القول المُفرح من بوصلة المُصلح

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 13

‫أسامة مصطفى محمود‬ ‫«القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»‬

‫القَول المفرح من خالصة نصف َب ْو َ‬


‫صلة المصلح‬

‫«أسئلة المرحلة وخارطة العمل»‬

‫تلخيص‬ ‫تأليف‬
‫أسامة مصطفى محمود‬ ‫الشيخ‪ :‬أحمد بن يوسف السيد‬

‫‪1‬‬
‫أسامة مصطفى محمود‬ ‫«القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»‬

‫مدخل إلى أسئلة المرحلة‬

‫• لكل مرحلة زمنية أسئلتها الكبرى الموضحة لمشكالتها وأهم تحدياتها‪ ،‬فتصرف إليها‬
‫الجهود وتستنفذ فيها األعمار‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يتفاوت إدراك المصلحين لها‪ ،‬ومن ثَ ّم يتفاوت‬
‫عملهم وسعيهم في الجواب عنها‪ ،‬فهم على قسمين‪:‬‬
‫‪َ .1‬من هو على وعي تام بها‪ ،‬فيوجه إليها جهده ومشاريعه‪.‬‬
‫‪ .2‬غير المدرك لمركزية هذه األسئلة وال ألهميتها‪ ،‬بل قد يقلل من شأنها‬
‫والعاملين بها‪.‬‬

‫• والذي ينبغي لكل مصلح أال ينشغل بغير األسئلة الكبرى عنها‪ ،‬مع جواز انشغاله بغير‬
‫األسئلة الكبرى معها‪ .‬فإن استطاع أن يجمع بينهما فخير‪ ،‬وإال فليقدم األولى‪ .‬ودليل‬
‫ذلك ‪ :‬اهتمام لوط بمشكلة الفاحشة في قومه‪ ،‬وهود بمحاربة مظاهر االستعالء المادي‬
‫في قومه‪ ،‬وشعيب كان يدعو قومه إلى القسط في الميزان‪ ،‬لكن شعيب لم يشتغل بمحاربة‬
‫الفاحشة‪ ،‬ولوط لم يشتغل بمحاربة التطفيف في الميزان‪ ،‬ال لكونهما ليستا مشاكالً‪ ،‬ولكن‬
‫لعدم كونهما من المشكالت المنتشرة في أزمانهم‪ .‬هذا إلى اهتمامهم جميعا ً بالمشكلة‬
‫المركزية‪ ،‬أال وهي الشرك باهلل‪.‬‬

‫• ف َمن فعل ذلك؛ استحق لقب «الحكمة» التي هي‪ :‬فعل ما ينبغي‪ ،‬على الوجه الذي ينبغي‪،‬‬
‫في الوقت الذي ينبغي»‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫أسامة مصطفى محمود‬ ‫«القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»‬

‫القسم األول | فضل اإلصالح‬

‫الجوانب الكاشفة عن فضل اإلصالح‪:‬‬


‫ورد اإلصالح بلفظه ومعناه في القرآن‪ ،‬قال هللا‪« :‬إن أريد إال اإلصالح ما استطعت»‪ .‬وفضل اإلصالح‬ ‫•‬
‫يدخل في كل ما كان متفقا ً مع حقيقة اإلصالح ومقاصده وإن لم يَرد بلفظه‪ .‬فيدخل في فضل اإلصالح‬
‫كل ما ورد في فضل الدعوة إلى هللا‪ ،‬األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ..‬إلى آخره‪ .‬أما الجوانب‬
‫الكاشفة عن فضل اإلصالح فهي‪:‬‬

‫الجانب األول | أنه سبيل األنبياء‪:‬‬

‫هذا من أعظم الجوانب‪ ،‬قال هللا‪« :‬قل هذه سبيلي أدعو إلى هللا على بصير ٍة أنا و َمن اتبعن»‪ .‬وهو من‬ ‫•‬
‫أظهر معالم الصراط المستقيم‪ ،‬صراط الذين أنعم هللا عليهم‪« .‬و َمن يطع هللا والرسول فأولئك مع الذين‬
‫معنى باعث لتصحيح النية وتوجيه المسير‪ ،‬كما يمنع من االنهزام النفسي؛ ألن‬‫ً‬ ‫أنعم هللا عليهم»‪ .‬وهو‬
‫َمن يستحضر هذا المعنى يؤمن أن شرف هذا الطريق نابع من ذاته ال من خارجه‪ ،‬فهو طريق‬
‫المرسلين‪.‬‬
‫بعض المعالم الشمولية لسبيل األنبياء في اإلصالح‪:‬‬

‫‪ .3‬العناية بالقضية الكبرى‪ ،‬التي هي‬ ‫‪ .1‬السير على البينة والدليل‬


‫‪ .2‬التجرد اإلصالحي وعدم‬
‫تحقيق العبودية هلل ونفي الشرك عنه‪.‬‬ ‫والبرهان‪.‬‬
‫استخدام الدعوة في تحقيق مكاسب‬
‫دليل‪« :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول‬ ‫شخصية‪.‬‬ ‫دليل‪« :‬قل يقوم أرأيتم إن كنت على‬
‫إال نوحي إليه أنه ال إله إال أنا‬
‫دليل‪« :‬وما أسألكم عليه من أجر‪،‬‬ ‫بينة من ربي»‪ .‬فيجب االعتناء‬
‫فاعبدون»‪.‬‬ ‫بالعلم والدليل‪.‬‬
‫إن أجري إال على رب العالمين»‪.‬‬

‫‪ .5‬الحرص على الناس وهدايتهم‬ ‫‪ .4‬االعتناء بمعالجة المشكالت‬


‫‪ .6‬العناية بعرض الحق بالبرهان‪،‬‬ ‫المنتشرة في العصر‪ ،‬وهي مختلفة‬
‫وإظهار الشفقة عليهم‪.‬‬
‫وإيضاح الرسالة بأفضل برهان‪.‬‬ ‫من عصر آلخر‪ ،‬فلوط اعتنى‬
‫دليل‪« :‬إني أخاف عليكم عذاب يوم‬ ‫بمشكلة الفاحشة‪ ،‬وشعيب اهتم‬
‫دليل‪« :‬قل قد جاءكم رسل من‬
‫عظيم»‪.‬‬ ‫بمشكلة التطفيف في الميزان‪.‬‬
‫قبلي بالبينات»‪ .‬فعلى المصلح‬
‫تنمية هذا الجانب لديه‪.‬‬

‫‪ .9‬الصبر وتحمل أذى الناس من‬ ‫‪ .8‬التوكل على هللا واالستعانة به‬ ‫‪.7‬عدم الخشية من الناس في سياق‬
‫سب وتكذيب وضرب‪.‬‬ ‫في تحمل أعباء الرسالة‪.‬‬ ‫تبليغ الرسالة والقيام بالحق‪.‬‬

‫دليل‪« :‬فاصبر كما صبر أولو‬ ‫دليل‪« :‬وما لنا أال نتوكل على هللا‬ ‫دليل‪« :‬الذين يبلغون رساالت هللا‬
‫العزم من الرسل»‪.‬‬ ‫وقد هدانا سبلنا‪ ،‬ولنصبرن على ما‬ ‫ويخشونه وال يخشون أحداً إال‬
‫آذيتمونا»‪.‬‬ ‫هللا»‪.‬‬

‫اإليماني‬ ‫التزود‬ ‫‪ .11‬دوام‬ ‫العناية بالمؤمنين الذين اتبعوهم وتربيتهم وتثبيتهم‪ .‬فإن من هدي األنبياء‬ ‫‪.10‬‬
‫والتعبدي‪.‬‬ ‫الجمع بين أمرين‪:‬‬

‫دليل‪« :‬إنهم كانوا يسارعون في‬ ‫‪ .1‬تبليغ الرسالة للمخالفين‪.‬‬


‫الخيرات ويدعوننا رغبا ً ورهبا ً‬ ‫‪ .2‬بناء المؤمنين وتربيتهم على الحق‪.‬‬
‫وكانوا لنا خاشعين»‪ .‬كذلك قوله‪:‬‬
‫«وكانوا لنا عابدين»‪.‬‬ ‫دليل‪« :‬قال موسى لقومه استعينوا باهلل واصبروا‪ ،‬إن األرض هلل يورثها َمن يشاء‬
‫من عباده والعاقبة للمتقين»‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫أسامة مصطفى محمود‬ ‫«القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»‬

‫الجانب الثاني | موافقة الصالح الكوني باإلصالح الشرعي‬

‫سخر هللا سبحانه الكون بمخلوقاته فجعلهم مسيرين قانتين له‪ ،‬ولم يجعلها محال للتكليف االختباري‬ ‫•‬
‫بالشرائع‪ ،‬وأما اإلنسان فهو ‪-‬وإن كان يشمله نوع من التسخير الكوني كذلك‪ -‬إال أن هللا جعله محالً‬
‫للتكليف االختياري‪ ،‬على اإلنسان عبوديتان‪:‬‬

‫‪ .1‬عبودية غير اختيارية‪ :‬أي أنه تحت سلطان هللا وقدره فهو الذي أوجده وهو الذي يقبض‬
‫روحه وهو الذي يقدر عليه األقدار‪.‬‬
‫‪ .2‬عبودية اختيارية‪ :‬وهي االلتزام بالتكليف الشرعي‪.‬‬

‫فال يوجد إنسان قادر على مخالفة العبودية غير االختبارية‪ ،‬بينما تكثر المخالفة في العبودية االختيارية‬ ‫•‬
‫بمخالفة الشريعة التي أنزلها هللا‪ .‬والجمع بين هاتين العبوديتين هو غاية ما تخلق اإلنسان ألجله‪.‬‬

‫وهذا من أعظم فضائل المصلحين‪ ،‬أنهم يسعون لتحقيق هذه العبودية االختيارية في الخلق‪ ،‬فيدعون‬ ‫•‬
‫العصاة والكفرة والفاسقين الخارجين عن العبودية االختيارية ليعودوا إليها؛ إذ إن في هذه العبودية‬
‫االختيارية موافقة للقنوت الكوني العام الذي س ّخرت له الكائنات‪ ،‬والتمرد عنها إنما هو شذوذ عن‬
‫عبودية الكائنات كلها‪.‬‬

‫ولذلك ثبت عن النبي أن العبد الخارج عن هذه العبودية وهو الفاجر – إذا مات فإنه‪« :‬يستريح منه‬ ‫•‬
‫البالد والعباد والشعر والدواب»‪ .‬وبعكس ذلك فقد روي عن النبي ﷺ أن من يشتغل بتعليم الناس‬
‫الخير فإنه تستغفر له الكائنات غير المكلفة ‪ ،‬فعن أبي أمامة الباهلي هللا قال‪« :‬ذكر الرسول هللا ﷺ‬
‫رجالن‪ :‬أحدهما عابد‪ ،‬واآلخر عالم‪ .‬فقال رسول هللا ﷺ فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم»‪.‬‬

‫وهذا معنى في غاية الشرف والفضل ألهل اإلصالح‪ ،‬خاصة وأن سعيهم في ذلك إنما هو بكلمات هللا‬ ‫•‬
‫الشرعية الموافقة لـكلماته الكونية‪.‬‬

‫الجانب الثالث | اإلصالح من مركزيات الشريعة‬

‫إن اإلصالح معنى مركزي في الشريعة‪ ،‬و من شعائرها العظمي‪ ،‬وأنه سمة بارزة لهذه األمة كما قال‬ ‫•‬
‫سبحانه‪« :‬كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر»‪ .‬لهذا‪ ،‬من الفقه‬
‫أن يدرك المرء فضل العبادة والعمل بناء على مركزيته وأهميته وأولويته في الشريعة‪ ،‬بله ما ورد‬
‫فيه مفصال‪.‬‬

‫ومما يبين مركزية اإلصالح في الشريعة على ضوء ما ذكر عدة أمور‪:‬‬
‫‪ .1‬أن هللا سبحانه بين أن من أسباب نجاة المؤمنين من العذاب الذي ينزله بالمفسدين‪ :‬سعيهم‬
‫لإلصالح وإنكار المنكر‪ ،‬كما قال سبحانه‪« :‬فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن‬
‫ب بئيس»‪.‬‬‫السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذا ٍ‬

‫‪ .2‬أن النبي بين أن اإلصالح صمام أمان للمجتمع بأكمله‪ ،‬وأن اثره ليس على المصلحين‬
‫وحدهم‪ ،‬كما في حديث السفينة‪.‬‬

‫‪ .3‬أن هللا ذم أمة من األمم بتركه‪ ،‬وجعل هذا الترك من المعالم التي توصف بها األمم في أفعالها‬
‫وتصرفاتها‪ ،‬كما قال سبحانه عن بني إسرائيل‪« :‬كانوا ال يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما‬
‫كانوا يفعلون»‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫أسامة مصطفى محمود‬ ‫«القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»‬

‫الجانب الرابع | ما ورد في اإلصالح من ثواب خاص وفضل معين‬

‫إن مما يكشف عن فضل اإلصالح ومكانته ما ورد فيه من الفضائل الخاصة واألجور المعينة‪،‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬أنه من مكفرات الذنوب والسيئات‪ ،‬دليل‪« :‬بينا نحن جلوس عند عمر؛ إذ قال‪ :‬أيكم‬
‫يحفظ قول النبي في الفتنة؟ قال‪ :‬فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها‬
‫الصالة والصدقة واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر»‪.‬‬

‫‪ .2‬أنه من جملة الصدقات التي يثاب عليها اإلنسان‪ .‬دليل‪( :‬وأمر بالمعروف صدقة‪،‬‬
‫ونهي عن المنكر صدقة»‪.‬‬

‫‪ .3‬انه سبب الفالح‪ .‬دليل‪« :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف‬
‫وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون»‪.‬‬

‫‪ .4‬أنه سبب ألمور عظيمة متصلة جارية لإلنسان بعد موته‪ .‬دليل‪َ « :‬من دعا إلى هدى‬
‫كان له من األجر مثل أجور َمن تبعه ال ينقص ذلك من أجورهم شيئا‪ .‬و َمن دعا إلى‬
‫ضاللة كان عليه من اإلثم مثل آثام من تبعه ال ينقص ذلك من آثامهم شيئا»‪.‬‬

‫‪ .5‬أن هداية الناس بسبب الدعوة واإلصالح أثمن من كنوز الدنيا‪ .‬دليل‪« :‬فوهللا ألن‬
‫يهدي هللا بك رجال واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم»‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫أسامة مصطفى محمود‬ ‫«القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»‬

‫القسم الثاني | جدوى اإلصالح‬

‫المبحث األول | مشكلة اليأس واإلحباط وفقدان األمل تجاه اإلسالم‬

‫يعيش كثير من الشباب ‪-‬المهتمين بدينهم‪ -‬حالة من اإلحباط والخيبة؛ ألسباب كثيرة وعوامل مختلفة‪.‬‬ ‫•‬
‫فلهذا ال يحسن بالمصلحين أن يغفلوا عتها‪ ،‬بل ينبغي عليهم بث روح األمل والهمة في صدور هؤالء‬
‫الشباب من جديد‪.‬‬
‫وسيكون الحديث في هذا المبحث عن بعض القضايا الكاشفة عن المشكلة وأسبابها وعالجها من خالل‬ ‫•‬
‫العناوين التالية‪ :‬مستويات اليأس واإلحباط الموجودة في الواقع‪ ،‬ومظاهره‪ ،‬و أسبابه‪.‬‬

‫أوال | مستويات اليأس واإلحباط في الواقع‬

‫تتفاوت مستويات اليأس وتتنوع صوره‪ ،‬ويمكن لنا أن نرتبها من األخف بأسا ً إلى األشد على النحو‬ ‫•‬
‫التالي‪:‬‬

‫المستوى الرابع‬ ‫المستوى الثالث‬ ‫المستوى الثاني‪:‬‬ ‫المستوى األول‪:‬‬


‫اليأس من جدوى اإلصالح مطلقا‪،‬‬ ‫اليأس من إمكان اإلصالح‬
‫اليأس التام من روح هللا‪ ،‬وإساءة‬ ‫اليأس من جدوى اعتبار اإلسالم‬
‫والقعود عن العمل في انتظار المدد‬ ‫المجدي‪ ،‬والقناعة بأن صور‬
‫الظن به وبدينه‪.‬‬ ‫أساسا في اإلصالح والنهضة‪،‬‬
‫اإللهي بدون أخذ أسبابه‪.‬‬
‫اإلنسانية‬ ‫بالمنتجات‬ ‫والتعلق‬ ‫اإلصالح الممكنة هي الفروع التي‬
‫وهذا المستوى وإن كان قليل‬ ‫الخالصة دون احتفاء بالوحي‪.‬‬ ‫ال تتماس مع المشكالت الكبرى‪.‬‬
‫وهذا مستوى ال يصحبه انتكاس أو‬
‫االنتشار‪ ،‬ولكنه قد يؤثر تأثيراً خفيا ً‬
‫انحراف منهجي‪ .‬وقد يصحبه انشغال‬ ‫وصاحب هذا اليأس قد يكون‬
‫وينخر في بناء اإليمان حتى يسقط‬ ‫وصاحب هذا المستوى ينتسب‬
‫بالشأن الثقافي‪ .‬مع القناعة بأن الدين‬ ‫عامالً‪ ،‬لكن عمل بال روح‪ ،‬ولربما‬
‫صاحبه أمام أي شكوك تافهة تصل‬ ‫لإلسالم انتسابا ً أجوفا‪ ،‬فهو ال يرى‬
‫منصور في المستقبل‪.‬‬
‫إلى اإللحاد‪.‬‬ ‫الجدوى إال في الحل العلماني‪.‬‬ ‫من باب إبراء الذمة فقط‪.‬‬

‫ثانيا‪ | :‬مظاهر اليأس واإلحباط الموجودة في الواقع‪.‬‬

‫تتنوع هذه المظاهر وتختلف إلى ح ٍ ّد تبدو فيه متناقضة أحيانا‪ .‬ويجدر التنبيه إلى أنَّ وجود بعض هذه‬ ‫•‬
‫الظواهر ليس بضرورة الزما ً لليأس‪ .‬وهي كالتالي‪:‬‬

‫التقليل من قيمة الجهود التي‬ ‫‪.3‬‬ ‫االنكفاء عن مجاالت اإلصالح المجدية‪،‬‬ ‫‪.2‬‬ ‫االنكفاء عن كل مجاالت‬ ‫‪.1‬‬
‫يبذلها المصلحون في الوقت الحالي وعدم‬ ‫واالكتفاء بصور جزئية من اإلصالح الهامشي الرغيد‬ ‫مستوياته‬ ‫بمختلف‬ ‫اإلصالح‬
‫اعتقاد أي جدوى نفع في أي سياق إسالمي‪.‬‬ ‫الذي يمكن في الواقع تحقيق ما هو أعلى منه‪.‬‬ ‫واالكتفاء باإلطار الثقافي الذاتي‪.‬‬

‫التركيز المبالغ فيه على‬ ‫‪.5‬‬ ‫النظرة المتشنجة تجاه التجارب اإلسالمية‬ ‫‪.4‬‬
‫دوام التقلب بين المناهج‬ ‫‪.6‬‬
‫الوسائل واألدوات والمهارات‪ ،‬مع‬ ‫السابقة برموزها ومختلف سياقاتها‪ ،‬وإغفال أدنى‬
‫واالتجاهات وعدم الثبات على منهجية‬ ‫قدر من اإلنصاف‪ .‬وهذا كغيره قد يكون له أسباب‬
‫اإلغفال للمبادئ والثوابت والمرتكزات‪.‬‬
‫واحدة مثمرة ‪.‬‬ ‫أخرى‪ ،‬وقد يكون مظهرا معبرا عن حالة اليأس‪.‬‬

‫تبني اتجاهات فكرية مخالفة‬ ‫‪.8‬‬ ‫الغلو في الدين وسلوك سبل‬ ‫‪.7‬‬
‫السقوط القيمي واألخالقي‪،‬‬ ‫‪.9‬‬ ‫الثوابت الشريعة‪ ،‬تتصل بالتوجهات‬ ‫الحلول العاجلة الصدامية غير‬
‫وعدم االستعداد ألي قدر من التضحية‬ ‫الحداثية والعلمانية أو «الليبرو‬ ‫المحسوبة والتي كثيرا ما تكون ذات‬
‫والثبات‪ ،‬والجنوح إلى القاع‪.‬‬ ‫إسالمية» وما شابهها‪.‬‬ ‫مفاسد بالغة وظاهرة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫أسامة مصطفى محمود‬ ‫«القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»‬

‫ثالثا | أسباب اليأس واإلحباط الموجودة في الواقع‪.‬‬

‫تنقسم العوامل المؤثرة في انتشار اليأس واإلحباط في أوساط العاملين إلى نوعين من العوامل‪:‬‬ ‫•‬

‫أوال | عوامل داخلية‪:‬‬

‫وهي األسباب التي نشأت عن الواقع الداخلي للواقع اإلسالمي وتجاربه وممارساته‪ ،‬أو عن الواقع الداخلي‬
‫للمصلح في نفسه‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ .1‬التفسير الخاطئ لمعاني‪( :‬النصر والهزيمة‪ ،‬والفوز والخسارة‪ ،‬والنجاح والفشل)‪ .‬وذلك بأن تربط‬
‫معاني النجاح بتحقيق المكتسبات الملموسة‪ ،‬وتربط معاني الخسارة بعكسها‪ ،‬وعدم اعتبار الثبات على‬
‫حقائق اإلسالم فورا بحد ذاته ولو لم تحقق معه مكتسبات ملموسة‪.‬‬

‫‪ .2‬استعجال الثمرة والمبالغة في التبشير بها دون النظر إلى السنن اإللهية ومعطيات الواقع‪ ،‬وقلة المعرفة‬
‫بالتجارب اإلصالحية القديمة والحديثة‪.‬‬

‫‪ .3‬كثرة الخالفات بين العاملين‪ ،‬والتحزب المذموم؛ مما أحدث حالة من اإلحباط من جدوى العمل‪.‬‬

‫‪ .4‬نقص الوعي بواقع باألعداء‪ ،‬وعدم توقع ما يمكن أن يفعلوه في محاربة الواقع اإلسالمي‪ ،‬وتفجاؤ‬
‫الكثير من أهل الصالح ويأسهم حينها‪ ،‬بينما لو كان هنالك وعي مسبق؛ لما حدثت تلك الصدمات‪.‬‬

‫‪ .5‬ضعف البناء اإليماني التزكوي‪ ،‬وذلك لكون التزكية مهمشة االهتمام‪ ،‬وكذلك والبناء اإليماني البرهاني‬
‫المتعلق بأصول اإلسالم وثوابته؛ مما جعل معاني اإلسالم الكبرى مكشوفة بال حصون‪ ،‬وانعدام الشعور‬
‫المسبق بالخطر قبل وقوعه‪ ،‬مما أدى إلى تأثر إيمان كثيرين من الناس‪.‬‬

‫‪ .6‬ضعف البناء الشرعي المحكم‪ ،‬والتوقف قبل التمكن وقبل أن يصبح المرء رقما صعبا‪ ،‬واستعجال‬
‫إغراق الشباب في األعمال الدعوية واإلصالحية قبل االستواء وتمام البناء‪ ،‬وهذا له تأثير في طبيعة‬
‫ردات الفعل أمام األزمات‪.‬‬

‫‪ .7‬طبيعة المواقف المخيّبة من بعض الرموز اإلسالمية‪ ،‬والتي تتمثل في التخاذل الشديد وقت األزمات‪،‬‬
‫أو في مطاوعة الموجة الضاغطة عبر التبرؤ من المواقف الصحيحة السابقة‪ ،‬وتبني خطاب يتماشى‬
‫مع الجو السياسي العام دون تقديم المستندات الشرعية لهذا التغير والتحول‪.‬‬

‫ثانيا | عوامل خارجية‬

‫‪ .1‬التوحش الشمولي في محاربة اإلسالم والعاملين له في هذه المرحلة‪ ،‬وذلك على مختلف المستويات‬
‫ويتنوع الوسائل واألساليب‪.‬‬

‫التتابع والتصاعد والتسارع في األزمات والنكبات في رفعة وجود المسلمين الواسعة على الخارطة‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫‪ .3‬انتشار اإلفساد والتفاهة المنتشرة في الواقع‪ ،‬المؤدي إلى شعور المصلح بالعجز أمام هذا القدر الكبير‬
‫من االنحراف‪ ،‬باإلضافة إلى التعارض والتناقض بين ما يؤمله المصلح وبين الواقع المحيط به‪.‬‬

‫‪ .4‬االنتشار الهائل للشبهات واألفكار المخالفة األصول اإلسالم وقواعده الكبرى وانتشار الجرأة على‬
‫الطعن والتشكيك واالستهزاء بالثوابت وبث اإلشكاالت حولها‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫أسامة مصطفى محمود‬ ‫«القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»‬

‫المبحث الثاني‬
‫كيفية التعامل مع مشكلة اليأس واإلحباط في أوساط العاملين والمهتمين‬

‫إن حالة االنكسار التي أصابت كثيرا من العاملين‪ ،‬وأدت إلى انتشار اليأس واإلحباط ليست شرا محضا ال خير‬
‫فيه‪ ،‬بل إنها تحمل خيرا كثيرا‪ ،‬وهي من أهم الفرص الصالحة‪ ،‬ومن أفضل المحطات التجديدية النافعة‪ ،‬إن‬
‫أحسنا التعامل معها‪ ،‬وذلك ألمور متعددة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .1‬أن حالة االنكسار هذه فيها فرصة لمراجعة األخطاء السابقة للعاملين‪ ،‬فاإلنسان في حالة الصعود‬
‫وتحقيق األرباح ال يبصر أخطاء‪ ،‬وال يتقبل النقد بسهولة‪ ،‬بينما يصغي ويتواضع حال الهبوط‬
‫والخسارة‪.‬‬

‫‪ .2‬كون حالة االنكسار فرصة للقرب والتعاون بين العاملين؛ ألن من أسباب اليأس واإلحباط‪ :‬التوحش‬
‫في محاربة اإلسالم ونشر الفساد وشدة الظلم‪ .‬وهذا التوحش كما أنه قد يولد اليأس فهو كذلك قد يو ّحد‬
‫الصفوف‪ ،‬ويقرب بين المظلومين المستهدفين بهذا التوحش‪.‬‬

‫‪ .3‬أن هذه المشكالت الكثيرة المولدة لليأس‪ ،‬ينبغي أن تبعد العاملين عن الحلول السطحية التي كانوا‬
‫يتبنونها في المراحل السابقة‪ ،‬وتدفعهم إلى تقديم حلول عميقة األثر‪ ،‬وهي فرصة لبناء أجيال جديدة‬
‫تجمع بين خير ما سبق وزيادة ما لحق‪.‬‬

‫‪ .4‬فرصة الستخراج عزائم ذوي الهميم الصادقة الذين يقبلون وقت إدبار اآلخرين‪ ،‬ويعملون حال الفتور‪،‬‬
‫وهذه األزمات من جملة االبتالءات التي يميز فيها بين الخبيث والطيب‪ ،‬وبين الصادق والكاتب والثابت‬
‫والمتذبذب‪.‬‬

‫‪ .5‬فرصة حقيقية لصدق الرجوع إلى هللا تعالى واإلنابة إليه‪ .‬واالنكسار بين يديه‪ ،‬واستعداد العون منه‪،‬‬
‫وهذا من أعظم الخير والبركة‪.‬‬

‫مفاتيح التعامل مع مشكلة اليأس واإلحباط‪:‬‬

‫إن مشكلة اليأس واإلحباط تحتاج عالجا ً متنوع األشكال والجهات والموارد بسبب تفاوت أسبابها وعم‬ ‫•‬
‫تأثيرها على أصحابها‪ .‬ومن المفاتيح المهمة للتعامل مع هذه المشكلة‪:‬‬

‫المفتاح األول‪ :‬النظر إلى جوانب الخير الكامنة في هذه المشكلة‪.‬‬


‫فهي مشكلة ليست بالسوء المحض‪ ،‬وبيان ذلك في العنوان السابق‪.‬‬ ‫•‬

‫المفتاح الثاني‪ :‬بناء التصور الصحيح تجاه السنن اإللهية‪.‬‬


‫تتعلق السنن اإللهية بمواضيع عديدة كتدبير الكون‪ ،‬الرزق‪ ،‬المجتمعات وسياقات حضارتها الخ‪ ..‬لذلك‬ ‫•‬
‫على المصلح أن يكون على وعي عميق بها‪ ،‬خاصة السنن المتعلقة بالنصر والتمكين‪ .‬ومن هذه‬
‫السنن‪:‬‬
‫‪ .1‬سنة المدافعة بين الحق والباطل‪ :‬التي تدل على دوام استمرار الصراع بين الحق والباطل‬
‫ومداولة األيام بين الناس؛ مما يقتضي وجود المصاعب واالبتالءات التي يحصل بها‬
‫التمحيص‪.‬‬
‫‪ .2‬سنة االبتالء والتمحيص للمؤمنين‪ :‬وهي سنة تم تأكيدها كثيراً في القرآن‪ ،‬فليس مجرد‬
‫اإليمان ضمان للجنة‪ ،‬بل التمحيص الزم‪ .‬وهذه السنة متعلقة بالسنة التالية‪ ،‬التي هي‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫أسامة مصطفى محمود‬ ‫«القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»‬

‫‪ .3‬سنة التمييز بين الحق والباطل‪ ،‬والطيب والخبيث‪ :‬لقوله تعالى‪« :‬حتى يميز الخبيث من‬
‫الطيب»‪.‬‬

‫المفتاح الثالث‪ :‬إيجاد النماذج العملية المتجاوزة إلشكال اليأس واإلحباط‪:‬‬


‫هذا ألن اليائسين هم األقل انجذابا ً للشعارات التي تبشر بمستقبل مشرق‪ .‬فينبغي على المصلح أن يهتم‬ ‫•‬
‫باألجيال الصاعدة التي لم تصب بمشكلة اليأس بعد ولم تتضرر منها تضرراً كبيرا مما يؤدي إلى إحياء‬
‫الهمة وتجديدها في األجيال السابقة حينما يرون هذا المد الجديد المفعم باألمل فهذا من شأنه أن يكون‬
‫عالجا ً لكثير من مواطن اليأس واإلحباط‪.‬‬

‫المفتاح الرابع | العمل على تعزيز اليقين‪ ،‬وتثبيت أسس اإليمان‪ ،‬وتقوية أصول اإلسالم الكبرى‬
‫في النفوس‪.‬‬
‫فباب تعزيز اليقين يقوي الجذر الروحي اإليماني؛ مما يمد صاحبه بالثبات أمام األزمات‪ ،‬كثبات السحرة‬ ‫•‬
‫أمام التهديد الفرعوني المخيف بسبب يقينهم‪.‬‬

‫المفتاح الخامس | بناء التصور الصحيح تجاه معاني "النجاح والفشل" في العمل اإلصالحي‪:‬‬
‫هذا ألن سوء التصور في مفهوم النجاح يؤدي إلى اليأس حين ال ينال المرؤ الثمرة‪ ،‬فينبغي أن نكون‬ ‫•‬
‫ك َمن قيل فيهم‪ « :‬فلما رأى المؤمنون األحزاب قالوا هذا ما وعدنا هللا ورسوله وصدق هللا ورسوله‬
‫وما زادهم إال إيمانا وتسليما»‪ .‬فبدالً من ييأسوا من تحزب األحزاب ضدهم‪ ،‬استبشروا ورأوا في هذه‬
‫المحنة منحة‪.‬‬

‫المفتاح السادس | اإليمان بأن اإلسالم ال يمكن اجتثاثه من أساسه‪ ،‬وأن العاقبة للمتقين‪،‬‬
‫واالستبشار بالمبشرات النبوية المتعلقة باإلسالم في آخر الزمان‪.‬‬
‫فإن اإلسالم ال يموت أبداً‪ ،‬كما قال هللا «وإني أعطيتك ‪-‬يا محمد‪ -‬ألمتك أال أهلكهم بسنَّ ٍة عامة»‪ .‬وهذا‬ ‫•‬
‫يعتبر سبيالً لعالج مشكلة اليأس من حال اإلسالم وأهله السيئة اآلن‪ ،‬فأحاديث آخر الزمان كلها‬
‫بشريات‪ ،‬ولكن ينبغي االعتدال في التعامل مع هذه البشريات‪ .‬فثمة موقفان تجاهها‪:‬‬

‫األول‪ :‬المبالغة في االعتماد على هذه البشريات بتنزيلها على الواقع تنزيالً جازما ً دون منهجية علمية‪.‬‬
‫ومن مفاسد هذا‪:‬‬
‫‪ .1‬ضمور الحس النقدي تجاه ثبوت هذه النصوص وفهمها‪.‬‬
‫‪ .2‬ضمور في إرادة العمل الجاد إلصالح الواقع؛ اتكاالً على الصورة المتوهمة من المفاجآت‬
‫الغيبية في تغيير هذا الواقع‪.‬‬
‫‪ .3‬الوالء والمحبة ل َمن يتبنى هذه األقوال ولو كان عنده خلل علمي ومنهجي‪.‬‬
‫‪ .4‬التنزيل على واقع غير صحيح‪ ،‬ثم العمل في ضوء هذا التنزيل كحاالت ادعاء المهدوية‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬الح ُّ‬


‫ط والتقليل من هذه النصوص ووصفها بأنها هروب من الواقع‪ .‬وهذا الموقف إنما هو ردة‬
‫فعل معاكسة للموقف األول‪.‬‬

‫والصواب أنَّ الحق كامن بين هذين الموقفين؛ ألن نصوص المبشرات بتمكين اإلسالم آخر الزمان‬
‫صحيحة‪ ،‬لكن ينبغي أن نصلح الواقع قدر اإلمكان إلى حين تحقق هذه المبشرات‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫أسامة مصطفى محمود‬ ‫«القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»‬

‫المفتاح السابع | ظهور بذور معالم تجديدية في مجاالت مختلفة في السياق اإلسالمي‪.‬‬

‫المفتاح الثامن | النظر إلى مكامن القوة للضعفاء من مصلحي هذا الزمن‪.‬‬
‫فإذا كان المصلحون اليوم ضعفاء في موازين القوى المادية‪ ،‬فإنهم يمتلكون من جوانب القوة المعنوية‬ ‫•‬
‫ما ال يستهان به‪ .‬ومن هذه الجوانب بحسب اعتباراتها‪:‬‬

‫أوال‪ :‬باعتبار اعتقاد المصلح بإيمانه‪:‬‬

‫‪ .1‬اإليمان التام بأن المصلح المتبع لهدي األنبياء يسير في طريق ال خسارة فيه حتى لو‬
‫نفي أو قتل‪ ،‬فأجره على هللا‪ .‬هذا يجعل المصلح قويا ً أمام التحديات‪.‬‬
‫‪ .2‬اإليمان بأن الذي يتولى الدين إنما هو هللا‪ .‬والمطلوب من المصلح هو االجتهاد لتحقيق‬
‫موافقة مراد هللا في دينه‪ ،‬وأن النتائج على هللا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬باعتبار قوة المضامين‪:‬‬


‫▪ فينبغي على المصلح أن يوقن بأن اإلسالم هو الحق الموقن‪ ،‬وأن صالح األرض إنما يكون‬
‫بهذا الحق الذي تفسد األرض بنقيضه‪ .‬فينبغي للمصلح أن يفهم هذا ولو بقي الباطل مستعليا ً‬
‫بقوته المادية‪.‬‬

‫ولكي يحقق المصلح هذا المعنى (قوة المضامين) ينبغي أن يراعي هذه األمور‪:‬‬ ‫▪‬
‫‪ .1‬أن تكون المضامين التي ينطلقون منها ويدعون إليها معبرة عن الحق وأصله‬
‫ومركزياته‪ ،‬وكاشفة عن جوهره ال عن فروعه فقط‪.‬‬
‫‪ .2‬القدرة على بيان هذا الحق والكشف عن حجته وحسن تبليغه‪ ،‬والقدرة على الدفاع عنه‬
‫ودحض اعتراضات الباطل وأهله‪.‬‬
‫‪ .3‬العناية بالكشف عن سبيل المجرمين وضعف باطلهم‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬باعتبار المرحلة الزمنية‪:‬‬


‫▪ رغم سوء مرحلتنا الزمنية‪ ،‬ثمة جوانب لقوة الحق ينبغي استثمارها‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .1‬أن هللا يخلق نوراً وقت اشتداد الظلمة رغم ازدياد صور الباطل والفساد المصادمة‬
‫ألساس الفطرة‪.‬‬
‫‪ .2‬كثرة الظلم وشدة درجته واتساع مساحة هيمنته‪ .‬وهذا سبب لتعجيل عقوبة‬
‫الظالمين‪ ،‬ولتعطش الناس إلى العدل‪.‬‬
‫‪ .3‬وجود حالة اليأس واإلحباط في كثير من السياقات اإلسالمية‪ .‬وهذا يؤدي إلى‬
‫مراجعة األخطاء وصناعة آفاق جديدة‪.‬‬
‫‪ .4‬تخلي كثير من أهل العلم وأصحاب القدرة عن دورهم‪ ،‬مما يبشر بحالة استبدال أتي‬
‫هللا فيها بقون ينصر بهم دينه‪.‬‬
‫‪ .5‬ظهور بوادر وعي شبابي بواقع األمة ومشكالتها‪ ،‬مصحوب باهتمام بالدين‬
‫وقضاياه‪.‬‬
‫‪ .6‬التنوع الكبير في الشرائح المهتمة بالعلم والدين والعمل‪.‬‬

‫المفتاح التاسع | إمكان تغير موازين القوى‪:‬‬


‫إن الموازين الكبرى للقوى ليست سوى صورة دائمة‪ ،‬بل قد تتغير‪ ،‬فهي ليست مشكلة‪ ،‬وإنما‬ ‫▪‬
‫المشكلة في نقص َح َملة الحق‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫أسامة مصطفى محمود‬ ‫«القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»‬

‫القسم الثالث | بَوْ صلة اإلصالح‬

‫المبحث األول | قلق الوجهة اإلصالحية‬

‫إن من جملة تساؤالت الشباب المهتمين باإلسالم اليوم‪ :‬سؤال الوجهة وصحة الطريق‪ ،‬وذلك في‬ ‫•‬
‫أشكال ك‪ :‬أي الطريق أصح؟ وكيف أثق أن طريقي ومنهجي يرضي هللا؟ وما مجال اإلصالح األنفع‬
‫اليوم؟ الفكري أم التربوي أم السياسي الخ‪...‬؟)‪ .‬وال شك أن ثمة احتياج شديد لتنوع وسائل اإلصالح‬
‫ومجاالته؛ لسعة مساحة الثغور واختالف النوازل من مكان آلخر‪.‬‬

‫و قضية الوجهة هذه من القضايا التي تحتمل اختالف وجهات النظر‪ ،‬غير أن ثمة مساحات أخرى فيها‬ ‫•‬
‫اختالفات جذرية يصعب الجمع فيها بين العاملين‪ ،‬كما يصعب تصويبهم جميعا‪ .‬والتمييز بين الصواب‬
‫والخطأ في مثل هذه السياقات يمكن بوسيلتين‪ :‬إيمانية تعبدية‪ ،‬ومعرفية‪.‬‬

‫فأما اإليمانية التعبدية‪ ،‬فتكون بالدعاء إلى هللا بالهداية‪ ،‬كذاك باإلنابة واالعتصام والخشية والمجاهدة‬ ‫•‬
‫واقتفاء أثر النبيين وغير ذاك‪.‬‬

‫وأما المعرفية‪ ،‬فتتمثل في معالم كاشفة للصواب من الخطأ‪ ،‬وهذه المعالم كالتالي‪:‬‬ ‫•‬

‫ال َمعلم األول‪ :‬أن يكون االتجاه أو السياق قائما على العلم الصحيح المثمر‪.‬‬

‫فينبغي مالحظة مدى توافق هذا االتجاه لمقتضيات العلم الصحيح المثمر‪ ،‬فالعلم هو أساس العمل‪ ،‬وهو‬ ‫•‬
‫مرجّح بين الطرق المختلفة‪ .‬كقول الخليل‪« :‬إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك؛ فاتبعني أهدك صراطا ً‬
‫سويا»‪.‬‬
‫وللعلم الصحيح المثمر مؤشرات‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫•‬

‫‪ .1‬أن يكون مستندا إلى مرجعية الوحي‪ .‬وذلك باالعتراف بحجية القرآن والسنة واالستهداء بهما‬
‫في المعالم المنهجية المتعلقة بالعمل لإلسالم‪ .‬لكن ثمة إشكالية‪ ،‬وهي أن بعض االتجاهات الزاعمة‬
‫أنها إسالمية‪ ،‬ال تنتمي إلى مرجعية الوحي‪ ،‬إما بالطعن بالسنة وحجيتها‪ ،‬أو بعزل الوحي عن‬
‫المرجعية في باب السياسة‪ ،‬االقتصاد والحضارة الخ‪ .‬كما أن بعض االتجاهات األخرى تغالي في‬
‫االستمداد‪ ،‬وبعضها ينزع إلى الجفاء‪ .‬ومما يبين صحة االستمداد‪:‬‬
‫✓ أن تعطى القضايا ثقلها ومركزيتها في خطاب الوحي‪.‬‬
‫✓ االتساق مع الشريعة وعدم مناقضة محكماتها‪.‬‬

‫‪ .2‬موافقة اإلجماع ومراعات مواطن االتفاق بين أهل السنة‪ .‬فهذه أمةً مفضَّلة؛ وهذا يقتضي صحة‬
‫مواقفها الجماعية‪ .‬وقد بدأ اإلجماع من مرحلة الصحابة ثم َمن تبعهم‪.‬‬

‫‪ .3‬الجمع بين تفاصيل الشريعة ومقاصدها‪ .‬فال يكتفى بواح ٍد دون اآلخر‪ .‬كذلك يجب الجمع بين‬
‫نصوص العلماء ومقاصد كالمهم‪ .‬وأيضا الجمع بين مفردات العلوم الشرعية ومقاصدها الكلية‪.‬‬
‫ومن األمثلة على هذا‪ :‬فقه االهتداء باألنبياء واألئمة والعلماء‪ ،‬وإدراك المعاني الكلية والغائية‬
‫التي يصدق عليها حقيقة االقتداء بهم‪ .‬مثل‪ :‬االقتداء بنبي هللا شعيب في معالجته مشكلة التطفيف؛‬
‫النتشارها في زمنه‪ .‬فيكون االقتداء به ليس بعالج التطفيف في زمننا ‪-‬وهو مهم‪ -‬ولكن بعالج‬
‫المشكالت الكبرى المنتشرة‪ .‬كذلك االقتداء بالعلماء في ردهم على الطوائف المخالفة في العقيدة‬
‫ال يكون بالرد على تلك الطوائف بعينها‪ ،‬ولكن على الطوائف األشد تأثيرا وانتشارا ومخالفة‬
‫للوحي في زمن المقتدي‪ ،‬كالعلمانية واإللحاد في زمننا؛ ألن انشغال أولئك العلماء بتلك الطوائف‬
‫في أزمنتهم كان له تعلق بمدى تأثيرهم في تلك األزمنة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫أسامة مصطفى محمود‬ ‫«القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»‬

‫‪ .4‬االنضباط والمنهجية واالطراد وعدم التناقض‪ .‬وذلك بأن تكون مصادر التلقي فيه واضحة‪،‬‬
‫ومسالك الفهم فيه مرتكزة على أصول الفهم الصحيح كموافقة اللغة والسياق والمحكمات الخ‪..‬‬
‫فمثال الذي يستدل بالسنة تارة ثم يشكك فيها تارة‪ ،‬هذا دليل على الخلو من العلم الصحيح‪.‬‬

‫‪ .5‬اإلثمار في صالح النفس وإصالح الغير‪ .‬وذلك بأن يكون العلم الذي بني عليه الطريق مثمراً للعمل‬
‫واإليمان وحسن الخلق‪ ،‬ومعينا ً حامله على التفاعل مع الواقع ال أن يكون حاجزاً بينه وبينه‪.‬‬

‫ال َمعلم الثاني‪ :‬أن يكون االتجاه موافقا ً للمحكمات‪ ،‬مراعيا ً لألولويات في الشرع والواقع‪.‬‬

‫وذلك بأن تجعل لكل حقيقة من حقائق الدين ما جعله هللا لها من الحجم والقدر في الصورة الكلية‬ ‫•‬
‫لإلسالم دينا ً ودعوة‪ ،‬ويراعى فيها أولويات الثغور ومقتضيات التحديات الكبرى‪ .‬ويمكن للمرء أن ينقد‬
‫أي اتجاه عبر النظر إلى مركزياته في الدين والعلم ثم إلى مركزياته في التطبيق والعمل‪.‬‬

‫ال َمعلم الثالث‪ :‬محاكمة الشعارات إلى الواقع العملي لالتجاه المراد تقييمه‪.‬‬

‫وذلك يكون بتقييم األثر العملي على عموم متعلمي هذا االتجاه ال كل فرد بعينه‪ .‬ومما يتصل بذلك أن‬ ‫•‬
‫يكون االتجاه في سياقه العان موافقا ً للشعارات التي يدعو إليها‪.‬‬

‫ال َمعلم الرابع‪ :‬فقه تنزيل الدين على الواقع وموافقة السنن ومراعاة األسباب‪.‬‬

‫فإنه من الخلل في َفهم السنن اإللهية دون مراعاة األسباب‪ .‬فالمتأمل في هدي النبي من جهة التدرج‬ ‫•‬
‫في المراحل ومراعاة األحوال‪ ،‬وما صاحب ذلك من تأخر كثير من التشريعات إلى حين مناسبة الحال؛‬
‫يظهر له كثير من الفقه في ذلك‪.‬‬

‫ال َمعلم الخامس‪ :‬وجود األثر الغيبي من البركة والتيسير والفتح وصالح النفس واطمئنان القلب‪.‬‬

‫فإن مما يستأنس به المرؤ في تقييم المشاريع ‪-‬مع ما سبق من معالم‪ -‬أن ينظر إلى أثر السياق‬ ‫•‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فإذا وجد بركة وخيرا وطمأنينة‪ ،‬والنفع والخير ل َمن اتصل بهذا السياق؛ فهو الخير‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫أسامة مصطفى محمود‬ ‫«القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»‬

‫المبحث الثاني | ثغور اإلصالح‬

‫يتألف هذا المبحث من عنصرين‪ .1 :‬خارطة الثغور‪ .2 | .‬ثمرات تصور خارطة الثغور‪.‬‬ ‫•‬

‫العنصر األول | خارطة الثغور‪:‬‬


‫من أهم ما ي حتاجه العاملون اليوم إيجاد خارطة عامة للثغور التي يمكن العمل عليها؛ بحيث يسهل‬ ‫•‬
‫على َمن يريد إقامة مشروع ما أن يختار الوجهة األكثر احتياجا‪.‬‬

‫ومن طرق تحديد مالمح خارطة الثغور ما يلي‪:‬‬ ‫•‬


‫‪ .1‬تقسيم مساحات الثغور إلى دائرتين‪ :‬األولى‪ :‬الثغور المتعلقة بالحق وحملته‪ .‬والثانية‪ :‬الثغور‬
‫المتعلقة بالباطل ومشكالته‪ .‬وهدي األنبياء هو الجمع بين هاتين الدائرتين‪.‬‬

‫‪ .2‬البدء بمشكلة من المشكالت الشائعة‪ ،‬ثم تتبع نظائرها من نفس الباب‪ ،‬ثم ردها ‪-‬من ناحية‬
‫التصنيف ال األسباب‪ -‬إلى عنوان كلي يكون هو الثغر األكبر‪ ،‬وتلك المشكالت هي الثغور الصغرى‪.‬‬
‫مثال‪ :‬مشكلة اإللحاد‪ ،‬من نظائرها‪ :‬مشكلة النسوية والشذوذ الجنسي الخ‪ ..‬فيمكن أن تعنون هذه‬
‫المشكالت ب «التحديات الفكرية»‪ ،‬ويكون هو الثغر األكبر‪ ،‬وما تحته ثغور صغرى‪.‬‬

‫‪ .3‬البدء بجمع المشكالت الجزئية الشائعة في باب واحد أو في أبواب متفرقة‪ ،‬كمشكلة‪ :‬التفاهة في‬
‫الجيل الصاعد‪ ..‬المواقع اإلباحية‪ ..‬ضعف دور المعلم في التربية الخ‪ ..‬فيجمع ما ال يقل عن ‪10‬‬
‫مشكالت؛ فتصنف على أنها ثغور كبرى‪ .‬مثال‪ :‬إن جمعت المشكالت الجزئية المتعلقة بالجيل‬
‫الصاعد؛ ستجد أن من األسباب المتكررة هي‪ :‬قلة المحاضن الشبابية التربوية الناجحة‪ .‬وبالتالي‪:‬‬
‫فإن إنشاء المحاضن التربوية الكبرى والقيام عليها = يعد من الثغور الكبرى‪.‬‬

‫‪ .4‬النظر في مشكلة من المشكالت الكبرى الشائعة ‪ ،‬ثم استخراج الحلول لهذه المشكلة‪ ،‬ومن ثم جعل‬
‫هذه الحلول هي الثغور الصغرى التي تقام عليها المشاريع‪ .‬مثال‪ :‬قضية الالجئين المهجرين‪ ،‬من‬
‫الحلول المقدمة إليهم‪ :‬الدعم المادي‪ ..‬عالج المرضى‪ ..‬الرعاية النفسية‪ ..‬التعليم الخ‪ ..‬كل تلك‬
‫الحلول هي ثغور صغرى هنا‪ ،‬وقضية الالجئين هي الثغر األكبر بهذا االعتبار‪.‬‬

‫العنصر الثاني| ثمرات خارطة الثغور‪:‬‬


‫إن التصور الصحيح لخارطة الثغور يجعلنا نخرج بمبدأين مهمين‪:‬‬
‫‪ .1‬سد الثغور‪ :‬أي توجيه المشاريع الدعوية واإلصالحية بحيث تتجاوز االعتباط في وجهتها‪ .‬وهذا المبدأ‬
‫يستند إلى «فقه األولويات» في الشريعة‪ .‬ومما يعضد هذا المبدأ من مرجعية الوحي في ظل كثرة‬
‫المشكالت المتصلة باألمة‪:‬‬
‫• حديث الجسد‪« ..‬مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم‪ ،‬مثل الجسد‪.»...‬‬
‫• حديث البنيان‪« ..‬المؤمن للمؤمن كالبنيان‪»...‬‬
‫• حديث األخوة‪« ..‬المؤمن أخو المؤمن‪.»..‬‬

‫‪ .2‬التكامل اإلصالحي‪ :‬أي إيمان المصلح بعدم قدرته وحده على سد كل الثغور‪ ،‬فينظر إلى بقية العاملين‬
‫على أنهم يسيرون في نفس طريقه‪ ،‬وإذا كان لديهم خطأ؛ سدده لهم بالنصيحة ال بالهدم واإلسقاط‪.‬‬

‫‪14‬‬

You might also like