Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 11

‫اسرار علم الحروف واالرقام عند الشيخ رجب البرسي‬

‫كانت اسرار هللا والخلق كنزًا مودعا في خزانة علم الحروف وهو علم مخزون ‪ ،‬في كتاب مكنون ‪ ،‬ال يمسه إال‬
‫المطهرون ‪ ،‬وال يناله إال المقربون ‪ ،‬ألنه منبع أسرار الجالل ‪ ،‬ومجمع أسماء الكمال ‪ ،‬افتتح هللا به السور ‪،‬‬
‫وأودعه سر القضاء والقدر ‪ ،‬وذلك بأن هللا تعالى لما أراد إخراج الوجود من عالم العدم إلى عالم الكون ‪ ،‬أراد‬
‫ايجاد العلويات والسفليات باختالف أطوار تعاقب األدوار وأبرزها من مكامن التقدير ‪ ،‬إلى قضاء التصوير ‪،‬‬
‫وعبأ فيها أسرار الحروف التي هي معيار اإلقرار ‪ ،‬ومصدار اآلثار ‪ ،‬ألن الباري تعالى بالكلمة تجلى لخلقه‬
‫وبها احتجب‪.‬‬

‫ثم أوجد هللا طينة آدم (من حمأ مسنون) في العمل الذي هو عبارة عن االختراع األول ‪ ،‬من غير مثال ‪ ،‬وال‬
‫تعديل تمثال ‪ ،‬ثم ركز في جبلة االيجاد ( وهي في العماء) نسبة من تلك الحروف ورتبها حتى استشرق منها في‬
‫عالم اإليجاد لطائف العقل لبداية إشراق الظهور االنساني (خلق االنسان من علق)‪،‬‬

‫ثم نقله بعد ذاك في أطوار الهباء الذي هو عبارة عن االختراع الثاني ‪ ،‬ورتب فيه رتبة من الحروف التي‬
‫ركزها في جبلة االيجاد ( العماء خ ‪ .‬ل ) حتى استشرقها في عالم اإليجاد بلطايف روحه في االختراع الثاني‪،‬‬

‫ثم نقله بعد ذلك في اطوار الملكوت ورتب فيه رتبة من الحروف التي ركزها في جبلة االيجاد حتى استشرقها‬
‫في عالم اإليجاد بلطايف النفس الواحده االبداع االول‪،‬‬

‫ثم نقله بأطوار الذر الذي هو عبارة عن اإلبداع الثاني ‪ ،‬وأوجد فيه نسبة من الحروف التي وضعها في جبلتها‬
‫الفطرية ‪ ،‬حتى استشرق بها في عالم اإليجاد بلطايف القلب في اإلبداع الثاني ‪.‬‬

‫فالحروف معانيها في العقل ‪ ،‬ولطايفها في الروح ‪ ،‬وصورها في النفس ‪ ،‬وانتقاشها في القلب ‪ ،‬وقوتها‬
‫الناطقة في اللسان ‪ ،‬وسرها المشكل في األسماع ‪.‬‬

‫ولما كان المخاطب األول هو الُم خترع األول ‪ ،‬وهو العقل النوراني ‪ ،‬كان خطاب الحق بما فيه من معاني‬
‫الحروف واستخدام الحروف‪ .‬ومجموع هذه الحروف في سر العقل كان ألفا واحدا ألنه بالقوة الحقيقية مجموع‬
‫كل الحروف في االلف ‪ ،‬والعقل النوراني االول هو الذي سمع أسرار العلوم بحقيقة هذه الحروف قبل سائر‬
‫األشياء‪ ،‬والعقل هو صاحب الرمز واإلشارة ‪ ،‬والحقيقة واإليماء ‪ ،‬واإلدراك ‪.‬‬

‫والحروف في لطيفة الروح شكل الضلعين من أضالع المثلث المتساوي األضالع ‪ ،‬ضلع قائم ‪ ،‬وآخر مبسوط‬
‫على هذه الصورة ‪ ،‬والقائم ضلع األلف ‪ ،‬والمبسوط ضلع الباء ‪ .‬وإنما قلنا بأن الحروف في لطيفة الروح شكل‬
‫ضلعين‪ ،‬ألن فيض األنوار البسيطة التي في العقل بالفعل هي في الروح بالقوة فاتفقا في وجود األسرار ‪،‬‬
‫وتباينا في اختالف األطوار ‪.‬‬
‫ومن حيث إن الروح تستمد من العقل ‪ ،‬والنفس تستمد من الروح ‪ ،‬وجميع األنوار العلوية تستمد من نور‬
‫العرش ‪ ،‬كذلك سائر الحروف تستمد من نور األلف‪ ،‬ورجوع السفلي والعلوي منها إليها ‪ ،‬وكل حرف من‬
‫الحروف قائم بسر األلف واأللف سر الكلمة‪ ،‬ومالئكة النور الحاملون للعرش من ذوات هذه الحروف ‪ ،‬واألول‬
‫منها المتعلق بالعقل اسمه األلف والموحدون لحضرة الجالل أربعة (أبجد) العقل ‪ ،‬والروح ‪ ،‬والنفس ‪ ،‬والقلب‪.‬‬

‫والقلب هو الموحد الرابع ‪ ،‬وتوحيده بسر الحروف التي أوجدها الحق في جبلته ‪ ،‬ألن القلب لوح النقوش‬
‫الربانية ‪ ،‬بل هو اللوح المحفوظ بعينه ‪.‬‬

‫ومن هاهنا اختلفت الحروف باختالف أوضاعها ونسبتها إلى أحوال آدم فخط األلف هو رمز العقل االول والقلم‬
‫االول يوم خلقه(أ) ‪ ،‬وخط الباء يوم تسويته وبسطه(ب) ‪ ،‬وخط الجيم يوم نفخ الروح فيه (ج) ‪ ،‬والدال رمز ليوم‬
‫السجود ‪.‬‬

‫فكان تركيب البنية اإلنسانية بالحكمة اإللهية بدأت من شكل تربيعي ‪ ،‬وتربيع طبيعي ‪ ،‬ومن عالمي االختراع‬
‫واإلبداع ‪ ،‬فعلم أن العالم العلوي والسفلي بأجمعهما داخالن تحت فلك األلف الذي هو عبارة عن االختراع‬
‫األول‪ ( ،‬والعرش العظيم‪ ،‬والعقل النوراني‪ ،‬والجبروت األعلى‪ ،‬وسر الحقيقة وحضرة القدس وسدرة‬
‫المنتهى ) وساير الحروف إجماال وتفصيال انبعثت عنه ‪ ،‬وجميعها باختالف أطوارها وتباين آثارها تستمد منه‪.‬‬

‫ويرجع إلى الرب سبحانه وتعالي خلق الخلق بسر هذه الحروف‪ ،‬وفي عالم األمر يصدر عن هللا االمر ب كن‬
‫فيكون ‪ ،‬وكالمه سبحانه في حضرة قدسه إنما سمع بهذه الحروف‪ ،‬وهي (هذه الحروف) قائمة بذات الحق‬
‫سبحانه‪ ،‬وأسماؤه الحسني المخزونة المكنونة مندرجة تحت سجل هذه الحروف‪ ،‬واأللف منها أول‬
‫المخترعات ‪ ،‬ومن هذه الحروف كانت سائر مراتب العالم‪ ،‬وجميع الحروف محتاجة إلي األلف وهو غني‬
‫عنها‪ ،‬كما الرقم واحد‪ ،‬فإن سائر األعداد ال تستغني عنه ‪ ،‬وهو ال يحتاج إليها‪.‬‬

‫ومن عرف ظاهر األلف وباطنه ‪ ،‬وصل إلى درجة الصديقين ‪ ،‬ومرتبة المقربين ‪ ،‬ألن له ظاهرا وبطونا ‪،‬‬
‫فظاهره ‪ :‬العرش ‪ ،‬واللوح ‪ ،‬والقلم ‪( .‬وهو مركب من ( ‪ ) 3‬نقط ‪ :‬الواحدة والواحدة والواحدة ‪ ،‬وبحثها يأتي‬
‫فيما بعد‪).‬‬
‫وباطنه األول (أ‪+‬ل‪+‬ف= ‪ ) 3‬وهي ‪ :‬العقل ‪ ،‬والروح ‪ ،‬والنفس ‪.‬‬

‫وباطنه الثاني (‪ ) 111 =80+30+1‬وهو عدد بسائطه ‪ ،‬فإذا أخذ منه ( ‪ ) 12‬وهي عدد أسماء األعداد بقي (‬
‫‪ ) 99‬وهي عدد األسماء الحسنى ‪،‬‬
‫وباطنه الثاني (ل=‪ ) 71 =40+1+30‬وهو عدد الالم الفايض عنه ‪ ،‬وهذا العدد مادة االسم األعظم وحرف من‬
‫ظاهر االسم األعظم ‪،‬‬
‫وباطنه الثالث ( ‪ ) 42‬وهو فيض الالم ‪ ،‬وهو الميم ‪ ،‬وعدده ( ‪ ) 45‬وعددان في األلف والالم ‪ ،‬وهذا العدد‬
‫ظاهر االسم األعظم وباطنه ‪،‬‬
‫الرابع إن ضرب مفرداته في نفسها ( ‪ ) 9‬والفتق الفايض عنه في فتق الحروف أيضا ( ‪ ) 9‬وهي ألف ل ف‬
‫ألف م م ى م ‪ ،‬والعرش ‪ ،‬واللوح ‪ ،‬والقلم ‪ ،‬مفرداتها أيضا ( ‪ ) 9‬وهي ع ر ش ل و ح ق ل م ‪ ،‬والعقل ‪،‬‬
‫والنفس ‪ ،‬والروح ‪ ،‬أيضا كذلك ع ق ل ن ف س روح ‪.‬‬
‫ف(ألف) هي الكلمة التي تجلى فيها الجبار بخفي األسرار ‪ .‬فمن عرف ظاهره وباطنه ‪ ،‬أدرك خفي األسرار ‪،‬‬
‫ومكنون األنوار ‪ ،‬ألنه حرف يستمد من قيومية الحق والكل يستمد منه‪.‬‬

‫حرف الباء هو االلف المبسوط‬


‫وأما األلف المبسوط وهو الباء فهي أول وحي نزل على رسول هللا صلى هللا عليه وآله وأول صحيفة آدم ونوح‬
‫وإبراهيم وسرها ‪ ،‬من انبساط األلف فيها سر القيامة بقيام طرفه ‪ ،‬وهو سر االختراع واألنوار ‪ ،‬واألسرار‬
‫الحقيقية مرتبطة بنقطة الباء ‪ ،‬وإليها اإلشارة بقول أمير المؤمنين ( علي ) ‪ ( :‬أنا النقطة التي تحت الباء‬
‫المبسوطة )‪ ،‬يشير إلى األلف القائم المنبسط في ذاتها ‪ ،‬المحتجب فيها‪ ،‬ولذلك قال محي الدين ابن عربي ‪ :‬الباء‬
‫حجاب الربوبية ‪ ،‬ولو ارتفعت الباء لشهد الناس ربهم تعالى‬

‫وحرف القاف باطن القلم وسر األمر‪.‬‬


‫والمراد بسر األمر‪ ،‬القدر‪ .‬فإن كان العقل هو اول ما خلق وكذلك القلم وكان االنسان قد خلق من علق فان‬
‫مجموع ذلك ان القلم ليس مادي كما قد تدل الكلمه في البدايه مما تصورنا في حياتنا الدنيا‪ ،‬بل القلم هي وظيفة‬
‫العقل حيث ان وظيفته عندما يكتب هي التقدير والتكوين واالظهار‪.‬‬

‫فالقلم هو فعل العقل الذي كتب في الكتاب واللوح المحفوظ كل ما كان ويكون من بدء الخلق حتي قيام الساعه‪.‬‬
‫والقلم هو فعل عقلنا الذي يكتب كل يوم في صحائفنا اعمالنا وقرارتنا وتقديراتنا التي تحدد وتشكل وتصور‬
‫مصيرنا في النهايه وتنتج احداث حياتنا‪.‬‬

‫والقلم ببسايطه ( ‪ ) 3‬أحرف (ق ل م) وهو الكائن ألسرار القدر ‪ ،‬وهو سر االسم األعظم ‪ ،‬والقلم حرفه األول‬
‫القاف هو الحرف المحيط بالعالم ظاهرا ‪ ،‬وبالعلم باطنا وعدده ( ‪ . ) 181‬فإذا أخذ منه عدد االسم األعظم‬
‫(ألف) ‪ ،‬وهو ( ‪ ) 111‬بقي ( ‪ ) 70‬وهي مادة االسم األعظم‪ ،‬وحرف من حروفه‪ ،‬كما أن السين حرف من‬
‫حروف ظاهر االسم األعظم‪ ،‬ومن علم باطن السين علم االسم األعظم‪.‬‬

‫وحرفه الثاني ‪ :‬ل ‪ ،‬والثالث ‪ :‬م ‪ ،‬ومن هذه الحروف تتركب العوالم بأسرها ‪ ،‬وسائر الموجودات بأجمعها‬
‫داخلة تحت ( ‪ )299‬أسماء ‪ ،‬واألسماء داخلة تحت االسم األعظم ‪ ،‬واالسم األعظم هو المائة والقاف بحسابه‬
‫العددي مائة‪.‬‬

‫حرف الطاء والباطن المحيط‬


‫وحرف ( ط) وعدده تسعه يمثل طي الكمال وفعله وتاثيره الباطن طيار في جميع العالم المخلوق ‪ ،‬وسره في‬
‫المبادئ األوليات السليمه والتامه التي اعدها هللا من (الفطرة والطهر والطبيعة)‪.‬‬
‫ومن طور الطاء وتعدد ما بداخلها من االلف الي الحاء كان عالم الجبروت الباطن وبها تمت مرتبة االحاد (‪)9‬‬
‫ومن الطاء كانت نشأة االختراعيات وسرها في العلويات والسفليات ‪ ،‬ولها أسرار في ظهورها ‪ ،‬فظهرت في‬
‫آخر اسم لوط ‪ ،‬فكان من سرها تدمير قومه ‪ ،‬كما ظهرت الهاء في أول اسم هود ‪ ،‬فكان من سرها خسف‬
‫األرض بقومه وتدميرها ‪ ،‬وظهرتا معا في قوله تعالى ‪ ( :‬طه ) وهو محمد بلغة طي‬
‫الجيم والجبروت‬
‫وحرف الجيم ( ج ) حرف ملكوتي يتلقى عن الباء‪ ،‬يشترك فيه جميع العوالم الجبروتيه و الملكوتية وهو‬
‫منشيء الوجود وبه كان هللا الواجد وهو حرف أظهره هللا في أول أسماء الجالل ‪ ،‬والعرش قائم بجالل الجيم ‪،‬‬
‫وهو حرف أضهره هللا في اول اسماء الجمال وهو كل ما هو ممكن الوجود بفعل القلم والكرسي واللوح فالقلم‬
‫يستمد من الجيم و الكرسي أيضا في صفة الجمال القائمين به‪.‬‬

‫و حرف الجيم هو الضلع الثالث المكمل المثلث وهو الضلع الذي انبسط فيه سر األلف والباء من وجود ‪،‬‬
‫وظهر في أطوار الجبر ‪ ،‬والجود ‪ ،‬فتجلى في الجبار والجواد ‪ ،‬فله الجبروت والجود ‪.‬‬

‫الكاف والكرسي والكفاية والكتاب‬


‫وحرف الكاف ( ك ) هو حرف ظهر في آخر اسم هللا الملك‪ ،‬وله العز والسيادة فرقمه عشرون (‪ )20‬وهو الباء‬
‫المشعره المكونه والكاتبه لكل ما في عالم المئات والملكوت‪ ،‬فاول مافعل قلم العقل هو الكتابه واول ما كان قبل‬
‫خلق الممكن هو القلم والكتاب ورسائل هللا لقلم العقل هي افكار وما ينتج عن القلم هي افكار تكتب علي اللوح‬
‫المحفوظ‪.‬‬

‫وكانت حكمة هللا ان تكون الكتابه واالفكار من جواهر عملية الخلق حيث ال يتم امر او مشيئه هلل او تفصيله في‬
‫خلقه اال وكانت مكتوبه مسبقًا ولما كانت الغايه منه وهو االشعار والشعور والتعريف والمعرفه والحب‬
‫والواليه‪.‬‬

‫كانت الكاف كافيه لكون كل مشيئه الهيه وبها ابتدأ هللا أمره (كن) ليكون الكون كله‪.‬‬
‫ومن الكاف اتت افعال خلق الكون و الكينونه ونشأت الكيانات والكوائن وكل ما هو كائن مفردًا كان او متراكب‬
‫ومن الكاف كان كل كيف وكل كم وكل ركم وتراكم وكل تركيب وتراكب وكل كائن وكينونة وكنه من كل‬
‫ممكن االيجاد ومن الكاف كانت كل فكره وكل كره من كل فعل وكل فعل من كل كره‪.‬‬

‫فالكاف هو باطن العلم وباطن األمر وباطن العرش والكرسي ‪ ،‬وباطن الصور السمائية واألرضية‪ .‬فال وجود‬
‫اال وكان بداية فكره تكتب فتكون كرة من فعل موجد‪.‬‬

‫حرف العين والوعي والوعاء والعين واالعيان‬


‫وحرف (ع) هو أول أسرار العرش ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬وهو الوعاء الحامل ألسرار وتفاصيل واجزاء العالم ‪ ،‬ألن‬
‫العرش حامل الكرسي ‪ ،‬والقلم واللوح واألفالك واألرضين ‪ ،‬والعقل حامل الروح ‪ ،‬والروح حامل النفس ‪،‬‬
‫والنفس حامل القلب ‪ ،‬والقلب حامل الجسم ‪ ،‬والجسم حامل القدرة ‪ ،‬والوعي هو الوعاء الحامل للكل‬
‫وكنا اعيانًا في عالم الذر قبل ان ننزل في اختبار الحياة الدنيا وبعد الموت سنعود اعيانًا منتظره في عالم‬
‫البرزخ ختي قيام الساعه‪.‬‬

‫حرف الثاء (ثمرة ما كان من الباء الي التاء او من التاء الي الباء)‬
‫وحرف ‪ :‬ث حرف ظهر في الوارث والباعث ‪ ،‬وظهوره في الوارث إشارة إلى فناء الموجودات ‪ ،‬وفي الباعث‬
‫إشارة إلى القدرة على بعثهم بعد الممات ‪ ،‬وجمعهم بعد الشتات ‪.‬وهو الحرف المعبر عن الرقم (‪ )3‬وهو‬
‫الحرف المعبر عن التكاثر والكثره كصفه اصيله للواحد فكانت االثنين وكانت االتثي وكانت الثالثه وكان‬
‫التكاثر والكثره والثبات‪.‬‬

‫وحرف الزاي حرف شريف ‪ ،‬ظهر في العزيز ‪ ،‬فالعزة هلل جميعا ‪ ،‬ومنه وصول العز إلى سائر العالم‬
‫بالترتيب‪ ،‬فبعض العالم يستمد لعزه من بعض فكره ‪ ،‬التراب يستمد من الماء ‪ ،‬والماء من الهواء ‪ ،‬والهواء من‬
‫النار ‪ ،‬والنار من الفلك ‪ ،‬وهكذا ترتيب العزة في األكوان ‪ ،‬وإليه اإلشارة بقوله تعالى ‪ :‬وتعز من تشاء وتذل من‬
‫تشاء ‪.‬‬

‫وحرف الواو ‪ ،‬حرف من حروف العرش ‪ ،‬سيار في أجزاء العالم ‪ ،‬متعلق بطرفي الخلق ‪ ،‬واألمر كن فيكون ‪.‬‬

‫ولما كان هذا العلم الشريف ‪ ،‬إشارات ورموزا ‪ ،‬أوردت منه ها هنا ما فيه إشارة وتنبيه ‪.‬‬

‫علم النقطه‬
‫وأما علم النقط والدوائر ‪ ،‬فهو من أجل العلوم ‪ ،‬وغوامض األسرار ‪ ،‬ألن منتهى الكالم إلى الحروف ‪ ،‬ومنتهى‬
‫الحروف إلى األلف‪ ،‬ومنتهى األلف إلى النقطة‪ ،‬والنقطة عندهم عبارة عن نزول الوجود المطلق الظاهر‬
‫بالباطن ‪ ،‬ومن االبتداء باالنتهاء‪ ،‬يعني ظهور الهوية التي هي مبدأ الوجود التي ال عبارة لها وال إشارة ‪.‬‬

‫ولما كان األلف ‪ ،‬قائما بسر العقل ‪ ،‬والعقل قائم به ‪ ،‬وتمام الحروف في سر األلف ‪ ،‬لكن بينهما تباين في الرتبة‬
‫‪ ،‬فألف العقل قائم ‪ ،‬وألف الروح مبسوط ‪ ،‬وهذا العلم الشريف لو كشف للناس منه سر ما بين األلف والالم‬
‫والميم التي هي جوامع األمر الحكيم ‪ ،‬الضطرب كل سليم ‪ ،‬وجهل كل عليم ‪ ،‬كما ورد عن ابن سنان عن أبي‬
‫عبد هللا عليه السالم أنه قال ‪ :‬يا محمد إن في سورة األحزاب آيا محكما ‪ ،‬لو قدرنا أن ننطق به ‪ ،‬لنطقنا ‪ ،‬فلكفر‬
‫الناس إذًا وجحدوا وضلوا ‪ ،‬ولكن كما قيل ‪:‬‬
‫ومستخبر عن سر ليلى أجبته * بعمياء عن ليلى بغير يقين‬
‫يقولون خبرنا فأنت أمينها * وما أنا إن خبرتهم بأمين‪.‬‬

‫وسر هللا مودع في كتبه ‪ ،‬وسر الكتب في القرآن ‪ ،‬ألنه الجامع المانع ‪ ،‬وفيه تبيان كل شئ ‪ ،‬وسر القرآن في‬
‫الحروف المقطعة في أوائل السور ‪ ،‬وعلم الحروف في الم ألف ‪ ،‬وهو األلف المعطوف المحتوي على سر‬
‫الظاهر والباطن ‪ ،‬وعلم الالم ألف في األلف ‪ ،‬وعلم األلف في النقطة ‪ ،‬وعلم النقطة في المعرفة األصلية ‪،‬‬
‫وسر القرآن في الفاتحة ‪ ،‬وسر الفاتحة في مفتاحها ‪ ،‬وهي بسم هللا ‪ ،‬وسر البسملة في الباء ‪ ،‬وسر الباء في‬
‫النقطة ‪.‬‬
‫والفاتحة هي سورة الحمد ‪ ،‬وأم الكتاب ‪ ،‬وقد شرفها هللا تعالى في الذكر فأفردها ‪ ،‬وأضاف القرآن إليها فقال‬
‫عز اسمه ‪ :‬ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم‪ .‬فذكرها إجماال وإفرادا وذلك لشرفها ‪ ،‬وهذا مثل‬
‫قوله ‪ :‬حافظوا على الصلوات والصالة الوسطى أدخلها إجماال ‪ ،‬وأفردها إجالال ‪ ،‬والصالة الوسطى هي‬
‫صالة المغرب ظاهرا‪ ،‬وفي وقت أدائها تفتح أبواب السماء‪ ،‬ويجب التعجيل بها لقوله صلى هللا عليه وآله ‪:‬‬
‫( عجلوا بالمغرب )‪.‬‬

‫هذا ويستمر البرسي بذكر أسرار بعض الحروف‪ ،‬وقد أعرضنا عن ذكرها خشية اإلطالة والخروج عن‬
‫المنهجية وحيث أننا قد استفدنا مما ذكره البرسي ما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬إثبات أن الحروف هي من خلق هّللا عز وجل‪ ،‬ويكفي ما نقلناه للداللة على ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬إعالم القارئ الكريم أن للحروف أسرارا منها ظاهر بّين عّلمه هّللا عباده‪ ،‬وهذا هو المتداول في علم الحروف‬
‫التي تكتنف اللغات قديما وحديثا‪ ،‬فقد كتبت بها البشرية حضارتها وتاريخها وسائر شئونها‪ ،‬وسيبقى هذا العلم‬
‫متداوال بين الناس إلى ما شاء هّللا سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ومنها ما زال يكتنفه السر اإللهي المكنون الذي اختص هّللا سبحانه به نفسه القدسية‪ ،‬وعلمه أنبياءه وأوصياء‬
‫أنبيائه والمقربين لديه‪ ،‬وهذا ال سبيل إلى معرفته على االطالق لعامة البشرية‪ ،‬ولما كان أكثر الذي ذكره‬
‫الحافظ رجب البرسي من هذا النوع األخير‪ ،‬فقد فضلنا عدم التورط في نقله ألننا والحق يقال عاجزون عن‬
‫فهمه وإدراك حقيقته وال نستطيع أن نقول فيه شيئا لعدم علمنا‪ ،‬وحيث أنه من األسرار اإللهية‪.‬‬

‫هذا والمتتبع لفصول كتاب الحافظ رجب البرسي يجده قد خّص كل حرف من حروف الهجاء بأسرار خاصة به‬
‫وله عالقة بالمخلوقات العلوية والسفلية وغيرها‪.‬‬

‫هذا وقد ذكر لطائف من أسرار القرآن الكريم‪ ،‬وأسرار بعض السور القرآنية‪ ،‬وفصل القول في الحروف‬
‫المقطعة في أوائل بعض السور القرآنية مثل «ك ه ي ع ص»‪ ،‬وقال إن هذه الحروف إذا حذف المكرر منها‬
‫فما تبقى يحتوي على العبارة التالية «صراط علي حق نمسكه» وقد حاول بعضهم أن يصوغها في عبارة‬
‫أخرى ولكنها جاءت مشوشة ال يحسن السكوت عليها باإلضافة إلى كونها تتعارض مع قدسية القرآن الكريم‪،‬‬
‫وما يتعارف عليه النطق العربي الفصيح وما يمكن أن يقال عنه أنه سر من األسرار ‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫فثبت أن العبارة المقبولة هي فقط عبارة «صراط علي حق نمسكه» هذا وقد قمت بدراسة وتحقيق هذا‬
‫الموضوع وسميتها «سر من القرآن نعلنه‪ ،‬صراط علي حق نمسكه» وقد أودعت هذه الدراسة في الجزء‬
‫الثالث من كتابي «الحقيبة النجفية» والحمد هّلل رب العالمين‪ .‬وسوف أنقله مختصرا إلى هذا الكتاب في فصل ال‬
‫حق إن شاء هّللا سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫الوجود والعدم عند ابن العربي‬


‫مليحة مسلماني*‬

‫يفتتح الشيخ األكبر محيي الدين ابن العربي مؤلفه الضخم والشهير "الفتوحات المكية" بقوله في بداية خطبة‬
‫الكتاب "الحمد ِهلل الذي َأْو َج َد األشياَء عن َعَد ٍم وَعَد َم ُه‪ ،‬وأوقَف وجودها على توّج ِه َك ِلِمِه‪ ،‬لنتحّقق بذلك سّر‬
‫ُحدوثها وِقَد َم ها من ِقَدمه‪ ،]1["..‬وهي بال شك إشارة افتتاحية تحيل إلى رؤيته الشاملة للخلق‪ ،‬والوجود والعدم‪.‬‬
‫ثم يرد حديث الشيخ األكبر حول الوجود والعدم مفّر ًقا في الفتوحات المّك ية‪ ،‬وذلك في المواضع التي يقتضي‬
‫التفصيُل في مواضيعها واكتماُل الرؤية حولها التطرَق لهاتين المسألتين أو التعّم ق فيهما‪ ،‬وبذلك فإن الفتوحات‬
‫المكية هي بال شك مصدر رئيسي لفهم رؤية ابن العربي لمسألتْي الوجود والعدم‪ ،‬باإلضافة إلى مختلف كتبه‬
‫ورسائله‪.‬‬
‫الوجود والعدم نسب وإضافات ال صفات‬
‫بداية‪ ،‬يوضح ابن العربي في رسالته "إنشاء الدوائر" أن الوجود والعدم ليسا صفتين للموجود والمعدوم بل هما‬
‫من النسب واإلضافات إذ يقول‪" :‬فالوجود والعدم عبارتان عن إثبات عين الشيء أو نفيه‪ ،‬ثم إذا ثبت عين‬
‫الشيء أو انتفى فقد يجوز عليه االتصاف بالعدم والوجود مًعا‪ ،‬وذلك بالنسبة واإلضافة؛ فيكون زيد ــ الموجود‬
‫في عينه ــ موجوًدا في السوق معدوًم ا في الدار‪ .‬فلو كان العدم والوجود من األوصاف التي ترجع إلى الموجود‬
‫كالسواد والبياض الستحال وصفه بهما مًعا‪ ..‬وقد صّح وصفه بالعدم والوجود في زمان واحد‪ ،‬هذا هو الوجود‬
‫اإلضافي‪ ،‬والعدم مع ثبوت العين‪ ،‬فإذا صّح أنه ليس بصفة قائمة بموصوف محسوس وال بموصوف معقول‬
‫وحده دون إضافة‪ ،‬فيثبت أنه من باب اإلضافات والنسب مطلًقا‪ ،‬مثل المشرق والمغرب واليمين والشمال‬
‫واألمام والوراء‪ ،‬فال ُيَخ ّص بهذا الوصف وجود دون وجود‪.]2[".‬‬
‫إن كون الوجود والعدم من النسب واإلضافات هو مسألة جوهرية‪ ،‬بل أساس معرفّي ينطلق منه ابن العربي‬
‫لتكوين رؤيته الشاملة للوجود والعدم‪ .‬فال يمكن الحديث عن وجود الشيء أو عدمه إال بالنسبة إلى عالم أو مكان‬
‫ما‪ ،‬بمعنى أن كون الشيء ــ وهو زيد في المثال السابق ــ غير موجود في البيت فهذا ال يعني أن زيد غير‬
‫موجود مطلًقا فنحن نعلم بوجوده أي هو موجود من حيث العلم به‪ ،‬فهو وإن لم نره عياًنا في البيت إال أنه‬
‫موجود في مكان أو في عالم آخر‪ ،‬وفي ذات الوقت فإن كون زيد موجود بعينه وموجود في السوق فإن ذلك ال‬
‫يعني أنه ال يصح إطالق العدم على زيد‪ ،‬فهو غير موجود ــ معدوم ــ في البيت‪ .‬ثم يطرح ابن العربي السؤال‬
‫التالي ليجيب عليه وهو‪" :‬كيف يصح أن يكون الشيء معدوًم ا في عينه يتصف بالوجود في عالم ما أو بنسبة‬
‫ما‪ ،‬فيكون موجوًدا في عينه معدوًم ا بنسبة ما؟"‪ ،‬أي كيف يصح أن يكون الشيء موجوًدا ومعدوًم ا في آن‬
‫واحد‪ ،‬يقول ابن العربي‪" :‬لكل شيء في الوجود أربع مراتب‪ ..‬وجود الشيء في عينه [أي ظاهر للعيان]‪..‬‬
‫وجوده في العلم [أي معلوم]‪ ..‬وجود في األلفاظ [أي ُيحكى به] ‪ ..‬والمرتبة الرابعة‪ :‬وجوده في الّرقوم [أي‬
‫مكتوًبا]‪ .]3["..‬إًذ ا فوجود الشيء في العلم هو مرتبة وجودية وإن انتفى وجود الشيء في الظاهر أو‬
‫المحسوس‪.‬‬
‫األعيان الثابتة‬
‫يضرب ابن العربي المثال السابق ليقدم رؤيته حول أصل أو ماهية الموجودات في العالم قبل الخلق‪ ،‬أو‬
‫اإلنشاء‪ ،‬وحالها بعد الخلق وظهورها في هذا العالم؛ فالموجودات إنما هي باألصل "أعياٌن ثابتة" موجودة في‬
‫"علم هللا القديم"‪ ،‬أو في "الحضرة العلمية"[‪ ،]4‬والعين الثابتة كما يعرفها الجرجاني "هي حقيقة في الحضرة‬
‫العلمية ليست بموجودة في الخارج بل معدومة ثابتة في علم هللا تعالى"[‪ .]5‬ويقول الجرجاني في موضع آخر‬
‫من معجمه‪" :‬األعيان الثابتة هي حقائق الممكنات في علم الحق تعالى‪ ،‬وهي صور حقائق األسماء اإللهية في‬
‫الحضرة العلمية ال تأّخ ر لها عن الحق إال بالذات ال بالزمان‪ ،‬فهي أزلية وأبدية‪ ،‬والمعنى باإلضافة‪ :‬التأخر‬
‫بحسب الذات ال غير"[‪ .]6‬وتوضح سعاد الحكيم هذا المصطلح فتقول‪" :‬عبارة عين ثابتة مرّك بة من لفظين‪،‬‬
‫يقصد ابن عربي بالعين‪ :‬الحقيقة أو الذات أو الماهية‪ .‬ويقصد بالّثبوت هنا‪ :‬الوجود العقلي أو الذهني كوجود‬
‫ماهية اإلنسان أو ماهية المثلث في الذهن‪ ،‬في مقابل الوجود الذي يقصد به التحقق خارج الذهن في الزمان‬
‫والمكان‪ ..‬إذن‪ ،‬عندما يتكلم ابن عربي على "األعيان الثابتة" إنما يقرر وجود عالم معقول توجد فيه حقائق‬
‫األشياء أو أعيانها المعقولة‪ .‬إلى جانب العالم الخارجي المحسوس الذي توجد فيه أشخاص الموجودات‪.]7[".‬‬
‫يقول ابن العربي‪" :‬فما من صورة موجودة إال والعين الثابتة عينها والوجود كالثوب عليها‪ .]8["..‬فالعدم‬
‫الثبوتي‪ ،‬الذي ورد في نص ابن العربي أعاله حول زيد كمثال‪ ،‬هو حال ثبوت العين‪ ،‬أي وجودها في علم هللا‬
‫قبل الخلق أو اإلنشاء أو الظهور في عالم الصور واألشكال‪ ،‬والثوب هو ظهور العين فهو "الوجود اإلضافي"‬
‫الذي ورد في النص ذاته‪" :‬وقد صّح وصفه [زيد كمثال] بالعدم والوجود في زمان واحد‪ ،‬هذا هو الوجود‬
‫اإلضافي‪ ،‬والعدم مع ثبوت العين"‪.‬‬
‫العدم اإلمكاني والعدم المطلق‬
‫ال يرد مصطلح العدم في مؤلفات الشيخ األكبر وحيًدا أو مجرًدا دائًم ا بال إضافات‪ ،‬بل لتفصيل رؤيته له كشَف‬
‫لنا عن مصطلحات جمعتها سعاد الحكيم في مؤلفها "المعجم الصوفي"؛ فهناك مصطلح "العدم اإلمكاني" أو‬
‫"عدم الممكن"‪ ،‬ومرادفات "العدم اإلمكاني" في المعنى عند ابن العربي مصطلحات "العدم في الِقَدم"‪،‬‬
‫و"الُّث بوت" و"العدم الثبوتي"‪ ،‬فالمعدوم عند ابن العربي كما تحدده سعاد الحكيم هو "عين ثابتة معدومة‪ :‬ثابتة‬
‫في وجودها في علم هللا القديم‪ ،‬معدومة أي مسلوب عنها الوجود الخارجي في زمان ومكان‪ .‬إذن المعدوم له‬
‫وجود عقلي متميز في علم هللا‪ .‬والعدم اإلمكاني هو الثبوت"[‪ ،]9‬والثبوت كما ذكرنا هو حال األعيان الثابتة‬
‫قبل اإليجاد‪ ،‬أي وجودها في علم هللا وعدمها بالنسبة للوجود اإلضافي‪ ،‬والُمْمِك ن والُمْمِكنات هي األعيان الثابتة‬
‫القابلة لكلمة الحضرة "ُك ْن "‪ ،‬أي قبولها لإليجاد‪ ،‬يقول ابن العربي‪" :‬الموجودات‪ ..‬لها أعيان ثابتة في حال‬
‫اتصافها بالعدم الذي هو للممكن ال للُم حال‪]10["..‬؛ "والممكنات في حال عدمها مهّيأة لقبول الوجود"[‪.]11‬‬
‫في المقابل هناك مصطلح "العدم المطلق" ويرادفه أيًض ا في المعنى "عدم الُم حال" الذي هو الباطل والشر‬
‫المحض والظلمة؛ يقول ابن العربي‪" :‬والباطل هو العدم بال شك‪ ،‬والوجود كّله حق"[‪ ،]12‬ويقول‪" :‬فالوجود‬
‫نور والعدم ظلمة‪ ،‬فالشر عدم‪ ،‬ونحن في الوجود‪ ،‬فنحن في الخير‪ ،]13["..‬ويقول‪" :‬الوجود المطلق هو الخير‬
‫المحض‪ ،‬كما أن العدم المطلق هو الشر المحض"[‪ ،]14‬ويقول أيًض ا‪" :‬مسألة أن العدم هو الشر المحض‪ :‬لم‬
‫يعقل بعض الناس حقيقة هذا الكالم لغموضه وهو قول المحققين من العلماء‪ ..‬وقد قال لنا بعض سفراء الحق في‬
‫منازلة في الظلمة والنور‪ :‬إن الخير في الوجود والشر في العدم في كالم طويل‪ ،‬علمنا إن الحق تعالى له إطالق‬
‫الوجود من غير تقييد وهو الخير المحض الذي ال شر فيه‪ ،‬فيقابله إطالق العدم الذي هو الشّر المحض الذي ال‬
‫خير فيه‪ ،‬فهذا هو معنى قولهم إن العدم هو الشر المحض"[‪ .]15‬ويذكر أن ابن العربي ال ُيْلِح ق دائًم ا كلمَة‬
‫العدم في حديثه بإضافات من باب اإلمكان‪ ،‬أو المطلق والمحض‪ ،‬بل يتركها وحيدة في كثير من المواضع غير‬
‫أنه ُيفهم من سياق النص الذي ترد فيه كلمة العدم وحيدة عن أيهما يتحدث‪ ،‬أي عن العدم المطلق والمحض أم‬
‫عن العدم اإلمكاني‪.‬‬
‫الحق موجود بذاته والخلق موجود باهلل‬
‫يقول ابن العربي أن الحّق ــ هللا واجب الوجود بذاته ولنفسه‪ ،‬والممكن‪ ،‬أي األعيان الثابتة القابلة لإليجاد‪،‬‬
‫واجٌب وجودها باهلل فهي مفتقرة إليه إليجادها وإظهارها إلى الوجود‪ ،‬ذلك أنه قد صّح أن ُتنّسب إلى العدم‬
‫والوجود مًعا‪ .‬والفقر هو صفة المممكنات والموجودات وُح ْك مها‪ ،‬فهي مفتقرة دائًم ا إلى ما ليس لديها أو عندها‪:‬‬
‫"أال ترى الممكن في حال عدمه يفتقر إلى المرّج ح [أي ترجيح وجوده]‪ ،‬فإذا ُو جد افتقر أيًض ا إلى استمرار‬
‫الوجود له وحفظه عليه فال يزال فقيًر ا ذا فقر في حال وجوده وفي حال عدمه‪.]16["..‬‬
‫إن األعيان الثابتة‪ ،‬أو الممكنات‪ ،‬ال تملك في حال ثبوتها القدرة على التكّو ن والتكوين‪ ،‬ولهذا طلب هللا منها‬
‫التكّو ن أي طلبه لها ال له الفتقارها إلى القدرة الذاتية على التكّو ن‪" :‬واعلم أن كل طالب إنما يطلب ما ليس‬
‫عنده‪ ،‬فإن الحاصل ال ُيبتغى‪ ،‬والحق ال يطلب من الممكن إال تكوينه‪ ،‬وتكوينه‬
‫ليس عنده [أي ليس عند الممكن]‪ ،‬فإن الممكن في حال عدمه ليس بُم كِّو ن‪،‬‬
‫فالتكوينليسبكائنفيالعينالثابتةالذيهوالشيء‪ ،‬فإذا أراده الحق قال له "ُك ْن َفَيُك ون"‬
‫فالتكوين ليس بكائن في العين الثابتة الذي هو‬
‫]‪ ،‬فأراد الحق حص ول التكوين في ذلك‬
‫‪،‬فأرادالحقحصولالتكوينفيذلكالشيء ألنه ليس الكون عند ذلك‬ ‫[النحل‪40 :‬‬
‫الشيء‪ ،‬فماأراد الكون لنفسه وإنماأراده‬
‫الشيء‪،‬فماأرادالكونلنفسهوإنماأرادهللشيء الذي ليس عنده‪ ،‬فإنه تعالى‬
‫لا لنفسه فإنهاعنده‪ ،‬فإنه مامن‬
‫لنفسهفإنهاعنده‪،‬فإنهمامنشيء‬ ‫لأشياء‬
‫شياءال‬ ‫لأشياء ل‬
‫شياءلأل‬ ‫موجود لنفسه فهو يريد ا‬
‫موجودلنفسهفهويريداأل‬
‫إال عنده خزائنه‪ ،‬وال تكون خزائن إال بما ُيختزن فيها‪ ،‬فاألشياء عنده مختزنة في حال ثبوتها‪ ،‬فإذا أراد تكوينها‬
‫لها أنزلها من تلك الخزائن وأمرها أن تكون فتكتسي حّلة الوجود فيظهر عينها لعينها‪.]17["..‬‬
‫"ُك ْن " حرف وجودي‬
‫"ُك ْن " هي كلمة التكوين عند الشيخ األكبر ويسميها أيًض ا "كلمة الحضرة"‪ ،‬وغالًبا فإن المقصود هنا "حضرة‬
‫الوجدان" من اسم هللا الواِج د‪ ،‬إذ يرد في الفتوحات مصطلح "حضرة ُك ن" كمرادف لمصطلح "حضرة‬
‫الوجدان"[‪ ،]18‬وعن "ُك ْن " وجدت الموجودات وهي كلمات هللا‪" :‬فكل موجود هو كلمة من كلمات هللا‪ ،‬ألنه‬
‫المظهر الخارجي لكلمة التكوين ُك ْن "[‪ .]19‬يقول ابن العربي‪" :‬وليست كلمات هللا سوى أعيان الموجودات‪["..‬‬
‫‪ ،]20‬ويقول‪" :‬فالموجودات كلها كلمات هللا التي ال تنفد‪ ،‬فإنها عن "ُك ن" وكن كلمة هللا"[‪ ،]21‬ويقول‪" :‬فمن‬
‫هللا توجهات دائمة وكلمات ال تنفذ‪ ،‬وهو قوله "وما ِع ْنَد هللا باٍق" [سورة النحل‪ ،]40 :‬فعند هللا التوجه وهو قوله‬
‫تعالى "ِإذا َأَر ْد ناُه" [سورة النحل‪ ،] 40 :‬وكلمة الحض رةوهي قوله لكل‬
‫‪،‬وكلمةالحضرةوهيقولهلكلشيء يريده "ُك ْن "‪ ،‬بالمعنى‬
‫الذي يليق بجالله‪ ،‬وُك ْن حرف وجودي فال يكون عنه إال الوجود‪ ،‬ما يكون عنه عدم ألن العدم ال يكون ألن‬
‫لكلشيء يقبل الوجود‪.]23["..‬‬ ‫الكون وجود‪ ،‬وهذه التوجهات والكلمات في خزائن الجود[‪ ] 22‬لكل‬
‫عدُم العدِم وجود‬
‫عودًة إلى ما بدأ به الشيخ األكبر كتابه الفتوحات المكية‪ ،‬وهو قوله "الحمد هلل الذي أوجد األشياء عن عدم‬
‫وعدمه"‪ ،‬فنقول أواًل ‪ :‬أن الموجودات لم ُتخلق من عدم بل عن عدم‪ ،‬وثانًيا‪ :‬هي موجودة عن العدم اإلمكاني ال‬
‫عن العدم المحض الذي هو الباطل والُم حال فهو غير موجود‪ ،‬يقول ابن العربي‪ .." :‬وهو قولنا في أول خطبة‬
‫هذا الكتاب "الحمد هلل الذي أوجد األشياء عن عدم وعدمه"‪ ،‬وعدم العدم وجود‪ ،‬فهو نسبة كون األشياء في هذه‬
‫الخزائن‪ ،‬محفوظة موجودة هلل ثابتة ألعيانها‪ ،‬غير موجودة ألنفسها‪ ،‬فبالنظر إلى أعيانها هي موجودة عن عدم‪،‬‬
‫وبالنظر إلى كونها عند هللا في هذه الخزائن هي موجودة عن عدم العدم وهو وجود‪ ،‬فإن شئت رَّجْح َت جانب‬
‫كونها في الخزائن فنقول أوجد األشياء من وجودها في الخزائن إلى وجودها في أعيانها للنعيم بها أو غير ذلك‪،‬‬
‫وإن شئت قلت أوجد األشياء عن عدم بعد أن تقف على معنى ما ذكرت لك فقل ما شئت فهو الُم وِج ُد لها على‬
‫كل حال في الموطن الذي ظهرت فيه ألعيانها‪.]24[".‬‬
‫خالصة‬
‫ُيستخلص مما سبق عرضه من رؤية ابن العربي للوجود والعدم أن اإلنسان له إلى كل من الوجود والعدم َو ْج ه‪،‬‬
‫فال يمكن القول أن اإلنسان وجد "ِم ْن " عدم محض مطلًقا فهذا ُم حال في كل ما يطرحة ابن العربي ويشير إليه‬
‫بوضوح فهو موجود كعين ثابتة في الخزائن‪ ،‬أو في علم هللا‪ ،‬فذلك العدم الثبوتي هو عدم إمكاني ال عدم‬
‫محض‪ ،‬وفي ذات الوقت ال يستحيل أن ُينسب اإلنسان إلى العدم‪ ،‬ولكنه منسوب إلى ذلك العدم اإلمكاني ال‬
‫المحض‪ ،‬فالعدم اإلمكاني عند ابن العربي هو أشبه بحالة وجودية مغايرة للوجود في العالم الذي نحن عليه‬
‫اآلن‪ ،‬فهو الثبوت‪ ،‬أي األعيان الثابتة المخزونة في علم هللا‪ .‬يقول ابن العربي "ما قال بأن العدم هو الشر إال من‬
‫جهل األمر‪ ،‬إنما ذلك العدم الذي ما فيه عين وال يجوز على المتصف به كون وليس إال الُم حال‪ ،‬فذلك العدم هو‬
‫الشر المحض على كل حال‪ ،‬وأما العدم الذي يتضمن األعيان فذلك عدم اإلمكان‪ ،‬فهي أعيان َتشهد وُتشهد فهي‬
‫الشاهد والمشهود في حال العدم والوجود‪.]25["..‬‬
‫إًذ ا فاإلنسان قديم ُم ْح َدث وموجود معدوم‪" :‬أما قولنا قديم فألنه موجود في العلم القديم ُم ُتَص َّو ٌر فيه أزاًل ‪ ..‬وأما‬
‫قولنا ُم ْح َدث فإن شكله وعينه لم يكن ثم كان‪ ،]26["..‬ويقول ابن العربي أيًضا‪" :‬فُينسب إليها [الموجودات]‬
‫الِقَدم من حيث ثبوتها‪ ،‬وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها وظهورها"[‪.]27‬‬
‫العدم المحال ظلمة والعدم اإلمكاني ظّل ال ظلمة‬
‫أخيًر ا نترك النص التالي البن العربي لذوق القارئ إذ يتضمن خالصة رؤية الشيخ األكبر للوجود والعدم‬
‫ولإلنسان الذي له وجه إلى كّل منهما‪ :‬وجٌه إلى الوجود المطلق الذي هو الخير المحض وهو النور‪ ،‬ووجه إلى‬
‫العدم اإلمكاني الذي هو ظّل ال ظلمة‪ ،‬يقول ابن العربي‪" :‬اعلم أن التجلي اإللهي دائم ال حجاب عليه‪ ،‬ولكن ال‬
‫ُيعرف أنه هو‪ ،‬وذلك أن هللا لما خلق العالم أسمعُه كالمه في حال عدمه وهو قوله "ُك ْن "‪ ،‬وكان مشهوًدا له‬
‫سبحانه ولم يكن الحق مشهوًدا له‪ ،‬وكان على أعين الممكنات حجاب العدم لم يكن غيره‪ ،‬فال تدرك الموجود‬
‫وهي معدومة كالنور ينفر الظلمة‪ ،‬فإنه ال بقاء للظلمة مع وجود النور كذلك العدم والوجود‪ ،‬فلما أمرها بالتكوين‬
‫إلمكانها واستعداد قبولها سارعت لترى ما َثَّم ‪ ،‬ألن في قوتها الرؤية كما في قوتها السمع‪ ،‬من حيث الثبوت ال‬
‫من حيث الوجود‪ ،‬فعندما ُو ِج د الممكن انصبغ بالنور فزال العدم‪ ،‬وفتح عينيه فرأى الوجود الخير المحض‪ ،‬فلم‬
‫يعلم ما هو‪ ،‬وال علم أنه الذي أمره بالتكوين‪ ،‬فأفاده التجلي علًم ا بما رآه ال علًم ا بأنه هو الذي أعطاه الوجود‪،‬‬
‫فلما انصبغ بالنور التفت على اليسار فرأى العدم فتحّققه‪ ،‬فإذا هو ينبعث منه‬
‫كالظل المنبعث من الشخص إذا قابلة النور‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا؟ فقال له النور من‬
‫الجانب األيمن‪ :‬هذا هو أنت‪ ،‬فلو كنت أنَت النور لما ظهر للظل عين‪ ،‬فأنا النور‬
‫وأنامذهبه‪ ،‬ونورك الذي أنت عليه إنما هو من حيث ما يواجهني من ذاتك‪ ،‬ذلك لتعلم أنك لسَت أنا‪ ،‬فأنا‬ ‫وأنا‬
‫النور بال ظّل‪ ،‬وأنَت النور الممتزج إلمكانك‪ ،‬فإن ُنِس ْبَت إلّي َقِبْلُتَك ‪ ،‬وإن ُنِس ْبَت إلى العدم َقِبَلك‪ ،‬فأنت بين‬
‫الوجود والعدم‪ ،‬وأنت بين الخير والشر‪ ،‬فإن أعرضَت عن ظّلك فقد أعرضَت عن إمكانك‪ ،‬وإذا أعرضت عن‬
‫إمكانك جهلتني ولم تعرفني فإنه ال دليل لك على أني إلهك وربك وموجدك إال إمكانك‪ ،‬وهو شهوُد َك ظّلك‪ ،‬وإن‬
‫أعرضت عن نورك بالكلية ولم تزل مشاهًدا ظلك لم تعلم أنه ِظ ّل إمكانك وتخيلَت أنه ظل الُم حال‪ ،‬والمحال‬
‫والواجب متقابالن من جميع الوجوه‪ ،‬فإن دعوتك لم تجبني ولم تسمعني فإنه يصّم ك ذلك المشهود عن دعائي‪،‬‬
‫فال تنظر إلّي نظًر ا يفنيك عن ظلك فتّد عى أنَك أنا فتقع في الجهل‪ ،‬وال تنظر إلى ظلك نظًر ا يفنيك عني فإنه‬
‫يورثك الّص َم م‪ ،‬فتجهل ما خلقتَك له‪ ،‬فكن تارة وتارة‪ ،‬وما خلق هللا لك عينين إال لتشهدني بالواحدة وتشهد ظلك‬
‫بالعين األخرى‪ ،‬وقد قلت لك في معرض االمتنان "َأَلْم َنْج َع ْل َلُه َع ْيَنْيِن * وِلسانًا وَش َفَتْيِن * وَهَدْيناُه الَّنْج َد ْيِن "‬
‫[سورة البلد‪ 8 :‬و‪ 9‬و‪ ،]10‬أي بّينا له الطريقين‪ :‬طريق النور والظل‪ِ" ،‬إَّم ا شاِكرًا وِإَّم ا َك ُفورًا" [سورة اإلنسان‪:‬‬
‫‪ ،]3‬فإن العدم المُحال ُظلمة‪ ،‬وعدم الممكن ظٌّل ال ظلمة‪ ،‬ولهذا في الظّل راحة الوجود‪.]28[".‬‬

‫* كاتبة فلسطينية‬

‫الهوامش‬
‫_________‬

You might also like