الطبيعة وإستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام الله) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 29

‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

)‫الطبيعة وإستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا‬


‫ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫عبير جودت عبدالحافظ‬


.‫ قطر‬،‫ الدوحة‬،‫ جامعة قطر‬،‫كلية اآلداب والعلوم‬- ‫قسم اللغة العربية‬
aa1913859@student.qu.edu.qa

2023/10/01 :‫تاريخ النشر‬ 2023/11/01 :‫تاريخ القبول‬ 2023/10/10 :‫تاريخ إلارسال‬

Abstract:
Nature and Postcolonial Emancipation Strategies The novel (I saw
Ramallah as a model)
This study aims to examine the ideological tributaries that
established postcolonial environmental thought ,by deriving the principles
of environmental criticism( Eco-Criticis ,)which is considered one of the
modern theories intersecting with postcolonial theory ,as it reflected
different environmental ,scientific and intellectual harbingers that varied
with the diversity of ideologies that formed human thought about the ego
and the other on the one hand and environmental behavior on the other .
Postcolonial literature has emerged that reflects contested spatial and spatial
spheres ,which formed two different parties representing the ego and the
other ,in a field that links the conflict over space and nature and seeks to
clarify different human relations and universal relations ,in an attempt to
reach justice ,and to reject hierarchy ,racism and ethnicity .By introspecting
environmental principles related to intellectual ideologies towards the
colonizer ,colonizer ,refugee ,and opposition ,in an attempt to understand the
implicit intellectual patterns related to postcolonial human thought ,in an
attempt to solve the environmental crisis related to the environment and its
biological and abiotic components .
Keywords : environmental criticism ,postcolonialism ,poetics of text ,
ideology ,I saw Ramallah.

ّ
84 ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 : ‫ التاريخ‬80 : ‫ العدد‬80:‫املجلد‬ ‫مجلة العالمة‬ -
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫تستهدف هذه الدراسة فحص الروافد ألايدولوجية في ما بعد الاستعمار البيئي‪ ،‬من‬
‫خالل مبادئ النقد البيئي )‪ )Eco-Criticis‬الذي ُع ّد من النظريات الحديثة املتقاطعة مع نظرية‬
‫كونت الفكر‬ ‫بيئية مختلفة ً‬
‫تنوعا في ألايديولوجيات التي ّ‬ ‫ما بعد الاستعمار؛ إذ عكست إرهاصات ّ‬
‫إلانساني حول ألانا وآلاخر من جهة والسلوك البيئي من جهة أخرى‪.‬‬

‫وعليه تقتض ي دراسة ألادب املمثل ملا بعد الاستعمار في مدونة سردية تعبر عن طرفين‬
‫مجال يربط ما بين الصراع على املكان والطبيعة (رام هللا)‪ ،‬وذلك‬
‫ٍ‬ ‫مختلفين مثلتا ألانا وآلاخر في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إلانسانية املختلفة والعالقات الكونية‪ ،‬في محاولة للوصول إلى العدالة‪ ،‬ونبذ‬ ‫لتوضيح العالقات‬
‫ّ‬
‫البيئية املتعلقة في ألايدولوجيات‬ ‫ّ‬
‫والعرقية‪ .‬من خالل استبطان املبادئ‬ ‫ّ‬
‫والعنصرية‬ ‫التر ّ‬
‫اتبية‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫واملستعمر‪ ،‬والالجئ‪ ،‬واملعارضة‪ ،‬في ُمحاولة لفهم ألانساق الفكرية‬
‫َ‬ ‫عمر‬
‫الفكرية اتجاه املست ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫البيئية ومكوناتها‬ ‫املضمرة املتعلقة بالفكر إلانساني ملا بعد الاستعمار؛ ومن ثم ربط ذلك باألزمة‬
‫إلاحيائية وغير إلاحيائية في سرد روائي مرتبط بإشكالية اغتراب إلانسان الفلسطيني‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‪ :‬النقد البيئي‪ ،‬ما بعد الاستعمار‪ ،‬شعرية النص‪ ،‬ألايدولوجية‪ ،‬رأيت رام هللا‪.‬‬
‫ّ‬
‫وإستراتيجيات التحرر في ما بعد الاستعمار‬ ‫الطبيعة‬
‫ً‬
‫أنموذجا‬ ‫رواية (رأيت رام هللا)‬
‫توطئة‪:‬‬

‫للسرد في رواية ما بعد الاستعمار‪ ،‬تبدو فيه ألاحداث‬‫امي العميق ّ‬ ‫إن املنظور الدر ّ‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫وفضاء لها‪ ،‬وبفحص العالقات‬ ‫ّ‬
‫سياسية الطابع(‪ ،)1‬تلك التي ال تتحقق إال إذا كانت البيئة حليفة‬
‫العرضية بين البشر والبيئة‪ ،‬تتضح معالجة ّ‬
‫السرد الكلولونيالي لعدد من القضايا الرئيسة‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫ّ‬
‫ارتباط إلانسان باألرض باعتبارها (الوطن)‪ ،‬واستحقاق ألامان والاستقرار من خالله‪ ،‬وتوفير‬
‫املادي ّ‬
‫والنفس ي‪ ،‬سواء أكان في املستقبل أم كان في أجندة الذكريات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الرفاه‬
‫ّ‬
‫الكولونيالية) (‪ )2‬بعد طرح كتاب "الاستشراق" صارت‬ ‫وبتطور ّ‬
‫نظرية ما بعد الاستعمار (‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
‫وسلطوية تسرد تاريخ املعارك‪،‬‬ ‫سياسية‬ ‫أكاديميا يبحث العالقات بين البشر في مجاالت‬ ‫مجاال‬
‫ّ‬
‫والفكرية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫والثقافية‬ ‫بهدف مناهضة الاستعمار‪ ،‬ونبذ طرق الهيمنة ّ‬
‫املادية‬

‫ّ‬
‫‪84‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫ّ‬
‫الخاصة بما بعد الاستعمار في تحليل ألازمة‬ ‫تصدرت دراسات التصور البيئي لألزمات‬ ‫ّ‬
‫والبيئية الناتجة عن الاستعمار‪ ،‬في محاولة لفهم ألادب‪ ،‬والبيئة‪ ،‬وإلانسان‪ ،‬وما نتج‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إلانسانية‬
‫عن ذلك من عنف وهدم وقتل وتهجير‪ ،‬وهو ما ظهر في خطاب ما بعد الاستعمار بسياقاته ّ‬
‫ألادبية‬
‫ّ‬
‫البيئية ملا بعد الاستعمار هو تسليط‬ ‫قدمته الدراسة‬‫وإلاقليمية؛ لذا كان ما ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والتاريخية‬ ‫والثقاف ّية‬
‫ّ‬
‫ألاصليين في مواجهة الاستغالل‬ ‫تحديات ّ‬
‫السكان‬ ‫التغيير البيئي كعدسة لفهم ّ‬ ‫الضوء على منظومة ّ‬
‫ستعمر‪ ،‬في خطابات‬‫الصراع بين املُستعمر واملُ َ‬
‫ثم مكاشفة ّ‬ ‫ألاجنبي أو الخارجي‪ ،‬وما ّيتبعه من قمع‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وشرعية الحكم فيها‬ ‫تنافسية متصارعة على ملكية ألارض‪،‬‬ ‫البيئية‬ ‫الروائية‬ ‫تشكلت فيها الثيمة‬
‫والسيطرة عليها والهيمنة على خيراتها الاقتصادية في صور مرتبطة بمكونات بيئية مختلفة‪ ،‬وهنا‬
‫عمر‬ ‫َ‬
‫املست َ‬ ‫املستعمر استغاللي الوجه‪ ،‬أما‬ ‫تظهر مشاعر كل طرف من ألاطراف حيال البيئة؛ ليكون‬
‫ِ‬
‫يحمل الحنين والانتماء كجزء ال يتجزأ من ألارض التي نشأ عليها‪ ،‬وأكل من خيراتها‪ ،‬وباختالف‬
‫ّ‬
‫املشاعر بين الطرفين تأطرت مشاعر الثاني في الانفعال والغضب‪ ،‬ونبذ الاحتالل وكره آلاخر‪،‬‬
‫ومعاناة التهجير‪ ،‬وقسوة الشعور باللجوء من غير إيواء أو وطن‪.‬‬
‫َ‬
‫املستعمر في شعور الهيمنة‬ ‫ّ‬
‫إلانسانية عند ألاطراف الثالثة‪:‬‬ ‫من هنا نشأت املشاعر‬
‫املستعمر وما‬ ‫اتبية التي سمحت له باالعتداء على آلاخر وسرقة حقه في أرضه وماله‪ ،‬ثم‬ ‫والتر ّ‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫وأخيرا‬ ‫يعانيه من شعور الظلم والقهر وألالم سواء أكان في هذا البلد املحتل أم نزح عنه وهاجر‪،‬‬
‫على الناس املستقبلة لهذا النازح وشعورها بمشاركة آلاخر لهم في أرضهم وخيراتها‪ ،‬إذ أسهمت‬
‫ً‬
‫تحديدا‬ ‫ّ‬
‫املادية‪ ،‬وبشكل أكثر‬ ‫ّ‬
‫إلانسانية باملكان والبيئة‬ ‫هذه التصنيفات في تحديد العالقات‬
‫ّ‬
‫إلانسانية بالطبيعة وفق ذاكرته قبل الاستعمار وما آلت إليه بعد الاستعمار‪.‬‬ ‫للعالقة‬
‫ًّ‬
‫سرديا ودر ًّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫اميا ألدب ما بعد‬ ‫فضاء‬ ‫وليس ببعيد أن رواية (رأيت رام هللا) (‪ )3‬تعد‬
‫الاستعمار‪ ،‬ليس ألن ألاطراف الثالثة السابقة متحققة فيها فحسب‪ ،‬وإنما ألنها ربطت من هذه‬
‫ألاطراف بسياق أيديولوجي شديد الوضوح عبرت عنه ذات الكاتب وتجربته الاغتر ّ‬
‫ابية وانخراطه‬
‫فإن د استها وفق آليات ّ‬
‫النقد البيئي يقدم ملحاولة‬ ‫في مشهد ثقافي عربي في فترة النكسة‪ ،‬ولهذا ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫الاستعمارية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والبيئية في ظل الاحتالل‪ ،‬ورصد ألانظمة‬ ‫ّ‬
‫إلانسانية‬ ‫ّ‬
‫ألادبية للحياة‬ ‫فهم املقاربات‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ّ‬
‫وأعمالها الاستغاللية لألرض ‪ ،‬على اعتبار أن ألارض املعلم البيئي ألاول املرتبط باإلنسان‬
‫بصورة وثيقة عبر الزمن‪.‬‬

‫ّ‬
‫‪05‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫التي تناولت ّ‬
‫نظرية العقد‬ ‫ألادبية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والجماليات‬ ‫وهنا تظهر الرابطة بين املذهب السياس ي‬
‫ّ‬
‫املجتمعية مقابل‬ ‫الاجتماعي (أو العقد ألاصلي)(‪ )5‬في بيان للتطورات املختلفة في قانون الحماية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألاخالقية)‪ ،‬في فهم أخالق‬ ‫الطاعة‪ ،‬كذلك قانون الجينالوجيا (مفهوم الخير والشر‪ ،‬واملنظومة‬
‫ّ‬
‫إلانسانية‬ ‫ّ‬
‫واملركزية‬ ‫العامة بعد الاستعمار‪ ،‬الذي ّ‬
‫يفسر ألاثر السياس ي وانعكاسه على املجتمعات‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫والاجتماعية‪.‬‬ ‫وأثرها في الثروات ّ‬
‫املادية‬

‫ستعمر‪ ،‬الذي يسرد التاريخ من خالل‬ ‫يقدم أدب املُ َ‬‫وإن كان أدب ما بعد الاستعمار ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫بؤرة سردية محددة‪ّ ،‬‬
‫السياسية‬ ‫ليعبر عن إلانتاج الثقافي الجديد املقاوم بعد التأثيرات‬
‫ّ‬ ‫والاجتماعية لالستعمار‪ّ ،‬‬
‫سرديا ُيكاشف حجم الدمار‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
‫خطابا‬ ‫فإن رواية (رأيت رام هللا) تمثل‬ ‫ّ‬
‫قدمه‬ ‫ستعمر حصاد الاحتالل أو ما ُي ّلقب باالستعمار‪ّ ،‬‬
‫مبي ًنا ما ّ‬ ‫النفس ي والتغييرات في فكر املُ َ‬
‫ّ‬
‫الاستعمار من تشويه فكري وثقافي باإلضافة لتشويه مكاني وبيئي‪ ،‬في سرد يتحرى العالقات‬
‫ّ‬
‫املركزية‬ ‫املختلفة‪ ،‬بين البشر والبشر‪ ،‬والبشر وغير البشر‪ ،‬في مناطق إلانتاج الثقافي؛(‪ )6‬ملكاشفة‬
‫إلانسانية املستغلة لإلنسان والالإنسان‪ ،‬وما ينتج عن الاستعمار من تغريب وتهجير بالبحث عن‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫إلانسانية بين‬ ‫ألارض البديلة‪ ،‬فقد ظهر املشهد الروائي وفق بؤر مختلفة كشفت العالقات‬
‫الفئات املختلفة‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫ّ‬
‫عمر بعد التحرر‪ ،‬ليخط‬ ‫وملا كان نقد ما بعد الاستعمار يسلط الضوء على أدب املست ِ‬
‫النقد البيئي ملا بعد الاستعمار يمزج بين املاض ي واملستقبل‪ ،‬وما فيه من‬‫تاريخه‪ ،‬ومعاناته‪ ،‬فإن ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تنبؤات ّ‬
‫إحيائية‪ ،‬كما مثلتها رواية (رأيت رام هللا) في نموذج يقدم الحالتين من غير تنافر أو‬ ‫بيئية‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية ال تزال تحت الاحتالل‪ ،‬والراوي يقع في صراع بين املاض ي‬ ‫تناقض؛ ألن ألارض‬
‫والحاضر في ظل تأثره بنفوذ العدو وسطوته وهو ما أعاق بناء املستقبل لعائلته الصغيرة املكونة‬
‫منه ومن زوجته وابنه في العيش آلامن في وطنه‪.‬‬
‫ّ‬
‫روائية ذات سمت مزدوج قوامه اليأس بفعل انتشار‬ ‫وعليه فإن البرغوثي ّ‬
‫قدم ثيمة‬
‫ّ‬
‫إلايجابية ملا يحمله الشعب الفلسطيني من إصرار وقدرة على‬ ‫املستوطنات إلاسر ّ‬
‫ائيلية‪ ،‬ثم‬
‫بيئية‪ ،‬التحمت فيها تداعيات ألاحداث بخطاب بيئي تحريض ي ضد‬ ‫ّ‬
‫شعرية ّ‬ ‫املقاومة‪ ،‬في نسيج‬
‫ّ‬
‫التشويهية للمشهد البيئي الفلسطيني؛ إذ‬ ‫الاحتالل إلاسرائيلي‪ ،‬وعبر مكاشفة لجميع املمارسات‬
‫قدم مفارقة الاستسالم للخسارة مع استمرار املقاومة في آلان ذاته؛ من أجل التحرير‪ّ ،‬‬
‫ولم‬ ‫ّ‬

‫ّ‬
‫‪05‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫مجسدا للتجربة‬ ‫الشمل‪ ،‬والعودة من املنفى الذي سرق ألاعمار في غربات قاسية مؤملة‪،‬‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية على حد سواء‪.‬‬ ‫ّ‬
‫والبيئية‬ ‫ّ‬
‫إلانسانية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫معرفية‪.‬‬ ‫شعرية‬ ‫شعرية النص ألادبي‬
‫ّ‬ ‫ّ ‪7‬‬ ‫يستطيع قارئ الرواية ّ‬
‫الروائية في رواية (رأيت رام هللا) على مستوى‬ ‫تتبع الشعرية‬
‫املوجه الذي يشرح ّ‬
‫عبثية املشهد البيئي‬ ‫تشكيل املواقف وألافكار‪ ،‬فيقف على وصف الخطاب ّ‬
‫ً‬
‫انطالقا من املكان؛ إذ ال ينتصر الغازي إال إذا استولى على ألارض‪" ،‬ولكن مهال في الصراع‬
‫تكون املسألة هي املكان‪ ،‬نعم املكان‪ ،‬كل القصة في املكان"(‪ ،)8‬وال يمكن أن تكون ّ‬
‫السيطرة‬
‫الناس على مبدأ‬‫حربية‪ ،‬تبدأ من التدمير والقتل‪ ،‬وتنتهي بالتفريق بين ّ‬‫ّ‬ ‫من غير إستر ّ‬
‫اتيجيات‬
‫فرق تسد)‪ ،‬وتهجيرهم ومنعهم من العودة ألوطانهم؛ ذلك ّ‬
‫ألن املكان امتأل بآخرين‪ ،‬وفي هذه‬ ‫( ّ‬
‫ّ‬
‫علمي موجز وبليغ ملا يق ِدم عليه الاحتالل‪ ،‬من استيالء على املكان بكل ما فيه‪،‬‬ ‫العبارة تعريف‬
‫ً‬
‫طاردا أصحاب الحق عن أرضهم‪.‬‬

‫اصا يخدم البناء‬ ‫وتصويرا ّ‬


‫وتن ً‬ ‫ً‬ ‫ألنها حملت مجازات‬‫الشعرية في الرواية ال ّ‬
‫ّ‬ ‫وهنا تظهر‬
‫ّ‬
‫والاجتماعية‬ ‫ّ‬
‫التاريخية‬ ‫ّ‬
‫الفنية إلى املعارف‬ ‫ّ‬
‫الجماليات‬ ‫ألنها تجاوزت‬‫الدرامي وحسب‪ ،‬بل ّ‬
‫ً‬ ‫انية؛ تلك التي تشكل ً‬ ‫ّ‬
‫والاقتصادية والعمر ّ‬
‫نسقا أو أنساقا مضمرة في تحديد الخطاب الرئيس‬
‫البيئية والظلم البيئي‪ ،‬ومنه وصف الجسر (املنطقة حدودية بين‬ ‫ّ‬ ‫للرواية‪ ،‬لتكشف عن ألازمة‬
‫ّ‬ ‫ألاردن وفلسطين)‪ ":‬ماء ّ‬
‫النهر تحت الجسر قليل‪ ،‬ماء بال ماء‪ ،‬كأنه يعتذر عن وجوده في هذا‬
‫الحد الفاصل بين تاريخين وعقيدتين ومأساتين‪ .‬املشهد الصخري‪ ،‬جير ّي‪ ،‬عسكر ّي‪،‬‬
‫صحراو ّي‪ ،‬مؤلم كوجع ألاسنان‪ ،‬العلم ألاردني هنا بألوان الثورة العربيةـ وبعد أمتار قليلة‪،‬‬
‫هناك العلم إلاسرائيلي باللون ألازرق للنيل والفرات وبينهما نجمة داود‪ .‬هبة هواء واحدة‬
‫الشعر في البال‪ .‬لكن املشهد نثر ٌي‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫خضر مرابعنا‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫سود وقائعنا‪،‬‬ ‫بيض صنائعنا‪،‬‬‫ٌ‬ ‫تحركهما‪،‬‬
‫(‪)9‬‬
‫كفاتورة الحساب‪".‬‬

‫املادي في وصف الجسر‪ ،‬تظهر الرمزّية في التعبير عن الواقع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وبتحليل دور الخطاب‬
‫البالغية املنوعة للكشف عن أفق‬‫ّ‬ ‫وتفكيك العالقات بين البشر والبيئة‪ ،‬عبر توظيف ألادوات‬
‫التاريخية والجغرافيةّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫معرفي باإلضافة لألفق املجازي‪ ،‬فقد جمع ً‬
‫كما هائال من املعلومات‬
‫والنفسية في فقرة بسيطة اتسمت بالوصف الحي‪ ،‬الذي يمكن إسقاطه على الجسر من جهة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والنفسية املواجهة للجسر من جهة أخرى‪ ،‬في مزج لل ِعلم البيئي وال ِعلم النفس ي إلانساني‪ ،‬وكأنه‬

‫ّ‬
‫‪05‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫جيرية‪ ،‬وكالهما موجع‪ ،‬يتمثالن‬ ‫صخرية ّ‬


‫ّ‬ ‫يصف الجسر وأصحاب ألاعالم باألوصاف نفسها‪،‬‬
‫ّ‬
‫واملعنوية؛‬ ‫ّ‬
‫املادية‬ ‫ّ‬
‫املعرفية‬ ‫وأيده‪ ،‬وهنا مشاركة ّ‬
‫بيئية للمستويات‬ ‫باالحتالل وكل من سانده ّ‬
‫جسدها الكاتب في الاعتداء على البيئة املتمثلة بـ ـ (الجسر) إذ لم َيعد الجسر منطقة عبور‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫الشمل كما كان ُيمثل في املاض ي‪ ،‬بقدر ما أصبح ً‬ ‫ّ ّ‬
‫مكانا للخروج والطرد والرقابة‬ ‫وعودة للم‬
‫ّ‬
‫بيئية عميقة تعكس تغير الحياة‬ ‫ّ‬
‫والتضييق بفعل ممارسات استعمارية؛ فجفت ماؤه في داللة ّ‬ ‫ّ‬
‫معا؛ إذ لم تعد بطعمها املميز القديم‪ ،‬بل أصبحت صورة بال روح‪ ،‬في‬ ‫والفلسطينية ً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البيئية‬
‫تمثيل يوضح تالحم البيئة املائية التي تفتقد صاحب ألارض الحقيقي‪ ،‬وتتأثر بغيابه‪.‬‬
‫ّ‬
‫املعني بالدراسات الخضراء وآلياتها يلقى هذا الربط الرمزي املهم‬ ‫إن ألافق النقدي‬
‫البيئية وفقاً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫)‬‫‪10‬‬ ‫(‬ ‫ُ‬
‫للفاعلية‬ ‫الذي وصف به الكاتب ألارض فلسطين‪ ،‬بـ(الخضراء) ‪ ،‬في تصريح‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتاريخي‪ ،‬يبدو فيه الكاتب مذهوال ملا آلت‬ ‫معرفي‬ ‫لذاكرته قبل أي خالف سياس ي‪ ،‬وهو وصف‬
‫إليه املنطقة من اصفرار وهشاشة‪ ،‬بعد ما أحدثه الاستعمار من إجراءات لقبها باألمنية؛ للحدّ‬
‫ّ‬
‫الزراعية واستبدالها‬ ‫ّ‬
‫منهجية ومدروسة‪ ،‬إذ نهب ألارض‬ ‫ّ‬
‫الوطنية في صورة‬ ‫من املقاومة‬
‫ستعمرات؛ فكان على حساب البيئة وتدميرها‪ ،‬وهنا يقارن الكاتب بين املاض ي والحاضر في‬ ‫باملُ َ‬
‫تساؤالت استنكارية "فلسطين خضراء مغطاة باألشجار وألاعشاب والزهور البرية‪ ،‬ما هذه‬
‫غيرت ألارض‬ ‫تشبعت "ألارض بصدمات الغزو‪ّ )11(".‬‬
‫التي ّ‬ ‫التالل؟ جيرية كالحة وجرداء!"‪ ،‬فقد ّ‬
‫وحولتها من خضراء لجرداء قاحلة‪ ،‬وبهذا الوصف أنسنة لألرض التي شاركت أصحابها الصدمة‬
‫ُ‬
‫مما ُيحدثه العدو من تغيير بيئي‪ ،‬وبهذا الوصف يخرج الكاتب من معنى الاستعمار التقليدي‬
‫باستغالل خيرات البالد والسيطرة عليها‪ ،‬إلى معنى استعماري جديد يمثل السطوة وإلاحالل‬
‫باستبدال السكان ألاصليين وكل املعالم البيئية املنتمية لهم إلى معالم جديدة‪ ،‬فقد نجح الكاتب‬
‫بهذا الوصف بفرض هيمنة اللغة‪ 12‬التي تصف الفضاء الفلسطيني بدقة‪.‬‬
‫ّ‬
‫توقع الكاتب عند زيارته لوطنه أول ّ‬
‫مرة بعد التهجير الناتج عن حرب ‪ ،0690‬ملا‬ ‫وانكسر‬
‫ّ‬
‫رآه في املشهد البيئي‪ ،‬والتحول ألاخضر إلى إلاسمنت امللون؛ لذا سلط الضوء على الطبيعة في‬
‫الثقافية‪ّ ،‬‬
‫التي تعكس النزعة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الاقتصادية والسيطرة‬ ‫السرد الروائي مكاشف سيرورات الهيمنة‬ ‫ّ‬
‫ظن الكاتب في "تخضير"(‪ )13‬بالده في ما بعد الاستعمار ً‬
‫وفقا لتنبؤاته‬ ‫املركزية عند البشر‪ ،‬ليخيب ّ‬
‫ّ‬
‫املستقبلية في العيش في أمان واستقرار‪" ،‬أن يتحدث املتحدثون عن املستوطنات‬ ‫ّ‬ ‫وأحالمه‬
‫(‪)14‬‬
‫ش يء‪ ،‬وأن تراها بعينك ش يء آخر"‪ ،‬فقد استهجن الكاتب ما تراه عيناه من استغالل‬
‫بحجة إعمارها‪ ،‬لتظهر الحقيقة في عينه مختلفة ً‬
‫تماما‪ ،‬على‬ ‫لألرض‪ ،‬والبيئة في وضع اليد عليها ّ‬

‫ّ‬
‫‪05‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫اعتبار ما ّ‬
‫قدمه العدو يندرج تحت قائمة التدمير وتخريب الطبيعة‪ ،‬واستبدال ما فيها من الزرع‬
‫والشجر باإلسمنت املصفوف على شكل بيوت متراصة‪" ،‬أبنية من الحجر ألابيض متالصقة‬
‫(‪)15‬‬
‫ومتكاتفة‪ .‬تصطف خلف بعضها في سطور منسقة‪ ،‬راسخة في أماكنها‪"...‬‬
‫تشكل في الوجدان العربي واملسلم‪ ،‬عبر ّ‬ ‫ّ‬
‫قضية الوحدة‬ ‫وفي هذا الوصف تناص معنوي‬
‫كأن الكتف في الكتف ّ‬ ‫ّ‬
‫ومثله التراص العمراني في الرواية‪ّ ،‬‬
‫يشده ويدعمه‪ ،‬وهذا يمنح‬ ‫والتماسك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البيئية التي يتمتع بها العدو املحتل‪ ،‬فهو ال يكتفي باالستغالل‬ ‫ّ‬
‫الاقتصادية‬ ‫داللة على الحصانة‬
‫َ‬
‫يؤسس لزحف عمراني مدروس الهيئة‪ ،‬يخيف املستعمر ويرعبه‪،‬‬ ‫ونهب ألارض وتدمير ما فيها‪ ،‬بل ّ‬
‫لشكله املتراص‪ ،‬وعدده املتزايد‪" :‬كل إلاحصائيات سخيفة بال معنى‪ .‬الندوات والخطب‬
‫والاقتراحات والاستنكارات‪ ،‬والذرائع‪ ،‬وخرائط التفاوض‪ ،‬وحجج املفاوضين‪ ،‬وكل ما سمعناه‬
‫شيئا أمام مشاهدتها بعينيك"(‪ ،)16‬وفي هذا التصريح حول‬ ‫ي ً‬
‫وقرأناه عن املستوطنات‪ ،‬ال يساو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يؤكد ّ‬
‫أن ما قدمه الاستعمار يفوق أي خبر‪ ،‬وفيها ما ال يخطر ببال‪ ،‬في‬ ‫املستعمرات تناص آخر؛‬
‫تأكيد على ما يخطط له املحتل من تجذره في ألارض‪ ،‬وطرد لسكانه ألاصليين‪ ،‬وبهذه الشعريةّ‬
‫ّ‬
‫والتاريخية التي‬ ‫ّ‬
‫البيئية‬ ‫ّ‬
‫املعرفية‬ ‫ّ‬
‫الشعرية‬ ‫ّ‬
‫الفنية املوظفة عبر التناص املعنوي غير املباشر‪ ،‬تظهر‬
‫تؤكد ضياع ّ‬ ‫ّ‬
‫هوية ألارض ال إلانسان فحسب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فقد ّ‬
‫عرض‬
‫ٍ‬ ‫قدمت الرواية ملمحين شعريين متنافرين؛ مثل ألاول الشكل املوجع في‬
‫التي تسيطر على الرواية؛ ففي الوقت الذي كانت فيه‬‫التاريخية ّ‬
‫ّ‬ ‫ملزيج من ألاحاسيس وألافكار‬
‫ُ‬
‫فلسطين محتلة‪ ،‬فإنها اتصفت بالنظافة‪ ،‬وال يقصد هنا نظافة املكان فقط‪ ،‬بل نظافة القلب‬
‫حساسة‪ ،‬شاركت الوطن العربي في‬ ‫الذي حمله أصحاب ألارض‪ ،‬وما فيه من مشاعر وعواطف ّ‬
‫ّ‬
‫التاريخية املختلفة‪" ،‬رام هللا شديدة النظافة في شوارعها و‪ ،...‬تظاهرنا ضد حلف‬ ‫أحداثه‬
‫بغداد‪ ...‬تظاهرنا من أجل جلوب باشا‪ ،‬وتعريب الجيش ألاردني‪ ...‬تابعنا صراع ألاحزاب‪:‬‬
‫الشيوعي‪ ،‬والبعث‪ ،‬وإلاخوان‪ ...‬طربنا لقرار جمال عبد الناصر تأميم السويس‪ ...‬وبكينا يوم‬
‫(‪)17‬‬
‫إعالن انفصال الوحدة العربية‪"...‬‬
‫ّ‬
‫أما امللمح الثاني فقد مثل قسوة شعور الغربة‪ ،‬ومرارة ألم الوحدة‪ ،‬والتهجير من‬
‫العربية‪ ،‬التي بكى من أجلها الكاتب مع أبناء بلده‪ ،‬في اختالف املشاعر بين ما ّ‬
‫يكنه‬ ‫ّ‬ ‫البلدان‬
‫ّ‬
‫الفلسطيني اتجاه ألازمات السياسية عند العرب بالتعاطف واملشاركة‪ ،‬وبين ما قدمته الحكومات‬
‫العربية له من إنكار وتهميش ورفض‪" ،‬اقتادني إلى دائرة الجوازات في مجمع التحرير‪...‬كنت‬

‫ّ‬
‫‪08‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫أنظر إلى شوارع القاهرة نظرة أخيرة‪ ،‬أرجوحة املأساة واملسخرة تهز بي ‪ ...‬في مقعدي في‬
‫الطائرة فكوا الكلبشات من معصمي‪ )18("...‬وهنا رصد ملعاناة الفلسطيني التاريخية في إيجاد‬
‫مكان مناسب للعيش بعد ما واجهه من طرد وتهجير‪.‬‬

‫فكرية راودت الكاتب منذ بداية الرواية‪ ،‬ظهرت في كراهية التعايش أو‬ ‫ّ‬ ‫وفي مفارقة‬
‫ّ‬
‫السياسية‪ ،‬والتي كان يعاني من مرارة التفكير بها‪ ،‬ففي‬ ‫التطبيع‪ ،‬التي لم يصرح بمسمياتها‬
‫ّ‬
‫فلسطين يسكن الوافدون من الصهاينة من ذوي ألاصول املختلفة بعد أن احتلوا البالد في‬
‫ُ‬ ‫‪ ،0690‬وبعودته وجد ّأنه يقف أمام مشهد شديد الغرابة‪ّ ،‬‬
‫بأن فلسطين بالده أصبحت ت ّلقب‬
‫ّ‬ ‫بهوية جديدة‪ّ ،‬‬
‫باسم جديد‪ ،‬وأصبح لها شعب جديد ّ‬
‫تغيرت فيها الصورة في ذاكرته‪ ،‬فقد ضلل‬
‫ّ‬
‫الاستعمار املعالم القديمة‪ ،‬واستبدلها بشكل ببيئي جديد‪ ،‬مثل نهب املحتل للحاضر واملستقبل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينية‬ ‫السياسية الثالثة‪:‬‬ ‫املنعقدة بين ألاطراف‬ ‫عملية السالم‬ ‫في موافقة عاملية أكدتها‬
‫ّ‬
‫والعربية واملحتل إلاسرائيلي‪.‬‬

‫هذه الحقيقة التي بدأت من املشهد الحدودي‪ ،‬الذي استهلت به الرواية متنها السردي‪،‬‬
‫ّ‬
‫فلسطينيين على‬ ‫للسالم‪ ،‬مفادها ّ‬
‫بأن انتشار ّ‬
‫الضباط ال‬ ‫السياسية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جسدت مفارقة في الحقيقة‬
‫ّ‬
‫وهمية للدولة‬ ‫جسر امللك حسين‪ ،‬الفاصل الحدودي بين ألاردن وفلسطين‪ ،‬ليس إال صورة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحدودية؛ ألنهم ألاسياد في‬ ‫ائيليين ما يزالون ممسكين بزمام ألامور‬ ‫الفلسطينية‪ّ ،‬‬
‫وإن إلاسر ّ‬
‫عكسا هذه الصورة على املاء (ماء بال ماء)‪ ،‬في ملمح بيئي يرفض التهجين والتفاعل بين‬ ‫الدولة‪ً ،‬‬
‫واملستعمرة " نحن هنا في بقعة ألارض نفسها‪ ،‬في املكان نفسه‪ ،‬ال‬ ‫َ‬ ‫الثقافتين الفلسطينية‬
‫ّ‬
‫الدولية‪...‬في غرفته‬ ‫ّ‬
‫والشرعية‬ ‫حقيبة في يده‪ ،‬ويقف بين علمين إسرائيليين يحركهما الهواء‬
‫وترتيبا‪ ،‬ملصقات سياحية عن معالم (إسرائيل) توقفت‬ ‫ً‬ ‫الضيقة التي توقعتها أكثر نظافة‬
‫(‪)19‬‬ ‫ً‬
‫عيناي طويال عند ملصق عن املسادة‪ "...‬في حقيقة تمثل الاستغالل البيئي في السيطرة عنوة‬
‫على املكان‪ ،‬وكل ما فيه‪ .‬فقد خدم الرأي الدولي أغراض هيمنة الاحتالل‪ ،‬وسعى إلقناع السكان‬
‫ألاصليين بقبول آلاخر صاحب الثقافة الغربية‪ 20‬التي تحمل صفات الجمال والترتيب والنظافة‪.‬‬
‫تقدمها على سبيل ّ‬
‫التجريد‬ ‫فإنها لم ّ‬
‫سياسية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫وبالرغم مما ّ‬
‫قدمته الرواية من معلومات‬
‫ّ‬
‫املعيشية‬ ‫ً‬
‫واقعيا يشرح ألاوضاع‬ ‫ً‬
‫تقديما‬ ‫ّ‬
‫إلايديولوجيات‪ ،‬بل كان‬ ‫ّ‬
‫والتحليل‪ ،‬أو تفسير‬
‫للفلسطينيين‪ ،‬ومدى املعاناة ّ‬
‫التي يواجهونها في قيود إلاقامة والسفر‪ ،‬والرحيل‪ ،‬بسبب عدم‬ ‫ّ‬
‫امتالكهم جوازات السفر؛ لذا كان ّ‬
‫الهم ألاول لدى الفلسطيني هو توفير مكان مناسب للعيش‪،‬‬

‫ّ‬
‫‪00‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ومكان آمن بعد الوفاة (القبر)‪ ،‬وبهذا الشغف يؤكد الكاتب العالقة الوطيدة بين إلانسان‬
‫واملكان‪ ،‬الذي يحدد ّ‬
‫هويته‪ ،‬وكيانه‪ ،‬وحياته بأكملها‪ ،‬في زمن عرف فيه البشر بأرقام وهويات‬
‫منسوبة ألوطانهم‪ ،‬لكن هذا الارتباط لم ُيجسد في الرواية من قبل الفلسطيني فقط‪ ،‬بل ً‬
‫أيضا‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫تجسد في البيئة املغتصبة واملحتلة‪.‬‬
‫ً‬
‫ثم طرحت الرواية تمثيال لعالقتين تكمن ألاولى في هيمنة اليهودي على ألارض‬
‫باغتصابها من سكانها ألاصليين‪ ،‬وتقع الثانية في حاجة إلانسان الفلسطيني ألرض يعيش فيها‬
‫بسالم بعد تهجيره في غربته ّ‬
‫املرة التي نعتها بـاملوت‪" :‬الغربة كموت املرء‪ .‬يشعر أن املوت هو‬
‫الش يء الذي يحدث لآلخرين‪ ،‬منذ ذلك الصيف أصبح ذلك الغريب الذي كنت أظنه دائما‬
‫سواي‪ ...‬الغريب هو الشخص الذي يجدد تصريح إقامته‪ ،‬هو الذي يمأل النماذج‪ ،‬ويشتري‬
‫الدماغ والطوابع‪ ،‬هو الذي عليه أن يقدم البراهين والاثباتات‪ ،‬وهو الذي يسألونه ً‬
‫دائما‪( :‬من‬
‫وين ألاخ؟) أو يسألونه‪( :‬وهل الصيف عندكم حار؟) ال تعنيه التفاصيل الصغيرة في شؤون‬
‫(‪)21‬‬ ‫ّ‬
‫الداخلية لكنه أول من تقع عليه عقوباتها‪".‬‬ ‫القوم أو سياساتهم‬
‫ّ‬ ‫يؤكد الكاتب ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصياغة الدر ّ‬
‫ّ‬
‫الفلسطينيين‪ ،‬لم يصلوا في معركتهم مع‬ ‫أن‬ ‫امية‬ ‫وبهذه‬
‫العدو إلى التحرير؛ ليعيدوا كتابة التاريخ الخاص بهم‪ ،‬كما هي الحال مع أدب ما بعد‬
‫ّ‬
‫بمسميات‬ ‫وإنهم ال يزالون تحت الاحتالل‬ ‫الاستعمار‪ ،‬وإنهاء العنف على البيئة ومن عليها‪ّ ،‬‬
‫تكتف باستعمارها الاقتصادي‪ ،‬بل‬ ‫ِ‬ ‫جديدة‪ ،‬وبسياسات تفرض ثقافة مزدوجة اله ّوية‪ ،‬لم‬
‫معرفية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تبين‬ ‫شعرية‬ ‫ألادبية إلى‬ ‫تجاوزته إلى الثقافي واملعرفي؛ لذا كان من املالئم تحول الشعرية‬
‫ّ‬
‫الحقيقية‪ ،‬وأضفى‬ ‫شوهها الاحتالل ّ‬
‫وغير معاملها‬ ‫والبيئية التي ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والاجتماعية‬ ‫ّ‬
‫السياسية‬ ‫الحقائق‬
‫َ‬
‫عليها معالم جديدة؛ مما ّأدى إلى خلق عالقات مميزة بين املستعمرين وبيئاتهم‪ ،‬بعد أن كشف‬
‫دوليا‪،‬‬ ‫ّ‬
‫بشرعيته ًّ‬ ‫عمر وهيمنته وتسلطه وقبوله ًّ‬
‫عامليا والاعتراف‬ ‫نزعة التمركز على إلانسان املُس ِت َ‬
‫ّ (‪)22‬‬
‫على اعتبارها ألامة القوية‪ ،‬التي تكتب التاريخ وتلزم آلاخر ‪-‬ألامة الضعيفة‪ -‬بالتبعية‪.‬‬

‫قاومة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ألارض ذاكرة م ِ‬
‫وتبقى ألارض الشاهد على ما قدمه الاستعمار من خراب ودمار‪ ،‬ذلك ّ‬
‫ألنها تحمل في‬
‫يكتف بالتدمير الاقتصادي فحسب؛‬ ‫ً‬
‫شاهدا على حمالت التدمير‪ ،‬الذي لم‬ ‫باطنها كل ميت كان‬
‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بل تعداه إلى تدمير ثقافي شمل الثقافة إلانسانية والثقافة البيئية ‪-‬إن صح القول‪ -‬في طمس‬
‫ً‬
‫معالم البيئة الحقيقية واستبدالها بأشكال جديدة مغايرة لها؛ لذلك جاء وصف القدس مرتبطا‬

‫ّ‬
‫‪05‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫بتاريخها وحضارتها وشكلها الثقافي ليؤكد الكاتب خطورة مسألة التشويه الحضاري‪" ،‬القدس‬
‫الديانات‪ ،‬القدس السياسة‪ ،‬القدس الصراع هي قدس العالم‪...‬قدس البيوت والشوارع‪...‬‬
‫(‪)23‬‬ ‫قدس العتالين ومترجمي ّ‬
‫السياح‪ ...‬قدس الجبنة‪"...‬‬

‫القدس كشخصية مرموقة مقاومة‪ ،‬ليبدأ بوصفها أرض الديانات؛‬‫َ‬ ‫فقد وصف الكاتب‬
‫والقدسية‪ ،‬ففي القدس عبق ّ‬
‫التاريخ الذي يجعلها شاهدة على كل ما جرى في‬ ‫ّ‬ ‫فامتازت بالخلود‬
‫قدمها الكاتب في وصف دقيق ّ‬ ‫ً‬
‫قديما وحديثا‪ ،‬فهي أرض الطهارة؛ لذلك ّ‬
‫املنطقة‪ً ،‬‬
‫متعدد املجاالت‬
‫تعم ما فيها من ألاحياء وغير‬ ‫مؤكدا ّ‬
‫أن طهارة املكان ّ‬ ‫ً‬ ‫شامل لكل ما فيها من مكونات ّ‬
‫بيئية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عفوية مساملة كما هي مساجد القدس وشوارعها وسكانها بكل طبقاتهم‬ ‫ألاحياء‪ ،‬في حياة‬
‫ّ‬
‫الاجتماعية‪ ،‬في مزج واضح بين مكونات البيئة والسكان‪.‬‬

‫البيئية(‪")24‬التي تتصف بالتوازن الکوکبي‪ ،‬القائم على‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫الفطرية‬ ‫وكأنه يدعو إلى "النزعة‬
‫سالم ال يتحقق إال في العيش بالبرية أو القرية‪ ،‬بهدف الحفاظ على التنوع‬ ‫العيش مع البيئة في ٍ‬
‫إلاحيائي والحياة البرية‪ ،‬في فكر وأيدولوجيات تتعلق باألرض‪ ،‬ونبذ إلانجازات املعمارية بهويتها‬
‫املحتلة‪ ،‬وفق هندسة غربية تطمس الهوية البيئية املحلية للسكان ألاصليين‪" ،‬مدرسة بير زيت‬
‫أصبحت جامعة مهمة‪ .‬أما الحرش الصغير الذي اكتسب اسمه من كثافة الشجر فيه‪ ،‬فقد‬
‫ّ‬
‫إسرائيلية كبيرة يسمونها (حلميش)‪ ")25(...‬وهنا تأكيد‬ ‫قال حسام إنه أصبح آلان مستوطنة‬
‫البيئيين‪ ،‬الذين يهتمون بالطبيعة املزروعة‪ ،‬ويمارسون الرعي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫طريقة عيش السكان ألاصليين‬
‫ذلك ألن الفلسطيني في القرية إنما هو فالح أو يمكن تلقيبه بمواطن بيئي (إيكولوجي)‪ ،‬على عكس‬
‫الاحتالل إلاسرائيلي الذي يستغل ألارض في إفراط بهدف احتاللها وسلبها في إطار ما يقدمه من‬
‫ُ‬ ‫تغييرات ب ّ‬
‫يئية في ألاراض ي املحتلة في طمس للهوية البيئة املقاومة‪.‬‬
‫(‪)26‬‬ ‫ّ‬
‫وبيولوجية‪"،‬‬ ‫ّ‬
‫إحيائية‬ ‫بالرغم من استيالء الاحتالل على البيئة ومكوناتها في "قرصنة‬
‫ّ‬
‫استعمارية تهدف إلى زيادة عدد املستعمرات الجديدة‪،‬‬ ‫لألرض وما عليها‪ ،‬وفق ممارسات‬
‫الستغالل أكبر قدر من ألارض في ما يمكن نعته باالدخار البيئي‪ ،‬الذي سيمكنها من الفوز‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية وتقسيمها‪" :‬لم يفاجئني ضيق مجراه‪ ،‬نهر‬ ‫بالتفاوض في ساحة النقاش حول ألارض‬
‫ً‬
‫نحيال ًّ‬ ‫ألاردن كان ً‬
‫دائما ً‬
‫جدا‪ ،‬هكذا عرفناه في الطفولة‪ ،‬املفاجأة أنه أصبح بعد هذه‬ ‫نهرا‬
‫نهرا بال ماء‪ ،‬الطبيعة اشتركت مع إسرائيل في نهب مياهه‪ ،‬كان ملجراه صوت‪،‬‬ ‫السنين الطوال ً‬
‫هو آلان نهر ساكت كأنه سيارة واقفة في مرآب‪)27(".‬وبهذا التصريح‪ ،‬يوجه الكاتب اللوم للطبيعة‬

‫ّ‬
‫‪05‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫في القرصنة إلاسر ّ‬


‫ائيلية‪ ،‬وإسهامها في نهب املياه من نهر ألاردن‪ ،‬فهو يؤنسن البيئة ويلومها‪ ،‬وهنا‬
‫ّ‬
‫ُيبين خطورة املوقف املؤيد للتعايش مع العدو‪ ،‬في انعكاس بيئي مثله في وصف الطبيعة‬
‫ً‬
‫مشيرا إلى أنصار ما بعد الاستعمار الذين يدعون إلى التهجين بين‬ ‫املشاركة للعدو في سرقة املاء‪،‬‬
‫مختلف الثقافات‪ ،‬وبهذه املقارنة التي يعقدها الكاتب بين ما كان وما صار يشرح ما يسعى‬
‫‪28‬‬
‫الاحتالل لتقديمه من "الذات البديلة‪".‬‬

‫ضد البيئة ومكوناتها في كل فلسطين‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى ما كان من نهب للجسر كان العنف ّ‬
‫فقد تعارف عند الفلسطينيين تسمية ألاشخاص والعائالت واملجازر واملعارك منسوبة إلى املكان‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينيين والدمار البيئي في بلدة تل الزعتر باملجزرة‪،‬‬ ‫ألنه يشترك مع املقاومة‪ ،‬فوصف قتل‬
‫"كانت مجزرة تل الزعتر ‪ ...‬حين نسف البيوت في الضفة وغزة‪ ،‬واملعتقالت إلاسرائيلية‬
‫تتكدس بالشباب والشيوخ‪ .‬والجرحى ال يجدون دواءهم إذا كانوا محظوظين في الوصول إلى‬
‫(‪)29‬‬
‫أي مستشفى"‪.‬‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية‪ ،‬بل تجاوزه‬ ‫يكتف العنف ضد الشعب الفلسطيني داخل الحدود‬ ‫ِ‬ ‫ولم‬
‫ّ‬
‫الغتيال املثقفين والسياسيين خارجها‪ ،‬كما حدث للرسام الكاريكاتيري ناجي العلي (‪-0600‬‬
‫‪ ،)0600‬واملؤلف غسان كنفاني (‪ ،)0601-0609‬والسياس ي وديع حداد (‪ ،)0600-0610‬وغيرهم‪،‬‬
‫ً‬
‫"وبعدها عدت إلى بودبست وأنا ارتجف من (شكل أيامنا القادمة)‪ ،‬تاركا تحت التراب‬
‫ّ‬
‫البريطاني البعيد واحدة من أشجع الفنانين الذين أنجبتهم فلسطين في تاريخها كله(‪ ")30‬هنا‬
‫مالمح بيئية رومانسية ذات شجن‪ ،‬يصف فيها الكاتب حدث وفاة الرسام‪ ،‬الذي ينتمي للبلد التي‬
‫ُ‬
‫أنجبته بحنين بيئي (إيكولوجي) ينعت فيه ألارض باألم املقاومة‪ ،‬التي تستقبل أبناءها وتودعهم‬
‫عبرة عن سعادة إلانجاب من جهة والفقد من جهة أخرى‪ ،‬في نقطة التقاء‬ ‫بصرخة الحنين املُ ّ‬
‫ً‬
‫املاض ي والحاضر واملستقبل؛ ليكون مصير هذا الفنان القتل خارج وطنه وفي املنفى‪31‬؛ حاملة‬
‫بيئية‪ ،‬فيها وصف لفضاء الوصول إلى املناطق الجغر ّ‬
‫افية التي يتعذر‬ ‫ّ‬
‫استعمارية ّ‬ ‫ّ‬
‫نسقية‬ ‫دالالت‬
‫الوصول إليها من خالل مؤامرة عاملية تؤيد املحتل وتدعمه في محاولة طمس أي وجود فلسطيني‬
‫ُ‬
‫يتميز‪ ،‬أو يصل للشهرة العاملية التي تعبر عن ظلم الاحتالل إلاسرائيلي للشعب الفلسطيني‬
‫املُغتصب‪ ،‬وهنا إشارة للسطوة والهيمنة إلاسر ّ‬
‫ائيلية على الرأي العام في الداخل والخارج‪.‬‬

‫فقد عاش الفلسطيني في الخارج التهديد والقتل والتهجير‪ ،‬وتنوعت بيئات عيشه‪،‬‬
‫وتفرقوا في ألارض‪ّ ،‬‬
‫فتنوعت الثقافات التي تبنوها‪ ،‬ولم ينسوا وطنهم بل خلقوا أسطورة ألارض‬

‫ّ‬
‫‪04‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫ً‬
‫والعودة طوال مدة عيشهم في املنفى‪ ،‬ونقلوها ألوالده جيال بعد جيل‪ ،‬وإن لم يكونوا يعرفنها‪،‬‬
‫أبدا‪ ،‬إال أنهم يشعرون باالنتماء لها‪ ،‬ويمجدونها‪ ،‬وينتظرون العودة لديارها‪ ،‬لذا‬ ‫ولم يزوروها ً‬
‫فكريا‪ ،‬وإلاحاطة به؛ ألنه ال يعرف عن وطنه إال ما تجود به‬ ‫حاول املحتل حصار الفلسطيني ً‬
‫(‪)32‬‬
‫البيئية التي ترفض الانقسام الاجتماعي‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫هجوما على العدالة‬ ‫سردية آلاباء وألاجداد‪ُ ،‬ويعد هذا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والفكرية بين أبناء الجيل الواحد في الوطن واملنفى‪ ،‬فقد مثل الخطاب‬ ‫الثقافية‬ ‫املسبب للفجوة‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫الروائي الجيل الفلسطيني الناش ئ‪ ،‬وصنفه وفقا لحالته املكانية‪ ،‬التي تقع تحت تأثير الظروف‬
‫والاجتماعية التي يعيشها‪ً ،‬‬
‫وفقا للبيئة التي ينشأ فيها‪ ،‬فقد أثر الاحتالل في إنتاج فكري‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السياسية‬
‫ً‬
‫جديد ألجيال كاملة‪" ،‬الاحتالل الطويل الذي خلق أجياال إسرائيلية ولدت في إسرائيل وال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تعرف لها (وطنا) سواها‪ ،‬خلق في الوقت نفسه أجياال من (الفلسطينيين الغرباء عن‬
‫ً‬
‫فلسطين) ولدت في املنفى وال تعرف من وطنها إال قصته وأخباره‪ ...‬الاحتالل خلق أجياال بال‬
‫مكان تتذكر ألوانه ورائحته‪ ...‬وتحب الحبيب املجهول النائي العسير‪ ،‬املحاط بالحراسة‪،‬‬
‫وباألسوار‪ ،‬وبالرؤوس النووية‪ ،‬والرعب ألاملس‪ ...‬حولنا من أبناء فلسطين إلى أبناء (فكرة‬
‫فلسطين)‪ )33(".‬ومن املوروثات الفكرية الجديدة لألجيال في ما بعد الاستعمار‪ ،‬الرعب البيئي‬
‫ّ‬
‫والكونية على حد سواء‪.‬‬ ‫ّ‬
‫إلاحيائية‬ ‫الذي مأل نفوس البشر بعد اختراعهم لألسلحة املدمرة للبيئة‬
‫بواعث ّ‬
‫بيئية بين ألم الاستعمار وأمل التحرير‪.‬‬

‫بالنظر إلى ما سبق‪ ،‬تظهر مالمح ما بعد الاستعمار كلها مهتمة بسيرورات مركزية للمجاالت‬
‫ّ‬
‫الاقتصادية‪ ،‬بنزعة الاستغالل البيئي من دون النظر للعواقب التي يخلفها‬ ‫ّ‬
‫والسياسية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الثقافية‪،‬‬
‫هذا الاستعمار على البيئة ومكوناتها‪ ،‬فظهر نسق الخذالن والدمار املرتبطان بمشاعر الفشل‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫املشاعر بتمثالت سردية‪،‬‬ ‫الكاتب‬ ‫والهزيمة‪ ،‬في امتزاج مع الحزن وألالم‪ ،‬فقد شاركت البيئة‬
‫ومجازات بالغية‪ ،‬تأججت في وصف حال كل منهما ً‬
‫معا سواء أكانت بالصمت أو تكرار املواقف أو‬
‫ً‬
‫وصف املقاومة‪" ،‬أصبح معروفا أن نقرأ املأساة واملالهي في الصفحة ذاتها‪ ،‬في الواقعة ذاتها‪،‬‬
‫في الاتفاقية ذاتها‪ ،‬في الخطبة ذاتها‪ ،‬في الهزيمة والنصر‪ ،‬في العرس والجنازة‪ ،‬في الوطن‬
‫(‪)34‬‬
‫واملنفى‪ ،‬وفي مالمح وجهنا الواحد كل صباح"‪.‬‬
‫ّ‬
‫السردية‪ ،‬إذ كانت ملجأ الكاتب ومالذه‪ ،‬كما كانت‬ ‫ّ‬
‫الحيثيات‬ ‫فقد سيطرت البيئة على‬
‫شريكته في النضال وألامل في املستقبل‪" ،‬سيدة الدار وسيدة الفناء كانت شجرة التين‬
‫الخضاري الهائلة الجذع املترامية ألافرع‪ ،‬تلك التينة أطعمت أجدادنا وآباءنا‪ ،‬وال يوجد‬

‫ّ‬
‫‪04‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫شخص واحد في القرية لم يتلذذ من ثمارها التي ال مثيل املذاق العجيب‪ ...‬الوادي الخصيب‬
‫الذي ترويه (عين الدير) وعين الدير هي نبع املاء ونبع الحكايات ونبع الرزق للقرية‬
‫كلها‪)35(".‬هذه الشجرة (التينة) التي كونت ألامل لكل أهل القرية‪ ،‬وعبر ألازمنة املختلفة‪ ،‬القت‬
‫حذفها بالقطع‪ ،‬كما لقي أبناء القرية حتفهم برصاص الاحتالل‪" ،‬التينة مقطوعة من نقطة‬
‫التقاء جذعها املهيب بسطح ألارض في موضعها املحفور في ذاكرتي رأيت الفراغ يشغل‬
‫الفراغ"(‪ )36‬فهي السيدة املقاومة املسؤولة عن الدار واملكان‪ ،‬إذ جسدها الكاتب في صورة البطلة‬
‫ّ (‪)37‬‬ ‫ّ‬
‫التي خلد التاريخ اسمها‪ .‬في مبدأ التكامل بين البشر واملنظومة البيئية‪.‬‬

‫وفي محاولة لبث روح ألامل بانتشار العدالة البيئية (‪،)Environmental Justice‬‬
‫التي وصفها فولفغانغ غوته ‪ )0001-0076( Johann Goethe‬بأنها "روح واحدة تسري في‬
‫شهيدا‪" ،‬وإذا كان ألاحياء يشيخون فإن الشهداء‬ ‫ً‬ ‫ألارض"‪ )38(.‬التي تفي بالسعادة ملن مات‬
‫شبابا‪ ...‬رام هللا السرو والصنوبر‪ ،‬أراجيح املهابط واملصاعد الجبلية‪ ،‬اخضرارها‬ ‫ً‬ ‫يزدادون‬
‫الذي يتحدث بعشرين لغة من لغات الجمال‪ ،‬مدارسنا ألاولى حيث يرى كل طفل منا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ألاطفال آلاخرين أكبر سنا وأكثر قوة‪ ...‬ف ُّل الانتفاضة وفوالذها الشفاف‪ ،‬آثارها الواضحة‬
‫كالبصمة الليلكية‪ )39(".‬لتقف الخياالت البسيطة‪ ،‬من ذكريات قديمة وواقع كمخطط ُيبشر‬
‫ثقافية تحقق العدالة البيئ ّية التي تحمي ألارض من التدمير‪ ،‬وتحمي‬
‫ّ‬ ‫بأمل قريب‪ ،‬في حقل صحوة‬
‫ّ‬ ‫(‪)40‬‬
‫البشر من القتل والتهجير‪ ،‬في يقظة تحميها من "العنف البطيء" ‪ ،‬السيما في ما يقدمه املحتل‬
‫ّ‬
‫الزراعية وتحويلها ملستعمرات‪.‬‬ ‫من تدمير تدريجي‪ ،‬باستغالل ألاراض ي‬

‫تنوعت حسب املوقف الدرامي‬ ‫بيئية مختلفة ّ‬ ‫ومثلها عبارات ألامل في مشاهد ّ‬
‫وتداعيات ألاحداث‪ ،‬فقد وصف مدينة رام هللا بأنها "عجيبة متعددة الثقافات‪ ،‬متعددة‬
‫(‪)41‬‬
‫ترف جديد"‪.‬‬ ‫ألاوجه؛ لم تكن مدينة ذكورية‪ ،‬وال متجهمة‪ّ ً .‬‬
‫دائما سباقة إلى اللحاق بكل ٍ‬
‫وهنا تحديد الجينالوجيا (أصول ألاخالق) البشرية‪ ،‬التي تعترف بتشدد الفكر الذكوري‪ ،‬وتجهمه‪،‬‬
‫لينكر على بيئة رام هللا أن تحمل مثل هذه الصفات الجادة؛ ألنها مدينة مفعمة بالحياة وألامل‬
‫فهي تتصف باملرح والترف ومواكبة العصر الحديث‪.‬‬
‫ّ‬
‫البيئية املوظفة في الرواية‪ ،‬قدمت منظومة ألامل بالرمز‬ ‫ّ‬
‫الحوارية‬ ‫ومن ألاساليب‬
‫وإلاشارة‪ّ ،‬‬
‫صور فيه الكاتب نزاع الزمن بين الربيع املمثل لرمزية ألامل والصيف" كان الطريق‬
‫ً‬
‫إليها طويال منذ ‪ 0610‬وأنا أمش ي‪ ،‬من أول شمس أمس إلى أول شمس اليوم وأنا أمش ي‪...‬‬

‫ّ‬
‫‪55‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫ُ‬
‫ربيعها املعاند‪ ،‬ال يريد أن ُيسلم نفسه لصيفها املتردد الخجول في املوعد املألوف‪ ،‬الربيع‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫متعمدا لم‬ ‫ً‬
‫عامدا‬ ‫يزاحم بكتفيه‪ ،‬بألوانه‪ ،‬بشهقة البرد والندى في هوائه‪ ،‬بأخضره الذي‬
‫ً‬
‫غامقا كما ُي ُ‬
‫طالبه الصيف‪ )42(".‬وبين رومانسية حاملة‪ ،‬وحنان بيئي‬ ‫يكتمل بعد‪ ،‬ولم يصبح‬
‫يشده الربيع بلطفه وشجاعته لألمل‪ ،‬تظهر مزاحمة الصيف الحزين الكئيب؛ الذي يدافعه‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫موصوال بال انقطاع‪ ،‬هكذا ّ‬ ‫ّ‬
‫عبر الكاتب عن أحاسيس فاضت باألمل في‬ ‫ليظل حبل التفاؤل‬ ‫الربيع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نور الحرية‪ ،‬وصف فيها الطبيعة في حالة من التوافق والانسجام مع حالته املزاجية‪ ،‬في تنبؤ‬
‫ّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ملستقبل آمن فيه كل مسلم‪ً ،‬‬
‫دينية‪ ،‬تحرم اليأس‬ ‫فكرية تنتمي ملعتقدات‬ ‫وفقا أليدولوجيات‬
‫ُ‬
‫وتنبؤ بالنصر ولو بعد حين‪ ،‬لذا هو يرفض العالمات الكارث ّية التي قد تحدث بقدوم الصيف‬
‫الجاف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إن ما ّ‬
‫قدمه الكاتب من وصف للمكان عبر عن مشاعره اتجاه البيئة‪ ،‬والتي تمثلت‬
‫بأنسنتها‪ ،‬إذ بدت ألارض (البيئة) تشاركه في املشاعر واملقاومة‪ ،‬وفق أيدولوجيات متوازنة ًّ‬
‫فكريا‬
‫تؤمن بالعدل البيئي‪ ،‬وتنبذ التر ّ‬
‫اتبية والاستغالل‪ ،‬بل يتعداه إلى الارتباط البيئي والاستئناس‬
‫بالطبيعة‪ ،‬والتعاطف املتبادل بين إلانسان وألارض‪ ،‬إذ يسقط مشاعر التفاؤل والخوف والتهديد‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والتوتر مباشر على ما حوله من الطبيعة‪ ،‬فتشاركه بها وتدافع عنه‪.‬‬

‫الهوية إلايديولوجية بين القرية‪ ،‬واملدينة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫يتراوح ّ‬
‫النص الدرامي في الرواية بين الغلو والسخرية‪ ،‬ففي الوقت الذي عظم فيه الكاتب‬
‫املدينة‪" ،‬عجيبة رام هللا‪" "،‬أما العالقة باملدينة فلها قصة أخرى"(‪ ،)43‬دعا للعودة إلى البرية‪،‬‬
‫ّ‬
‫"أنا ابن جبل واستقرار(‪ ،")44‬كما ركز على مسألة نبذ الزحف العمراني الاستيطاني‪ ،‬في أجندة‬
‫سياسية ترسم حدود بيئية جديدة املعالم‪ ،‬في محاولة ليقوض الفارق الجغرافي بين القرية‬
‫متساو ومن غير تفريق‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والتغيير بشكل‬ ‫واملدينة؛ وإخفاء الفارق البيئي بينهما‪ ،‬بتعريضهما للتدمير‬
‫ٍ‬
‫معا‪" :‬كان يجب أن أتخيل هذا التهدم والتآكل في ألاقواس‬ ‫والعمل على بناء املستوطنات فيهما ً‬
‫والبوابات واملداميك والسقوف والعتبات وألادراج‪ .‬بل إنني قدرت أن أرى هذا الخراب الذي‬
‫أراه آلان في دير غسانة منذ رأيت التراجع املفجع في أحوال رام هللا‪ ،‬إذا كان الاحتالل قد أعاق‬
‫املدينة في املدينة‪ ،‬فمن الطبيعي أن يعيق القرية هكذا‪ ،‬بحيث يكتمل يأسها التاريخي من‬
‫(‪)45‬‬ ‫ّ‬
‫مديني ٍة تغتني بها وتنمو‪".‬‬ ‫اكتساب عناصر‬

‫ّ‬
‫‪55‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫ً‬ ‫إن ّ‬
‫تتبع أحداث الرواية يكشف عن ضجر بيئي اتخذه الكاتب وسيلة للتصريح عن آراء‬
‫التخريبية من قبل الاحتالل‪ّ ،‬‬
‫وتبين ضرورة ترتيب ألاولويات‬ ‫ّ‬ ‫سياسية‪ ،‬تدين الاستيطان‪ ،‬وألاعمال‬
‫وجعل الخالص من الاحتالل بالتحرير املسألة ألاهم؛ لذا تجاهل الكاتب بيان التمايز بين املدينة‬
‫أن ما يقع عليهما من قبل الاستعمار من تغريب هو نفسه‪ ،‬الذي منع التطور‬ ‫والقرية على اعتبار ّ‬
‫لكليهما‪.‬‬
‫ّ‬
‫البيئية‪ ،‬التي تقع تحت الاضطهاد السياس ي‪،‬‬ ‫ملزيج من املسميات‬
‫وتبقى ألارض هي ساحة ٍ‬
‫قدم الكاتب مجموعة من املواقف التي تسخر من حال الفلسطيني في بلده وخارجها في‬ ‫فقد ّ‬
‫أزمان مختلفة‪" ،‬فوض ى املدن هدوء البراري شعارات املنتفضين‪ ،‬رائحة الصفوف الابتدائية‬
‫مذاق الطباشير‪ ،‬صوت ألاستاذ أحمد صالح عبد الحميد‪ ...‬كيف يمكن التمييز بين‬
‫إلايديولوجيات‪ ،‬وآلاراء املتعارضة والنظريات السياسية من جهة‪ ،‬وهذه التينة الخضراء‬
‫(‪)46‬‬ ‫ُ‬
‫التي تغطي ثلث الهضبة التي تجاور بيت (أبو حازم) من جهة أخرى؟"‬

‫كما يصف حال جدته التي تحتفظ بهدايا ألادوات املنز ّلية وتقدرها رغم الويالت التي‬
‫مرت بها‪" ،‬ومع التبعثر الجغرافي املتكرر إثر الحرب‪ ،‬لم تستطع الوالدة الاحتفاظ بطقم‬
‫(‪)47‬‬
‫الشاي التاريخي"‪.‬‬
‫ًّ‬
‫استقصائيا‪،‬‬ ‫ً‬
‫عرضا‬ ‫قدم الكاتب خالل رحلته إلى فلسطين عبر مروره (للجسر)‪،‬‬ ‫لقد ّ‬
‫حد سواء‪" ،‬البيوت املهجورة ترى رؤيتها‬‫كل من القرية واملدينة على ّ‬‫الختالف البيئة وتبدلها في ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫بخرسها البليغ(‪ ،")48‬ليسخر مما قدمه الاستعمار املرخص دوليا‪ " ،‬كأن الحصيرة من تحتهم‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫(‪)49‬‬
‫واصفا بسخرية خرافة سياسية تمثل التعاطف مع آلاخر؛ في وعي ملا بعد‬ ‫هيئة لألم املتحدة"‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫الاستعمار‪ ،‬وترميز ملنظمات عاملية‪ ،‬في ترسيخ تاريخي يفسر الاضطهاد الذي يعيشه املستعمر‪.‬‬

‫وفي مقارنة وصف املدينة والقرية في الرواية‪ ،‬يظهر تعلق الكاتب باألرض من دون‬
‫تحديد أو تخصيص‪ ،‬وذلك الشتراك ألاماكن باختالفها في مأساة واحدة‪" ،‬رام هللا‪...‬تتجسد‬
‫بقوامها القوطي الغامق اللون‪ .‬بشوارعها الترابية‪ .‬بسناسلها وأسرابها الضيقة ومقبرتها‬
‫املحاطة بالصبار الذي ال تكف ألواحه الشائكة عن التناسل‪ ،‬حتى وهي تجاور املوت‬
‫واملوتى‪ ...‬دير غسانة لم تعد فكرة وال خانة في امللفات"‪ )50(.‬وبهذه املشاهدات عوالم ّ‬
‫بيئية‬
‫متشابكة العالقات بين الشعور في املدينة والقرية؛ إذ تعرض الرواية منذ دخول الكاتب‬

‫ّ‬
‫‪55‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫(الجسر) انهماكا عميقا في البيئة؛ وظف فيه الصورة املجازية التي أسهمت في مشاركة الطبيعة‬
‫لألفعال إلانسانية ومشاعره في تلميحات ّ‬
‫بيئية تارة‪ ،‬وتصريحات تارة أخرى‪.‬‬

‫قدمه الكاتب حول القرية واملدينة في الرواية‪ ،‬انقسم إلى شقين متناقضين‪،‬‬ ‫إن ما ّ‬
‫حاول الكاتب توضيح املفارقة في نشأتهما في الداخل إلاسرائيلي‪ ،‬والضفة الغربية‪ ،‬ففي الوقت‬
‫الذي تحولت فيه املدينة املحتلة ملدينة بطابع أوروبي من التحضر واملدنية‪ ،‬أصبحت املدينة في‬
‫الضفة الغربية كالقرية لتوقف نموها العمراني والاقتصادي والصناعي والتجاري بسبب ما وقع‬
‫عليها من قبل الاحتالل ‪" ،‬خسف مدننا إلى قرى‪ )51("،‬وبهذا املشهد يعكس حقيقة ما ّ‬
‫قدمه‬
‫ّ‬
‫يدولوجية فكر‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينية‪ ،‬وفق أ‬ ‫الاحتالل من إمكانات لتطوير مدنه‪ ،‬ومعرقالت لتطوير املدن‬
‫استغاللي ومحتل‪ ،‬إذ يسعى املحتل لتطوير ذاته وشعبه‪ ،‬وتجهيل الشعب الفلسطيني كما ّ‬
‫جهل‬
‫مدنه وبيئته‪.‬‬

‫الوعي البيئي كائن شرعي‪.‬‬


‫ّ‬
‫إلانسانية في ظروف‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينية بطريقة تسهم في عرض الحالة‬ ‫قدم الكاتب البيئة‬ ‫لقد ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫إلانسانية بوصفها "كائنا‬ ‫الاستعمار‪ ،‬عبر عن خضوعها في صور تعكس ألافعال‬
‫ً‬
‫مشروعا"(‪"،)52‬ليست العمائر وحدها هي التي يسقطها الوقت‪ ،‬خيال الشاعر محكوم بأنه آيل‬
‫ّ‬
‫والاجتماعية‪ ،‬تظهر مالمح هوس‬ ‫ّ‬
‫الاقتصادية‬ ‫للسقوط"(‪ ،)53‬وبالنظر في القضايا والفجوات‬
‫الاستهالك من جهة‪ ،‬وعدم احترام البيئة من جهة أخرى‪" ،‬كان ال يحترم ألاعشاب التي تنمو بغير‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫واملرار‪ ،‬والخرفيش‪ ،‬رغم أنه كان يحاول عبثا أن‬ ‫عناية الشخصية‪ ،‬كالخبيزة وامليرامية‪،‬‬
‫يعلمني أسماءها وخصائصها ألاغرب في شفاء ألامراض‪ ...‬كان سيد املاء‪...‬استطاع وهو ألامي‬
‫أن يروي كل الجبل ومأل الوادي بأقل قدر من املاء‪ ،‬بال هدر وال تبديد‪ ،‬كأنه مهندس داهية في‬
‫ّ‬
‫بأهمية النباتات املهمشة‪ ،‬إال أنها القت قلة الاحترام‪ ،‬وفق‬ ‫علوم الزراعة"(‪ ،)54‬ومع الاعتراف‬
‫العربية‪ ،‬وهي احترام ألاشجار على حساب الورقيات البرّية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فكرية‪ ،‬تحكم الثقافة‬ ‫ّ‬ ‫هلوسات‬
‫ُ‬
‫وبهذه إلاشارة أنساق مضمرة في طرق املعامالت‪ ،‬وأساس الاحترام البشري لآلخر‪ ،‬فهو يعلق على‬
‫ً‬
‫مؤكدا دور املاء في انتاج الزراعة الجيدة‪،‬‬ ‫هذا الفعل بوعي بيئي‪ ،‬يرفض التراتبية بين الزرع‪،‬‬
‫وضرورة ترشيد استهالكها والعناية بها‪ ،‬كما يؤكد الكاتب التعلق الفلسطيني بأرضه وكل ما فيها‬
‫ستعمر في أرضه الذي يعي‬‫من مكونات حية‪ ،‬يعرفها بدقة‪ ،‬ويعتني بها‪ُ ،‬ويحافظ عليها‪ ،‬فهو املُ َ‬
‫ً‬
‫جيدا قدر الزراعة واملاء في بلده‪.‬‬

‫ّ‬
‫‪55‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫امية‪ ،‬كجزء من الشعب الفلسطيني‪ ،‬ها‬ ‫ومع هذا الوعي البيئي الذي ّ‬
‫تجسد في املشاهد الدر ّ‬
‫هي الحاجيات تنتظر إلافراج عنها من جنود الاحتالل‪":‬إسرائيليون وإسرائيليات يرتدون قفازات‬
‫النايلون وتفحصون محتويات ما تقتض ي به الغرفة أصحاب الحاجيات ينتظرون إلافراج‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫والفعلية‬ ‫النفسية‬ ‫عنها"(‪)55‬وهنا تظهر البيئة بحضور قوي املعلم من خالل مشاركتها الحالة‬
‫ّ‬
‫الاستعمارية؛ لينسج الكاتب التفاعل بين البشر وغير البشر في وعي كل منهما بما‬ ‫للممارسات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫يقدمه للمستعمر ضد الاحتالل‪ ،‬ورفض التجاوزات في املعامالت عامة وإلانسانية خاصة‪.‬‬

‫ثم ينقل الكاتب أماله بالبقاء من النهش الاستعماري في دمج بقايا معالم البيئة‬
‫ّ‬
‫السجاد)‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينية (نسيج‬ ‫ومنتجاتها‪ ،‬إلى كيان الدولة؛ في إنشاء فضاءات من مكوناتها البيئة‬
‫وأهمية‪ ،‬تقدم الدعم املعنوي للكاتب في أمل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مركزية‬ ‫بيئية (غير ّ‬
‫بشرية) لها‬ ‫كمحاولة لخلق عوالم ّ‬
‫السجاد هو املستوطنات‪ ،‬عليها بعض النقوش متناثرة هنا وهناك‪ ،‬هي كل‬ ‫ّ‬ ‫للتحرير‪" :‬نسيج‬
‫ّ‬
‫(ما تبقى لنا) من فلسطين‪ .‬في الترتيبات التفاوضية ألاخيرة خرجوا من منازلنا لكنهم يواصلون‬
‫احتالل الطرقات املؤدية إليها‪ .‬ولهم الحق في إيقافك على الحواجز ألامنية الكثيرة وعليك‬
‫الانصياع"(‪ )56‬استطاع الكاتب تصوير منتجات البيئة (السجاد) التي تعمل جاهدة ككائن يدافع‬
‫عن أصحاب ألارض ألاصليين‪ ،‬الذين يعانون من الاحتالل رغم خروجه من منازلهم‪ ،‬فقد ّ‬
‫تعمد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البيئية املفقودة‬ ‫متتالية‪ ،‬ليسلط الضوء على العدالة‬ ‫البيئية في عبارات‬ ‫الجمع بين املتناقضات‬
‫الشكلية أمام العالم من جهة أخرى‪ ،‬ففي الوقت الذي‬ ‫ّ‬ ‫في ظل الاحتالل من جهة‪ ،‬وباملفاوضات‬
‫ّ‬
‫ذكر فيه مصطلح "احتالل الطرقات" ذكر في مقابله نعت الاحتالل للحواجز بأنها " ّ‬
‫أمنية" في‬
‫ّ‬ ‫جلية‪ّ ،‬‬‫مفارقة ّ‬
‫لتفنيد مسمياتهم املضللة‪ ،‬في مراوغة لفظية وبالغية وصفية للبيئة‪.‬‬

‫ثم يقول في يأس‪" :‬تعلمنا التعود‪ ،‬كما يتعود راكب ألارجوحة على حركتها في اتجاهين‬ ‫ّ‬
‫متعاكسين‪ .‬أرجوحة الحياة ال تحمل راكبها إلى أبعد من طرفيها‪ .‬املأساة واملسخرة‪ )57(".‬وبهذا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التعود على الحالة التي يعيشها‬ ‫التصريح يوظف الكاتب الخيال العلمي بوصف اليأس بحالة‬
‫التعود الذي ّلقبه‬
‫ّ‬ ‫اليوم‪ ،‬وما آلت له البالد من احتالل اتصف باالستبداد والفساد‪ ،‬إال أن هذا‬
‫تجذرت أساساته في أعماق ألارض في وحدة بيئية لتصبح ً‬ ‫ّ‬
‫جزءا من ألارض التي‬ ‫باألرجوحة‬
‫حملتها‪ ،‬وإن كانت ال تتحرك إال باتجاه املأساة تارة‪ ،‬واملسخرة تارة أخرى‪ ،‬وفي هذا الوصف نسق‬
‫أيدولوجي عميق يفض ي بالتعلق باألرض مهما كانت الظروف‪.‬‬

‫ّ‬
‫‪58‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫الاستعمارية‪ّ ،‬‬
‫فإن تجاوز‬ ‫ّ‬ ‫أن البيئة هي القوة التي يتنازع عليها ألاطراف في الحروب‬ ‫وبما ّ‬
‫التاريخ عن ممارسات العنف لصالح الطرف ألاقوى‪ ،‬يجعل من الضرورة سرد التاريخ من‬
‫تكتف البيئة بالشهادة‪ ،‬بل إنها ظهرت بشكل كائن يشارك آلاخرين‬ ‫وفقا لرؤيته؛ لذا لم‬ ‫املُ َ‬
‫ستعمر ً‬
‫ِ‬
‫في مشاعرهم‪ ،‬ففي الوقت الذي غصت فيه صرخة الكاتب بوفاة صاحبه ناجي العلي‪ ،‬شاركه‬
‫الرذاذ املعلق في السماء بهذه الصدمة التي توقفت عندها مسيرتهما ‪-‬الصرخة والرذاذ‪" -‬إنني‬
‫أصرخ صرخة متصلة‪ ،‬ممتدة‪ .‬أعجز عن استردادها من الهواء كأنها عالقة هناك في ذلك‬
‫معا‪ ،‬أنا وأسامة وجودي وليال وخالد ووداد‪ ،‬كأنها تنوي أن تظل‬ ‫الرذاذ الذي كان يبللنا ً‬
‫معلقة في السماء إلى يوم القيامة تلك السماء البعيدة تلك السمات التي لم تكون بيضاء ولم‬
‫(‪)58‬‬
‫تكون زرقاء ولم تكن تخصنا ولم تكن تعرفنا ولم‪ ...‬تكن‪"!...‬‬

‫موظفا كلمة مالمح كبديل‬‫ً‬ ‫(‪)59‬‬


‫ثم يوصف املكان بتغير "مالمح ألارض الفلسطينية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫لوصف الصور املروعة لدمار الحرب في أنسنة تامة لبلده‪ ،‬فهو ال يقصد تغير املوقع بسبب‬
‫الجغرافيا السياسية فحسب‪ ،‬بل يعني الوضع الاجتماعي الجديد الذي اجتاحه الصهاينة‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية‬ ‫ً‬
‫مشخصا لألرض‬ ‫بمستوطناتهم الجديدة‪ ،‬وفق بنية ديناميكيات اجتماعي جديدة‪،‬‬
‫في مالمح بشرية؛ ليعكس الكاتب رؤيته للعالقات إلانسانية باملكان‪ ،‬ويجسد شعوره بالخسارة‪،‬‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية‬ ‫ً‬
‫جديدا‪ ،‬فيها إشارة للمدن والقرى‬ ‫ً‬
‫جسديا‬ ‫ً‬
‫مظهرا‬ ‫فمالمح فلسطين اليوم تمثل‬
‫املدمرة‪ ،‬وكأنها تحمل تضاريس جديدة غريبة‪ ،‬جراء ما أحدثه املحتل من تجريف للقرى واملزارع‪،‬‬
‫وإعادة التسمية لألماكن والقرى‪ ،‬وبناء املستوطنات‪ ،‬والتغير في كل مالمح الشكل الاقتصادي‬
‫ّ‬
‫الدولية‪.‬‬ ‫والبيئي والسياس ي للمنطقة‪ ،‬هذا كله القى تأييد في السياسات‬
‫ّ‬
‫السردية بمجازات ألارض‪ ،‬التي تفسر الجذور املنتمية لها‪،‬‬ ‫كذلك ارتبطت الكتابة‬
‫وألاصول املختلفة رغم الشتات‪ ،‬فظهرت النزعة ألانثروبوسينية املهتمة بالتركيز على إلانسان‬
‫والحيوان في الوقت نفسه‪ ،‬وإشراك الحيوانات وصفاتها لألعمال إلانسانية‪ ،‬كوصف املجاهدين‬
‫باألسود‪...‬‬
‫ّ‬
‫إيكولوجية"‪ ،‬ففي مؤلفاته تتقارب الاهتمامات بالعدالة‬ ‫وإن أعمال الاحتالل لم تكن سوى "إبادة‬
‫قميصا مفتوحة العرى بدليل أنه قال‬‫ً‬ ‫البيئية‪ " :‬سيكون طويل القامة أبيض الوجه يرتدي‬
‫ً‬
‫يهوديا‪ ،‬بدأت ألامور‬ ‫كثيرا وإال تأكدت‪ ،‬إن كان ً‬
‫شيئا إما باللغة العربية‪ ،‬لم يتحدث ً‬‫ً‬
‫عربيا أو‬
‫تختلط‪ ،‬كنا نقرأ عن العمال العرب في إسرائيل هل هو عامل عربي في إسرائيل؟ هل هو‬

‫ّ‬
‫‪50‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫يهودي؟ ويعرف العربية؟ مالمح الوجه وحدها ال تكفي للتميز بيننا وبينهم‪)60("...‬وهنا تكمن‬
‫املتعمد واملقصود من طرف واحد‪ ،‬ففي امتزاج املحتل مع آلاخر بهدف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البيئية باالمتزاج‬ ‫إلابادة‬
‫إبادة صاحب ألارض‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السردية في الرواية‪ ،‬في وعي بيئي‬ ‫لقد وظف الكاتب الطبيعة كأداة للتعبير عن الثيمة‬
‫الزم تداعيات ألاحداث منذ بداية الرواية إلى نهايتها‪ ،‬في عرض الستقصاء وفحص كينونة‬
‫البيئية‪ ،‬التي تتخذ ً‬
‫موقفا إزاء الاحداث السياسية‪ ،‬بعد‬ ‫ّ‬ ‫املستقبل الفلسطيني‪ ،‬في توظيف البؤرة‬
‫تعرضها للضرر الكامن في الدمار والتخريب والزحف العمراني‪ ،‬وزيادة عدد السكان‪ ،‬ناهيك عن‬
‫الدمار البشري‪ ،‬من قتل وتهجير وأسر وهدم؛ تلك البؤرة املتضمنة لثيمات تركز على ما تصنعه‬
‫ُ‬
‫الحرب من فقدان للهوية‪ ،‬التي تمثل مصير الشعب املحتل‪ ،‬الشعب الفلسطيني‪.‬‬

‫الوعي البيئي بين ألانا وآلاخر‪.‬‬


‫والذات وآلاخر فوارق تمثلها ّ‬ ‫ّ‬
‫الهوية‪،‬‬ ‫هناك تداخل في معاني املفاهيم‪ ،‬إذ يوجد بين ألانا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التي يحتفظ بها إلانسان؛ ّ‬
‫ليعبر عنها وتحميه‪ ،‬فهي تشكل له أهمية وجوده‪ ،‬وهي ما تعطيه الثقة‬
‫وألامان والقوة ملواجهة العالم‪ ،‬وتتجسد الهوية عبر الانتماءات املتنوعة واملتعلقة بالعمر والجنس‬
‫ّ‬
‫الذات‪ّ ،‬‬ ‫الواعية‪ ،‬املُ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التي تنتمي‬ ‫عبر عن‬ ‫إلانسانية‬ ‫الاجتماعية؛ لتشكل الروح‬ ‫والطبقة واملوروثات‬
‫الجمعية الـ نحن‪ ،‬وهي التي يقاومها آلاخر للسيطرة على ألافراد والهيمنة عليهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفردية أو‬ ‫لألنا‬
‫(‪)61‬‬
‫ومن أشكال الهوية‪" :‬العقيدة‪ ،‬واللغة‪ ،‬والفن‪ ،‬وألادب‪ ،‬والنظم الاجتماعية"‪.‬‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية مرتبطة باألنا‬ ‫تعددت الهويات وتفرعت‪ ،‬فكانت ألانا‬ ‫وفي هذه الرواية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والعربية‪ ،‬املتعلقة بالنحن مع‬ ‫الفلسطينية‬ ‫ألارض‪ ،‬والذات املمثلة للفلسطيني الالجئ‪ ،‬والنحن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫أحيانا أخرى‪،‬‬ ‫أحيانا‪ ،‬والفلسطيني املواطن مقابل الالجئ‬ ‫ألارض‪ ،‬مقابل آلاخر الذي مثله العدو‬
‫أحيانا‪ ،‬ومع آلاخر ً‬
‫أحيانا أخرى‪ ،‬مفارقات في العالقات املختلفة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كما كان العربي من ال(نحن)‬
‫الشخصية‪ ،‬فكانت تندرج وصفها ً‬
‫جزءا من الفكر وألايدولوجيات‬ ‫ّ‬ ‫حكمتها السياسة واملصالح‬
‫التر ّ‬
‫اتبية التي تدعو لالستغالل والتسلط‪.‬‬
‫الفلسطينية (نحن)‪ ،‬وضياع ّ‬
‫ّ‬ ‫سببا في ضياع ّ‬ ‫ّ‬
‫مثل آلاخر ً‬
‫هوية ألارض كذلك‪،‬‬ ‫الهوية‬ ‫فقد‬
‫ّ‬
‫باستغاللها وسلبها ومنعها من حقها بالتطور والنمو‪" :‬كم موهبة انكسرت منذ النكبة في هذه‬
‫ً‬
‫مكتبة كان يمكن أن ّ‬ ‫دارا لم ُ‬
‫البالد؟ كم مدينة ذبلت؟ كم ً‬
‫تتأسس في رام هللا؟‬ ‫يصنها أحد؟ كم‬

‫ّ‬
‫‪55‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫ّ‬
‫الفلسطينية على حالها وخسف مدننا إلى قرى‪)62(".‬ففي‬ ‫ً‬
‫مسرحا؟ الاحتالل أبقى القرية‬ ‫كم‬
‫امية للرواية‪ ،‬تعكس توافقاً‬ ‫ً‬
‫إلانسانية بالبيئة ومكوناتها‪ ،‬وفقا للمشاهد الدر ّ‬
‫ّ‬ ‫معالجة العالقة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫الفلسطينية‪ ،‬في‬ ‫فكريا يصل إلى حد الوحدة‪ ،‬بين ما يمثله آلاخر لإلنسان الفلسطيني‪ ،‬وألارض‬
‫معا‪ ،‬تمثلت بالدمار والهدم والحرق والقتل‬ ‫وسلوكية واحدة اتجاه الطرفين ً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فكرية‬ ‫ممارسات‬
‫ّ‬
‫والتعليمية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫والثقافية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والتشريد وطمس الهوية بشتى الطرق العمر ّ‬
‫انية‪،‬‬
‫ّ‬
‫وسياسية‪ ،‬مرتبطة باإلنسان بشكل مباشر‪ ،‬على اعتبار‬ ‫ّ‬
‫ودينية‬ ‫ّ‬
‫اقتصادية‬ ‫وتلك أسباب‬
‫ّ‬
‫أيدولوجية‬ ‫ّ‬
‫إشكالية سياسية بأبعاد‬ ‫)‬‫‪63‬‬
‫إنسانية)‪ ،‬لتتمثل هذه الركيزة ضمن‬‫(‬ ‫ّ‬ ‫أن املكان (ركيزة‬
‫متشابكة(‪ ،)64‬أسهمت في بناء أنثروبولوجيا جديدة فيها تجسيد ّ‬
‫للهوية‪ ،‬وعالقة الذات مع آلاخر‪،‬‬
‫ومفاهيم الاغتراب‪ ،‬والوطن‪ ،‬وألارض‪ ،‬واملنفى‪ ،‬واملوت‪.‬‬

‫فكان من نتيجة هذا الاحتالل أو الاستعمار تغيير الفكر والثقافة عبر ألاجيال‪ ،‬هذا‬
‫مجتمعية متكاملة داخل البالد وخارجها؛ ذلك بسبب التشريد والطرد وما‬‫ّ‬ ‫التغيير شمل بنيات‬
‫تبعه من تغيرات طالت ألاجيال‪ ،‬وتأثرهم بالبيئات املختلفة التي يعيشون فيها‪.‬‬

‫"‪ ...‬كانت الصورة قبل عودة منظمة التحرير هي صورة الفدائي‪ ،‬صورة البطل‪/‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الضحية‪ ،‬التي تستحق التعاطف والتمجيد‪ ..‬آلان ها هو الفدائي ذاته (مكبال باشتراطات‬
‫ً‬
‫أعدائه) يمارس سلطته املباشرة على املواطن العادي‪ ...‬بل إنه يعتقل املواطنين أحيانا‬
‫ويعذبهم‪ .‬هذه الصورة جديدة ً‬ ‫ّ‬
‫تماما على أهلنا‪ )65(".‬وهنا تظهر املفارقة في‬ ‫ويسجنهم ويقاضيهم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السياسية‬ ‫الفلسطينية) إذ تغير املعتقد حولها مع مرور الزمن‪ ،‬وفقا للتغيرات‬ ‫الفكر حول (الذات‬
‫سعيا للتحرير‪ ،‬إلى‬‫التي أحاطت بها‪ ،‬ومن الاندماج والوحدة مع الطبيعة املغتصبة بهدف الجهاد ً‬
‫ّ‬
‫الثقافية من‬ ‫الإنسانية‪ّ ،‬‬
‫فتغيرت الجملة‬ ‫ّ‬ ‫لألرض وشرعيتها باستسالم كامل ملعاهدات سالم وهمية‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫متحوال إلى نسق فيه تر ّ‬
‫اتبية مضمرة ألفراد الشعب الفلسطيني‪ ،‬لتتغير العالقة‬ ‫جيل إلى آخر‪،‬‬
‫ّ‬
‫املثالية واملساواة‪ ،‬إلى الهيمنة والاستغالل من قبل السلطة الفلسطينية ضد الشعب نفسه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فتصبح في مقام (آلاخر) وتخرج من دائرة الذات الفلسطينية كما رسمها الكاتب بداية الثورة‪ ،‬أو‬
‫الانتفاضة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫شكل اختالف ألاجيال في ّ‬ ‫ّ‬
‫مضمرا‬ ‫نسقيا‬ ‫تسارعا‬ ‫شقي الرواية املاض ي واملستقبل‬ ‫فقد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫مأساويا في شكله الدرامي‪ ،‬يقدم نتاجات لتحوالت كبيرة في حركة املجتمع واستجاباتهم للتعبير‬
‫ّ‬
‫عن الذات مقابل آلاخر نتيجة لالستعمار‪ ،‬لم تسلم البيئة من املشاركة فيها بحالة يمكن وصفها‬

‫ّ‬
‫‪55‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫باملربكة‪ ،‬فقد ظهرت في الرواية بعدد من ألاوجه‪ ،‬تتشابه مع إلانسان في الوعي املتناقض‪،‬‬
‫املترجم في حاالت مختلفة خالل املشهد الدرامي‪ ،‬فهي بين التابع أو املشاركة للشخصيات‪،‬‬
‫سابقا في تشكيل املدينة بوجه استعماري جديد‪ ،‬وقلع أشجار‬ ‫واملحرضة‪ ،‬والضحية‪ ،‬كما ظهر ً‬
‫التين والزيتون‪ ،‬والاستشهاد بأوصاف الحيوانات مثل‪" :‬الغراب‪ /‬الدولفين‪ /‬الجرذ‪ /‬الدجاجة‪/‬‬
‫العصفور‪ )66( "...‬كلها أمثلة تش ي بوعي الكاتب في معايير العالقة العربية مع البيئة املحيطة به‪،‬‬
‫فهو ال ُي ّبرئها باملطلق‪ ،‬وال يستغلها باملطلق‪ ،‬وال يعاديها باملطلق‪ ،‬وإنها مصنفة لديه في تر ّ‬
‫اتبية‬
‫تتحدد بمدى فاعليتها وأهميتها الكونية وتأثيرها باإلنسان‪.‬‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية‪ ،‬القت استجابة‬ ‫ّ‬
‫التغيير في السلطة‬ ‫وبظهور الوعي عند الفلسطيني حيال‬
‫من نوعين في املجتمع‪ ،‬ظهر ألاول باملوافقة والتأييد‪ ،‬وتمثل الثاني في املعارضة والتنكيل‬
‫والسخرية‪..." ،‬أوضاعنا املستجدة و القيود التي تكبل قرارات السلطة الوطنية‪ ...‬ثم يؤيد‬
‫ً‬
‫معارضا!"(‪ ،)67‬وهنا ظهر الاختالف الفكري بين أفراد املجتمع العربي‪ ،‬وفي‬ ‫لكنه يريد أن يبدو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألاسرة الواحدة (آلاخر الفلسطيني‪ /‬وآلاخر العربي)؛ مما أدى إلى تغير العالقات بين أطياف‬
‫وفقا النتمائهم السياس ي‪ ،‬وصفها الكاتب بقوله‪" :‬هذه صورة جديدة ً‬
‫تماما‬ ‫املجتمع الفلسطيني‪ً ،‬‬
‫ّ‬
‫والسياسيين غير املنحازين في فكرهم لرأي حزبي‪،‬‬ ‫على أهلنا" وهنا ظهر الوعي من قبل املثقفين‬
‫هذا التنوع في الصورة أدى لتنوع في الرأي في الوقت نفسه‪ ،‬فهو يشير إلى أنساق ثقافية دفينة‬
‫تنبذ التنوع الفكري‪ ،‬مما أدى إلى بالتباس فكري وتناقض في املفاهيم‪ ،‬تتصارع فيها الذات بين‬
‫ّ‬
‫املوضوعية في تقبل آلاخر‪ ،‬برغبة واعية من الضمير إلانساني الفطري‪ ،‬وبين مفاهيم تورط في‬
‫اعتناقها مكتسبة من بيئة الطرد والتشرد واللجوء‪ ،‬لتتسارع التداعيات في الرواية فتنتقل‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية حين تفقد اتزانها متسائلة‪ :‬هل هي في أصلها ذات‬ ‫أحداث مشيرة إلى فجوة في الذات‬
‫(‪)68‬‬ ‫ّ‬
‫عربية‪ ،‬أم أنها غريبة الجئة وغير مقبول بها‪ ،‬وهنا وصفه الكاتب ب ـ "الغريب " الذي ال يمكنه‬
‫التخطيط لحياته‪ ،‬فهو مثل "املنفي والسجين"‪ ،‬ال أمل له بالعيش آلامنة‪ ،‬لعدم توفر البيئة‬
‫آلامنة‪.‬‬

‫وبهذا تنوعت ألانا بتنوع آلاخر في الرواية‪ ،‬ففي الوقت الذي ظهر آلاخر واضح املعالم‬
‫في نزاعات الاحتالل‪ ،‬ظهرت ألانا بأشكال مختلفة‪ ،‬تمثلت باألنا الفردية لكل من الفلسطيني‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والبيئة (فلسطين)‪ ،‬كذلك ظهرت ألانا الجمعية املتمثلة في الفلسطيني املحتل والعربي املتعاطف‪،‬‬
‫وأخيرا أنا العرقية املتمثلة في ابن الكاتب (تميم) الذي ُيمثل املستقبل‪،‬‬
‫ً‬ ‫ثم ظهرت ألانا الالجئ‪،‬‬
‫وفقا للموقف السياس ي املهيمن عليه‪ ،‬أسري‪،‬‬‫كما تنوعت أشكال آلاخر مقابل ألانا الفلسطيني ً‬

‫ّ‬
‫‪54‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫تعبر عن آلاخر الفلسطيني مثل ‪( :‬مهاجر) و(الجئ)‬ ‫ومجتمعي‪ ،‬وعربي‪ ،‬وغربي‪ ،‬فظهرت تسميات ّ‬
‫باإلضافة إلى آلاخر املحتل‪" :‬لم أدخل بسهولة إلى أي بلد عربي وفي هذه الظهيرة لن أدخل‬
‫أيضا‪"...."،‬لم نحارب‪ .‬دمروا أسلحتنا والحقونا بالطائرات من أول ساعة‪ ...‬إلخ"‪،‬‬ ‫بسهولة ً‬
‫"عامل عربي في إسرائيل؟ هل هو يهودي يعرف العربية؟ مالمح الوجه ال تكفي للتمييز بيننا‬
‫وبينهم"‪" ،‬هل هناك من امتحن إنسانيته الفردية؟ إنسانيته هو بالذات؟ ‪ ...‬إنسانية‬
‫ُ‬
‫الفلسطينيين الذين يمرون تحت ظل بندقيته الالمعة كل يوم؟" " فتحت لنا بوابة املنفى من‬
‫الجهة العجيبة! من الجهة التي تفض ي إلى (البلد) وليس (البالد)‪ ...‬بالد آلاخرين‪" ".‬لكن‬
‫(‪)69‬‬
‫حظوظي مع هذا الاسم اختلفت من بلد إلى بلد"‪.‬‬
‫ّ‬
‫التاريخية املختلفة سواء أكان ذلك في فلسطين‬ ‫عددا من الحوادث‬‫كما رصدت الرواية ً‬
‫بشرية ّ‬
‫وبيئية‬ ‫أم كان في املنطقة العربية(‪ ،)70‬كشاهد على ما تقدمه الحروب من دمار وخسائر ّ‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫إلاحيائية مثلت تنوع في ألانا وآلاخر‪.‬‬ ‫إلاحيائية وغير‬ ‫وبكل مكوناتها‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫تحديدا للهوية (ألانا وآلاخر) داخل حدود‬ ‫كذلك وظف الكاتب في تصويره للجسر‪،‬‬
‫ً‬
‫ستفيدا من ذكريات زمن مض ى في‬ ‫مبينا في تهويل خطابي آلثار الحرب‪ ،‬م‬ ‫فلسطين وخارجها‪ً ،‬‬
‫ّ‬
‫املستقبلية قبل وقوعها‪ ،‬التي تكمن في‬ ‫ّ‬
‫البيئية‬ ‫محاولة لتآلف النفوس‪ ،‬ومحاولة جادة لحل ألازمة‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينية وانقسامها؛ مما قد يؤدي إلى عراك داخلي بدال من مواجهة الاحتالل‬ ‫تعدد الذات‬
‫إلاسرائيلي‪ ،‬في تعصب فكري لرأي أو حزب‪ ،‬وللوقاية من هذا الوباء الفكري يجب إحياء أفكار‬
‫ّ‬
‫قديمة تحمل الصفاء والنقاء والطهارة‪ ،‬مثلها من خالل تكراره كلمة " نحن" التي أشار من خاللها‬
‫موضعا‪" :‬هي القدس التي نسير فيها غافلين عن‬ ‫ً‬ ‫للشعب والوطن وألارض في ثالثة وثالثين‬
‫"قداستها" ألننا فيها‪...‬ألنها نحن"‪ " .‬آلان‪ ،‬نحن ال نستطيع دخولها سائحين وال طالبا وال‬
‫مغرما بالجدال النظري حول من له الحق في‬ ‫ً‬ ‫عجائز"‪" .‬ورغم ذلك كله فلم أكن ذات يوم‬
‫فلسطين‪ ...‬فنحن لم نخسر فلسطين في مباراة للمنطق! لقد خسرناها باإلكراه وبالقوة"‪.‬‬
‫"نحن ضحايا الحرب والعنف"‪ " .‬بعد الانتفاضة الشعبية على أرض فلسطين ذهبنا الى‬
‫اوسلو ‪.‬دائما نتكيف مع شروط الاعداء من ال‪ ٧٦‬ونحن نتأقلم ونتكيف !" "نحن ضحايا‬
‫(‪)71‬‬
‫الحرب والعنف"‪...‬‬

‫إن ما يقدمه النقد البيئي من تسليط للضوء على املضمرات الثقافية والفكرية ملا بعد‬
‫ّ‬
‫البيئية‪ ،‬في مجالها التوعوي‬ ‫الاستعمار التي تحيط بالثيمة الروائية؛ تسهم في حل ألازمة‬

‫ّ‬
‫‪54‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫ّ‬
‫البشرية‪ ،‬تكمن حماية‬ ‫ّ‬
‫البيئية املتصلة بالعالقات‬ ‫والثقافي‪ ،‬حول العالقات البشرّية‪ ،‬والعالقات‬
‫البيئة وألاداء في البيئات وثيقة الصلة باملجتمع‪ ،‬واملجال الدرامي التطبيقي والقانون السياس ي‪،‬‬
‫ّ‬
‫البيئية (‪ .)72‬باإلضافة إلى قوانين جودة‬ ‫الذي يظهر النقص في سن القوانين الخاصة في السياسة‬
‫ّ (‪)73‬‬
‫البيانات البيئية‪.‬‬

‫وفقا للتصعيد السياس ي بين الدول من جهة‬ ‫قدمت الرواية استجابات الجمهور‪ً ،‬‬ ‫كما ّ‬
‫والفئات الفلسطينية من جهة أخرى في أزمة العالقات بينهم‪ ،‬بما ينعكس على البيئة‪ ،‬وبهذا‬
‫الطرح تهويل لتداعيات ألاحداث لينتج عنه رعب بيئي‪ ،‬قد يبدو لبعضهم بأنه غير منضبط‪ ،‬ملا‬
‫ً‬
‫ً‬
‫متوقعا غير فنتازي‪،‬‬ ‫خياال در ًّ‬
‫اميا‬ ‫الاجتماعية‪ ،‬إال أنه ُيعد‬
‫ّ‬ ‫حمل من مبالغة وتضخيم للمواقف‬
‫تكررت فيه ألاحداث نفسها بانقسام‬ ‫في تنبؤ مشروع ومدروس ألحداث مستقاة من التاريخ‪ ،‬قد ّ‬
‫سياسية مختلفة‪ ،‬أدت إلى وقوع حروب ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أهلية‪ ،‬أو فرقة‬ ‫القومية لعدد من الفئات بآراء‬ ‫الذات‬
‫ّ‬
‫البيئية التي تدعو املتلقي إلى التعقل‪ ،‬وقبول‬ ‫ّ‬
‫اجتماعية؛ وهنا يتجلى الغرض من املضمرات‬
‫وعنصرية‪ ،‬كذلك حث السياسيات على ضرورة تحديد‬ ‫ّ‬ ‫الرأي آلاخر (الفلسطيني) من دون تر ّ‬
‫اتبية‬
‫معا من الطرد والعنف والقتل‬ ‫السياسية لحماية إلانسان‪ ،‬والطبيعة ً‬
‫ّ‬ ‫القوانين والتشريعات‬
‫والتشرد‪.‬‬
‫ّ‬
‫ألاصلية للبيئة التي يتم التعبير عنها ضد" آلاخر "املحتل أو‬ ‫لقد أتاحت رؤية" الذات "‬
‫إلامبريالي أو الاستعماري الذي يستغل ألارض ويسرقها‪ ،‬من قبل الاحتالل إلاسرائيلي‪ ،‬والصهيوني‪،‬‬
‫التأكيد على الحق في ألارض ليشمل تقويض املطالبات املضادة‪ ،‬بالدعوة لسرقة أرض تجمع‬
‫شتات العدو‪ ،‬باستدعاء خطاب التغيير الذي يسعى لخلق جيل بفكر جديد‪ ،‬يخطط له املحتل‬
‫بقبول التعايش والاستسالم لالحتالل في وجه جديد للقهر البيئي‪ ،‬يمكن تسميته بالعنف‬
‫ّ‬
‫الحالية‬ ‫الاستعمارية وفهمها ً‬
‫جيدا إليجاد حل لألزمة‬ ‫ّ‬ ‫البطيء‪ .‬لذا كان البد من تفصيل املآرب‬
‫(‪)74‬‬
‫والتي نعتها ادوارد سعيد "بعالم تربيتي الكولونيالي" في محاولة لفهم خطر الاستعمار ال على‬
‫املستوى الجغرافي‪ ،‬بل على املستوى الفكري‪.‬‬

‫***‬

‫إن رواية (رأيت رام هللا ‪ )1882‬مدونة سردية تكشف من خالل إستراتيجيات التحليل‬
‫عن مبادئ التقاطع ّ‬
‫النقدي بين النقد البيئي ونظرية ما بعد الاستعمار‪ ،‬وأهمية التحرر من‬
‫الطبقية بين البشر وغير البشر؛ إذ يكشف ّ‬
‫النقد البيئي ما‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالعبودية والتر ّ‬
‫اتبية‬ ‫أفكار تتصل‬

‫ّ‬
‫‪55‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫يحمله العصر الحديث من قيم وأهداف في الاستدامة‪ّ ،‬‬


‫وإن الشرق ألاوسط أحوج ما يكون ملثل‬
‫ّ‬
‫وحزبية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وعرقية‬ ‫ّ‬
‫طائفية‬ ‫هذا املشروع‪ -‬النقد البيئي ملا بعد الكلونيولية‪ ،-‬ملا فيه من صراعات‬
‫ً‬ ‫تبني املجال ّ‬
‫فإن ّ‬
‫لذلك ّ‬
‫النقدي البيئي فرصة إلحالل الفكر الديمقراطي بدال من الاستغاللي‬
‫ّ‬
‫العربية‪.‬‬ ‫التراتبي‪ ،‬لحل ألازمات‬

‫***‬

‫املصادر واملراجع‪:‬‬
‫املصدر‪:‬‬

‫البرغوثي‪ ،‬مريد‪( ،‬رأيت رام هللا)‪ ،‬دار الشرق‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1800 ،2‬‬ ‫‪-‬‬

‫املراجع باللغة العربية‪:‬‬


‫البازعي‪ ،‬سعد‪ ،‬والرويلي‪ ،‬ميجان‪( ،‬دليل الناقد ألادبي‪ ،‬املركز الثقافي العربي)‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1888 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬
‫جاووت‪ ،‬الطاهر‪( ،‬السرد وتشكيل الهوية قراءة في رواية "البحث عن العظم")‪ ،‬مجلة املخبر‪ ،‬العدد ‪.00‬‬ ‫‪-‬‬
‫حمود‪ ،‬ماجدة‪( ،‬إشكالية ألانا وآلاخر‪ ..‬نماذج روائية عربية)‪ ،‬عالم املعرفة‪ ،‬الكويت‪.1800 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫الحالق‪ ،‬بطرس‪( ،‬شعرية املكان في ألادب العربي الحديث)‪ ،‬وترجمة آخرين‪ ،‬املجلس ألاعلى للثقافة‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫القاهرة‪.1807،‬‬
‫سعيد‪ ،‬إدوارد‪( ،‬خارج املكان‪ ،‬مذكرات)‪ ،‬ترجمة‪ :‬فواز طرابلس ي‪ ،‬دار آلاداب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1888، 0‬‬ ‫‪-‬‬
‫سعيد‪ ،‬إدوارد‪( ،‬الاستشراق)‪ ،‬ترجمة‪ :‬كمال أبوديب‪ ،‬مؤسسة ألابحاث العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1882 ،0‬م‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫سينو‪ ،‬نادين‪( ،‬تأويل نقدي بيئي لروايتين عربيتين معاصرتين‪ ..‬دراسة ألادب العربي الحديث ً‬
‫بيئيا)‪ ،‬وبحث‬ ‫‪-‬‬
‫بانرجي‪ ،‬ميتا‪( ،‬النقد البيئي ودراسات ما بعد الكولونيالية)‪ ،‬ضمن كتاب (النقد البيئي‪ ..‬مقدمات‪ ،‬مقاربات‪،‬‬
‫تطبيقات) ملجموعة من املؤلفين‪ ،‬ترجمة‪ :‬نجاح الجبيلي‪ ،‬شهريار‪ ،‬البصرة‪ ،‬ط‪.1810 ،0‬‬
‫كارتر‪ ،‬ديفيد‪( ،‬النظرية ألادبية)‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬باسل املسامله‪ ،‬دار التكوين‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورية‪ ،‬ط‪1808 ،0‬م‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ك نلوولف وآخرون‪( ،‬موسوعة كمبدريدج في النقد ألادبي القرن العشرين املداخل التاريخية والفلسفية‬ ‫‪-‬‬
‫والنفسية)‪ ،‬ترجمة‪ :‬إسماعيل عبد الغني وآخرون‪ ،‬املجلس ألاعلى للثقافة ج ‪ ،6‬ط‪.1882 ،0‬‬
‫كارولني مريشانت‪( ،‬موت الطبيعة)‪ ،‬ضمن كتاب‪ :‬زيمرمان‪ ،‬مايكل‪( ،‬الفلسفة البيئية من حقوق الحيوان إلى‬ ‫‪-‬‬
‫إلايكولوجيا الجذرية)‪ ،‬ترجمة‪ :‬معين شفيق رومية‪ ،‬عالم املعارف‪ ،‬ج‪ ،0‬الكويت‪.1889 ،‬‬
‫محمد‪ ،‬زكي نجيب‪( ،‬في مفترق الطرق) دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.0660 ،1‬‬ ‫‪-‬‬

‫ّ‬
‫‪55‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

.0662 ،0‫ ط‬،‫ أبو ظبي‬،‫ املجمع الثقافي‬،‫ عبد الوهاب علوب‬:‫ ترجمة‬،)‫ (الحداثة وما بعد الحداثة‬،‫يتر بروكر‬ -

:‫املراجع باللغة إلانجليزية‬ -

- Heddon, Deirdre, and Sally Mackey. "Environmentalism, performance and


applications: uncertainties and emancipations." Research in Drama Education:
The Journal of Applied Theatre and Performance 17.2 (2012).
-Herrick, Charles N. "Objectivity versus narrative coherence: science,
environmental policy, and the US Data Quality Act." Environmental Science
& Policy 7.5 (2004).
- Huggan, Graham, and Helen Tiffin. Postcolonial ecocriticism: Literature,
animals, environment. Routledge, 2015.
- J. W. Gough, The Social Contract (Oxford: Clarendon Press, 1936. Modern
revivals of social contract theories have not been as concerned with the origin
of the state.
- Said, Edward. Representations of The Intellectual, Vintage Books, New
York, 1996.
-Travis V. Mason, Lisa Szabo-Jones, (Introduction to Postcolonial
Ecocriticism Among Settler-Colonial Nations), a review of international
English literature Vol. 44 No. 4
Copyright © 2014 The Johns Hopkins University Press and the University of
Calgary.

1 ) 1(
Huggan, Graham, and Helen Tiffin. Postcolonial ecocriticism: Literature,
animals, environment. Routledge, 2015.
‫ (موسوعة كمبدريدج في النقد ألادبي القرن العشرين املداخل التاريخية والفلسفية‬،‫) ينظر ك نلوولف وآخرون‬2(
.006‫ ص‬،1882 ،0‫ ط‬،6 ‫ املجلس ألاعلى للثقافة ج‬،‫ إسماعيل عبد الغني وآخرون‬:‫ ترجمة‬،)‫والنفسية‬
‫ ضمن منتج روائي له يمثل‬،)1810-0677( ‫ للكاتب مريد البرغوثي‬1882 ‫ صدرت عام‬،)‫) رواية (رأيت رام هللا‬3(
ًّ
،‫ في فلسطين‬،‫وثقافيا‬ ًّ
،‫وسياسيا‬ ًّ
،‫اجتماعيا‬ ‫ الذي يقدم حالة املجتمع الفلسطيني‬،‫نوعا من أنواع السرد الذاتي‬ً
،‫ والويالت الاقتصادية‬،‫ كذلك ترصد حاالت التغيير في بنية املجتمع بعد الاحتالل إلاسرائيلي‬،‫وفي الشتات‬
،‫ دار الشرق‬،)‫ (رأيت رام هللا‬،‫ مريد‬،‫ البرغوثي‬:‫ راجع‬،‫ والبيئية التي انعكست على البالد ومن يسكنها‬،‫والعمرانية‬
.1800 ،2‫ ط‬،‫بيروت‬

ّ
55 ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 : ‫ التاريخ‬80 : ‫ العدد‬80:‫املجلد‬ ‫مجلة العالمة‬ -
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫(‪ )4‬بانرجي‪ ،‬ميتا‪( ،‬النقد البيئي ودراسات ما بعد الكولونيالية)‪ ،‬ضمن كتاب (النقد البيئي‪ ،‬مقدمات‪ ،‬مقاربات‪،‬‬
‫تطبيقات)‪ ،‬إعداد وترجمة‪ :‬نجاح الجبيلي‪ ،‬مطبعة شهريار‪ ،‬البصرة العراق‪ ،‬ط‪ ،1810 ،0‬ص ‪.163‬‬
‫(‪ )5‬نظرية العقد الاجتماعي (أو العقد ألاصلي) عقد الحكومة‪ ،‬أو عقد الاستسالم‪ ،‬من النظريات التي ظهرت في‬
‫ً‬
‫قديما‪ ،‬وتشمل حالتين للدراسة‪ :‬ألاولى تهتم‬ ‫القرن السابع عشر‪ ،‬وكان لها ظهور في الفكر السياس ي اليوناني‬
‫ُ‬
‫بنظريات أصل الدولة‪ .‬أما الثانية تفترض وجود مجتمع‪ ،‬وتحدد له الشروط التي يجب أن يحكم على أساسها‪ ،‬بما‬
‫يتعاهد به الناس مع حاكمهم وفق عقود تحدد عالقتهم به‪ .‬وطاعتهم له؛ ليقدم لهم في املقابل الحماية والحكم‬
‫الجيد‪ ،‬وفي حال خطئه ينتهي عقد الوالء‪ :‬راجع‪:‬‬

‫‪J. W. Gough, The Social Contract (Oxford: Clarendon Press, 1936), pp. 2–3. Modern‬‬
‫‪revivals of social contract theories have not been as concerned with the origin of the‬‬
‫‪state.‬‬
‫(‪ )6‬بانرجي‪ ،‬ميتا‪( ،‬النقد البيئي ودراسات ما بعد الكولونيالية)‪ ،‬ص‪.097‬‬
‫‪ ) 7‬راجع‪ :‬حسن‪ ،‬ناظم‪( ،‬مفاهيم الشعرية‪ ،‬دراسة مقارنة في ألاصول واملناهج واملفاهيم)‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،0667 ،0‬ص‪.06-00‬‬
‫(‪( )8‬رأيت رام هللا)‪ ،‬ص ‪.008‬‬
‫(‪ )9‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫(‪ )10‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.70‬‬
‫(‪ )11‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.70‬‬
‫‪ 12‬البازعي‪ ،‬سعد‪ ،‬والرويلي‪ ،‬ميجان‪( ،‬دليل الناقد ألادبي‪ ،‬املركز الثقافي العربي)‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1888 ،1‬م‪،‬‬
‫ص‪.60:‬‬
‫(‪ )13‬بانرجي‪ ،‬ميتا‪( ،‬النقد البيئي ودراسات ما بعد الكولونيالية)‪ ،‬ص ‪.092‬‬
‫(‪( )14‬رأيت رام هللا)‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫(‪ )15‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫(‪ )16‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.70‬‬
‫(‪ )17‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫(‪ )18‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.000‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫(‪ )19‬املسادة تحمل اسم أسطورة قلعة صمد فيها اليهود طويال حتى أبيدوا جميعا‪ ،‬وكأنهم يرسلوا رسالة‬
‫للفلسطينيين بطول بقائهم‪ ،‬راجع املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.08‬‬
‫)‪ (20‬كارتر‪ ،‬ديفيد‪( ،‬النظرية ألادبية)‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬باسل املسامله‪ ،‬دار التكوين‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورية‪ ،‬ط‪1808 ،0‬م‪،‬‬
‫ص‪.019‬‬
‫(‪ )21‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.09-02‬‬
‫(‪ )22‬يتر بروكر‪( ،‬الحداثة وما بعد الحداثة)‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد الوهاب علوب‪ ،‬املجمع الثقافي‪ ،‬أبو ظبي‪ ،‬ط‪،0‬‬
‫‪.0662‬ص ‪.98-20‬‬

‫ّ‬
‫‪55‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫(‪ )23‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.187‬‬


‫(‪ )24‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.099‬‬
‫(‪ )25‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫(‪ )26‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.090‬‬
‫(‪ )27‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫‪ 28‬سعيد‪ ،‬إدوارد‪( ،‬الاستشراق)‪ ،‬ترجمة‪ :‬كمال أبوديب‪ ،‬مؤسسة ألابحاث العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1882 ،0‬م‪،‬‬
‫ص‪06-00‬‬
‫(‪ )29‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.061‬‬
‫(‪ )30‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.00 -67-60‬‬
‫‪31 Said, Edward. Representations of The Intellectual, Vintage Books, New‬‬
‫‪York, 1996, P: 5.‬‬
‫‪)32( Travis V. Mason, Lisa Szabo-Jones, (Introduction to Postcolonial Ecocriticism‬‬
‫‪Among Settler-Colonial Nations)، a review of international English literature Vol.‬‬
‫‪44 No. 4 Pages 1–11 Copyright © 2014 The Johns Hopkins University Press and‬‬
‫‪the University of Calgary.‬‬
‫(‪( )00‬رأيت رام هللا)‪ ،‬ص ‪.67-60‬‬
‫(‪ )07‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.000‬‬
‫(‪ )35‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.02‬‬
‫(‪ )36‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.02‬‬
‫(‪ )37‬راجع‪ :‬كارولني مريشانت‪( ،‬موت الطبيعة)‪ ،‬ضمن كتاب‪ :‬زيمرمان‪ ،‬مايكل‪( ،‬الفلسفة البيئية من حقوق‬
‫الحيوان إلى إلايكولوجيا الجذرية)‪ ،‬ترجمة‪ :‬معين شفيق رومية‪ ،‬عالم املعارف‪ ،‬ج‪ ،0‬الكويت‪ ،1889 ،‬ص‪.28 00-‬‬
‫الشاعر ألاملاني غوته من شعراء أوروبا إلايكولوجيين‪ ،‬وعبر عن ذلك في موقفه الحيادي إزاء الثورة‬ ‫ُ‬ ‫(‪ُ )38‬ي َع ُّد‬
‫الفرنسية إليمانه بالسالم ونبذ العنف الذي نعته بمضاد الطبيعة؛ فقدم فلسفته مرتبطة بالدين‪ .‬ومن أبرز‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َّ َ‬
‫أقواله‪" :‬أن تعرف الطبيعة هو أن تشعر بالنفس إلالهي" وقدم حال ملشكلة التنافر بين املعرفة وإلايمان‪ ،‬كما آمن‬
‫بخلود الروح‪ ،‬بوصفها مشتقة من الطبيعة الخالدة "لن يكون هناك‪ًّ ،‬أيا تكن الظروف‪ً ،‬‬
‫فناء للقوى الروحية في‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫الشعر إلايكولوجي)‪ ،‬ترجمة روميه‪،‬‬ ‫الطبيعة؛ ألن الطبيعة ال تهدر كنوزها عبثا‪ .".‬راجع‪ :‬بوستنيكوف‪ ،‬فيكتور‪ِ ( ،‬‬
‫الناشر النادي ألادبي الثقافي‪ ،‬جدة‪ ،‬العدد ‪1887 ،10‬م‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫(‪ )39‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫(‪ )40‬بانرجي‪ ،‬ميتا‪( ،‬النقد البيئي ودراسات ما بعد الكولونيالية)‪ ،‬ص‪.096‬‬
‫(‪( )41‬رأيت رام هللا)‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫)‪(42‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.90-98‬‬
‫(‪ )43‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪ -90‬ص‪.088‬‬

‫ّ‬
‫‪58‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

‫(‪ )44‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.007‬‬


‫(‪ )45‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.080‬‬
‫(‪ )46‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫(‪ )47‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.07‬‬
‫(‪ )48‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.088‬‬
‫(‪ )49‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.080‬‬
‫(‪ )50‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫(‪ )51‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.100-108‬‬
‫(‪ )52‬أ‪ .‬سينو‪ ،‬نادين‪( ،‬تأويل نقدي بيئي لروايتين عربيتين معاصرتين‪ ..‬دراسة ألادب العربي الحديث ً‬
‫بيئيا)‪ ،‬ضمن‬
‫كتاب (النقد البيئي‪ ..‬مقدمات‪ ،‬مقاربات‪ ،‬تطبيقات)‪ ،‬ص‪.100‬‬
‫(‪( )53‬رأيت رام هللا)‪ ،‬ص ‪.080‬‬
‫(‪ )54‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.010‬‬
‫(‪)55‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.06‬‬
‫(‪ )56‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫(‪ )57‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.000‬‬
‫(‪ )58‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.07‬‬
‫(‪ )59‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.70‬‬
‫(‪ )60‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.00‬‬
‫(‪ )61‬راجع‪ :‬حمود‪ ،‬ماجدة‪( ،‬إشكالية ألانا وآلاخر‪ ..‬نماذج روائية عربية)‪ ،‬عالم املعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،1800 ،‬ص‪-02‬‬
‫‪(00-09‬بتصرف)‪ .‬وراجع‪ :‬محمد‪ ،‬زكي نجيب‪( ،‬في مفترق الطرق) دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،0660 ،1‬‬
‫ص‪.008‬‬
‫(‪( )62‬رأيت رام هللا)‪ ،‬ص‪.100-108‬‬
‫(‪ )63‬راجع الحالق‪ ،‬بطرس‪( ،‬شعرية املكان في ألادب العربي الحديث)‪ ،‬وترجمة آخرين‪ ،‬املجلس ألاعلى للثقافة‪،‬‬
‫القاهرة‪.1807،‬‬
‫ص ‪.01-00‬‬
‫َ‬
‫(‪ )64‬جاووت‪ ،‬الطاهر‪( ،‬السرد وتشكيل الهوية قراءة في رواية "البحث عن العظم")‪ ،‬مجلة املخبر‪ ،‬العدد ‪،00‬‬
‫ص‪.09‬‬
‫(‪( )65‬رأيت رام هللا)‪ ،‬ص ‪.09‬‬
‫(‪ )66‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.002 /007/08/11‬‬
‫(‪ )67‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.000‬‬
‫(‪ )68‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.068‬‬

‫ّ‬
‫‪50‬‬ ‫املجلد‪ 80:‬العدد ‪ 80 :‬التاريخ ‪ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 :‬‬ ‫مجلة العالمة‬ ‫‪-‬‬
‫عبير جودت عبد الحافظ‬ ‫الطبيعة واستراتيجيات التحرر في رواية (رأيت رام هللا) ما بعد الاستعمار من منظور بيئي‬

...01 /99 /78 /00 /08 /10‫ ص‬،‫) املصدر السابق‬69(


)0690 ‫ وحرب‬0670 ‫ (حرب‬،97‫ (تأميم القناة) ص‬،97‫ (تظاهرات بغداد) ص‬،‫) املصدر السابق‬70(
...71 /77 /92‫ص‬
...90 /182 /97 /18 ‫ ص‬،‫) املصدر السابق‬71(
) 72( Heddon, Deirdre, and Sally Mackey. "Environmentalism, performance and
applications: uncertainties and emancipations." Research in Drama Education: The
Journal of Applied Theatre and Performance 17.2 (2012): 163-192.
) 73( Herrick, Charles N. "Objectivity versus narrative coherence: science,
environmental policy, and the US Data Quality Act." Environmental Science &
Policy 7.5 (2004): 419-433.
.0‫ ص‬،1888، 0‫ ط‬،‫ بيروت‬،‫ دار آلاداب‬،‫ فواز طرابلس ي‬:‫ ترجمة‬،)‫ مذكرات‬،‫ (خارج املكان‬،‫ إدوارد‬،‫) سعيد‬74(

ّ
55 ISSN 2478-0197 - ESSN 2676-1718 - 2023 /80/08 : ‫ التاريخ‬80 : ‫ العدد‬80:‫املجلد‬ ‫مجلة العالمة‬ -

You might also like