقاؿ يف غَت اهلل إال باإلضافة ،ففي اْلديث الشريف« :ال يقل
دي وموالي» .رّب ،وليقل سيّ ّ
وض ْيء ربّك ،وال يقل أحدكم ّ أطعم ربّكّ ،
أح ُدكمْ :
الرب :املعبود،
و ّ
{العاملُت} :صبع عا َدل ،والعادل :اسم جنس ال واحد لو من لفظو كالرىط واألناـ .قاؿ
أبو السعود :العا َدل :اسم ملا يعلم بو كاخلامت والقالب ،غلب فيما يعلم بو الصانع تبارؾ
وتعاذل من املصنوعات.
فأما
قاؿ ابن اجلوزي :العادل عند أىل العربية :اسم للخلق من مبدئهم إذل منتهاىمّ ،
أىل النظر ،فالعا َدل عندىم :اسم يقع على الكوف الكلّي املحدث من فلَكٍ ،
ومساء، َْ ٌ
ُ
أرض وما بُت ذلك ويف اشتقاؽ العا َدل قوالف:و ٍ
يقوي قوؿ أىل اللغة. أحدشما :أنو من العلم ،وىو ّ
يقوي قوؿ أىل النظر. والثاين :أنو من العبلمة ،وىو ّ
داؿ على وجود الصانع ،املدبّر ،اْلكيم كما قاؿ الشاعر: فكل ما يف ىذا الكوف ّ ُ
فيا عجباً كيف يػُ ْعصى اإللو ...أـ كيف َْصمحده اجلاحد
ٍ
وتسكينة أبداً شاىد وهلل يف كل ربريكة ...
تدؿ على أنّو واحد
ويف كل شيء لو آية ّ ...
الفراء وأبو
اجلن ،واملبلئكة) .وقاؿ ّ
رب اإلنس ،و ّ (رب العاملُت أي ّ قاؿ ابن عباسّ :
اجلن ،واملبلئكة،
عبيدة :العا َدلُ عبارة عمن يعقل ،وىم أربعة أمم( :اإلنس ،و ّ
والشياطُت) وال يقاؿ للبهائم :عا َدل ألف ىذا اجلمع صبع من يعقل خاصةً ،قاؿ
األعشى( :ما إف مسعت دبثلهم يف العاملُت) .
4مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
اجلن عادل،
كل صنف من أصناؼ اخلبلئق عادلٌ ،فاإلنس عادل ،و ّ وقاؿ بعض العلماءّ :
رب العاملُت
واملبلئكة عادل ،والطَت عادل ،والنبات عادل ،واجلماد عادل . .اخل فقيلّ :
ليشمل صبيع ىذه األصناؼ من العوادل.
{الرضبن الرحيم} :امساف من أمسائو تعاذل مشتقاف من الرضبة ،ومعٌت{الرضبن} :املنعم
مبٍت على املبالغة،
جببلئل النعم ،ومعٌت {الرحيم} :املنعم بدقائقها .ولفظ {الرضبن} ّ
ومعناه :ذو الرضبة اليت ال نظَت لو فيها ،ألف بناء (فعبلف) يف كبلمهم للمبالغة ،فإهنم
يقولوف للشديد االمتبلء :مآلف ،وللشديد الشبَع :شبعاف.
قاؿ اخلطّاّب :ؼ {الرضبن} ذو الرضبة الشاملة اليت وسعت اخللق يف أرزاقهم
وعمت املؤمن والكافر.
ومصاْلهمّ ،
{وَكا َف باملؤمنُت َرِحيماً} [األحزاب: و {الرحيم} خاص للمؤمنُت كما قاؿ تعاذلَ :
ٖٗ] .
جل وعبل ،خببلؼ وال صموز إطبلؽ اسم (الرضبن) على غَت اهلل تعاذل ألنو خمتص بو ّ
يم} [التوبة: الرحيم فإنو يطلق على املخلوؽ أيضاً قاؿ تعاذل{ :باملؤمنُت رء ٌ ِ
وؼ َّرح ٌ َُ
خمتص باهلل َعَّز َو َج َّل ،ال صموز أف
أكثر العلماء على أف الرضبن ّ ]ٕٔٛقاؿ القرطيب« :و ُ
يسمى بو غَته ،أال تراه قاؿ{ :قُ ِل ادعوا اهلل أَ ِو ادعوا الرضبن} [اإلسراءَ ]ٔٔٓ :
فعادؿ ّ
وف الرضبن ِآهلَةً يػُ ْعبَ ُدو َف} [الزخرؼ:
االسم الذي ال ي ْشركو فيو غَته{ :أَجع ْلنَا ِمن د ِ
ُ ََ َ
وعز ،وقد ذباسر (مسيلمة الكذاب) لعنو جل ّ ٘ٗ] فأخرب الرضبن ىو املستحق للعبادة ّ
مسامعو نعت الك ّذاب ،فألزمو يتسم بو حىت قرع َ اهلل فتسمى ب (رضباف اليمامة) ودل ّ
اهلل ذلك حىت صار ىذا الوصف ملسيلمة َعلَماً يُعرؼ بو» .
تصرؼ ِ
املتصرؼ يف يوـ الدينّ ، {يَػ ْوـ الدين} :يوـ اجلزاء واْلساب ،أي أنو سبحانو ّ
الدين يف اللغة :اجلزاءُ ،ومنو قولو عليو السبلـ« :إفعل ما شئت كما املالك يف ملكو ،و ُ
5مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
ويوـ
الدين :اجلزاء واملكافأةُ ، تدين تداف» أي كما تفعل ذبزى .قاؿ يف «اللساف» :و ُ
الدين :يوـ اجلزاء .وقولو تعاذل{ :أَإِنَّا لَ َم ِدينُو َف} [الصافات ]ٖ٘ :أي جمزيّوف
حماسبوف ،ومنو الديّاف يف صفة اهلل َعَّز َو َج َّل قاؿ لبيد:
حصادؾ يوماً ما زرعت وإسما ...يُداف الفىت يوماً كما ىو دائن
نذؿ وزمشع ونستكُت ،ألف العبودية معناىا :الذلّة واالستعانة، نعبدّ : {إِيَّ َ
اؾ نَػ ْعبُ ُد} ُ :
مأخوذ من قوهلم :طريق معبّد أي مذلّل وطئتو األقداـ ،وذلّلتو بكثرة الوطء ،حىت
أصبح دمهداً.
ثوب ذو َعبَدة إذا كاف يف قاؿ الزخمشري :العبادة أقصى غاية اخلضوع والتذلل ،ومنو ٌ
غاية الصفاقة وقوة النسج ،ولذلك دل تستعمل إالّ يف اخلضوع هلل تعاذل ،ألنو موذل
أعظم النعم .فكاف حقيقاً بأقصى غاية اخلضوع.
اللهم نذؿ وزمضع وزمصك بالعبادة ألنك املستحق لكل تعظيم وإجبلؿ، واملعٌت :لك ّ
وال نعبد أحداً سواؾ.
ِ {وإِيَّ َ
ُت} :االستعانة :طلب العوف ،قاؿ الفراء :أعنتوُ إعانةً ،واستعنتوُ اؾ نَ ْستَع ُ َ
علي ،ورجل معواف :كثَت اإلعانة للناس، ن واستعنت بو ،ويف الدعاء :رب أعٍت وال تُعِ
ّ ْ ّ ّ
ويف حديث ابن عباس( :إذا سألت فاسأؿ اهلل ،وإذا استعنت فاستعن باهلل)
واملعٌت :إيّاؾ ربنا نستعُت على طاعتك وعبادتك يف أمورنا كلها ،فبل ظملك القدرة على
عوننا أحد سواؾ ،وإذا كاف من يكفر بك يستعُت بسواؾ ،فنحن ال نستعُت إال بك.
{اىدنا} :فعل دعاء ومعناه :دلّنا على الصراط املستقيم ،وأرشدنا إليو ،وأرنا طريق
ىدايتك املوصلة إذل أنْسك وقُربك.
اى ْم فاستحبوا العمىود فَػ َه َديْػنَ ُ
{وأ ََّما َشبُ ُ
واهلداية يف اللغة :تأيت دبعٌت الداللة كقولو تعاذلَ :
َعلَى اهلدى} [فصلت ]ٔٚ :وتأيت دبعٌت اإلرشاد وسبكُت اإلظماف يف القلب كما قاؿ
6مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
ت ولكن اهلل يَػ ْه ِدي َمن يَ َشآءُ [ } ...القصص: َحبَْب َ
ِ
ك الَ تَػ ْهدي َم ْن أ ْتعاذل{ :إِنَّ َ
. ]٘ٙ
ك لتهدي إذل ِصر ٍ فالرسوؿ صلَّى اللَّو علَي ِو وسلَّمَ ٍ
اط َ {وإِنَّ َ
داؿ على اهلل َ
ىاد دبعٌت أنو ّ ُ َْ ََ َ
ُّم ْستَ ِقي ٍم} [الشورى ]ٕ٘ :ولكنو ال يضع اإلظماف يف قلب اإلنساف .وفعل ىدى يتعدى
اط اجلحيم} [الصافات]ٕٖ : ب (إذل) وب (البلـ) كقولو تعاذل{ :فاىدوىم إذل ِصر ِ
َ
وقولو{ :اْلمد للَّ ِو الذي َى َدانَا هلذا} [األعراؼ ]ٖٗ :وقد يتع ّدى بنفسو كما ىنا
{اىدنا الصراط} .
(السراط) من االسًتاط دبعٌت يق ،وأصلو بالسُت ّ الصراط :الطر ُ {الصراط املستقيم} ّ :
مسي بذلك أل ّف الطريق كأنو يبتلع السالك. االبتبلعّ ،
الزراط :الطريق قاؿ الشاعر:
السراط ،و ّ الصراط ،و ّقاؿ «اجلوىري» ّ :
الصراط ...أي على وضح الطريق. ِ
وأضبلهم على َوضح ّ
{وأ َّ
َف {املستقيم} :الذي ال عوج فيو وال ارمراؼ ،ومنو قولو تعاذلَ :
يسمى ِ ِ ِ
كل ما ليس فيو اعوجاج ّ ىذا صَراطي ُم ْستَقيماً فاتبعوه [ } ...األنعاـ ]ٖٔ٘ :و ّ
مستقيماً.
ومعٌت اآلية :ثبّتنا يا أهلل على اإلظماف ،ووفقنا لصاحل األعماؿ ،واجعلنا دمن سلك طريق
اإلسبلـ ،املوصل إذل جنّات النعيم.
أنعمت عينَو أي سررهتا، ُ تقوؿ:
لُت العيش ورغدهُ ، ت َعلَْي ِه ْم} :النعمةُُ : {أَنْػ َع ْم َ
بالغت يف التفضيل عليو ،واألصل فيو أف يتع ّدى بنفسو ،تقوؿ( :أنعمتُو) أنعمت عليو ُ و ُ
تأي جعلتو صاحب نعمة ،إالّ أنو ملّا ضم ِن معٌت التفضل عليو ع ّدي بعلى {أَنْػ َع ْم َ
َعلَْي ِه ْم} .
7مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
قاؿ ابن عباس :ىم النبيّوف ،والص ّديقوف ،والشهداء ،والصاْلوف ،وإذل ىذا ذىب
{وَمن يُ ِط ِع اهلل والرسوؿ فأولئك َم َع املفسرين ،وانتزعوا ذلك من قولو تعاذلَ : صبهور ّ
الذين أَنْػ َع َم اهلل َعلَْي ِهم ِّم َن النبيُت والصديقُت والشهدآء والصاْلُت َو َح ُس َن أولئك
َرفِيقاً} [النساء. ]ٜٙ :
ب ِّم َن اهلل} [آؿ ضٍ{وبَآءُوا بِغَ َ
{املغضوب َعلَْيهم} :ىم اليهود لقولو تعاذل فيهمَ :
ِ
ب َعلَْي ِو َو َج َع َل ِمْنػ ُه ُم القردة واخلنازير ِ عمراف ]ٕٔٔ :وقولو تعاذلَّ َ :
{من ل َعنَوُ اهلل َو َغض َ
[ } ...املائدة. ]ٙٓ :
{الضآلُت} :الضبلّؿ يف كبلـ العرب ىو الذىاب عن َسنَن القصد ،وطريق اْلق،
ضل اللنب يف املاء أي غاب ،قاؿ تعاذل: واالرمراؼ عن النهج القوًن ،ومنو قوهلمّ :
ضلَلْنَا ِيف األرض [ } ...السجدة ]ٔٓ :أي غبنا باملوت فيها وصرنا ِ
{وقالوا أَءذَا َ
تراباً ،وقاؿ الشاعر:
اْلي املضلّل أين ساروا يار ...عن ّ فتخربؾ ال ّد ُ
أدل تسأؿ ْ
ضلُّواْ ِ ِ
َضلُّواْ َكثَتاً َو َ
ضلُّواْ من قَػْب ُل َوأ َ
واملراد بالضالُت (النّصارى) لقولو تعاذل فيهم{ :قَ ْد َ
املفسرين :األوذل أف ُضممل {املغضوب بعض وقاؿ . ]ٚٚ [املائدة: السبيل} عن س و ِ
آء
ّ َ ََ
وضممل {الضالّوف} كل من أخطأ يف األعماؿ الظاىرة وىم ال ُفساؽُ ، ِ
َعلَْيهم} على ّ
عاـ ،والتقييد خبلؼ األصل ،واملنكروف على كل من أخطأ يف االعتقاد ،أل ّف اللفظ ٌ
أخبث ديناً من اليهود والنّصارى ،فكاف االحًتاز عن دينهم أوذل، ُ للصانع واملشركوف
وىذا اختيار اإلماـ الفخر.
املفسرين أف املغضوب عليهم اليهود ،والضالُت النصارى ،وجاء وقاؿ القرطيب« :صبهور ّ
(عدي بن حامت) وقصة ّ صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ يف حديث مفسراً عن النيب َ ذلك ّ
إسبلمو» .
8مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ وجب املصَت إليو.
صح ىذا عن رسوؿ اهلل َ وقاؿ أبو حياف :وإذا ّ
(آمُت) :كلمة دعاء وليست من القرآف الكرًن إصباعاً ،بدليل أهنا ال تكتب يف
املصحف الشريف ،ومعناىا :استجب دعاءنا يا رب.
سن بعد اخلتاـ أف يقوؿ القارئ (آمُت) ْلديث أّب ميسرة» أ ّف جربيل قاؿ األلوسي :ويُ ّ
ِ
{والَ الضآلُت} قاؿ لو :قل: صلَّى اللَّوُ َعلَْيو َو َسلَّمَ فاربة الكتاب ،فلما قاؿَ : أقرأ النيب َ
آمُت فقاؿ آمُت «.
قاؿ ابن األنباري :و ّأما (آمُت) فدعاء ،وليس من القرآف ،وىو اسم من أمساء األفعاؿ
اللهم استجب ،وفيو لغتاف :القصُر (أمُت) وامل ّد (آمُت) فاألوؿ على وزف ومعناهّ :
(فاعل) .(فعيل) والثاين على وزف ِ
قاؿ الشاعر:
ويرحم اهللُ عبداً قاؿ آميناً ُ أبداً ...
رب ال تسلُبَػ ٍّت حبها َ يا ّ
وقاؿ ابن زيدوف:
ص فقاؿ الدىرِ :آمنا غيظ العِ َدى من تساقينا اهلََوى فَ َد َع ْوا ...بأف نَػغَ َّ
وجوه اإلعراب
الرِحي ِم} اجلار واجملرور يف {بِس ِم اهلل} اختلف فيو النحويوف
أوالً{ :بِس ِم اهلل الرضبن َّ
على وجهُت:
أ -مذىب البصريُت :أنو يف موضع رفع ،ألنو خرب مبتدأ حمذوؼ ،وتقديره :ابتدائي
بسم اهلل.
ابتدأت بسم اهلل.
ُ ب -مذىب الكوفيُت :أنو يف موضع نصب بفعل مق ّدر وتقديره:
9مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
اْلمد مبتدأ ولفظ اجلبللة خربه تقديره: ب العاملُت} ُ ثانياً :قولو تعاذل{ :اْلمد للَّ ِو َر ِّ
ب العاملُت} صفة ،ومثلو {الرضبن الرحيم} و {مالك يَػ ْوِـ {ر ِّ
اْلمد مستحق هلل ،و َ
الدين} كلها صفات السم اجلبللة.
اؾ} فذىب املفسروف يف {إِيَّ َ اؾ نَػعب ُد وإِيَّ َ ِ ِ
ُت} اختلف ّ اؾ نَ ْستَع ُ ثالثاً :قولو تعاذل{ :إيَّ َ ْ ُ َ
احملققوف إذل أنو ضمَت منفصل منصوب بالفعل بعده وأصلو (نعبدؾ) و (نستعينك)
فلما قُ ّدـ الضمَت املتصل أصبح ضمَتاً منفصبلً ،والكاؼ للخطاب وال موضع هلا من
اإلعراب.
وذىب آخروف إذل أنو ضمَت مضاؼ إذل ما بعده ،وال يعلم ضمَت أضيف إذل غَته.
قاؿ أبو السعود :وما ّادعاه اخلليل من اإلضافة ،حمتجاً عليو دبا حكاه عن بعض
يعوؿ عليو .وذكر ابن فمما ال ّ ابّ ، العرب :إذا بلغ الرجل الستُت فإيّاه وإيّا الشو ّ
األنباري وجوىاً عديدة مثّ قاؿ :والذي اختاره األوؿ ،وقد بيّنا ذلك مستوىف يف كتابنا
املوسوـ ب «االنصاؼ يف مسائل اخلبلؼ» .
ت َعلَْي ِه ْم } ... ِ
رابعاً :قولو تعاذل{ :اىدنا الصراط املستقيم صَرا َط الذين أَنْػ َع ْم َ
{اىدنا} فعل دعاء وىو يتعدى إذل مفعولُت املفعوؿ األوؿ ىو ضمَت اجلماعة (ف) يف
إىدنا ،و {الصراط} ىو املفعوؿ الثاين ،و {املستقيم} صفة للصراط ،و { ِصَرا َط}
بدؿ من الصراط األوؿ.
خامساً :آمُت :اسم فعل أمر دبعٌت استجب.
األحكام الشرعية
11مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
أصبع العلماء على أف البسملة الواردة يف سورة النمل [ٖٓ] ىي جزء من آية يف قولو
تعاذل{ :إِنَّوُ ِمن ُسلَْي َما َف َوإِنَّوُ بِ ْس ِم اهلل الرضبن الرحيم} ولكنهم اختلفوا ىل ىي آية من
الفاربة ،ومن أوؿ كل سورة أـ ال؟ على أقواؿ عديدة:
األوؿ :ىي آية من الفاربة ،ومن كل سورة ،وىو مذىب الشافعي َرِضبَوُ اللَّوُ.
الثاين :ليست آية ال من الفاربة ،وال من شيء من سور القرآف ،وىو مذىب مالك
َرِضبَوُ اللَّوُ.
الثالث :ىي آية تامة من القرآف أُنزلت للفصل بُت السور ،وليست آية من الفاربة وىو
مذىب أبو حنيفة َرِضبَوُ اللَّوُ.
دليل الشافعية:
استدؿ الشافعية على مذىبهم بعدة أدلة نوجزىا فيما يلي:
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ أنو قاؿ« :إذا قرأمت اْلمد هللأوالً -حديث أّب ىريرة عن النيب َ
السبع
رب العاملُت ،فاقرؤوا بسم اهلل الرضبن الرحيم ،إهنا ّأـ القرآف ،و ّأـ الكتاب ،و ُ
أحد آياهتا» .
املثاين ،وبسم اهلل الرضبن الرحيم ُ
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ كاف ِ
ثانياً -حديث ابن عباس َرض َي اللَّوُ َعْنهما «أ ّف رسوؿ اهلل َ
يفتتح الصبلة ببسم اهلل الرضبن الرحيم» .
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ ِ
ثالثاً -حديث أنس َرض َي اللَّوُ َعْنو أنو سئل عن قراءة رسوؿ اهلل َ
ب العاملُت الرِحي ِم اْلمد للَِّو َر ِّ
فقاؿ :كانت قراءتو م ّداً . .مثّ قرأ {بِس ِم اهلل الرضبن َّ
الرضبن الرحيم مالك يَػ ْوِـ الدين . } ...
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ ذات ِ
رابعاً :حديث أنس َرض َي اللَّوُ َعْنو أنو قاؿ( :بينا رسوؿ اهلل َ
متبسماً ،فقلنا ما أضحكك يا رسوؿ يوـ بُت أظهرنا إذ أغفى إغفاؤة ،مثّ رفع رأسو ّ
11مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
الرِحي ِم إِنَّآ أ َْعطَْيػنَ َ
اؾ الكوثر علي آنفاً سورة ،فقرأ{ :بِس ِم اهلل الرضبن َّ اهلل؟ قاؿ :نزلت ّ
فَ ِ
ك ُى َو األبًت} [الكوثر. ]ٖ - ٔ : ك وارمر إِ َّف َشانِئَ َ
ص ِّل لَربِّ َ
َ
قالوا :فهذا اْلديث يدؿ على أف البسملة آية من كل سورة من سور القرآف أيضاً،
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ قرأىا يف سورة الكوثر.
بدليل أف الرسوؿ َ
خامساً :واستدلوا أيضاً بدليل معقوؿ ،وىو أف املصحف اإلماـ ُكتبت فيو البسملة يف
أوؿ الفاربة ،ويف أوؿ كل سورة من سور القرآف ،ما عدا سورة (براءة) ،وكتبت كذلك
يف مصاحف األمصار املنقولة عنو ،وتواتر ذلك مع العلم بأهنم كانوا ال يكتبوف يف
املصحف ما ليس من القرآف ،وكانوا يتش ّددوف يف ذلك ،حىت إهنم منعوا من كتابة
السور ،ومن اإلعجاـ ،وما ُوِجد من ذلك أخَتاً فقد كتب بغَت التعشَت ،ومن أمساء ّ
يتسرب إليو ما ليس منو ،فلما ط املصحف ،ودبداد غَت املداد ،حفظاً للقرآف أف ّ خّ
دؿ على أنو آية من كل سورة من وجدت البسملة يف سورة الفاربة ،ويف أوائل السور ّ
سور القرآف.
دليل المالكية:
واستدؿ املالكية على أف البسملة ليست آية من الفاربة ،وال من القرآف وإسما ىي للتربؾ
بأدلة نوجزىا فيما يلي:
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ ِ
أوالً :حديث عائشة َرض َي اللَّوُ َعْنها قالت« :كاف رسوؿ اهلل َ
رب العاملُت»
يفتتح الصبلة بالتكبَت ،والقراءة باْلمد هلل ِّ
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِويت خلف النيب َ ثانياً :حديث أنس كما يف «الصحيحُت» قاؿ« :صلّ ُ
َو َسلَّمَ وأّب بكر ،وعمر ،وعثماف ،فكانوا يستفتحوف باْلمد هلل رب العاملُت» .
ويف رواية ملسلم( :ال يذكروف (بسم اهلل الرضبن الرحيم) ال يف أوؿ قراءة وال يف آخرىا)
.
12مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
ثالثاً :ومن الدليل أهنا ليست آية من الفاربة حديث أّب ىريرة قاؿ :مسعت رسوؿ اهلل
ِ
عز وجل« :قسمت الصبلة بيٍت وبُت عبدي صلَّى اللَّوُ َعلَْيو َو َسلَّمَ يقوؿ :قاؿ اهلل ّ َ
نصفُت ،ولعبدي ما سأؿ.
ب العاملُت} .قاؿ اهلل تعاذل :ضبدين عبدي .وإذا قاؿ فإذا قاؿ العبد{ :اْلمد للَّ ِو َر ِّ
علي عبدي .وإذا قاؿ العبد{ :مالك العبد{ :الرضبن الرحيم} .قاؿ اهلل تعاذل :أثٌت ّ
إرل عبدي .-فإذا قاؿ: ض فو مرة وقاؿ - عبدي ين د جم تعاذل: اهلل قاؿ . الدين} ـيػوِ
ّ ّ ّ َْ
ُت} .قاؿ :ىذا بيٍت وبُت عبدي ،ولعبدي ما سأؿ .فإذا قاؿ: اؾ نَػعب ُد وإِيَّ َ ِ ِ
اؾ نَ ْستَع ُ {إيَّ َ ْ ُ َ
ت َعلَْي ِه ْم َغ َِْت املغضوب َعلَْي ِهم َوالَ ِ
{اىدنا الصراط املستقيم صَرا َط الذين أَنْػ َع ْم َ
الضآلُت} .قاؿ :ىذا لعبدي ولعبدي ما سأؿ» .
قالوا :فقولو سبحانو« :قسمت الصبلة» يريد الفاربة ،ومسّاىا صبلة ألف الصبلة ال
تصح إال هبا ،فلو كانت البسملة آية من الفاربة لذكرت يف اْلديث القدسي.
رابعاً :لو كانت البسملة من الفاربة لكاف ىناؾ تكرار يف {الرضبن الرحيم} يف وصفُت
وأصبحت السورة كاآليت( :بسم اهلل الرضبن الرحيم ،اْلد هلل رب العاملُت ،الرضبن
خمل بببلغة النظم اجلليل. الرحيم) وذلك ّ
خامساً :كتابتها يف أوائل السور إسما ىو للتربؾ ،والمتثاؿ األمر بطلبها والبدء هبا يف
أوائل األمور ،وىي وإف تواتر كتبُها يف أوائل السور ،فلم يتواتر كوهنا قرآناً فيها.
الصحيح من ىذه األقواؿ قوؿ مالك ،ألف القرآف ال يثبت بأخبار ُ قاؿ القرطيب« :
اآلحاد وإسما طريقوُ التواتر القطعي الذي ال طمتلف فيو.
قاؿ ابن العرّب :ويكفيك أهنا ليست من القرآف اختبلؼ الناس فيها ،والقرآف ال طمتلف
فيو .واألخبار الصحاح اليت ال مطعن فيها دالة على أف (البسملة) ليست بآية من
الفاربة وال غَتىا إالَّ يف النمل وحدىا.
13مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
يًتجح يف ذلك بوجو عظيم وىو املعقوؿ ،وذلك أف مسجد النيب مث قاؿ :إ ّف مذىبنا ّ
ومرت عليو األزمنة ،والدىور من َ َّ َّ ِ َّ
صلى اللوُ َعلَْيو َو َسلمَ باملدينة انقضت عليو العصورّ ،
ط (بسم اهلل صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ إذل زماف مالك ،ودل يقرأ أحد فيو ق ّ
لدف رسوؿ اهلل َ
يرد ما ذكرسبوه ،بيد أف أصحابنا استحبوا قراءهتا يف
للسنّة ،وىذا ّ الرضبن الرحيم) اتّباعاً ُ
النفل ،وعليو ُربمل اآلثار الواردة يف قراءهتا أو على
السعة يف ذلك «.
دليل الحنفية:
وأما اْلنفية :فقد رأوا أ ّف كتابتها يف (املصحف) يدؿ على أهنا قرآف ولكن ال يدؿ على
أهنا آية من سورة ،واألحاديث الواردة اليت تدؿ على عدـ قراءهتا جهراً يف الصبلة مع
الفاربة تدؿ على أهنا ليست من الفاربة ،فحكموا بأهنا آية من القرآف تامة -يف غَت
سورة النمل -أنزلت للفصل بُت السور.
ودما يؤيد مذىبهم :ما روي عن الصحابة أهنم قالوا »:كنا ال نعرؼ انقضاء السور
حىت تنزؿ (بسم اهلل الرضبن الرحيم) ،وكذلك ما روي عن ابن عباس َر ِض َي اللَّوُ َعْنهما
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ كاف ال يعرؼ فصل السورة حىت ينزؿ عليو «بسم
أف رسوؿ اهلل َ
اهلل الرضبن الرحيم» .
قاؿ اإلماـ أبو بكر الرازي« :وقد اختلف يف أهنا آية من فاربة الكتاب أـ ال ،فع ّدىا
ّقراء الكوفة آية منها ،ودل يع ّدىا ّقراء البصريُت ،وقاؿ الشافعي :ىي آية منها وإ ْف تركها
أعاد الصبلة ،وحكى شيخنا (أبو اْلسن الكرخي) عدـ اجلهر هبا ،وألهنا إذا دل تكن
من فاربة الكتاب فكذلك حكمها يف غَتىا ،وزعم الشافعي أهنا آية من كل سورة،
وما سبقو إذل ىذا القوؿ أحد ،ألف اخلبلؼ بُت السلف إسما ىو يف
14مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
أهنا آية من (فاربة الكتاب) أو ليست بآية منها ،ودل يع ّدىا أحد آية من سائر السور»
.
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو
مث قاؿ« :ودما يدؿ على أهنا ليست من أوائل السور ،ما روي عن النيب َ
َو َسلَّمَ أنو قاؿ :سورة يف القرآف ثبلثوف آية شفعت لصاحبها حىت غفر لو {تَػبَ َارَؾ
القراء وغَتىم أهنا ثبلثوف سوى (بسم اهلل ِ ِِ
الذي بيَده امللك} [امللك » ]ٔ :واتفق ّ
صلَّى الرضبن الرحيم) فلو كانت منها كانت إحدى وثبلثُت وذلك خبلؼ قوؿ النيب َ
اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ .ويدؿ عليو أيضاً اتفاؽ صبيع ّقراء األمصار وفقهائهم على أف سورة
(الكوثر) ثبلث آيات ،وسورة (اإلخبلص) أربع آيات ،فلو كانت منها لكانت أكثر
دمّا ع ّدوا «.
15مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
قاؿ ابن اجلوزي يف «زاد املسَت» :وقد اختلف العلماء ىل البسملة ،من الفاربة أـ ال؟
فأما من قاؿ :إهنا من الفاربة ،فإنو يوجب قراءهتا يف الصبلة إذا
فيو عن أضبد روايتافّ ،
قاؿ بوجوب الفاربة ،و ّأما من دل يرىا من الفاربة فإنو يقوؿ :قراءهتا يف الصبلة سنّة ،ما
عدا مالكاً َرِضبَوُ اللَّوُ فإنو ال يستحب قراءهتا يف الصبلة.
يسنواختلفوا يف اجلهر هبا يف الصبلة فيما صمهر بو ،فنقل صباعة عن أضبد :أنو ال ُ
اجلهر هبا ،وىو قوؿ أّب بكر ،وعمر ،وعثماف ،وعلي ،وابن مسعود ،ومذىب الثوري،
ومالك ،وأّب حنيفة.
مروي عن معاوية ،وعطاء ،وطاووس.وذىب الشافعي :إذل أف اجلهر هبا مسنوف ،وىو ّ
17مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
تيسر معك قالوا :فحديث أّب ىريرة يف تعليم الرجل صبلتو يدؿ على التخيَت (اقرأ ما ّ
ويقوي ما ذىبنا إليو ،وما دلت عليو اآلية الكرظمة من جواز قراءة أي شيء من القرآف) ّ
من القرآف.
وأما حديث عبادة بن الصامت :فقد ضبلوه على نفي الكماؿ ،ال على نفي اْلقيقة،
ومعناه عندىم (ال صبلة كاملة ملن دل يقرأ بفاربة الكتاب) ولذلك قالوا :تصح الصبلة
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ « :ال صبلة جلار
مع الكراىية ،وقالوا ىذا اْلديث يشبو قولو َ
املسجد إالّ يف املسجد» .
يدؿ لنا أل ّفوأما حديث أّب ىريرة( :فهي خداج ،فهي خداج) اخل فقالوا :فيو ما ّ
(اخلداج) الناقصة ،وىذا يدؿ على جوازىا مع النقصاف ،ألهنا لو دل تكن جائزة ملا
أُطلق عليها اسم النقصاف ،ألف إثباهتا ناقصة ينفي بطبلهنا ،إذ ال صموز الوصف
بالنقصاف للشيء الباطل الذي دل يثبت منو شيء.
أمعنت النظر ،رأيت أ ّف َ ىذه ىي خبلصة أدلة الفريقُت :سردناىا لك بإصماز ،وأنت إذا
الس َبلـُ ما ذىب إليو اجلمهور أقوى دليبلً ،وأقوى قيبلً ،فإ ّف مواظبتو َعلَْي ِو َّ
الص َبلة َو َّ
على قراءهتا يف الفريضة والنفل ،ومواظبة أصحابو الكراـ عليها دليل على أنو ال ذبزئ
الصبلة بدوهنا ،وقد عضد ذلك األحاديث الصرضمة الصحيحة ،والنيب َعلَْي ِو َّ
الص َبلة
حجة لفريضتها الس َبلـُ مهمتو التوضيح والبياف ،ملا أصبل من معاين القرآف ،فيكفي ّ َو َّ
ووجوهبا قولُو وفعلو عليو السبلـ.
صلَّىودمّا يؤيد رأي اجلمهور ما رواه مسلم عن أّب قتادة أنو قاؿ« :كاف رسوؿ اهلل َ
اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ يصلّي بنا فيقرأ يف الظهر والعصر يف الركعتُت األوليَػ ُْت بفاربة الكتاب
يطوؿ يف الركعة األوذل من الظهر ،ويقصر وسورتُت ،ويُسمعنا اآلية أحياناً ،وكاف ّ
الثانية ،وكذلك يف الصبح» .ويف رواية« :ويقرأ يف الركعتُت األخريُت بفاربة الكتاب» .
18مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
قاؿ الطربي :يقرأ بأـ القرأف يف كل ركعة ،فإف دل يقرأ هبا دل صمزه إال مثلها من القرآف
قوؿ الشافعي وأضبد عدد آياهتا وحروفها .قاؿ القرطيب :والصحيح من ىذه األقواؿُ ،
ومالك
كعة لكل ٍ
أحد على العموـ لقولو َعلَْي ِو يف القوؿ اآلخر ،وأف الفاربة متعينة يف كل ر ٍ
الس َبلـُ :
الص َبلة َو َّ
َّ
«ال صبلة ملن دل يقرأ بفاربة الكتاب» وقد روي عن عمر بن اخلطاب ،وعبد اهلل بن
ُّب بن كعب ،وأّب أيوب األنصاري ،وعبادة بن الصامت ،وأّب عباس ،وأّب ىريرة ،وأِ ّ
سعيد اخلدري أهنم قالوا« :ال صبلة إال بفاربة الكتاب» فهؤالء الصحابة ال ُقدرة،
وفيهم األسوةُ ،كلّهم يوحبوف الفاربة يف كل ركعة.
19مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
فإف اللفظ عاـ يشمل اإلماـ واملأموـ ،سواء كانت الصبلة سرية جهرية ،فمن دل يقرأ
تصح صبلتو. بفاربة الكتاب دل ّ
سرية باْلديث املذكور، واستدؿ اإلماـ مالك :على قراءة الفاربة إذا كانت الصبلة ّ
{وإِ َذا قُِرىءَ القرآف
ومنع من القراءة خلف اإلماـ إذا كانت الصبلة جهرية لقولو تعاذلَ :
فاستمعوا لَو وأ ِ
َنصتُواْ لَ َعلَّ ُك ْم تُػْر َضبُو َف} [األعراؼ. ]ٕٓٗ : َُ
وقد نقل القرطيب :عن اإلماـ مالك أنو ال يقرأ يف اجلهرية بشيء من القرآف خلف
السرية فيقرأ بفاربة الكتاب ،فإف ترؾ قراءهتا فقد أساء وال شيء عليو. اإلماـ ،و ّأما يف ّ
و ّأما اإلماـ أبو حنيفة :فقد منع من القراءة خلف اإلماـ مطلقاً عمبلً باآلية الكرظمة
{وإِ َذا قُِرىءَ القرآف فاستمعوا} [األعراؼ ]ٕٓٗ :وْلديث «من كاف لو إماـ فقراءة َ
اإلماـ لو قراءة» .
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ أنو قاؿ« :إسما جعل اإلماـ
واستدؿ أيضاً دبا روي عن النيب َ
كرب فكربوا ،وإذا قرأ فأنصتوا» . ليؤمت بو ،فإذا ّ
21مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
موقف الشريعة من السحر
ين أُوتُوا ذِّؽ لِما معهم نػَب َذ فَ ِريق ِمن الَّ ِ د ص م ووؿ ِمن ِعْن ِد اللَّ ِ
َ َ ٌ َ ُ
َ َ ْ َ ٌ َ ُ َولَ َّما َجاءَ ُى ْم َر ُس ٌ ْ
اب اللَّ ِو َوَراءَ ظُ ُهوِرِى ْم َكأَنػَّ ُه ْم َال يػَ ْعلَ ُمو َف (ٔٓٔ) َواتَّػبَػعُوا َما تَػْتػلُو اب كتَ َ
الْ ِكتَ ِ
َ
ُت َك َف ُروا يػُ َعلِّ ُمو َف ِ ِ ِ ِ
ُت َعلَى ُم ْلك ُسلَْي َما َف َوَما َك َفَر ُسلَْي َما ُف َولَك َّن الشَّيَاط َ الشَّيَاط ُ
َح ٍد ِِ
وت َوَما يػُ َعلِّ َماف م ْن أ َ وت َوَم ُار َ ُت بِبَابِ َل َى ُار َ الس ْحر وَما أُنْ ِزَؿ َعلَى الْملَ َك ْ ِ
َ َّاس ِّ َ َ الن َ
ُت الْ َم ْرِء َوَزْوِج ِو ِ ِ ِ
َح َّىت يػَ ُق َوال إَِّسمَا َْرم ُن فْتػنَةٌ فَ َبل تَ ْك ُف ْر فَػيَتَػ َعلَّ ُمو َف مْنػ ُه َما َما يػُ َفِّرقُو َف بِو بػَ ْ َ
ِ وما ىم بِض ِّارين بِِو ِمن أ ٍ
ضُّرُى ْم َوَال يػَْنػ َفعُ ُه ْم َولََق ْدَحد إَِّال بِِإ ْذ ِف اللَّو َويػَتَػ َعلَّ ُمو َف َما يَ ُ ْ َ ََ ُ ْ َ َ
س َما َشَرْوا بِِو أَنْػ ُف َس ُه ْم لَ ْو َكانُوا ئ
َْعلِموا لَم ِن ا ْشتَػراهُ َما لَوُ ِيف ْاآل ِخرةِ ِم ْن َخ َبل ٍؽ ولَبِ
َ َ َ َ ُ َ
يػَ ْعلَ ُمو َف (ٕٓٔ) َولَ ْو أَنػَّ ُه ْم َآمنُوا َواتَّػ َق ْوا لَ َمثُوبَةٌ ِم ْن ِعْن ِد اللَّ ِو َخْيػٌر لَ ْو َكانُوا يػَ ْعلَ ُمو َف
(ٖٓٔ)
التحليل اللفظي
اى ْم ِيف اليم} [القصص ]ٗٓ :ومنو {نَػبَ َذ} :النبذ :الطرح واإللقاء قاؿ تعاذل{ :فَػنَبَ ْذنَ ُ
ومسي نبيذاً ،ألف الذي يتخذه يأخذ سبراً أو زبيباً فينبذه يف وعاء النبيذ للشيء املسكرَ ،
أو سقاء ،ويًتكو حىت يصَت مسكراً ،واملنبوذُ :ولد الزىن ،ألنوُ يػُْنب ُذ على الطريق ،قاؿ
أبو األسود.
أخذت كتاّب معرضاً بشمالكا َ أرسلت أسما ... ُ كنت
وخربين من ُ ّ
لقت من نعالكا أخ ْ كنبذؾ نعبلً ْ نظرت إذل عنوانو فنبذتَو َ ... َ
استخف بالشيء وأعرض عنو صبلة ،تقوؿ ّ {وَرآءَ ظُ ُهوِرِى ْم} :ىذا مثل يضرب ملن َ
العرب :جعل ىذا األمر وراء ظهره ،ودبر أذنو.
واملعٌت :نبذوا كتاب اهلل وتركوا العمل بو ،على سبيل العناد واملابرة ،كأهنم ال يعلموف أنو
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ . املنزؿ على رسولو الكرًن َ كتاب اهلل ّ
21مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
{واتبعوا} الضمَت لفريق من الذين أوتوا الكتاب وىم اليهود .قاؿ الزخمشري :أي نبذوا
كتاب اهلل واتبعوا ما تتلو الشياطُت.
{تَػْتػلُواْ} :دبعٌت تلت مضارع دبعٌت املاضي ،فهو حكاية ْلاؿ ماضية ،قاؿ الشاعر:
وذبائح
ِ انب قربه بدمائها ...فلقد يكو ُف أخا ٍدـ انضح جو َو ْ
أي فلقد كاف.
وتتلو يعٍتُ :رب ّدث ،وتروي ،وتتكلم بو من التبلوة دبعٌت القراءة.
واملعٌت :طرحوا كتاب اهلل وراء ظهورىم ،واتّبعوا كتب السحر والشعوذة اليت كانت
تقرؤىا الشياطُت ورب ّدث وتروي هبا يف عهد سليماف.
بعض
{الشياطُت} :املتبادر من لفظ (الشياطُت) أف املراد هبم مردة اجلن ،وبو قاؿ ُ
املفسرين وقاؿ بعضهم :املراد هبم شياطُت اإلنس ،واألرجح أف املراد هبم شياطُت
ضض ُه ْم إذل بَػ ْع ٍ ِ (اإلنس واجلن) كما قاؿ تعاذلِ َ :
ُت اإلنس واجلن يُوحي بَػ ْع ُ {شيَاط َ
ؼ القوؿ غُُروراً} [األنعاـ. ]ٕٔٔ : ُز ْخُر َ
ك سليماف} :أي على عهد مكلو ويف زمانو ،فهو على حذؼ مضاؼ. {على م ْل ِ
ُ
املربد« :على» دبعٌت «يف» أي يف عهد ملكو ،كما أ ّف «يف» دبعٌت «على» كما قاؿ ّ
وع النخل} [طو ]ٚٔ :أي على جذوع النخل. ُصلِّبَػنَّ ُك ْم ِيف ُج ُذ ِ
{وأل َ
يف قولو تعاذلَ :
(سليماف) اسم عرباين ،وقد تكلمت بو العرب يف اجلاىلية ،واستعملو اْلطيئة ،اضطراراً
فجعلو بلفظ (سبلّـ) حُت قاؿ:
فيو الرماح وفيو كل سابغة ...جدالء حمكمة من نسج سبلّـ
قاؿ األلوسي :وسليماف اسم أعجمي ،وامتنع من الصرؼ للعلمية والعجمة ،ونظَته
(ىاماف) و (ماىاف) و (شاماف) وليس امتناعو من الصرؼ للعلمية وزيادة األلف
والنوف.
22مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
صرؼ
السحر ُ ودؽ ،قاؿ األزىري :وأصل ّ كل ما لطف مأخذه ّ {السحر} :يف اللغةّ :
اْلق ،وخيّل الشيء عن حقيقتو إذل غَته ،فكأ ّف الساحر ملّا أرى الباطل يف سورة ّ
الشيء على غَت حقيقتو ،قد سحر الشيء عن وجهو اي صرفو.
السحر أصلُو التمويوُ باْليل ،وىو أف يفعل الساحر أشياء ومعاين، وقاؿ القرطيبّ :
السراب من بعيد فيخيّل إليو أنو فيُخيّل للمسحور أهنا خببلؼ ما ىي بو ،كالذي يرى ّ
سحرت الصيب إذا خدعتو
ُ ماء ،وىو مشتق من
فتنت الذىب يف النار ،إذا امتحنتو ِ
{فْتػنَةٌ} :الفتنةُ االختبار واالبتبلء ،ومنو قوهلمُ :
لتعرؼ جودتو من رداءتو.
قاؿ األزىريِ :صباعُ معٌت الفتنة :االبتبلء واالمتحاف ،واالختبار ،قاؿ تعاذل{ :أََّسمَآ
{ولََق ْد فَػتَػنَّا الذين ِمن قَػْبلِ ِه ْم}
َ تعاذل وقاؿ ]ٕٛ [األنفاؿ: } ٌةن
َ ػتْأَموالُ ُكم وأَوالَ ُد ُكم فِ
َْ ْ َ ْ ْ
[العنكبوت ]ٖ :أي اختربنا وابتلينا.
كفر.
السحر ٌ السحر واستعمالو ،ويف اآلية إشارة إذل أ ّف تعلم ّ {فَبلَ تَ ْك ُفْر} :أي بتعلم ّ
السحر معتقداً أنو حق فتكفر. قاؿ الزخمشري{ :فَبلَ تَ ْك ُفْر} أي فبل تتعلم ّ
{بِِإ ْذ ِف اهلل} :أي بإرادتو ومشيئتو ،وفيو دليل على أف يف السحر ضرراً مودعاً ،إذا
شاء اهلل تعاذل حاؿ بينو وبُت املسحور ،وإذا شاء خبلّه حىت يصيبو ما ق ّدره اهلل تعاذل
لو ،وىذا مذىب السلف يف األسباب واملسببات.
{لَ َم ِن اشًتاه} :قاؿ األلوسي :أي استبدؿ ما تتلو الشياطُت بكتاب اهلل ،والبلـ
لبلبتداء وتدخل على املبتدأ وعلى املضارع ،ودخوهلا على املاضي مع (قد) كثَت ،كقولو
تعاذل{ :لََّق ْد َِمس َع اهلل قَػ ْوَؿ الذين قالوا إِ َّف اهلل فَِقَتٌ َوَْرم ُن أَ ْغنِيَآءُ} [آؿ عمراف. ]ٔٛٔ :
اخلبلؽ يف اللغة دبعٌت النصيب قاؿ تعاذل{ :أولئك الَ َخبلَ َؽ َهلُ ْم ِيف ُ {خبلؽ} :
اآلخرة} [آؿ عمراف]ٚٚ :
23مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
{شَرْواْ} :أي باعوا أنفسهم بو ،يقاؿ :شرى دبعٌت اشًتى ،وشرى دبعٌت باع من َ
األضداد،
{لَ َمثُوبَةٌ} :املثوبة :الثواب واجلزاء ،أي لثواب وجزاء عظيم من اهلل تعاذل على إظماهنم
وتقواىم.
سبب النزول
قاؿ ابن اجلوزي َرِضبَوُ اللَّوُ :يف سبب نزوؿ ىذه اآلية قوالف:
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ عن شيء من التوراة
أحدشما :أف اليهود كانوا ال يسألوف النيب َ
إالّ أجاهبم ،فسألوه عن السحر وخاصموه بو فنزلت ىذه اآلية ،قالو أبو العالية.
والثاين :أنو ملا ذكر سليماف يف القرآف قالت يهود املدينة :أال تعجبوف حملمد يزعم أف
{وَما َك َفَر سليماف
(ابن داود) كاف نبيّاً؟ واهلل ما كاف إال ساحراً فنزلت ىذه اآلية َ
ولكن الشياطُت َك َفُرواْ } ...ذكره ابن إسحاؽ.
األحكام الشرعية
24مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
أوالً :التخييل واخلداع :وذلك كما يفعلو بعض املشعوذين ،حيث يريك أنو ذبح
املذبوح غَت الذي
عصفوراً ،مث يريك العصفور بعد ذحبو قد طار ،وذلك خلفة حركتو ،و ُ
طار ألنو يكوف معو اثناف ،قد خبأ أحدشما وىو املذبوح وأظهر اآلخر .قالوا :وقد كاف
جموفة ،قد ملئت زئبقاً ،وكذلك العصي َّ
ّ سحر سحرة فرعوف من ىذا النوع ،فقد كانت
حمشوة زئبقاً ،وقد حفروا ربت املواضع أسراباً وملؤىا ناراً،
اْلباؿ كانت من أدـ (جلد) ّ
العصي وضبى الزئبق ربركت ،أل ّف من شأف الزئبق إذا أصابتو
فلما طرحت عليها اْلباؿ و ّ ّ
اْلرارة أف يتم ّدد ،فتخيّل الناس أ ّف ىذه اْلباؿ والعصي تتحرؾ وتسَت.
ثانياً :الكهانة والعرافة بطريق التواطؤ وذلك كما يفعلو بعض َ
العّرافُت وال ُكهاف حيث
يوكلوف أناساً باالطبلع على أسرار الناس ،حىت إذا جاء أصحاهبا أخربوىم هبا،
اجلن والشياطُت هلم ،وأهنم يتصلوف هبم ويطيعوهنم بواسطة ويزعموف أهنا من حديث ّ
الرقي ،والعزائم ،وأف الشياطُت زبربىم باملغيبات فيصدقهم الناس ،وما ىي إال مواطأة ّ
مع أشخاص قد أع ّدوىم لذلك.
قاؿ اجلصاص :كانت أكثر خماريق اْلبلّج باملواطأة ،فكاف يتفق مع صباعة فيضعوف لو
خبزاً وْلماً وفاكهة يف مواضع يعيّنها هلم ،مثّ ظمشي مع أصحابو يف الربية ،مث يأمر حبفر
ىذه املواضع ،فيخرج ما خبئ من اخلبز واللحم والفاكهة ،فيع ّدوهنا من الكرامات.
السحر عن طريق النميمة ،والوشاية ،واإلفساد من وجوه خفيّة وضرب آخر من ّ
ٌ ثالثاً:
لطيفة ،وذلك عاـ شائع يف كثَت من الناس . .وقد ُحكي أ ّف امرأة أرادت إفساد ما بُت
معرض عنك ،وىو يريد أف يتزوج ٌ زوجُت ،فجاءت إذل الزوجة فقالت هلا :إ ّف زوجك
عليك ،وسأسحره لك حىت ال يرغب عنك ،وال يريد سواؾ ،ولكن ال بد أف تأخذي
حىت يتم سحره ،فاغًتت املرأة
من شعر حلقو باملوسى ثبلث شعرات إذا ناـ وتعطينيها ّ
بقوهلا وصدقتها ،مثّ ذىبت إذل الرجل وقالت لو :إف امرأتك قد أحبّت رجبلً وقد
25مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
عزمت على أف تذحبك باملوسى عند النوـ لتتخلص منك ،وقد أشفقت عليك ولزمٍت
نصحك ،فتي ّقظ هلا ىذه الليلة وتظاىر بالنوـ فستعرؼ صدؽ كبلمي ،فلما جاء الليل
تناوـ الرجل يف بيتو فجاءت زوجتو باملوسى لتحلق بعض شعرات من حلقو ،ففتح
يشك يف أهنا أرادت قتلو فقاـ
الرجل عينو فرآىا وقد أىوت باملوسى إذل حلقو ،فلم ّ
إليها فقتلها ،فبلغ اخلرب إذل أىلها فجاءوا فقتلوه ،وىكذا كاف الفساد بسبب الوشاية
والنميمة.
رابعاً :وضرب آخر من السحر وىو االحتياؿ وذلك بإطعاـ اإلنساف بعض األدوية
املؤثرة يف العقل ،أو إعطائو بعض األغذية اليت هلا تأثَت على الفكر والذكاء ،كإطعامو
(دماغ اْلمار) الذي إذا أطعمو إنساف تبلّد عقلو ،وقلّت فطنتو مع أدوية أخرى معروفة
مس أوتصرؼ تصرفاً غَت سليم فيقوؿ الناس :بو ّ يف كتب الطب ،فإذا أكلو اإلنساف ّ
أنو مسحور.
وإما إذل سعي
وإما إذل مواطأةّ ،فأنت ترى أهنم يُرجعوف السحر ّإما إذل سبويو وزبييلّ ،
وإما إذل احتياؿ ،وال يروف الساحر يقدر على شيء دمّا يثبتو لو اآلخروف من وسميمةّ ،
التأثَت يف األجساـ ،ومن قطع املسافات البعيدة يف الزمن اليسَت.
تبُت لك أف ىذا كلو خماريق وحيل ،ال حقيقة ملا قاؿ أبو بكر اجلصاص :وحكمةٌ كافية ّ
املعزـ لو قدرا على ما يدعيانو من النفع والضرر ،وأمكنهما ي ّدعوف هلا أ ّف الساحر و ّ
السَرؽ ،واإلضرار بالناس
الطَتاف ،والعلم بالغيوب ،وأخبار البلداف النائية ،واخلبيثات و ّ
من غَت الوجوه اليت ذكرنا ،لقدروا على إزالة املمالك واستخراج الكنوز ،والغلبة على
البلداف بقتل امللوؾ حبيث ال يناهلم مكروه ،وال ستغنوا عن الطلب ملا يف أيدي الناس.
26مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
فإذا دل يكن كذلك ،وكاف امل ّدعوف لذلك أسوأ الناس حاالً ،وأكثرىم طمعاً واحتياالً،
علمت أهنم ال يقدروف على شيء َ وتوصبلً ألخذ دراىم الناس وأظهرىم فقراً وإمبلقاً
من ذلك «.
أدلة المعزلة:
استدؿ املعتزلة على أف السحر ليس لو حقيقة بعدة أدلة نوجزىا:
ُت الناس واسًتىبوىم} [األعراؼ. ]ٔٔٙ : أ -قولو تعاذل{ :سحروا أ َْع َُ
{طمَيَّ ُل إِلَْي ِو ِمن ِس ْح ِرِى ْم أَنػَّ َها تسعى} [طو. ]ٙٙ :
ب -قولو تعاذلُ :
ث أتى} [طو. ]ٜٙ : ِ
{والَ يػُ ْفل ُح الساحر َحْي ُ ج -قولو تعاذلَ :
فاآلية األوذل :تدؿ على أف السحر إسما كاف لؤلعُت فحسب ،والثانية :تؤكد َّ
أف ىذا
السحر كاف زبييبلً ال حقيقة ،والثالثة :تثبت أف الساحر ال ظمكن أف يكوف على حق
لنفي الفبلح عنو.
د -وقالوا :لو قدر الساحر أف ظمشي على املاء ،أو يطَت يف اهلواء ،أو يقلب الًتاب
إذل ذىب على اْلقيقة ،لبطل التصديق دبعجزات األنبياء ،والتبس اْلق بالباطل ،فلم
يعد يعرؼ (النيب) من (الساحر) ألنو ال فرؽ بُت معجزات األنبياء ،وفعل السحرة،
وأنو صبيعو من نوع واحد.
أدلة الجمهور:
واستدؿ اجلمهور من العلماء على أ ّف السحر لو حقيقة ولو تأثَت بعدة أدلة نوجزىا فيما
يلي:
ُت الناس واسًتىبوىم َو َجآءُوا بِ ِس ْح ٍر َع ِظي ٍم} [األعراؼ: أ -قولو تعاذل{ :سحروا أ َْع َُ
. ]ٔٙٙ
ُت املرء َوَزْوِج ِو} [البقرة. ]ٕٔٓ : ِ ِ
ب -قولو تعاذل{ :فَػيَتَػ َعلَّ ُمو َف مْنػ ُه َما َما يػُ َفِّرقُو َف بِو بَػ ْ َ
27مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
َح ٍد إِالَّ بِِإ ْذ ِف اهلل} [البقرة. ]ٕٔٓ : آر ِِ ِ
ين بو م ْن أ َ {وَما ُىم بِ َ
ض ِّ َ ج -قولو تعاذلَ :
{وِمن َشِّر النفاثات ِيف العقد} [الفلق. ]ٗ : د -قولو تعاذلَ :
{و َجآءُوا بِ ِس ْح ٍر
فاآلية األوذل دلّت على إثبات حقيقة السحر بدليل قولو تعاذلَ :
َع ِظي ٍم} [األعراؼ ]ٔٙٙ :واآلية الثانية أثبتت أف السحر كاف حقيقياً حيث أمكنهم
يفرقوا بُت الرجل وزوجو ،وأف يوقعوا العداوة والبغضاء بُت الزوجُت فدلت بواسطتو أف ّ
على أثره وحقيقتو ،واآلية الثالثة أثبتت الضرر للسحر ،ولكنّو متعلق دبشيئة اهلل ،واآلية
السحرة الذين شر ّ الرابعة تدؿ على عظيم أثر السحر حىت أمرنا أف نتعوذ باهلل من ّ
ينفثوف يف العقد.
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ فاشتكى لذلك ىػ -واستدلوا دبا روي «أف يهودياً سحر النيب َ
أياماً،
فأتاه جربيل فقاؿ :إ ّف رجبلً من اليهود سحرؾ ،عقد لك عقداً يف بئر كذا وكذا،
ط من عقاؿ» . صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ فاستخرجها فحلّها ،فقاـ كأّسما نَ ِش َ
فأرسل َ
الًتجيح :ومن استعراض األدلة نرى أ ّف ما ذىب إليو اجلمهور أقوى دليبلً فإف السحر
لو حقيقة ولو تأثَت على النفس ،فإف إلقاء البغضاء بُت الزوجُت ،والتفريق بُت املرء
وأىلو الذي أثبتو القرآف الكرًن ليس إال أثراً من آثار السحر ،ولو دل يكن للسحر تأثَت
لكن كثَتاً ما يكوف ىذا السحر شر النفاثات يف العقد ،و ْ ملا أمر القرآف بالتعوذ من ّ
لكن أثره وضرره ال يصل إذل باالستعانة بأرواح شيطانية فنحن نقر بأ ّف لو أثراً وضرراً و ّ
الشخص إالّ بإذف اهلل ،فهو سبب من األسباب الظاىرة ،اليت تتوقف على مشيئة
رب العاملُت جل وعبل. مسبّب األسبابّ ،
وأما استدالهلم :بأنو يلتبس األمر بُت (املعجزة) و (السحر) إذا أثبتنا لل ّسحر حقيقة
فنقوؿ :إ ّف الفرؽ بينهما واضح فإ ّف معجزات األنبياء عليهم السبلـ ىي على حقائقها،
28مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
السحر فظاىره غَت وظاىرىا كباطنها ،وّكلما تأملتها ازددت بصَتة يف صحتها ،وأما ّ ُ
باطنو ،وصورتو غَت حقيقتو ،يعرؼ ذلك بالتأمل والبحث ،وهلذا أثبت القرآف الكرًن
للسحرة أهنم اسًتىبوا الناس وجاءوا بسح ٍر عظيم ،مع إثباتو أَ ّف ما جاءوا بو إسما كاف
عن طريق التمويو والتخييل.
قاؿ العبلمة القرطيب« :ال ينكر أح ٌد أف يظهر على يد الساحر خرؽ العادات ،دبا ليس
مرض ،وتفريق ،وزواؿ عقل ،وتعويج عضو ،إذل غَت ذلك دمّا قاـ يف مقدور البشر ،من ٍ
الدليل على استحالة كونو من مقدورات البشر.
يستدؽ جسم الساحر حىت يلج يف ال ُك ّوات، ّ قالوا :وال يبعد يف السحر أف
واخلوخات ،واالنتصاب على رأس قصبة ،واجلري على خيط مستدؽ ،والطَتاف يف
اهلواء ،واملشي على املاء ،وركوب كلب وغَت ذلك ،ومع ذلك فبل يكوف السحر
موجباً لذلك ،وال علةً لوقوعو ،وال سبباً مولوداً ،وال يكوف الساحر مستقبلً بو ،وإسما
طملق اهلل تعاذل ىذه األشياء ،وضمدثها عند وجود السحر ،كما طملق الشبع عند األكل،
ي عند شرب املاء. الر ّ
وّ
مث قاؿ :قد أصبع املسلموف على أنو ليس يف السحر ما يفعل اهلل عنده من إنزاؿ اجلراد،
والقمل ،والضفادع وفلق البحر ،وقلب العصا ،وإحياء املوتى ،وإنطاؽ العجماء ،وأمثاؿ
ذلك من عظيم آيات الرسل عليهم السبلـ ،فهذا ورموه دما صمب القطع بأنو ال يكوف
وال يفعلو اهلل عند إرادة الساحر.
وقاؿ أبو حياف :واختلف يف حقيقة السحر على أقواؿ:
األوؿ :أنو قلب األعياف واخًتاعها دبا يشبو املعجزات والكرامات كالطَتاف ،وقطع
املسافات يف ليلة.
الثاين :أنو خدع وسبويهات وشعوذة ال حقيقة هلا وىو قوؿ املعتزلة.
29مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
أمر يأخذ بالعُت على جهة اْليلة ،كما كاف فعل سحرة فرعوف حيث الثالث :أنو ٌ
فجروا ربتها ناراً فحميت اْلباؿ والعصي كانت حباهلم وعصيّهم دملوءة زئبقاًّ ،
فتحركت وسعت.
ّ
الرابع :أنو نوع من خدمة اجلن واالستعانة هبم ،وىم الذين استخرجوه من جنس لطيف
فلطف ودؽ وخفي.
اخلامس :أنو مركب من أجساـ ُذبمع وربرؽ ،ويتلى عليها أمساء وعزائم ،مث تستعمل يف
أمور السحر.
السادس :أف أصلو طلسمات تبٌت على تأثَت خصائص الكواكب ،أو استخداـ
عسر.
الشياطُت لتسهيل ما ُ
ضم إليها أنواع من الشعبذة،السابع :أنو مرّكب من كلمات دمزوجة بكفر ،وقد ّ
والنازذميات ،والعزائم ،وما صمري جمرى ذلك .مث قاؿ :وأما يف زماننا اآلف فكلما وقفنا
عليو يف الكتب فهو كذب وافًتاء ،وال يًتتب عليو شيء ،وال يصح منو شيء البتة،
وكذلك العزائم وضرب املندؿ ،والناس يصدقوف هبذه األشياء ويصغوف إذل مساعها.
31مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
حجر -إ ْف شهد عدالف عرفا السحر وتابا منو أنو يقتل غالباً قُتل الساحر ،وإالّ دل
يُقتل.
وقاؿ أبو حياف :وأما حكم السحر ،فما كاف منو يُعظّم بو غَت اهلل من الكواكب،
ضمل تعلمو وال العمل بو،
والشياطُت ،وإضافة ما ُضمدثو اهلل إليها فهو كفر إصباعاً ،ال ّ
وكذا ما قصد بتعلمو سفك الدماء ،والتفريق بُت الزوجُت واألصدقاء.
وأما إذا كاف ال يعلم منو شيء من ذلك بل ضمتمل فالظاىر أنو ال ضمل تعلمو ،وال
العمل بو ،وما كاف من نوع التخييل ،وال ّدجل ،والشعبذة فبل ينبغي تعلمو ألنو من باب
الباطل ،وإف قصد بو اللهو واللعب وتفريج الناس على خفة صنعتو فيكره.
32مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
توذل عمل السحر قتل وال يستتاب ،أل ّف املسلم إذا ارتد وروي عن مالك يف املسلم إذا ّ
فأما ساحر أىل الكتاب فإنو ال يقتل عند باطناً دل تعرؼ توبتو بإظهاره اإلسبلـّ ،
مالك إالّ أف يضر املسلمُت فيقتل.
وقاؿ الشافعي :ال يكفر بسحره ،فإف قتَل بسحره وقاؿ :سحري يقتل مثلو ،وتعمدت
ذلك قتل قوداً ،وإف قاؿ :قد يقتل ،وقد طمطئ دل يُقتل وفيو الدية.
وقاؿ اإلماـ أضبد :يكفر بسحره قتل بو أو دل يقتل ،وىل تقبل توبتو؟ على روايتُت،
فأما ساحر أىل الكتاب فإنو ال يُقتل إال أف يضر باملسلمُت.
ّ
واخلبلصة :فإ ّف أبا حنيفة يذىب إذل كفر الساحر ،ويبيح قتلو وال يستتاب عنده،
والساحر الكتاّب حكمو كالساحر املسلم .والشافعي يقوؿ :بعدـ كفره وال يقتل عنده
تعمد القتل.
إال إذا ّ
ومالك يرى قتل الساحر املسلم ال ساحر أىل الكتاب وضمكم بكفر الساحر و ٍ
لكل
وجهو ىو مولّيها.
33مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
التوجو إلى الكعبة في الصالة
َّاس َما َوَّال ُى ْم َع ْن قِْبػلَتِ ِه ُم الَِّيت َكانُوا َعلَْيػ َها قُ ْل لِلَّ ِو الْ َم ْش ِر ُؽ الس َف َهاءُ ِم َن الن ِ وؿ ُّ َسيَػ ُق ُ
ِ والْم ْغ ِرب يػه ِدي من يشاء إِ َذل ِصر ٍ ِ
ك َج َع ْلنَا ُك ْم أ َُّمةً َو َسطًا اط ُم ْستَقي ٍم (ٕٗٔ) َوَك َذل َ َ َ َ ُ َْ َ ْ َ َ ُ
يدا َوَما َج َع ْلنَا الْ ِقْبػلَةَ الَِّيت وؿ َعلَْي ُك ْم َش ِه ً الر ُس َُّاس َويَ ُكو َف َّ لِتَ ُكونُوا ُش َه َداءَ َعلَى الن ِ
ِ ِ وؿ ِدمَّن يػْنػ َقلِ ت َعلَْيػ َها إَِّال لِنَػ ْعلَم َم ْن يػَتَّبِ
ت لَ َكبِ ََتًة ب َعلَى َعقبَػْيو َوإِ ْف َكانَ ْ ُ َ ْ َ س
ُ رَّ ال ع
ُ َ ُكْن َ
َّاس لَرء ٌ ِ ِ ِ ض ِ ِ ِ َّ ِ ِ
يم
وؼ َرح ٌ يع إظمَانَ ُك ْم إ َّف اللَّوَ بالن ِ َ ُ ين َى َدى اللَّوُ َوَما َكا َف اللَّوُ ليُ َ إَّال َعلَى الذ َ
السم ِاء فَػلَنػولِّيػن ِ
ك اىا فَػ َوِّؿ َو ْج َه َ ضَ ك ِيف َّ َ ُ َ َ َ
َّك قْبػلَةً تَػ ْر َ ب َو ْج ِه َ (ٖٗٔ) قَ ْد نػََرى تَػ َقلُّ َ
ِ َّ ِ َشطَْر الْ َم ْس ِج ِد ْ
ين أُوتُوا وى ُك ْم َشطَْرهُ َوإ َّف الذ َ ث َما ُكْنتُ ْم فَػ َولُّوا ُو ُج َ اْلََرِاـ َو َحْي ُ
ِ ِ الْ ِكتَاب لَيػعلَمو َف أَنَّو ْ ِ ِ
ت اْلَ ُّق م ْن َرِّهب ْم َوَما اللَّوُ بِغَاف ٍل َع َّما يػَ ْع َملُو َف (ٗٗٔ) َولَئ ْن أَتَػْي َ َ َْ ُ ُ
ِ ِ الَّ ِذين أُوتُوا الْ ِ
ض ُه ْم ت بِتَابِ ٍع قْبػلَتَػ ُه ْم َوَما بػَ ْع ُ ك َوَما أَنْ َ اب بِ ُك ِّل آيٍَة َما تَبِعُوا قْبػلَتَ َ َ ت
َ ك َ
ِ بِتَابِ ٍع قِبػلَةَ بػع ٍ ِ
ك إِذًا لَ ِم َن ت أ َْى َواءَ ُى ْم ِم ْن بػَ ْعد َما َجاءَ َؾ ِم َن الْعِْل ِم إِنَّ َ ض َولَئ ِن اتَّػبَػ ْع َ ْ َْ
ِِ
ُت (٘ٗٔ) الظَّالم َ
التحليل اللفظي
{السفهآء} :أصل السفو يف كبلـ العرب :اخلفة والرقة ،يقاؿ :ثوب سفيو إذا كاف
رديء النسخ خفيفو ،أو كاف بالياً رقيقاً ،وس ّفهتو الرياح أي أمالتو .
السفو :ضد اْللم وىو خفة وسخافة يقتضيها نقصاف العقل ،وهلذا مسّى اهلل الصبياف و ّ
{والَ تُػ ْؤتُواْ السفهآء أ َْم َوالَ ُك ُم اليت َج َع َل اهلل لَ ُك ْم قياما} [النساء. ]٘ :
سفهاء َ
وتوذل عنو أي انصرؼ ،وىو استفهاـ وذل عن الشيء ّ {والىم} :يعٍت صرفهم ،يقاؿّ :
على جهة االستهزاء والتعجب.
34مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
{قِْبػلَتِ ِو} :القبلة من املقابلة وىي املواجهة ،وأصلها اْلالة اليت يكوف عليها املقابل ،مث
خصت باجلهة اليت يستقبلها اإلنساف يف الصبلة. ّ
اؿ أ َْو َسطُ ُه ْم أَ َدلْ أَقُ ْل لَّ ُك ْم لَْوالَ
{و َسطاً} :أي عدوالً خياراً ،ومنو قولو تعاذل{ :قَ َ َ
تُ َسبِّ ُحو َف} [القلم ]ٕٛ :أي خَتىم أو عدهلم .وأصل ىذا أ ّف خَت األشياء أوساطها،
الغلو والتقصَت مذموماف. وأف ّ
ك َج َع ْلنَا ُك ْم أ َُّمةً َو َسطاً} أي عدالً ،وكذلك ِ
{وَك َذل َ
قاؿ اجلوىري يف «الصحاح» َ :
روي عن األخفش ،واخلليل.
االنقبلب عليهما دبعٌت ُ {ع ِقبَػْي ِو} :العقباف :تثنية عقب ،وىو مؤخر القدـ ،و َ
االنصراؼ والرجوع ،يُقاؿ :انقلب على عقبيو إذا انصرؼ عنو بالرجوع إذل الوراء.
واملعٌت :لنعلم من يثبت على اإلظماف ،دمّن يرتد عن دين اإلسبلـ ،ويرجع إذل ما كاف
عليو من ضبلؿ ،والكبلـ فيو استعارة .
{لَ َكبِ ََتةً} :أي شاقة ثقيلة تقوؿ :كرب عليو األمر أي اشتد وثقل.
يم} :الرأفة ىي الرضبة ،إالّ أف الرأفة يف دفع املكروه ،والرضبة أعم تشمل {لَرء ٌ ِ
وؼ َّرح ٌ َُ
املكروه واحملبوب.
ب الوجو يف السماءّ :تردده املرة بعد املرة فيها ،والسماءُ مصدر ك} :تقلّ ُب َو ْج ِه َ{تَػ َقلُّ َ
الوحي ،وقبلة الدعاء.
وتصرؼ نظرؾ يف جهة السماء متشوقاً لنزوؿ تردد وجهكّ ، ومعٌت اآلية :كثَتاً ما نرى ّ
الوحي بتحويل القبلة إذل الكعبة.
َّك قِْبػلَةً} :أي لنمكننّك من استقباهلا ،من قولك :وليّتُو كذا إذا جعلتو والياً {فَػلَنُػ َولِّيَػن َ
لو ،فيكوف من الوالية ،أو من التورل ،واملعٌت :فلنجعلنّك متولياً جهتها ،وىذه بشارة
من اهلل تعاذل لرسولو الكرًن بتوجيهو إذل القبلة اليت ضمب.
35مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
الشطر يف اللغة يكوف دبعٌت اجلهة والناحية كما يف ىذه اآلية . {شطَْر املسجد} :و ُ َ
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ :
ويكوف دبعٌت النصف من الشيء واجلزء منو ،ومنو قولو َ
«الطهور شطر اإلظماف»
فوؿ وجهك جهة املسجد اْلراـ أي جهة الكعبة.ومعٌت اآليةّ :
الكتاب :التوراةُ
{أُوتُواْ الكتاب} :املراد هبم أحبار اليهود ،وعلماء النصارى ،و ُ
واإلذميل.
سبب النزول
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ كافأ -أخرج البخاري ومسلم عن الرباء بن عازب أف النيب َ
أوؿ ما نزؿ املدينة نزؿ على أخوالو من األنصار ،وأنو صلى إذل بيت املقدس ستة عشر
شهراً ،وكاف يعجبو أف تكوف قبلتو إذل البيت ،وأنو صلى أوؿ صبلة صبلىا (صبلة
العصر) وصلى معو قوـ ،فخرج رجل دمن كاف صلى معو فمر على أىل املسجد وىم
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ قبل مكة، راكعوف ،فقاؿ :أشهد باهلل لقد صليت مع النيب َ
فداروا كما ىم قبل البيت ،وكاف الذي قد مات على القبلة قبل أف ربوؿ قبل البيت
يع إِظمَانَ ُك ْم} . ضرجاالً قتلوا دل ندر ما نقوؿ فيهم فأنزؿ اهلل{ :وما َكا َف اهلل لِي ِ
ُ َ ََ
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ كاف يصلي رمو بيت املقدس، ب -وعن الرباء أف رسوؿ اهلل َ
ك ِيف السمآء} ب َو ْج ِه َ ويكثر النظر إذل السماء ينتظر أمر اهلل فأنزؿ اهلل{ :قَ ْد نرى تَػ َقلُّ َ
فقاؿ رجاؿ من املسلمُت :وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أف تصرؼ إذل القبلة،
يع إِظمَانَ ُك ْم} . وكيف بصبلتنا رمو بيت املقدس فأنزؿ اهلل{ :وما َكا َف اهلل لِي ِ
ض
ُ َ ََ
وجوه اإلعراب
36مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
ك َج َع ْلنَا ُك ْم أ َُّمةً َو َسطاً} الكاؼ للتشبيو وىي يف موضع ِ
{وَك َذل َ
أوالً :قولو تعاذلَ :
نصب صفة ملصدر حمذوؼ تقديره :كما ىديناكم جعلناكم أمة وسطاً ،أي مثل
ثاف جلعلنا ،و (وسطاً) صفة ىدايتنا لكم كذلك جعلناكم أمة وسطاً ،و (أمة) مفعوؿ ٍ
هلا.
ت لَ َكبِ ََتًة إِالَّ َعلَى الذين َى َدى اهلل} (إ ْف) خمففة من (إ ّف)
{وإِف َكانَ ْ
ثانياً :قولو تعاذلَ :
الثقيلة وامسها ضمَت الشأف ،والبلـ يف قولو (الكبَتة) للفرؽ بُت املخففة والنافية ،كما
يف قولو تعاذل{ :إِف َكا َف َو ْع ُد َربِّػنَا لَ َم ْفعُوالً} [اإلسراء ]ٔٓٛ :وزعم الكوفيوف أهنا
نافية ،والبلـ دبعٌت إالّ ،أي ما كانت إال كبَتة ،قاؿ العكربي :وىو ضعيف جداً من
جهة أف وقوع البلـ دبعٌت إال ال يشهد لو مساع وال قياس.
األحكام الشرعية
37مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
{سْب َحا َف الذي أسرى بِ َعْب ِدهِ لَْيبلً ِّم َن املسجد
الثالث :مكة املكرمة كما يف قولو تعاذلُ :
اْلراـ إذل املسجد األقصى} [اإلسراء ]ٔ :وكاف اإلسراء من مكة املكرمة ،وقولو تعاذل:
صدُّوُك ْم َع ِن املسجد اْلراـ} [الفتح ]ٕ٘ :وقد صدورىم عن {ى ُم الذين َك َفُرواْ َو َ
ُ
دخوؿ مكة.
س َِّ
الرابع :اْلرـ كلو (مكة وما حوهلا من اْلرـ) كما يف قولو تعاذل{ :إسمَا املشركوف َذمَ ٌ
فَبلَ يَػ ْقَربُواْ املسجد اْلراـ بَػ ْع َد َع ِام ِه ْم ىذا} [التوبة ]ٕٛ :واملراد منعهم من دخوؿ
فوؿ وجهك شطر اْلرـ .واملراد باملسجد اْلراـ ىنا ىو املعٌت األوؿ (الكعبة) واملعٌتّ :
الكعبة.
الحكم الثاني :ىل يجب استقبال عين الكعبة أم يكفي استقبال جهتها؟
استقباؿ القبلة فرض من فروض الصبلة ،ال تصح الصبلة بدونو ،إال ما جاء يف صبلة
اخلوؼ والفزع ،ويف صبلة النافلة على الدابة أو السفينة ،فلو أف يتوجو حيث توجهت
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ كاف يصلي بو دابتو ،ملا رواه أضبد ومسلم والًتمذي :أف النيب َ
على راحلتو حيثما توجهت بو ،وفيو نزلت {فَأَيْػنَ َما تُػ َولُّواْ فَػثَ َّم َو ْجوُ اهلل} [البقرة:
٘ٔٔ] .
وىذا ال خبلؼ فيو بُت العلماء ،إسما اخلبلؼ ىل الواجب استقباؿ عُت الكعبة أـ
استقباؿ اجلهة؟
فذىب الشافعية واْلنابلة إذل أف الواجب استقباؿ عُت الكعبة.
وذىب اْلنفية واملالكية إذل أ ّف الواجب استقباؿ جهة الكعبة،
ىذا إذا دل يكن املصلي مشاىداً هلاّ ،أما إذا كاف مشاىداً هلا فقد أصبعوا أنو ال صمزيو إال
إصابة عُت الكعبة ،والفريق األوؿ يقولوف :ال ب ّد للمشاىد من إصابة العُت ،والغائب
38مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
ال بد لو من قصد اإلصابة مع التوجو إذل اجلهة ،والفريق الثاين يقولوف :يكفي للغائب
التوجو إذل جهة الكعبة.
أدلة الشافعية واْلنابلة:
استدؿ الشافعية واْلنابلة على مذىبهم بالكتاب ،والسنة ،والقياس.
ك َشطَْر املسجد اْلراـ} ووجو أ -أما الكتاب ،فهو ظاىر ىذه اآلية {فَػ َوِّؿ َو ْج َه َ
االستدالؿ :أف املراد من الشطر اجلهة احملاذية للمصلي والواقعة يف مستو ،فثبت أف
استقباؿ عُت الكعبة واجب.
وأما السنة :فما روي يف «الصحيحُت» عن أسامة بن زيد َر ِض َي اللَّوُ َعْنو أنو قاؿ« :ملا
ّ
يصل حىت خرج منو، دل
و ها، ل
ّ ك احيو و ن يف دعا البيت َ
م صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّ
دخل النيب َ
ّ
فلما خرج صلى ركعتُت من قِبَل الكعبة ،وقاؿ :ىذه القبلة» . ّ
قالوا :فهذه الكلمة تفيد اْلصر ،فثبت أنو ال قبلة إال عُت الكعبة.
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ يف تعظيم الكعبة ،أمر ج -وأما القياس :فهو أ ّف مبالغة الرسوؿ َ
وتوقيف صحتها على استقباؿ عُت ُ بلغ مبلغ التواتر ،والصبلة من أعظم شعائر الدين،
الكعبة يوجب مزيد الشرؼ ،فوجب أف يكوف مشروعاً.
وقالوا أيضاً :كو ُف الكعبة قبلة أمر مقطوع بو ،وكوف غَتىا قبلة أمر مشكوؾ فيو ،ورعايةُ
االحتياط يف الصبلة أمر واجب ،فوجب توقيف صحة الصبلة على استقباؿ عُت
الكعبة.
أدلة املالكية واْلنفية:
واستدؿ املالكية واْلنفية على مذىبهم بالكتاب ،والسنة وعمل الصحابة ،واملعقوؿ.
39مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
ك َشطَْر املسجد اْلراـ} ودل يقل: أ -أما الكتاب :فظاىر قولو تعاذل{ :فَػ َوِّؿ َو ْج َه َ
شطر الكعبة ،فإ ّف من استقبل اجلانب الذي فيو املسجد اْلراـ ،فقد أتى دبا أمر بو
أصاب عُت الكعبة أـ ال.َ سواء
الس َبلـُ « :ما بُت املشرؽ واملغرب قِْبلةٌ» . ب -وأما السنة :فقولو َعلَْي ِو َّ
الص َبلة َو َّ
املسجد قبلةٌ ألىل اْلرـ ،واْلر ُاـ قبلةٌ ألىل البيت قبلةٌ ألىل املسجد و ُ وحديثُ « :
األرض يف مشارقها ومغارهبا من أميت» .
ج -وأما عمل الصحابة :فهو أ ّف أىل (مسجد قباء) كانوا يف صبلة الصبح باملدينة،
حولت إذل الكعبة، مستقبلُت لبيت املقدس ،مستدبرين الكعبة ،فقيل هلم :إف القبلة قد ّ
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ
فاستداروا يف أثناء الصبلة من غَت طلب داللة ،ودل ينكر النيب َ
ومسّي مسجدىم (بذي القبلتُت) .ومعرفةُ عُت الكعبة ال تعرؼ إال بأدلة عليهمُ ،
ىندسية يطوؿ النظر فيها ،فكيف أدركوىا على البديهة يف أثناء الصبلة ،ويف ظلمة
الليل؟
د -وأما املعقوؿ :فإنو يتعذر ضبط (عُت الكعبة) على القريب من مكة ،فكيف
بالذي ىو يف أقاصي الدنيا من مشارؽ األرض ومغارهبا؟ ولو كاف استقباؿ عُت الكعبة
أحد قط ،ألف أىل املشرؽ واملغرب يستحيل أف يقفوا واجباً ،لوجب أال تصح صبلة ٍ
ّ
توجو إذل جهة يف حماذاة نيّف وعشرين ذراعاً من الكعبة ،وال ب ّد أف يكوف بعضهم قد ّ
الكعبة ودل يصب عينها ،وحيث اجتمعت األمة على صحة صبلة الكل علمنا أ ّف
ف اهلل نػَ ْفساً إِالَّ ُو ْس َع َها} [البقرة]ٕٛٙ : إصابة عينها على البعيد غَت واجبة {الَ يُ َكلِّ ُ
.
الس َبلـُ بنوا املساجد ،ودل ومن جهة أخرى :فإف الناس من عهد النيب َعلَْي ِو َّ
الص َبلة َو َّ
ضمضروا مهندساً عند تسوية احملراب ،ومقابلةُ العُت ال تُدرؾ إال بدقيق نظر اهلندسة ،ودل
41مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
يقل أحد من العلماء إ ّف تعلم الدالئل اهلندسية واجب ،فعلمنا أف استقباؿ عُت الكعبة
غَت واجب.
الًتجيح :ىذه خبلصة أدلة الفريقُت سقناىا لك ،وأنت إذا أمعنت النظر رأيت أف أدلة
الفريق الثاين (املالكية واألحناؼ) أقوى برىاناً ،وأنصع بياناً ،ال سيما للبعيد الذي يف
أقاصي الدنيا ،وأصوؿ الشريعة السمحة تأىب التكليف دبا ال يطاؽ ،وكأ ّف الفريق األوؿ
حُت أحسوا صعوبة مذىبهم ،خصوصاً من غَت املشاىد هلا قالوا« :إف فرض املشاىد
حساً ،وفرض الغائب عنها إصابة عينها قصداً» وبعد ىذا يكاد للكعبة إصابةُ عينها ّ
يكوف اخلبلؼ بُت الفريقُت شكلياً ،ألهنم صرحوا بأ ّف غَت املشاىد هلا يكفي أف يعتقد
أنو متوجو إذل عُت الكعبة ،حبيث لو أزيلت اْلواجز يرى أنو متوجو يف صبلتو إذل
عينها ،ويف ىذا الرأي جنوح إذل االعتداؿ ،واهلل اهلادي إذل سواء السبيل.
نصو« :واختلفوا ىل قاؿ العبلمة القرطيب :يف تفسَته «اجلامع ألحكاـ القرآف» ما ّ
فرض الغائب استقباؿ العُت ،أو اجلهة ،فمنهم من قاؿ باألوؿ ،قاؿ ابن العرّب :وىو
ضعيف ألنو تكليف ملا ال يصل إليو ،ومنهم من قاؿ باجلهة وىو الصحيح لثبلثة
أوجو:
األوؿ :أنو املمكن الذي يرتبط بو التكليف.
الثاين :أنو املأمور بو يف القرآف لقولو تعاذل{ :فَػ َوِّؿ َو ْج َه َ
ك َشطَْر املسجد اْلراـ} .
الثالث »:أ ّف العلماء احتجوا بالصف الطويل الذي يُعلم قطعاً أنو أضعاؼ عرض
البيت «.
41مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
اْلكم الثالث :ىل تصح الصبلة فوؽ ظهر الكعبة؟
وبناءً على اخلبلؼ السابق :ىل القبلة عُت الكعبة أـ جهتها؟ انبٌت خبلؼ آخر يف
حكم الصبلة فوؽ الكعبة ،ىل تصح أـ ال؟
فذىب الشافعية واْلنابلة :إذل عدـ صحة الصبلة فوقها ،ألف املستعلي عليها ال
يستقبلها إسما يستقبل شيئاً آخر.
وأجاز اْلنفية :الصبلة فوقها مع الكراىية ،ملا يف االستعبلء عليها من سوء األدب ،إال
تصح بناء على مذىبهم من أف القبلة ىي اجلهة :من قرار األرض إذل عناف أ ّف الصبلة ّ
السماء ،واهلل تعاذل أعلم.
42مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
السعي بين الصفا والمروة
اح َعلَْي ِو أَ ْفَ
ُ َنج بل
َ ف
َ ر م
ََ ت
َ اع
ْ وِ َ
أ ت
َ ي
ْ ػب
َْلا ج
َّ ح ن
َْ َ مَف الص َفا والْمروةَ ِمن َشعائِِر اللَّ ِ
و إِ َّف َّ َ َ ْ َ ْ َ
يم ()ٔ٘ٛ ؼ هبِِما ومن تَطََّوع خيػرا فَِإ َّف اللَّو شاكِر علِ َّ
َ َ ٌ َ ٌ يَط َّو َ َ َ َ ْ َ َ ْ ً
التحليل اللفظي
اْلجر األملس ،واشتقاقو من صفا إذا ُ {الصفا واملروة} :الصفا يف أصل اللغة:
ص ْف َو ٍاف}
خلص ،ومنو الصفواف وىو اْلجر األملس الصلب قاؿ تعاذل{ :فَ َمثَػلُوُ َك َمثَ ِل َ
صبع مفردة (صفاة) قاؿ جرير: [البقرة ، ]ٕٙٗ :والصفا ٌ
أصم صلودا إنّا إذا قرع العدو صفاتنا ...القوالنا حجراً ّ
املربد :الصفا كل حجر ال طمالطو غَته من تراب أو طُت. قاؿ ّ
وأما املروة :فقاؿ اخلليل :ىي من اْلجارة ما كاف أبيض أملس صلباً شديد الصبلبة،
سبر قاؿ أبو ذؤيب: وصبعها (مرو) مثل سبرة و ٌ
كل يوـ يُقرع حىت كأين للحوادث َمْروةٌ ...بصفا املشاعر ّ
قاؿ األلوسي :وقد صار يف العُرؼ علمُت ملوضعُت (جبلُت) معروفُت دبكة
{ش َعآئِِر اهلل} :صبع شعَتة وىي يف اللغة العبلمة ،ومنو الشعار للعبلمة ،وأشعر اهلدي َ
ىدي قاؿ الشاعر: أي جعل لو عبلمة ليعرؼ أنو ٌ
هبم يتقرب لهم جيبلً فجيبلً تر ُاى ُم ...شعائر قُربا َف ُ
نقتّ ْ
واملراد أف ىذين املوضعُت من عبلمات دين اهلل ،ومن معاملو ومواضع عباداتو.
والشعائر تطلق على كل معادل الدين اليت تعبدنا اهلل تعاذل هبا كالطواؼ ،والسعي
واألذاف اخل....
الًتدد إذل الشيء ،قاؿ الشاعر: القصد وإكثار ّ ُ اْلج يف اللغة:
{ح َّج} ّ :َ
43مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
يب الزماف ألكربا أدل تعلمي يا ّأـ عمرَة أنٍت ...زباطأين ر ُ
الزبرقاف املزغفرا ٍ
بيت ّضمجوف َ وأشهد من عوؼ حلوالً كثَتة ّ ...
يعٍت يكثروف الًتدد إليو لسؤدده ورياستو.
ويف الشرع :ىو قصد البيت العتيق ألداء املناسك من الطواؼ ،والسعي ،والوقوؼ
بعرفة وسائر األعماؿ.
{اعتمر} :العمرة يف اللغة :الزيارة ،واملعتمر :الزائر ألنو يعمر املكاف بزيارتو لو قاؿ
الشاعر:
ابن َم ْعم ٍر حُت اعتمر» ...ويف الشرع :زيارة البيت ألداء نُسك معُت من «لقد َمسَا ُ
الطواؼ ،والسعي بُت الصفا واملروة واْللق أو التقصَت .وليس يف العمرة وقوؼ بعرفة،
وال مبيت دبزدلفة ،وال رمي صبار إذل آخر ما ىو معروؼ يف الفقو.
امليل إذل اإلمث ،وقيل :ىو اإلمث نفسو ،مسي جناحاً ألنو ميل اح} :اجلناح بالضمُ : {جنَ َ
ُ
إذل الباطل.
قاؿ يف «لساف العرب» :جنح :ماؿ .وجنحت الناقة :إذا مالت على أحد شقيها،
وجنحت السفينة إذا انتهت إذل املاء القليل فلزقت باألرض فلم سبض.
قاؿ ابن األثَت :وقد تكرر اجلناح يف اْلديث فأين ورد فمعناه اإلمث وامليل .واملعٌت :ال
إمث عليكم وال حرج وال تضييق يف السعي بُت الصفا واملروة.
(املزمل) و (امل ّدثر) أصلو املتزمل
يتطوؼ أدغمت التاء يف الطاء ،مثل ّ ؼ} :أي ّ {يَطََّّو َ
واملتدثر ،وطاؼ وأطاؼ دبعٌت واحد.
44مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
سبب النزوؿ
أيت قوؿ اهلل تعاذل{ :إِ َّف أ -عن عائشة ر ِضي اللَّو عْنها أف عروة بن الزبَت قاؿ هلا :أر ِ
ُ َ َ ُ َ
ؼ اح َعلَْي ِو أَف يَطََّّو َ
َ ن
َ ج
ُ بل
َ َف اعتمر ِ
و َ
أ البيت ج
َّ ح
َ ن
ْ م
َ ف
َ اهلل ِ
ر الصفا واملروة ِمن َشعآئِ
َ
أحد ُجناحاً أالّ يطّوؼ هبما ،فقالت عائشة :بئسما قلت يا ابن هبِِما} فما أرى على ٍ
َ
أخيت ،إهنا لو كانت على ما ّأولتها كانت «فبل جناح عليو أف ال يطّوؼ هبما» ولكنها
إسما نزلت أف األنصار قبل أف يسلموا كانوا يهلّوف ملناة الطاغية اليت كانوا يعبدوهنا ،وكاف
صلَّى اللَّوُ أىل هلا يتحرج أف يطوؼ بالصفا واملروة ،فسألوا عن ذلك رسوؿ اهلل َ من ّ
َعلَْي ِو َو َسلَّمَ فقالوا يا رسوؿ اهلل :إنّا كنا نتحرج أف نطوؼ بالصفا واملروة يف اجلاىلية
ِ ِ ِ
سن رسوؿ اهلل فأنزؿ اهلل{ :إ َّف الصفا واملروة من َش َعآئ ِر اهلل } ...قالت عائشة مثّ قد ّ
ألحد أف يدع الطواؼ هبما. صلَّى اللَّو علَي ِو وسلَّمَ الطواؼ هبما فليس ٍ
ُ َْ ََ َ
ب -وأخرج البخاري والًتمذي عن أنس َر ِض َي اللَّوُ َعْنو أنو سئل عن الصفا واملروة
فقاؿ« :كنّا نرى أهنما من أمر اجلاىلية ،فلما جاء اإلسبلـ أمسكنا عنهما ،فأنزؿ اهلل:
{إِ َّف الصفا واملروة ِمن َش َعآئِِر اهلل. }. .
األحكام الشرعية
45مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
ٕ -القوؿ الثاين :أنو واجب وليس بركن ،وإذا تركو وجب عليو دـ ،وىو مذىب (أّب
حنيفة والثوري) .
ٖ -القوؿ الثالث :أنو تطوع (سنّة) ال صمب بًتكو شيء ،وىو مذىب ابن عباس،
وأنس ،ورواية عن اإلماـ أضبد.
دليل املذىب األوؿ:
استدؿ القائلُت بأف السعي ركن وىم (اجلمهور) دبا يلي:
الس َبلـُ « :اسعوا فإ ّف اهلل كتب عليكم السعي» . أ -قولو َعلَْي ِو َّ
الص َبلة َو َّ
الس َبلـُ سعي يف حجة الوداع ،فلما دنا من الصفا قرأ ب -ما ثبت أنو َعلَْي ِو َّ
الص َبلة َو َّ
ِ ِ
{إِ َّف الصفا واملروة من َش َعآئ ِر اهلل} فبدأ بالصفا وقاؿ« :أبدؤوا دبا بدأ اهلل بو» مث أمتّ
السعي سبعة أشواط وأمر الصحابة أف يقتدروا بو فقاؿ« :خذوا عٍت مناسككم»
واألمر للوجوب فدؿ على أنو ركن.
حج من دل يطف بُت الصفا واملروة) . ج -حديث عائشة( :لعمري ما أمتّ اهلل ّ
د -وقالوا :إنو أشواط شرعت يف بقعة من بقاع اْلرـ ،وىو نسك يف اْلج والعمرة،
فكاف ركناً فيهما كالطواؼ بالبيت.
دليل املذىب الثاين:
استدؿ (أبو حنيفة والثوري) على أنو واجب وليس بركن دبا يلي: و ّ
ؼ هبِِ َما} اح َعلَْي ِو أَف يَطََّّو َ
عمن تطّوؼ هبما {فَبلَ ُجنَ َأ -إف اآلية الكرظمة رفعت اإلمث ّ
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ
لكن فعل النيب َ ورفع اجلناح يدؿ على اإلباحة ال على أنو ركن ،و ّ ُ
جعلو واجباً فصار كالوقوؼ باملزدلفة ،ورمي اجلمار ،وطواؼ الصدر ،صمزئ عنو دـ إذا
تركو.
46مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
ب -واستدؿ دبا روى الشعيب عن (عروة بن مضرس الطائي) قاؿ« :أتيت رسوؿ اهلل
ِ
صلَّى اللَّوُ َعلَْيو َو َسلَّمَ باملزدلفة فقلت يا رسوؿ اهلل :جئت من جبل طي ،ما تر ُ
كت َ
الس َبلـُ :من صلى معنا جببلً إال وقفت عليو ،فهل رل من حج؟ فقاؿ َعلَْي ِو َّ
الص َبلة َو َّ
ىذه الصبلة ،ووقف معنا ىذا املوقف ،وقد أدرؾ عرفة قبل ليبلً أو هناراً فقد مت حجو،
وقضى تفثو» .
ووجو االستدالؿ يف اْلديث من وجهُت:
أحدشما :إخباره بتماـ اْلج وليس فيو السعي بُت الصفا واملروة.
والثاين :أنو لو كاف من فروضو وأركانو لبيّنو للسائل لعلمو جبهلو باْلكم.
دليل املذىب الثالث:
واستدؿ من قاؿ بأنو تطوع وليس برك ٍن وال واجب دبا يلي:
ِ ِ ِ
فبُت أنو تطوع وليس بواجب، يم} ّ ع َخ َْتاً فَإ َّف اهلل َشاكٌر َعل ٌ
{وَمن تَطََّو َ
أ -قولو تعاذلَ :
فمن تركو ال شيء عليو عمبلً بظاىر اآلية.
ب -حديث (اْلج عرفة) قالوا :فهذا اْلديث يدؿ على أ ّف من أدرؾ عرفة فقد متّ
حجو ،وىذا يقتضي التماـ من صبيع الوجوه ،العمل ترؾ بو يف بعض األشياء ،فبقي
العمل معموالً بو يف السعي.
قاؿ ابن اجلوزي« :واختلفت الرواية عن إمامنا أضبد يف السعي بُت الصفا واملروة ،فنقل
األثرـ أ ّف من ترؾ السعي دل صمزه حجو ،ونقل أبو طالب :ال شيء يف تركو عمداً أو
سهواً ،وال ينبغي أف يًتكو ،ونقل امليموين أنو تطوع» .
ورجح صاحب «املغٍت» املذىب الثاين وقاؿ :ىو أوذل ألف دليل من أوجبو الًتجيحّ :
ضدؿ على مطلق الوجوب ،ال على كونو ال يتم الواجب إال بو ،وقوؿ عائشة ُم َع َار ٌ ّ
بقوؿ من خالفها من الصحابة.
47مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
الس َبلـُ سعى بُت الصفا واملروة أقوؿ :الصحيح قوؿ اجلمهور ألف النيب َعلَْي ِو َّ
الص َبلة َو َّ
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ واجب
وقاؿ« :خذوا عٍت مناسككم» واالقتداء بالرسوؿ َ
ودعوى من قاؿ :إنو تطوع أخذاً باآلية غَت ظاىر ألف معناىا كما قاؿ الطربي :أف
يتطوع باْلج والعمرة مرة أخرى واهلل أعلم.
48مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
إباحة الطيبات وتحريم الخبائث
ات َما َرَزقْػنَا ُك ْم َوا ْش ُك ُروا لِلَّ ِو إِ ْف ُكْنتُ ْم إِيَّاهُ تَػ ْعبُ ُدو َفياأَيػُّها الَّ ِذين آمنُوا ُكلُوا ِمن طَيِّب ِ
ْ َ َ َ َ َ
ِ ِ
اضطَُّراخلِْن ِزي ِر َوَما أُى َّل بِِو لغَ َِْت اللَّ ِو فَ َم ِن ْ َّـ َو َْلْ َم ْ (ٕ )ٔٚإَِّسمَا َحَّرَـ َعلَْي ُك ُم الْ َمْيتَةَ َوالد َ
يم (ٖ)ٔٚ ح َغيػر ب ٍاغ وَال ع ٍاد فَ َبل إِ ْمث علَي ِو إِ َّف اللَّو َغ ُفور رِ
َ ٌَ ٌ َ َْ َْ َ َ َ
التحليل اللفظي
ضرب من التعظيم ويكوف على {واشكروا للَّ ِو} :الشكر ىو االعًتاؼ بالنعمة مع ٍ
وجهُت:
أحدشما :االعًتاؼ بالنعمة وذلك بالثناء على املنعم {لَئِن َش َكْرُْمت ألَ ِز َ
يدنَّ ُك ْم} [إبراىيم:
.]ٚ
والثاين :صرؼ النعمة فيما يرضي اهلل وذلك باستعماؿ السمع والبصر وسائر اْلواس
فيما خلقت لو.
أىل بكذا أي رفع صوتو ،ومنو يقاؿ: الصوت، رفع اإلىبلؿ : اهلل} {أ ُِى َّل بِِو لِغَ ِْ
َت
ّ
أىل اْلاج رفع صوتو بالتلبية قاؿ الشاعر: إىبلؿ الصيب وىو صياحو عند الوالدة ،و ّ
اكب املعتمر هل الر ُهل بالفرقد ركبا ُهنا ...كما يُ ْ
يُ ّ
وأصل اإلىبلؿ :رفع الصوت عند رؤية اهلبلؿ ،مث استعمل يف رفع الصوت مطلقاً،
العزى ورفعوا بذلك أصواهتم. وكاف املشركوف إذا ذحبوا ذكروا اسم البلت و ّ
حرـ عليكم ما ذبح لؤلصناـ والطواغيت ،وذكر عليو اسم غَت اهلل .قاؿ واملعٌتّ :
العزى.
الزخمشري :وذلك قوؿ أىل اجلاىلية :باسم البلت و ّ
حرـ اهلل.{اضطر} :أي حلّت بو الضرورة وأجلأتو إذل أكل ما ّ
49مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
قاؿ القرطيب :فيو إضمار أي فمن اضطر إذل شيء من ىذه احملرمات أي أحوج إليها
فهو (افتعل) من الضرورة وأصلو (اضطرر) .
{بَ ٍاغ} :الباغي يف اللغة :الطالب خلَت أو لشر ومنو حديث «يا باغي اخلَت أقبل»
ص ىنا بطالب الشر. وخ ُّ
قصد الفساد ،يقاؿ :بغى اجلرح إذا ترامى للفساد .وبغت املرأة إذا قاؿ الزجاج :البغي ُ
{ع ٍاد} :اسم فاعل أصلو من العدواف وىو الظلم وجماوزة اْلد. فجرتَ .
واملراد بالباغي من يأكل فوؽ حاجتو ،والعادي من يأكل ىذه احملرمات وىو صمد
غَتىا.
قاؿ الطربي« :وأوذل ىذه األقواؿ قوؿ من قاؿ{ :فَ َم ِن اضطر َغْيػَر بَ ٍاغ} بأكلو ما حرـ
عليو من أكلو { َوالَ َع ٍاد} يف أكلو ولو يف غَته دما أحلو اهلل لو مندوحة وغٌت»
األحكام الشرعية
51مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
حرـ اهلل امليتة ربرظماً مطلقاً معلقاً بعينها ،فبل صموز االنتفاع بشيء منها إال أف
هبا ،وقد ّ
طمص بدليل صمب التسليم لو «.
51مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو
َو َسلَّمَ معكم من ْلمو شيء فتطعموننا؟ قاؿ :فأرسلنا إذل رسوؿ اهلل َ
منو فأكلو.
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ سبع غزوات
د -وحديث ابن أّب أوىف «غزونا مع رسوؿ اهلل َ
نأكل اجلراد» .
خصص صبهور الفقهاء من اآلية ميتة البحر لؤلحاديث السابقة الذكر ،كما أباحوا فقد َّ
أكل اجلراد ،إالّ أف اْلنفية حرموا الطايف من السمك وأحلّوا ما جزر عنو البحر ْلديث
«ما ألقى البحر أو جزر عنو فكلوه ،وما مات فيو وطفا فبل تأكلوه» .
إالّ أف املالكية أباحوا أكل ميتة السمك ،وبقي اجلراد امليت على ربرًن امليتة :ألنو دل
يصح فيو عندىم شيء.
52مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
وقاؿ من ينتصر ألّب حنيفة :إف اْلديث ضمتمل معٌت آخر ىو أف ذكاة اجلنُت كذكاة
أمو على حد قوؿ القائل قورل قولُك ،ومذىيب مذىبك أي كقولك وكمذىبك وعلى
حد قوؿ الشاعر:
جيدىا ...سوى أ ّف عظم الساؽ منك دقيق
وجيدؾ ُ ِ
فعيناؾ عيناىا ُ
53مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
خالط اللحم غَت حمرـ بإصباع ،وكذلك الكبد والطحاؿ جممع على عدـ حرمتو وإف
كاف يف األصل دماً.
فمحرـ ما دل تعم بو البلوى ،والذي تعم بو البلوى ىو الدـ يف
قاؿ القرطيب« :و ّأما الدـ ّ
اللحم والعروؽ ،وروي عن عائشة أهنا قالت »:كنا نطبخ الربمة على عهد رسوؿ اهلل
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ تعلوىا الصفرة من الدـ ،فنأكل وال ننكره «.
َ
54مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
وقاؿ مالك والشافعي واألوزاعي :ال بأس بأكل كل شيء يكوف يف البحر ،وتفصيل
األدلة ينظر يف كتب الفروع.
55مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
يف القصاص حياة النفوس
اْلُِّر َوالْ َعْب ُد بِالْ َعْب ِد
اْلُُّر بِ ْ
اص ِيف الْ َقْتػلَى ْ ص
َ َْ ُ َ ُقياأَيػُّها الَّ ِذين آمنوا ُكتِب علَي ُكم الْ ِ
َ َُ َ َ
وؼ وأَداء إِلَي ِو بِِإحس ٍ
اف َخ ِيو َشيء فَاتػِّباع بِالْمعر ِ و ْاألُنْػثَى بِ ْاألُنْػثَى فَمن ع ِفي لَو ِمن أ ِ
َ ْ ْ َ
َُ َ ٌ ْ ٌ ٌْ َ َْ ُ َ ُ ْ َ
يم ()ٔٚٛ ذَلِك َزبْ ِفيف ِمن ربِّ ُكم ور ْضبةٌ فَم ِن اعت َدى بػع َد ذَلِك فَػلَو ع َذاب أَلِ
َ ُ َ ٌ ٌ ٌ ْ َ ْ َ َ َ َ َْ َ ْ َ
ُورل ْاألَلْب ِ ِ
اب لَ َعلَّ ُك ْم تَػتَّػ ُقو َف ()ٜٔٚ اص َحيَاةٌ يَاأ ِ َ
ص َِولَ ُك ْم ِيف الْق َ
التحليل اللفظي
ب َعلَْي ُك ُم} معناه يف كل القرآف :فرض عليكم قاؿ ِ ِ
ب} :قاؿ الفراء { ُكت َ { ُكت َ
القصاص ،وىو يف أشعارىم ب َعلَْي ُك ُم القصاص} دبعٌت فُرض عليكم ِ
ُ الطربيُ { :كت َ
مستفيض ،ويف كبلمهم موجود ،وىو أكثر من أف ضمصى.
قتص أثر فبلف إذا فعل مثل فعلو. {القصاص} :أف يفعل بو مثل فعلو من قوهلم :ا ّ
القص وىو تتبع األثر قاؿ تعاذل{ :فارتدا على ّ قاؿ الراغب :القصاص مأخوذ من
ِ
تتبع الدـ بال َق َود قاؿ تعاذل{ :واجلروح
القصاصُ :
ُ صصاً} [الكهف ]ٙٗ :و آثَا ِرشمَا قَ َ
اص} [املائدة. ]ٗ٘ : ِ
ص ٌ قَ
قصصت الشيء إذا تتبعت أثره شيئاً بعد شيء ومنو قولو تعاذل: ُ قاؿ يف اللساف:
القصاص :ال َق َود وىو القتل
ُ ص ِيو} [القصص ]ٔٔ :أي اتبعي أثره ،و ُختِ ِو قُ ِّ
ت أل ْ {وقَالَ ْ
َ
بالقتل .
{القتلى} :صبع قتيل ويستوي فيو املذكر واملؤنث ،كصرعى صبع صريع ،وجرحى صبع
جريح.
ورجل قتيل أي مقتوؿ ،وامرأة قتيل أي مقتولة ،فإذا قلت( :قتيلة
قاؿ يف «اللساف» ٌ :
بٍت فبلف) قلت باهلاء.
56مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
وقاؿ الطربي :وإسما صممع (فعيل) على (فَػ ْعلى) إذا كاف وصفاً داالً على الزمانة حبيث ال
الرباح من موضعو وأصل القتل إزالة الروح عن اجلسد كاملوت، يقدر معو صاحبو على ُ
موت ،قاؿ
قتل ،وإذا عترب بفوت اْلياة يقاؿٌ : ولكن إذا اعترب بفعل الشخص يقاؿٌ :
ات أ َْو قُتِ َل} [آؿ عمراف. ]ٔٗٗ :
تعاذل{ :أَفِإ ْف َّم َ
صفحت عنو ومنو
ُ {عُ ِف َي} :العفو معناه الصفح ،واإلسقاط ،تقوؿ :عفوت عنو أي
{ع َفا اهلل َع َّما َسلَف} [املائدة ]ٜ٘ :وقولو{ :واعف َعنَّا} [البقرة: قولو تعاذلَ :
وعفوت لكم عن صدقة اخليل والرقيق أي أسقطتها عنكم. ُ ]ٕٛٙ
ورضي منو بالدية. واملعٌت :فمن تُِرؾ لو من جهة أخيو شيءٌ أي ترؾ لو القتلُ ،
ورل القتيل بالرفق واملعروؼ، {فاتباع باملعروؼ} :مطالبتو باملعروؼ ،أي يطالبو ّ
ويؤدي إليو القاتل الدية بإحساف ،بدوف دماطلة أو خبس أو إساءة يف األداء.
{فَ َم ِن اعتدى} :أي ظلم فقتل القاتل بعد أخذ الدية فلو عند اهلل عذاب أليم.
{األلباب} :العقوؿ صبع لب ،مأخوذ من لب النخلة.
سبب النزوؿ
بغي وطاعة
أف أىل اجلاىلية كاف فيهم ٌ أ -روي يف سبب نزوؿ ىذه اآلية عن قتادة َّ
عبد آخرين ،قالوا:
عبدىم َ للشيطاف ،وكاف اْلي منهم إذا كاف فيهم عدة ومنعة ،فقتل ُ
تعززاً لفضلهم على غَتىم ،وإذا قتلت امرأةٌ منهم امرأ ًة من آخرين لن نقتل بو إال حراًّ ،
قالوا :لن نقتل هبا إال رجبلً ،فأنزؿ اهلل {اْلر بِا ْْلُِّر والعبد بالعبد واألنثى باألنثى} .
ب -وروي عن (سعيد بن جبَت) أف حيُّت من العرب اقتتلوا يف اجلاىلية قبل اإلسبلـ
قتل وجراحات حىت قتلوا العبيد والنساء ،فلم يأخذ بعضهم من بقليل ،فكاف بينهم ٌ
بعض حىت أسلموا ،فكاف أحد اْليُت يتطاوؿ على اآلخر يف العدة واألمواؿ ،فحلفوا
57مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
أال يرضوا حىت يقتل بالعبد منا اْلر منهم ،وباملرأة منا الرجل منهم فنزؿ فيهم{ :ياأيها
ب َعلَْي ُك ُم القصاص ِيف القتلى . } ... ِ
الذين َآمنُواْ ُكت َ
األحكام الشرعية
58مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
ند اهلل الذين َك َفُرواْ فَػ ُه ْم الَ يػُ ْؤِمنُو َف} [األنفاؿ ]٘٘ :فكيف يُساوى املؤمن الدواب عِ َ
بالكافر ،وكيف يقتل بو؟ .
أدلة اْلنفية:
واستدؿ اْلنفية على مذىبهم ببضعة أدلة نوجزىا فيما يلي:
ب َعلَْي ُك ُم القصاص ِيف القتلى } ...إ ّف اهلل ِ
أوالً :قولو تعاذل{ :ياأيها الذين َآمنُواْ ُكت َ
أوجب قتل القاتل بصدر اآلية ،وىي عامة تعم كل قاتل سواءً كاف حراً أو عبداً،
اْلُِّر والعبد بالعبد } ...إخل فإسما ىو إلبطاؿ مسلماً أو ذمياً ،وأما قولو تعاذل{ :اْلر بِ ْ
الظلم الذي كاف عليو أىل اجلاىلية ،حيث كانوا يقتلوف باْلر أحراراً ،وبالعبد حراً،
وباألنثى يقتلوف الرجل تعدياً وطغياناً ،فأبطل اهلل ما كاف من الظلم ،وأكد القصاص
على القاتل دوف غَته كما فهم ذلك من سبب النزوؿ وقد تقدـ.
َف النفس {وَكتَْبػنَا َعلَْي ِه ْم فِ َيهآ أ َّ
ثانياً :واستدلوا بقولو تعاذل يف سورة [املائدةَ : ]ٗ٘ :
بالنفس } ...قالوا :وىو عموـ يف إصماب القصاص يف سائر املقتولُت ،وشرع من قبلنا
شرعٌ لنا ما دل يرد ناسخ ،ودل ذمد ناسخاً.
{وَمن قُتِ َل َمظْلُوماً فَػ َق ْد َج َع ْلنَا لَِولِيِّ ِو ُس ْلطَاناً}
ثالثاً :واستدلوا كذلك بقولو تعاذلَ :
[اإلسراء ]ٖٖ :فإف ىذه اآلية انتظمت صبيع املقتولُت ظلماً ،عبيداً كانوا أو أحراراً،
وجعل لوليهم سلطاف وىو (القود) أي القصاص. ذميُتُ ،مسلمُت أو ّ
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ « :املسلموف تتكافأ دماؤىم ،ويسعى رابعاً :واستدلوا بقولو َ
بذمتهم أدناىم ،وىم ي ٌد على من سواىم» فيكن العبد مساوياً للحر.
خامساً :واستدلوا حبديث« :من قتل عبده قتلناه ،ومن جدعو جدعناه ،ومن خصاه
خصيناه» .
يفرؽ بُت حر وعبد. قالوا :فهذا نص على أف اْلر يقتل بالعبد ،ألف اإلسبلـ دل ّ
59مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
سادساً :واستدلوا دبا رواه البيهقي من حديث عبد الرضبن البيلماين «أف رسوؿ اهلل
وىف بذمتو «» .صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ قتل مسلماً دبعاىد وقاؿ »:أنا أكرـ َمن ّ
َ
سابعاً :قالوا :ودما يدؿ على قتل املسلم بالذمي اتفاؽ اجلميع على أنو يقطع إذا سرقو،
فوجب أف يقاد منو ،ألف حرمة دمو أعظم من حرمة مالو.
ىذه ىي خبلصة أدلة الفريقُت :عرضناىا باختصار ،وسبب اخلبلؼ يف اْلقيقة يرجع
إذل اختبلؼ العلماء يف فهم اآلية ،فاْلنفية يقولوف :إف صدر اآلية مكتف بنفسو ،وقد
ب َعلَْي ُك ُم القصاص ِيف القتلى} وسائر األئمة يقولوف :ال يتم ِ
مت الكبلـ عند قولوُ { :كت َ
الكبلـ ىاىنا ،وإسما يتم عند قولو{ :واألنثى باألنثى} فهو تفسَت لو وتتميم ملعناه،
واآلية وردت لبياف التنويع والتقسيم.
وقد اعًتض اْلنفية على اجلمهور بأنو ينبغي أال يُقتل الرجل إذا قتل أنثى؟ وكذلك
العبد إذا قتل حراً؟ مع أهنم يقولوف أنو يقتل العبد باْلر ،والرجل باملرأة!!
أجاب اجلمهور :بأف ظاىر اآلية يفيد أال يقتل العبد باْلر ،ولكننا نظرنا إذل املعٌت
فرأينا أف العبد يُقتل بالعبد ،فأوذل أف يقتل باْلر ،وأما قتل الرجل باملرأة فذلك ثابت
خصص اآلية الكرظمة ولوال اإلصباع لقلنا ال يقتل الذكر باإلصباع ،وىو دليل آخر ّ
باألنثى.
يقوؿ فضيلة الشيخ السايس يف كتابة «تفسَت آيات األحكاـ» ما نصو:
«والعقل ظميل إذل تأييد قوؿ أّب حنيفة يف ىذه املسألة ،ألف ىذا التنويع والتقسيم الذي
جعلو الشافعية واملالكية دبثابة بياف (املساواة) املعتربة ،قد أخرجوا منو طردا وعكساً
الرجل يقتل باألنثى ،واألنثى تقتل بالرجل ،وذىبوا إذل أ ّف
األنثى بالرجل ،فذىبوا إذل أف ُ
اْلر ال يقتل بالعبد ،ولكنهم أجازوا قتل العبد باْلر ،فهذا كلو يُضعف مسلكهم يف
61مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
ٍ
وحينئذ يكوف العبد مساوياً اآلية .أما مسلك أّب حنيفة فيها فليس فيو ىذا الضعف،
للحر ،ويكوف املسلم مساوياً للذمي يف اْلرمة ،حمقوف الدـ على التأييد» .
الًتجيح:
أقوؿ :مذىب أّب حنيفة يف قتل اْلر بالعبد معقوؿ املعٌت ،مؤيد «من قتل عبده قتلناه
» ...فاإلسبلـ قد ساوى بُت األحرار والعبيد يف الدماء ،فحرمة العبد كحرمة اْلر،
ونفس العبد كنفس اْلر ،وهلذا يقتل بو .أما قتل املؤمن بالكافر :ففي النفس من قوؿ
أّب حنيفة شيء ،والراجح فيو رأي اجلمهور ال سيما بعد أف تأكد بالدليل الثابت «ال
يُقتل مسلم بكافر» أخرجو البخاري.
تأويل طمالف ىذا. ِ َّ
وكما يقوؿ ابن كثَت َرضبَوُ اللوُ :ال يصح حديث وال ٌ
شر عند اهلل من الدابة؟ واملؤمن مثّ كيف يتساوى املؤمن مع الكافر ،مع أف الكافر ّ
س} [التوبة ]ٕٛ :ويقوؿ{ :قُل الَّ َِّ
طيّب طاىر واهلل تعاذل يقوؿ{ :إسمَا املشركوف َذمَ ٌ
يَ ْستَ ِوي اخلبيث والطيب} [املائدة ، ]ٔٓٓ :فكيف نقتل مؤمناً طاىراً دبشرؾ ذمس؟!
فالراجح إف شاء اهلل يف ىذه املسألة قوؿ اجلمهور .وقد رأيت يف بعض مراجعايت قصة
لطيفة وىي أف (أبا يوسف) القاضي من تبلمذة اإلماـ أّب حنيفة ،رفعت إليو قضية،
تتلخص يف أف مسلماً قتل ذمياً كافراً ،فحكم عليو أبو يوسف بالقصاص ،فبينما ىو
جالس ذات يوـ ،إذ جاءه رجل ٍ
برقعة فألقاىا إليو مث خرج ،فإذا فيها ىذه األبيات:
العادؿ كاجلائر
جرت وما ُ قاتل املسلم بالكاف ِر َ ...يا َ
ببغداد وأطرافِها ...من علماء ِ
الناس أو شاع ِر َ يا َم ْن
فاألجر للصابر
ُ اسًتجعوا واب ُكوا على دينكم ...واصطربوا ُ
جار على الدين أبو يوسف ...بقتلو املؤمن بالكافر
61مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
فدخل أبو يوسف على الرشيد وأخربه اخلرب ،وأقرأه الرقعة فقاؿ لو الرشيد :تدارؾ ىذا
األمر لئبل تكوف فتنة . .فدعا أبو يوسف أولياء القتيل وطالبهم بالبينة على صحة
الذمة وثبوهتا ،فلم يستطيعوا أف يثبتوا فأسقط القود وأمر بدفع الدية.
62مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
مذىب الظاىرية :ورواية عن اإلماـ أضبد :أف اجلماعة ال تقتل بالواحد.
دليل الظاىرية:
ب َعلَْي ُك ُم القصاص ِيف القتلى} فقد ِ
أ -استدؿ أىل الظاىر بآية القصاص { ُكت َ
شرطت املساواة واملماثلة ،قالوا :وال مساواة بُت الواحد واجلماعة.
َف النفس بالنفس} [املائدة]ٗ٘ : {وَكتَْبػنَا َعلَْي ِه ْم فِ َيهآ أ َّ
ب -واستدلوا بقولو تعاذلَ :
فالنفس تقابلها النفس ،وال تقتل األنفس بالنفس الواحدة ألنو خمالف لنص اآلية.
دليل اجلمهور:
أوالً ما روي أف عمر َر ِض َي اللَّوُ َعْنو قتل سبعة يف غبلـ قتل بصنعاء وقاؿ :لو سباأل عليو
أىل صنعاء لقتلتهم.
قاؿ ابن كثَت :وال يُعرؼ لو يف زمانو خمالف من الصحابة وذلك كاإلصباع.
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ أنو قاؿ« :لو أ ّف أىل السماء وأىل ثانياً :ما روي عن رسوؿ اهلل َ
األرض اشًتكوا يف دـ مؤمن لكبّهم اهلل يف النار» قالوا :فإذا اشًتكوا يف العقوبة
األخروية ،فإهنم يشًتكوف يف العقوبة الدنيوية أيضاً.
{ولَ ُك ْم ِيف القصاص حياوة} ولو
ثالثاً :قالوا إف الشارع شرع القصاص ْلفظ األنفس َ
علم الناس أف اجلماعة ال تقتل بالواحد لتعاوف األعداء على قتل أعدائهم ،مث دل يقتلوا
فتضيع دماء الناس ،وينتشر البغي والفساد يف األرض.
ب َعلَْي ُك ُم القصاص} على أضبد بن ِ
قاؿ ابن العرّب« :احتج علماؤنا هبذه اآلية { ُكت َ
حنبل يف قولو :ال تُقتل اجلماعة بالواحد ،ألف اهلل شرط يف القصاص املساواة ،وال
مساواة بُت الواحد واجلماعة.
واجلواب :أف مراعاة القاعدة أوذل من مراعاة األلفاظ ،ولو علم اجلماعة
63مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
أهنم إذا قتلوا واحداً دل يقتلوا بو ،لتعاوف األعداء على قتل أعدائهم ،وبلغوا األمل من
التشفي منهم.
وجواب آخر :أف املراد بالقصاص قَػْت ُل من قَػتَل ،كائناً من كاف ،رداً على العرب اليت
كانت تريد أف تقتل دبن قُتل من دل يَػ ْقتُل يف مقابلو الواحد دبائة افتخاراً واستظهاراً
باجلاه واملقدرة ،فأمر اهلل باملساواة والعدؿ ،وذلك بقتل من قتل» .
65مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
فريضة الصيام على المسلمين
ين ِم ْن قَػْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم َّ ِ
ب َعلَى الذ َ
ِ
الصيَ ُاـ َك َما ُكت َ ب َعلَْي ُك ُم ِّ ِ
ين َآمنُوا ُكت َ
َّ ِ
يَاأَيػُّ َها الذ َ
يضا أ َْو َعلَى َس َف ٍر فَعِ َّدةٌ ِم ْن أَيَّ ٍاـ ِ
ودات فَ َم ْن َكا َف مْن ُك ْم َم ِر ً
تَػتَّػ ُقو َف (ٖ )ٔٛأَيَّاما مع ُد ٍ
ً َْ َ
ع َخْيػًرا فَػ ُه َو َخْيػٌر لَوُ َوأَ ْف ُت فَ َم ْن تَطََّو َ ُخر و َعلَى الَّ ِذين يُ ِطي ُقونَوُ فِ ْديَةٌ طَ َع ُاـ ِمس ِك ٍ
ْ َ أ ََ َ
ضا َف الَّ ِذي أُنْ ِزَؿ فِ ِيو الْ ُق ْرآ ُف وموا َخْيػٌر لَ ُك ْم إِ ْف ُكْنتُ ْم تَػ ْعلَ ُمو َف (َٗ )ٔٛش ْه ُر َرَم َ صُ تَ ُ
ص ْموُ َوَم ْن َّهَر فَػ ْليَ ُ
ِ ِ ٍ ِ
َّاس َوبػَيِّػنَات م َن ا ْهلَُدى َوالْ ُف ْرقَاف فَ َم ْن َش ِه َد مْن ُك ُم الش ْ ُى ًدى لِلن ِ
ِ ِ
يد بِ ُك ُم يد اللَّوُ بِ ُك ُم الْيُ ْسَر َوَال يُِر ُ ُخَر يُِر ُيضا أ َْو َعلَى َس َف ٍر فَع َّدةٌ م ْن أَيَّ ٍاـ أ َ َكا َف َم ِر ً
الْعُ ْسَر َولِتُ ْك ِملُوا الْعِ َّد َة َولِتُ َكبِّػ ُروا اللَّوَ َعلَى َما َى َدا ُك ْم َولَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َف (َ٘ )ٔٛوإِ َذا
اف فَػ ْليَ ْستَ ِجيبُوا ِرل َولْيُػ ْؤِمنُوا َّاع إِ َذا دع ِ
يب َد ْع َوَة الد ِ َ َ يب أُج ُ
سأَلَك ِعب ِادي ع ٍِّت فَِإ ِّين قَ ِر ِ
ٌ َ َ َ َ
اس بالرفَث إِ َذل نِسائِ ُكم ى َّن لِ َّ الصي ِ
اـ ِّ ة
َ ل
َ ػي َل م كُ ل
َ ل
َّ ِّب لَعلَّهم يػر ُش ُدو َف ( )ٔٛٙأ ِ
ُح
َ ٌ ُ َ ْ ُ َ ْ ْ َ ُ ْ َْ
ِ لَ ُكم وأَنْػتم لِ
اب َعلَْي ُك ْم َو َع َفا اس َهلُ َّن َعل َم اللَّوُ أَنَّ ُك ْم ُكْنتُ ْم َزبْتَانُو َف أَنْػ ُف َس ُك ْم فَػتَ َ ب
ْ َ ُْ ٌ
َ
عْن ُكم فَ ْاآل َف ب ِ
ُت لَ ُك ُمب اللَّوُ لَ ُك ْم َوُكلُوا َوا ْشَربُوا َح َّىت يػَتَبَػ َّ َ َ ت
َ ك
َ ا م
َ ا
و غ
ُ ػت
َ ػ
ْب ا
و ن
َّ
َ ُ َ وى
ُ ر اش َ ْ
وى َّن ِ
الصيَ َاـ إِ َذل اللَّْي ِل َوَال تُػبَاش ُر ُ َس َوِد ِم َن الْ َف ْج ِر ُمثَّ أَِسبُّوا ِّ ط ْاألَبػيض ِمن ْ ِ
اخلَْيط ْاأل ْ اخلَْي ُ َْ ُ َ ْ
ُت اللَّوُ آيَاتِِو ِ ك ح ُد ِ ِِِ ِ
ك يػُبَػ ِّ ُ
وىا َك َذل َ ود اللَّو فَ َبل تَػ ْقَربُ ََوأَنْػتُ ْم َعاك ُفو َف ِيف الْ َم َساجد ت ْل َ ُ ُ
َّاس لَ َعلَّ ُه ْم يػَتَّػ ُقو َف ()ٔٛٚ لِلن ِ
التحليل اللفظي
الًتؾ لو ،يقاؿ :صامت اخليل إذا
اإلمساؾ عن الشيء و ُ
ُ {الصياـ} :الصم يف اللغة:
أمسكت عن السَت ،وصامت الريح إذا أمسكت عن اهلبوب.
قاؿ الراغب :الصوـ :اإلمساؾ عن الفعل مطعماً كاف أو كبلماً أو مشياً،
66مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
دمسك عن طعاـ ،أو كبلـ ،أو سَت فهو صائم. قاؿ أبو عبيدة :كل ٍ
ويف الشرع :ىو اإلمساؾ عن الطعاـ ،والشراب ،واجلماع ،مع النيّة من طلوع الفجر إذل
غروب الشمس .وكمالُو باجتناب احملظورات ،وعدـ الوقوع يف احملرمات.
ِ
{فَع َّدةٌ} :قاؿ الراغب :الع ّدةُ ىي الشيء املعدود ،ومنو قولو تعاذل َ
{وَما َج َع ْلنَا
ِع َّدتَػ ُه ْم} [املدثر ]ٖٔ :أي عددىم .واملعٌت :عليو أياـ عدد ما قد فاتو من رمضاف.
كالطحن دبعٌت املطحوف، قاؿ القرطيب« :والعِ ّدةُ فِع ٍلة من الع ّد وىي دبعٌت املعدودِ ،
ْ
تقوؿ :أمسع جعجعةً وال أرى ِطحناً ،ومنو عدة املرأة» .
ُخَر} :صبع أخرى ،أي أياماً أخرى ،وىي دمنوعة من الصرؼ ألهنا معدولة عن آخر {أ َ
الصغَر ،وال ُك َرب .وإسما
على رأي الكسائي ،وعن األلف والبلـ على رأي سيبويو ،مثلُ :
وصف
ٌ أوثر ىنا اجلمع ألنو لو جيء بو مفرداً فقيل :عدة من ٍ
أياـ أخرى ألوىم أنو
لعدة فيفوت املقصود.
{يُ ِطي ُقونَوُ} :أي يصومونو دبشقة وعسر .قاؿ يف «اللساف» :واإلطاقة القدرة على
الشيء ،وىو يف طوقي أي وسعي ،وأطاؽ وإطاقة إذا قوي عليو.
وقاؿ الراغب :والطاقة اسم ملقدار ما ظمكن لئلنساف أف يفعلو دبشقة ،وشبّو بالطوؽ
احمليط بالشيء.
{فِ ْديَةٌ} :الفدية ما يفدي بو اإلنساف نفسو من ماؿ وغَته ،بسبب تقصَت وقع منو يف
عبادة من العبادات ،وىي تشبو الك ّفارة من بعض الوجوه.
الشهر معروؼ ،وأصلو من االشتهار وىو الظهور ،يقاؿ :شهر األمر ُ {ش ْهُر} :
َ
أظهره ،وشهرالسيف استلّو ،ومسي الشهر شهراً لشهرة أمره ،لكونو ميقاتاً للعبادات
واملعامبلت ،فصار مشتهراً بُت الناس.
67مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
الرمض أي شدة وقع الشمس ،والرمضاء شدة ضا َف} :قاؿ الراغب :رمضاف ىو ّ {رَم َ
َ
حر الشمس ،ورمضت الغنم :رعت يف الرمضاء فقرحت أكبادنا .ومسي رمضاف ألنو
يرمض الذنوب أي ضمرقها.
مسوىا باألزموة اليت وقعت قاؿ الزخمشري« :ملا نقلوا أمساء الشهور عن اللغة القدظمةّ ،
اْلر فسمي رمضاف» . فيها ،فوافق ىذا الشهر أياـ رمض ّ
وقيل :إسما مسّي رمضاف ألنو يرمض الذنوب أي ضمرقها باألعماؿ الصاْلة.
متضمن ملا يُستقبح ذكره من ٌ كبلـ
{الرفث} :اجلماع ودواعيو ،قاؿ الراغب :الرفثٌ :
ذكر اجلماع ودواعيو ،وقد جعل كناية عن اجلماع يف قولو تعاذل{ :أ ُِح َّل لَ ُك ْم لَْيػلَةَ
الصياـ الرفث إذل نِ َسآئِ ُك ْم} تنبيهاً إذل جواز دعائهن إذل ذلك ومكاملتهن فيو.
كٍت بو عن اجلماع قاؿ الشاعر: وأصل الرفث :قوؿ الفحش مث ّ
وهبن عن رفث الرجاؿ نَِفار ويػَُريْن من أُنْس اْلديث زوانياً ّ ...
قاؿ ابن عباس :الرفث ىو اجلماع ،إف اهلل َعَّز َو َج َّل كرًن حليم يكٍت.
{زبْتانُو َف} :االختياف من اخليانة ،كاالكتساب من الكسب ،ومعناه :مراودة اخليانة. َ
{عاكفوف} :العكوؼ واالعتكاؼ أصلو اللزوـ ،يقاؿ :عكفت باملكاف أي أقمت بو
ُت حىت يَػْرِج َع إِلَْيػنَا موسى} [طو]ٜٔ : ِ ِِ
مبلزماً قاؿ تعاذل{ :لَن نػَّْبػَر َح َعلَْيو َعاكف َ
ويف الشرع ىو املكث يف املسجد للعبادة بنيّة القربة هلل تعاذل.
ود اهلل} :اْلدود صبع ح ّد ،واْل ّد يف اللغة :املنع ،ومنو مسي اْلديد حديداً ألنو {ح ُد ُ
ُ
البواب ح ّداداً ألنو ظمنع من الدخوؿ أو اخلروج إال بإذف، ظمتنع بو من األعداء ،ومسي ّ
اْلدود ما منع وأح ّدث املرأة على زوجها إذا تركت الزينة وامتنعت منها .قاؿ الزجاجُ « :
اهلل تعاذل من خمالفتها ،فبل صموز جمازوهتا» .
68مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
سبب النزوؿ
صلَّى ِ
ٔ -روى ابن جرير عن معاذ بن جبل َرض َي اللَّوُ َعْنو أنو قاؿ« :إ ّف رسوؿ اهلل َ
اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ قدـ املدينة فصاـ يوـ عاشوراء ،وثبلثة أياـ من كل شهر» ،مث إف اهلل
ب َعلَْي ُك ُم ِ
َعَّز َو َج َّل فرض شهر رمضاف ،فأنزؿ اهلل تعاذل ذكره {ياأيها الذين َآمنُواْ ُكت َ
ُت} فكاف من شاء صاـ، الصياـ} حىت بلغ {و َعلَى الذين يُ ِطي ُقونَوُ فِ ْديَةٌ طَ َع ُاـ ِمس ِك ٍ
ْ َ
ومن شاء أفطر وأطعم مسكيناً ،مث إف اهلل َعَّز َو َج َّل أوجب الصياـ على الصحيح
املقيم ،وثبت اإلطعاـ للكبَت الذي ال يستطيع الصوـ ،فأنزؿ اهلل َعَّز َو َج َّل {فَ َمن َش ِه َد
ص ْموُ . } ... ِ
َّهَر فَػ ْليَ ُ
من ُك ُم الش ْ
ِ
{و َعلَى الذين يُطي ُقونَوُ وروي عن سلمة بن األكوع أنو قاؿ «ملا نزلت ىذه اآلية َ ُٕ -
ُت} كاف من شاء منا صاـ ،ومن شاء أف يفطلر ويفتدي فعل ذلك، فِ ْديَةٌ طَ َع ُاـ ِمس ِك ٍ
ْ
ِ
ص ْموُ} . حىت نزلت اآلية اليت بعدىا فنسختها {فَ َمن َش ِه َد من ُك ُم الش ْ
َّهَر فَػ ْليَ ُ
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ فقالوا :يا حممد ٖ -وروي أف صباعة من األعراب سألوا النيب َ
ِ أقريب ربنا فنناجيو؟ أـ بعي ٌد فنناديو؟ فأنزؿ اهلل {وإِذَا سأَلَ ِ ِ
ك عبَادي َع ٍِّت فَإ ِّين قَ ِر ٌ
يب َ َ َ ٌ
} ...اآلية.
صلَّى اللَّوُ ٗ -وروي البخاري عن (الرباء بن عازب) أنو قاؿ »:كاف أصحاب حممد َ
َعلَْي ِو َو َسلَّمَ إذا كاف الرجل صائماً فحضر اإلفطار فناـ قبل أف يفطر ،دل يأكل ليلتو
وال يومو حىت ظمسي ،وإ ّف (قيس بن صرمة) األنصاري كاف صائماً ،وكاف يعمل
طعاـ؟ قالت :ال، ِ
بالنخيل يف النهار ،فلما حضر اإلفطار أتى امرأتو فقاؿ هلا :أعندؾ ٌ
أنطلق فأطلب لك ،وكاف يومو يعمل ،فغلبتو عيناه فجاءتو امرأتو فلما رأتو ُ ولكن
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو
قالت :خيبةً لك ،فلما انتصف النهار غشي عليو ،فذكر ذلك للنيب َ
69مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
َو َسلَّمَ فنزلت ىذه اآلية {أ ُِح َّل لَ ُك ْم لَْيػلَةَ الصياـ الرفث إذل نِ َسآئِ ُك ْم} ففرحوا فرحاً
ُت لَ ُك ُم اخليط األبيض ِم َن اخليط األسود} . {وُكلُواْ واشربوا حىت يَػتَبَػ َّ َ
شديداً ،فنزلت َ
األحكام الشرعية
71مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
ضا َف
{ش ْهُر َرَم َ
غَته من األوقات ،بإبانتو عن األياـ اليت كتب علينا صومها بقولوَ :
الذي أُنْ ِزَؿ فِ ِيو القرآف} فتأويل اآلية كتب عليكم أيها املؤمنوف الصياـ ،كما كتب على
من قبلكم لعلكم تتقوف ،أياماً معدودات ىي شهر رمضاف» .
71مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
وقاؿ داود :الرخصة حاصلة يف كل سفر ،ولو كاف السفر فرسخاً ألنو يقاؿ لو:
مسافر ،وىذا ما دؿ عليو ظاىر القرآف.
دليل اجلمهور:
استدؿ صبهور الفقهاء على أف املرض اليسَت الذي ال كلفة معو ال يبيح اإلفطار بقولو
يد بِ ُك ُم العسر} فاآلية قد دلت علىيد اهلل بِ ُك ُم اليسر َوالَ يُِر ُ
تعاذل يف آية الصياـ {يُِر ُ
أف الفرض من الًتخيص.
املرض خفيفاً والسفر قريباً فبل يقاؿ إف ىناؾ مشقة رفعت عن الصائم ،فأي مشقة من
وجع األصبع والضرس؟
الًتجيح :أقوؿ ما ذىب إليو اجلمهور ىو الصحيح الذي يتقبلو العقل بقبوؿ حسن،
فإف اْلكمة اليت من أجلها ُر ّخص للمريض يف اإلفطار ىي إرادة اليسر ،وال يراد اليسر
مشقة يف وجع األصبع ،أو الصداع اخلفيف واملرض اليسَت، إالّ عند وجود املشقة ،فأي ٍ
الذي ال كلفة معو يف الصياـ؟ مثّ إف من األمراض ما ال يكوف شفاؤه إال بالصياـ،
جل وعبل إالّ على حسب ما فكيف يباح الفطر ملن كاف مرضو كذلك؟ ودل يكلفنا اهلل ّ
العلة،
يكوف يف غالب الظن ،فيكفي أف يظهر أف الصوـ يكوف سبباً للمرض ،أو زيادة ّ
فأمر يتناىف مع إرادة اليسر باملكلفُت. أما اإلطبلؽ فيو أو التضييق ٌ
قاؿ القرطيب« :للمريض حالتاف :إحداشما -أالّ يطيق الصوـ حباؿ فعليو الفطر واجباً.
الثانية :أف يقدر على الصوـ بضرر ومشقة ،فهذا يستحب لو الفطر ،وال يصوـ إال
مرض يؤملو ويؤذيو ،أو طماؼ سباديو ،أو طماؼ جاىل وقاؿ صبهور العلماء :إذا كاف بو ٌ
صح لو الفطر ،واختلفت الرواية عن مالك يف املرض املبيح للفطر ،فقاؿ مرة: زيادتو ّ
ىو خوؼ التلف من الصياـ ،وقاؿ مرة :ىو شدة املرض ،والزيادة فيو ،واملشقة
الفادحة ،وىذا صحيح مذىبو وىو مقتضى الظاىر» .
72مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
اْلكم الثالث :ما ىو السفر املبيح لئلفطار؟
وأما السفر املبيح لئلفطار فقد اختلف الفقهاء فيو بعد اتفاقهم على أنو ال ب ّد أف
يكوف سفراً طويبلً على أقواؿ:
أ -قاؿ األوزاعي :السفر املبيح للفطر مسافة يوـ.
ب -وقاؿ الشافعي وأضبد :ىو مسَتة يومُت وليلتُت ،ويقدر بستة عشر فرسخاً.
ج -وقاؿ أبو حنيفة والثوري :مسَتة ثبلثة أياـ بلياليها ويقدر بأربعة وعشرين فرسخاً.
حجة األوزاعي:
سفر قصَت قد يتفق للمقيم ،والغالب أف املسافر ىو الذي ال أ ّف السفر أقل من يوـ ٌ
يوـ واحد
يتمكن من الرجوع إذل أىلو يف ذلك اليوـ ،فبل ب ّد أف يكوف أقل مدة للسفر ٌ
حىت يباح لو الفطر.
حجة الشافعي وأضبد:
وتعب اليوـ الواحد يسهل ربملو،
أوالً :أف السفر الشرعي ىو الذي تُقصر فيو الصبلةُ ،
ّأما إذا تكرر التعب يف اليومُت فإنو يشق ربملو فيناسب الرخصة.
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ أنو قاؿ« :يا أىل مكة ال تقصروا يف
ثانياً :ما روي عن النيب َ
أدىن من أربعة بُرد من مكة إذل عسفاف» .
قاؿ أىل اللغة :وكل بريد أربعة فراسخ ،فيكوف جمموعة ستة عشر فرسخاً.
مر
ثالثاً :ما روي عن عطاء أنو قاؿ البن عباس :أقصر إذل عرفة؟ فقاؿ :ال ،فقاؿ :إذل ّ
الظهراف؟ فقاؿ :ال ،ولكن أقصر إذل جدة ،وعسفاف ،والطائف.
قاؿ القرطيب :والذي يف «البخاري» « :وكاف ابن عمر وابن عباس يفطراف ويقصراف يف
أربعة برد ،وىي ستة عشر فرسخاً» .
73مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
وىذا ىو املشهور من مذىب مالك َرِضبَوُ اللَّوُ ،وقد روي عنو أنو قاؿ :أقلو يوـ وليلة،
يوـ وليلة إال واستدؿ حبديث «ال ضمل المرأة تؤمن باهلل واليوـ اآلخر تسافر مسَتة ٍ
ومعها ذو حمرـ» رواه البخاري.
حجة أّب حنيفة والثوري:
ِ
ص ْموُ} يوجب أوالً :واحتج أبو حنيفة بأف قولو تعاذل{ :فَ َمن َش ِه َد من ُك ُم الش ْ
َّهَر فَػ ْليَ ُ
الصوـ ،ولكنّا تركناه يف ثبلثة األياـ لئلصباع على الرخصة فيها ،أما فيما دوهنا
فمختلف فيو فوجب الصوـ احتياطياً.
ثانياً :واحتج بقولو عليو السبلـ« :ظمسح املقيم يوماً وليلة ،واملسافر ثبلثة أياـ ولياليها»
السفر ،والرخص ال تعلم إالّ من الشرع ،فوجب فقد جعل الشارع علة املسح ثبلثة أياـ ُ
اعتبار الثبلث سفراً شرعياً.
الس َبلـُ « :ال تسافر امرأة فوؽ ثبلثة أياـ إال ومعها ذو ثالثاً :وبقولو َعلَْي ِو َّ
الص َبلة َو َّ
فتبُت أف الثبلثة قد تعلق هبا حكم شرعي ،وغَتىا دل يتعلق فوجب تقديرىا يف حمرـ» ّ
إباحة الفطر.
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَقاؿ ابن العرّب يف تفسَته «أحكاـ القرآف» « :وثبت عن النيب َ
أنو قاؿ »:ال ضمل المرأة تؤمن باهلل واليوـ اآلخر أف تسافر مسَتة يوـ وليلة إالّ ومعها
ذو حمرـ «ويف حديث (سفر ثبلثة أياـ) فرأى أبو حنيفة أف السفر يتحقق يف أياـ :يوـ
يتحمل فيو عن أىلو ،ويوـ ينزؿ فيو يف مستقره ،واليوـ األوسط ىو الذي يتحقق فيو
تقصر» .ترخص ،ورجل ّ السَت اجملرد ،فرجل احتاط وزاد ،ورجل ّ
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ منع املرأة أقوؿ :أمور العبادة ينبغي فيها االحتياط ،وملا ثبت عنو َ
من السفر مسَتة ثبلثة أياـ ،وثبت يوـ وليلة وكبلشما يف الصحيح ،لذا كاف العمل
بالثبلث أحوط ،فلعل ما ذىب إليو أبو حنيفة يكوف أرجح واهلل أعلم.
74مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
اْلكم الرابع :ىل اإلفطار للمريض واملسافر رخصة أـ عزظمة؟
ذىب أىل الظاىر إذل أنو صمب على املريض واملسافر أف يفطرا ،ويصوما عدة من أياـ
أخرى ،وأهنما لو صاما ال صمزئ صومهما لقولو تعاذل{ :فَ َمن َكا َف ِمن ُكم َّم ِريضاً أ َْو
ِ
ُخَر} واملعٌت :فعليو عدة من أياـ أخر ،وىذا يقتضي على َس َف ٍر فَع َّدةٌ ِّم ْن أَيَّ ٍاـ أ َ
الوجوب .وبقولو عليو السبلـ« :ليس من الرب الصياـ يف السفر» وقد روي ىذا عن
بعض علماء السلف.
وذىب اجلمهور وفقهاء األمصار إذل أف اإلفطار رخصة ،فإف شاء أفطر وإف شاء صاـ
واستدلوا دبا يلي:
ٔ -قالوا :إف يف اآلية إضماراً تقديره :فأفطر فعليو عدة من أياـ أخر ،وىو نظَت قولو
اؾ اْلجر فانفجرت} [البقرة ]ٙٓ :والتقدير :فضرب صَتعاذل{ :فَػ ُق ْلنَا اضرب بِّػ َع َ
فانفجرت ،وكذلك قولو تعاذل{ :فَ َمن َكا َف ِمن ُكم َّم ِريضاً أ َْو بِِو أَذًى ِّمن َّرأْ ِس ِو فَِف ْديَةٌ}
[البقرة ]ٜٔٙ :أي فحلق فعليو فدية واإلضمار يف القرآف كثَت ال ينكره إال جاىل.
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ باخلرب املستفيض أنو صاـ يف ب -واستدلوا دبا ثبت عن النيب َ
السفر.
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ يف ج -ودبا ثبت عن أنس قاؿ« :سافرنا مع رسوؿ اهلل َ
رمضاف ،فلم يعب الصائم على املفطر ،وال املفطر على الصائم» .
د -وقالوا :إف املرض والسفر من موجبات اليسر شرعاً وعقبلً ،فبل يصح أف يكونا
سبباً للعسر.
75مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
وأما ما استدؿ بو أىل الظاىر من قولو عليو السبلـ «ليس من الرب الصياـ يف السفر»
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ رأى رجبلً يظلّلارد على سبب خاص وىو أف النيب َ فهذا و ٌ
والزحاـ عليو شديد فسأؿ عنو فقالوا :صائم أجهده العطش فذكر اْلديث.
قاؿ ابن العرّب يف تفسَته «أحكاـ القرآف» « :وقد عُزي إذل قوـ :إف سافر يف رمضاف
قضاه ،صامو أو أفطره ،وىذا ال يقوؿ بو إال الضعاء األعاجم ،فإف جزالة القوؿ ،وقوة
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ الصوـ يف
الفصاحة ،تقتضي تقدير (فأفطر) وقد ثبت عن النيب َ
السفر قوالً وفعبلً ،وقد بينا ذلك يف شرح الصحيح وغَته» .
76مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
وذىب اجلمهور إذل أف القضاء صموز فيو كيف ما كاف ،متفرقاً أو متتابعاً ،وحجتهم
ِ
قولو تعاذل{ :فَع َّدةٌ ِّم ْن أَيَّ ٍاـ أ َ
ُخَر} فاآلية دل تشًتط إالّ صياـ أياـ بقدر األياـ اليت
أفطرىا ،وليس فيها ما يدؿ على التتابع فهي نكرة يف سياؽ اإلثبات ،فأي ٍ
يوـ صامو
قضاءً أجزأه.
واستدلوا دبا روى عن أّب عبيدة بن اجلراح أنو قاؿ« :إ ّف اهلل دل يرخص لكم يف فطره
ففرؽ» .
وىو يريد أف يشق عليكم يف قضائو ،إف شئت فواصل وإف شئت ّ
الًتجيح :والراجح ما ذىب إليو اجلمهور لوضوح أدلتهم واهلل أعلم.
77مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
ِ
{و َعلَى الذين وروى البخاري عن عطاء أنو مسع ابن عباس َرض َي اللَّوُ َعْنهما يقرأَ :
ُت} قاؿ ابن عباس :ليست دبنسوخة ،ىي للشيخ الكبَت، يُ ِطي ُقونَوُ فِ ْديَةٌ طَ َع ُاـ ِمس ِك ٍ
ْ
واملرأة الكبَتة ،ال يستطيعاف أف يصوما فيطعماف مكاف كل يوـ مسكيناً.
{و َعلَى الذين يُ ِطي ُقونَوُ}
وعلى ىذا تكوف اآلية غَت منسوخة ،ويكوف معٌت قولو تعاذلَ :
{يطوقونو} أي أي وعلى الذين يقدروف على الصوـ مع الش ّدة واملشقة ،ويؤيده قراءة ّ
يكلّفونو مع املشقة.
78مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
أوالً :أف اْلامل واملرضع يف حكم املريض ،أال ترى إذل قوؿ اْلسن البصري :أي ٍ
مرض
أش ّد من اْلمل؟ يفطراف ويقضياف ،فلم يوجب عليهما غَت القضاء.
ثانياً :الشيخ اهلرـ ال ظمكن إصماب القضاء عليو ،ألنو إسما سقط عنو الصوـ إذل الفدية
لشيخوختو ومانتو ،فلن يأتيو يوـ يستطيع فيو الصياـ ،أما اْلامل واملرضع فإهنما من
أصحاب األعذار الطارئة املنتظرة للزواؿ ،فالقضاء واجب عليهما ،فلو أجبنا الفدية
عليهما أيضاً كاف ذلك صبعاً بُت البدلُت وىو غَت جائز ،ألف القضاء بدؿ ،والفدية
بدؿ ،وال ظمكن اجلمع بينهما ألف الواجب أحدشما.
وقد روي عن اإلماـ أضبد والشافعي أهنما إف خافتا على الولد فقط وأفطرتا فعليهما
القضاء والفدية ،وإف خافتا على أنفسهما فقط ،أو على أنفسهما وعلى ولدشما،
فعليهما القضاء ال غَت.
79مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
وقاؿ مالك :ال ب ّد من شهادة رجلُت عدلُت ،ألنو شهادة وىو يشبو إثبات ىبلؿ
شواؿ ،ال ب ّد فيو من اثنُت على األقل.
قاؿ الًتمذي :والعمل عند أكثر أىل العلم على أنو تقبل شهادة و ٍ
احد يف الصياـ.
روى الدارقطٍت :أ ّف رجبلً شهد عند علي بن أّب طالب على رؤية ىبلؿ رمضاف فصاـ
وأمر الناس أف يصوموا ،وقاؿ :أصوـ يوماً من شعباف أحب إرل من أف أفطر يوماً من
رمضاف.
81مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
األبيض ِم َن اخليط األسود} فأمر بإسباـ الصياـ إذل غروب الشمس ،فإذا ظهر خبلفو
وجب القضاء.
وذىب أىل الظاىر واْلسن البصري إذل أف صومو صحيح وال قضاء عليو لقولو تعاذل:
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ : ِ {ولَيس علَي ُكم جناح فِ
َخطَأْ ُْمت بِو} [األحزاب ]٘ :وقولو َ
يمآ أ ْ
َ ْ َ َ ْ ْ َُ ٌ َ
«رفع عن أميت اخلطأ والنسياف وما استكرىوا عليو» وقالوا :ىو كالناسي ال يفسد
صومو.
الًتجيح :وما ذىب إليو اجلمهور ىو الصحيح ألف املقصود من رفع اجلناح رفع اإلمث ال
رفع اْلكم ،فبل كفارة عليو لعدـ قصد اإلفطار ،ولكن يلزمو القضاء للتقصَت ،أال ترى
أف القتل اخلطأ فيو الكفارة والدية مع أنو ليس بعمد ،وقياسو على الناسي غَت سليم،
ألف الناسي قد ورد فيو النص الصريح فبل يقاس عليو واهلل أعلم.
81مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
اْلكم الثالث عشر :ىل صمب قضاء صوـ النفل إذا أفسده؟
اختلف الفقهاء يف حكم صوـ النفل إذا أفسده ىل صمب فيو القضاء أـ ال؟ على
مذاىب.
مذىب اْلنفية :صمب عليو القضاء ألنو بالشروع يلزمو اإلسباـ.
املتطوع أمَت نفسو.
مذىب الشافعية واْلنابلة :ال صمب عليو القضاء ألف ّ
وذىب املالكية :أنو إف أبطلو فعليو القضاء ،وإف كاف طرأ عليو ما يفسده فبل قضاء
عليو.
دليل اْلنفية:
{مثَّ أَِسبُّواْ الصياـ إِ َذل الليل} قالوا :فهذه اآلية عامة يف كل صوـ ،فكل أ -قولو تعاذلُ :
ٍ
صوـ شرع فيو لزمو إسبامو.
{والَ تبطلوا أ َْع َمالَ ُك ْم} [حممد ]ٖٖ :والنفل الذي شرع فيو عمل ب -قولو تعاذلَ :
من األعماؿ ،فإذا أبطلو فقد ترؾ واجباً ،وال تربأ ذمتو إال بإعادتو.
أصبحت أنا وحفصة صائمتُت متطوعتُت ،فأىدي ُ ج -حديث عائشة أهنا قالت« :
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ بدرتٍت حفصة إلينا طعاـ فأعجبنا فأفطرنا ،فلما جاء النيب َ
فسألتو -وىي ابنة أبيها -فقاؿ عليو السبلـ :صوما يوماً مكانو» .
دليل الشافعية واْلنابلة:
ِ ِ
املتطوع حمسن فليس {ما َعلَى احملسنُت من َسب ٍيل} [التوبة ]ٜٔ :و ّ أ -قولو تعاذلَ :
عليو حرج يف اإلفطار.
ب -حديث «الصائم املتطوع أمَت نفسو ،إف شاء صاـ وإف شاء أفطر» .
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ أمر
لعل ما ذىب إليو اْلنفية يكوف أرجح ألف النيب َ الًتجيح :و ّ
عائشة وحفصة بصياـ يوـ مكانو وىو نص يف وجوب القضاء واهلل أعلم.
82مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
اْلكم الرابع عشر :ما ىو االعتكاؼ ويف أي املساجد يعتكف؟
وحبس نفسو عليو ،براً للشيء املرء ة
ُ مبلزم اللغوي: االعتكاؼ :و
ُ قاؿ الشافعي َرِضبَوُ اللَّ
ُ
َصنَ ٍاـ َّهلُ ْم} [األعراؼ. ]ٖٔٛ :
كاف أو إشباً قاؿ تعاذل{ :يَػ ْع ُك ُفو َف على أ ْ
واالعتكاؼ الشرعي :املكث يف بيت اهلل بنيّة العبادة ،وىو من الشرائع القدظمة قاؿ اهلل
تعاذل{ :وطَ ِّهر بػي ِ ِ ِِ
{والَ تباشروىن
ُت والقآئمُت} [اْلج ]ٕٙ :وقاؿ تعاذلَ : يت للطَّآئف َ َ ْ َْ َ
َوأَنْػتُ ْم عاكفوف ِيف املساجد} ويشًتط يف االعتكاؼ أف يكوف يف املسجد لقولو تعاذل:
{وأَنْػتُ ْم عاكفوف ِيف املساجد} وقد وقع االختبلؼ يف املسجد الذي يكوف فيو َ
االعتكاؼ على أقواؿ:
خاص باملساجد الثبلثة (املسجد اْلراـ ،واملسجد ٌ أ -فقاؿ بعضهم :االعتكاؼ
النبوي ،واملسجد األقصى) وىي مساجد األنبياء عليهم السبلـ ،واستدلوا حبديث« :ال
تشد الرحاؿ إالّ إذل ثبلثة مساجد ». .اْلديث وىذا قوؿ سعيد بن املسيّب.
ٕ -وقاؿ بعضهم :ال اعتكاؼ إال يف مسجد ذبمع فيو اجلماعة ،وىو قوؿ ابن
مسعود وبو أخذ اإلماـ مالك َرِضبَوُ اللَّوُ يف أحد قوليو.
ٖ -وقاؿ اجلمهور :صموز االعتكاؼ يف كل مسجد من املساجد لعموـ قولو تعاذل:
تعُت مسجداً خمصوصاً {وأَنْػتُ ْم عاكفوف ِيف املساجد} وىو الصحيح ألف اآلية دل ّ َ
فيبقى اللفظ على عمومو.
قاؿ أبو بكر اجلصاص« :حصل اتفاؽ صبيع السلف أ ّف من شرط االعتكاؼ أف يكوف
يف املسجد ،على اختبلؼ منهم يف عموـ املساجد وخصوصها ،وظاىر قولو تعاذل:
{وأَنْػتُ ْم عاكفوف ِيف املساجد} يبيح االعتكاؼ يف سائر املساجد لعموـ اللفظ ،ومن َ
اقتصر بو على بعضها فعليو بإقامة الدليل ،وزبصيصو دبساجد اجلماعات ال داللة
83مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة
خصو دبساجد األنبياء ملا دل يكن عليو دليل سقط اعتباره»
ّ عليو ،كما أف زبصيص من
ّ
.
وأما املرأة فيجوز هلا أف تعتكف يف بيتها لعدـ دخوهلا يف النص السابق:
اْلكم اخلامس عشر :ما ىي مدة االعتكاؼ وىل يشًتط فيو الصياـ؟
اختلف الفقهاء يف املدة اليت تلزـ يف االعتكاؼ على أقواؿ:
أ -قلة يوـ وليلة ،وىو مذىب األحناؼ.
ب -أقلو عشرة أياـ ،وىو أحد قورل اإلماـ مالك.
ج -أقلو ْلظة وال ح ّد ألكثره وىو مذىب الشافعي.
وصموز عند الشافعي وأضبد (يف أحد قوليو) االعتكاؼ بغَت صوـ.
وقاؿ اجلمهور (أبو حنيفة ومالك وأضبد) يف القوؿ اآلخر :ال يصح االعتكاؼ إال
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّمَ قاؿ« :ال اعتكاؼ إال
بصوـ .واحتجوا دبا روتو عائشة أف النيب َ
بصياـ» .
{وُكلُواْ
وحديث «اعتكف وصم» وقالوا :إف اهلل ذكر االعتكاؼ مع الصياـ يف قولوَ :
{وأَنْػتُ ْم عاكفوف ِيف املساجد} فدؿ على أنو ال اعتكاؼ إال واشربوا} إذل قولوَ :
بصياـ.
قاؿ اإلماـ الفخر« :صموز االعتكاؼ بغَت صوـ ،واألفضل أف يصوـ معو وىو مذىب
الشافعي ،وقاؿ أبو حنيفة :ال صموز إال بالصوـ.
حجةُ الشافعي َر ِض َي اللَّوُ َعْنو ىذه اآلية ،ألنو بغَت الصوـ عاكف ،واهلل تعاذل منع
العاكف من مباشرة املرأة» .
84مقرر تفسير آيات األحكام للسنة األولى :المعهد العالى دار النحاة