Professional Documents
Culture Documents
القول المُفرح من بوصلة المُصلح
القول المُفرح من بوصلة المُصلح
القول المُفرح من بوصلة المُصلح
تلخيص تأليف
أسامة مصطفى محمود الشيخ :أحمد بن يوسف السيد
1
أسامة مصطفى محمود «القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»
• لكل مرحلة زمنية أسئلتها الكبرى الموضحة لمشكالتها وأهم تحدياتها ،فتصرف إليها
الجهود وتستنفذ فيها األعمار .ومع ذلك ،يتفاوت إدراك المصلحين لها ،ومن ثَ ّم يتفاوت
عملهم وسعيهم في الجواب عنها ،فهم على قسمين:
َ .1من هو على وعي تام بها ،فيوجه إليها جهده ومشاريعه.
.2غير المدرك لمركزية هذه األسئلة وال ألهميتها ،بل قد يقلل من شأنها
والعاملين بها.
• والذي ينبغي لكل مصلح أال ينشغل بغير األسئلة الكبرى عنها ،مع جواز انشغاله بغير
األسئلة الكبرى معها .فإن استطاع أن يجمع بينهما فخير ،وإال فليقدم األولى .ودليل
ذلك :اهتمام لوط بمشكلة الفاحشة في قومه ،وهود بمحاربة مظاهر االستعالء المادي
في قومه ،وشعيب كان يدعو قومه إلى القسط في الميزان ،لكن شعيب لم يشتغل بمحاربة
الفاحشة ،ولوط لم يشتغل بمحاربة التطفيف في الميزان ،ال لكونهما ليستا مشاكالً ،ولكن
لعدم كونهما من المشكالت المنتشرة في أزمانهم .هذا إلى اهتمامهم جميعا ً بالمشكلة
المركزية ،أال وهي الشرك باهلل.
• ف َمن فعل ذلك؛ استحق لقب «الحكمة» التي هي :فعل ما ينبغي ،على الوجه الذي ينبغي،
في الوقت الذي ينبغي».
2
أسامة مصطفى محمود «القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»
هذا من أعظم الجوانب ،قال هللا« :قل هذه سبيلي أدعو إلى هللا على بصير ٍة أنا و َمن اتبعن» .وهو من •
أظهر معالم الصراط المستقيم ،صراط الذين أنعم هللا عليهم« .و َمن يطع هللا والرسول فأولئك مع الذين
معنى باعث لتصحيح النية وتوجيه المسير ،كما يمنع من االنهزام النفسي؛ ألنً أنعم هللا عليهم» .وهو
َمن يستحضر هذا المعنى يؤمن أن شرف هذا الطريق نابع من ذاته ال من خارجه ،فهو طريق
المرسلين.
بعض المعالم الشمولية لسبيل األنبياء في اإلصالح:
.9الصبر وتحمل أذى الناس من .8التوكل على هللا واالستعانة به .7عدم الخشية من الناس في سياق
سب وتكذيب وضرب. في تحمل أعباء الرسالة. تبليغ الرسالة والقيام بالحق.
دليل« :فاصبر كما صبر أولو دليل« :وما لنا أال نتوكل على هللا دليل« :الذين يبلغون رساالت هللا
العزم من الرسل». وقد هدانا سبلنا ،ولنصبرن على ما ويخشونه وال يخشون أحداً إال
آذيتمونا». هللا».
اإليماني التزود .11دوام العناية بالمؤمنين الذين اتبعوهم وتربيتهم وتثبيتهم .فإن من هدي األنبياء .10
والتعبدي. الجمع بين أمرين:
3
أسامة مصطفى محمود «القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»
سخر هللا سبحانه الكون بمخلوقاته فجعلهم مسيرين قانتين له ،ولم يجعلها محال للتكليف االختباري •
بالشرائع ،وأما اإلنسان فهو -وإن كان يشمله نوع من التسخير الكوني كذلك -إال أن هللا جعله محالً
للتكليف االختياري ،على اإلنسان عبوديتان:
.1عبودية غير اختيارية :أي أنه تحت سلطان هللا وقدره فهو الذي أوجده وهو الذي يقبض
روحه وهو الذي يقدر عليه األقدار.
.2عبودية اختيارية :وهي االلتزام بالتكليف الشرعي.
فال يوجد إنسان قادر على مخالفة العبودية غير االختبارية ،بينما تكثر المخالفة في العبودية االختيارية •
بمخالفة الشريعة التي أنزلها هللا .والجمع بين هاتين العبوديتين هو غاية ما تخلق اإلنسان ألجله.
وهذا من أعظم فضائل المصلحين ،أنهم يسعون لتحقيق هذه العبودية االختيارية في الخلق ،فيدعون •
العصاة والكفرة والفاسقين الخارجين عن العبودية االختيارية ليعودوا إليها؛ إذ إن في هذه العبودية
االختيارية موافقة للقنوت الكوني العام الذي س ّخرت له الكائنات ،والتمرد عنها إنما هو شذوذ عن
عبودية الكائنات كلها.
ولذلك ثبت عن النبي أن العبد الخارج عن هذه العبودية وهو الفاجر – إذا مات فإنه« :يستريح منه •
البالد والعباد والشعر والدواب» .وبعكس ذلك فقد روي عن النبي ﷺ أن من يشتغل بتعليم الناس
الخير فإنه تستغفر له الكائنات غير المكلفة ،فعن أبي أمامة الباهلي هللا قال« :ذكر الرسول هللا ﷺ
رجالن :أحدهما عابد ،واآلخر عالم .فقال رسول هللا ﷺ فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم».
وهذا معنى في غاية الشرف والفضل ألهل اإلصالح ،خاصة وأن سعيهم في ذلك إنما هو بكلمات هللا •
الشرعية الموافقة لـكلماته الكونية.
إن اإلصالح معنى مركزي في الشريعة ،و من شعائرها العظمي ،وأنه سمة بارزة لهذه األمة كما قال •
سبحانه« :كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر» .لهذا ،من الفقه
أن يدرك المرء فضل العبادة والعمل بناء على مركزيته وأهميته وأولويته في الشريعة ،بله ما ورد
فيه مفصال.
ومما يبين مركزية اإلصالح في الشريعة على ضوء ما ذكر عدة أمور:
.1أن هللا سبحانه بين أن من أسباب نجاة المؤمنين من العذاب الذي ينزله بالمفسدين :سعيهم
لإلصالح وإنكار المنكر ،كما قال سبحانه« :فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن
ب بئيس».السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذا ٍ
.2أن النبي بين أن اإلصالح صمام أمان للمجتمع بأكمله ،وأن اثره ليس على المصلحين
وحدهم ،كما في حديث السفينة.
.3أن هللا ذم أمة من األمم بتركه ،وجعل هذا الترك من المعالم التي توصف بها األمم في أفعالها
وتصرفاتها ،كما قال سبحانه عن بني إسرائيل« :كانوا ال يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما
كانوا يفعلون».
4
أسامة مصطفى محمود «القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»
إن مما يكشف عن فضل اإلصالح ومكانته ما ورد فيه من الفضائل الخاصة واألجور المعينة،
ومن ذلك:
.1أنه من مكفرات الذنوب والسيئات ،دليل« :بينا نحن جلوس عند عمر؛ إذ قال :أيكم
يحفظ قول النبي في الفتنة؟ قال :فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها
الصالة والصدقة واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
.2أنه من جملة الصدقات التي يثاب عليها اإلنسان .دليل( :وأمر بالمعروف صدقة،
ونهي عن المنكر صدقة».
.3انه سبب الفالح .دليل« :ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون».
.4أنه سبب ألمور عظيمة متصلة جارية لإلنسان بعد موته .دليلَ « :من دعا إلى هدى
كان له من األجر مثل أجور َمن تبعه ال ينقص ذلك من أجورهم شيئا .و َمن دعا إلى
ضاللة كان عليه من اإلثم مثل آثام من تبعه ال ينقص ذلك من آثامهم شيئا».
.5أن هداية الناس بسبب الدعوة واإلصالح أثمن من كنوز الدنيا .دليل« :فوهللا ألن
يهدي هللا بك رجال واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم».
5
أسامة مصطفى محمود «القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»
يعيش كثير من الشباب -المهتمين بدينهم -حالة من اإلحباط والخيبة؛ ألسباب كثيرة وعوامل مختلفة. •
فلهذا ال يحسن بالمصلحين أن يغفلوا عتها ،بل ينبغي عليهم بث روح األمل والهمة في صدور هؤالء
الشباب من جديد.
وسيكون الحديث في هذا المبحث عن بعض القضايا الكاشفة عن المشكلة وأسبابها وعالجها من خالل •
العناوين التالية :مستويات اليأس واإلحباط الموجودة في الواقع ،ومظاهره ،و أسبابه.
تتفاوت مستويات اليأس وتتنوع صوره ،ويمكن لنا أن نرتبها من األخف بأسا ً إلى األشد على النحو •
التالي:
تتنوع هذه المظاهر وتختلف إلى ح ٍ ّد تبدو فيه متناقضة أحيانا .ويجدر التنبيه إلى أنَّ وجود بعض هذه •
الظواهر ليس بضرورة الزما ً لليأس .وهي كالتالي:
التقليل من قيمة الجهود التي .3 االنكفاء عن مجاالت اإلصالح المجدية، .2 االنكفاء عن كل مجاالت .1
يبذلها المصلحون في الوقت الحالي وعدم واالكتفاء بصور جزئية من اإلصالح الهامشي الرغيد مستوياته بمختلف اإلصالح
اعتقاد أي جدوى نفع في أي سياق إسالمي. الذي يمكن في الواقع تحقيق ما هو أعلى منه. واالكتفاء باإلطار الثقافي الذاتي.
التركيز المبالغ فيه على .5 النظرة المتشنجة تجاه التجارب اإلسالمية .4
دوام التقلب بين المناهج .6
الوسائل واألدوات والمهارات ،مع السابقة برموزها ومختلف سياقاتها ،وإغفال أدنى
واالتجاهات وعدم الثبات على منهجية قدر من اإلنصاف .وهذا كغيره قد يكون له أسباب
اإلغفال للمبادئ والثوابت والمرتكزات.
واحدة مثمرة . أخرى ،وقد يكون مظهرا معبرا عن حالة اليأس.
تبني اتجاهات فكرية مخالفة .8 الغلو في الدين وسلوك سبل .7
السقوط القيمي واألخالقي، .9 الثوابت الشريعة ،تتصل بالتوجهات الحلول العاجلة الصدامية غير
وعدم االستعداد ألي قدر من التضحية الحداثية والعلمانية أو «الليبرو المحسوبة والتي كثيرا ما تكون ذات
والثبات ،والجنوح إلى القاع. إسالمية» وما شابهها. مفاسد بالغة وظاهرة.
6
أسامة مصطفى محمود «القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»
تنقسم العوامل المؤثرة في انتشار اليأس واإلحباط في أوساط العاملين إلى نوعين من العوامل: •
وهي األسباب التي نشأت عن الواقع الداخلي للواقع اإلسالمي وتجاربه وممارساته ،أو عن الواقع الداخلي
للمصلح في نفسه ،ومنها:
.1التفسير الخاطئ لمعاني( :النصر والهزيمة ،والفوز والخسارة ،والنجاح والفشل) .وذلك بأن تربط
معاني النجاح بتحقيق المكتسبات الملموسة ،وتربط معاني الخسارة بعكسها ،وعدم اعتبار الثبات على
حقائق اإلسالم فورا بحد ذاته ولو لم تحقق معه مكتسبات ملموسة.
.2استعجال الثمرة والمبالغة في التبشير بها دون النظر إلى السنن اإللهية ومعطيات الواقع ،وقلة المعرفة
بالتجارب اإلصالحية القديمة والحديثة.
.3كثرة الخالفات بين العاملين ،والتحزب المذموم؛ مما أحدث حالة من اإلحباط من جدوى العمل.
.4نقص الوعي بواقع باألعداء ،وعدم توقع ما يمكن أن يفعلوه في محاربة الواقع اإلسالمي ،وتفجاؤ
الكثير من أهل الصالح ويأسهم حينها ،بينما لو كان هنالك وعي مسبق؛ لما حدثت تلك الصدمات.
.5ضعف البناء اإليماني التزكوي ،وذلك لكون التزكية مهمشة االهتمام ،وكذلك والبناء اإليماني البرهاني
المتعلق بأصول اإلسالم وثوابته؛ مما جعل معاني اإلسالم الكبرى مكشوفة بال حصون ،وانعدام الشعور
المسبق بالخطر قبل وقوعه ،مما أدى إلى تأثر إيمان كثيرين من الناس.
.6ضعف البناء الشرعي المحكم ،والتوقف قبل التمكن وقبل أن يصبح المرء رقما صعبا ،واستعجال
إغراق الشباب في األعمال الدعوية واإلصالحية قبل االستواء وتمام البناء ،وهذا له تأثير في طبيعة
ردات الفعل أمام األزمات.
.7طبيعة المواقف المخيّبة من بعض الرموز اإلسالمية ،والتي تتمثل في التخاذل الشديد وقت األزمات،
أو في مطاوعة الموجة الضاغطة عبر التبرؤ من المواقف الصحيحة السابقة ،وتبني خطاب يتماشى
مع الجو السياسي العام دون تقديم المستندات الشرعية لهذا التغير والتحول.
.1التوحش الشمولي في محاربة اإلسالم والعاملين له في هذه المرحلة ،وذلك على مختلف المستويات
ويتنوع الوسائل واألساليب.
التتابع والتصاعد والتسارع في األزمات والنكبات في رفعة وجود المسلمين الواسعة على الخارطة. .2
.3انتشار اإلفساد والتفاهة المنتشرة في الواقع ،المؤدي إلى شعور المصلح بالعجز أمام هذا القدر الكبير
من االنحراف ،باإلضافة إلى التعارض والتناقض بين ما يؤمله المصلح وبين الواقع المحيط به.
.4االنتشار الهائل للشبهات واألفكار المخالفة األصول اإلسالم وقواعده الكبرى وانتشار الجرأة على
الطعن والتشكيك واالستهزاء بالثوابت وبث اإلشكاالت حولها.
7
أسامة مصطفى محمود «القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»
المبحث الثاني
كيفية التعامل مع مشكلة اليأس واإلحباط في أوساط العاملين والمهتمين
إن حالة االنكسار التي أصابت كثيرا من العاملين ،وأدت إلى انتشار اليأس واإلحباط ليست شرا محضا ال خير
فيه ،بل إنها تحمل خيرا كثيرا ،وهي من أهم الفرص الصالحة ،ومن أفضل المحطات التجديدية النافعة ،إن
أحسنا التعامل معها ،وذلك ألمور متعددة ،منها:
.1أن حالة االنكسار هذه فيها فرصة لمراجعة األخطاء السابقة للعاملين ،فاإلنسان في حالة الصعود
وتحقيق األرباح ال يبصر أخطاء ،وال يتقبل النقد بسهولة ،بينما يصغي ويتواضع حال الهبوط
والخسارة.
.2كون حالة االنكسار فرصة للقرب والتعاون بين العاملين؛ ألن من أسباب اليأس واإلحباط :التوحش
في محاربة اإلسالم ونشر الفساد وشدة الظلم .وهذا التوحش كما أنه قد يولد اليأس فهو كذلك قد يو ّحد
الصفوف ،ويقرب بين المظلومين المستهدفين بهذا التوحش.
.3أن هذه المشكالت الكثيرة المولدة لليأس ،ينبغي أن تبعد العاملين عن الحلول السطحية التي كانوا
يتبنونها في المراحل السابقة ،وتدفعهم إلى تقديم حلول عميقة األثر ،وهي فرصة لبناء أجيال جديدة
تجمع بين خير ما سبق وزيادة ما لحق.
.4فرصة الستخراج عزائم ذوي الهميم الصادقة الذين يقبلون وقت إدبار اآلخرين ،ويعملون حال الفتور،
وهذه األزمات من جملة االبتالءات التي يميز فيها بين الخبيث والطيب ،وبين الصادق والكاتب والثابت
والمتذبذب.
.5فرصة حقيقية لصدق الرجوع إلى هللا تعالى واإلنابة إليه .واالنكسار بين يديه ،واستعداد العون منه،
وهذا من أعظم الخير والبركة.
إن مشكلة اليأس واإلحباط تحتاج عالجا ً متنوع األشكال والجهات والموارد بسبب تفاوت أسبابها وعم •
تأثيرها على أصحابها .ومن المفاتيح المهمة للتعامل مع هذه المشكلة:
8
أسامة مصطفى محمود «القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»
.3سنة التمييز بين الحق والباطل ،والطيب والخبيث :لقوله تعالى« :حتى يميز الخبيث من
الطيب».
المفتاح الرابع | العمل على تعزيز اليقين ،وتثبيت أسس اإليمان ،وتقوية أصول اإلسالم الكبرى
في النفوس.
فباب تعزيز اليقين يقوي الجذر الروحي اإليماني؛ مما يمد صاحبه بالثبات أمام األزمات ،كثبات السحرة •
أمام التهديد الفرعوني المخيف بسبب يقينهم.
المفتاح الخامس | بناء التصور الصحيح تجاه معاني "النجاح والفشل" في العمل اإلصالحي:
هذا ألن سوء التصور في مفهوم النجاح يؤدي إلى اليأس حين ال ينال المرؤ الثمرة ،فينبغي أن نكون •
ك َمن قيل فيهم « :فلما رأى المؤمنون األحزاب قالوا هذا ما وعدنا هللا ورسوله وصدق هللا ورسوله
وما زادهم إال إيمانا وتسليما» .فبدالً من ييأسوا من تحزب األحزاب ضدهم ،استبشروا ورأوا في هذه
المحنة منحة.
المفتاح السادس | اإليمان بأن اإلسالم ال يمكن اجتثاثه من أساسه ،وأن العاقبة للمتقين،
واالستبشار بالمبشرات النبوية المتعلقة باإلسالم في آخر الزمان.
فإن اإلسالم ال يموت أبداً ،كما قال هللا «وإني أعطيتك -يا محمد -ألمتك أال أهلكهم بسنَّ ٍة عامة» .وهذا •
يعتبر سبيالً لعالج مشكلة اليأس من حال اإلسالم وأهله السيئة اآلن ،فأحاديث آخر الزمان كلها
بشريات ،ولكن ينبغي االعتدال في التعامل مع هذه البشريات .فثمة موقفان تجاهها:
األول :المبالغة في االعتماد على هذه البشريات بتنزيلها على الواقع تنزيالً جازما ً دون منهجية علمية.
ومن مفاسد هذا:
.1ضمور الحس النقدي تجاه ثبوت هذه النصوص وفهمها.
.2ضمور في إرادة العمل الجاد إلصالح الواقع؛ اتكاالً على الصورة المتوهمة من المفاجآت
الغيبية في تغيير هذا الواقع.
.3الوالء والمحبة ل َمن يتبنى هذه األقوال ولو كان عنده خلل علمي ومنهجي.
.4التنزيل على واقع غير صحيح ،ثم العمل في ضوء هذا التنزيل كحاالت ادعاء المهدوية.
والصواب أنَّ الحق كامن بين هذين الموقفين؛ ألن نصوص المبشرات بتمكين اإلسالم آخر الزمان
صحيحة ،لكن ينبغي أن نصلح الواقع قدر اإلمكان إلى حين تحقق هذه المبشرات.
9
أسامة مصطفى محمود «القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»
المفتاح السابع | ظهور بذور معالم تجديدية في مجاالت مختلفة في السياق اإلسالمي.
المفتاح الثامن | النظر إلى مكامن القوة للضعفاء من مصلحي هذا الزمن.
فإذا كان المصلحون اليوم ضعفاء في موازين القوى المادية ،فإنهم يمتلكون من جوانب القوة المعنوية •
ما ال يستهان به .ومن هذه الجوانب بحسب اعتباراتها:
.1اإليمان التام بأن المصلح المتبع لهدي األنبياء يسير في طريق ال خسارة فيه حتى لو
نفي أو قتل ،فأجره على هللا .هذا يجعل المصلح قويا ً أمام التحديات.
.2اإليمان بأن الذي يتولى الدين إنما هو هللا .والمطلوب من المصلح هو االجتهاد لتحقيق
موافقة مراد هللا في دينه ،وأن النتائج على هللا.
ولكي يحقق المصلح هذا المعنى (قوة المضامين) ينبغي أن يراعي هذه األمور: ▪
.1أن تكون المضامين التي ينطلقون منها ويدعون إليها معبرة عن الحق وأصله
ومركزياته ،وكاشفة عن جوهره ال عن فروعه فقط.
.2القدرة على بيان هذا الحق والكشف عن حجته وحسن تبليغه ،والقدرة على الدفاع عنه
ودحض اعتراضات الباطل وأهله.
.3العناية بالكشف عن سبيل المجرمين وضعف باطلهم.
10
أسامة مصطفى محمود «القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»
إن من جملة تساؤالت الشباب المهتمين باإلسالم اليوم :سؤال الوجهة وصحة الطريق ،وذلك في •
أشكال ك :أي الطريق أصح؟ وكيف أثق أن طريقي ومنهجي يرضي هللا؟ وما مجال اإلصالح األنفع
اليوم؟ الفكري أم التربوي أم السياسي الخ...؟) .وال شك أن ثمة احتياج شديد لتنوع وسائل اإلصالح
ومجاالته؛ لسعة مساحة الثغور واختالف النوازل من مكان آلخر.
و قضية الوجهة هذه من القضايا التي تحتمل اختالف وجهات النظر ،غير أن ثمة مساحات أخرى فيها •
اختالفات جذرية يصعب الجمع فيها بين العاملين ،كما يصعب تصويبهم جميعا .والتمييز بين الصواب
والخطأ في مثل هذه السياقات يمكن بوسيلتين :إيمانية تعبدية ،ومعرفية.
فأما اإليمانية التعبدية ،فتكون بالدعاء إلى هللا بالهداية ،كذاك باإلنابة واالعتصام والخشية والمجاهدة •
واقتفاء أثر النبيين وغير ذاك.
وأما المعرفية ،فتتمثل في معالم كاشفة للصواب من الخطأ ،وهذه المعالم كالتالي: •
ال َمعلم األول :أن يكون االتجاه أو السياق قائما على العلم الصحيح المثمر.
فينبغي مالحظة مدى توافق هذا االتجاه لمقتضيات العلم الصحيح المثمر ،فالعلم هو أساس العمل ،وهو •
مرجّح بين الطرق المختلفة .كقول الخليل« :إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك؛ فاتبعني أهدك صراطا ً
سويا».
وللعلم الصحيح المثمر مؤشرات ،منها: •
.1أن يكون مستندا إلى مرجعية الوحي .وذلك باالعتراف بحجية القرآن والسنة واالستهداء بهما
في المعالم المنهجية المتعلقة بالعمل لإلسالم .لكن ثمة إشكالية ،وهي أن بعض االتجاهات الزاعمة
أنها إسالمية ،ال تنتمي إلى مرجعية الوحي ،إما بالطعن بالسنة وحجيتها ،أو بعزل الوحي عن
المرجعية في باب السياسة ،االقتصاد والحضارة الخ .كما أن بعض االتجاهات األخرى تغالي في
االستمداد ،وبعضها ينزع إلى الجفاء .ومما يبين صحة االستمداد:
✓ أن تعطى القضايا ثقلها ومركزيتها في خطاب الوحي.
✓ االتساق مع الشريعة وعدم مناقضة محكماتها.
.2موافقة اإلجماع ومراعات مواطن االتفاق بين أهل السنة .فهذه أمةً مفضَّلة؛ وهذا يقتضي صحة
مواقفها الجماعية .وقد بدأ اإلجماع من مرحلة الصحابة ثم َمن تبعهم.
.3الجمع بين تفاصيل الشريعة ومقاصدها .فال يكتفى بواح ٍد دون اآلخر .كذلك يجب الجمع بين
نصوص العلماء ومقاصد كالمهم .وأيضا الجمع بين مفردات العلوم الشرعية ومقاصدها الكلية.
ومن األمثلة على هذا :فقه االهتداء باألنبياء واألئمة والعلماء ،وإدراك المعاني الكلية والغائية
التي يصدق عليها حقيقة االقتداء بهم .مثل :االقتداء بنبي هللا شعيب في معالجته مشكلة التطفيف؛
النتشارها في زمنه .فيكون االقتداء به ليس بعالج التطفيف في زمننا -وهو مهم -ولكن بعالج
المشكالت الكبرى المنتشرة .كذلك االقتداء بالعلماء في ردهم على الطوائف المخالفة في العقيدة
ال يكون بالرد على تلك الطوائف بعينها ،ولكن على الطوائف األشد تأثيرا وانتشارا ومخالفة
للوحي في زمن المقتدي ،كالعلمانية واإللحاد في زمننا؛ ألن انشغال أولئك العلماء بتلك الطوائف
في أزمنتهم كان له تعلق بمدى تأثيرهم في تلك األزمنة.
12
أسامة مصطفى محمود «القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»
.4االنضباط والمنهجية واالطراد وعدم التناقض .وذلك بأن تكون مصادر التلقي فيه واضحة،
ومسالك الفهم فيه مرتكزة على أصول الفهم الصحيح كموافقة اللغة والسياق والمحكمات الخ..
فمثال الذي يستدل بالسنة تارة ثم يشكك فيها تارة ،هذا دليل على الخلو من العلم الصحيح.
.5اإلثمار في صالح النفس وإصالح الغير .وذلك بأن يكون العلم الذي بني عليه الطريق مثمراً للعمل
واإليمان وحسن الخلق ،ومعينا ً حامله على التفاعل مع الواقع ال أن يكون حاجزاً بينه وبينه.
ال َمعلم الثاني :أن يكون االتجاه موافقا ً للمحكمات ،مراعيا ً لألولويات في الشرع والواقع.
وذلك بأن تجعل لكل حقيقة من حقائق الدين ما جعله هللا لها من الحجم والقدر في الصورة الكلية •
لإلسالم دينا ً ودعوة ،ويراعى فيها أولويات الثغور ومقتضيات التحديات الكبرى .ويمكن للمرء أن ينقد
أي اتجاه عبر النظر إلى مركزياته في الدين والعلم ثم إلى مركزياته في التطبيق والعمل.
ال َمعلم الثالث :محاكمة الشعارات إلى الواقع العملي لالتجاه المراد تقييمه.
وذلك يكون بتقييم األثر العملي على عموم متعلمي هذا االتجاه ال كل فرد بعينه .ومما يتصل بذلك أن •
يكون االتجاه في سياقه العان موافقا ً للشعارات التي يدعو إليها.
ال َمعلم الرابع :فقه تنزيل الدين على الواقع وموافقة السنن ومراعاة األسباب.
فإنه من الخلل في َفهم السنن اإللهية دون مراعاة األسباب .فالمتأمل في هدي النبي من جهة التدرج •
في المراحل ومراعاة األحوال ،وما صاحب ذلك من تأخر كثير من التشريعات إلى حين مناسبة الحال؛
يظهر له كثير من الفقه في ذلك.
ال َمعلم الخامس :وجود األثر الغيبي من البركة والتيسير والفتح وصالح النفس واطمئنان القلب.
فإن مما يستأنس به المرؤ في تقييم المشاريع -مع ما سبق من معالم -أن ينظر إلى أثر السياق •
اإلسالمي ،فإذا وجد بركة وخيرا وطمأنينة ،والنفع والخير ل َمن اتصل بهذا السياق؛ فهو الخير.
13
أسامة مصطفى محمود «القول المفرح من خالصة بَوْ صلة المصلح»
يتألف هذا المبحث من عنصرين .1 :خارطة الثغور .2 | .ثمرات تصور خارطة الثغور. •
.2البدء بمشكلة من المشكالت الشائعة ،ثم تتبع نظائرها من نفس الباب ،ثم ردها -من ناحية
التصنيف ال األسباب -إلى عنوان كلي يكون هو الثغر األكبر ،وتلك المشكالت هي الثغور الصغرى.
مثال :مشكلة اإللحاد ،من نظائرها :مشكلة النسوية والشذوذ الجنسي الخ ..فيمكن أن تعنون هذه
المشكالت ب «التحديات الفكرية» ،ويكون هو الثغر األكبر ،وما تحته ثغور صغرى.
.3البدء بجمع المشكالت الجزئية الشائعة في باب واحد أو في أبواب متفرقة ،كمشكلة :التفاهة في
الجيل الصاعد ..المواقع اإلباحية ..ضعف دور المعلم في التربية الخ ..فيجمع ما ال يقل عن 10
مشكالت؛ فتصنف على أنها ثغور كبرى .مثال :إن جمعت المشكالت الجزئية المتعلقة بالجيل
الصاعد؛ ستجد أن من األسباب المتكررة هي :قلة المحاضن الشبابية التربوية الناجحة .وبالتالي:
فإن إنشاء المحاضن التربوية الكبرى والقيام عليها = يعد من الثغور الكبرى.
.4النظر في مشكلة من المشكالت الكبرى الشائعة ،ثم استخراج الحلول لهذه المشكلة ،ومن ثم جعل
هذه الحلول هي الثغور الصغرى التي تقام عليها المشاريع .مثال :قضية الالجئين المهجرين ،من
الحلول المقدمة إليهم :الدعم المادي ..عالج المرضى ..الرعاية النفسية ..التعليم الخ ..كل تلك
الحلول هي ثغور صغرى هنا ،وقضية الالجئين هي الثغر األكبر بهذا االعتبار.
.2التكامل اإلصالحي :أي إيمان المصلح بعدم قدرته وحده على سد كل الثغور ،فينظر إلى بقية العاملين
على أنهم يسيرون في نفس طريقه ،وإذا كان لديهم خطأ؛ سدده لهم بالنصيحة ال بالهدم واإلسقاط.
14