Professional Documents
Culture Documents
عن بداية الحروف 03
عن بداية الحروف 03
كانت اسرار هللا والخلق كنزًا مودعا في خزانة علم الحروف وهو علم مخزون ،في كتاب مكنون ،ال يمسه إال
المطهرون ،وال يناله إال المقربون ،ألنه منبع أسرار الجالل ،ومجمع أسماء الكمال ،افتتح هللا به السور ،
وأودعه سر القضاء والقدر ،وذلك بأن هللا تعالى لما أراد إخراج الوجود من عالم العدم إلى عالم الكون ،أراد
ايجاد العلويات والسفليات باختالف أطوار تعاقب األدوار وأبرزها من مكامن التقدير ،إلى قضاء التصوير ،
وعبأ فيها أسرار الحروف التي هي معيار اإلقرار ،ومصدار اآلثار ،ألن الباري تعالى بالكلمة تجلى لخلقه
وبها احتجب.
ثم أوجد هللا طينة آدم (من حمأ مسنون) في العمل الذي هو عبارة عن االختراع األول ،من غير مثال ،وال
تعديل تمثال ،ثم ركز في جبلة االيجاد ( وهي في العماء) نسبة من تلك الحروف ورتبها حتى استشرق منها في
عالم اإليجاد لطائف العقل لبداية إشراق الظهور االنساني (خلق االنسان من علق)،
ثم نقله بعد ذاك في أطوار الهباء الذي هو عبارة عن االختراع الثاني ،ورتب فيه رتبة من الحروف التي
ركزها في جبلة االيجاد ( العماء خ .ل ) حتى استشرقها في عالم اإليجاد بلطايف روحه في االختراع الثاني،
ثم نقله بعد ذلك في اطوار الملكوت ورتب فيه رتبة من الحروف التي ركزها في جبلة االيجاد حتى استشرقها
في عالم اإليجاد بلطايف النفس الواحده االبداع االول،
ثم نقله بأطوار الذر الذي هو عبارة عن اإلبداع الثاني ،وأوجد فيه نسبة من الحروف التي وضعها في جبلتها
الفطرية ،حتى استشرق بها في عالم اإليجاد بلطايف القلب في اإلبداع الثاني .
فالحروف معانيها في العقل ،ولطايفها في الروح ،وصورها في النفس ،وانتقاشها في القلب ،وقوتها
الناطقة في اللسان ،وسرها المشكل في األسماع .
ولما كان المخاطب األول هو الُم خترع األول ،وهو العقل النوراني ،كان خطاب الحق بما فيه من معاني
الحروف واستخدام الحروف .ومجموع هذه الحروف في سر العقل كان ألفا واحدا ألنه بالقوة الحقيقية مجموع
كل الحروف في االلف ،والعقل النوراني االول هو الذي سمع أسرار العلوم بحقيقة هذه الحروف قبل سائر
األشياء ،والعقل هو صاحب الرمز واإلشارة ،والحقيقة واإليماء ،واإلدراك .
والحروف في لطيفة الروح شكل الضلعين من أضالع المثلث المتساوي األضالع ،ضلع قائم ،وآخر مبسوط
على هذه الصورة ،والقائم ضلع األلف ،والمبسوط ضلع الباء .وإنما قلنا بأن الحروف في لطيفة الروح شكل
ضلعين ،ألن فيض األنوار البسيطة التي في العقل بالفعل هي في الروح بالقوة فاتفقا في وجود األسرار ،
وتباينا في اختالف األطوار .
ومن حيث إن الروح تستمد من العقل ،والنفس تستمد من الروح ،وجميع األنوار العلوية تستمد من نور
العرش ،كذلك سائر الحروف تستمد من نور األلف ،ورجوع السفلي والعلوي منها إليها ،وكل حرف من
الحروف قائم بسر األلف واأللف سر الكلمة ،ومالئكة النور الحاملون للعرش من ذوات هذه الحروف ،واألول
منها المتعلق بالعقل اسمه األلف والموحدون لحضرة الجالل أربعة (أبجد) العقل ،والروح ،والنفس ،والقلب.
والقلب هو الموحد الرابع ،وتوحيده بسر الحروف التي أوجدها الحق في جبلته ،ألن القلب لوح النقوش
الربانية ،بل هو اللوح المحفوظ بعينه .
ومن هاهنا اختلفت الحروف باختالف أوضاعها ونسبتها إلى أحوال آدم فخط األلف هو رمز العقل االول والقلم
االول يوم خلقه(أ) ،وخط الباء يوم تسويته وبسطه(ب) ،وخط الجيم يوم نفخ الروح فيه (ج) ،والدال رمز ليوم
السجود .
فكان تركيب البنية اإلنسانية بالحكمة اإللهية بدأت من شكل تربيعي ،وتربيع طبيعي ،ومن عالمي االختراع
واإلبداع ،فعلم أن العالم العلوي والسفلي بأجمعهما داخالن تحت فلك األلف الذي هو عبارة عن االختراع
األول ( ،والعرش العظيم ،والعقل النوراني ،والجبروت األعلى ،وسر الحقيقة وحضرة القدس وسدرة
المنتهى ) وساير الحروف إجماال وتفصيال انبعثت عنه ،وجميعها باختالف أطوارها وتباين آثارها تستمد منه.
ويرجع إلى الرب سبحانه وتعالي خلق الخلق بسر هذه الحروف ،وفي عالم األمر يصدر عن هللا االمر ب كن
فيكون ،وكالمه سبحانه في حضرة قدسه إنما سمع بهذه الحروف ،وهي (هذه الحروف) قائمة بذات الحق
سبحانه ،وأسماؤه الحسني المخزونة المكنونة مندرجة تحت سجل هذه الحروف ،واأللف منها أول
المخترعات ،ومن هذه الحروف كانت سائر مراتب العالم ،وجميع الحروف محتاجة إلي األلف وهو غني
عنها ،كما الرقم واحد ،فإن سائر األعداد ال تستغني عنه ،وهو ال يحتاج إليها.
ومن عرف ظاهر األلف وباطنه ،وصل إلى درجة الصديقين ،ومرتبة المقربين ،ألن له ظاهرا وبطونا ،
فظاهره :العرش ،واللوح ،والقلم ( .وهو مركب من ( ) 3نقط :الواحدة والواحدة والواحدة ،وبحثها يأتي
فيما بعد).
وباطنه األول (أ+ل+ف= ) 3وهي :العقل ،والروح ،والنفس .
وباطنه الثاني ( ) 111 =80+30+1وهو عدد بسائطه ،فإذا أخذ منه ( ) 12وهي عدد أسماء األعداد بقي (
) 99وهي عدد األسماء الحسنى ،
وباطنه الثاني (ل= ) 71 =40+1+30وهو عدد الالم الفايض عنه ،وهذا العدد مادة االسم األعظم وحرف من
ظاهر االسم األعظم ،
وباطنه الثالث ( ) 42وهو فيض الالم ،وهو الميم ،وعدده ( ) 45وعددان في األلف والالم ،وهذا العدد
ظاهر االسم األعظم وباطنه ،
الرابع إن ضرب مفرداته في نفسها ( ) 9والفتق الفايض عنه في فتق الحروف أيضا ( ) 9وهي ألف ل ف
ألف م م ى م ،والعرش ،واللوح ،والقلم ،مفرداتها أيضا ( ) 9وهي ع ر ش ل و ح ق ل م ،والعقل ،
والنفس ،والروح ،أيضا كذلك ع ق ل ن ف س روح .
ف(ألف) هي الكلمة التي تجلى فيها الجبار بخفي األسرار .فمن عرف ظاهره وباطنه ،أدرك خفي األسرار ،
ومكنون األنوار ،ألنه حرف يستمد من قيومية الحق والكل يستمد منه.
فالقلم هو فعل العقل الذي كتب في الكتاب واللوح المحفوظ كل ما كان ويكون من بدء الخلق حتي قيام الساعه.
والقلم هو فعل عقلنا الذي يكتب كل يوم في صحائفنا اعمالنا وقرارتنا وتقديراتنا التي تحدد وتشكل وتصور
مصيرنا في النهايه وتنتج احداث حياتنا.
والقلم ببسايطه ( ) 3أحرف (ق ل م) وهو الكائن ألسرار القدر ،وهو سر االسم األعظم ،والقلم حرفه األول
القاف هو الحرف المحيط بالعالم ظاهرا ،وبالعلم باطنا وعدده ( . ) 181فإذا أخذ منه عدد االسم األعظم
(ألف) ،وهو ( ) 111بقي ( ) 70وهي مادة االسم األعظم ،وحرف من حروفه ،كما أن السين حرف من
حروف ظاهر االسم األعظم ،ومن علم باطن السين علم االسم األعظم.
وحرفه الثاني :ل ،والثالث :م ،ومن هذه الحروف تتركب العوالم بأسرها ،وسائر الموجودات بأجمعها
داخلة تحت ( )299أسماء ،واألسماء داخلة تحت االسم األعظم ،واالسم األعظم هو المائة والقاف بحسابه
العددي مائة.
و حرف الجيم هو الضلع الثالث المكمل المثلث وهو الضلع الذي انبسط فيه سر األلف والباء من وجود ،
وظهر في أطوار الجبر ،والجود ،فتجلى في الجبار والجواد ،فله الجبروت والجود .
وكانت حكمة هللا ان تكون الكتابه واالفكار من جواهر عملية الخلق حيث ال يتم امر او مشيئه هلل او تفصيله في
خلقه اال وكانت مكتوبه مسبقًا ولما كانت الغايه منه وهو االشعار والشعور والتعريف والمعرفه والحب
والواليه.
كانت الكاف كافيه لكون كل مشيئه الهيه وبها ابتدأ هللا أمره (كن) ليكون الكون كله.
ومن الكاف اتت افعال خلق الكون و الكينونه ونشأت الكيانات والكوائن وكل ما هو كائن مفردًا كان او متراكب
ومن الكاف كان كل كيف وكل كم وكل ركم وتراكم وكل تركيب وتراكب وكل كائن وكينونة وكنه من كل
ممكن االيجاد ومن الكاف كانت كل فكره وكل كره من كل فعل وكل فعل من كل كره.
فالكاف هو باطن العلم وباطن األمر وباطن العرش والكرسي ،وباطن الصور السمائية واألرضية .فال وجود
اال وكان بداية فكره تكتب فتكون كرة من فعل موجد.
حرف الثاء (ثمرة ما كان من الباء الي التاء او من التاء الي الباء)
وحرف :ث حرف ظهر في الوارث والباعث ،وظهوره في الوارث إشارة إلى فناء الموجودات ،وفي الباعث
إشارة إلى القدرة على بعثهم بعد الممات ،وجمعهم بعد الشتات .وهو الحرف المعبر عن الرقم ( )3وهو
الحرف المعبر عن التكاثر والكثره كصفه اصيله للواحد فكانت االثنين وكانت االتثي وكانت الثالثه وكان
التكاثر والكثره والثبات.
وحرف الزاي حرف شريف ،ظهر في العزيز ،فالعزة هلل جميعا ،ومنه وصول العز إلى سائر العالم
بالترتيب ،فبعض العالم يستمد لعزه من بعض فكره ،التراب يستمد من الماء ،والماء من الهواء ،والهواء من
النار ،والنار من الفلك ،وهكذا ترتيب العزة في األكوان ،وإليه اإلشارة بقوله تعالى :وتعز من تشاء وتذل من
تشاء .
وحرف الواو ،حرف من حروف العرش ،سيار في أجزاء العالم ،متعلق بطرفي الخلق ،واألمر كن فيكون .
ولما كان هذا العلم الشريف ،إشارات ورموزا ،أوردت منه ها هنا ما فيه إشارة وتنبيه .
علم النقطه
وأما علم النقط والدوائر ،فهو من أجل العلوم ،وغوامض األسرار ،ألن منتهى الكالم إلى الحروف ،ومنتهى
الحروف إلى األلف ،ومنتهى األلف إلى النقطة ،والنقطة عندهم عبارة عن نزول الوجود المطلق الظاهر
بالباطن ،ومن االبتداء باالنتهاء ،يعني ظهور الهوية التي هي مبدأ الوجود التي ال عبارة لها وال إشارة .
ولما كان األلف ،قائما بسر العقل ،والعقل قائم به ،وتمام الحروف في سر األلف ،لكن بينهما تباين في الرتبة
،فألف العقل قائم ،وألف الروح مبسوط ،وهذا العلم الشريف لو كشف للناس منه سر ما بين األلف والالم
والميم التي هي جوامع األمر الحكيم ،الضطرب كل سليم ،وجهل كل عليم ،كما ورد عن ابن سنان عن أبي
عبد هللا عليه السالم أنه قال :يا محمد إن في سورة األحزاب آيا محكما ،لو قدرنا أن ننطق به ،لنطقنا ،فلكفر
الناس إذًا وجحدوا وضلوا ،ولكن كما قيل :
ومستخبر عن سر ليلى أجبته * بعمياء عن ليلى بغير يقين
يقولون خبرنا فأنت أمينها * وما أنا إن خبرتهم بأمين.
وسر هللا مودع في كتبه ،وسر الكتب في القرآن ،ألنه الجامع المانع ،وفيه تبيان كل شئ ،وسر القرآن في
الحروف المقطعة في أوائل السور ،وعلم الحروف في الم ألف ،وهو األلف المعطوف المحتوي على سر
الظاهر والباطن ،وعلم الالم ألف في األلف ،وعلم األلف في النقطة ،وعلم النقطة في المعرفة األصلية ،
وسر القرآن في الفاتحة ،وسر الفاتحة في مفتاحها ،وهي بسم هللا ،وسر البسملة في الباء ،وسر الباء في
النقطة .
والفاتحة هي سورة الحمد ،وأم الكتاب ،وقد شرفها هللا تعالى في الذكر فأفردها ،وأضاف القرآن إليها فقال
عز اسمه :ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم .فذكرها إجماال وإفرادا وذلك لشرفها ،وهذا مثل
قوله :حافظوا على الصلوات والصالة الوسطى أدخلها إجماال ،وأفردها إجالال ،والصالة الوسطى هي
صالة المغرب ظاهرا ،وفي وقت أدائها تفتح أبواب السماء ،ويجب التعجيل بها لقوله صلى هللا عليه وآله :
( عجلوا بالمغرب ).
هذا ويستمر البرسي بذكر أسرار بعض الحروف ،وقد أعرضنا عن ذكرها خشية اإلطالة والخروج عن
المنهجية وحيث أننا قد استفدنا مما ذكره البرسي ما يلي :
-إثبات أن الحروف هي من خلق هّللا عز وجل ،ويكفي ما نقلناه للداللة على ذلك.
-إعالم القارئ الكريم أن للحروف أسرارا منها ظاهر بّين عّلمه هّللا عباده ،وهذا هو المتداول في علم الحروف
التي تكتنف اللغات قديما وحديثا ،فقد كتبت بها البشرية حضارتها وتاريخها وسائر شئونها ،وسيبقى هذا العلم
متداوال بين الناس إلى ما شاء هّللا سبحانه وتعالى.
ومنها ما زال يكتنفه السر اإللهي المكنون الذي اختص هّللا سبحانه به نفسه القدسية ،وعلمه أنبياءه وأوصياء
أنبيائه والمقربين لديه ،وهذا ال سبيل إلى معرفته على االطالق لعامة البشرية ،ولما كان أكثر الذي ذكره
الحافظ رجب البرسي من هذا النوع األخير ،فقد فضلنا عدم التورط في نقله ألننا والحق يقال عاجزون عن
فهمه وإدراك حقيقته وال نستطيع أن نقول فيه شيئا لعدم علمنا ،وحيث أنه من األسرار اإللهية.
هذا والمتتبع لفصول كتاب الحافظ رجب البرسي يجده قد خّص كل حرف من حروف الهجاء بأسرار خاصة به
وله عالقة بالمخلوقات العلوية والسفلية وغيرها.
هذا وقد ذكر لطائف من أسرار القرآن الكريم ،وأسرار بعض السور القرآنية ،وفصل القول في الحروف
المقطعة في أوائل بعض السور القرآنية مثل «ك ه ي ع ص» ،وقال إن هذه الحروف إذا حذف المكرر منها
فما تبقى يحتوي على العبارة التالية «صراط علي حق نمسكه» وقد حاول بعضهم أن يصوغها في عبارة
أخرى ولكنها جاءت مشوشة ال يحسن السكوت عليها باإلضافة إلى كونها تتعارض مع قدسية القرآن الكريم،
وما يتعارف عليه النطق العربي الفصيح وما يمكن أن يقال عنه أنه سر من األسرار ..إلخ.
فثبت أن العبارة المقبولة هي فقط عبارة «صراط علي حق نمسكه» هذا وقد قمت بدراسة وتحقيق هذا
الموضوع وسميتها «سر من القرآن نعلنه ،صراط علي حق نمسكه» وقد أودعت هذه الدراسة في الجزء
الثالث من كتابي «الحقيبة النجفية» والحمد هّلل رب العالمين .وسوف أنقله مختصرا إلى هذا الكتاب في فصل ال
حق إن شاء هّللا سبحانه وتعالى.
يفتتح الشيخ األكبر محيي الدين ابن العربي مؤلفه الضخم والشهير "الفتوحات المكية" بقوله في بداية خطبة
الكتاب "الحمد ِهلل الذي َأْو َج َد األشياَء عن َعَد ٍم وَعَد َم ُه ،وأوقَف وجودها على توّج ِه َك ِلِمِه ،لنتحّقق بذلك سّر
ُحدوثها وِقَد َم ها من ِقَدمه ،]1["..وهي بال شك إشارة افتتاحية تحيل إلى رؤيته الشاملة للخلق ،والوجود والعدم.
ثم يرد حديث الشيخ األكبر حول الوجود والعدم مفّر ًقا في الفتوحات المّك ية ،وذلك في المواضع التي يقتضي
التفصيُل في مواضيعها واكتماُل الرؤية حولها التطرَق لهاتين المسألتين أو التعّم ق فيهما ،وبذلك فإن الفتوحات
المكية هي بال شك مصدر رئيسي لفهم رؤية ابن العربي لمسألتْي الوجود والعدم ،باإلضافة إلى مختلف كتبه
ورسائله.
الوجود والعدم نسب وإضافات ال صفات
بداية ،يوضح ابن العربي في رسالته "إنشاء الدوائر" أن الوجود والعدم ليسا صفتين للموجود والمعدوم بل هما
من النسب واإلضافات إذ يقول" :فالوجود والعدم عبارتان عن إثبات عين الشيء أو نفيه ،ثم إذا ثبت عين
الشيء أو انتفى فقد يجوز عليه االتصاف بالعدم والوجود مًعا ،وذلك بالنسبة واإلضافة؛ فيكون زيد ــ الموجود
في عينه ــ موجوًدا في السوق معدوًم ا في الدار .فلو كان العدم والوجود من األوصاف التي ترجع إلى الموجود
كالسواد والبياض الستحال وصفه بهما مًعا ..وقد صّح وصفه بالعدم والوجود في زمان واحد ،هذا هو الوجود
اإلضافي ،والعدم مع ثبوت العين ،فإذا صّح أنه ليس بصفة قائمة بموصوف محسوس وال بموصوف معقول
وحده دون إضافة ،فيثبت أنه من باب اإلضافات والنسب مطلًقا ،مثل المشرق والمغرب واليمين والشمال
واألمام والوراء ،فال ُيَخ ّص بهذا الوصف وجود دون وجود.]2[".
إن كون الوجود والعدم من النسب واإلضافات هو مسألة جوهرية ،بل أساس معرفّي ينطلق منه ابن العربي
لتكوين رؤيته الشاملة للوجود والعدم .فال يمكن الحديث عن وجود الشيء أو عدمه إال بالنسبة إلى عالم أو مكان
ما ،بمعنى أن كون الشيء ــ وهو زيد في المثال السابق ــ غير موجود في البيت فهذا ال يعني أن زيد غير
موجود مطلًقا فنحن نعلم بوجوده أي هو موجود من حيث العلم به ،فهو وإن لم نره عياًنا في البيت إال أنه
موجود في مكان أو في عالم آخر ،وفي ذات الوقت فإن كون زيد موجود بعينه وموجود في السوق فإن ذلك ال
يعني أنه ال يصح إطالق العدم على زيد ،فهو غير موجود ــ معدوم ــ في البيت .ثم يطرح ابن العربي السؤال
التالي ليجيب عليه وهو" :كيف يصح أن يكون الشيء معدوًم ا في عينه يتصف بالوجود في عالم ما أو بنسبة
ما ،فيكون موجوًدا في عينه معدوًم ا بنسبة ما؟" ،أي كيف يصح أن يكون الشيء موجوًدا ومعدوًم ا في آن
واحد ،يقول ابن العربي" :لكل شيء في الوجود أربع مراتب ..وجود الشيء في عينه [أي ظاهر للعيان]..
وجوده في العلم [أي معلوم] ..وجود في األلفاظ [أي ُيحكى به] ..والمرتبة الرابعة :وجوده في الّرقوم [أي
مكتوًبا] .]3["..إًذ ا فوجود الشيء في العلم هو مرتبة وجودية وإن انتفى وجود الشيء في الظاهر أو
المحسوس.
األعيان الثابتة
يضرب ابن العربي المثال السابق ليقدم رؤيته حول أصل أو ماهية الموجودات في العالم قبل الخلق ،أو
اإلنشاء ،وحالها بعد الخلق وظهورها في هذا العالم؛ فالموجودات إنما هي باألصل "أعياٌن ثابتة" موجودة في
"علم هللا القديم" ،أو في "الحضرة العلمية"[ ،]4والعين الثابتة كما يعرفها الجرجاني "هي حقيقة في الحضرة
العلمية ليست بموجودة في الخارج بل معدومة ثابتة في علم هللا تعالى"[ .]5ويقول الجرجاني في موضع آخر
من معجمه" :األعيان الثابتة هي حقائق الممكنات في علم الحق تعالى ،وهي صور حقائق األسماء اإللهية في
الحضرة العلمية ال تأّخ ر لها عن الحق إال بالذات ال بالزمان ،فهي أزلية وأبدية ،والمعنى باإلضافة :التأخر
بحسب الذات ال غير"[ .]6وتوضح سعاد الحكيم هذا المصطلح فتقول" :عبارة عين ثابتة مرّك بة من لفظين،
يقصد ابن عربي بالعين :الحقيقة أو الذات أو الماهية .ويقصد بالّثبوت هنا :الوجود العقلي أو الذهني كوجود
ماهية اإلنسان أو ماهية المثلث في الذهن ،في مقابل الوجود الذي يقصد به التحقق خارج الذهن في الزمان
والمكان ..إذن ،عندما يتكلم ابن عربي على "األعيان الثابتة" إنما يقرر وجود عالم معقول توجد فيه حقائق
األشياء أو أعيانها المعقولة .إلى جانب العالم الخارجي المحسوس الذي توجد فيه أشخاص الموجودات.]7[".
يقول ابن العربي" :فما من صورة موجودة إال والعين الثابتة عينها والوجود كالثوب عليها .]8["..فالعدم
الثبوتي ،الذي ورد في نص ابن العربي أعاله حول زيد كمثال ،هو حال ثبوت العين ،أي وجودها في علم هللا
قبل الخلق أو اإلنشاء أو الظهور في عالم الصور واألشكال ،والثوب هو ظهور العين فهو "الوجود اإلضافي"
الذي ورد في النص ذاته" :وقد صّح وصفه [زيد كمثال] بالعدم والوجود في زمان واحد ،هذا هو الوجود
اإلضافي ،والعدم مع ثبوت العين".
العدم اإلمكاني والعدم المطلق
ال يرد مصطلح العدم في مؤلفات الشيخ األكبر وحيًدا أو مجرًدا دائًم ا بال إضافات ،بل لتفصيل رؤيته له كشَف
لنا عن مصطلحات جمعتها سعاد الحكيم في مؤلفها "المعجم الصوفي"؛ فهناك مصطلح "العدم اإلمكاني" أو
"عدم الممكن" ،ومرادفات "العدم اإلمكاني" في المعنى عند ابن العربي مصطلحات "العدم في الِقَدم"،
و"الُّث بوت" و"العدم الثبوتي" ،فالمعدوم عند ابن العربي كما تحدده سعاد الحكيم هو "عين ثابتة معدومة :ثابتة
في وجودها في علم هللا القديم ،معدومة أي مسلوب عنها الوجود الخارجي في زمان ومكان .إذن المعدوم له
وجود عقلي متميز في علم هللا .والعدم اإلمكاني هو الثبوت"[ ،]9والثبوت كما ذكرنا هو حال األعيان الثابتة
قبل اإليجاد ،أي وجودها في علم هللا وعدمها بالنسبة للوجود اإلضافي ،والُمْمِك ن والُمْمِكنات هي األعيان الثابتة
القابلة لكلمة الحضرة "ُك ْن " ،أي قبولها لإليجاد ،يقول ابن العربي" :الموجودات ..لها أعيان ثابتة في حال
اتصافها بالعدم الذي هو للممكن ال للُم حال]10["..؛ "والممكنات في حال عدمها مهّيأة لقبول الوجود"[.]11
في المقابل هناك مصطلح "العدم المطلق" ويرادفه أيًض ا في المعنى "عدم الُم حال" الذي هو الباطل والشر
المحض والظلمة؛ يقول ابن العربي" :والباطل هو العدم بال شك ،والوجود كّله حق"[ ،]12ويقول" :فالوجود
نور والعدم ظلمة ،فالشر عدم ،ونحن في الوجود ،فنحن في الخير ،]13["..ويقول" :الوجود المطلق هو الخير
المحض ،كما أن العدم المطلق هو الشر المحض"[ ،]14ويقول أيًض ا" :مسألة أن العدم هو الشر المحض :لم
يعقل بعض الناس حقيقة هذا الكالم لغموضه وهو قول المحققين من العلماء ..وقد قال لنا بعض سفراء الحق في
منازلة في الظلمة والنور :إن الخير في الوجود والشر في العدم في كالم طويل ،علمنا إن الحق تعالى له إطالق
الوجود من غير تقييد وهو الخير المحض الذي ال شر فيه ،فيقابله إطالق العدم الذي هو الشّر المحض الذي ال
خير فيه ،فهذا هو معنى قولهم إن العدم هو الشر المحض"[ .]15ويذكر أن ابن العربي ال ُيْلِح ق دائًم ا كلمَة
العدم في حديثه بإضافات من باب اإلمكان ،أو المطلق والمحض ،بل يتركها وحيدة في كثير من المواضع غير
أنه ُيفهم من سياق النص الذي ترد فيه كلمة العدم وحيدة عن أيهما يتحدث ،أي عن العدم المطلق والمحض أم
عن العدم اإلمكاني.
الحق موجود بذاته والخلق موجود باهلل
يقول ابن العربي أن الحّق ــ هللا واجب الوجود بذاته ولنفسه ،والممكن ،أي األعيان الثابتة القابلة لإليجاد،
واجٌب وجودها باهلل فهي مفتقرة إليه إليجادها وإظهارها إلى الوجود ،ذلك أنه قد صّح أن ُتنّسب إلى العدم
والوجود مًعا .والفقر هو صفة المممكنات والموجودات وُح ْك مها ،فهي مفتقرة دائًم ا إلى ما ليس لديها أو عندها:
"أال ترى الممكن في حال عدمه يفتقر إلى المرّج ح [أي ترجيح وجوده] ،فإذا ُو جد افتقر أيًض ا إلى استمرار
الوجود له وحفظه عليه فال يزال فقيًر ا ذا فقر في حال وجوده وفي حال عدمه.]16["..
إن األعيان الثابتة ،أو الممكنات ،ال تملك في حال ثبوتها القدرة على التكّو ن والتكوين ،ولهذا طلب هللا منها
التكّو ن أي طلبه لها ال له الفتقارها إلى القدرة الذاتية على التكّو ن" :واعلم أن كل طالب إنما يطلب ما ليس
عنده ،فإن الحاصل ال ُيبتغى ،والحق ال يطلب من الممكن إال تكوينه ،وتكوينه
ليس عنده [أي ليس عند الممكن] ،فإن الممكن في حال عدمه ليس بُم كِّو ن،
فالتكوينليسبكائنفيالعينالثابتةالذيهوالشيء ،فإذا أراده الحق قال له "ُك ْن َفَيُك ون"
فالتكوين ليس بكائن في العين الثابتة الذي هو
] ،فأراد الحق حص ول التكوين في ذلك
،فأرادالحقحصولالتكوينفيذلكالشيء ألنه ليس الكون عند ذلك [النحل40 :
الشيء ،فماأراد الكون لنفسه وإنماأراده
الشيء،فماأرادالكونلنفسهوإنماأرادهللشيء الذي ليس عنده ،فإنه تعالى
لا لنفسه فإنهاعنده ،فإنه مامن
لنفسهفإنهاعنده،فإنهمامنشيء لأشياء
شياءال لأشياء ل
شياءلأل موجود لنفسه فهو يريد ا
موجودلنفسهفهويريداأل
إال عنده خزائنه ،وال تكون خزائن إال بما ُيختزن فيها ،فاألشياء عنده مختزنة في حال ثبوتها ،فإذا أراد تكوينها
لها أنزلها من تلك الخزائن وأمرها أن تكون فتكتسي حّلة الوجود فيظهر عينها لعينها.]17["..
"ُك ْن " حرف وجودي
"ُك ْن " هي كلمة التكوين عند الشيخ األكبر ويسميها أيًض ا "كلمة الحضرة" ،وغالًبا فإن المقصود هنا "حضرة
الوجدان" من اسم هللا الواِج د ،إذ يرد في الفتوحات مصطلح "حضرة ُك ن" كمرادف لمصطلح "حضرة
الوجدان"[ ،]18وعن "ُك ْن " وجدت الموجودات وهي كلمات هللا" :فكل موجود هو كلمة من كلمات هللا ،ألنه
المظهر الخارجي لكلمة التكوين ُك ْن "[ .]19يقول ابن العربي" :وليست كلمات هللا سوى أعيان الموجودات["..
،]20ويقول" :فالموجودات كلها كلمات هللا التي ال تنفد ،فإنها عن "ُك ن" وكن كلمة هللا"[ ،]21ويقول" :فمن
هللا توجهات دائمة وكلمات ال تنفذ ،وهو قوله "وما ِع ْنَد هللا باٍق" [سورة النحل ،]40 :فعند هللا التوجه وهو قوله
تعالى "ِإذا َأَر ْد ناُه" [سورة النحل ،] 40 :وكلمة الحض رةوهي قوله لكل
،وكلمةالحضرةوهيقولهلكلشيء يريده "ُك ْن " ،بالمعنى
الذي يليق بجالله ،وُك ْن حرف وجودي فال يكون عنه إال الوجود ،ما يكون عنه عدم ألن العدم ال يكون ألن
لكلشيء يقبل الوجود.]23[".. الكون وجود ،وهذه التوجهات والكلمات في خزائن الجود[ ] 22لكل
عدُم العدِم وجود
عودًة إلى ما بدأ به الشيخ األكبر كتابه الفتوحات المكية ،وهو قوله "الحمد هلل الذي أوجد األشياء عن عدم
وعدمه" ،فنقول أواًل :أن الموجودات لم ُتخلق من عدم بل عن عدم ،وثانًيا :هي موجودة عن العدم اإلمكاني ال
عن العدم المحض الذي هو الباطل والُم حال فهو غير موجود ،يقول ابن العربي .." :وهو قولنا في أول خطبة
هذا الكتاب "الحمد هلل الذي أوجد األشياء عن عدم وعدمه" ،وعدم العدم وجود ،فهو نسبة كون األشياء في هذه
الخزائن ،محفوظة موجودة هلل ثابتة ألعيانها ،غير موجودة ألنفسها ،فبالنظر إلى أعيانها هي موجودة عن عدم،
وبالنظر إلى كونها عند هللا في هذه الخزائن هي موجودة عن عدم العدم وهو وجود ،فإن شئت رَّجْح َت جانب
كونها في الخزائن فنقول أوجد األشياء من وجودها في الخزائن إلى وجودها في أعيانها للنعيم بها أو غير ذلك،
وإن شئت قلت أوجد األشياء عن عدم بعد أن تقف على معنى ما ذكرت لك فقل ما شئت فهو الُم وِج ُد لها على
كل حال في الموطن الذي ظهرت فيه ألعيانها.]24[".
خالصة
ُيستخلص مما سبق عرضه من رؤية ابن العربي للوجود والعدم أن اإلنسان له إلى كل من الوجود والعدم َو ْج ه،
فال يمكن القول أن اإلنسان وجد "ِم ْن " عدم محض مطلًقا فهذا ُم حال في كل ما يطرحة ابن العربي ويشير إليه
بوضوح فهو موجود كعين ثابتة في الخزائن ،أو في علم هللا ،فذلك العدم الثبوتي هو عدم إمكاني ال عدم
محض ،وفي ذات الوقت ال يستحيل أن ُينسب اإلنسان إلى العدم ،ولكنه منسوب إلى ذلك العدم اإلمكاني ال
المحض ،فالعدم اإلمكاني عند ابن العربي هو أشبه بحالة وجودية مغايرة للوجود في العالم الذي نحن عليه
اآلن ،فهو الثبوت ،أي األعيان الثابتة المخزونة في علم هللا .يقول ابن العربي "ما قال بأن العدم هو الشر إال من
جهل األمر ،إنما ذلك العدم الذي ما فيه عين وال يجوز على المتصف به كون وليس إال الُم حال ،فذلك العدم هو
الشر المحض على كل حال ،وأما العدم الذي يتضمن األعيان فذلك عدم اإلمكان ،فهي أعيان َتشهد وُتشهد فهي
الشاهد والمشهود في حال العدم والوجود.]25["..
إًذ ا فاإلنسان قديم ُم ْح َدث وموجود معدوم" :أما قولنا قديم فألنه موجود في العلم القديم ُم ُتَص َّو ٌر فيه أزاًل ..وأما
قولنا ُم ْح َدث فإن شكله وعينه لم يكن ثم كان ،]26["..ويقول ابن العربي أيًضا" :فُينسب إليها [الموجودات]
الِقَدم من حيث ثبوتها ،وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها وظهورها"[.]27
العدم المحال ظلمة والعدم اإلمكاني ظّل ال ظلمة
أخيًر ا نترك النص التالي البن العربي لذوق القارئ إذ يتضمن خالصة رؤية الشيخ األكبر للوجود والعدم
ولإلنسان الذي له وجه إلى كّل منهما :وجٌه إلى الوجود المطلق الذي هو الخير المحض وهو النور ،ووجه إلى
العدم اإلمكاني الذي هو ظّل ال ظلمة ،يقول ابن العربي" :اعلم أن التجلي اإللهي دائم ال حجاب عليه ،ولكن ال
ُيعرف أنه هو ،وذلك أن هللا لما خلق العالم أسمعُه كالمه في حال عدمه وهو قوله "ُك ْن " ،وكان مشهوًدا له
سبحانه ولم يكن الحق مشهوًدا له ،وكان على أعين الممكنات حجاب العدم لم يكن غيره ،فال تدرك الموجود
وهي معدومة كالنور ينفر الظلمة ،فإنه ال بقاء للظلمة مع وجود النور كذلك العدم والوجود ،فلما أمرها بالتكوين
إلمكانها واستعداد قبولها سارعت لترى ما َثَّم ،ألن في قوتها الرؤية كما في قوتها السمع ،من حيث الثبوت ال
من حيث الوجود ،فعندما ُو ِج د الممكن انصبغ بالنور فزال العدم ،وفتح عينيه فرأى الوجود الخير المحض ،فلم
يعلم ما هو ،وال علم أنه الذي أمره بالتكوين ،فأفاده التجلي علًم ا بما رآه ال علًم ا بأنه هو الذي أعطاه الوجود،
فلما انصبغ بالنور التفت على اليسار فرأى العدم فتحّققه ،فإذا هو ينبعث منه
كالظل المنبعث من الشخص إذا قابلة النور ،فقال :ما هذا؟ فقال له النور من
الجانب األيمن :هذا هو أنت ،فلو كنت أنَت النور لما ظهر للظل عين ،فأنا النور
وأنامذهبه ،ونورك الذي أنت عليه إنما هو من حيث ما يواجهني من ذاتك ،ذلك لتعلم أنك لسَت أنا ،فأنا وأنا
النور بال ظّل ،وأنَت النور الممتزج إلمكانك ،فإن ُنِس ْبَت إلّي َقِبْلُتَك ،وإن ُنِس ْبَت إلى العدم َقِبَلك ،فأنت بين
الوجود والعدم ،وأنت بين الخير والشر ،فإن أعرضَت عن ظّلك فقد أعرضَت عن إمكانك ،وإذا أعرضت عن
إمكانك جهلتني ولم تعرفني فإنه ال دليل لك على أني إلهك وربك وموجدك إال إمكانك ،وهو شهوُد َك ظّلك ،وإن
أعرضت عن نورك بالكلية ولم تزل مشاهًدا ظلك لم تعلم أنه ِظ ّل إمكانك وتخيلَت أنه ظل الُم حال ،والمحال
والواجب متقابالن من جميع الوجوه ،فإن دعوتك لم تجبني ولم تسمعني فإنه يصّم ك ذلك المشهود عن دعائي،
فال تنظر إلّي نظًر ا يفنيك عن ظلك فتّد عى أنَك أنا فتقع في الجهل ،وال تنظر إلى ظلك نظًر ا يفنيك عني فإنه
يورثك الّص َم م ،فتجهل ما خلقتَك له ،فكن تارة وتارة ،وما خلق هللا لك عينين إال لتشهدني بالواحدة وتشهد ظلك
بالعين األخرى ،وقد قلت لك في معرض االمتنان "َأَلْم َنْج َع ْل َلُه َع ْيَنْيِن * وِلسانًا وَش َفَتْيِن * وَهَدْيناُه الَّنْج َد ْيِن "
[سورة البلد 8 :و 9و ،]10أي بّينا له الطريقين :طريق النور والظلِ" ،إَّم ا شاِكرًا وِإَّم ا َك ُفورًا" [سورة اإلنسان:
،]3فإن العدم المُحال ُظلمة ،وعدم الممكن ظٌّل ال ظلمة ،ولهذا في الظّل راحة الوجود.]28[".
* كاتبة فلسطينية
الهوامش
_________