Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 208

‫ً‬

‫وتقديسا‬ ‫ً‬
‫تعظيما‬ ‫سبحان الله‬
‫وله الحمد وحده‬
‫ُ‬
‫كتبت هذه األسطر‬
‫ابتغاء وجه الله تعالى‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ودرءا للتشدد والتطرف‬
‫ً‬
‫وسعيا لالعتدال‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة‬
‫ما خال كتاب الله‪ ،‬الذي تكفل الله بحفظه بنص محكم‪،‬‬
‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ ۡ ُ َ َّ ۡ َ ّ ۡ َ َ َّ َ ُ َ َ ٰ ُ َ‬
‫﴿إِنا نحن نزلنا ٱلذِكر وِإنا لهۥ لحفِظون﴾ سورة الحِجرِ ‪9‬‬
‫وهذا الذكر هو‬
‫ُ َ ٓ‬
‫ورةُ ا ِل ع ِۡم َر َان ‪138‬‬ ‫ِلن ِ َ ُ ٗ َ َ ۡ َ ‪َ َّ ُ ۡ ّ ٞ‬‬
‫اس وهدى وموعِظة ل ِلمتقِين﴾ س‬
‫ان لّ َّ‬
‫ََ ‪ٞ‬‬
‫﴿بي‬
‫َ َ‬ ‫ُ ً َ ٗ َّ‬ ‫َٰ ‪َ ۡ َ ّ ُ ٞ‬‬
‫ت َءاي ٰ ُت ُهۥ ق ۡر َءانا ع َرب ِ ّيا ل ِق ۡو ٖم َي ۡعل ُمون﴾‬ ‫وهو ﴿كِتب ف ِصل‬
‫َ‬
‫ورةُ فُ ّ ِصل ۡت ‪3‬‬
‫ُس َ‬

‫َ‬ ‫َۡٗ‬ ‫ُٗ‬ ‫ََۡ ٗ ّ ُّ َ‬


‫ورةُ الأ ۡن َع ِام ‪154‬‬
‫ُس َ‬ ‫﴿وتف ِصيلا ل ِك ِل  ۡ ٍء َوهدى َو َرحمة﴾‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ َ‬ ‫﴿ما فَ َّر ۡط َ‬
‫و َّ‬
‫ورةُ الأ ۡن َع ِام ‪٣٨‬‬
‫ُس َ‬ ‫ب مِن  ۡ ٍء﴾‬
‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِت‬
‫ك‬ ‫ٱل‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫ّ ُّ َ‬ ‫َ َ َّ ۡ َ َ َ ۡ َ‬
‫ك ٱلۡك َِتٰ َ‬
‫ورةُ َّ‬
‫الن ۡح ِل ‪٨٩‬‬ ‫ُس َ‬ ‫ب ت ِۡب َيٰ ٗنا ل ِك ِل  ۡ ٍء﴾‬ ‫﴿ونزلنا علي‬
‫َ‬ ‫َ ۡ‬ ‫﴿ولَ َق ۡد ۡ َ‬
‫ب ف َّصل َنٰ ُه عَل ٰى‬
‫ٖ‬ ‫ك َتٰ‬
‫جئنٰ ُهم ب ِ ِ‬‫ِ‬
‫َ‬
‫ُ َُ َۡ‬ ‫ۡ ُ ٗ َ َ َۡٗ َّ ۡ ُۡ ُ َ‬
‫ورة الأع َر ِ‬
‫اف ‪52‬‬ ‫م يؤمِنون﴾ س‬ ‫عِل ٍم هدى ورحمة ل ِقو ٖ‬

‫‪4‬‬
‫عــدا ذلــك مــن أحاديــث ومرويــات وآثار‬
‫وأخبــار وكتابــات‪ ،‬فهــي مــن صنــع‬
‫بشــر‪ ،‬مــن صحابــة وتابعيــن وفقهــاء‬
‫ومحدثيــن ومفســرين ومؤرخيــن‪ ،‬غيــر‬
‫معصوميــن‪ ،‬هــؤالء (يؤخــذ منهــم‬
‫ويُــردّ‪ )...‬وهــؤالء هــم الموتــى الذيــن‬
‫صنعــوا هــذا اإلرث الضخــم والكــم‬
‫تحولــت إلــى‬‫الهائــل مــن الروايــات التــي ّ‬
‫ديانــات‪ ،‬فاختلفــوا فــي كل شــيء وعلــى‬
‫كل شــيء وتركــوا مــن ورائهــم إرثــا‪ ،‬ال‬
‫تعــرف مــن أيــن تدخــل إليــه وال كيــف‬
‫تخــرج منــه‪ .‬و كل كالم غيــر كالم اللّٰــه‪،‬‬
‫كالم أمــوات و الــكالم الوحيــد الــذي‬
‫ال يمــوت كالم اللــه الحــي وكالمــه ال‬
‫يمــوت ألنــه دينــه وشــرعه لخلقــه‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫تمهيد‬

‫السلفية استحضار‬
‫الماضي إلى الحاضر‬
‫ُولــد «ديــن الموتــى» وال زال حيًــا‪ ،‬بجهــود أحيــاء ‪-‬‬
‫ً‬
‫طــوال‪،‬‬ ‫أمــوات‪ -...‬وع ّمــر مئــات الســنين‪ ،‬بــل قرونًــا‬
‫دون أن تحيــد عنــه ‪ -‬مقــدار شــبر‪ -‬عقــول‪ ،‬تجــاوزت‪،‬‬
‫وال تــزال‪ ،‬الحديــث القائــل‪« ،‬إن اللــه يبعــث لهــذه‬
‫األمــة علــى رأس كل مائــة ســنة مــن يجــدّد لهــا دينهــا»‪.‬‬
‫رحــم المذهــب الســلفي التكفيــري‪ُ ،‬ولــد «ديــن الموتــى»‪.‬‬
‫مــن ِ‬
‫ولــذا فــإن الدرايــة بهــذا المذهــب وبتياراتــه المختلفــة ومعرفــة‬
‫أصولــه النظريــة‪ ،‬أمــر ضــروري‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ســس علــى يــد‬ ‫بدايــة‪ ،‬نســتطيع القــول إن االتجــاه الســلفي تأ ّ‬
‫صــل علــى يــد ابــن تيميــة‬‫أحمــد بــن حنبــل (ت‪241.‬هـــ) وتأ ّ‬
‫(ت‪728 .‬هـــ) ثــم جــاء بعــده محمــد عبدالوهــاب (ت‪)1207.‬‬
‫ووضعــه موضــع التطبيــق‪.‬‬

‫إذًا‪ ،‬فالعامــل األســاس لبــروز الفكــر التكفيــري الدينــي فــي‬


‫المتطــرف لفرقــة‬
‫ّ‬ ‫عصرنــا الحاضــر‪ ،‬ليــس هــو الفكــر‬
‫الخــوارج كمــا يحــاول بعــض الوهابييــن تســويقه مــن خــال‬
‫إعــان البــراءة منهــم‪ ،‬بــل هــو آراء وأفــكار ابــن تيميــة‬
‫بالدرجــة األســاس باعتبــاره الملهــم الفكــري األول للجماعــات‬
‫الســلفية وقادتهــا عمو ًمــا‪ ،‬أمثــال مح َّمــد بــن عبدالوهــاب‬
‫(ت‪1207.‬هـــ)‪ ،‬وبعــض قــادة الســلفية المتأخريــن أمثــال ســيد‬
‫قطــب (ت‪1966 .‬م)‪ ،‬وعبــد األعلى المــودودي (ت‪1388 .‬هـ)‪،‬‬
‫ونظرائهــم‪.‬‬

‫ـر فــي ذلك التالزم بيــن تبنّي الفكر الســلفي وظاهرة‬ ‫ولعــل السـ ّ‬
‫التكفيــر أن هــذا الفكــر خلــق الجــو المناســب العتنــاق فكــرة‬
‫قداســة الماضــي ومثاليتــه ممــا يحــول دون كشــف عيــوب‬
‫التــراث أو التجــرؤ علــى رمــوزه وأســانيده‪ ،‬بــل واعتبــار‬
‫ذلــك مســلمات ومعطيــات قطعيــة يُعـ ّد الخــروج عنهــا ونقدهــا‬
‫جــوا خانقــا‬
‫خرو ًجــا عــن اإلســام نفســه‪ .‬كمــا أنهــا تخلــق ً‬
‫للعلــم والفكــر الدينــي بداعــي تلــك القداســة المفتعلــة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫لقــد أدّى المنهــج الســلفي هــذا‪ ،‬إلــى خلــق الكثيــر مــن‬
‫الضــرورات والمشــهورات الدينيّــة التــي ال أصــل لهــا‪ ،‬والتي‬
‫ترتبــت عليهــا أحــكام وآثــار خطيــرة وصلــت إلــى حــد تكفيــر‬
‫منكرهــا‪ ،‬وتجويــز قتلــه‪.‬‬

‫فــإن الســلفية طريقــة فــي التفكيــر تــرى ّ‬


‫أن الديــن‬ ‫ّ‬ ‫وبعــد‪...‬‬
‫الحــق يتمثــل بالعــودة للقــرون الماضيــة‪ ،‬وإعــادة إحيائهــا‪،‬‬
‫واتبــاع بــل وتقديــس منهــج الســلف الصالــح عقيــدةً‪ ،‬وقـ ً‬
‫ـول‪،‬‬
‫وعمـ ًـا والتقيــد بآرائهــم فــي فهــم الديــن‪ ،‬ورفــض االجتهــاد‬
‫ومنــع التأويــل وتقديــم ظاهــر النــص علــى العقــل‪.‬‬

‫ويشــمل الســلف الصالــح ‪ -‬حســب الفهــم الســلفي ‪ -‬الصحابــة‬


‫والتابعيــن وتابعــي التابعيــن مــن أئمــة الحديــث الذيــن عاشــوا‬
‫فيمــا قبــل القــرن الخامــس‪ ،‬وبالتحديــد القرون‪ ،‬الثانــي والثالث‬
‫والرابــع‪ ،‬مســتندين إلــى حديــث الرســول‪( :‬خيــر القــرون‬
‫الثالثــة‪ ،)...‬وأضفــوا عليهــم جميــع الفضائــل‪ ،‬واعتبــروا‬
‫العــودة إليهــم وســلوك نهجهــم كفيــل بح ـ ّل كافــة المشــكالت‬
‫ـرا ومسـ ً‬
‫ـتقبل‪.‬‬ ‫ماضيًــا وحاضـ ً‬

‫لقــد مثَّــل هــذا النهــج المرجعيــة الفكريــة والعقائديــة لجميــع‬


‫التيــارات واالتجاهــات الســلفية و عمــد أصحابــه إلــى تضخيــم‬
‫مرجعيــة الســنة النبويــة علــى حســاب النــص القرآنــي‬
‫واعتمــدوا ظاهــر النــص الدينــي والتعامــل ال َح ْرفــي معــه‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫والجمــود عليــه ورفــض التأويــل واعتمــدوا اعتمــادا مفرطــا‬
‫علــى النقــل‪ ،‬وأقــوال الصحابــة‪ ،‬وذم علــم الــكالم والنهــي‬
‫عنــه‪ ،‬ورفــض التصــوف ونعــت المتصوفة بالضاللــة وابتداع‬
‫الســمع والطاعــة لولــي األمــر‪ ،‬وحرمــة الخــروج علــى‬
‫الســلطان المســلم‪ .‬كمــا أسســوا للتبديــع والتضليــل والتكفيــر‬
‫لعمــوم المســلمين المخالفيــن والخصــوم‪ ،‬و لجــأوا إلــى لغــة‬
‫العنــف‪ ،‬وإرهــاب المخالفيــن‪ ،‬واســتخدموا القــوة فــي نشــر‬
‫عقائدهــم وآراءهــم‪.‬‬

‫بدراســتنا للتــراث الدينــي والفكــري للتيــارات الســلفية يمكننــا‬


‫التوصــل إلــى عــدة أصــول فكريــة ودينيــة مشــتركة‪ ،‬مــن‬
‫عا‪:‬‬
‫أهمهــا وأكثرهــا شــيو ً‬

‫•االعتماد على الظاهر في فهم النصوص القرآنية‪.‬‬

‫ســك‬‫وقــد أحــدث هــذا النهــج تطرفًــا شــديدًا مــن خــال التم ّ‬


‫الحرفــي بظاهــر اآليــات الداعيــة للجهــاد والحــرب والقتــال‪،‬‬
‫فــي وقــت شــرع القتــال باألســاس لــرد ودفــع العــدوان‪ .‬وكــذا‬
‫األمــر بالنســبة آليــات التوحيــد والشــرك حيــث أخــذ بظاهرهــا‬
‫دون اســتنطاق دالالتهــا أو مراعــاة مقاصدهــا‪.‬‬

‫وكان مــن نتائــج اعتبــار العبــادة مــن أصــول توحيــد األلوهيــة‬


‫نشــوء مــا يســمى هيئــة األمــر بالمعــروف و النهــي عــن‬
‫المنكــر‪ ،‬كســلطة تتمتــع بصالحيــات تشــريعية وقضائيــة‬
‫‪10‬‬
‫وتنفيذيــة ومهمــات وظيفيــة كاإلجبــار علــى الصــاة‪ .‬وقــد‬
‫تقلــص كل هــذا فــي الوقــت الحالــي‪ ...‬كمــا قادهــم هــذا النهــج‬
‫وهــذا الجمــود إلــى قولهــم بالتجســيم والتشــبيه فــي موضــوع‬
‫الصفــات اإللهيــة حتــى اعتبرهــا ابــن حــزم األندلســي مدخــا‬
‫لطريــق ينتهــي بالتشــبيه‪ ،‬كمــا هــو الحــال فــي جميــع آيــات‬
‫التشــبيه‪ ،‬والتــي ال يُمكــن حملهــا علــى ظواهرهــا‪ ،‬وإنمــا البـ َّد‬
‫مــن تأويلهــا أو الركــون إلــى القرائــن العقليــة وبيانــات الســنة‬
‫المتيقنــة الثابتــة أو القطعيــة‪.‬‬

‫•تقديــس الماضيــن والتقيّــد بآرائهــم فــي فهــم الديــن‪ ،‬و يــرى‬


‫أن الماضــي هــو األفضــل‪ ،‬ولهــذا ســ ّميت القــرون األولــى‬
‫أنــه قــال‪:‬‬‫ﷺ‬ ‫بالقــرون المفضّلــة‪ .‬حتــى رووا عــن النبــي‬
‫(خيــر النــاس قرنــي‪ ،‬ثــم الذيــن يلونهــم ثــم الذيــن يلونهــم)‪.‬‬

‫فالسـلَف ‪ -‬فــي فهمهــم‪ -‬هــو ديــدن الخلــف وهــو النطــاق الــذي‬


‫ينطلــق الخلــف منــه لمواجهــة الحاضــر وصنــع المســتقبل‬
‫بــل والمحــور الــذي يجــب أن يعــود الحاضــر إليــه‪ ،‬ليتطابــق‬
‫المســتقب ُل مــع الماضــي‪ ،‬ولــذا يــرى ابــن تيميــة بــأن الســلف‬
‫هــم خيــر مــن عــاش فــي القــرون الثالثــة األولى من اإلســام‪،‬‬
‫وهــم أولــى مــن غيرهــم بالبيــان لــكل مشــكلة‪ ،‬وهــم الصحابــة‬
‫والتابعيــن وتابعــي التابعيــن وتابعيهــم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫إن الســلف أنفســهم لــم يكونــوا ينظــرون إلــى مــا يصــدر عنهــم‬ ‫ّ‬
‫مــن أقــوال أو أفعــال أو تصرفات هذه النظرة القدســية الجامدة‬
‫التــي تقتضيهــم أن يس ـ ّمروها بمســامير الخلــود والثبــات‪ ،‬ثــم‬
‫إن حديــث الخيــرة ال يمكــن االحتجــاج بــه فــي إثبــات مســألة‬
‫عقديــة‪ ،‬ألنــه خبــر آحــاد‪.‬‬

‫أدّى هــذا المنهــج إلــى غيــاب أو ضعــف االجتهــاد الكالمــي‬


‫عمو ًمــا‪ ،‬وشــيوع التقليــد األعمــى فــي الديــن‪ ،‬بــل وشــيوع‬
‫التقليــد فــي أصــول الدّيــن‪ ،‬واألخــذ بالروايــات الضعيفــة‬
‫الموجبــة ‪ -‬فــي الكثيــر مــن األحيــان ‪ -‬للتطــرف والتكفيــر‬
‫ضــا‪ ،‬ألن‬
‫لآلخــر المخالــف‪ ،‬وانتشــار البــدع والخرافــات أي ً‬
‫اعتنــاق فكــرة قداســة الماضــي ومثاليتــه يحــول دون كشــف‬
‫عيــوب ذلــك التــراث الدينــي أو التجــرؤ علــى رمــوزه‬
‫وأســانيده‪ ،‬بــل واعتبارهــا مســلمات ومعطيــات يعــد الخــروج‬
‫عنهــا ونقدهــا خرو ًجــا عــن اإلســام نفســه‪.‬‬

‫كمــا أدّى إلــى ابتــداع الكثيــر مــن الضــرورات والمشــهورات‬


‫الدينيّــة التــي ال أصــل لهــا‪ ،‬والتــي ترتــب عليهــا أحــكام‬
‫وآثــار خطيــرة قــد تصــل إلــى حــد تكفيــر منكرهــا‪ ،‬وتجويــز‬
‫قتلــه‪ .‬ومــن صــور ذلــك اعتبــار االعتقــاد بعــدم عدالــة بعــض‬
‫الصحابــة‪ ،‬مــن أنــواع الكفــر الصريــح‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫إن التقليــد األعمــى للســلف والقدمــاء كان الس ـ ّد المنیــع أمــام‬ ‫ّ‬
‫قبــول دعــوات األنبيــاء واألوليــاء والمصلحيــن‪ ،‬واآليــات فــي‬
‫ذلــك كثيــرة ومنهــا‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬
‫ون أَن تَ ُص ُّدونا ع َّما كان َيع ُب ُد َءابَاؤنا فأتونا ب ُسل َطٰن ُّ‬
‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٓ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫ين﴾‬ ‫ٖ ِ ٖ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫﴿ت ِريد‬
‫ِيم ‪10‬‬ ‫ورةُ إبۡ َراه َ‬ ‫ُ َ‬
‫س ِ‬
‫ك تَأۡ ُم ُر َك أَن َّن ۡت ُر َك َما َي ۡع ُب ُد َءابَا ٓ ُؤنَا ٓ أَوۡ‬ ‫َ ُ ْ َٰ ُ َ ۡ ُ َ َ َ ٰ ُ َ‬
‫و ﴿قالوا يشعيب أصلوت‬
‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ٰٓ ُ ۖ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ۡ َ َ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أن نفعل فِي أمول ِنا ما نشؤا إِنك لأنت ٱلحل ِيم ٱلرشِيد﴾‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫ٓ‬
‫ورةُ ُهو ٍد ‪87‬‬ ‫ُس َ‬

‫والتاريــخ یعیــد نفســه فبعــد أن کان التقليــد األعمــى مانعًــا‬


‫(فيمــا مضــى) التبــاع وقبــول األديــان الســماوية أصبــح اآلن‬
‫مانعًــا لفهمهــا فه ًمــا صحي ًحــا‪.‬‬
‫تقديــم ظاهــر النــص علــى العقــل‪ ،‬ورفــض الـــتأويل‪ ،‬بــل‬
‫وحتــى رفــض وجــود المجــاز فــي القــرآن‪ ،‬والالعقالنيــة فــي‬
‫فهــم النــص الدينــي عمو ًمــا‪ ،‬وهــذه ســمة بــارزة فــي الفكــر‬
‫الســلفي عمو ًمــا‪ ،‬إذ يُالحــظ أن لديهــم قلقًــا منهجيًــا ومعرفيًّــا‬
‫مهيمنًــا حــول أصالــة العقــل‪ ،‬أو أصالــة النــص‪ ،‬وكيفيــة‬
‫التوفيــق والجمــع بينهمــا‪ ،‬فهــل العقــل فــي خدمــة النــص‪ ،‬أم‬
‫البــد أن يخضــع العقــل للنــص‪ ،‬ويُفهــم فــي ضــوء معطياتــه‬
‫القطعيــة؟ انقســم المســلمون ‪ -‬سـنّة وشــيعة ‪ -‬حــول المصــدر‬
‫األســاس لمعــارف اإلســام وأحكامــه‪ ،‬بيــن مــن يقــول إن‬
‫القــرآن والســنة همــا مصــدر التشــريع واتجــاه آخــر يقــول‬
‫بالقــرآن دون الســنة‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫ومنهــم مــن اكتفــى بظاهــر اآليــات غیــر مبــال بأخواتهــا مــن‬
‫اآليــات ومــن ســیاقها ومدالیلهــا وقرائنهــا العقليــة وغيرهــا‪،‬‬
‫ومنهــم مــن اشــترط ذلــك وتحــرى المقاصــد والمداليــل‬
‫والقرائــن‪ ،‬فــكان المنحــى األول هــو الزلــة األولــى للخــروج‬
‫عــن الفهــم الصحيــح والدخــول في حيــز الفهم الخاطــئ لآليات‬
‫القرآنيــة‪ ،‬والقائــم علــى عـدّة أصــول يجمعهــا أو تجتمــع عنــد‬
‫ـص‪،‬‬‫أصــل متيــن عندهــم‪ ،‬وهــو الوقــوف علــى ظواهــر النـ ّ‬
‫وأن مخالفتــه موجبــة للكفــر والضــال‪.‬‬ ‫وعــدم تعدّيــه مطلقًــا‪َّ ،‬‬

‫•الفهــم المباشــر للنــص (منهــج االتبــاع)‪ :‬إن الســلفية عمو ًما‬


‫تــرى وجــوب الرجــوع المباشــر للنــص الدينــي‪ .‬ومنشــأ هــذا‬
‫األصــل عندهــم هــو فتــح بــاب االجتهــاد مــن قبــل ابــن تيميــة‬
‫شــكليًا ولــكل مســلم مــن خــال التزامــه بضــرورة الرجــوع‬
‫إلــى القــرآن والســنة وســيرة المســلمين األوائــل بشــكل‬
‫مباشــر‪ ،‬وتحريمــه التقليــد فــي الديــن بدعــوى عــدم الحاجــة‬
‫إلــى الوســائط ورؤســاء المذاهــب‪ ،‬وزعــم أن االجتهــاد مــن‬
‫دون اعتمــاد فهــم الســلف للديــن هــو مــن الضــال المحــض‪.‬‬
‫وفــي الحقيقــة فــإن عمليــة الفهــم للنــص الدينــي فــي ضــوء‬
‫فهــم الســلف هــي فــي حقيقتهــا اتبــاع لقــراءة الســلف للنــص‬
‫الدينــي‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫وقــد نتــج عــن هــذا الرجــوع إلــى الماضــي ‪ -‬ومــن دون‬
‫اعتمــاد قواعــد نظريــة واضحــة تحكم عمليــة الفهم والتفســير‪-‬‬
‫نــوع مــن الفوضــى العارمــة ممــا فســح ويفســح المجــال أيضــا‬
‫لشــيوع الفهــم غيــر المنهجــي بــل االلتــزام ال َح ْرفــي بأدلــة‬
‫الشــرع بعيـدًا عــن مقاصــد الشــارع األمــر الــذي بــدوره‪ ،‬أدّى‬
‫إلــى توالــد العنــف والتطــرف الدينــي واإلرهــاب الدمــوي مــع‬
‫اآلخــر المختلــف‪ .‬أضــف إلــى ذلــك‪ ،‬أن وجــود هــذا الفاصــل‬
‫الزمنــي الكبيــر عــن عصــر النــص‪ ،‬و بــروز الكثيــر مــن‬
‫األســئلة العقليــة والشــبهات المختلفــة‪ ،‬أوصــل إلــى الجمــود‬
‫الفكــري‪ ،‬وإلــى الفهــم الســطحي لآليــات والمعــارف القرآنيــة‬
‫نتيجــة حصــر دائــرة الفهــم بالمفــردات والــذي هــو فــي واقــع‬
‫األمــر س ـ ّد لطريــق فهــم مــراد اللــه تعالــى ومقاصــده‪.‬‬

‫إن غلــق بــاب االجتهــاد واعتمــاد منهــج النقــل واالتبــاع لفهــم‬ ‫ّ‬
‫الســلف الصالــح جعــل الديــن بمعظمــه قائ ًمــا علــى الروايــة‬
‫والحديــث ممــا ســيقود حت ًمــا إلــى تقييــد فهــم القــرآن مــن جهــة‬
‫الزمــان والمــكان وبالتالــي تجاهــل مصلحــة المجتمعــات‬
‫المتغيــرة والتــي جــاء القــرآن لعــاج أوضاعهــا ومشــاكلها‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫في تعريف المصطلحات‬

‫حسب المنهج‬
‫الكالسيكي المعروف‬
‫ً‬
‫تاريخيا‬
‫تعريفــات لمصطلحــات البــد مــن عرضهــا‪ ،‬وبالتالــي ليكــون‬
‫أمــر التــداول فيهــا واض ًحــا حيــن نتعــرض لهــا بالنقــد فيمــا‬
‫بعــد‪ .‬وهــي تعريفــات كالســيكية امتــأت بهــا كتــب التــراث‬
‫اإلســامي ودارت حولهــا رحــى حــرب كالميــة عظيمــة‬
‫الشــأن‪.‬‬

‫ُّ‬
‫السنة‬
‫هــي مــا صــدر عــن النبــي عليــه الصــاة والســام مــن قــول‬
‫أو فعــل أو تقريــر ممــا يــراد بــه التشــريع‪ ،‬فيخــرج بذلــك‬
‫والجبليــة التــي ال دخــل لهــا‬
‫مــا صــدر مــن األمــور الدنيويــة ِ‬
‫باألمــور الدينيــة‪ ،‬وال صلــة لهــا بالوحــي‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫وهــي بمعناهــا العــام عنــد المحدثيــن تشــمل الواجــب‬
‫ـص بالمنــدوب ومــا‬
‫والمنــدوب‪ .‬وفــي اصطــاح الفقهــاء تختـ ّ‬
‫دون الواجــب‪ .‬ثــم هــي كل مــا أثــر عــن النبــي صلــى اللــه‬
‫عليــه وســلم غيــر القــرآن الكريــم‪ ،‬مــن قــول‪ ،‬أو فعــل‪ ،‬أو‬
‫ً‬
‫دليــا لحكــم شــرعي‪.‬‬ ‫تقريــر‪ ،‬ممــا يصلــح أن يكــون‬

‫وأمــا القــول‪ ،‬فهــو أحاديثــه صلــى اللــه عليــه وســلم التــي‬


‫قالهــا فــي مختلــف األغــراض والمناســبات‪ ،‬يترتــب عليــه‬
‫حكــم شــرعي‪.‬‬

‫ســنّة عنــد البعــض‪ ،‬الصفــات الخَلقيّــة أو‬ ‫كمــا يُقصــ َد بال ُ‬


‫ال ُخلقيّــة‪ ،‬و أنّهــا مــا يُقابــل الفــرض أو الواجــب مــن أمــور‬
‫ي عليـ ِه الصــاة والســام كانَ‬ ‫ُمســتحبّة أو مندوبــة أي َّ‬
‫أن النبـ َّ‬
‫يفعـ ُل هــذ ِه األمــور علــى ســبيل التحبّــب والنــدب لهــا‪ ،‬وليـ َ‬
‫ـس‬
‫علــى ســبيل الفــرض واإللــزام‪.‬‬

‫وقســمها آخــرون إلــى‪ :‬الســنة الواقعيــة التــي تســمعها أوتراهــا‬


‫بعينــك‪ .‬والســنة الحاكيــة وهــي ســنة احتماليــة‪ ،‬وهــي المتمثلــة‬
‫بـــ (فــان عــن فــان وقيــل وقالــوا) وهــي روايــة أو خبــر‬
‫يــروى‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫الحديث‬
‫هــو فــي اللغــة‪ ،‬الــكالم الــذي يتحــدث بــه‪ ،‬وينقــل بالصــوت‬
‫والكتابــة‪.‬‬
‫وفــي االصطــاح‪ ،‬هــو مــرادف للسـنّة عنــد جمهــور العلمــاء‬
‫وذهــب قــوم إلــى اختصاصــه بمــا صــدر عــن النبــي صلــى‬
‫اللــه عليــه وســلم مــن قــول دون الفعــل والتقريــر‪.‬‬

‫الخبر‬
‫فهــو لغــة مــرادف للحديــث فهمــا يــدالن علــى شــيء واحــد‬
‫ولكــن شــاع بيــن كثيــر مــن العلمــاء تخصيــص الحديــث بمــا‬
‫صــدر عنــه صلــى اللــه عليــه وســلم وجعــل الخبــر أعـ ّم منــه‪،‬‬
‫بــأن يشــمل مــا صــدر عنــه ومــا صــدر عــن غيــره‪ ،‬فبينهمــا‬
‫عمــوم وخصــوص فــكل حديــث خبــر وليــس كل خبــر حديثــا‬
‫ولذلــك ســ ّمي المشــتغل بالســنّة محدثًــا والمشــتغل بالتاريــخ‬
‫وأخبــار النــاس إخباريًــا وذهــب بعضهــم إلــى جعــل الخبــر‬
‫مرادفًــا للحديــث والس ـنّة‪.‬‬

‫األثر‬
‫هــو المنقــول عــن الســابقين فيكــون كالخبــر يشــمل فــي أصلــه‬
‫مــا صــدر عــن النبــي صلــى اللــه عليــه وســلم ومــا صــدر‬
‫عــن غيــره‪ ،‬وبعضهــم اصطلــح علــى تخصيصــه بمــا صــدر‬
‫عــن الســلف مــن الصحابــة والتابعيــن وأتباعهــم‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫السند‬
‫هــو الطريــق الموصــل إلــى المتــن‪ ،‬أي الــرواة الذيــن نقلــوا‬
‫المتــن وأدّوه‪ ،‬ابتــدا ًءا مــن الــراوي المتأخر وانتها ًءا بالرســول‬
‫صلــى اللــه عليــه وســلم‪.‬‬

‫المتن‬
‫هــو ألفــاظ الحديــث التــي تقــوم بهــا المعانــي‪ ،‬وقــد امتنــع‬
‫العلمــاء عــن قبــول أي حديــث مــا لــم يكــن لــه ســند (إســناد)‬
‫وذلــك بســبب انتشــار الكــذب علــى النبــي صلــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪.‬‬

‫الحديث المتواتر وحديث اآلحاد‬


‫الحديــث المتواتــر فــي اصطــاح علــم الحديــث يعنــي الحديــث‬
‫ﷺ‬
‫بحـ ٍ ّد مــن الكثــرة‬ ‫الــذي بلغــت سلســلة رواتــه إلــى النبــي‬
‫فــي جميــع الطبقــات‪ ،‬بحيــث يمتنــع عــادة تواطؤهــم علــى‬
‫الكــذب فــي نســبة الحديــث إليــه فهــذا الخبــر يوجــب العلــم‬
‫واليقيــن بصــدور الحديــث‪ .‬ويقابلــه خبــر اآلحــاد وهــو‬
‫الحديــث الــذي لــم يصــل إلــى حــد التواتــر‪ .‬والتواتــر علــى‬
‫نوعيــن‪ :‬التواتــر اللفظــي والتواتــر المعنــوي‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫التواتر اللفظي‬
‫مــا إذا اتّحــدت ألفــاظ المخبريــن فــي خبرهم‪ ،‬وبعبــارة أخرى‪:‬‬
‫التواتــر اللفظــي هــو اتفــاق الناقليــن الذيــن يمتنــع اجتماعهــم‬
‫علــى الكــذب عــادة فــي نقــل ألفــاظ الخبــر وعباراتــه‪ ،‬كتواتــر‬
‫نقلهــم (إنمــا األعمــال بالنيّــات) أو قولــه (صلّوا كمــا رأيتموني‬
‫أصلي)‪.‬‬

‫التواتر المعنوي‬
‫وهــو اتفاقهــم علــى نقــل مضمــون واحــد وإن اختلفــوا فــي‬
‫نقــل األلفــاظ‪ ،‬ســواء كانــت داللــة ألفاظهــم علــى المضمــون‬
‫بالمطابقــة أو بالتضمــن أو بااللتــزام‪.‬‬

‫ســا بالتواتر‬
‫والتواتــر المعنــوي هــو أكثــر األنــواع المتواتــر قيا ً‬
‫وإن غالــب المعــارف الدينيــة وجــزاء العبــادات قــد‬ ‫اللفظــي ّ‬
‫نقلــت لنــا مــن خــال هــذا النــوع مــن التواتــر كعــدد الركعــات‬
‫ومبطــات الصيــام‪ .‬وأركان الحــج والــزكاة و‪...‬‬

‫‪21‬‬
‫الكتابة‬
‫قــال فــي اللســان‪( :‬كتــب الشــيء كتْبًــا وكتابًــا وكتابــة وكتبــه‬
‫َطــه فكتابــة الشــيء ّ‬
‫خطــه)‪.‬‬ ‫خ َّ‬

‫التدوين‬
‫(ودونــه‬
‫ّ‬ ‫قــال فــي اللســان‪( :‬والديــوان مجتمــع الصحــف)‪.‬‬
‫تدوينًــا جمعَــه‪ ،‬وعليــه فالتدويــن هــو جمــع الصحــف المشــتتة‬
‫فــي ديــوان ليحفظهــا)‪.‬‬

‫التصنيف‬
‫قــال فــي اللســان‪ :‬والتصنيــف تمييــز األشــياء بعضهــا مــن‬
‫بعــض‪ ،‬وصنّــف الشــيء ميّــز بعضــه مــن بعــض‪ ،‬وتصنيــف‬
‫الشــيء جعلــه أصنافًــا‪ .‬وعليــه فالتصنيــف تمييــز الجزئيــات‪،‬‬
‫كأن يميــز المصنّــف الصــواب مــن الخطــأ واألهــم مــن المهم‪.‬‬
‫وهــذا تعريــف موجــز للكتابــة والتدويــن والتصنيــف يتضــح‬
‫منــه الفــرق بيــن ك ٍّل منهــا‪.‬‬

‫بنــا ًءا علــى مــا تقــدم‪ ،‬فالقــول إن الســنّة د ُّونــت فــي نهايــة‬
‫القــرن األول‪ ،‬ال يســتفاد منــه أنهــا لــم تُكــن مكتوبــة فيمــا‬
‫ســبق‪ ،‬بــل يفيــد أنهــا كانــت مكتوبــة لكنهــا لــم تصــل إلــى‬
‫درجــة التدويــن‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫مظاهر وإشكاالت الروايات‬

‫في كتابة وجمع القرآن‬


‫إن الروايــات الكثيــرة التــي خــاض فيهــا الســلف وقدّمــوا‬ ‫ّ‬
‫أجوبتهــم عنهــا فــي حــدود المــوروث القديــم‪ ،‬والمرتبــط‬
‫بزمانهــم الثقافــي واالجتماعــي والحضــاري العــام‪ ،‬يقع خارج‬
‫نطــاق زماننــا المطبــوع بــروح التجريد فــي البحــث‪ ،‬والتحفظ‬
‫والشــك فــي المواطــن التــي وجــدوا فيهــا ثقــة واطمئنانــا‪.‬‬

‫أن مــا ترويــه كتبهــم حــول مســألة جمــع القــرآن‬ ‫والحقيقــة ّ‬


‫ﷺ‬ ‫يطــرح ع ـدّة إشــكاالت‪ ،‬ليــس فقــط حــول رحيــل النبــي‬
‫دون جمــع كتابــه و حــول مســألة حفــظ القــرآن وصيانتــه‪،‬‬
‫ضــا علــى مســتوى عقيــدة اإلعجــاز اللفظــي‬ ‫وإنمــا أي ً‬
‫والبالغــي للقــرآن‪ ،‬وعدالــة الصحابــة والتابعيــن‪ ،‬والمحدثيــن‬
‫والمفســرين‪ ،‬ممــا خلّــف تراثًــا متور ًمــا اختلــط فيــه حابــل‬
‫الروايــات بنابــل العنعنــة و القيــل والقــال‪ ،‬ولــم يســلم‪ ،‬حتــى‬
‫القــرآن الــذي بيــن أيدينــا ‪ -‬الــذي نؤمــن بأنه كالم اللــه الموحى‬

‫‪23‬‬
‫بــه للنبــي ‪ -‬لــم يســلم مــن تنــازع تلــك الروايــات وال حتــى‬
‫ســلم ممــا نســبته لــه‪ .‬وســوف نعــرض فيمــا يلــي‬ ‫ﷺ‬ ‫النبــي‬
‫لتلــك الروايــات والنصــوص التــي أوردهــا المفســرون وأهــل‬
‫الحديــث وغيرهــم حــول مســألة جمــع القــرآن ونعقــب عليهــا‬
‫بمــا تســتحق‪.‬‬

‫إشكاالت الجمع األول‬


‫تعـدّد الروايــات‪ ،‬تــكاد تجمــع الروايــات والعنعنــات فــي هــذا‬
‫كان إذا نزلــت عليــه اآليــة أو‬ ‫ﷺ‬ ‫الشــأن علــى ّ‬
‫أن النبــي‬
‫اآليــات مــن القــرآن‪ ،‬يقرأهــا علــى مــن حضــر مــن أصحابــه‬
‫قرؤونهــا غيرهــم ممــن غابــوا‪ .‬ثــم يعمــدون‬ ‫فيحفظونهــا ويُ ِ‬
‫إلــى كتابتهــا علــى المــواد واألدوات المتوافــرة فــي ذلــك‬
‫العصــر‪ :‬كالرقــاع‪ ،‬واللخــاف‪ ،‬والعســب‪ ،‬وقطــع األديــم‪،‬‬
‫وعظــام األكتــاف والضلــوع وغيرهــا‪ ...‬ول ّمــا قبــض النبــي‬
‫لــم يكــن القــرآن قــد جمــع فــي موضــع واحــد‪ ،‬ولــم‬ ‫ﷺ‬
‫يكــن مرتــب الســور كمــا هــو اليــوم‪ ،‬وإنمــا بقــي مفرقًــا فــي‬
‫الصحــف والرقــاع وصــدور الصحابــة‪.‬‬

‫أن ّأول مــن جمــع‬‫وتــكاد تتطابــق معظــم تلــك الروايــات علــى ّ‬


‫القــرآن الخليفــة األول أبوبكــر بطلــب مــن الخليفــة الثانــي‬
‫عمــر‪ ،‬وذلــك اســتنادًا إلــى مــا رواه البخــاري فــي صحيحــه‬
‫‪ -‬بــاب جمــع القــرآن‪ -‬تقــول الروايــة التــي يرويهــا زيــد بــن‬

‫‪24‬‬
‫إن أبــا بكــر بعــث إليــه عقــب‬ ‫ثابــت أبــرز كتــاب الوحــي‪ّ ،‬‬
‫وقعــة اليمامــة التــي مــات فيهــا كثيــر مــن القــراء وطلــب إليــه‬
‫أن يتتبــع القــرآن ويجمعــه‪ ،‬مخافــة أن يضيــع منــه الشــيء‬
‫الكثيــر‪ .‬يقــول زيــد‪" :‬فتتبعــت القــرآن أجمعــه مــن العســب‬
‫واللخــاف وصــدور الرجــال حتــى وجــدت آخــر ســورة التوبــة‬
‫مــع أبــي خزيمــة األنصــاري لــم أجدهــا مــع أحــد غيــره‪ .‬ثــم‬
‫قــال‪ ،‬فكانــت الصحــف عنــد أبــي بكــر حتــى توفــاه اللــه‪ ،‬ثــم‬
‫عنــد عمــر‪ ،‬ثــم عنــد حفصــة بنــت عمــر‪.‬‬

‫أن هنــاك بعــض الروايــات تشــير إلــى ّ‬


‫أن عليًــا كان ّأول‬ ‫كمــا ّ‬
‫مــن تص ـدّى لهــذا األمــر‪ ،‬وممــا يســتد ّل بــه علــى ذلــك مــا‬
‫أخرجــه ابــن أبــي داوود فــي المصاحــف مــن طريــق ابــن‬
‫ي‪" :‬ل ّمــا مــات رســول اللــه صلــى اللــه‬
‫ســيرين‪ ،‬قــال‪ :‬قــال علـ ّ‬
‫ي ردائــي إال لصــاة جمعــة‬ ‫عليــه وســلم آليــت أن ال آخــذ علَـ ّ‬
‫حتــى أجمــع القــرآن فجمعتــه"‪.‬‬

‫أن عمــر كان ّأول مــن بــادر‬ ‫وتشــير روايــات أخــرى إلــى ّ‬
‫بنفســه إلــى ذلــك‪ .‬كمــا فــي روايــة أبــي داوود ّ‬
‫أن عمــر ســأل‬
‫عــن آيــة مــن كتــاب اللــه‪ ،‬فقيــل‪ :‬كانــت مــع فــان قتــل يــوم‬
‫اليمامــة‪ .‬فقــال‪ :‬إنــا للــه‪ ،‬وأمــر بجمــع القــرآن‪ ،‬فــكان ّأول مــن‬
‫جمعــه فــي المصحــف‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫وفــي روايــة يذكرهــا الســيوطي فــي اإلتقــان عــن ابــن بريــدة‬
‫أنــه قــال‪ّ :‬أول مــن جمــع القــرآن فــي مصحــف‪ ،‬ســالم مولــى‬
‫أبــي حذيفــة‪.‬‬

‫كمــا تذكــر بعــض تلــك الروايــات أنهــم كانــوا يشــترطون‬


‫أثنــاء عمليــة الجمــع‪ ،‬علــى مــن يأتــي بشــيء مــن القــرآن أن‬
‫يشــهد معــه شــاهدان علــى أنــه مــن القــرآن‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫إشكاالت الجمع الثاني‬
‫فــي ســرد البخــاري لوقائــع الجمــع الثانــي للقــرآن زمــن‬
‫"أن حذيفــة بــن اليمــان قــدم علــى عثمــان وكان‬ ‫عثمــان‪ّ ،‬‬
‫يشــارك فــي غــزو أهــل الشــام فــي فتــح أرمينيــة وأذربيجــان‬
‫مــع أهــل العــراق‪ ،‬فأفــزع حذيفــة اختالفهــم فــي القــراءة‪،‬‬
‫فقــال لعثمــان‪ :‬أدرك األمــة قبــل أن يختلفــوا (فــي القــرآن)‬
‫اختــاف اليهــود والنصــارى‪ ،‬فأرســل إلــى حفصــة يطلــب‬
‫منهــا إرســال الصحــف التــي جمعــت أيــام أبــي بكــر لنســخها‬
‫فــي المصاحــف‪ ،‬فأرســلت بهــا إليــه‪ ،‬فأمــر زيــد بــن ثابــت‬
‫وعبــد اللــه بــن الزبيــر وســعيد بــن العــاص وعبــد الرحمــن‬
‫بــن الحــارث بــن هشــام فنســخوها فــي المصاحــف"‪.‬‬
‫وتضيــف الروايــة أنهــم عندمــا فرغــوا مــن نســخ الصحــف‬
‫فــي المصاحــف رد عثمــان الصحــف إلــى حفصــة‪ ،‬وأرســل‬
‫إلــى كل أفــق بمصحــف ممــا نســخوا‪ ،‬وأمــر بمــا ســواه مــن‬
‫القــرآن فــي كل صحيفــة أو مصحــف أن يحــرق‪ .‬وقــد سـ ّمي‬
‫المصحــف آنــذاك بالمصحــف اإلمــام‪ .‬قــال زيــد ففقــدت آيــة‬
‫مــن األحــزاب حيــن نســخنا المصحــف قــد كنت أســمع رســول‬
‫اللــه صلــى اللــه عليــه وســلّم يقــرأ بهــا‪ ،‬فالتمســناها فوجدناهــا‬
‫مــع خزيمــة بــن ثابــت األنصــاري‬
‫ّ َ ۡ ُ ۡ َ َ ‪َۡ َ َ َّ ْ ُ َ ٰ َ َ ْ ُ َ َ ٞ‬‬
‫﴿مِن ٱلمؤ ِمن ِين رِجال صدقوا ما عهدوا ٱلل عليهِۖ﴾‬
‫اب ‪23‬‬ ‫ُ َُ َۡ َ‬
‫سورة الأحز ِ‬
‫فألحقناها في سورتها في المصحف‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫إن القــرآن لــم ينــزل‬‫وتقــول روايــات أخــرى‪ّ ،‬‬
‫كتابًــا مكتوبًــا وإنمــا أنــزل مفرقًــا ومنج ًمــا‬
‫(وقرآنــا فرقنــاه لتقــرأه علــى النــاس علــى‬
‫لــم‬‫ﷺ‬ ‫مكــث ونزلنــاه تنزيــا) ّ‬
‫وإن النبــي‬
‫يأمــر بجمعــه فــي مصحــف جامــع‪ ،‬كمــا‬
‫يــد ّل عليــه قــول أبــي بكــر حيــن طلــب إليــه‬
‫ـرا لــم يفعلــه‬
‫عمــر جمعــه فقــال كيــف أفعــل أمـ ً‬
‫ﷺ‬
‫‪ ،‬فلــم يــزل بــه عمــر حتــى أقنعــه‬ ‫الرســول‬
‫بضــرورة جمعــه خوفًــا مــن وقــوع التحريــف‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫إشكاالت فروقات المصاحف‬
‫ذكــر السجســتانى فــي كتابــه المصاحــف (دار الكتــب العلميــة‬
‫‪ -‬بيــروت – لبنــان‪ -‬عــام ‪ّ )1985‬‬
‫أن الخليفــة الثالــث عثمــان‬
‫بــن عفــان أحــرق العديــد مــن المصاحــف التــي كتبهــا بعــض‬
‫أن يكــون (مصحفــه) هــو‬ ‫ـر علــى ْ‬
‫أصحــاب النبــي‪ ،‬ألنــه أصـ ّ‬
‫النســخة (الوحيــدة – ال ُمـوحـّـــدة) وهــذا يدل على تدخل البشــر‬
‫فــي كتابــة آيــات القــرآن‪ ،‬ورغــم ذلــك اكتشــف اآلثاريــون‬
‫عــدة مصاحــف مــن بيــن المصاحــف التــي اعتــرض عثمــان‬
‫عليهــا ومــن بينهــا‪:‬‬

‫•مصحف حفصة زوج النبي ﷺ‬


‫•مصحف عبيد بن عمير الليثي‬

‫•مصحف عطاء بن أبي رباح‬

‫•مصحف عكرمة‬

‫•مصحف سعيد بن جبير‬

‫‪29‬‬
‫مصحف حفصة‬
‫زوج النبي ﷺ‬
‫أمــرت مولــى لهــا‬ ‫ْ‬ ‫أن حفصــة‬ ‫عــن ســالم بــن عبــد اللــه ّ‬
‫بلغــت هــذه اآليــة‬ ‫َ‬ ‫أن يكتــب لهــا مصحفـًــا وقالــت‪ :‬إذا‬ ‫ْ‬
‫َ ُ ْ َ َ َّ َ َ َ َّ َ ۡ‬
‫الب َق َرة ِ ‪238‬‬
‫ورةُ َ‬ ‫ٱلصل ٰوة ِ ٱل ُو ۡس َط ٰ‬
‫ىى﴾ ُس َ‬ ‫تو‬ ‫﴿حٰفِظوا على ٱلصلو ٰ ِ‬

‫فأذني فلما بلغ قالت اكتب‬


‫(حافظوا على الصلوات والصالة الوسطى وصالة العصر)‬

‫مصحف عبيد‬
‫بن عمير الليثي‬
‫عــن عمــرو بــن دينــار قــال‪ :‬ســمعتُ عبيــد بــن عميــر يقــول‪:‬‬
‫ُ َ ََۡ‬
‫ـورةُ الأعلــ ٰى‪ .‬وعــن اآليــة رقــم ‪1‬‬
‫أول مــا نــزل مــن القــرآن سـ‬
‫واآليــة رقــم ‪ 2‬منهــا‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ّ ۡ َ َّ َ ََۡۡ‬
‫﴿سبِحِ ٱسم ربِك ٱلأعلى ‪ ١‬ٱلذِي خلق﴾‬
‫بينما هي في مصحف عبيد بن عمير‬
‫َ ََ‬ ‫َ ّ ۡ َ َ ّ َ ۡ َ ۡ َ َّ‬
‫﴿سبِحِ ٱسم ربِك ٱلأعلى ٱلذِي خلقك﴾‬

‫وهنا يجب مالحظة الفرق بين النصيْن‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫مصحف عطاء بن‬
‫أبي رباح‬
‫ذكــر ابــن حجــر فــي كتابــه (تهذيــب التهذيــب) بعــض‬
‫التفاصيــل عــن أبــى نخــراء عــن فــان عــن طلحــة ّ‬
‫أن عطــاء‬
‫خوفكــم أوليــاءه) بينمــا هــي في المصحــف الحالي‬
‫كان يقــرأ (يُ ّ‬
‫َُ ُ‬
‫﴿يخ ّوِف﴾ آل عمران ‪175‬‬
‫َُ ُ‬
‫وليس ﴿يخ ّوِفكم﴾‪.‬‬

‫مصحف عكرمة‬
‫حديرأن عكرمة كان يقرأ‬ ‫ّ‬ ‫وعن عمران بن‬
‫ُ َ‬
‫ِين يُ ِط ّوقون ُهۥ﴾ بينما هي في المصحف الحالي‬ ‫﴿وعَلَى ٱلَّذ َ‬
‫َ‬
‫َ َ َ َّ َ ُ ُ‬
‫يقونَ ُهۥ﴾ ُس َ‬
‫الب َق َرة ِ ‪184‬‬
‫ورةُ َ‬ ‫﴿وعلى ٱلذِين ي ِط‬
‫طوقونه)‬‫أن عكرمــة غيّــر فــي كلمــة (يُطيقونــه) فقرأهــا (يُ ّ‬ ‫أي ّ‬
‫وطبعًــا الفــرق واضــح بيــن الكلمت ْيــن فــي المعنــى‪ .‬وهــذه اآلية‬
‫ـرض لها‪.‬‬‫يتحاشــى األصوليــون التعـ ّ‬

‫‪31‬‬
‫مصحف سعيد بن جبير‬
‫أن سعيد بن جبير كان يقرأ‬ ‫عن فالن عن فالن ّ‬
‫ُ َ‬
‫ِين يُ ِط ّوقون ُهۥ﴾ بينما هي في مصحف عثمان‬ ‫﴿وعَلَى ٱلَّذ َ‬
‫َ‬
‫َ َ َ َّ َ ُ ُ‬
‫يقونَ ُهۥ﴾ ُس َ‬
‫الب َق َرة ِ ‪١٨٤‬‬
‫ورةُ َ‬ ‫﴿وعلى ٱلذِين ي ِط‬
‫ضــا ‪ -‬مقتــل‬ ‫أضــف إلــى كل هــذا ‪ -‬وحســب الروايــات أي ً‬
‫القــراء‪ ،‬الذيــن كان مــع ك ّل منهــم‬
‫ّ‬ ‫ســبعين مــن الصحابــة‬
‫مقــدار مــن القــرآن فــي غــزوة بئــر معونــة‪ ،‬ومثــل هــذا العــدد‬
‫قضــوا يــوم اليمامــة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫شبهات نقص القرآن‬

‫سورة األحزاب تعدل‬


‫سورة البقرة‬
‫مــن ذلــك مــا رواه الســيوطي فــي اإلتقــان وغيــره عــن عائشــة‬
‫قالــت‪ :‬كانــت ســورة األحــزاب تقــرأ فــي زمــن النبــي صلــى‬
‫اللــه عليــه وســلم مائتــي آيــة‪ ،‬فلمــا كتــب عثمــان المصاحــف‬
‫لــم نقــدر منهــا إال مــا هــو اآلن (‪ 73‬آيــة)‪.‬‬

‫ي بن كعــب‪ :‬كم تع ّد ســورة‬ ‫و عــن زر بــن حبيــش‪ :‬قــال لــي أبـ ّ‬


‫األحــزاب؟ قلــت‪ :‬اثنتيــن وســبعين آيــة أو ثالثــة وســبعين آيــة‪،‬‬
‫ُ َُ ََ‬
‫البقـ َـرِة‪ْ ،‬‬
‫وإن كنّــا لنقــرأ فيهــا آيــة‬ ‫قــال‪ :‬إن كانــت لتعــدل ســورة‬
‫الرجــم‪ .‬قلــت‪ :‬ومــا آيــة الرجــم قــال‪ :‬إذا زنــا الشــيخ والشــيخة‬
‫ـكال مــن اللــه واللــه عزيــز حكيــم‪ .‬وقــد‬ ‫فارجموهمــا البتــة نـ ً‬
‫ص ّححــه ابــن حــزم فــي المحلــى‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ي أبــي وهــو‬‫وعــن حميــدة بنــت أبــي يونــس قالــت‪ :‬قــرأ عل ـ َّ‬
‫إن اللــه ومالئكتــه‬‫ابــن ثمانيــن ســنة فــي مصحــف عائشــة‪ّ :‬‬
‫يصلّــون علــى النبــي‪ ،‬يــا أيّهــا الذيــن آمنــوا صلّــوا عليــه‬
‫وســلّموا تســليما‪ ،‬وعلــى الذيــن يصلّــون الصفــوف األولــى‪.‬‬
‫قالــت‪ :‬قبــل أن يغيــر عثمــان المصاحــف‪.‬‬

‫ي بــن كعــب قــال‪:‬‬ ‫وأخــرج الحاكــم فــي المســتدرك عــن أب ـ ّ‬


‫إن اللــه أمرنــي‬‫قــال لــي رســول اللــه صلّــى اللــه عليــه وســلّم ّ‬
‫أن أقــرأ عليــك القــرآن‪ ،‬فقــرأ (لــم يكــن الذيــن كفــروا مــن‬ ‫ْ‬
‫أن ابــن آدم ســأل‬ ‫أهــل الكتــاب والمشــركين ومــن بقيتهــا‪ :‬لــو ّ‬
‫واديًــا مــن مــال فأعطيــه ســأل ثانيـاً‪ْ ،‬‬
‫وإن ســأل ثانيًــا فأعطيــه‬
‫وســأل ثالثًــا فأعطيــه‪ ،‬وال يمــأ جــوف ابــن آدم إال التــراب‪،‬‬
‫ويتــوب اللــه علــى مــن تــاب)‪.‬‬

‫وعــن أبــي موســى األشــعري قــال‪ :‬نزلــت ســورة نحــو بــراءة‬


‫ثــم رفعــت وحفــظ منهــا‪ّ :‬‬
‫(إن اللــه ســيؤيد هــذا الديــن بأقــوام‬
‫أن البــن آدم وادييــن مــن مــال لتمنّــى‬‫ال خــاق لهــم‪ ،‬ولــو ّ‬
‫واديًــا ثالثًــا‪ ،‬وال يمــأ جــوف ابــن آدم إال التــراب‪ ،‬ويتــوب‬
‫اللــه علــى مــن تــاب)‪.‬‬

‫وأخــرج ابــن أبــي حاتــم عــن أبــي موســى األشــعري قــال‪ :‬كنا‬
‫نقــرأ ســورة نشــبهها بإحــدى المســبحات مــا نســيناها‪ ،‬غيــر‬
‫أنــي حفظــت منهــا‪( :‬يــا أيهــا الذيــن آمنــوا ال تقولــوا مــا ال‬

‫‪34‬‬
‫تفعلــون‪ :‬فتكتــب شــهادة فــي أعناقكــم فتســألون عنهــا يــوم‬
‫القيامــة)‪.‬‬

‫ي قــال‪ :‬قــال عمــر‪ :‬كنــا نقــرأ‪( :‬ال ترغبــوا‬‫ي بــن عــد ّ‬ ‫عــن عــد ّ‬
‫عــن آبائكــم فإنــه كفــر بكــم‪ ).‬ثــم قــال لزيــد بــن ثابــت‪ :‬أكذلــك؟‬
‫قــال‪ :‬نعم‪.‬‬

‫أن مســلمة بــن مخلــد األنصــاري قــال لهــم ذات يــوم‪:‬‬ ‫وروي ّ‬
‫أخبرونــي بآيتيــن فــي القــرآن لــم يكتبــا فــي المصحــف‪ ،‬فلــم‬
‫يخبــروه وعندهــم أبــو الكنــود ســعد بــن مالــك‪ ،‬فقــال ابــن‬
‫مســلمة‪ّ :‬‬
‫(إن الذيــن آمنــوا وهاجــروا وجاهــدوا فــي ســبيل اللــه‬
‫بأموالهــم وأنفســهم أال أبشــروا أنتــم المفلحــون)‪.‬‬

‫والثانيــة‪( :‬والذيــن آووهــم ونصروهــم وجادلــوا عنهــم القــوم‬


‫الذيــن غضــب اللــه عليهــم أولئــك ال تعلــم نفــس مــا أخفــي لهــم‬
‫ـرة أعيــن جــزاء بمــا كانــوا يعملــون‪).‬‬‫مــن قـ ّ‬

‫وروي مــن طــرق كثيــرة ذكــر بعضهــا ابــن حــزم فــي‬


‫أن عمــر بــن الخطــاب قــال إياكــم ّ‬
‫أن تهلكــوا عــن‬ ‫المحلــى‪ّ :‬‬
‫آيــة الرجــم‪ .‬والــذي نفســي بيــده لــوال ْ‬
‫أن يقــول النــاس‪ :‬زاد‬
‫عمــر فــي كتــاب اللــه لكتبتهــا وهــي‪ :‬الشــيخ والشــيخة إذا‬
‫زنيــا فارجموهمــا البتــة نـ ً‬
‫ـكال مــن اللــه واللــه عزيــز حكيــم‪.‬‬
‫فإنّــا قــد قرآناهــا‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫وأخــرج ابــن الضريــس فــي فضــل القــرآن عــن يعلــى بــن‬
‫حكيــم عــن زيــد أن عمــر خطــب النــاس فقــال‪ :‬ال تشـ ّكوا فــي‬
‫الرجــم فإنــه حــق‪ ،‬ولقــد هممــت أن أكتبــه فــي المصحــف‪،‬‬
‫ي بــن كعــب فقــال‪ :‬أليــس أتيتنــي وأنــا اســتقرئها‬
‫فســألت أب ـ ّ‬
‫رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وســلّم؟ فدفعــت فــي صــدري‬
‫وقلــت‪ :‬تســتقرئه آيــة الرجــم وهــم يتســافدون تســافد الحمــر‪.‬‬

‫وقــال صاحــب البرهــان فــي قــول عمــر‪ :‬لــوال أن تقـ ّـول الناس‬
‫زاد عمــر فــي كتــاب اللــه لكتبتهــا‪ :‬يعنــي آيــة الرجــم‪ .‬ظاهــرة‬
‫أن كتابتهــا جائــزة‪ ،‬وإنمــا منعــه قــول النــاس‪ .‬والجائــز فــي‬
‫نفســه قــد يقــوم مــن خــارج مــا يمنعــه‪ ،‬فــإذا كانــت جائــزة لــزم‬
‫أن تكــون ثابتــة ألن هــذا شــأن المكتــوب‪.‬‬

‫أن عمــر تــرك كتابــة هــذه اآليــة فــي‬ ‫ويظهــر لنــا كيــف ّ‬
‫المصحــف مخافــة اتهامــه بالزيــادة‪ ،‬والمفــروض وقــد ثبــت‬
‫لديــه أنهــا مــن المصحــف أن يبــادر لكتابتهــا‪ ،‬وال يعــرج‬
‫علــى مقالــة النــاس ألن مقالــة النــاس ال تصلــح مانعًــا‪ ،‬وهــو‬
‫الــذي تــروى عنــه الكثيــر فــي الصــدع بالحــق فكيــف بآيــة‬
‫مــن كتــاب اللــه‪ .‬كمــا أن قولــه‪" :‬تســتقرئه آيــة الرجــم وهــم‬
‫يتســافدون تســافد الحمــر"‪ .‬فيــه مــا يــد ّل علــى اســتعمالهم‬
‫الــرأي فيمــا أثبتــوه أو أســقطوه مــن القــرآن ولقــد فطــن عمــر‬
‫أن اآليــة تأمــر برجــم الشــيخ والشــيخة البتــة ســواء أحصنــوا‬‫ّ‬
‫أو لــم يحصنــوا خالفًــا لحكــم الشــاب والشــابة الــذي يفــرق‬
‫‪36‬‬
‫بيــن المحصــن وغيــر المحصــن ولذلــك قــال عمــر أال تــرى‬
‫أن الشــيخ إذا زنــى ولــم يحصــن جلــد‪ّ ،‬‬
‫وأن الشــاب إذا زنــا‬ ‫ّ‬
‫يتصرفــون فــي القــرآن‬
‫ّ‬ ‫وقــد أحصــن رجــم‪ .‬فــد ّل أنهــم كانــوا‬
‫بآرائهــم‪.‬‬

‫وفــي الســنن األربعــة عــن عائشــة قالــت‪ :‬لقــد نزلــت آيــة‬


‫الرجــم والرضاعــة‪ ،‬فكانتــا فــي صحيفــة تحــت ســريري‪،‬‬
‫فلمــا مــات رســول اللــه صلّــى اللــه عليــه وســلّم تشــاغلنا‬
‫بموتــه فدخــل داجــن فأكلهــا؟ قــال ابــن حــزم فــي المحلــى‪:‬‬
‫وهــذا حديــث صحيــح‪.‬‬

‫وروى البخــاري قالــت عائشــة‪ :‬كان فيمــا أنــزل عشــر‬


‫مرضعــات معلومــات فنســخن بخمــس معلومــات‪ .‬فتوفــي‬
‫ّ‬
‫وهــن ممــا يقــرأ فــي‬ ‫رســول اللــه صلّــى اللــه عليــه وســلّم‬
‫القــرآن‪ .‬فقولهــا وهـ ّ‬
‫ـن ممــا يقــرأ مــن القــرآن‪ ،‬يــد ّل علــى بقــاء‬
‫توفــي وبعــض النــاس يقرؤهــا‪.‬‬ ‫ﷺ‬ ‫التــاوة ّ‬
‫وأن النبــي‬

‫وآيــة فــي الجهــاد أســقطت وروى أبوعبيــد بســنده إلــى عمــر‬


‫أنــه قــال لعبــد الرحمــن بــن عــوف‪ :‬ألــم تجــد فيمــا أنــزل علينــا‬
‫مــرة فإنّــا ال نجدهــا‪ .‬قــال‪:‬‬‫أن جاهــدوا كمــا جاهدتــم ّأول ّ‬ ‫ْ‬
‫أســقطت فيمــا أســقط مــن القــرآن‪.‬‬

‫و ذكــر الســيوطي أن ســورتين ‪ -‬تعرفــان اليــوم بدعــاء‬


‫القنــوت ‪ -‬مــن جملــة القــرآن ّ‬
‫وأن ك ّل ســورة منهمــا ببســملة‬
‫‪37‬‬
‫وفواصــل‪ ،‬إحداهمــا تس ـ ّمى ســورة الخلــع واألخــرى ســورة‬
‫الحفــد‪ ،‬وروي أنهمــا كانتــا فــي مصاحــف ابــن عبــاس وابــن‬
‫مســعود وأبــي بــن كعــب‪ ،‬وأن أبــا موســى األشــعري كان‬
‫يقرأهمــا‪ ،‬وعمــر كان يقنــت بهمــا‪ .‬وترتيبهمــا فــي مصحــف‬
‫أُبــي بعــد ســورة العصــر‪.‬‬

‫وهما على التوالي‪:‬‬

‫(اللهــم إنــا نســتعينك ونســتغفرك ونثنــي عليــك وال نكفــرك‪،‬‬


‫ونخلــع ونتــرك مــن يفجــرك)‬

‫(اللهــم إيــاك نعبــد ولــك نصلّــي ونســجد وإليــك نســعى ونحفد‪،‬‬


‫نرجــو رحمتــك ونخشــى عذابــك ّ‬
‫إن عذابــك بالكفــار ملحق)‬

‫وأخــرج الطبرانــي فــي الدعــاء عــن عبــد اللــه بــن زريــر‬


‫الغافقــي قــال‪ :‬قــال لــي عبــد الملــك بــن مــروان‪ :‬لقــد علمــت‬
‫ي) إال إنــك أعرابــي‬‫مــا حملــك علــى حــب أبــي تــراب (أي علـ ّ‬
‫جــاف‪ ،‬فقلــت‪ :‬واللــه لقــد جمعــت القــرآن مــن قبــل ْ‬
‫أن يجتمــع‬
‫ي بــن أبــي طالــب ســورتين‬ ‫أبــواك‪ ،‬ولقــد علّمنــي منــه علــ ّ‬
‫علّمهمــا إيــاه رســول اللــه صلّــى اللــه عليــه وســلّم مــا علمتهما‬
‫أنــت وال أبــوك‪ ،‬وذكــر اآليتيــن‪.‬‬

‫وأخــرج البيهقــي مــن طريــق ســفيان الثــوري ّ‬


‫أن عمــر بــن‬
‫الخطــاب قنــت بعــد الركــوع فقــال‪:‬‬

‫‪38‬‬
‫بســم اللــه الرحمــن الرحيــم‪ ،‬اللهــم إنــا نســتدعيك ونســتغفرك‬
‫ونثنــي عليــك وال نكفــرك ونخلــع ونتــرك مــن يفجــرك‪ ،‬اللهــم‬
‫إيــاك نعبــد ولــك نصلّــي ونســجد وإليــك نســعى ونحفــد‪ ،‬نرجو‬
‫إن عذابــك بالكافريــن ملحــق‪ .‬ثــم‬‫رحمتــك ونخشــى نقمتــك‪ّ ،‬‬
‫قــال ابــن جريــج معلقًــا‪ :‬حكمــة البســملة أنهمــا ســورتان فــي‬
‫مصحــف بعــض الصحابــة‪.‬‬

‫وأخــرج محمــد بــن نصــر المــروزي فــي كتــاب الصــاة عــن‬


‫أبــي بــن كعــب أنــه كان يقنــت بالســورتين فذكرهمــا‪ ،‬وأنــه‬
‫كان يكتبهمــا فــي مصحفــه‪.‬‬

‫وأخــرج الطبرانــي بســند صحيــح عــن أبــي إســحاق‪ ،‬قــال‪:‬‬


‫أ ّمنــا أميّــة بــن عبــد اللــه بــن خالــد بــن أســيد بخراســان‪ ،‬فقــرأ‬
‫بهاتيــن الســورتين‪ :‬إنــا نســتعينك ونســتغفرك (يقصــد ســورة‬
‫الخلــع والحفــد)‪.‬‬

‫وتذكــر الروايــات أن فــي مصحــف ابــن مســعود مائــة واثنتــا‬


‫عشــرة (‪ )112‬ســورة بدل مائة وأربع عشــرة (‪ )114‬ســورة‪،‬‬
‫ي بــن كعــب‬ ‫إذ لــم يعتــد بالمعوذتيــن بينمــا فــي مصحــف أب ـ ّ‬
‫اثبــت فاتحــة الكتــاب والمعوذتيــن وســورة الخلــع والحفــد‪،‬‬
‫ـن ابــن مســعود وكتــب عثمــان منهــم فــي المصحــف‬ ‫وتركهـ ّ‬
‫اإلمــام فاتحــة الكتــاب والمعوذتيــن وتــرك ســورتي القنــوت‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫رد الشبهات والروايات‬

‫إشكالية الحفظ اإللهي‬


‫والخوف اإلنساني‬
‫والثقة بالرقاع‬
‫نتطــرق إلــى ص ّحــة مجموعــة مــن الروايــات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ومــن هنــا‬
‫عــا مــن‬
‫بتنوعهــا أنوا ً‬
‫التــي قــد تكــون صادمــة للبعــض تتنــاول ّ‬
‫الشــكوك والشــبهات بحــاالت مختلفــة كمــوت الصحابــي الــذي‬
‫يحفــظ اآليــة دون غيــره‪ ،‬أو لتلــفٍ لَ ِحــق ببعــض الصحــف‬
‫التــي كتــب عليهــا بعــض القــرآن‪ ،‬أو ّ‬
‫ألن القــارئ لــم يــأت‬
‫بشــاهد علــى قراءتــه أو حفظــه‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫أن الصحابــة كانــوا يشــعرون بخــوف‬ ‫مــن هــذه الروايــات ّ‬
‫كبيــر مــن تحريــف القــرآن وتبديلــه‪ ،‬كمــا جــاء علــى لســان‬
‫كثيــر منهــم ومــن ذلــك قــول حذيفــة بــن اليمــان لعثمــان‪،‬‬
‫أدرك األمــة قبــل أن يختلفــوا (فــي القــرآن) اختــاف اليهــود‬
‫والنصــارى‪ .‬وهــذا يضعنــا أمــام حقيقــة تــكاد تشــكك بنظريــة‬
‫حفــظ اللــه للقــرآن (إنــا نزلنــا الذكــر)‪ ،‬وهــذا يقودنــا إلــى أن‬
‫ضــا‪ :‬إذا كان الصحابــة أنفســهم ال ّ‬
‫ينزهــون أنفســهم‬ ‫نســأل أي ً‬
‫عــن الوقــوع فــي التقـ ّـول والتهمــة‪ ،‬بدليــل اشــتراطهم الشــهود‬
‫ـإن مــن جــاء بعدهــم مــن فقهــاء ومحدثيــن قــد‬‫ـراء‪ ،‬فـ ّ‬
‫علــى القـ ّ‬
‫سســوا لعقيــدة دخيلــة فــي اإلســام ال يقوم لها دليــل معقول أو‬ ‫أ ّ‬
‫أن الصحابــي ال يطعــن فــي عدالتــه وصدقه‪،‬‬ ‫مــروي‪ ،‬مفادهــا ّ‬
‫وال يتّهــم فــي دينــه وأمانتــه‪ .‬هــل تتفــق هــذه األقــوال عــن‬
‫عدالــة الصحابــة التــي أسســت لهــا الروايــات‪ ،‬مــع الوقائــع‬
‫إن الصحابــة‪ ،‬بــل المجتمــع الصحابــي‬ ‫التاريخيــة التــي تقــول ّ‬
‫بأســره (إن صـ ّح التعبيــر) وقعــوا فــي إشــكاالت ‪ -‬فــي حيــاة‬
‫وبعــده ‪ -‬فــي أتــون الصراعــات المحمومــة علــى‬ ‫ﷺ‬ ‫النبــي‬
‫الســلطة والزعامــة الدينيــة والسياســية بيــن المهاجريــن‬
‫واألنصــار‪ ،‬وبيــن بنــي هاشــم وبنــي أميّــة وغيــر ذلــك مــن‬
‫وخلوهــم مــن‬
‫ّ‬ ‫الوقائــع التــي تدحــض فكــرة عدالــة الصحابــة‬
‫الهــوى والمؤثــرات النفســية التــي تعتــري البشــر مهمــا بلغــت‬
‫درجتهــم أو علــت مرتبتهــم‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫اإلعجاز اللفظي والبالغي‬
‫يُعــد اإلعجــاز اللفظــي والبالغــي مــن دعائــم االحتجــاج علــى‬
‫ص ّحــة نســبة القــرآن إلــى اللــه‪ ،‬ويعتبــر مــن أعظــم دالئــل‬
‫النبــوة‪ ،‬المتمثلــة فــي تقبــل القلــوب لــه وترديــده بالقــراءة‬
‫ّ‬
‫والتــاوة بــا ملــل‪ ،‬وفــي مــا تضمنــه مــن إخبــار عــن‬
‫غيبيــات حدثــت فــي الماضــي أو أحــداث مســتقبلية‪ ،‬وفــي‬
‫مــا جــاء فيــه مــن ســنن كونيــة ونواميــس و أدلــة عقليــة علــى‬
‫الوجــود اإللهــي وقــد تح ـدّى اللــه ســبحانه العــرب المكذبيــن‬
‫بالدعــوة المحمديــة باإلتيــان بســورة أو آيــة مــن مثلــه وأنهــم‬
‫فــإن خــوف الصحابــة مــن أن يدخــل علــى‬ ‫ّ‬ ‫لــم يســتطيعوا‪.‬‬
‫القــرآن مــا ليــس فيــه‪ ،‬إضافــة إلــى اشــتراطهم الشــهود علــى‬
‫ـراء‪ ،‬يطعــن فــي صحــة هــذه النظريــة خاصــة إذا علمنــا‬ ‫القـ ّ‬
‫أن الكثيــر مــن اآليــات التــي أتــى بهــا بعــض الصحابــة‪ ،‬لــم‬ ‫ّ‬
‫تقبــل منهــم ألنهــم لــم يأتــوا بشــاهدين علــى صحتهــا‪ ،‬وليــس‬
‫لإلعجــاز مــن عدمــه محــ ّل فيهــا‪ ،‬كآيــة الرجــم وســورتي‬
‫وردّت عليهــم‪.‬‬‫القنــوت التــي أتــى بهــا بعــض كبــار الصحابــة ُ‬
‫أن المفــروض حســب نظريــة اإلعجــاز اللفظــي ّ‬
‫أن‬ ‫كمــا ّ‬
‫ـص القرآنــي الــذي هــو كالم اللــه تأليــف معجــز‪ ،‬ونظــم‬ ‫النـ ّ‬
‫معــروف‪ ،‬وخــرق للعــادة‪ ،‬وينبغــي أن يتميّــز بوضــوح ال‬
‫يرقــى لــه شــك عــن غيــره مــن النصــوص البشــرية‪ ،‬وإال فــا‬
‫معنــى لإلعجــاز وال للتحــدّي!‬

‫‪43‬‬
‫التواتر‬
‫فــإن العلمــاء المســلمين يحت ّجــون علــى‬ ‫ّ‬ ‫ومــن جهــة أخــرى‬
‫بأنــه وصلنــا‬ ‫ﷺ‬ ‫ص ّحــة ثبــوت نســبة القــرآن‪ ،‬إلــى النبــي‬
‫ويعرفــون التواتــر بأنــه مــا رواه الجمــع‬
‫ّ‬ ‫عــن طريــق التواتــر‬
‫الكثيــر عــن الجمــع الكثيــر‪ ،‬وبالتالــي هــو االتفــاق الجمعــي‬
‫بيــن المســلمين‪ ،‬بــد ًءا مــن وفــاة الرســول إلــى اليــوم‪ ،‬وأن‬
‫هــذا الــذي بيــن أيدينــا الموجــود بيــن دفتــي المصحــف هــو‬
‫‪،‬‬‫ﷺ‬ ‫كالم اللّــه وكتابــه الــذي نزلــه علــى خاتــم رســله محمــد‬
‫مــن مبتــداه إلــى منتهــاه تحيــل العــادة تواطئهــم علــى الكــذب‪.‬‬
‫جــدل بســامة هــذا التعريــف مــن الجهــة‬ ‫ً‬ ‫إن ســلّمنا‬
‫ونحــن ْ‬
‫ـإن القــرآن ال تنطبــق عليــه التواتريــة‬‫اإلســتداللية والثبوتيــة‪ ،‬فـ ّ‬
‫ّ‬
‫فــإن الذيــن جمعــوا‬ ‫مــن جهــة مبتــداه‪ ،‬فبحســب الروايــات‪،‬‬
‫القــرآن كانــوا أقليّــة مــن الصحابــة ال تنطبــق عليهــم صفــة‬
‫الجمــع الغفيــر الــذي يثبــت بــه التواتــر‪ ،‬ولذلــك كان الصحابــة‬
‫أنفســهم علــى توافــر النــاس وقــرب العهــد‪ ،‬يشــترطون‬
‫شــاهدين لقبــول مــا يأتيهــم بــه النــاس مــن القــرآن عل ًمــا بـ ّ‬
‫ـأن‬
‫األكثريــة مــن الصحابــة كانــوا يحفظــون أجــزا ًءا مــن القــرآن‪،‬‬
‫واألقلّــون هــم مــن كان يحفظــه كامـ ًـا‪ ،‬بــل يذهــب أنــس بــن‬
‫مالــك حيــن ســأله قتــادة ع ّمــن جمــع القــرآن فــي عهــد النبــي‬
‫ي بــن كعــب‪ ،‬ومعاذ‬ ‫ﷺ‬
‫‪ ،‬قــال أربعــة كلّهــم مــن األنصــار‪ :‬أبـ ّ‬
‫بــن جبــل‪ ،‬وزيــد بــن ثابــت‪ ،‬وأبــو زيــد‪ .‬قلــت‪ :‬مــن أبــو زيــد؟‬

‫‪44‬‬
‫قــال‪ :‬أحــد عمومتــي‪ .‬هــذه صيغــة البخــاري وفــي روايــة‬
‫لثابــت عــن أنــس جــاءت بصيغــة الحصــر قــال‪ :‬مــات النبــي‬
‫صلــى اللــه عليــه وســلم ولــم يجمــع القــرآن غيــر أربعــة أبــو‬
‫الــدرداء‪ ،‬ومعــاذ بــن جبــل‪ ،‬وزيــد بــن ثابــت‪ ،‬وأبــو زيــد‪.‬‬

‫روايات قلقة‬
‫مــن عــادة كثيــر مــن العلمــاء حشــر كثيــر مــن هــذه الروايــات‬
‫فــي بــاب الناســخ والمنســوخ معتمديــن علــى محــض آرائهــم‪،‬‬
‫وخالــص أهوائهــم‪ ،‬غيــر أن علمــاء آخريــن أنكــروا أن يكــون‬
‫مــا ســقط مــن القــرآن مــن النســخ‪ ،‬إذ مــن غيــر الجائــز نســخ‬
‫كمــا قــرره القاضــي‬ ‫ﷺ‬ ‫شــيء مــن القــرآن بعــد وفــاة النبــي‬
‫أبــو بكــر فــي االنتصــار‪ ،‬وقالــوا إن مــا ذكــر مــن الزيــادة‬
‫والنقصــان فــي القــرآن يرجــع إلــى خبــر اآلحــاد والقــرآن‬
‫ال يثبــت بهــا وإنمــا يثبــت بالتواتــر‪ .‬وســنعرض بعــض هــذه‬
‫الروايــات‪:‬‬

‫إذا كان القــرآن يقــرر ومــن ورائــه علمــاء المســلمين ّ‬


‫أن‬
‫معجزتــه التــي أفحمــت العــرب وألجمتهــم‪ ،‬وجعلتهــم يذعنــون‬
‫لمــا جــاء بــه ويؤمنــون بنبيــه هــي خرقــه العــادة فــي أســلوبه‬
‫وبالغتــه‪ ،‬وقــد كانــوا أفصــح الفصحــاء و الخطبــاء‪ ،‬وأنــه‬
‫تحدّاهــم علــى أن يأتــوا بمثلــه وأمهلهــم طــول الســنين‪ ،‬فلــم‬
‫يقــدروا كمــا قــال‪،‬‬

‫‪45‬‬
‫ورةُ ُّ‬
‫ُس َ‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫َ ُ ْ َ‬ ‫ٓ‬ ‫ّۡ‬ ‫ََُۡۡ ْ َ‬
‫الطورِ ‪34‬‬ ‫ِيث مِثلِهِۦ إِن كانوا ص ِدقِين﴾‬
‫﴿فليأتوا ِبحد ٖ‬
‫ثم تحدّاهم بعشر سور ۡ منه في قوله‪،‬‬
‫َََُۡ َ ۡ ُ ْ‬
‫ٰ‬ ‫َۡ َ ُ ُ َ ۡ ََ ُٰ ُۡ َ ُ ْ َ ۡ ُ َ ّ ۡ‬
‫ت وٱدعوا‬ ‫ٖ‬ ‫ي‬ ‫ر‬‫ت‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ِۦ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ل‬‫ِث‬ ‫﴿أم يقولون ٱفترىهۖ قل فأتوا بِعش ِر سورٖ م‬
‫ورةُ ُهو ٍد ‪13‬‬
‫ِين﴾ ُس َ‬ ‫ٱللِ إن ُك ُ‬
‫نت ۡم َص ٰ ِدق َ‬ ‫َّ‬
‫ون‬
‫َ ۡ ََ ُۡ ّ ُ‬
‫ِ‬ ‫م ِن ٱستطعتم مِن د ِ‬
‫ثم تحدّاهم بسورة في ۡقوله‪،‬‬
‫ُ َُ ُ ُ‬ ‫َۡ َ ُ ُ َ ۡ ََ ُٰ ُۡ َ ُ ْ ُ َ ّ ۡ‬
‫﴿أم يقولون ٱفترىهۖ قل فأتوا بِسورة ٖ مِثلِهِۦ﴾ سورة يونس ‪38‬‬
‫َ‬

‫ثم كرر في قوله‪،‬‬


‫َ ُ ُ ۡ َ ۡ ّ َّ َ َّ ۡ َ َ َ ٰ َ ۡ َ َ ۡ ُ ْ ُ َ ّ ّ ۡ‬
‫ب مِما نزلنا على عبدِنا فأتوا بِسورة ٖ مِن مِثلِهِۦ﴾‬
‫﴿وِإن كنتم فِي ري ٖ‬
‫الب َق َرة ِ ‪23‬‬
‫ورةُ َ‬
‫ُس َ‬

‫وأنــه لــم يقــدر أحــد علــى معارضتــه بعــد تحدّيهــم بذلــك‬


‫وأنــه نــادى عليهــم بإظهــار العجــز وإعجــاز القــرآن‪،‬‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ ُ َ ۡ ُّ َ َ ٰٓ َ َ ۡ ُ ْ ۡ َ ٰ َ ۡ ُ‬ ‫ٱج َت َم َ‬‫﴿قُل لَّئن ۡ‬
‫ان‬
‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫ٱل‬ ‫ا‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ث‬
‫ِ ِ‬‫م‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫ٱل‬ ‫و‬ ‫نس‬ ‫إ‬
‫ِ‬ ‫ٱل‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫َ ۡ ِِ‬
‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٗ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ورة ال ِإس َرا ِء ‪88‬‬
‫ون ب ِمثلِهِۦ ولو كان بعضهم ل ِبعض ظهيرا﴾ س َ‬
‫ِ‬ ‫ٖ‬ ‫لا يأت ِ‬
‫وأنهــم لــو كان فــي مقدورهــم معارضتــه لعدلــوا إلــى ذلــك‬
‫قطعًــا للحجــة‪ .‬فــإن اختــاف الصحابــة فــي إثبــات ورفــض‬
‫بعــض اآليــات التــي أوردنــا بعضهــا أعــاه يطــرح إشـ ً‬
‫ـكال‬
‫علــى مســتوى اإلعجــاز الــذي هــو منــاط اإليمــان والتصديــق‪،‬‬
‫إذ أنهــم اشــترطوا لقبــول القطعــة مــن القــرآن الشــهود وكان‬
‫األولــى اشــتراط اإلعجــاز الــذي عليــه مــدار اإليمــان بــه‪،‬‬
‫والــذي لــواله لمــا آمــن العــرب‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫هــذا مــن جهــة ومــن جهــة أخــرى فإنــك إذا اعتبــرت ســورتي‬
‫الخلــع والحفــد مثـ ًـا اللتيــن كان يعدّهمــا بعــض الصحابــة مــن‬
‫القــرآن‪ ،‬وبالتالــي يحمــان معنــى اإلعجــاز الخــارق للعــادة‪،‬‬
‫وهمــا عنــد عامــة المســلمين اليــوم دعــاء كباقــي األدعيــة‬
‫أن عثمــان أثبتهمــا فــي‬ ‫المأثــورة‪ ،‬فإننــا نتســاءل مــاذا لــو ّ‬
‫المصحــف اإلمــام؟ هــل كان للمفســرون والمؤلفــون فــي‬
‫أوجــه إعجــاز القــرآن‪ ،‬كالخطابــي والرمانــي‪ ،‬والزملكانــي‪،‬‬
‫والــرازي‪ ،‬وابــن ســراقة والقاضــي أبــو بكــر الباقالنــي‪،‬‬
‫وبديــع الزمــان النورســي وغيرهــم كثيــر‪ ،‬أقــول هــل كان لهــم‬
‫أن يتوانــوا ‪ -‬بــكل مــا أتقنــوه مــن صناعــة الــكالم وفنــون‬
‫االســتنباط ووجــوه البالغــة‪ -‬عــن أن يثبتــوا للنــاس أنهمــا‬
‫معجزتــان خارقتــان للعــادة وأن المنكــر لهمــا إنمــا هــو منكــر‬
‫بلســانه ال بقلبــه‪ ،‬وأنــه معانــد ملحــد فــي آيــات اللــه‪.‬‬
‫لقــد مضــى علــى نــزول القــرآن أكثــر مــن أربعــة عشــر قرنا‪،‬‬
‫ـرر بعــد محــل تاريــخ جمــع القــرآن وتدوينــه‪ ،‬فمــن‬ ‫ولــم يتحـ ّ‬
‫قائــل إنــه د ُّون فــي عهــد رســول اللــه‪ ،‬وعلــى يــد رســول‬
‫اللــه‪ .‬وقائــل إنــه لــم يت ـ ّم جمعــه وتدوينــه فــي حياتــه‪ ،‬وإنمــا‬
‫ودون بعــد وفاتــه‪.‬‬‫جمــع القــرآن ّ‬
‫الــرأي األول‪ ،‬قائلــوه قليلــون‪ ،‬والــرأي اآلخــر هــو الســائد‪،‬‬
‫وقائلــوه ال يحصــون!‬

‫‪47‬‬
‫إن األخبــار والمرويــات ال يحكــم لهــا‪،‬‬
‫وال عليهــا‪ ،‬بكثــرة القائليــن‪ ،‬أو قلّتهــم‪،‬‬
‫وإنمــا يحكــم لهــا‪ ،‬أو عليهــا بحكــم‬
‫األدلّــة العلميــة التــي تتســم بالرصانــة‪،‬‬
‫وتتميز بالثقل العلمي‪،‬‬
‫فلننظر أي القولين أرجح دليال‪،‬‬
‫وأقوى ثبوتا‪.‬‬
‫هل قضى النبي ﷺ‬
‫ّ‬
‫دون أن يدون القرآن؟‬
‫هــل فــارق رســول اللــه أصحابــه‪ ،‬وغــادر الدنيــا‪ ،‬ولــم يجمــع‬
‫صنــه‪ ،‬ولــم يحكــم‬ ‫القــرآن‪ ،‬ولــم يدونــه‪ ،‬ولــم يرتبــه‪ ،‬ولــم يح ّ‬
‫األســوار حولــه‪ ،‬ولــم يطمئــن إلــى حفظــه‪ ،‬وصيانتــه مــن‬
‫الضيــاع؟ هــل توانــى رســول اللــه عــن جمــع القــرآن؟ وهــو‬
‫الــذي كان علــى علــم وبصيــرة بمــا أصيبــت بــه األمــم الســالفة‬
‫بعــد رســلهم‪ ،‬حيــث ضيّعــوا مــا جــاءت بــه رســلهم‪ ،‬وتالعبــوا‬
‫بــه‪ ،‬وأحدثــوا فيــه مــا أملــت عليهــم أهواؤهــم‪ ،‬مــن تحريــف‬
‫وتبديــل!‬

‫هــل أغفــل رســول اللــه جمــع القــرآن وهــو علــى علــم بــأن‬
‫ي تفريــط‬ ‫القــرآن خاتــم الكتــب؟ وهــو خاتــم األنبيــاء‪ّ ،‬‬
‫وأن أ ّ‬
‫فــي حفظــه‪ ،‬وتدوينــه‪ ،‬أو حصــول تقديــم أو تأخيــر‪ ،‬أو تبديــل‬
‫أو تحريــف فهــو خــزي األبــد‪ ،‬حيــث ال يأتــي بعــده كتــاب‬
‫يهــدي النــاس إلــى الرشــد‪ ،‬ويصلــح مــا فســد مــن أمرهــم‪،‬‬
‫ويذ ّكرهــم بمــا نســوا مــن كتــاب ربهــم‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫إن لــم يســتطع الرســول أن يجمــع القــرآن‪ ،‬ويرتبــه بيــن‬
‫الدفتيــن‪ ،‬فــي حياتــه‪ ،‬فمــا الــذي منعــه مــن الوصيــة فــي‬
‫جمعــه‪ ،‬وترتيبــه بعــد وفاتــه؟‪.‬‬

‫وهــل أوصــى المســلمين فــي خطبــة الــوداع بالتمســك بكتــاب‬


‫ـوص بجمعــه وترتيبــه‪ ،‬و حتــى تدوينــه؟‬
‫اللــه‪ ،‬ولــم يـ ِ‬

‫يــدون بعــد‪ ،‬ورأى أبــو بكــر وعمــر‬ ‫ّ‬ ‫إن كان القــرآن لــم‬‫ْ‬
‫ضــرورة تدوينــه‪ ،‬فهــل يُعقــل أن يُســند هــذا األمــر الخطيــر‬
‫العظيــم إلــى شــخص واحــد هــو زيــد بــن ثابــت األنصــاري‬
‫فلــم يجمــع لــه المســلمين كلّهــم‪ ،‬ومــن ثــم تشــكل لجنــة تضـ ّم‬
‫ســا يكونــون موضــع ثقــة وتقديــر عنــد الجميــع‪.‬‬ ‫نا ً‬

‫ثــم مــاذا قصــدت الروايــة عــن زيــد بــن ثابــت إذ يقــول‪:‬‬


‫ي‬
‫"فواللــه لــو كلفنــي نقــل جبــل مــن الجبــال مــا كان أثقــل علـ ّ‬
‫ممــا أمرنــي بــه مــن جمــع القــرآن"؟ ومــاذا كان عملــه؟ وكيف‬
‫كانــت خطتــه فــي جمــع القــرآن؟ وأيــن ذهبــت تلــك الصحــف‬
‫التــي كان يكتبهــا كتّــاب الوحــي‪ ،‬كلّمــا كان يأتــي الوحــي‪،‬‬
‫وهــو منهــم؟ فإننــا ال نســمع لهــا صــدًى فــي عمــل جمــع‬
‫القــرآن؟ ومــا كان المقصــود بقولــه‪" :‬فتتبعــت القــرآن أجمعــه‬
‫مــن الرقــاع واألكتــاف والعســب وصــدور الرجــال"؟ هــل‬
‫كان يُكتــب القــرآن فــي أيــام الوحــي علــى الرقــاع واألكتــاف‬
‫والعســب‪ ،‬واللخــاف؟ وهــل اس ـتُخدمت تلــك األشــياء لكتابــة‬

‫‪50‬‬
‫القــرآن فقــط‪ ،‬أم اســتخدمت لكتابــة أشــياء أخرى غيــر القرآن؟‬
‫هــل كتبــت المعلقــات العشــر‪ ،‬أو قصائــد فحــول الشــعراء‬
‫علــى العســب واللخــاف؟ هــل كانــت العهــود والمواثيــق بيــن‬
‫القبائــل‪ ،‬وبيــن المســلمين واليهــود‪ ،‬وبيــن المســلمين والقــرى‪،‬‬
‫كلهــا كانــت تكتــب علــى الرقــاع واألكتــاف؟‬

‫أي شــيء كان يكتــب علــى الرقــاع واألكتــاف‪ ،‬وعلــى العســب‬


‫واللخــاف حتــى يكتــب عليهــا القرآن؟‬

‫لــو صدقنــا هــذه الروايــات فإلــى كــم مــن األحجــار أو أجــزاء‬


‫النخيــل أو العســب أو األكتــاف نحتــاج لكتابــة هــذه اآليــات؟‬
‫خاصــة لــو علمنــا أن القــرآن الــذي نــزل فــي مكــة يشــكل‬
‫نحــو ثلثــي المصحــف – إنــه يحتــاج إلــى ً عشــرين بعيــر‬
‫ليحملــه‪ .‬ولــم نعلــم مــن أنبــاء الهجــرة أن قافلــة كتلــك‪ ،‬قبــل‬
‫‪ ،‬هاجــرت ومعهــا هــذا الحمــل‬ ‫ﷺ‬ ‫أو مــع النبــي‬ ‫ﷺ‬ ‫النبــي‬
‫الغريــب‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫إن القــرآن أرشــد المؤمنيــن إلــى أحســن شــيء يكتبــون عليــه‬
‫القــرآن‪ ،‬حينمــا قــال‪:‬‬
‫ورةُ ُّ‬
‫الطورِ ‪١‬‬ ‫ٱلطور﴾ ُس َ‬ ‫﴿و ُّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ورةُ ُّ‬
‫الطورِ ‪٢‬‬ ‫﴿وك َِتٰب َّم ۡ‬
‫س ُطور﴾ ُس َ‬ ‫َ‬
‫ٖ‬ ‫ٖ‬
‫ورةُ ُّ‬
‫الطورِ ‪٣‬‬ ‫ف َ ّ َّ ُ‬
‫نشور﴾ ُس َ‬ ‫﴿ ِ ي� ر ٖق م‬
‫ٖ‬

‫ـرا‪ ،‬وهــو جلــد رقيــق يكتــب فيــه‪،‬‬ ‫والـ ّ‬


‫ـرق كان عندهــم متوفـ ً‬
‫وكان أســهل فــي الكتابــة‪ ،‬وأســهل فــي القــراءة‪ ،‬وأســهل‬
‫فــي الترتيــب‪ ،‬وأســهل فــي المراجعــة‪ ،‬وأســهل فــي الحمــل‬
‫والنقــل‪ ،‬فمــا الــذي صــرف المســلمين عــن الـ ّ‬
‫ـرق إلــى غيــره؟‬

‫‪52‬‬
‫والعــرب كانــوا يســتعملونه عــادة‪ ،‬وكانــوا يذكرونــه فــي‬
‫شــعرهم‪ ،‬كمــا قــال األخنــس بــن شــهاب التغلبــي‪:‬‬
‫ناز ٌل‬
‫ع ْوفٍ َم ِ‬ ‫بن َ‬ ‫ِال ْبنَ ِة ِح َّ‬
‫طانَ ِ‬
‫الر ّق كاتِ ُ‬
‫ب‬ ‫كما َرقَّ َ‬
‫ش العُ ْنوانَ في ّ‬
‫(المفضليات‪)36/1:‬‬

‫وقال طرفة بن العبد‪:‬‬


‫ّ‬
‫الرق رقشه‬ ‫كسطور‬
‫بالضحى مرقش بشمه‬
‫(األمالي في لغة العرب‪)250/2 :‬‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫هب في لُ َجي ٍْن‬
‫يَحو ُكهما َذ ٌ‬
‫ق خ ًّ‬
‫َطا َدقِيقَا‬ ‫ك َم ْش ِقك في َّ‬
‫الر ّ ِ‬
‫(الشمشاطي‪ ،‬األنوار ومحاسن األشعار‪)111/1 :‬‬

‫‪53‬‬
‫تساؤالت‬

‫بعــد أن تــدارك عمــر وأبــو بكــر األمــر وعمــا علــى جمــع‬


‫القــرآن‪ ،‬لمــاذا أبقيــاه عنــد حفصــة كل هــذا الوقــت؟ ومــا الــذي‬
‫منعهــم مــن نشــره فــي األمصــار؟ تالفيــا الختــاف المســلمين‬
‫حــول القــراءات‪ ،‬األمــر الــذي حــذر منــه حذيفــة بــن اليمــان؟‬

‫ثم ماذا تعني الرواية عن زيد بن ثابت حينما قال‪" :‬حتى وجدت‬
‫من سورة التوبة آيتين مع خزيمة األنصاري لم أجدهما مع‬
‫ُ ۡ َ ٌ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫‪ٞ‬‬ ‫ٓ ُ‬ ‫ََ‬
‫يز َعل ۡيهِ َما‬ ‫أحد غيره‪﴿ .‬لق ۡد َجا َءك ۡم َر ُسول ّم ِۡن أنفسِكم ع ِز‬
‫ُۡ ۡ َ َ ُ ‪ٞ‬‬ ‫َ ُ‬
‫ورةُ َّ‬
‫الت ۡو َبةِ ‪128‬‬ ‫وف َّرح ‪ٞ‬‬
‫ِيم﴾ ُس َ‬ ‫يص َعل ۡيكم بِٱلمؤ ِمن ِين رء‬‫َعن ُِّت ۡم َحر ٌ‬
‫ِ‬
‫(هــي آيــة واحــدة وليســت آيتين)‪.‬هــل نســي المســلمون كلهــم‪،‬‬
‫وفيهــم أبــو بكــر وعمــر! وفيهــم عثمــان وعلــي! وفيهــم مئــات‬
‫مــن الصحابــة؟‪.‬‬

‫تحــف بهــا روايــات رواهــا البخــاري فــي‬


‫ّ‬ ‫تلــك إشــكاالت‬
‫ضــا مثلمــا روى‬
‫جمــع القــرآن وتدوينــه‪ ،‬وروى ابــن حبــان أي ً‬
‫البخــاري‪ ،‬وزاد فــي روايتــه مــا لــم يذكــره البخــاري‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫تقــول هــذه الروايــات‪ ،‬جمــع زيــد بــن ثابــت القــرآن فــي عهــد‬
‫أبــي بكــر ففقــد آخــر ســورة بــراءة‪ ،‬ولــم يجدهــا إال عنــد‬
‫خزيمــة األنصــاري‪( ،‬كتــاب المصاحــف ‪ )169/1‬مــا وجدهــا‬
‫عنــد غيــره! ثــم حينمــا عــاد إلــى تلــك الصحــف فــي عهــد‬
‫عثمــان بــن عفــان لينســخها‪ ،‬فقــد مــرة أخــرى آيــة مــن ســورة‬
‫األحــزاب‪ ،‬كان يســمع رســول اللــه يقرؤها‪ ،‬فالتمســها فوجدها‬
‫مــع خزيمــة بــن ثابــت األنصــاري‪ ،‬فألحقهــا فــي ســورتها فــي‬
‫المصحــف! أهكــذا كان األمــر؟ أمــر ليــس فيــه شــيء مــن‬
‫المســئوليّة والجدّيــة! وإن كان األمــر هكــذا فمــن يضمــن لنــا‬
‫الصحــة والدقــة فــي جمــع القــرآن؟ ومــن يســتطيع أن يلجــم‬
‫األعــداء‪ ،‬إن بســطوا ألســنتهم إلــى القــرآن بســوء؟‬

‫حينمــا أمــر عثمــان بنســخ المصاحــف‪ ،‬شــكل لجنــة مؤلفــة‬


‫مــن ثالثــة أشــخاص‪ ،‬وقــال لهــم‪" :‬مــا اختلفتــم أنتــم وزيــد بــن‬
‫ثابــت فــي شــيء فاكتبــوه بلســان قريــش فإنــه نــزل بلســانهم‬
‫أن القــرآن مــازال موضــع اختــاف‪ ،‬وموضــع‬ ‫"وهــذا يعنــي ّ‬
‫نقــاش إلــى عهــد عثمــان! وهــو ل ّمــا يأخــذ شــكله النهائــي‪ ،‬وقــد‬
‫مضــى علــى وفــاة مــن نــزل عليــه أكثــر مــن خمســة عشــر‬
‫فعــا‪ ،‬قــال ابــن شــهاب‪ :‬اختلفــوا‬ ‫ً‬ ‫عامــا! وقــد حــدث ذلــك‬
‫يومئــذ فــي (التابــوت) فقــال زيــد‪ :‬التابــوه‪ ،‬وقــال ابــن الزبيــر‬
‫وســعيد بــن العــاص‪ :‬التابــوت‪ .‬فرفــع اختالفهــم إلــى عثمــان‬
‫رضــوان اللــه عليــه فقــال‪ :‬اكتبــوه (التابــوت) فإنــه لســان‬

‫‪56‬‬
‫قريــش‪ .‬وأيضــا تذكــر لنــا الروايــات عــن زيــد بــن ثابــت أنــه‬
‫ع ْرضـةً‪ ،‬فلــم أجــد فيه هــذه اآلية‪:‬‬ ‫قــال‪ :‬فلمــا فرغــتُ عرضتــه َ‬
‫ّ َ ۡ ُ ۡ َ َ ‪َ َ َ َّ ْ ُ َ ٰ َ َ ْ ُ َ َ ٞ‬‬
‫ٱلل َعل ۡيهِۖ ف ِم ۡن ُهم َّمن‬ ‫﴿مِن ٱلمؤ ِمن ِين رِجال صدقوا ما عهدوا‬
‫َ‬ ‫ٗ‬
‫ظ ُر ۖ َو َما بَ َّدلُوا ْ َت ۡبدِيلا﴾ ُس َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ َّ‬ ‫َ َ َۡ ُ‬
‫ورةُ الأ ۡح َزاب ‪23‬‬
‫ِ‬ ‫قض ٰى نح َبهۥ َومِن ُهم من يَنت ِ‬
‫قــال‪ :‬فاســتعرضتُ المهاجريــن أســألهم عنهــا‪ ،‬فلــم أج ْدهــا‬
‫األنصــار أســألهم عنهــا‪،‬‬‫َ‬ ‫عنــد أحــد منهــم‪ ،‬ثــم اســتعرضتُ‬
‫فلــم أجدهــا عنــد أحــد منهــم‪ ،‬حتــى وجدُتهــا عنــد ُخزيمــة بــن‬
‫ضـةً أخــرى‪ ،‬فلــم أجــد فيــه‬ ‫عر َ‬ ‫عرضتــه َ‬ ‫ثابــت‪ ،‬فكتبتهــا‪ ،‬ثــم َ‬
‫هاتيــن اآليتيــن‪:‬‬
‫َ‬
‫يز َعل ۡيهِ َما َعن ُِّت ۡم َحر ٌ‬ ‫ُ‬
‫ِك ۡم َعز ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪ٞ‬‬
‫ك ۡم َر ُسول ّم ۡ‬ ‫ََ ۡ َ َٓ ُ‬
‫يص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫نف‬ ‫أ‬ ‫ِن‬ ‫﴿لقد جاء‬
‫َ َ َ َّ ۡ ْ َ ُ ۡ َ ۡ َ َُّ‬ ‫‪ٞ‬‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫كم بٱل ُمؤ ِمن ِين َر ُءوف َّرح ‪ٞ‬‬‫ۡ‬ ‫َ َۡ ُ‬
‫ِيم ‪ ١٢٨‬فإِن تولوا فقل حس ِبي ٱلل‬ ‫علي َّ ِ‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ َ َ َ ۡ َ َ َّ ۡ ُ ُ‬ ‫َٓ َ‬
‫تۖ َوه َو َر ُّب ٱل َع ۡر ِش ٱل َع ِظي ِم ‪﴾١٢٩‬‬ ‫لا إِل ٰ َه إِلا هو ۖ عليهِ توكل‬
‫ُ َ ُ َّ‬
‫ورة الت ۡو َب ِة‬‫س‬

‫فاســتعرضت المهاجريــن‪ ،‬فلــم أجدهــا عنــد أحــد منهــم‪ ،‬ثــم‬


‫األنصــار أســألهم عنهــا فلــم أجدهــا عنــد أحــد‬
‫َ‬ ‫اســتعرضت‬
‫منهــم‪ ،‬حتــى وجدتهــا مــع َرجــل آخــر يدعــى ُخزيمــة أي ً‬
‫ضــا‪،‬‬
‫ـت ثـ ُ‬
‫ـاث آيــات لجعلتهــا‬ ‫فأثبتهــا فــي آخــر "بــراءة"‪ ،‬ولــو ت َمـ ْ‬
‫ســورة علــى ِح ـ َدةٍ"‪( .‬تفســير الطبــري‪)61-60/1 :‬‬

‫‪57‬‬
‫هكــذا‪ ،‬بهــذه الســهولة‪ :‬لجعلتهــا ســورة علــى‬
‫كأن الســور فــي القــرآن ليســت مــن صنع‬ ‫ِحـ َدةٍ! ّ‬
‫اللــه‪ ،‬ولــم تــزل فــي األمــر ســعة إلــى عهــد‬
‫أن تضــاف ســورة إلــى ســور القــرآن!‬ ‫عثمــان ْ‬
‫وتلــك اإلضافــة ال تحتــاج إلــى ســلطان‪ ،‬بــل‬
‫يمكــن أن يفعلهــا مــن ُكلّــف بجمــع القــرآن!‬

‫ومــا االختــاف الــذي حــدث بيــن المســلمين‪،‬‬


‫أي‪ :‬بيــن الصحابــة وتالميذهــم فــي قــراءة‬
‫القــرآن‪ ،‬حتــى اضطــر عثمــان إلــى أن أمــر‬
‫بمــا ســوى ذلــك مــن القــرآن فــي كل صحيفــة‬
‫أو مصحــف أن يمحــى أو يحــرق؟!‬

‫وإذاً‪ ،‬فالروايــات التــي جــاءت فــي جمــع القرآن‬


‫وتدوينــه‪ ،‬قــد ال تصلــح أب ـدًا ْ‬
‫ألن تكــون عمــدة‬
‫فــي أمــر جمــع القــرآن وتدوينــه‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫والعــودة إلــى القــرآن نفســه كفيلــة بحســم‬
‫األمــور‪ ،‬وهــو يلقــي القــول الفصــل فــي‬
‫ـورةُ الق َي َ‬
‫ام ـةِ ‪:‬‬ ‫الموضــوع‪ ،‬قــال تعالــى فــي ُسـ َ ِ‬
‫َّ َ‬ ‫َ َ َ َۡ ََ‬ ‫َ َُ ۡ‬
‫جل بِه ِٓۦ ‪ ١٦‬إِن َعل ۡي َنا‬ ‫﴿لا تح ّ ِرك بِهِۦ ل ِسانك ل ِتع‬
‫َ َ َ َ ۡ َ ٰ ُ َ َّ ۡ ُ ۡ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َۡ‬
‫جم َع ُهۥ َوق ۡر َءان ُهۥ ‪ ١٧‬فإِذا قرأنه فٱتبِع قرءانهۥ ‪١٨‬‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫ُ َّ َ‬
‫ث َّم إِن َعل ۡي َنا َب َيان ُهۥ ‪﴾ ١٩‬‬

‫‪59‬‬
‫المخطوطات تصدق القرآن‬
‫وتدحض الروايات‬

‫كل المخطوطــات التــي اكتشــفت كانــت مــن الــرق وتؤكــد بمــا‬


‫ال يتــرك مجــاال للشــك أن القــرآن الكريــم‬

‫منذ عهد الرسول كان يُكتب على الرقوق والصحائف‪.‬‬

‫مخطوطة برلين‬
‫تتألــف المخطوطــة مــن ســبع ُرقــوق (جمــع َر ّق‪ :‬جلــد حيــوان‬
‫كان يســتخدم للكتابــة) مكتــوب عليهــا آيــات بالخــط الحجــازي‬
‫مــن ســورتي "النســاء" و"المائــدة" (مــن اآليــة ‪ 138‬إلــى اآلية‬
‫‪ 155‬مــن النســاء‪ ،‬ومــن اآليــة ‪ 172‬مــن النســاء إلــى ‪87‬‬
‫مــن المائــدة)‪ .‬يبلــغ طــول الرقــوق حوالــي ‪ 35‬ســم وبعــرض‬
‫‪ 26‬ســم تقريبــا‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫أرســلت عينــة مــن رق المخطوطــة إلــى "المعهــد الفيدرالــي‬
‫للتكنولوجيــا" فــي زيوريــخ بسويســرا‪ ،‬الــذي يعتبــر واحــد‬
‫مــن أفضــل عشــر جامعــات علــى مســتوى العالــم‪ ،‬وذلــك‬
‫عمــر‬‫بغيــة إجــراء اختبــار الكربــون المشــع (‪ )C-14‬لتحديــد ُ‬
‫ـرق‪ .‬عــن نتيجــة الفحــص يقــول راوخ‪" :‬بنســبة ‪ 95‬فــإن‬ ‫الـ َ‬
‫الــر ّق يعــود لألعــوام بيــن ‪ 606‬و‪ 652‬ميــادي‪ .‬أرجــح أن‬ ‫َ‬
‫يكــون فــي حــدود العــام ‪ ."650‬مــن المعلــوم‪ ،‬أن النبــي محمــد‬
‫توفــي فــي العــام ‪ .632‬يضيــف الســيد رواخ قائــاً‪:‬‬ ‫ﷺ‬
‫"ولكــن الفحــص الكربونــي ال يعطــي نتائــج قاطعــة عــن‬
‫تاريــخ الكتابــة‪ ،‬بــل عــن عمــر الجلــد ال ُمســتخدم"‪ .‬يوافقــه‬
‫الــر ّق وليــس‬
‫الــرأي ماركــس ويضيــف‪" :‬لقــد تــم تأريــخ َ‬
‫الحبــر‪ .‬مــن المحتمــل نظريــاً‪ ،‬ولكنــه مســتبعد‪ ،‬أن يكــون‬
‫قــد تــم ذبــح الخــروف فــي هــذا الوقــت ولكــن تمــت الكتابــة‬
‫علــى جلــده فــي عقــود الحقــة‪ .‬ال حقائــق علميــة مطلقــة مائــة‬
‫بالمائــة"‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫مخطوطة لندن‬
‫عثــر علــى مخطوطــة قرآنيــة يزيــد عمرهــا عــن ‪1370‬‬
‫ســنة فــي جامعــة برمنغهــام البريطانيــة‪ ،‬وأظهــرت فحــوص‬
‫الكاربــون المشــع التــي أُجريــت فــي جامعــة أوكســفورد‬
‫أن الصفحــات المكتوبــة علــى الــرق المصنــوع مــن جلــود‬
‫األغنــام أو الماعــز‪ ،‬هــي مــن اقــدم المصاحــف فــي العالــم‪.‬‬

‫أُجريــت فحــوص الـــتأريخ باســتخدام الكاربــون المشــع فــي‬


‫جامعــة أوكســفورد‪ ،‬حيــث أظهــرت أن الصفحــات المكتوبــة‬
‫علــى الــرق المصنــوع مــن جلــود األغنــام أو الماعــز هــي‬
‫مــن اقــدم المصاحــف فــي العالــم‪.‬‬

‫وحســب نتائــج الفحــوص‪ ،‬فــإن صفحــات الــرق تعــود إلــى‬


‫الفتــرة الواقعــة بيــن عــام ‪ 568‬و عــام ‪ 645‬ميــادي‪ ،‬بنســبة‬
‫احتمــاالت تزيــد علــى ‪ 95‬فــي المئــة‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫مخطوطات صنعاء‬
‫أثنــاء أعمــال ترميــم الجامــع الكبيــر بصنعــاء‪ ،‬عاصمــة‬
‫اليمــن‪ ،‬إثــر ســقوط أمطــار غزيــرة عــام ‪ ،1972‬عثــر العمــال‬
‫علــى مخبــأ ســري بيــن الســقف الداخلــي والســقف الخارجــي‬
‫للجامــع‪.‬‬

‫وكانــت مفاجــأة للجميــع‪ ،‬عندمــا أخــرج العمــال مــن هــذا‬


‫المخبــأ‪ ،‬اآلالف مــن القصاصــات والدفاتــر والكتــب الباليــة‪،‬‬
‫ووجــدت كميــات هائلــة مــن الرقــوق الجلديــة مكتــوب عليهــا‬
‫بخطــوط عربيــة قديمــة‪.‬‬

‫وتبيــن بعــد ذلــك‪ ،‬أن مــا عثــروا عليــه يمثــل مكتبــة قرآنيــة‬
‫قديمــة‪ ،‬وأكــد رجــال اآلثــار اليمنيــون‪ ،‬أن المخطوطــات‬
‫المكتشــفة‪ ،‬تحتــوي علــى آيــات قرآنيــة يعــود تدوينهــا إلــى‬
‫القــرون األولــى للهجــرة‪.‬‬

‫وتــم إعــداد مشــروع يمنــي ‪ -‬ألمانــي مشــترك لترميــم‬


‫وتوثيــق هــذه المخطوطــات القرآنيــة‪ ،‬وبــدأ تنفيــذ المشــروع‬
‫عــام ‪ 1983‬واســتمر حتــى عــام ‪ .1996‬وقــد تمكــن الفريــق‬
‫مــن ترميــم ‪ 15‬ألــف صفحــة مــن نســخ القــرآن الكريــم مــن‬
‫مجمــوع المخطوطــات المكتشــفة البالــغ عددهــا نحــو ‪ 40‬ألــف‬
‫مخطوطــة‪ ،‬بينهــا ‪ 12‬ألــف رق جلــدي قرآنــي‪ ،‬جــرى فتحهــا‬
‫وتنظيفهــا ومعالجتهــا وتصنيفهــا وتجميعهــا‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫وعنــد فحــص طريقــة الكتابــة‪ ،‬ونــوع الحــروف المســتخدمة‪.‬‬
‫تبيــن للخبــراء أن بعــض القصاصــات التــي عثــر عليهــا‬
‫ترجــع إلــى نســخ قديمــة مــن القــرآن الكريــم فــي القرنيــن‬
‫الســابع والثامــن‪ ،‬أي القرنيــن األوليــن مــن التاريــخ الهجــري‪،‬‬
‫ممــا يجعلهــا مــن أقــدم النســخ القرآنيــة المكتشــفة حتــى اآلن‪.‬‬
‫كمــا تبيــن عنــد فحــص المخطوطــات‪ ،‬أنهــا قصاصــات وقطع‬
‫جلديــة صغيــرة الحجــم ومتباينــة النــوع والمصــدر‪ ،‬ال تشــكل‬
‫مصحفـا ً واحــدا ً متكامـاً‪ ،‬بــل أجــزاء مــن مصاحــف متعــددة‪.‬‬

‫كمــا أكــدت الدراســات التــي أجريــت حتــى اآلن‪ ،‬أن هــذه‬


‫المخطوطــات جــاءت مــن ‪ 800‬مصحــف يرجــع تاريخهــا‬
‫إلــى الفتــرة التــي تمتــد بيــن القرنيــن األول والخامــس‬
‫للهجــرة‪ ،‬أي بيــن القرنيــن الســابع والحــادي عشــر للميــاد‪،‬‬
‫تبيــن المراحــل المختلفــة التــي مــرت بهــا عمليــة تدويــن‬
‫المصاحــف تبعـا ً ألنــواع الخطــوط وقواعــد الضبــط اللغــوي‪.‬‬
‫هــذا باإلضافــة لمخطوطــات "باريســينو بيتروبوليتانــس"‬
‫ومخطوطــات "توبنغــن"‪ .‬ومخطوطــة "طــوب قابــي"‬
‫ومخطوطــة "ســمرقند"‪.‬‬

‫جميعهــا مخطوطــات قرآنيــة مكتوبــة علــى الرقــوق‬


‫والصحائــف وال دليــل للعســب واألحجــار والعظــام كمــا‬
‫ذكــرت الروايــات‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫اختالفات الفقهاء والمفسرين‬

‫اختالف الفقهاء‬
‫واتفاقهم‬
‫ب ال َح َكــم علــى كل شــيء‪ ،‬وهــو الــذي صلح بــه ّأول‬ ‫هــو ْال ِكتَــا ِ‬
‫سنُ ْســأل عنــه‪،‬‬ ‫األمــة وهــو صــاح آخرهــا‪ ،‬والوحيــد الــذي َ‬
‫َ َّ ُ َ ۡ ‪َ ُ َ ۡ ُ َ ۡ َ َ َ ۡ َ َ َ َّ ٞ‬‬
‫الز ۡخ ُر ِف ‪٤٤‬‬
‫ورةُ ُّ‬
‫ون﴾ ُس َ‬ ‫﴿وِإنهۥ لذِكر لك ول ِقومِك ۖ وسوف تسـٔل‬
‫ســم ْعت)‬‫وليــس عــن الروايــات واألحاديــث و(قِيــ َل وقــال و َ‬
‫أو فتــاوى الموتــى التــي نجدهــا مــع ُك ّل آيــة مــن كتــاب اللــه‬
‫تعالــى‪ ،‬حيــث ال َكـ ّم الهائـ ُل مــن الروايــات واألحاديــث‪( ،‬وقــال‬
‫فــان وأفتــى عــان)‪ ،‬لتغــدو مدونــات التفاســير بــاآلالف بــل‬
‫عشــرات اآلالف و لتغــدو بعــض المجلــدات لمؤلــف واحــد‪-‬‬
‫أو األصــح لمجمــع األقــوال والروايــات إلــى أكثــر مــن ‪30‬‬
‫ـرارا ونقــوالت وتصحي ًحــا لروايــات‬ ‫مجل ـدًا‪ ،‬ممــا يشــكل تكـ ً‬
‫وأحاديــث‪ ،‬أو تضعيفًــا ألخــرى‪ ،‬أو ردًا لمــا ص ّححــه آخرون‪،‬‬
‫كمــا فــي آيــة الوضــوء والتيمــم فــي قــول اللــه تعالــى‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫كمۡ‬ ‫َ ٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ٓ ْ َ ُ ۡ ُ ۡ َ َّ َ ٰ ِ َ ۡ ُ ْ ُ ُ َ ُ‬
‫﴿يأيها ٱلذِين ءامنوا إِذا قمتم إِلى ٱلصلوة فٱغسِلوا وجوه‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ۡ َ ُ ْ‬ ‫َ ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حوا ب ِ ُر ُءوسِك ۡم َوأ ۡر ُجلك ۡم إِلى‬ ‫َوأيۡدِيَك ۡم إِلى ٱل َم َراف ِِق وٱمس‬
‫ۡ َ ۡ َ ۡ َ ُ ُ ۡ ُ ُ ٗ َ َّ َّ ُ ْ َ ُ ُ َّ ۡ َ ٰٓ َ ۡ َ َ ٰ َ َ‬
‫ٱلكعبي ِنۚ وِإن كنتم جنبا فٱطهر ۚوا وِإن كنتم مرضـى أو على سف ٍر‬
‫َ ۡ َ ٓ َ َ َ ‪ْ ُ َ ۡ َ َ َ ٓ َ ّ ُ ُ ۡ َ َٰ ۡ َ ٓ َ ۡ َ ّ ُ ّ ٞ‬‬
‫أو جاء أحد مِنكم مِن ٱلغائ ِ ِط أو لمستم ٱلنِساء فلم ت ِجدوا‬
‫ِيكم ّم ِۡنهُ‬ ‫ُ‬ ‫ِك ۡم َو َأيدۡ‬‫ُ‬ ‫َ ٓ ٗ َ َ َ َّ ُ ْ َ ٗ َ ّ ٗ َ ۡ َ ُ ْ‬
‫حوا ب ِ ُو ُجوه‬ ‫ماء فتيمموا صعِيدا طيِبا فٱمس‬
‫ۚ‬
‫ُ‬ ‫كم ّم ِۡن َح َرج َو َلٰكن يُر ُ‬ ‫َ ُ ُ َّ ُ َ ۡ َ َ َ َ ۡ ُ‬
‫يد ل ُِي َط ّ ِه َرك ۡم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٖ‬ ‫ما ي ِريد ٱلل ل ِيجعل علي‬
‫َ َ ُ َ َّ ُ َ ۡ ُ َ‬
‫َول ُِيت ِ َّم ن ِۡع َم َت ُهۥ عل ۡيك ۡم ل َعلك ۡم تشك ُرون﴾‬
‫ورةُ َ‬
‫المائـِ َدة ِ ‪6‬‬ ‫ُس َ‬

‫‪68‬‬
‫إن أداء مــا افترضــه وأوجبــه اللــه تعالــى فــي الوضــوء وفــي‬
‫التي ّمــم صريــح وواضــح فــي اآليــة‪ ،‬ولقــد توضــأ رســول اللــه‬
‫صلــى اللــه عليــه وســلم وتيمــم كمــا توضــأ وتيمــم الصحابــة‬
‫ـتقر‬
‫والتابعــون ومــن تبعهــم وكل مســلم بعــد كل حــدث‪ .‬واسـ ّ‬
‫ذلــك وصــار ممــا يعلــم مــن الديــن بالضــرورة‪ ،‬ال يجهلــه‬
‫ـرا تتناقلــه‬‫مســلم إلــى يومنــا هــذا‪ ،‬وغــدا واقعًــا عمليًــا متواتـ ً‬
‫األ ّمــة جيـ ًـا بعــد جيــل علــى مــدى أكثــر مــن (‪ 1440‬ســنة)‪.‬‬
‫هــم يغســلون وجوههــم ثــم أيديهــم إلــى المرافــق ثــم يمســحون‬
‫رؤوســهم ثــم يغســلون أرجلهــم إلــى الكعبيــن‪ ،‬و بذلــك يتـ ّم مــا‬
‫فــرض اللــه تعالــى عليهــم من الوضــوء‪ .‬لكن بســبب الروايات‬
‫واألحاديــث واألقــوال اختلــف األئمــة والعلمــاء وتالميذهــم‬
‫وأتباعهــم فــي هــل المضمضــة واالستنشــاق واجبــان فــي‬
‫الوضــوء والغســل؟ كمــا هــو مذهــب أحمــد بــن حنبــل أم همــا‬
‫مســتحبّان فيهمــا كمــا هــو مذهــب مالــك والشــافعي أو واجبــان‬
‫فــي الغســل دون الوضــوء كمــا هــو مذهــب أبــي حنيفــة أو‬
‫وجــوب االستنشــاق دون المضمضــة كمــا فــي روايــة عــن‬
‫اإلمــام أحمــد؟‬

‫وكــذا األمــر فــي المســح علــى الــرأس‪ ...‬هــل هــو إلصــاق اليد‬
‫بالــرأس أو مجــرد تمريــر لهــا؟ وفــي المســح علــى الــرأس‬
‫كلــه أو النصــف أو الربــع أو أي جــزء منــه‪ .‬فَ َخفَـ َ‬
‫ـت التدبــر‬
‫والنظــر فــي نــور كالم اللــه تعالــى‪ ،‬حتــى حجــب فهمــه إال‬

‫‪69‬‬
‫عــن طريــق الدخــول فــي تشــعبات الروايــات واألحاديــث‬
‫ســر‪،‬‬‫واألقاويــل‪ ،‬واللــه تعالــى فــي آيــات كثيــرة يقــول‪ :‬إنــه ُمي ّ‬
‫وإنــه بلســاننا العربــي‬
‫ُّ َّ‬ ‫ََۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ َ ۡ َ َّ ۡ َ ۡ ُ َ َ ّ‬
‫﴿ولقد يسرنا ٱلق ۡرءان ل ِلذِك ِر فهل مِن مدك ِٖر﴾ سورة‬
‫ُ َُ َ‬
‫الق َم ِر ‪17‬‬
‫َ َّ َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫ان ‪٥٨‬‬ ‫ُ َ ُ ُّ َ‬
‫سورة الدخ ِ‬ ‫﴿فإِن َما ي َ َّس ۡرنٰ ُه بِل َِسان ِك ل َعل ُه ۡم َي َتذك ُرون﴾‬
‫َ ُّ ٗ‬ ‫ۡ ُ َّ َ ُ‬ ‫َ َ ّ‬ ‫َ َّ َ َّ َ ُ‬
‫ين َوتنذ َِر بِهِۦ ق ۡو ٗما ل ّدا﴾‬ ‫﴿فإِن َما يس ۡرنٰه بِل َِسان ِك ل ُِتب ِش َر بِهِ ٱلمتقِ‬
‫ورةُ َم ۡر َي َم ‪٩٧‬‬
‫ُس َ‬

‫المصيبــة أن تظــن أن كالم اللــه تعالــى ناقــص أو غيــر مفهــوم‬


‫لتكملــه هــذه الروايــات واألحاديــث واألقاويــل‪ ،‬أو تشــرحه‬
‫وتفســره‪ ،‬ويُنســى أو يُتناســى‪ ،‬إن أكثــر مــا يمكــن أن يُســتفاد‬
‫مــن هــذه الروايــات واألحاديــث واألقاويــل‪ ،‬أنــه يُسـتَأنس بهــا‬
‫فقــط‪ ،‬وال تشــرع حكمــا‪ ،‬كوضــع اليديــن فــي الصــاة‪ ،‬أو‬
‫وضــع الكــف األيمــن علــى األيســر أووضعهمــا علــى الصــدر‬
‫أو تحــت الصــدر‪ ،‬أو علــى الســرة‪ ،‬أو إســدالهما‪ .‬فالركــن‬
‫والفــرض فــي الصــاة هــو القيــام‪ ،‬ســواء وضعــت اليــد‬
‫اليمنــى علــى اليســرى علــى الصــدر أو الســرة أو أســدلتا فهــو‬
‫ال يؤثــر فــي أداء الصــاة‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫إن تقديــس وتقديــم الروايــات واألحاديث و(قيل وقــال وحدثنا‪،‬‬
‫وســمعنا)‪ ،‬جعلهــا ال َح َكــم علــى كتــاب اللــه تعالــى‪ ،‬وبوابــة‬
‫لفهمــه‪ ،‬فتفرقــت األمــة إلــى طوائــف ومذاهــب‪ ،‬وصــارت‬
‫هــذه التفاســير‪ ،‬واألقــوال‪ ،‬والروايــات واألحاديــث هــي الديــن‬
‫والتشــريع وقدمــت علــى الثابــت يقينًــا "الكتــاب والســنّة‬
‫ألن الديــن‪ ،‬وتشــريع‬ ‫المتيقنــة" – المقطــوع بثبوتهمــا – ّ‬
‫األحــكام‪ ،‬ال يثبــت إال بهمــا‪ ،‬وبهمــا فقــط تقــوم ال ُح ّجــة‪ ،‬وتبلّــغ‬
‫الرســالة‪ ،‬فهمــا الدليــل القطعــي الثبــوت‪ ،‬والداللــة‪ ،‬والنــور‬
‫ِل ـ ُكل ظلمــة‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫دفع القرآن لغرائب‬
‫الفتاوي‬
‫حكم من مات عنها زوجها وأتت بمولود بعد سنتين‬

‫فلــو طلقــت المــرأة أو مــات عنهــا زوجهــا‪ ،‬فلــم تنكــح حتــى‬


‫أتــت بولــد بعــد طالقهــا أو مــوت زوجهــا بأربــع ســنين‪ ،‬فــإن‬
‫الولــد يلحقــه وتنقضــي عدتهــا بوضعهــا الحمــل‪ ،‬وهــذا مذهــب‬
‫المالكيــة والشــافعية والحنابلــة‪.‬‬

‫وقال الحنفية‪ :‬أقصى مدة الحمل سنتان‪.‬‬


‫(الفقه على المذاهب األربعة)‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫وحجــة الجمهــور أن مــا ال نــص فيــه يرجــع فيــه إلــى الوجود‪،‬‬
‫وقــد وجــد مــن تحمــل أربــع ســنين‪ ،‬فــروى الدارقطنــي عــن‬
‫الوليــد بــن مســلم قــال‪ :‬قلــت لمالــك بــن أنــس عــن حديــث‬
‫عائشــة قالــت‪ :‬ال تزيــد المــرأة فــي حملهــا علــى ســنتين‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ســبحان اللــه‪ ،‬مــن يقــول هــذا؟ هــذه جارتنــا امــرأة محمــد بــن‬
‫عجــان امــرأة صــدق‪ ،‬وزوجهــا رجــل صــدق‪ ،‬حملــت ثالثــة‬
‫أبطــن فــي اثنتــي عشــر ســنة‪ ،‬وقــال الشــافعي‪ :‬بقــي محمــد‬
‫بــن عجــان فــي بطــن أمــه أربــع ســنين‪ ،‬وقــال أحمــد‪ ،‬نســاء‬
‫ابــن عجــان تحمــل أربــع ســنين‪.‬‬

‫وعليــه‪ ،‬فمــن ولــدت علــى رأس ســنتين‪ ،‬فــإن الولــد يلحــق‬


‫زوجهــا الــذي طلقهــا أو مــات عنهــا إن لــم تكــن تزوجــت‬
‫بغيــره‪ ،‬وهــذا محــل اتفــاق بيــن أهــل المذاهــب المتبوعــة‪.‬‬

‫وقــال شــيخ اإلســام زكريــاء األنصــاري رحمــه اللــه فــي‬


‫(أســنى المطالــب) فــإن طلقهــا بائنًــا وكــذا رجعيًــا أو فســخ‬
‫نكاحهــا ولــو بلعــان ولــم ينــف الحمــل فولــدت ألربــع ســنين‬
‫فأقــل مــن وقــت إمــكان العلــوق قبيــل الطــاق أو الفســخ‬
‫لحقــه‪ ،‬وبــان أن العــدة لــم تنقــض إن لــم تنكــح المــرأة آخــر‬
‫أو نكحــت ولــم يمكــن كــون الولــد مــن الثانــي لقيــام اإلمــكان‪،‬‬
‫ســواء أقــرت بانقضــاء عدتهــا قبــل والدتهــا أم ال‪ ،‬ألن النســب‬
‫حــق الولــد فــا ينقطــع بإقرارهــا‪ .‬واللــه أعلــم‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫أكثر مدة الحمل‬
‫في القرآن‬
‫أن اآليــات التــي جــاءت فــي موضــوع الحمــل‬ ‫مــن الواضــح ّ‬
‫إنمــا جــاءت مــن أجــل بيــان جملــة أحــكام‪ ،‬ومــن بينهــا نســب‬
‫المولــود‪ ،‬ولــم تكــن فــي مجملهــا آيــات مباشــرة فــي النطــق‬
‫بأكثــر مــدة الحمــل وأقلــه‪ ،‬إال أن األحــكام نفســها اقتضــت‬
‫معرفــة هــذه الحــدود‪ ،‬واقتضــت النظــر فــي نفــس اآليــات مــن‬
‫أجــل الوصــول لهــذه المعرفــة‪.‬‬

‫إن أحــكام النســب اســتوجبت معرفــة أقــل مــدة الحمــل ألننــا‬


‫بموجــب هــذا العلــم والمعرفــة صرنــا نحكــم بــأن مــن جــاءت‬
‫بولــد بعــد ســتة أشــهر مــن زواجهــا فــإن الولــد للــزوج‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫َ ُ ََُ َ َ‬ ‫َ َُۡ‬ ‫ُ َُ ََۡ‬
‫﴿وحمل ُهۥ َوف ِصٰل ُهۥ ثلٰثون ش ۡه ًراۚ﴾‬ ‫اف ‪١٥‬‬
‫ورة الأحق ِ‬‫س‬
‫ظهــر منهــا لعلــي بــن أبــي طالــب ومــن تبعــه دون عنــاء أقــل‬
‫مــدة الحمــل‪ ،‬وإذا لــم يظهــر مــن اآليــة أكثــره‪ ،‬أو لــم يكــن‬
‫بيانــه مقصــوداً‪ ،‬منهــا فــا غرابــة ألن الغالــب فــي أكثــره‬
‫ـر للعيــان‪ ،‬وال يحتــاج إلــى مزيــد بيــان‪.‬‬ ‫(تســعة شــهور) ظاهـ ٌ‬
‫لكــن بمــا أن الفقــه خــاض فــي أكثــر مــدة الحمــل وقــال فيهــا‬
‫شــططا‪ ،‬وصــار هــذا الشــطط دينــا ً متبعــا‪ ،‬وترتبــت علــى‬
‫هــذه األقــوال أحــكا ٌم كمــا ترتبــت علــى معرفــة أقــل مــدة‬
‫الحمــل‪ ،‬كان ال بــد مــن الرجــوع لآليــات لنســتنطقها بأكثــر‬
‫مــدة الحمــل‪.‬‬
‫قول الله تعالى‪:‬‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َُۡ‬
‫﴿وحمل ُهۥ َوف ِصٰل ُهۥ ثلٰثون ش ۡه ًراۚ﴾‬
‫والرضــاع معًــا‪ ،‬فــا يكــون "حمــل‬ ‫وضــع حــدًا للحمــل ِ‬
‫ورضــاع" أكثــر مــن الحــد الــذي حــده اللــه تعالــى فــي اآليــة‬
‫الكريمــة محــاً الســتنباط األحــكام أو ألي بحــث شــرعي‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫ّ‬
‫أقل مدة الحمل‬
‫في القرآن‬
‫فــي المــوروث الفقهــي يُنســب لعلــي بــن أبــي طالــب ‪-‬رضــي‬
‫اللــه تعالــى عنــه‪ -‬أنــه أول مــن تحــدث بأقــل مــدة الحمــل‬
‫مســتدالً علــى ذلــك بآيتيــن مــن كتــاب اللــه وهمــا قولــه تعالــى‬
‫ُ َُ ََۡ‬
‫اف ‪١٥‬‬ ‫ورة الأحق ِ‬ ‫فــي اآليــة مــن س‬
‫ٗ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ٰ َ َٰ َ ۡ ۡ َ ٰ َ َ‬ ‫ۡ‬
‫س ًناۖ حمل ۡت ُه أ ُّم ُهۥ ك ۡرها‬ ‫﴿و َو َّص ۡي َنا ٱل ِإنسن بِول ِديهِ إِح‬
‫َ‬
‫ون َش ۡه ًراۚ﴾‪.‬‬‫َ َ َ َ ۡ ُ ُ ۡ ٗ َ َ ۡ ُ ُ َ َ ٰ ُ ُ َ َٰ ُ َ‬
‫ووضعته كرهاۖ وحملهۥ وف ِصلهۥ ثلث‬
‫الب َق َرة ِ ‪233‬‬
‫ورةُ َ‬
‫وقوله تعالى في اآلية من ُس َ‬
‫َۡ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َۡ َ ُ‬
‫ض ۡع َن أ ۡول ٰ َده َّن َح ۡولي ِن‬
‫﴿وٱلوٰل ِدٰت يُ ۡر ِ‬
‫َ َ ۡ َ ۡ َ َ َ َ ُ َّ َّ َ َ َ‬
‫كامِلي ِنۖ ل ِمن أراد أن يتِم ٱلرضاعة ۚ﴾‬
‫ليصــل مــن الجمــع بيــن اآليتيــن إلــى أن أقــل مــدة الحمــل هــي‬
‫ســتة شــهور‪ .‬وفقـا ً للمنطــق الرياضــي التالي‪:‬‬
‫ثالثــون شــهرا ً هــي مــدة الحمــل والرضــاع معـا ً كمــا جــاء في‬
‫َ ُ ََُ َ َ‬ ‫َ َُۡ‬ ‫ُ َُ ََۡ‬
‫﴿وحمل ُهۥ َوف ِصٰل ُهۥ ثلٰثون ش ۡه ًراۚ﴾‪،‬‬ ‫اف ‪١٥‬‬
‫ورة الأحق ِ‬‫س‬
‫وأربعة وعشرون شهرا ً هي مدة الرضاع الكاملة كما جاء في‬
‫َ ۡ َ ٰ َ ٰ ُ ُ ۡ ۡ َ َ ۡ َ ٰ َ ُ َّ َ ۡ َ ۡ َ َ ۡ‬ ‫ُ َُ ََ‬
‫ضعن أولدهن حولين كامِلي ِنۖ‬ ‫البق َرة ِ ‪﴿ 233‬وٱلول ِدت ير ِ‬ ‫سورة‬
‫َ ۡ َ َ َ َ ُ َّ َّ َ َ َ‬
‫ٱلرضاعة ۚ﴾‬ ‫ل ِمن أراد أن يتِم‬

‫‪76‬‬
‫ُ‬
‫ُ َُ ۡ َ َ‬
‫ان ‪١٤‬‬ ‫ويعضدها اآلية من سورة لقم‬
‫َ َ َّ ۡ َ ۡ َ ٰ َ َ َ ۡ َ َ َ ۡ ُ ُ ُّ ُ َ ۡ ً َ َ َ ۡ َ َ ٰ ُُ‬
‫﴿ووصينا ٱل ِإنسن بِوٰل ِديهِ حملته أمهۥ وهنا عل ٰى وه ٖن وف ِصلهۥ فِي‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ۡ َ ۡ ُ ۡ َ َ َ ۡ َ َ َّ ۡ‬
‫عامي ِن أ ِن ٱشكر لِي ول ِوٰل ِديك إِلي ٱلم ِصير﴾‬
‫فلــزم مــن ذلــك أن أقــل مــدة الحمــل ســتة أشــهر‪ ،‬وذلــك‬
‫بطــرح مــدة الرضــاع الكاملــة (‪ 24‬شــهراً) مــن مــدة الحمــل‬
‫والرضاعــة معـا ً (‪ 30‬شــهراً) وفقـا ً للمعادلــة البســيطة التاليــة‪:‬‬
‫‪6 = 24 – 30‬‬

‫وقــد وافــق "علــي" الكثيــر مــن الصحابــة ‪ -‬رضــوان اللــه‬


‫عليهــم ‪ -‬علــى هــذا الفهــم ‪ -‬حســب الروايــات ‪ -‬التــي وصلتنــا‪،‬‬
‫وكذلــك الذيــن جــاؤوا بعدهــم‪ ،‬وإلــى يومنــا هــذا‪ .‬وال تــكاد‬
‫متصــدر للفتــوى فــي أيامنــا هــذه عــن‬
‫ٍ‬ ‫توجــه ســؤاالً ألي‬
‫أقــل مــدة الحمــل وأدلتهــا مــن القــرآن إال وأجابــك بنفــس‬
‫هــذا الجــواب‪ .‬ممــا يمكننــا مــن القــول إن هــذا الــرأي ممــا ال‬
‫خــاف عليــه بيــن مذاهــب المســلمين‪.‬‬

‫إال أن ســجالت الطــب الحديــث عرفــت بعــض حــاالت الوالدة‬


‫لمواليــد أحيــاء‪ ،‬واســتمروا أحيــا ًء بمــدة حمــل أقــل مــن ســتة‬
‫أشــهر‪ .‬ممــا يســتوجب التعــرف علــى رأي الطب فــي أقل مدة‬
‫الحمــل‪ ،‬ومــدى توافقهــا أو تعارضهــا مــع الفهــم المســتنبط‬
‫مــن كتــاب اللــه‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫ً‬
‫الزوج ليس ملزما‬
‫بعالج زوجه‬
‫هنــاك إجمــاع واتفــاق بيــن المذاهــب‬
‫األربعــة وغيرهــم كلهــم نصــوا على أن‬
‫(الــزوج ليــس ملزم ـا ً بعــاج زوجــه)‪،‬‬
‫وذلــك ألن المــرض متعلــق ببدنهــا‪،‬‬
‫وهــذا أمــر يتعلــق بذاتهــا وليــس لــه‬
‫صلــة بالحيــاة الزوجيــة‪ ،‬صحيــح أنــه‬
‫ال يمكنــه أن يســتمتع بهــا إال إذا شــفيت‪،‬‬
‫هــذا شــيء ال يعنينــا مثلمــا لــو اســتأجر‬
‫أجيــرا ً لعمــل ومــرض األجيــر‪ ،‬فليــس‬
‫مــن حقــه أن يطالــب‪...‬‬

‫‪78‬‬
‫فتاوى ابن باز و ابن عثيمين حول هذا الموضوع‪:‬‬
‫‪ 24‬أكتوبر ‪· 2014‬‬

‫هل يجب على الزوج نفقات عالج زوجته؟‬


‫السؤال‪:‬‬
‫مــن المعلــوم أن النفقــة مــن الــزوج علــى زوجتــه واجبــة‪،‬‬
‫ب ونحــوه‬
‫ولكــن ذكــر صاحــب الــزاد‪ :‬وال تجــب إلــى طبي ـ ٍ‬
‫فهــل هــذا صحيــح؟‬

‫الجواب‪:‬‬
‫"الــدواء للــزوج علــى زوجتــه علــى المذهــب ال تجــب‪ ،‬ألنهــا‬
‫أمــر طــارئ خــارج عــن النفقــة‪ .‬والصحيــح فــي هــذا أن‬ ‫ٌ‬
‫نتبــع العــرف‪ :‬إن جــرت العــادة أن الــزوج يــداوي زوجتــه‬
‫وجــب عليــه‪ ،‬وإن لــم تجــر العــادة فــي ذلــك لــم يجــب‪ ،‬وأظــن‬
‫العــرف عندنــا يختلــف‪ ،‬النفقــات الباهظــة ‪-‬مثـاَ‪ -‬لــو تحتــاج‬
‫إلــى عمليــة فــي الخــارج ال تلــزم الــزوج‪ ،‬والشــيء اليســير‬
‫يلــزم الــزوج‪ ،‬والميــزان عنــدك اجعلــه دائمــا ً بيــن يديــك‪،‬‬
‫وهــو قــول اللــه تبــارك وتعالــى‪:‬‬
‫ۡ ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫اش ُروه َّن بِٱل َمع ُر ِ ۚ‬
‫ُ َُ ّ‬
‫الن ِ َسا ِء ‪19‬‬ ‫وف﴾ سورة‬ ‫﴿وع ِ‬
‫وقــول الرســول صلــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬ولهــن عليكــم‬
‫رزقهــن وكســوتهن بالمعــروف» فاتبعــوا العــرف فــي هــذا‪".‬‬
‫المصدر‪ :‬سلسلة لقاءات الباب المفتوح (‪)184‬‬

‫‪79‬‬
‫فهــذا حقهــا فــي النفقــة عند التشــاح‪ ،‬وإال فاألصل أن يعاشــرها‬
‫بالمعــروف‪ ،‬ويطعمهــا معــه‪ ،‬ويكرمهــا‪ ،‬ويتبيــن مــن ذلــك أنــه‬
‫لــو أعطاهــا حقهــا مــن الطعــام‪ ،‬وأكل هــو مــا هــو أرفــع منــه‬
‫أنــه ال إثــم عليــه ‪ -‬مــع كــون هــذا يتنافــى مــع المــروءة ‪ -‬وال‬
‫يلزمــه أن يُجيبهــا فــي كل مــا تطلبــه‪ ،‬بــل الواجــب أن يُعطيهــا‬
‫حقهــا‪ ،‬وكذلــك يعطيهــا مــن الحلــوى المعروفــة لمثلهــا قــال‬
‫اجبَــة‬ ‫المــاوردي" َونَفَقَــة َّ‬
‫الز ْو َجــة إِذا مكنــت مــن نَفســ َها َو ِ‬
‫ســاره وإعســاره‪ ،‬فَــإِذا َكانَ ُمو ِس ً‬
‫ــرا‬ ‫علــى َّ‬
‫الــز ْوج ِب َحســب ي َ‬
‫فمــدان مــن غَالــب َمــا يقتاتــه أَهلــه مــن ْال ُحبُــوب َومــن ْالدم‬
‫عــا َدة الموســرين مــن اللَّ ْحــم والحلــوى"‪.‬‬‫َمــا جــرت بِـ ِه َ‬

‫وهــذا بنــاء علــى مذهــب الشــافعي مــن اعتبــار النفقــة بحــال‬


‫الــزوج‪ ،‬والصحيــح اعتبارهــا بحالهمــا معًــا كمــا تقــدم‪ ،‬وقــال‬
‫البابرتــي الحنفــي فــي العنايــة‪ :‬إذا كان الــزوج يــأكل الحلــوى‬
‫والحمــل المشــوي والباجــات‪ ،‬والمــرأة كانــت تــأكل فــي بيتهــا‬
‫خبــز الشــعير ال يؤمــر الــزوج بــأن يطعمهــا مــا يــأكل بنفســه‬
‫وال مــا كانــت المــرأة تــأكل فــي بيتهــا ولكــن يطعمهــا فيمــا‬
‫بيــن ذلــك‪ ،‬يطعمهــا خبــز البــر وباجــة أو باجتيــن‪.‬‬

‫والشــاهد‪ :‬أنــه يُفــرض لهــا الحلــوى علــى حســب حالهــا‪،‬‬


‫وقــد نــص بعــض الفقهــاء أنــه ال يفــرض لهــا مــن الفاكهــة‪،‬‬
‫والحلــوى إال إذا كانــت إدامــا‪ ،‬ففــي منــح الجليــل عســل وال‬
‫ســمن أي إال أن يكــون إدامــا عــادة وال حلــوى وال حالــوم وال‬
‫‪80‬‬
‫فاكهــة ال رطبــة وال يابســة أي إال أن يكونــا إداميــن عــادة‬
‫كقثــاء وخيــار‪.‬‬

‫وجــاء فــي حاشــية الجمــل‪ :‬ولــو غلــب التــأدم بالفواكــه فــي‬


‫بعــض األوقــات وجبــت‪ ،‬وأ ّمــا مــا ال يتــأدم بــه منهــا فــا‬
‫يجــب مــا لــم يعتــد اإلتيــان بــه وإال وجــب‪ ،‬ومــن ثــم نقــل عــن‬
‫شــيخنا أن مــا جــرت بــه العــادة مــن أن الفاكهــة إن كانــت‬
‫تزيــد علــى األدم تجــب مــع األدم‪.‬‬

‫وجــاء فــي كتــاب "الــروض المربــع بشــرح زاد المســتقنع"‬


‫المســتند للفقــه الحنبلــي الــذي يــدرس إلــى اليــوم فــي بعــض‬
‫المــدارس فــي صفحتــي ‪ 90‬و‪ 91‬يقــول‪:‬‬

‫"ال يلــزم الــزوج لزوجتــه دواء وأجــرة طبيــب إذا مرضــت‪،‬‬


‫ألن ذلــك ليــس مــن حاجتهــا الضروريــة المعتــادة‪ ،‬وكــذا ال‬
‫يلزمــه ثمــن طبيــب وحنــاء وخضــاب ونحــوه‪ ،‬وإن أراد منهــا‬
‫تزيينــا أو قطــع رائحــة كريهــة وأتــى بــه لزمهــا"‪.‬‬

‫وفــي كتــاب "االختيــار لتعليــل المختــار" حســب المذهــب‬


‫الحنفــي صفحــة ‪ 171‬يقــول المؤلــف‪" :‬وال نفقــة علــى مــن‬
‫تــم اغتصابهــا"‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫المودة والرحمة في‬
‫القرآن والعدل‬
‫ُ ۡ ََۡ ٗ َّ ۡ ُ‬
‫ك ُن ٓوا ْ إل َ ۡيهاَ‬ ‫َ ۡ َ َٰ ٓ َ ۡ َ َ َ َ ُ ّ ۡ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ٰ‬
‫﴿ومِن ءايتِهِۦ أن خلق لكم مِن أنفسِكم أزوجا ل ِتس‬
‫َ ٰ َ َ ٰ ّ َ ۡ َ َ َ َّ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ۡ َ ُ َّ َ َّ ٗ َ َ ۡ َ ً َّ‬
‫ت ل ِقو ٖم يتفكرون﴾‬ ‫وجعل بينكم مودة ورحمة ۚ إِن فِي ذل ِك ٓأَلي ٖ‬
‫الر ِوم ‪21‬‬‫ورةُ ُّ‬
‫ُس َ‬

‫‪ٞ‬‬ ‫َ‬
‫ِلر َجا ِل َعل ۡي ِه َّن َد َر َجة ۗ‬
‫وف َول ّ‬ ‫ُ‬
‫ر‬ ‫﴿ول َ ُه َّن م ِۡث ُل ٱلَّذِي َعلَ ۡيه َّن بٱل ۡ َم ۡ‬
‫ع‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ۚ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يز َحك ٌ‬
‫ِيم﴾‬ ‫ٱلل َعز ٌ‬ ‫َو َّ ُ‬
‫ُ َ ُ َ ََ‬
‫سورة البقرة ِ ‪228‬‬ ‫ِ‬

‫هل الدرجة الواحدة تعني كل هذا الذي عناه فقه المذاهب؟‬

‫‪82‬‬
‫أكل البشر حسب‬
‫المذاهب األربعة‬
‫هنــاك كتــب موثقــة فــي المرجعيــات الدينيــة التراثيــة‬
‫والمعاصــرة الحديثــة تــدرس فــي بعــض المــدارس والمعاهــد‬
‫الدينيــة المعتبــرة‪ ،‬أهمهــا‪:‬‬

‫"اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع"‪:‬‬

‫كتــاب فــي الفقــه للشــيخ شــمس الديــن محمــد بــن محمــد‬


‫الخطيــب الشــربيني (ت‪977 .‬هـــ) شــرح فيــه متــن الغايــة‬
‫والتقريــب المعــروف بـ"متــن أبــي شــجاع"‪ ،‬ويعــد مــن أهــم‬
‫كتــب الشــافعية الفقهيــة وأشــهرها‪ ،‬وهــو مــن الكتــب المعتمــدة‬
‫فــي التدريــس فــي المعاهــد والمــدارس الشــرعية اإلســامية‪.‬‬

‫و"الشــرح الصغيــر"‪ :‬هــو شــرح الشــيخ الدرديــر لكتابــه‬


‫ـام َما ِلــكٍ ) المؤلــف‪:‬‬
‫ال َمـ ِ‬ ‫المســمى (أقــرب المســالك ِل َم ْذ َه ـ ِ‬
‫ب ِْ‬
‫أبــو العبــاس أحمــد بــن محمــد الخلوتــي‪ ،‬الشــهير بالصــاوي‬
‫المالكــي (المتوفــى‪1241 :‬هـــ)‬

‫و"االختيار لتعليل المختار"‪:‬‬

‫وجــاء فــي تعريفــه‪ :‬مؤلفــه عبــد اللــه بــن محمــود الموصلــي‬


‫الحنفــي المتوفــى‪683( :‬هـــ)‪ :‬وهــو كتــاب مــن مراجــع الفقــه‬

‫‪83‬‬
‫اإلســامي لــدى الفقهــاء والعلمــاء فــي مذهــب اإلمــام األعظــم‬
‫أبــي حنيفــة كان وال زال منهـاً عذبـا ً لطــاب العلــم ينهلــون‬
‫منــه الفقــه باألحــكام الشــرعية فــي المعاهــد والكليــات ودور‬
‫العلــم‪.‬‬

‫و"الروض المربع بشرح زاد المستقنع"‪:‬‬

‫لمنصــور بــن يونــس بــن إدريــس البهوتــي ‪ -‬عبــد اللــه بــن‬


‫عبــد العزيــز العنقــري الحنبلــي المتوفــى‪1051 :‬هـــ‪.‬‬

‫وفــي هــذه الكتــب‪ ،‬مــا يحــل أكل لحــوم البشــر‪" :‬وللمضطــر‬


‫أكل آدمــي ميــت إذا لــم يجــد ميتــة غيــره أمــا إذا كان الميــت‬
‫مســلما والمضطــر كافــرا فإنــه ال يجــوز األكل منــه لشــرف‬
‫اإلســام"‪ .‬فــي الصفحــات مــن ‪ 255‬إلــى ‪ 257‬مــن كتــاب‬
‫اإلقنــاع"‪.‬‬

‫وإنــه يحــل أكل اإلنســان لبعــض جســمه وقــت المجاعــة‬


‫وللمســلم قتــل مرتــد وأكلــه‪ ،‬وقتــل حربــي‪ ،‬ولــو صغيــرا‪ ،‬أو‬
‫امــرأة وأكلهمــا‪ ،‬ولــم يتوقــف األمــر عنــد ذلــك‪ ،‬حيــث يجــوز‬
‫لإلنســان أكل لحمــه حيــا‪ .‬وفــي الكتــاب نفســه يقــول المؤلــف‬
‫إن للمســلم لكفايــة لشــر الكافــر أن يفقــأ عينــه‪ ،‬أو يقطــع يديــه‬
‫ورجليــه‪ ،‬وكــذا لــو أســره‪ ،‬أو قطــع يديــه أو رجليــه‪ .‬كمــا أنــه‬
‫«للمضطــر أكل آدمــي ميــت إذا لــم يجــد ميتــة غيــره‪ ،‬ألن‬
‫حرمــة الحــي أعظــم مــن حرمــة الميــت»‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫ويضيــف‪« :‬وحيــث جوزنــا أكل ميتــة اآلدمــي ال يجــوز‬
‫طبخهــا وال شــيها لمــا فــي ذلــك مــن هتــك حرمتــه‪ ،‬ويتخيــر‬
‫فــي ذلــك بيــن أكلــه نيئ ـا ً وغيــره»‪.‬‬

‫وفــي كتــاب "االختيــار لتعليــل المختــار" فــي صفحــة ‪366‬‬


‫تحــت عنــوان "أحــكام المرتــد" يقــول الكتــاب‪" :‬وإذا ارتــد‬
‫المســلم يُحبــس ويعــرض عليــه اإلســام‪ ،‬وتُكشــف ُ‬
‫شــبهته‪،‬‬
‫فــإن أســلم وإال قُتــل‪ ،‬فــإن قتلــه قاتــل قبــل العــرض ال شــيء‬
‫عــى‪ ،‬فــإن أســلم‬
‫عليــه ويــزول ملكــه عــن أموالــه زواال ُمرا َ‬
‫عــادت إلــى حالــه‪.‬‬

‫وفــي صفحــة ‪ 340‬يقــول‪" :‬أمــا األســارى‪ ،‬فيمشــون إلــى دار‬


‫اإلســام‪ ،‬فــإن عجــزوا قتــل اإلمــام الرجــال وتــرك النســاء‬
‫والصبيــان فــي أرض مضيعــة حتــى يموتــوا جوعــا وعطشــا‪،‬‬
‫ألننــا ال نقتلهــم للنهــي"‪ .‬وينبــه الكاتــب المســلمين فــي البــاد‬
‫التــي يفتحونهــا بعــدم قتــل الحيــات والعقــارب وذلــك حتــى‬
‫يكثــر نســلها فيكثــر أذاهــا للكفــار‪..‬‬

‫و أكل لحــوم البشــر المتوفيــن ليــس محكومــا بضــرورة حفــظ‬


‫حيــاة الفــرد المســلم إذا مــا دعتــه الضــرورة‪ ،‬فهنــاك حــاالت‬
‫يكــون فيهــا أكل لحــوم البشــر عقوبــة للكفــر وتــرك الديــن‪:،‬‬
‫«ولــه (للمحــارب المســلم) قتــل مرتــد وأكلــه‪ ،‬وقتــل حربــي‬
‫ولــو صغيــرا ً أو امــرأة وأكلهــا‪ ،‬ألنهمــا غيــر معصوميــن‪،‬‬

‫‪85‬‬
‫وإنمــا حــرم قتــل الصبــي الحربــي‪ ،‬والمــرأة الحربيــة فــي‬
‫غيــر الضــرورة لحرمتهمــا‪ .‬ولــه قتــل الزانــي المحصــن‬
‫والمحــارب وتــارك الصــاة ومــن لــه عليــه قصــاص حتــى‬
‫وإن لــم يــأذن اإلمــام فــي القتــل ألن قتلهــم مســتحق‪ ،‬وإنمــا‬
‫يكــون إذنــه تأدب ـا ً معــه‪ ،‬وفــي الضــرورة ليــس فيهــا رعايــة‬
‫أدب»‪.‬‬

‫لكــن الكتــاب يخفــف مــن حكــم أكل الصبيــة المحاربيــن فــي‬


‫مواجهــة المســلمين‪ ،‬نظــرا لمــا لهــم مــن قيمــة اقتصاديــة‬
‫عنــد أســرهم وبيعهــم أو اســتخدامهم كرقيــق‪ ،‬فيقــول الكتــاب‪:‬‬
‫«وحكــم مجانيــن أهــل الحــرب‪ ،‬وأرقائهــم (أي عبيدهــم)‬
‫وخناثاهــم كصبيانهــم‪ ،‬وقــال ابــن عبــد الســام‪ ،‬ولــو وجــد‬
‫المضطــر صبيًــا مــع بالــغ حربييــن أكل البالــغ وكــف عــن‬
‫الصبــي‪ ،‬لمــا فــي أكلــه مــن ضيــاع المــال‪ ،‬وألن الكفــر‬
‫الحقيقــي أبلــغ مــن الكفــر الحكمــي»‪.‬‬

‫وبعــد‪ ...‬القتــل ثــم القتــل ثــم القتــل‪ ،‬وفقــأ األعيــن وقطــع‬


‫األيــدي واألرجــل مــن خــاف‪ ،‬وأكل األمــوات‪ .‬أيــن كل ذلــك‬
‫مــن كتــاب اللــه وس ـنّة نبيّــه؟ّ‬

‫وأين آيات الله من األســارى الذين‪ " :‬إن عجزوا عن المشــي‪،‬‬


‫قتــل اإلمــام الرجــال وتــرك النســاء والصبيــان فــي أرض‬
‫مضيعــة حتــى يموتــوا جوعا وعطشــا‪ ،‬ألننا ال نقتلهــم للنهي"‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫أين ذلك من قوله تعالى‪:‬‬
‫َ َّ ٰٓ َ ٓ َ ۡ َ ُ ُ‬ ‫َ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ ۡ َ ّ َ‬
‫نت ُموه ۡم‬ ‫اب حتى إِذا أثخ‬ ‫ٱلرق ِ‬ ‫﴿فإِذا ْلقِۡيتم ٱلذِين كفروا فضرب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ‬ ‫ٓ‬ ‫اق فَإ َّما َم َّنۢا َب ۡع ُد َو َّ‬
‫ََ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِإما ف َِدا ًء َح َّت ٰى تض َع ٱلحَ ۡر ُب أ ۡو َز َارها ۚ‬ ‫ِ‬ ‫فش ُّدوا ٱلوث‬
‫ّ ۡ َُْ َ ۡ َ ُ َ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َذٰل َِك َول َ ۡو ي َ َشا ٓ ُء َّ ُ َ َ َ ۡ‬
‫كن ل َِيبلوا بعضكم بِبع ٖ ۗ‬
‫ض‬ ‫ٱلل لٱنتص َر مِن ُه ۡم َول ٰ َ ِ‬ ‫ۖ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬
‫ضل أع َمٰل ُه ۡم﴾‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يل ٱللِ فلن ي ِ‬
‫َّ‬
‫ب‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِين قتِلوا في َ‬
‫س‬ ‫َوٱلَّذ َ‬
‫ُ َ ُ ُ ََّ‬
‫سورة محم ٍد ‪4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫أو قوله تعالى‪:‬‬


‫َ‬ ‫ام عَل َ ٰى ُح ّبهِۦ م ِۡسك ٗ‬
‫ِينا َو َيت ِ ٗ‬
‫يما َوأس ً‬ ‫ٱلط َع َ‬
‫ون َّ‬‫َُۡ ُ َ‬
‫ِيرا﴾‬ ‫ِ‬ ‫﴿ويط ِعم‬
‫ان ‪8‬‬ ‫َ‬ ‫ُ َُ‬
‫سورة ال ِإنس ِ‬

‫‪87‬‬
‫اختالفات المفسرين‬
‫هنــاك ظاهــرة تثيــر الحيــرة‪ ،‬وهــي ظاهــرة عامــة وشــاملة‬
‫لكتــب التفاســير‪ ،‬أعنــي بهــا اختالفــات المفســرين لكتــاب‬
‫اللــه‪ ،‬وهــي لضخامتهــا أثقلــت التــراث بأحمــال واحتمــاالت‬
‫جــاوزت التصــور‪ .‬لقــد اختلفــوا علــى كل أمــر‪ ،‬ســواء فــي‬
‫القصــص القرآنــي أو األحــكام العمليــة أوالعقيــدة أو معانــي‬
‫األلفــاظ أو فــي القــراءات وفــي غيــر ذلــك الكثيــر‪.‬‬

‫ال منــاص هنــا مــن القــول إن الباحــث ال يســتطيع إدراك‬


‫حقيقــة االختــاف عندهــم‪ ،‬وإن التفســير ال زال محا ً‬
‫طــا بكثيــر‬
‫مــن اإلشــكاالت حيــث يســتعصي تحريــر محــل النــزاع فيهــا‬
‫لتراكــم االختــاف علــى مــدى األزمنــة المتعاقبــة‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫إن مــا يلفــت النظــر أن االختــاف فــي التفســير يعــود إلــى أيام‬
‫الصحابــة والتابعيــن مــن بعدهــم‪ ،‬ومن ثــم تتالــت االختالفات‪.‬‬

‫وفــي مراجعــة خاطفــة لعناويــن هــذه االختالفــات نســجل‪:‬‬


‫اختــاف فــي التعابيــر وفــي تفســير األلفاظ ببعــض متضمناتها‬
‫واالختــاف فــي أســباب النــزول وفــي حــروف المعانــي وفــي‬
‫اإلعــراب وفــي الخــاص والعــام وفــي المطلــق والمقيــد‪.‬‬

‫قــد يكــون التعصــب المذهبــي واتبــاع األهــواء واالعتمــاد‬


‫علــى اإلســرائيليات ثــم االختالفــات العقديــة والفقهيــة بيــن‬
‫المفســرين وراء كل هــذه االختالفــات‪ ،‬لكــن الســؤال الــذي‬
‫يُطــرح‪ ،‬هــل يصــح أن يكــون كل ذلــك علــى حســاب القــرآن‬
‫الكريــم؟َ!‬

‫‪89‬‬
‫آية واحدة تعكس‬
‫المدى التي بلغته‬
‫االختالفات‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ ْ َ َ ۡ ُ ْ َّ َ ُ َ َ ُ ۡ‬
‫ك ُسل ۡي َم ٰ َنۖ َو َما كف َر ُسل ۡي َم ٰ ُن‬ ‫﴿وٱت َبعوا ما تتلوا ٱلشيٰ ِطين عل ٰى مل ِ‬
‫ّ ۡ َ ََٓ ُ َ ََ‬ ‫ٱلن َ‬ ‫ون َّ‬ ‫َ َ ٰ َّ َّ َ ٰ َ َ َ ُ ْ ُ َ ّ ُ َ‬
‫نزل على‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫م‬‫و‬ ‫ر‬ ‫ِح‬‫ٱلس‬ ‫اس‬ ‫كن ٱلشي ِطين كفروا يعل ِم‬ ‫ول ِ‬
‫ۡ َ َ َ َّ َ ُ َ ٓ‬ ‫ۡ َ َ َ ۡ َ َ َ ٰ ُ َ َ َ ٰ ُ َ َ َ ُ َ َّ‬
‫ان مِن أح ٍد حت ٰى يقولا‬ ‫ٱلملكي ِن بِبابِل هروت ومروتۚ وما يعل ِم ِ‬
‫َّ َ َ ۡ ُ ۡ َ ‪َ ُ ّ َ ُ َ َ ُ ۡ َ ُ َّ َ َ َ َ ۡ ُ ۡ َ َ َ ٞ‬‬
‫إِنما نحن ف ِتنة فلا تكفر ۖ فيتعلمون مِنهما ما يف ِرقون بِهِۦ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫ۡ‬
‫ين بِهِۦ م ِۡن أ َح ٍد إِلا بِإِذ ِن ٱللِۚ‬ ‫َبي ۡ َن ٱل ۡ َم ۡر ِء َو َز ۡوجهِۦ َو َما ُهم ب َضا ٓ ّر َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ۚ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َّ َ‬
‫َو َي َت َعل ُمون َما يَض ُّره ۡم َولا يَنف ُع ُه ۡ ۚم َولق ۡد َعل ُِموا ل َم ِن ٱشت َرى ٰ ُه َما‬
‫َ ۡ َ َٰ َ َ ۡ َ َ َ َ ۡ ْ ٓ َ ُ َ ُ ۡ َ ۡ َ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ق ول ِبئس ما شروا بِهِۦ أنفسه ۚم لو كانوا‬ ‫ل ُهۥ فِي ٱٓأۡلخِرة ِ مِن خل ٖ ۚ‬
‫ََُۡ َ‬
‫الب َق َرة ِ ‪102‬‬
‫ورةُ َ‬
‫ون﴾ ُس َ‬ ‫يعلم‬
‫لقد اختلف المفسرون في تفسير هذه اآلية اختالفا عجيبًا‪.‬‬
‫اختلفــوا فــي مرجــع ضميــر قولــه‪ :‬اتبعــوا‪ ،‬أهــم اليهــود الذيــن‬
‫كانــوا فــي عهــد ســليمان‪ ،‬أو الذيــن فــي عهــد رســول اللــه؟‬
‫واختلفــوا فــي قولــه‪ ،‬تتلــوا‪ ،‬هــل هــو بمعنــى تتبــع الشــياطين‪،‬‬
‫أو بمعنــى تكــذب؟‬

‫‪90‬‬
‫واختلفــوا فــي قولــه‪ ،‬الشــياطين‪ ،‬فقيــل هــم شــياطين الجــن‬
‫وقيــل شــياطين اإلنــس وقيــل همــا معــا‪.‬‬

‫واختلفــوا فــي قولــه‪ ،‬علــى ملــك ســليمان‪ ،‬فقيــل معنــاه فــي‬


‫ملــك ســليمان‪ ،‬وقيــل معنــاه فــي عهــد ملــك ســليمان‪.‬‬

‫واختلفــوا فــي قولــه‪ ،‬ولكــن الشــياطين كفــروا‪ ،‬فقيــل إنهــم‬


‫كفــروا بمــا اســتخرجوه مــن الســحر إلــى النــاس وقيــل إنهــم‬
‫كفــروا بمــا نســبوه إلــى ســليمان مــن الســحر‪.‬‬

‫واختلفــوا فــي قولــه‪ ،‬يعلمــون النــاس الســحر‪ ،‬فقيــل إنهــم‬


‫ألقــوا الســحر إليهــم فتعلمــوه‪ ،‬وقيــل إنهــم دلــوا النــاس علــى‬
‫اســتخراج الســحر‪.‬‬

‫واختلفــوا فــي قولــه‪ ،‬ومــا أنــزل علــى الملكيــن فقيــل مــا‬


‫موصولــة والعطــف علــى قولــه مــا تتلــوا‪ ،‬وقيــل مــا موصولــة‬
‫والعطــف علــى قولــه الســحر‪.‬‬

‫واختلفــوا فــي معنــى اإلنــزال فقيــل إنــزال مــن الســماء وقيــل‬


‫بــل مــن نجــود األرض وأعاليهــا‪.‬‬

‫واختلفــوا فــي قولــه‪ ،‬الملكيــن‪ ،‬فقيــل كانــا مــن مالئكة الســماء‪،‬‬


‫وقيــل بــل كانا إنســانين‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫واختلفــوا فــي قولــه‪ ،‬ببابــل‪ ،‬فقيــل هــي بابــل العــراق وقيــل‬
‫بابــل نهاونــد‪ ،‬وقيــل‪ ،‬مــن نصيبيــن إلــى رأس العيــن‪.‬‬

‫واختلفــوا فــي قولــه‪ ،‬ومــا يعلمــان‪ ،‬فقيــل علــم بمعنــاه الظاهر‪،‬‬


‫وقيــل علــم بمعنــى أعلم‪.‬‬

‫واختلفــوا فــي قولــه‪ ،‬فــا تكفــر‪ ،‬فقيــل‪ ،‬ال تكفــر بالعمــل‬


‫بالســحر‪ ،‬وقيــل ال تكفــر بتعلمــه‪.‬‬

‫واختلفــوا فــي قولــه‪ ،‬فيتعلمــون منهمــا‪ ،‬فقيــل أي مــن هــاروت‬


‫ومــاروت‪ ،‬وقيــل أي مــن الســحر والكفــر‪.‬‬

‫واختلفــوا فــي قولــه‪ ،‬مــا يفرقــون بــه بيــن المــرء وزوجــه‪،‬‬


‫فقيــل أي يوجــدون بــه حبــا وبغضــا بينهمــا‪ ،‬وقيــل إنهــم‬
‫يغــرون أحــد الزوجيــن ويحملونــه علــى الكفــر والشــرك‬
‫فيفــرق بينهمــا اختــاف الملــة والنحلــة وقيــل إنهــم يســعون‬
‫بينهمــا بالنميمــة والوشــاية‪.‬‬

‫فهــذه نبــذة مــن االختــاف فــي تفســير كلمــات مــا يشــتمل‬


‫علــى القصــة مــن هــذه اآليــة‪.‬‬

‫مــن أقــوال المفســرين (أيضـاً) فــي قولــه تعالــى‪( :‬واتبعــوا مــا‬


‫تتلــوا الشــياطين علــى ملــك ســليمان)‬

‫‪92‬‬
‫قول للفخر الرازي‬
‫قولــه تعالــى (واتبعــوا) حكايــة عمــن تقـدّم ذكــره وهــم اليهود‪،‬‬
‫ثــم فيه أقــوال‪:‬‬
‫أحدهــا‪ :‬أنهــم اليهــود الذيــن كانــوا فــي زمــان محمــد عليــه‬
‫الصــاة والســام‪ ،‬وثانيهــا‪ :‬أنهــم الذيــن تقدمــوا مــن اليهــود‪،‬‬
‫وثالثهــا‪ :‬أنهــم الذيــن كانــوا فــي زمــن ســليمان عليــه الســام‬
‫مــن الســحرة ألن أكثــر اليهــود ينكــرون نبــوة ســليمان عليــه‬
‫الســام ويعدونــه مــن جملــة الملــوك فــي الدنيــا‪ ،‬فالذيــن كانــوا‬
‫منهــم فــي زمانــه ال يمتنــع أن يعتقــدوا فيــه أنــه إنمــا وجــد‬
‫ذلــك الملــك العظيــم بســبب الســحر‪ ،‬ورابعهــا‪ :‬أنــه يتنــاول‬
‫الــكل وهــذا أولــى ألنــه ليــس صــرف اللفــظ إلــى البعــض‬
‫أولــى مــن صرفــه إلــى غيــره‪ ،‬إذ ال دليــل علــى التخصيــص‪.‬‬
‫قــال الســدي لمــا جاءهــم محمــد عليــه الصــاة والســام‬
‫عارضــوه بالتــوراة فخاصمــوه بهــا فاتفقــت التــوراة والقــرآن‬
‫فنبــذوا التــوراة وأخــذوا بكتــاب آصــف وســحر هــاروت‬
‫ومــاروت فلــم يوافــق القــرآن‪ ،‬فهــذا قولــه تعالــى‪:‬‬
‫ٱللِ ُم َص ّد ‪ِٞ‬ق ل ّ َِما َم َع ُه ۡم َن َب َذ فَر ‪ٞ‬‬
‫يق‬
‫َّ‬
‫د‬
‫ِ‬ ‫ِن‬
‫ع‬ ‫ِن‬
‫َ َ َّ َ ٓ َ ُ ۡ َ ُ ‪ٞ‬‬
‫ول ّم ۡ‬ ‫﴿ولما جاءهم رس‬
‫ِ‬
‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ّ َ َّ َ ُ ُ ْ ۡ َ ٰ َ َ ٰ َ َّ َ َ َ ُ‬
‫ٓ‬
‫مِن ٱلذِين أوتوا ٱلكِتب كِتب ٱللِ وراء ظهورِهِم﴾‬
‫الب َق َرة ِ ‪101‬‬
‫ورةُ َ‬
‫ُس َ‬

‫ثم أخبر عنهم بأنهم اتبعوا كتب السحر"‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫قول للطبري‬
‫"والصــواب مــن القــول فــي تأويــل قولــه‪( :‬واتبعــوا مــا‬
‫تتلــوا الشــياطين علــى ملــك ســليمان)‪ ،‬أن ذلــك توبيــخ مــن‬
‫اللــه ألحبــار اليهــود الذيــن أدركــوا رســول اللــه صلــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪ ،‬فجحــدوا نبوتــه‪ ،‬وهــم يعلمــون أنــه للــه رســول‬
‫مرســل‪ ،‬وتأنيــب منــه لهــم فــي رفضهــم تنزيلــه‪ ،‬وهجرهــم‬
‫العمــل بــه‪ ،‬وهــو فــي أيديهــم يعلمونــه ويعرفــون أنــه كتــاب‬
‫اللــه‪ ،‬واتباعهــم واتبــاع أوائلهــم وأســافهم مــا تلتــه الشــياطين‬
‫فــي عهــد ســليمان‪ .‬وقــد بينــا وجــه جــواز إضافــة أفعــال‬
‫أســافهم إليهــم فيمــا مضــى‪ ،‬فأغنــى ذلــك عــن إعادتــه فــي‬
‫هــذا الموضــع‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫وإنمــا اخترنــا هــذا التأويــل‪ ،‬ألن المتبــع مــا تلتــه الشــياطين‪،‬‬
‫فــي عهــد ســليمان وبعــده إلــى أن بعــث اللــه نبيــه بالحــق‪،‬‬
‫وأمــر الســحر لــم يــزل فــي اليهــود‪ .‬وال داللــة فــي اآليــة أن‬
‫اللــه تعالــى أراد بقولــه‪( :‬واتبعــوا) بعضــا منهــم دون بعــض‪.‬‬
‫إ ْذ كان جائــزا فصيحــا فــي كالم العــرب إضافــة مــا وصفنــا‪-‬‬
‫مــن اتبــاع أســاف المخبــر عنهــم بقولــه‪( :‬واتبعــوا مــا تتلــوا‬
‫الشــياطين) إلــى أخالفهــم بعدهــم‪ ،‬ولــم يكــن بخصــوص ذلــك‬
‫عــن رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وســلم أثــر منقــول‪ ،‬وال‬
‫حجــة تــدل عليــه‪ .‬فــكان الواجــب مــن القــول فــي ذلــك أن‬
‫يقــال‪ :‬كل متبــع مــا تلتــه الشــياطين علــى عهــد ســليمان مــن‬
‫اليهــود‪ ،‬داخــل فــي معنــى اآليــة‪ ،‬علــى النحــو الــذي قلنــا"‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫اختالف المفسرين‬
‫أسبابه وآثاره‪:‬‬
‫إن أهــم أســباب وقــوع الخــاف بيــن المفســرين قدي ًمــا‬
‫وحديثًــا يتمثــل فــي‪ :‬أوال‪ :‬القــراءات المتواتــرة للقــرآن‬
‫الكريــم‪ ،‬واختــاف مقاييــس قبــول القــراءة عنــد كل مفســر‪،‬‬
‫واعتمــاد بعــض المفســرين علــى قــراءة متواتــرة تخالــف‬
‫أغلــب مــا اعتمــد عليــه المفســرين وهــي روايــة حفــص‪ .‬ثانــي‬
‫هــذه األســباب‪ :‬المباحــث البيانيــة واللغويــة والنحويــة‪ ،‬ومــدى‬
‫مطالعــة كل مفســر وتمكنــه مــن مفــردات اللغــة وتراكيبهــا‬
‫المتعــددة وأثــر هــذا التبايــن فــي فهــم مفــردات اللغــة‪ ،‬وأثــر‬
‫البيئــة اللغويــة المحيطــة بالمفســر فــي اختــاف التفســير‪.‬‬
‫ثالــث هــذه األســباب هــو‪ :‬دعــاوى النســخ واالختــاف فــي‬
‫الناســخ والمنســوخ‪ ،‬وعــدم تمكــن بعــض المفســرين مــن‬
‫معرفــة زمــن النــزول أو ســببه والــذي يعــد المبحــث الرئيــس‬
‫فــي معرفــة الناســخ والمنســوخ مــن آي القــرآن‪ .‬رابــع هــذه‬
‫األســباب العامــة عنــد المفســرين والداعيــة إلــى اختالفهــم فــي‬
‫تفاســيرهم هــو‪ :‬موقــف المفســرين مــن القضايــا العقليــة وفهــم‬
‫هــؤالء المفســرين للمحكــم والمتشــابه مــن آي القــرآن الكريــم‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫أما األسباب الخاصة الختالف المفسرين فأهمها‪:‬‬

‫أول‪ :‬االختــاف فــي مقاييــس وقواعــد الحكــم علــى ســند‬‫ً‬


‫الروايــات المفســرة آلي القــرآن الكريــم‪.‬‬

‫ثانيــا‪ :‬االختــاف فــي مقاييــس وقواعــد نقــد المتــن لروايــات‬


‫تفســير القــرآن الكريــم‪.‬‬

‫ثالثــا‪ :‬االختــاف العقــدي واالنتمــاء الفكــري لــكل مفســر‪،‬‬


‫فتفســيرات المعتزلــة تختلــف عــن تفســيرات األشــعرية وهــذه‬
‫تختلــف عــن تفســيرات اآلخذيــن بمنهــج الســلف الصالــح مــن‬
‫المفســرين‪.‬‬

‫رابعــا‪ :‬االنتمــاء المذهبــي واالختــاف الفقهــي‪ ،‬فتفســيرات‬


‫المالكيــة تختلــف ولــو قليــا عــن تفســيرات الشــافعية عــن‬
‫صــا فيمــا يتعلــق بآيــات‬
‫تفســيرات الظاهرييــن‪ ،‬وخصو ً‬
‫األحــكام وأدلتهــا التفصيليــة‪.‬‬

‫خامســا‪ :‬االختــاف فــي مصــادر التشــريع فيما ليــس فيه نص‬


‫محكــم‪ ،‬فبعــض المفســرين يقــدم قــول الصحابــي والبعــض‬
‫اآلخــر يأخــذ بالقيــاس أو االستحســان أو االســتصحاب‪ ،‬وكلهــا‬
‫فيمــا ليــس فيــه نــص صحيــح صريــح‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫علم رباني أم إسرائيليات‬
‫كانت متداولة؟‬
‫في تفسير قوله تعالى‪:‬‬
‫َ َ ٗ َ ُْٓ‬ ‫َۡ‬ ‫‪ٞ‬‬ ‫َ ۡ َ َ َ ُّ َ ۡ َ َ ٰٓ َ ّ‬
‫ۡرض خل ِيفة ۖ قالوا‬ ‫لئِكةِ إِنِي َجاعِل فِي ٱلأ ِ‬ ‫﴿وِإذ قال ربك ل ِلم‬
‫َ‬
‫ٱلد َِما ٓ َء َون ۡح ُن ن ُ َس ّب ُح بحَ ۡمدِكَ‬
‫ك ّ‬ ‫َ ََُۡ َ َ ُۡ ُ َ ََ ۡ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫أتجعل فِيها من يفسِد فِيها ويسفِ‬
‫َ َُ ّ ُ َ َ َ َ ّٓ َ ۡ َ ُ َ َ َ ۡ َ ُ َ‬
‫الب َق َرة ِ ‪30‬‬
‫ورةُ َ‬ ‫ون﴾ ُس َ‬ ‫ونقدِس لك ۖ قال إِنِي أعلم ما لا تعلم‬

‫‪98‬‬
‫عند ابن كثير‪:‬‬
‫"يخبــر تعالــى بامتنانــه علــى بنــي آدم‪ ،‬بتنويهــه بذكرهــم فــي‬
‫المــأ األعلــى قبــل إيجادهــم‪ ،‬فقــال تعالــى‪( :‬وإذ قــال ربــك‬
‫للمالئكــة) أي‪ :‬واذكــر يــا محمــد إذ قــال ربــك للمالئكــة‪،‬‬
‫واقصــص علــى قومــك ذلــك‪ .‬وحكــى ابــن جريــر عــن بعــض‬
‫أهــل العربيــة [ وهــو أبــو عبيــدة ] أنــه زعــم أن " إذ " هاهنــا‬
‫زائــدة‪ ،‬وأن تقديــر الــكالم‪ :‬وقــال ربــك‪ .‬ورده ابــن جريــر‪.‬‬

‫قــال القرطبــي‪ :‬وكــذا رده جميــع المفســرين حتــى قــال‬


‫الزجــاج‪ :‬هــذا اجتــراء مــن أبــي عبيــدة‪.‬‬

‫(إنــي جاعــل فــي األرض خليفــة) أي‪ :‬قومــا يخلــف بعضهــم‬


‫بعضــا قرنــا بعــد قــرن وجيــا بعــد جيــل‪ ،‬كمــا قــال تعالــى‪:‬‬
‫ُ َُ َ‬ ‫َ ََ ُ ۡ َ َ َ َۡ‬ ‫َ َّ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬
‫ۡرض﴾ سورة الأنع ِام ‪165‬‬ ‫لئِف ٱلأ ِ‬ ‫﴿و ُه َو ٱلذِي جعلكم خ ٰٓ‬
‫ََ ۡ َُ ُ ۡ ُ َََٓ َۡ‬
‫ۡ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سورة النم ِل ‪62‬‬ ‫وقال ﴿ويجعلكم خلفاء ٱلأ ِ ۗ‬
‫ۡرض﴾‬
‫َُُۡ َ‬ ‫َۡ‬ ‫ُ َّ َ ٰٓ َ ٗ‬ ‫ََ ََ ٓ َ ۡ‬
‫ۡرض يخلفون﴾‬ ‫لئِكة فِي ٱلأ ِ‬ ‫﴿ول ۡو نشا ُء لجَ َعل َنا مِنكم م‬ ‫وقال‬
‫الز ۡخ ُر ِف ‪60‬‬ ‫ورةُ ُّ‬ ‫ُس َ‬

‫َ ٌۡ‬ ‫َ َ ََ‬
‫ورةُ َم ۡر َي َم ‪59‬‬ ‫ُس َ‬ ‫وقال ﴿فخلف ِم ۢن َب ۡع ِده ِۡم خلف﴾‬

‫‪99‬‬
‫[ وقــرئ فــي الشــاذ‪ " :‬إنــي جاعــل فــي األرض خليقــة " حكاه‬
‫الزمخشــري وغيــره ونقلهــا القرطبــي عــن زيــد بــن علــي ]‪.‬‬
‫وليــس المــراد هاهنــا بالخليفــة آدم ‪ -‬عليــه الســام ‪ -‬فقــط‪،‬‬
‫كمــا يقولــه طائفــة مــن المفســرين‪ ،‬وعــزاه القرطبــي إلــى ابــن‬
‫مســعود وابــن عبــاس وجميــع أهــل التأويــل‪ ،‬وفــي ذلــك نظر‪،‬‬
‫بــل الخــاف فــي ذلــك كثيــر‪ ،‬حــكاه فخــر الديــن الــرازي فــي‬
‫تفســيره وغيــره‪ ،‬والظاهــر أنــه لــم يــرد آدم عينــا إذ لــو كان‬
‫كذلــك لمــا حســن قــول المالئكــة‪ :‬أتجعــل فيهــا مــن يفســد فيهــا‬
‫ويســفك الدمــاء) فإنهــم إنمــا أرادوا أن مــن هــذا الجنــس مــن‬
‫يفعــل ذلــك‪ ،‬وكأنهــم علمــوا ذلــك بعلــم خــاص‪ ،‬أو بمــا فهمــوه‬
‫مــن الطبيعــة البشــرية فإنــه أخبرهــم أنــه يخلــق هــذا الصنــف‬
‫مــن صلصــال مــن حمــإ مســنون [ أو فهمــوا مــن الخليفــة أنــه‬
‫الــذي يفصــل بيــن النــاس فيمــا يقــع بينهــم مــن المظالــم‪ ،‬ويــرد‬
‫عنهــم المحــارم والمآثــم‪ ،‬قالــه القرطبــي ] أو أنهــم قاســوهم‬
‫علــى مــن ســبق‪ ،‬كمــا ســنذكر أقــوال المفســرين فــي ذلــك‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫وقــول المالئكــة هــذا ليــس علــى وجــه االعتــراض علــى اللــه‪،‬‬
‫وال علــى وجــه الحســد لبنــي آدم‪ ،‬كمــا قــد يتوهمــه بعــض‬
‫المفســرين [وقــد وصفهــم اللــه تعالــى بأنهــم ال يســبقونه‬
‫بالقــول‪ ،‬أي‪ :‬ال يســألونه شــيئا لــم يــأذن لهــم فيــه وهاهنــا لمــا‬
‫أعلمهــم بأنــه ســيخلق فــي األرض خلقــا‪ .‬قــال قتــادة‪ :‬وقــد‬
‫تقــدم إليهــم أنهــم يفســدون فيهــا فقالــوا‪ :‬أتجعــل فيهــا اآليــة]‬
‫وإنمــا هــو ســؤال اســتعالم واستكشــاف عــن الحكمــة فــي‬
‫ذلــك‪ ،‬يقولــون‪ :‬يــا ربنــا‪ ،‬مــا الحكمــة فــي خلــق هــؤالء مــع أن‬
‫منهــم مــن يفســد فــي األرض ويســفك الدمــاء‪ ،‬فــإن كان المراد‬
‫عبادتــك‪ ،‬فنحــن نســبح بحمــدك ونقــدس لــك‪ ،‬أي‪ :‬نصلــي لــك‬
‫كمــا ســيأتي‪ ،‬أي‪ :‬وال يصــدر منــا شــيء مــن ذلــك‪ ،‬وهــا‬
‫وقــع االقتصــار علينــا؟ قــال اللــه تعالــى مجيبــا لهــم عــن هــذا‬
‫الســؤال‪( :‬إنــي أعلــم مــا ال تعلمــون) أي‪ :‬إنــي أعلــم مــن‬
‫المصلحــة الراجحــة فــي خلــق هــذا الصنــف علــى المفاســد‬
‫التــي ذكرتموهــا مــا ال تعلمــون أنتــم‪ ،‬فإنــي ســأجعل فيهــم‬
‫األنبيــاء‪ ،‬وأرســل فيهــم الرســل‪ ،‬ويوجــد فيهــم الصديقــون‬
‫والشــهداء‪ ،‬والصالحــون والعبــاد‪ ،‬والزهــاد واألوليــاء‪،‬‬
‫واألبــرار والمقربــون‪ ،‬والعلمــاء العاملــون والخاشــعون‪،‬‬
‫والمحبــون لــه تبــارك وتعالــى المتبعــون رســله‪ ،‬صلــوات‬
‫اللــه وســامه عليهــم "‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫بذل الجهد في‬
‫االختالف في لون البقرة‬
‫َ ُ َ َ َّ ُ ُ‬ ‫َ ّ َّ‬ ‫َ ُ ْ ۡ ُ َ‬
‫في قوله تعالى ﴿قالوا ٱدع ل َنا َر َّبك يُبَيِن ل َنا َما ل ۡون َها ۚ قال إِن ُهۥ َيقول‬
‫ٱلنٰ ِظر َ‬‫َّ َ َ َ َ ‪َّ ُّ ُ َ َ ُ ۡ َّ ٞ َ ُ ٓ َ ۡ َ ٞ‬‬
‫الب َق َرة ِ ‪69‬‬
‫ورةُ َ‬
‫ين﴾ ُس َ‬
‫ِ‬ ‫إِنها بقرة صفراء فاق ِع لونها تسر‬
‫عنــد الطبــري‪ :‬واختلــف أهــل التأويــل فــي معنــى قولــه‪:‬‬
‫(صفــراء)‪ .‬فقــال بعضهــم‪ :‬معنــى ذلك ســوداء شــديدة الســواد‪.‬‬

‫ذكر من قال ذلك منهم‪:‬‬

‫‪ -‬حدثنــي أبــو مســعود إســماعيل بــن مســعود الجحــدري قــال‪،‬‬


‫حدثنــا نــوح بــن قيــس‪ ،‬عــن محمــد بــن ســيف‪ ،‬عــن الحســن‪:‬‬
‫صفــراء فاقــع لونهــا‪ ،‬قــال‪ :‬ســوداء شــديدة الســواد‪.‬‬

‫حدثنــي أبــو زائــدة زكريــا بــن يحيــى بن أبــي زائــدة‪ .‬والمثنى‬


‫بــن إبراهيــم قــاال حدثنــا مســلم بــن إبراهيــم قــال‪ ،‬حدثنــا نــوح‬
‫بــن قيــس‪ ،‬عــن محمــد بــن ســيف‪ ،‬عــن أبــي رجــاء‪ ،‬عــن‬
‫الحســن مثلــه‪.‬‬

‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬صفراء القرن والظلف‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬

‫حدثنــي هشــام بــن يونــس النهشــلي قــال‪ ،‬حدثنــا حفــص بــن‬


‫غيــاث‪ ،‬عــن أشــعث‪ ،‬عــن الحســن فــي قولــه‪ :‬صفــراء فاقــع‬
‫لونهــا‪ ،‬قــال‪ :‬صفــراء القــرن والظلــف‪.‬‬

‫حدثنــي يعقــوب بــن إبراهيــم قــال‪ ،‬حدثنــي هشــيم قــال‪ ،‬أخبرنا‬


‫جويبــر‪ ،‬عــن كثيــر بــن زيــاد‪ ،‬عن الحســن فــي قولــه‪ :‬صفراء‬
‫فاقــع لونهــا‪ ،‬قــال‪ :‬كانت وحشــية‪.‬‬

‫حدثنــي يعقــوب قــال‪ ،‬حدثنــا مــروان بــن معاويــة‪ ،‬عــن‬


‫إبراهيــم‪ ،‬عــن أبــي حفــص‪ ،‬عــن مغــراء ‪ -‬أو عــن رجــل‬
‫‪-‬عــن ســعيد بــن جبيــر‪ :‬بقــرة صفــراء فاقــع لونهــا‪ ،‬قــال‪:‬‬
‫صفــراء القــرن والظلــف‪.‬‬

‫حدثنــي يونــس قــال‪ ،‬أخبرنــا ابــن وهــب قــال‪ ،‬قــال ابــن زيــد‪:‬‬
‫هــي صفــراء‪.‬‬

‫حدثنــي محمــد بــن عمــرو قــال‪ ،‬حدثنــا الضحــاك بــن مخلــد‪،‬‬


‫عــن عيســى‪ ،‬عــن ابــن أبــي نجيــح‪ ،‬عــن مجاهــد‪ :‬إنهــا بقــرة‬
‫صفــراء فاقــع لونهــا‪ ،‬قــال‪ :‬لــو أخــذوا بقــرة صفــراء ألجــزأت‬
‫عنهــم‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫قــال أبــو جعفــر‪ :‬وأحســب أن الــذي قــال فــي قولــه‪ :‬صفــراء‪،‬‬
‫يعنــي بــه ســوداء‪ ،‬ذهــب إلــى قولــه فــي نعــت اإلبــل الســود‬
‫" هــذه إبــل صفــر‪ ،‬وهــذه ناقــة صفــراء " يعنــي بهــا ســوداء‪.‬‬
‫وإنمــا قيــل ذلــك فــي اإلبــل ألن ســوادها يضــرب إلــى‬
‫الصفــرة‪ ،‬ومنــه قــول الشــاعر‪:‬‬

‫تلــك خـيلي منـه وتلـك ركـابي‬


‫هــن صفــر أوالدهــا كـالزبيب‬

‫يعنــي بقولــه‪ " :‬هــن صفــر " هــن ســود وذلــك إن وصفــت‬
‫اإلبــل بــه‪ ،‬فليــس ممــا توصــف بــه البقــر‪ .‬مــع أن العــرب ال‬
‫تصــف الســواد بالفقــوع‪ ،‬وإنمــا تصــف الســواد ‪-‬إذا وصفتــه‪-‬‬
‫بالشــدة بالحلوكــة ونحوهــا‪ ،‬فتقــول‪ " :‬هــو أســود حالــك‬
‫وحانــك و ُحلكــوك‪ ،‬وأســود ِغربيــب و َدجوجــي" ‪ -‬وال تقــول‪:‬‬
‫هــو أســود فاقــع‪ .‬وإنمــا تقــول‪ " :‬هــو أصفــر فاقــع "‪ .‬فوصفــه‬
‫إيــاه بالفقــوع‪ ،‬مــن الدليــل البيــن علــى خــاف التأويــل الــذي‬
‫تــأول قولــه‪ :‬إنهــا بقــرة صفــراء فاقــع المتــأول‪ ،‬بــأن معنــاه‬
‫ســوداء شــديدة الســواد‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬فَاقِ ٌع لَ ْونُ َها‬

‫قــال أبــو جعفــر‪ :‬يعنــي خالــص لونهــا‪ .‬و " الفقــوع " فــي‬
‫الصفــر‪ ،‬نظيــر النصــوع فــي البيــاض‪ ،‬وهــو شــدته وصفــاؤه‪،‬‬
‫كمــا‪:‬‬
‫‪104‬‬
‫‪ -‬حدثنــا الحســن بــن يحيــى قــال‪ ،‬أخبرنــا عبــد الــرزاق قــال‪،‬‬
‫أخبرنــا معمــر قــال‪ ،‬قــال قتــادة‪( :‬فاقــع لونهــا) هــي الصافــي‬
‫لونهــا‪.‬‬

‫‪ -‬حدثنــي المثنــى قــال‪ ،‬حدثنــا آدم قــال‪ ،‬حدثنــا أبــو جعفــر‪،‬‬


‫عــن الربيــع‪ ،‬عــن أبــي العاليــة‪( :‬فاقــع لونهــا) أي صــاف‬
‫لونهــا‪.‬‬

‫‪ُ -‬حدثــت عــن عمــار قــال‪ ،‬حدثنــا ابــن أبــي جعفــر‪ ،‬عــن أبيــه‪،‬‬
‫عــن الربيــع بمثله‪.‬‬

‫‪ -‬حدثنــا موســى قــال‪ ،‬حدثنــا عمــرو قــال‪ ،‬حدثنــا أســباط‪ ،‬عــن‬


‫الســدي فاقــع‪ ،‬قــال‪ :‬نقــي لونها‪.‬‬

‫‪ -‬حدثنــي محمــد بــن ســعد قــال‪ ،‬حدثنــي أبــي قــال‪ ،‬حدثنــي‬


‫عمــي قــال‪ ،‬حدثنــي أبــي عــن أبيــه‪ ،‬عــن ابــن عبــاس‪ :‬فاقــع‬
‫لونهــا‪ ،‬شــديدة الصفــرة‪ ،‬تــكاد مــن صفرتهــا ت َ ْبيَـ ُّ‬
‫ـض‪ .‬وقــال‬
‫أبــو جعفــر‪ :‬أُراه أبيــض!‬

‫‪ -‬حدثنــي يونــس قــال‪ ،‬أخبرنــا ابــن وهــب قــال‪ ،‬قــال ابــن زيــد‬
‫فــي قولــه (فاقــع لونهــا)‪ ،‬قــال‪ :‬شــديدة صفرتها‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫أجمل وأرقى اآليات‬
‫جرى تشويــهها‬
‫في قوله تعالى‪:‬‬
‫َّ ُ ْ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َۡ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫﴿وم ِۡن َءايٰتِه ِٓۦ أن خل َق لكم ّم ِۡن أنفسِك ۡم أ ۡز َو ٰ ٗجا ل ِت ۡسك ُن ٓوا إِل ۡي َها‬ ‫َ‬
‫َ َّ َ‬ ‫َٰ َ َ ٰ ّ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ۡ َ ُ َّ َ َّ ٗ َ َ ۡ َ ً َّ‬
‫ت ل ِق ۡو ٖم َي َتفك ُرون﴾‬ ‫وجعل بينكم مودة ورحمة ۚ إِن فِي ذل ِك ٓأَلي ٖ‬
‫الر ِوم ‪21‬‬ ‫ورةُ ُّ‬
‫ُس َ‬

‫عند الرازي (التفسير الكبير)‬

‫"لمــا بيــن اللــه خلــق اإلنســان‪ ،‬بيّــن أنــه لمــا خلقــه‪ ،‬ولــم يكــن‬
‫مــن األشــياء التــي تبقــى وتــدوم ســنين متطاولــة أبقــى نوعــه‬
‫باألشــخاص وجعلــه بحيــث يتوالــد‪ ،‬فــإذا مــات األب يقــوم‬
‫االبــن مقامــه لئــا يوجــب فقــد الواحــد ثلمــة فــي العمــارة ال‬
‫تنســد‪ ،‬وفــي اآليــة مســائل‪:‬‬

‫‪106‬‬
‫المســألة األولــى‪ :‬قولــه‪ :‬خلــق لكــم (دليــل علــى أن النســاء‬
‫خلقــن كخلــق الــدواب والنبــات وغيــر ذلــك مــن المنافــع‪ ،‬كمــا‬
‫َۡ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ َُ ََ‬
‫قــال تعالــى‪﴿ :‬خل َق لكم َّما فِي ٱلأ ِ‬
‫ۡرض﴾ سورة البقرة ِ ‪29‬‬
‫وهــذا يقتضــي أن ال تكــون مخلوقــة للعبادة والتكليــف‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫خلــق النســاء مــن النعــم علينــا وخلقهــن لنــا وتكليفهــن إلتمــام‬
‫النعمــة علينــا ال لتوجيــه التكليــف نحوهــن مثــل توجيهــه إلينــا‬
‫وذلــك مــن حيــث النقــل والحكــم والمعنــى‪ ،‬أمــا النقــل فهــذا‬
‫وغيــره‪ ،‬وأمــا الحكــم فــأن المــرأة لــم تكلــف بتكاليــف كثيــرة‬
‫كمــا كلــف الرجــل بهــا‪ ،‬وأمــا المعنــى فــأن المــرأة ضعيفــة‬
‫الخلــق ســخيفة فشــابهت الصبــي‪ ،‬لكــن الصبــي لــم يكلــف‬
‫فــكان يناســب أن ال تؤهــل المــرأة للتكليــف‪ ،‬لكــن النعمــة‬
‫علينــا مــا كانــت تتــم إال بتكليفهــن لتخــاف كل واحــدة منهــن‬
‫العــذاب فتنقــاد للــزوج وتمتنــع عــن المحــرم‪ ،‬ولــوال ذلــك‬
‫لظهــر الفســاد"‪.‬‬

‫سؤال‬
‫أهكــذا يكــون التدبــر فــي كتــاب‬
‫اللــه تعالــى وهــو المعجــز فصاحــة‬
‫وبالغــة وحســن بيــان‪ ...‬أم علــى‬
‫قلــوب أقفالهــا؟ وهــل فهــم القــرآن‬
‫يتطلــب هــذه األطنــان مــن المصنفــات‬
‫والخالفــات واالختالفــات؟!‬

‫‪107‬‬
‫ترتيب السور واآليات‬

‫ال شــك – قطع ـاً‪ -‬فــي ّ‬


‫أن القــرآن الــذي بيــن أيدينــا هــو كالم‬
‫بواســطة جبريــل‪.‬‬ ‫ﷺ‬ ‫اللــه الموحــى بــه إلــى النبــي محمــد‬
‫ولكــن الســؤال المطــروح‪ ،‬هــل كان ترتيــب الســور واآليــات‬
‫قــام بــه أم حصــل بحســب رأي‬ ‫ﷺ‬ ‫أن النبــي‬‫توقيفيًــا أي ّ‬
‫واجتهــاد الصحابــة؟‬

‫بحسب الروايات‪:‬‬
‫فــي المســند والســنن أن ابــن عبــاس قــال‪ :‬قلــت لعثمــان بــن‬
‫عفــان مــا حملكــم أن عمدتــم إلــى بــراءة وهي مــن المئين وإلى‬
‫األنفــال‪ ،‬وهــي مــن المثانــي فجعلتموهمــا فــي الســبع الطــوال‪،‬‬
‫ولــم تكتبــوا بينهمــا ســطر‪ :‬بســم اللــه الرحمــن الرحيــم؟ قــال‬

‫‪109‬‬
‫ـزل عليــه‬‫عثمــان‪ :‬كان النبــي صلــى اللــه عليــه وســلم لمــا تنـ ّ‬
‫اآليــات‪ ،‬يدعــو بعــض مــن كان يكتــب لــه‪ ،‬ويقــول لــه ضــع‬
‫هــذه اآليــة فــي الســورة التــي يذكــر فيهــا كــذا وكــذا‪ ،‬وتنــزل‬
‫عليــه اآليــة واآليتــان‪ ،‬فيقــول مثــل ذلــك‪ ،‬وكانــت األنفــال مــن‬
‫أول مــا أنــزل عليــه بالمدينــة‪ ،‬وكانــت بــراءة مــن آخــر مــا‬
‫نــزل مــن القــرآن‪ ،‬وكانــت قصتهــا شــبيهة بقصتهــا‪ ،‬فظننــت‬
‫أنهــا منهــا‪ ،‬فمــن هنــاك وضعتهــا فــي الســبع الطــوال‪ ،‬ولــم‬
‫أكتــب بينهمــا ســطر‪ ،‬بســم اللــه الرحمــن الرحيــم‪.‬‬

‫وأمــا ترتيــب الســور حســبما هــي فــي المصحــف‪ ،‬فقــد اختلف‬


‫فيــه أهــل العلــم‪ :‬هــل كان بتوقيــف مــن النبــي صلــى اللــه‬
‫عليــه وســلم؟ أم أنــه اجتهــاد مــن الصحابــة؟‬

‫فالجمهــور علــى أنــه اجتهــاد مــن الصحابــة اســتوحوه مــن‬


‫قــراءة النبــي صلــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬ومــن ذكــره لبعــض‬
‫الســور مرتبــة حســبما فــي المصحــف اآلن‪ ،‬كقولــه‪" :‬اقــرؤوا‬
‫الزهراويــن البقــرة وســورة آل عمــران…" أخرجــه مســلم‪.‬‬

‫وذهــب جماعــة مــن أهــل العلــم إلــى أن ترتيــب الســور كان‬


‫بتوقيــف مــن النبــي صلــى اللــه عليــه وســلم‪.‬‬

‫قــال ابــن األنبــاري‪( :‬أنــزل اللــه القــرآن كلــه إلــى الســماء‬


‫الدنيــا‪ ،‬ثــم فرقــه فــي بضــع وعشــرين ســنة‪ ،‬فكانــت الســورة‬
‫تنــزل ألمــر يحــدث‪ ،‬واآليــة جوابًا لمســتخبر‪ ،‬ويوقــف جبريل‬
‫‪110‬‬
‫النبــي صلــى اللــه عليــه وســلم علــى موضــع اآليــة والســورة‪،‬‬
‫فاتســاق الســور كاتســاق اآليــات والحــروف‪ ،‬كلهــا عــن النبــي‬
‫صلــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فمــن قــدم ســورة أو أخرهــا‪ ،‬فقــد‬
‫أفســد نظــم القــرآن)‪.‬‬

‫ويبــدو أن الخــاف بيــن الفريقيــن خــاف لفظــي‪ ،‬كمــا قــال‬


‫الزركشــي فــي البرهــان‪ ،‬ألن القائــل بــأن الترتيــب اجتهــادي‬
‫يقــول‪ :‬إن النبــي صلــى اللــه عليــه وســلم رمــز للصحابــة‬
‫بذلــك‪ ،‬واســتوحوه مــن قراءتــه وقولــه كمــا تقــدم‪ ،‬ولذلــك قــال‬
‫اإلمــام مالــك رحمــة اللــه عليــه ‪ -‬وهــو مــن القائليــن بأنــه‬
‫اجتهــادي‪ :-‬إنمــا ألّفُــوا القــرآن علــى مــا كانــوا يســمعونه مــن‬
‫النبــي صلــى اللــه عليــه وســلم‪.‬‬

‫فــآل الخــاف بيــن الفريقيــن إلــى أنــه هــل كان ذلــك بتوقيــف‬
‫قولــي أو بمجــرد إســنا ٍد فعلــي بحيــث يبقــى لهــم فيــه مجــال‬
‫للنظــر؟‬

‫وقــد مــال ابــن عطيــة إلــى قــول ثالــث‪ :‬هــو أن الكثيــر مــن‬
‫الســور علــم ترتيبــه فــي حيــاة النبــي صلــى اللــه عليــه وســلم‪،‬‬
‫كالســبع الطــوال والحواميــم والمفصــل‪.‬‬

‫وأن مــا ســوى ذلــك يمكــن أن يكــون فــوض األمــر فيــه لألمــة‬
‫بعده‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫يالحظ من هذا النص األمور التالية‪:‬‬

‫أن عثمــان (ظــن أن ســورة بــراءة مــن ســورة األنفــال فلــم‬


‫يفصــل بينهمــا بالبســملة)‪.‬‬

‫والجمهور على أن الترتيب اجتهاد من الصحابة‪.‬‬

‫وذهبــت جماعــة مــن أهــل العلــم إلــى أن الترتيــب كان بتوقيف‬


‫‪.‬‬ ‫ﷺ‬ ‫مــن النبي‬

‫ومــال ابــن عطيــة إلــى قــول ثالــث‪ :‬هــو أن الكثيــر من الســور‬


‫علــم ترتيبــه فــي حيــاة النبي‬

‫وأن مــا ســوى ذلــك يمكــن أن يكــون فــوض األمــر فيــه لألمــة‬
‫بعده‪.‬‬

‫إذًا‪ ،‬الظــن واالختــاف والقــول بـــ (الممكــن)‪ ،‬أمــور حاكمــة‬


‫لمســألة ترتيــب الســور واآليــات وكل‬

‫ذلك قائم على الروايات وعلى (قيل وقال)‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫أمثلة من‬
‫القرآن الكريم‬
‫إننــا بعرضنــا لألمثلــة التاليــة نصــف واقــع النــص القرآنــي‬
‫كمــا هــو فــي القــرآن‪ ،‬مــن حيــث ترتيــب بعــض اآليــات أو‬
‫اختالفــات اإلمــاء باإلضافــة إلــى إشــكاليات مراعــاة قواعــد‬
‫أن ذلــك‬ ‫النحــو العربــي فــي بعضهــا‪ ،‬آخذيــن بعيــن االعتبــار ّ‬
‫مــا كان ال بحســب النــزول‪ ،‬وال بأمــر مــن الرســول صلــى‬
‫وأن لجنــة التأليــف والنســاخ ‪ -‬كمــا ذُ ِكــر‬
‫اللــه عليــه وآلــه‪ّ ،‬‬
‫أعــاه ‪ -‬هــي التــي تصرفــت فــي هــذا الترتيــب وهــذا اإلمالء‪.‬‬
‫ثــم إن بعــض المفســرين أشــاروا إليهــا‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫من حيث الترتيب‬
‫هنــاك آيــات نزلــت فــي خبــر‪ ،‬ثــم انقطعــت قبــل تمامهــا‪،‬‬
‫عطــف بعــد ذلــك علــى الخبــر‬ ‫وجــاءت آيــات أخــرى‪ ،‬ثــم ُ‬
‫ُ َُ َ َ‬
‫ورة العنك ُب ِ‬
‫وت‪:‬‬ ‫األول‪ ،‬كقولــه فــي س‬

‫‪114‬‬
‫ۡ ُ ُ ْ َّ َ َّ ُ َ ُ َ َّ ُ‬ ‫َ ۡ َٰ َ ۡ َ َ َ‬
‫ٱلل َوٱتقوهُ ۖ ذٰل ِك ۡم خ ۡير‪ ٞ‬لك ۡم‬ ‫ِيم إِذ قال ل ِق ۡو ِمهِ ٱعبدوا‬ ‫وِإبره‬
‫ُُۡ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ َ ۡ ُ ُ َ‬ ‫ُ ُۡ ََُۡ َ‬
‫ون ٱللِ أ ۡوث ٰ ٗنا َوتخلقون‬ ‫إِن كنتم تعلمون ‪ ١٦‬إِنما تعبدون مِن د ِ‬
‫ٗ‬ ‫ُ َ َ ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ ً َّ َّ َ َ ۡ ُ ُ َ‬
‫ون ٱللِ لا َي ۡمل ِكون لك ۡم رِ ۡزقا‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ون‬ ‫إِفكا ۚ إِن ٱلذِين تعبد‬
‫َ‬ ‫ۡ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫َ ۡ َ ُ ْ َ َّ ّ َ ۡ‬
‫ٱلر ۡزق َوٱع ُب ُدوهُ َوٱشك ُروا ل ُه ۖ ٓۥ إِل ۡيهِ ت ۡر َج ُعون ‪١٧‬‬ ‫فٱبتغوا عِند ٱللِ ِ‬
‫َّ‬ ‫َ ُ َ ّ ُ ْ َ َ ۡ َ َّ َ َ ‪ُ ۡ َ ّ ٞ‬‬ ‫ُ‬
‫ٱلر ُسو ِل إِلا‬ ‫ِك ۡمۖ َو َما عَلَى َّ‬ ‫وِإن تكذِبوا فقد كذب أمم مِن قبل‬
‫َّ‬ ‫ٱلل ٱلخَ ۡل َق ُث َّم يُع ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ۡ َ َ ۡ ْ َ ۡ َ ُ ۡ ُ َّ‬ ‫ٱل ۡ َب َل ٰ ُغ ٱل ۡ ُمب ُ‬
‫يدهُ ۚ ٓۥ إِن‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫‪١٨‬‬ ‫ين‬ ‫ِ‬
‫َ ُ ْ ََۡ َََ‬ ‫َۡ‬ ‫ْ‬ ‫ٱللِ يَسِير‪ ١٩ ٞ‬قُ ۡل س ُ‬ ‫َ ٰ َ َ َ َّ‬
‫ۡرض فٱنظ ُروا كيف بدأ‬ ‫ِيروا فِي ٱلأ ِ‬ ‫ذل ِك على‬
‫ٱلل عَل َ ٰى ُك ّل َ ۡ ٍء قَد ‪ٞ‬‬ ‫ٱلن ۡشأةَ ٱٓأۡلخ َِرةَ ۚ إ َّن َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ َ ۡ َ ُ َّ َّ ُ ُ ُ َّ‬
‫ِير‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٱلخلق ۚ ثم ٱلل ينشِ ئ‬
‫َ َ ٓ َُ‬ ‫َ ٓ َ ُۡ َ َ‬ ‫َ ٓ‬ ‫‪ُ ٢٠‬ي َع ّذ ُ‬
‫ِب َمن يَشا ُء َو َي ۡر َح ُم َمن يَشا ُء ۖ َوِإل ۡيهِ تقل ُبون ‪ ٢١‬وما أنتم‬
‫َّ‬ ‫َّ َ ٓ ِ َ َ َ ُ ّ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َۡ‬
‫ون ٱللِ مِن‬ ‫د‬ ‫ِن‬‫م‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ٱلس‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ۡرض‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ين فِي ٱل‬ ‫ب ُم ۡعجز َ‬
‫ِ‬ ‫ۖ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٓ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َّ‬ ‫َ ّ ََ َ‬
‫ت ٱللِ َول ِقائِه ِٓۦ أ ْو ٰٓلئِك‬ ‫ِين كف ُروا أَـِبي ٰ ِ‬ ‫ير ‪ ٢٢‬وٱلذ‬ ‫ول ِ ٖي ولا ن ٖ‬
‫ص‬‫ِ‬
‫ان َج َو َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ك ل َ ُه ۡم َع َذ ٌ‬ ‫َّ ۡ َ َ ْ َ ٰٓ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫اب‬ ‫ِيم ‪ ٢٣‬فما ك‬ ‫اب أل ‪ٞ‬‬ ‫يَئ ِ ُسوا مِن رحمتِي وأول ِئ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ۡ ٓ َّ ٓ َ َ ُ ْ ۡ ُ ُ ُ َ ۡ َ ّ ُ ُ َ َ َ ٰ ُ َّ‬
‫قو ِمهِۦ إِلا أن قالوا ٱقتلوه أو ح ِرقوه فأنجىه ٱلل مِن ٱلنارِۚ إِن فِي‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َٰ َ َ ٰ ّ َ‬
‫ت ل ِق ۡو ٖم يُؤم ُِنون ‪٢٤‬‬ ‫ذل ِك ٓأَلي ٖ‬

‫‪115‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ۡ َ َ ُۡ‬
‫﴿وِإذ قال لق َم ٰ ُن ل ِٱبۡنِهِۦ َوه َو يَعِظ ُهۥ‬ ‫ُ َ ُۡ َ‬
‫ورةُ لق َمان‬ ‫ومثل ذلك في س‬
‫ٱلش ۡر َك لَ ُظ ۡل ٌم َع ِظ ‪ٞ‬‬
‫َّ َّ ّ‬ ‫َ ٰ ُ َ َّ َ ُ ۡ ۡ‬
‫يم﴾‪١٣‬‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫يبني لا تش ِر ِ ۖ ِ‬
‫إ‬ ‫ِ‬ ‫ٱلل‬ ‫ب‬ ‫ك‬
‫(هنا انقطع الخبر)‬
‫َ َ َّ ۡ َ ۡ َ ٰ َ َ َ ۡ َ َ َ ۡ ُ ُ ُّ ُ َ ۡ ً َ َ َ ۡ َ َ ٰ ُُ‬
‫﴿ووصينا ٱل ِإنسن بِوٰل ِديهِ حملته أمهۥ وهنا عل ٰى وه ٖن وف ِصلهۥ فِي‬
‫ج ٰ َه َداكَ‬ ‫﴿وِإن َ‬ ‫ير﴾‪َ ١٤‬‬ ‫ك إل َ َّي ٱل ۡ َم ِص ُ‬
‫َ َٰ َ ۡ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َۡ َ ۡ ُ‬
‫عامي ِن أ ِن ٱشكر لِي ول ِول ِدي ِ‬
‫ك بهِۦ ع ِۡل ‪ٞ‬م فَلَا تُ ِط ۡع ُه َماۖ َو َصاح ِۡب ُهماَ‬ ‫َ َۡ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ٰٓ َ ُ ۡ‬
‫على أن تش ِرك بِي ما ليس ل ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ج ُعك ۡم‬ ‫ُّ ۡ َ َ ۡ ُ ٗ َ َّ ۡ َ َ َ ۡ َ َ َ ُ َّ َ َ ۡ‬
‫فِي ٱلدنيا معروفاۖ وٱتبِع سبِيل من أناب إِل َّي ۚ ثم إِل َّي مر ِ‬
‫ََُّ ُ ُ َ ُ ُ َ ُ َ‬
‫نت ۡم ت ۡع َملون﴾‪١٥‬‬ ‫فأنبِئكم بِما ك‬
‫(هنا اتصل الخبر)‬
‫َۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َّ ٓ َ ُ ۡ َ َ‬ ‫َ‬
‫﴿ي ٰ ُب َن َّي إِن َها إِن تك مِثقال َح َّبةٖ ّم ِۡن خ ۡرد ٖل ف َتكن فِي َصخ َر ٍة أو‬
‫َ َّ ُ َّ َّ َ َ ٌ َ‬ ‫َۡ‬ ‫َۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ َ َ َ‬
‫‪ٞ‬‬
‫ت بِها ٱللۚ إِن ٱلل ل ِطيف خبِير ‪١٦‬‬ ‫ۡرض يأ ِ‬ ‫ت أو فِي ٱلأ ِ‬ ‫فِي ٱلسمٰو ٰ ِ‬
‫َ َۡ َ ُۡ َ َ ۡ ۡ ََ َٓ‬ ‫ۡ ۡ‬ ‫َّ َ َ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وف وٱنه ع ِن ٱلمنك ِر وٱصبِر عل ٰى ما‬ ‫ٱلصل ٰوة َوأ ُم ۡر بِٱل َمع ُر ِ‬ ‫ي ٰ ُب َن َّي أق ِ ِم‬
‫ُۡ‬ ‫َ َّ َ َ‬ ‫َ‬
‫أ َصابَك ۖ إِن ذٰل ِك م ِۡن َع ۡز ِم ٱلأ ُمورِ﴾‪١٧‬‬

‫‪116‬‬
‫ُ َُ ُ َ‬
‫ورة الف ۡرق ِان‬‫آخر‪ :‬الخبر في س‬ ‫مثال‬
‫ُ َُ َ َُ‬
‫وجوابه في سورة العنكب ِ‬
‫وت‬

‫ۡ َ َ َ َ َ َ َ ُ ۡ َٰ َ َ ۡ ُ ۡ َ ٗ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ََ ُ ْ ََ ُ َۡ‬


‫﴿وقال ٓوا أ ٰ‬
‫س ِطير ٱلأول ِين ٱكتتبها فه ف ِهـي تملى عليهِ بكرة‬
‫ُ َُ َُۡ‬ ‫ََ ٗ‬
‫ان ‪٥‬‬
‫ِ‬ ‫ق‬‫ر‬ ‫الف‬ ‫ة‬‫ور‬‫س‬ ‫ا﴾‬ ‫صيل‬ ‫وأ ِ‬
‫قولــه أســاطير األوليــن اكتتبهــا‪ ،‬هــو قــول النضر بــن الحارث‬
‫‪ ،‬فهــي تتلــى‬ ‫ﷺ‬
‫الــذي قــال‪ ،‬أســاطير األوليــن اكتتبهــا محمــد‬
‫عليــه بكــرة وأصيــا‪ .‬فنزلت‪:‬‬
‫َ ٗ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫﴿و َما ُك َ‬
‫نت َت ۡتلُوا ْ مِن َق ۡ‬
‫ب َولا تخ ُّط ُهۥ ب ِ َي ِمين ِك ۖ إِذا‬‫ٖ‬ ‫ٰ‬ ‫ِت‬ ‫ك‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ِۦ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ َُ َ َ‬ ‫َّ ۡ َ َ ۡ ُ ۡ ُ َ‬
‫وت ‪٤٨‬‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫نك‬ ‫الع‬ ‫ة‬‫ور‬‫س‬ ‫﴾‬ ‫ون‬ ‫لٱرتاب ٱلمب ِطل‬

‫‪117‬‬
‫شبهات التقديم‬
‫والتأخير‬
‫َ‬ ‫ُ َ ‪ٞ‬‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ‬
‫﴿أف َمن كان عَل ٰى بَ ّي ِ َن ٖة ّمِن َّر ّبِهِۦ َو َي ۡتلوهُ شاهِد ّم ِۡن ُه َومِن ق ۡبلِهِۦ‬
‫حمَ ًة ۚ ﴾ ُس َ‬
‫ورةُ ُهو ٍد ‪١٧‬‬
‫َٰ ُ ُ َ ٰ َ ٗ َ َ ۡ‬
‫كِتب موسـى إِماما ور‬
‫َ َ َ َ َ َ َ ٰ َ ّ َ ّ َّ ّ َ َ ۡ ُ ُ َ ‪ً َ ۡ َ َ ٗ َ ُ ۡ ّ ٞ‬‬
‫﴿أفمن كان على بيِنةٖ مِن ربِهِۦ ويتلوه شاهِد مِنه إِماما ورحمة ۚ‬
‫ـى﴾‬ ‫وس ٰٓ‬ ‫ب ُم َ‬‫َومِن َق ۡبلِهِۦ ك َِتٰ ُ‬
‫ٱلرٰكِع َ‬ ‫ٱر َكعي َم َع َّ‬ ‫ٱق ُنتي ل َِر ّب َ ۡ ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ين﴾‬ ‫ِ‬ ‫َ ۡ‬
‫ك وٱسجدِي و ِ‬ ‫﴿ي ٰ َم ۡر َي ُم ِ ِ ِ‬
‫جدِي‬ ‫ٱس ُ‬ ‫ٱر َكعي َو ۡ‬ ‫ُس َور ُة ٓال ع ۡم َر َان ‪ۡ 43‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّ ۡ ُ ْ َ َ ۡ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ ٰ ‪َ َ َ َ ۡ َّ ٞ‬‬
‫خع نف َسك عل ٰٓى َءاث ٰ ِره ِۡم إِن ل ۡم يُؤمِنوا بِهٰذا ٱلحَد ِ‬
‫ِيث‬ ‫﴿فلعلك ب ِ‬
‫ۡ‬ ‫ُ َُ َ‬ ‫ََ ً‬
‫أسفا﴾ سورة الكه ِف ‪٦‬‬
‫سفًا ِإ ْن لَ ْم يُؤْ ِمنُوا بِ َه َذا ْال َحدِيثِ‪.‬‬ ‫علَى آَث َ ِ‬
‫ار ِه ْم أ َ‬ ‫فَلَعَلَّ َك بَ ِ‬
‫اخ ٌع نَ ْف َ‬
‫س َك َ‬

‫‪118‬‬
‫شبهات (خطأ النساخ)‬
‫الرسم اإلمالئي‬
‫المخالف للرسم العثماني‬
‫اإلمالئي‬
‫روي أن عثمــان بعــد مراجعــة أول نســخة مــن القــرآن قــال‪:‬‬
‫إننــي أرى أخطــاء لغويــة فيــه‪ ،‬وإن العــرب ســوف يقرؤونــه‬
‫بالطريقــة الصحيحــة ألنــه نــزل علــى لســانهم‪ .‬ثــم قيــل بعــد‬
‫ذلــك إن ابــن الخطيــب الــذي ذكــر لنــا الروايــة الســابقة فــي‬
‫كتابــه " الفرقــان " ذكــر روايــة أخــرى عــن عائشــة‪ ،‬أن‬
‫واحــدة مــن زوجــات النبــي صلــى اللــه عليــه وســلم قالــت‪:‬‬
‫إن هنــاك ثالثــة أخطــأ لغويــة فــي ) القــرآن‪ ،‬فــي مثــل قولــه‬
‫تعالــى‪( :‬قالــوا إن هــذان لســاحران يريــدان أن يخرجاكــم مــن‬
‫أرضهمــا‪( )......‬هــذان) اســم إن فالوجــوب نصبــه باليــاء‬
‫ألنــه مثنــى‪ .‬وقولــه تعالــى‪( :‬إن الذيــن آمنــوا والذيــن هــادوا‬
‫والصابئــون والنصــارى مــن آمــن باللــه واليــوم واآلخــر‬
‫وعمــل صالحــا فــا خــوف عليهــم وال هــم يحزنــون) وفــي‬
‫قولــه والمقيميــن الصــاة والمؤتــون الــزكاة والمؤمنــون‬
‫باللــه واليــوم اآلخــر أولئــك ســنؤتيهم أجــرا) تعالــى‪( :‬لكــن‬
‫الراســخون فــي العلــم منهــم والمؤمنــون يؤمنــون بمــا أنــزل‬
‫إليــك ومــا أنــزل مــن قبلــك‬
‫‪119‬‬
‫الصابئــون اســم إن والقاعــدة باليــاء الصابئيــن آلنــه جمــع‬
‫مذكــر ســالم ومثلــه الراســخون اســم (لكــن) ومثلــه المؤتــون‬
‫ألنــه معطــوف علــى منصــوب وكــذا المؤمنــون‪.‬‬

‫واعتبــر مؤلفــون مســلمون قدامــى (حســب الروايــات) أن‬


‫ســرا إلهيًــا وراء الرســم العثمانــي المخالــف للرســم‬ ‫ً‬ ‫ثمــة‬
‫اإلمالئــي‪ .‬غيــر أن ابــن خلــدون (ت‪1406 .‬م‪ ).‬يرفــض هــذا‬
‫االدعــاء ويعتبــر اإلمــاء القرآنــي عيبًــا نات ًجــا عــن َكتَبتِــه (و‬
‫روي مثــل هــذا عــن أم المؤمنيــن عائشــة)‪ ،‬هــذا الذيــن كانــوا‬
‫يجهلــون الكتابــة الصحيحــة‪ ،‬وتــداول الكتبــة الالحقــون نفــس‬
‫األغــاط تبــر ًكا بالماضــي‪ .‬فهــو يقــول‪:‬‬

‫"وانظــر مــا وقــع [‪ ]...‬فــي رســمهم المصحــف حيــث رســمه‬


‫الصحابــة بخطوطهــم وكانــت غيــر مســتحكمة فــي اإلجــادة‬
‫فخالــف الكثيــر مــن رســومهم مــا اقتضتــه أقيســة رســوم‬
‫صناعــة الخــط عنــد أهلهــا ثــم اقتفــى التابعــون مــن الســلف‬
‫‪.‬‬‫ﷺ‬ ‫رســمهم فيهــا تبــر ًكا بمــا رســمه أصحــاب النبــي‬

‫‪120‬‬
‫مــن بعــده المتلقــون لوحيــه مــن كتــاب اللــه وكالمــه‪ .‬كمــا‬
‫يقتفــى لهــذا العهــد خــط ولــي أو عالــم‪ ،‬تبــر ًكا‪ ،‬ويتبــع رســمه‬
‫خطــا ً أو صوابًــا‪ .‬وأيــن نســبة ذلــك مــن الصحابــة فيمــا‬
‫كتبــوه؟ فاتبــع ذلــك وأثبــت رســ ًما ونبّــه العلمــاء بالرســم‬
‫علــى مواضعــه‪ .‬وال تلتفتــن فــي ذلــك إلــى مــا يزعمــه بعــض‬
‫المغفليــن مــن أنهــم كانــوا (الصحابــة) محكميــن لصناعــة‬
‫الخــط وأن مــا يتخيــل مــن مخالفــة خطوطهــم ألصــول الرســم‬
‫ليــس كمــا يتخيــل بــل لــكل منهــا وجــه‪ .‬يقولــون فــي مثــل‬
‫ۡ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ٓ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ََْۡ ََ‬
‫ــل ‪21‬‬ ‫َّ‬
‫حن ـهُۥٓ ســورة النم ِ‬ ‫زيــادة األلــف فــي ﴿لأاذبحنــهۥ﴾ ل أذبَ َ‬
‫َ‬
‫إنــه تنبيــه علــى الذبــح لــم يقــع وفــي زيــادة اليــاء فــي ِبأ َ ۡيــد‬
‫ُ َ ُ َّ‬ ‫ْ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ات ‪47‬‬ ‫َ‬
‫﴿بِأييد﴾ سورة الذارِي ِ‬

‫‪121‬‬
‫إنــه تنبيــه علــى كمــال القــدرة الربانيــة وأمثــال ذلــك ممــا ال‬
‫أصــل لــه إال التحكــم المحــض‪ .‬ومــا حملهــم علــى ذلــك إال‬
‫اعتقادهــم أن فــي ذلــك تنزي ًهــا للصحابــة عــن توهــم النقــص‬
‫فــي قلــة إجــادة الخــط‪ .‬وحســبوا أن الخــط كمــال فنزهوهــم‬
‫عــن نقصــه ونســبوا إليهــم الكمــال بإجادتــه وطلبــوا تعليــل مــا‬
‫خالــف اإلجــادة مــن رســمه وذلــك ليــس بصحيــح‪ .‬واعلــم أن‬
‫الخــط ليــس بكمــال فــي حقهــم إذ الخــط مــن جملــة الصنائــع‬
‫المدنيــة المعاشــية كمــا رأيتــه فيمــا مــر‪ .‬والكمــال فــي الصنائع‬
‫إضافــي وليــس بكمــال مطلــق إذ ال يعــود نقصــه علــى الــذات‬
‫فــي الديــن وال فــي الخــال وإنمــا يعــود علــى أســباب المعــاش‬
‫وبحســب العمــران والتعــاون عليــه ألجــل داللتــه علــى مــا‬
‫فــي النفــوس"‪( .‬انظــر كتــاب تاريــخ ابــن خلــدون‪ ،‬الجــزء‬
‫األول‪ ،‬ص ‪.)419‬‬

‫‪122‬‬
‫ونجد الذي ينتقده ابن خلدون عند مؤلفين معاصرين‪.‬‬
‫فهــذا الزرقانــي (ت‪1948 .‬م‪ ).‬يقــول فــي كتابــه «مناهــل‬
‫العرفــان فــي علــوم القــرآن»‪:‬‬

‫ضــا معجــز‪ .‬وكيــف‬ ‫"وكمــا أن نظــم القــرآن معجــز فرســمه أي ً‬


‫تهتــدي العقــول إلــى ســر زيــادة األلــف فــي مائــة دون مئــة‪.‬‬
‫وإلــى ســر زيــادة األلــف في ســعوا بالحج ونقصانها من ســعوا‬
‫بســبأ وإلــى ســر زيادتهــا فــي عتـ ًـوا حيــث كان نقصانهــا مــن‬
‫عتــو فــي الفرقــان وإلــى ســر زيادتهــا فــي آمنــوا وإســقاطها‬
‫مــن بــاؤ و جــاؤ تبــوؤ فــاؤ بالبقــرة وإلــى ســر زيادتهــا فــي‬
‫يعفــوا ونقصانهــا مــن يعفــو عنهــم فــي النســاء أم كيــف تبلــغ‬
‫العقــول إلــى وجــه حــذف بعــض أحــرف مــن كلمات متشــابهة‬
‫دون بعــض كحــذف األلــف مــن قرءانــا بيوســف والزخــرف‬
‫وإثباتهــا فــي ســائر المواضــع وإثبــات األلــف بعــد واو‬
‫ســموات فــي فصلــت وحذفهــا مــن غيرهــا‪ .‬وإثبــات األلــف‬
‫فــي الميعــاد مطلقًــا وحذفهــا مــن الموضــع الــذي فــي األنفــال‬
‫وإثبــات األلــف فــي ســرا ًجا حيثمــا وقــع وحذفــه مــن موضــع‬
‫الفرقــان وكيــف تتوصــل إلــى فتــح بعــض التــاءات وربطهــا‬
‫فــي بعــض فــكل ذلــك ألســرار إلهيــة وأغــراض نبويــة‪ .‬وإنمــا‬
‫خفيــت علــى النــاس ألنهــا أســرار باطنيــة ال تــدرك إال بالفتــح‬
‫الرباني‪(".‬الزرقانــي‪ :‬مناهــل العرفــان فــي علــوم القــرآن‪،‬‬
‫الجــزء األول‪ ،‬ص ‪).314‬‬

‫‪123‬‬
‫إشكاالت (خطأ النساخ)‬

‫في النحو‬
‫ٱلن َص ٰ َر ٰ‬ ‫َّ َّ َ َ َ ُ ْ َ َّ َ َ ُ ْ َ َّ ٰ ُ َ‬
‫ى َم ۡن َء َام َن‬ ‫ون َو َّ‬‫﴿إِن ٱلذِين ءامنوا وٱلذِين هادوا وٱلصبِـٔ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ‬
‫بِٱللِ َوٱل َي ۡو ِم ٱٓأۡلخ ِِر َو َع ِمل صٰل ِٗحا فلا خ ۡوف َعل ۡي ِه ۡم َولا ه ۡم‬
‫ورةُ َ‬ ‫ََُۡ َ‬
‫المائـ َدة ِ ‪69‬‬
‫ِ‬ ‫ون﴾ ُس َ‬ ‫يحزن‬
‫للنحــاة والمفســرين فــي هــذه اآليــة عــدة آراء‪ ،‬ســنعرضها‬
‫كمــا يلــي‪:‬‬
‫األول‪ :‬مــا قالــه جمهــور نحــاة البصــرة‪ ،‬الخليــل وســيبويه‬
‫إن " الصابئــون " مرفــوع علــى أنــه‬ ‫وأتباعهمــا‪ ،‬قالــوا‪ّ :‬‬
‫"مبتــدأ" وخبــره محــذوف يــد ّل عليــه خبــر مــا قبلــه ّ‬
‫"إن الذيــن‬
‫آمنــوا" قالــوا‪ :‬والنيــة فيــه التأخيــر‪ ،‬أي تأخيــر "والصابئــون"‬
‫إلــى مــا بعــد "والنصــارى"‪ .‬وتقديــر النظــم والمعنــى عندهــم‪:‬‬
‫"إن الذيــن آمنــوا والذيــن هــادوا والنصــارى مــن آمــن منهــم‬
‫باللــه واليــوم اآلخــر فــا خــوف عليهــم وال هــم يحزنــون‬
‫والصابئــون كذلــك"‪.‬‬

‫ومن شواهد هذا الحذف عند العرب قول الشاعر‪:‬‬


‫نحن بما عندنا وأنت بما‪...‬عندك راض والرأي مختلف‬

‫‪124‬‬
‫فقــد حــذف الخبــر مــن المبتــدأ األول‪ ،‬وتقديــره "راضــون"‬
‫لداللــة الثانــي عليــه "راض"‪.‬‬

‫والمعنــى‪ :‬نحــن بمــا عندنــا راضــون‪ ،‬وأنــت بمــا عنــدك‬


‫راض‪.‬‬

‫وقول اآلخر‪:‬‬

‫ومن يك أمسى بالمدينة رحله‪ ...‬فإني وقيَّار بها لغريب‬

‫والتقدير‪ :‬فإني لغريب وقيار كذلك‪.‬‬

‫وقول الشاعر‪:‬‬

‫وإال فاعلموا أنَّا وأنتم‪.....‬بغاة ما بقينا في شقاق‬

‫اســتمروا فــي‬
‫ّ‬ ‫الشــاعر يصــف الفريقيــن أنهــم "بغــاة " ْ‬
‫إن‬
‫الشــقاق‪ ،‬والتقديــر‪:‬‬

‫اعلموا أنّا بغاة وأنتم كذلك‪.‬‬

‫وهكــذا ورد فــي االســتعمال اللغــوي عنــد العــرب‪ّ ،‬‬


‫أن الجملــة‬
‫االســمية المؤكــدة بـــ ّ‬
‫"إن" يجــوز أن يذكــر فيهــا مبتــدأ آخــر‬
‫وأن يذكــر خبــر واحــد يكــون الســم ّ‬
‫"إن"‬ ‫"إن" ْ‬ ‫غيــر اســم ّ‬
‫ويحــذف خبــر المبتــدأ الثانــي لداللــة خبــر اســم ّ‬
‫"إن" عليــه‪،‬‬
‫أو يحــذف خبــر اســم ّ‬
‫"إن" ويكــون الخبــر المذكــور للمبتــدأ‬

‫‪125‬‬
‫"إن" المحــذوف ونظــم اآليــة‬‫الثانــي دليـ ًـا علــى خبــر اســم ّ‬
‫التــي كانــت منشــأ الشــبهة عندهــم ال يخــرج عــن هــذه‬
‫األســاليب الفصيحــة‪ ،‬التــي عرفناهــا فــي األبيــات الشــعرية‬
‫الثالثــة‪ ،‬وهــي لشــعراء فصحــاء يستشــهد بكالمهــم‪.‬‬

‫"إن" فــي قولــه تعالــى‪ّ :‬‬


‫"إن الذيــن آمنــوا" ليســت‬ ‫أن ّ‬ ‫الثانــي‪ّ :‬‬
‫هــي َّ‬
‫"إن" الناســخة‪ ،‬التــي تنصــب المبتــدأ وترفــع الخبــر‪ ،‬بــل‬
‫هــي بمعنــى‪ :‬نعــم‪ ،‬يعنــي حــرف جــواب‪ ،‬فــا تعمــل فــي‬
‫الجملــة االســمية ال نصبًــا‪ ،‬وال رفعًــا‪ ،‬وعلــى هــذا فالــذي‬
‫ألن "الذيــن" اســم موصــول‪ ،‬وهــو‬ ‫بعدهــا مرفــوع المحــل‪ّ ،‬‬
‫مبنــي فــي محــل رفــع‪ ،‬وكذلــك "الصابئــون" فإنــه مرفــوع‬
‫ظــا‪ ،‬وعالمــة رفعــه "الــواو" ألنــه جمــع مذكــر ســالم‪،‬‬ ‫لف ً‬
‫مفــرده "صابــئ "‬

‫وقد استعملها العرب كذلك‪ .‬قال قيس بن الرقيات‪:‬‬

‫برز الغواني من الشباب‪ ...‬يلمنني‪ ،‬وألومهنَّ ْه‬

‫كبرت‪ ،‬فقلت إنَّ ْه‬


‫َ‬ ‫شيب قد عالك‪ ...‬وقد‬
‫ٌ‬ ‫ويقلن‬

‫أي فقلت‪ :‬نعم‪.‬‬

‫كل من "الذين" و "الصابئون" و"النصارى"‪،‬‬ ‫وعلــى هــذا فإن ّ‬


‫أســماء مرفوعــة إمــا محـ ًـا‪ ،‬وهمــا‪" :‬الذيــن" فهــي مبنيــة فــي‬
‫محــل رفــع‪ ،‬والنصــارى مرفوعــة بضمــة مقــدرة ألنهــا اســم‬
‫‪126‬‬
‫مقصــور ال تظهــر علــى آخــره حــركات اإلعــراب‪ ،‬وإمــا‬
‫ظــا مثــل‪" :‬الصابئــون" فهــي مرفوعــة لف ً‬
‫ظــا بــواو الجماعة‪.‬‬ ‫لف ً‬

‫وعليــه كمــا كان فــي المذهــب األول فــا خطــأ فــي اآليــة كمــا‬
‫زعــم خصــوم القــرآن‪.‬‬

‫أمــا المفســرون فقــد اختــار الزمخشــري منهــم المذهــب األول‬


‫المعــزو إلــى جمهــور علمــاء البصــرة‪ ،‬ومــن شــيوخهم الخليل‬
‫وســيبويه‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫" والصابئــون" رفــع علــى االبتــداء‪ ،‬وخبــره محــذوف والنيــة‬


‫بــه التأخيــر عمــا فــي حيــز إن مــن اســمها وخبرهــا كأنــه‬
‫قيــل‪:‬‬

‫" إن الذيــن آمنــوا والذيــن هــادوا والنصــارى حكمهــم كــذا‪،‬‬


‫والصابئــون كذلــك"‬

‫وقال اإلمام الشوكاني‪:‬‬

‫" والصابئــون" مرتفــع علــى االبتــداء‪ ،‬وخبــره محــذوف‬


‫والتقديــر‪ّ :‬‬
‫إن الذيــن آمنــوا والذيــن هــادوا مــن آمــن منهــم باللــه‬
‫واليــوم اآلخــر وعمــل صال ًحــا فــا خــوف عليهــم وال هــم‬
‫يحزنــون والصابئــون والنصــارى كذلــك‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫وقــد ألمــح اإلمــام الشــوكاني إلــى إضافــة جديــدة خالــف بهــا‬
‫كل مــن الخليــل وســيبويه والزمخشــري‪ ،‬ألن هــؤالء جعلــوا‬ ‫ً‬
‫"الصابئــون" مقد ًمــا مــن تأخيــر كمــا تقــدم‪ ،‬أمــا هــو فجعلــه‬
‫ـارا فــي موضعــه غيــر مقــدم مــن تأخيــر بدليــل قولــه‪:‬‬‫قـ ًّ‬
‫" والصابئــون والنصــارى كذلــك" وهــذه إضافــة حســنة‬
‫ومقبولــة‪ .‬وعليــه يمكــن َج ْعــل "النصــارى" مرفوعــة عطف ـا ً‬
‫علــى "الصابئــون" وال حاجــة إلــى جعلهــا منصوبــة عطفًــا‬
‫علــى "إن الذيــن آمنــوا"‪ ،‬والواقــع أن هــذا المذهــب علــى‬
‫جملتــه الــذي ذهــب إليــه جمهــور علمــاء البصــرة‪ ،‬وتابعهــم‬
‫فيــه اإلمــام الشــوكاني هــو أقــوى مــا أورده النحــاة فــي توجيــه‬
‫رفــع "الصابئــون" فــي هــذه اآليــة الكريمــة‪ .‬أمــا بقيــة اآلراء‪،‬‬
‫فهــي دون ذلــك بكثيــر‪.‬‬

‫هــذا هــو توجيــه رفــع "الصابئــون" عنــد جمهــور النحــاة‬


‫والمفســرين‪ ،‬أمــا توجيهــه بالغــة فهــو مــا يأتــي‪:‬‬
‫إن مخالفــة إعــراب "الصابئــون" ع ّمــا قبلهــا ســواء كانــت‬
‫مقدمــة مــن تأخيــر علــى رأي الجمهــور أو غيــر مقدمــة علــى‬
‫رأي اإلمــام الشــوكاني وآخريــن‪.‬‬

‫وعمــا بعدهــا إن قدرنــا "والنصــارى" معطوفًــا علــى ّ‬


‫"إن‬
‫الذيــن آمنــوا والذيــن هــادوا‪ ،‬بـ ّ‬
‫ـأن هــذه المخالفــة لمحــة بالغيــة‬
‫رائعــة‪ ،‬تشــير إلــى وجــود فــرق كبيــر بيــن هــذه الطوائــف‬

‫‪128‬‬
‫األربــع‪:‬‬
‫•الذين آمنوا‪.‬‬
‫•الذين هادوا‬
‫•النصارى‪.‬‬
‫•الصابئون‪.‬‬

‫فالطوائــف الثــاث األولــى يربــط بينهــا رابــط قــوي هــو أن‬


‫كل طائفــة منهــا لهــا كتــاب ورســول مــن عنــد اللــه عــز وجل‪.‬‬

‫فالذيــن آمنــوا لهــم كتــاب هــو القــرآن‪ ،‬ورســول هــو محمــد‬


‫صلــى اللــه عليــه وســلم‪.‬‬

‫والذيــن هــادوا لهــم كتــاب هــو التــوراة‪ ،‬ولهــم رســول هــو‬


‫موســى عليــه الســام‪.‬‬

‫والنصــارى لهــم كتــاب هــو اإلنجيــل‪ ،‬ولهــم رســول هــو‬


‫عيســى عليــه الســام‪.‬‬

‫أمــا الصابئــون‪ ،‬فليــس لهــم كتــاب وال رســول‪ ،‬وهــم علــى‬


‫ضــال مطبــق ال ذرة مــن هدايــة فيــه‪.‬‬

‫والمقــام الــذي تتحــدث عنــه اآليــة هــو فتــح بــاب القبــول‬


‫عنــد اللــه لــكل مــن آمــن إيمانًــا صحي ًحــا صادقًــا وداوم علــى‬
‫عمــل الصالحــات‪ .‬فاإليمــان يمحــو مــا قبلــه وال ينظــر اللــه‬

‫‪129‬‬
‫ـاص‪ ،‬واآليــة‬
‫إلــى ماضيهــم الــذي كانــوا عليــه مــن كفــر ومعـ ٍ‬
‫بــدأت بالذيــن آمنــوا ليســتمروا علــى إيمانهــم الــذي هــم فيــه‪،‬‬
‫ويلتزمــوا بعمــل الصالحــات واللــه ســيجزيهم خيــر الجــزاء‬
‫علــى إيمانهــم المســتمر‪ ،‬وصالحهــم الدائــم‪.‬‬

‫ثــم ثنّــت بالذيــن هــادوا‪ ،‬يعنــى‪ :‬اليهــود‪ ،‬وهــم كانــوا في عصر‬


‫نــزول القــرآن قــد غالــوا فــي دينهــم‪ ،‬وحــادوا عــن الحــق‪،‬‬
‫وغيَّــروا وبدَّلــوا فيمــا أنزلــه اللــه علــى أنبيائهــم فوعدهــم اللــه‬
‫إذا آمنــوا إيمانًــا صحي ًحــا صادقًــا‪ ،‬وتابــوا إلــى اللــه مــن كل‬
‫مــا ابتدعــوه فــي عقائدهــم واتبعــوا مــا أنــزل اللــه علــى خاتــم‬
‫ـن مــن عــذاب اللــه‪ ،‬ال خــوف‬ ‫رســله‪ ،‬بأنهــم ســيكونون فــي أمـ ٍ‬
‫عليهــم وال هــم يحزنــون‪.‬‬

‫وكذلــك النصــارى حيــث جعلــوا للــه صاحبــة وولــدا وغالــوا‬


‫ـرا فــي دينهــم‪ ،‬إذا آمنــوا إيمانًــا صحي ًحــا صادقًــا‪ ،‬وبرئــوا‬
‫كثيـ ً‬
‫مــن عقائدهــم التــي ابتدعوهــا‪ ،‬وأصلحــوا شــأنهم‪ ،‬وآمنــوا بمــا‬
‫أنزلــه اللــه علــى خاتــم رســله‪ ،‬ولزمــوا العمــل الصالــح‪ ،‬كان‬
‫مشــكورا‪ ،‬ووقاهــم اللــه عــز وجــل مــن‬
‫ً‬ ‫ســعيهم عنــد اللــه‬
‫الخــوف والحــزن يــوم يقــوم النــاس لــرب العالميــن‪.‬‬

‫ثــم زاد اللــه فــي ترغيــب هــذه الفــرق الثــاث فيمــا عنــده‬
‫بــأن يجعــل هــذا الفضــل للصابئيــن الذيــن خرجــوا عــن جميــع‬
‫الرســاالت الســماوية‪ ،‬وإذا كان اللــه يقبــل منهــم إيمانهــم إذا‬

‫‪130‬‬
‫آمنــوا‪ ،‬ويثيبهــم علــى عمــل الصالحــات‪ .‬فــإن الذيــن آمنــوا‬
‫واليهــود والنصــارى أولــى بالقبــول عنــد اللــه‪ ،‬إذا آمنــوا‬
‫وعملــوا الصالحــات‪.‬‬

‫ومــن أجــل هــذا خولــف إعــراب و "الصابئــون" ليلفــت‬


‫األذهــان عنــد قــراءة هــذه اآليــة أو ســماعها إلــى الوقــوف‬
‫أمــام هــذه المخالفــة‪ ،‬وليتســاءل القــارئ أو الســامع مــا ســبب‬
‫هــذه المخالفــة‪ ،‬ثــم يقــوده هــذا التســاؤل إلــى الحصــول علــى‬
‫هــذا المعنــى الــذي تقــدم‪.‬‬

‫فهــذه المخالفــة أشــبه مــا تكــون بالنبــر الصوتــي فــي بعــض‬


‫الكلمــات‪ ،‬التــي يــراد لفــت األنظــار إليهــا عنــد الســامعين‪،‬‬
‫قالــوا‪ :‬والــواو فــي "والصابئــون" ليســت لعطــف المفــردات‬
‫علــى نظائرهــا‪ ،‬وإنمــا هــي لعطــف "ال ُجمــل" و"الــواو" التــي‬
‫تعطــف جملــة علــى أخــرى ال تعمــل فــي مفــردات الجملــة‬
‫جــرا‪ .‬بــل تربــط بيــن‬
‫ً‬ ‫المعطوفــة‪ ،‬ال رفعًــا وال نصبًــا وال‬
‫الجملتيــن المعطوفــة والمعطــوف عليهــا فــي المعنــى دون‬
‫الحــركات اإلعرابيــة‪.‬‬

‫ولهــذه اآليــة نظائــر فــي مخالفــة إعرابهــا لمــا قبلهــا اتخــذ‬


‫منهــا خصــوم القــرآن منشــأ لشــبهات مماثلــة وســيأتي الحديــث‬
‫عنهــا ّ‬
‫كل فــي موضعــه إذا شــاء اللــه تعالــى‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫والخالصة‪:‬‬
‫إن هذه اآلية‪:‬‬ ‫ّ‬
‫َّ َّ َ َ َ ُ ْ َ َّ َ َ ُ ْ َ َّ َ ٰ َ ٰ َ َّ‬
‫ين َم ۡن َء َام َن‬
‫ٱلصٰبـٔ َ‬
‫ِِ‬ ‫﴿إِن ٱلذِين ءامنوا وٱلذِين هادوا وٱلنصرى و‬
‫َّ ۡ‬
‫ٱللِ َوٱل َي ۡو ِم ٱٓأۡلخ ِِر﴾ ُس َور ُة َالب َق َرِة ‪٦٢‬‬ ‫بِ‬
‫ي خطــأ نحــوي أو غيــر نحــوي‪ .‬بــل هــي‬ ‫(تخلــو مــن أ ّ‬
‫فــي غايــة الصحــة واإلعجــاز‪ ،‬وقــد بيّنــا وجــوه صحتهــا‪،‬‬
‫والمعانــي البيانيــة التــي ألمــح إليهــا رفــع "الصابئــون"‬
‫وهــؤالء الذيــن يلحــدون فــي آيــات اللــه ال درايــة لهــم بالنحــو‬
‫وال بالصــرف وال بالبالغــة‪ ،‬وليســوا هــم طــاب حــق‪ ،‬وال‬
‫باحثيــن عنــه‪ ،‬والــذي ســيطر علــى كل تفكيرهــم هــو البحــث‬
‫"عــن العــورات" فــي كتــاب ال عــورات فيــه بــل هــو أنقــى‬
‫وأبلــغ وأفصــح وأصــح‪ ،‬وأصــدق بيــان فــي الكــون كلــه‪ ،‬وال‬
‫يأتوننــا بمثــل إال جئناهــم بالحــق ومــا هــم بســابقين‪.‬‬

‫إن فــي قولــه "إن‬‫الذيــن هــادوا ليســت معطوفــة علــى اســم ّ‬


‫الذيــن آمنــوا" وإنمــا معطوفــة علــى الجملــة وهــو أســلوب‬
‫عربــي ال تنكــره العــرب‪ ،‬والقــرآن هــو الحكــم علــى اللغــة‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫يقول ابن عاشور‪:‬‬
‫أن هــذا اللّفــظ كذلــك نــزل‪،‬‬ ‫" فم ّمــا يجــب أن يُوقــن بــه ّ‬
‫وكذلــك تلقّــاه المســلمون منــه‬ ‫ﷺ‬ ‫وكذلــك نطــق بــه النّبــي‬
‫عــرب خلّــص‪،‬‬ ‫وقــرؤوه‪ ،‬و ُكتــب فــي المصاحــف‪ ،‬وهــم َ‬
‫ـرف منــه أســلوبًا مــن أســاليب اســتعمال‬ ‫فــكان لنــا أصـ ًـا نتعـ ّ‬
‫ً‬
‫اســتعمال غيــر شــائع لكنّــه‬ ‫العــرب فــي العطــف وإن كان‬
‫أن مــن الشــائع فــي‬ ‫مــن الفصاحــة واإليجــاز بمــكان‪ ،‬وذلــك ّ‬
‫(إن) وأتــي باســم ّ‬
‫إن‬ ‫الــكالم أنّــه إذا أتــي بــكالم مو ّكــد بحــرف ّ‬
‫وخبرهــا وأريــد أن يعطفــوا علــى اســمها معطوفًــا هــو غريب‬
‫عــا ليدلّــوا‬
‫عــن ذلــك الحكــم جــيء بالمعطــوف الغريــب مرفو ً‬
‫بذلــك علــى أنّهــم أرادوا عطــف الجمــل ال عطــف المفــردات‪،‬‬
‫ـرا يقـدّره بحســب ســياق الــكالم ومــن ذلــك‬ ‫فيقـد َّر الســامع خبـ ً‬
‫(أن اللــه بــريء مــن المشــركين ورســولُه) التوبــة‪:‬‬ ‫قولــه فــي ّ‬
‫ـإن براءتــه منهــم فــي حــال كونــه‬‫‪ ،3‬أي ورســوله كذلــك‪ ،‬فـ ّ‬
‫أن‬‫مــن ذي نســبهم وصهرهــم أمــر كالغريــب ليظهــر منــه ّ‬
‫آصــرة الدّيــن أعظــم مــن جميــع تلــك األواصــر‪ ،‬وكذلــك هــذا‬
‫المعطــوف هنــا ل ّمــا كان الصابــون أبعــد عــن الهــدى مــن‬
‫اليهــود والنّصــارى فــي حــال الجاهليــة قبــل مجــيء اإلســام‪،‬‬
‫ـق لهــم‬‫ألنّهــم التزمــوا عبــادة الكواكــب‪ ،‬وكانــوا مــع ذلــك تحـ ّ‬
‫النّجــاة إن آمنــوا باللــه واليــوم اآلخــر وعملــوا صال ًحــا‪ ،‬كان‬
‫عــا تنبي ًهــا علــى ذلــك‪ .‬لكــن كان الجــري‬
‫اإلتيــان بلفظهــم مرفو ً‬
‫‪133‬‬
‫عــا‬‫علــى الغالــب يقتضــي أن ال يؤتــى بهــذا المعطــوف مرفو ً‬
‫(إن) خبرهــا‪ ،‬إنَّمــا كان الغالــب فــي كالم‬ ‫إالّ بعــد أن تســتوفي ّ‬
‫ـرا‪،‬‬ ‫العــرب أن يؤتــى باالســم المقصــود بــه هــذا الحكــم مؤ ّخـ ً‬
‫فأ ّمــا تقديمــه كمــا فــي هــذه اآليــة فقــد يتــراءى للنّاظــر أنّــه‬
‫ينافــي المقصــد الّــذي ألجلــه خولــف حكــم إعرابــه‪ ،‬ولكــن هذا‬
‫ضــا اســتعمال عزيــز‪ ،‬وهــو أن يجمــع بين مقتضيــي حالين‪،‬‬ ‫أي ً‬
‫وهمــا للدّاللــة علــى غرابــة ال ُمخبــر عنــه فــي هــذا الحكــم‪.‬‬
‫ـإن الصابئيــن‬ ‫والتّنبيــه علــى تعجيــل اإلعــام بهــذا الخبــر فـ ّ‬
‫يــكادون ييأســون مــن هــذا الحكــم أو ييــأس منهــم مــن يســمع‬
‫أن عفــو‬ ‫الحكــم علــى المســلمين واليهــود‪ .‬فنبّــه الــك ّل علــى ّ‬
‫اللــه عظيــم ال يضيــق عــن شــمولهم‪ ،‬فهــذا موجــب التّقديــم‬
‫الرفــع‪ ،‬ولــو لــم يقـدّم مــا حصــل ذلــك االعتبــار‪ ،‬كمــا أنّــه‬
‫مــع ّ‬
‫(إن) فلــم يكــن عطفــه‬ ‫لــو لــم يرفــع لصــار معطوفـا ً علــى اســم ّ‬
‫عطــف جملــة‪ .‬وقــد جــاء ذكــر الصابيــن فــي ســورة الح ـ ّج‬
‫مق ّد ًمــا علــى النّصــارى ومنصوبًــا‪ ،‬فحصــل هنــاك مقتضــى‬
‫حــال واحــدة وهــو المبــادرة بتعجيــل اإلعــام بشــمول فصــل‬
‫القضــاء بينهــم وأنّهــم أمــام عــدل اللــه يســاوون غيرهــم‪ .‬ث ـ ّم‬
‫عقّــب ذلــك كلّــه بقولــه‪ :‬وعمــل صال ًحــا‪ ،‬وهــو المقصــود‬
‫بالـذّات مــن ربــط الســامة مــن الخــوف والحــزن‪ ،‬بــه‪ ،‬فهــو‬
‫وأول‬ ‫قيــد فــي المذكوريــن كلّهــم مــن المســلمين وغيرهــم‪ّ ،‬‬
‫الرســول واإليمــان بالقــرآن‪ ،‬ثــم‬ ‫صالحــة تصديــق ّ‬ ‫األعمــال ال ّ‬
‫يأتــي امتثــال األوامــر واجتنــاب المنهيــات"‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫وهذا ورد في االستعمال اللغوي عند العرب‪.‬‬

‫أن الجملــة االســمية المؤكــدة بـــ ّ‬


‫"إن" يجــوز أن يذكــر فيهــا‬
‫مبتــدأ آخــر غيــر اســم ّ‬
‫"إن"‬

‫وأن يُذكــر خبــر واحــد يكــون الســم ّ‬


‫"إن "ويُحــذف خبــر‬
‫المبتــدأ الثانــي لداللــة خبــر اســم ّ‬
‫"إن" عليــه‪.‬‬

‫أو يحــذف خبــر اســم "إن" ويكــون الخبــر المذكــور للمبتــدأ‬


‫"إن" المحــذوف‬‫الثانــي دليـ ًـا علــى خبــر اســم ّ‬

‫فالمبتــدأ اآلخــر فــي اآليــة و الــذي هــو ليــس اســما لـــ "إن"‬
‫هــو الصابئــون‪ ،‬فـ ّ‬
‫ـكأن اآليــة تــو ّد أن تتركــب (أو كان أصــل‬
‫تركيبهــا كجملــة) علــى هــذا النحــو‪:‬‬
‫ّ‬
‫إن الذيــن آمنــوا والذيــن هــادوا والنصــارى مــن آمــن منهــم‬
‫باللــه واليــوم اآلخــر فــا خــوف عليهــم وال هــم يحزنــون‪،‬‬
‫والصابئــون كذلــك‪.‬‬

‫فهنــا نجــد جملتيــن‪ :‬جملــة بهــا اســم ّ‬


‫إن و خبرهــا و األخــرى‬
‫بمبتــدأ جديــد بــا ّ‬
‫(إن)‬

‫ونالحــظ ّ‬
‫أن الجملــة انتهــت بعــد (ال يحزنــون) ثــم بــدأت‬
‫بمبتــدأ جديــد وهــو (الصابئــون)‬

‫و ُحذف في اآلية الكريمة خبرها (وهو كلمة‪ :‬كذلك)‬

‫‪135‬‬
‫وقال اإلمام الشوكاني‪:‬‬
‫" والصابئــون" مرتفــع علــى االبتــداء (أي مرفــوع ألنــه‬
‫مبتــدأ)‪ ،‬وخبــره محــذوف‪.‬‬

‫والتقديــر‪ّ :‬‬
‫إن الذيــن آمنــوا والذيــن هــادوا مــن آمــن منهــم‬
‫باللــه واليــوم اآلخــر وعمــل صال ًحــا فــا خــوف عليهــم وال‬
‫هــم يحزنــون‪.‬‬

‫والصابئون والنصارى كذلك‪...‬‬

‫وقــد ألمــح اإلمــام الشــوكانى إلــى إضافــة جديــدة خالــف بهــا‬


‫كال مــن الخليــل وســيبويه والزمخشــري‪،‬‬

‫ألن هؤالء جعلوا "الصابئون" مقدما من تأخير كما تقدم‪.‬‬

‫ـارا فــي موضعــه غيــر مقــدم مــن تأخيــر‬


‫أمــا هــو فجعلــه قـ ًّ‬
‫بدليــل قولــه‪:‬‬
‫" والصابئون والنصارى كذلك‪".‬‬

‫وهذه إضافة حسنة ومقبولة‪.‬‬

‫وعليــه يمكــن َج ْعــل "النصــارى" مرفوعــة عطفــا ً علــى‬


‫"الصابئــون "‬
‫وال حاجــة إلــى جعلهــا منصوبــة عطفــا ً علــى ّ‬
‫"إن الذيــن‬
‫آمنــوا"‬
‫‪136‬‬
‫أن هــذا المذهــب‪ ،‬علــى جملتــه‪ ،‬الــذي ذهــب إليــه‬ ‫والواقــع ّ‬
‫جمهــور علمــاء البصــرة‪ ،‬وتابعهــم فيــه اإلمــام الشــوكاني هــو‬
‫أقــوى مــا أورده النحــاة فــي توجيــه رفــع "الصابئــون" فــي‬
‫هــذه اآليــة الكريمــة"‪.‬‬

‫(انتهت االقتباسات)‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫أسئلة مشروعة‬
‫انتهــى هــذا الجهــد المبــذول ‪-‬أعــاه‪ -‬الــذي‬
‫الحظنــاه‪ ،‬والــذي يدخلنــا فــي متاهــات (قالــوا‬
‫وقلنــا)‪ ،‬ثــم إدراجــه تحــت عنــوان اإلعجــاز‬
‫القرآنــي!‬

‫وعليه‪ ،‬سنسجل المالحظات التالية‪:‬‬

‫‪138‬‬
‫‪1.1‬يجــدر أن ال يقــاس كالم اللــه ‪ -‬المعجــز‪ -‬علــى كالم البشــر‬
‫بــل العكــس هــو األجــدر‪ ،‬أي أن يكــون كالم القــرآن هــو مــا‬
‫يقــاس عليــه نحـ ًـوا وصرفًــا وإمــا ًءا‪ ،‬فصاحـةً وبالغــة‪ ،‬حتــى‬
‫لــو قــال بذلــك كل علمــاء األمــة‪ .‬يقــول الشــافعي‪( ،‬ال يقــاس‬
‫إال علــى القــرآن والســنة وهمــا موجــودان‪ ،‬وإنمــا يؤخــذ العلــم‬
‫مــن أعلــى)‪ .‬وهنــا يحضرنــي كالم لطــه حســين‪ ،‬وهــو محــق‪،‬‬
‫يــوم قــال‪ ،‬كالم العــرب ثــاث – نثــر وشــعر وقــرآن‪ -‬مميـ ً‬
‫ـزا‬
‫بذلــك كالم القــرآن عــن غيــره‪.‬‬

‫‪2.2‬كيــف يقــاس علــى الشــعر(كل القياســات كانــت عليــه) فــي‬


‫الوقــت الــذي كان للقــرآن كالم واضــح عــن الشــعر أقــرب‬
‫إلــى اإلدانــة‪،‬‬
‫َ َ َ َّ ۡ َ ٰ ُ ّ ۡ َ َ َ َ َ َ ُ ٓ ۡ ُ َ َّ ۡ ‪ٞ َ ۡ ُ َ ٞ‬‬
‫ان ُّمب ‪ٞ‬‬
‫ين﴾‬ ‫ِ‬ ‫ٱلشعر وما يۢنب ِغي له ۚۥ إِن هو إِلا ذِكر وقرء‬
‫﴿وما علمنه ِ‬
‫ورةُ ٓيس ‪69‬‬
‫ُس َ‬

‫َ ُّ َ ٓ ُ َ َّ ُ ُ ۡ َ ُ َ‬
‫﴿وٱلشع َراء يتبِعه ُم ٱلغاوۥن﴾ سورة‬
‫ُ َ ُ ُّ‬
‫الش َع َر ِاء ‪224‬‬

‫إن الشــعر محــل القيــاس محكــوم بضــرورة الخــروج‬‫‪3.3‬ثــم ّ‬


‫عــن القيــاس النحــوي الســائد بقصــد الحفــاظ علــى الــوزن‬
‫أن هنــاك ضــرورة تحمــل‬ ‫أو القافيــة‪ ،‬وال يصــح افتــراض ّ‬
‫القــرآن علــى ذلــك‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫ثم لماذا لم يقس على اآلية ذاتها وقد وردت بتمامها في‬
‫َّ َّ َ َ َ ُ ْ َ َّ َ َ ُ‬
‫ادوا ْ َو َّ‬
‫ٱلن َص ٰ َر ٰ‬
‫ى‬ ‫الب َق َرة ِ‪﴿ 62‬إِن ٱلذِين ءامنوا وٱلذِين ه‬ ‫ورةُ َ‬ ‫ُس َ‬
‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ‬
‫ين َم ۡن َء َام َن بِٱللِ َوٱل َي ۡو ِم ٱٓأۡلخ ِِر َو َع ِمل صٰل ِٗحا فل ُه ۡم‬
‫ٱلصٰبـٔ َ‬
‫ِِ‬ ‫و‬
‫ُ َۡ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ِند َر ّب ِ ِه ۡم َولا خ ۡوف عل ۡي ِه ۡم َولا ه ۡم يح َزنون﴾‬ ‫أَ ۡج ُر ُه ۡم ع َ‬

‫ورةُ الحَ ِ ّج ‪17‬‬


‫وكذا األمر في ُس َ‬
‫ج َ‬‫ى َوٱل ۡ َم ُ‬‫ٱلن َص ٰ َر ٰ‬ ‫َّ َّ َ َ َ ُ ْ َ َّ َ َ ُ ْ َ َّ‬
‫ٱلصٰبـٔ َ‬
‫ين َو َّ‬
‫وس‬ ‫ِِ‬ ‫﴿إِن ٱلذِين ءامنوا وٱلذِين هادوا و‬
‫َ َّ َ َ ۡ َ ُ ٓ ْ َّ َّ َ َ ۡ ُ َ ۡ َ ُ ۡ َ ۡ َ ۡ َ َ َّ َّ َ َ َ ُ ّ‬
‫وٱلذِين أشركوا إِن ٱلل يف ِصل بينهم يوم ٱلقِيٰمةِۚ إِن ٱلل عل ٰى ك ِل‬
‫يد﴾ ولم يتجاوز اإلعراب عدد أصابع اليد‪:‬‬ ‫َ ۡ ٍء َشه ٌ‬
‫ِ‬
‫(إن) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد (الذين) اسم موصول‬ ‫ّ‬
‫ي في مح ّل نصب اسم ّ‬
‫إن (آمنوا) فعل ماضي مبني‬ ‫مبن ّ‬
‫على الض ّم‪...‬‬
‫والواو فاعل الواو عاطفة (الذين) اسم موصول معطوف‬
‫على االسم األول في مح ّل نصب (هادوا) مثل آمنوا‬
‫(والنصارى والصابئين) اسمان معطوفان بحرفي العطف‬
‫على االسم الموصول األول‪ ،‬منصوبان وعالمة النصب‬
‫في األول الفتحة المقدرة على األلف وعالمة نصب الثاني‬
‫الياء‪ .‬ألنه جمع مذكر سالم‪ .‬وكذا األمر في سورة الحج‪.‬‬
‫أقول‪ ،‬لو أنهم لم يضعفوا رواية أم المؤمنين عائشة وقول‬
‫الخليفة عثمان‪ ،‬لوفّروا على أنفسهم وعلينا كل هذا اللف‬
‫والدوران الذي ال طائل فيه‪.‬‬
‫‪140‬‬
‫إن حجتهــم فــي حفــظ اللــه تعالــى للقــرآن فــي هــذا المقــام‬ ‫ّ‬
‫مــردودة‪ ،‬ألن مــن يحامــي عــن حفظــه مــن أيــدي الكتبــة‬
‫والنســاخ ال يخالــف مضمــون آيــة الحفــظ اإللهــي‪ .‬ولــو كان‬
‫األمــر كذلــك لبقــي الرســم القرآنــي علــى حالــه بــا تنقيــط وال‬
‫تهميــز‪.‬‬

‫فالمعــروف أن النقوشــات والمخطوطــات كانــت دون نقــاط‬


‫أو تشــكيل‪ ،‬ومــع اتّســاع رقعــة الدولــة اإلســامية ودخــول‬
‫ـات مختلفــةٌ فــي الديــن اإلســامي فقــد أصبــح‬ ‫ـعوب وثقافـ ٌ‬‫شـ ٌ‬
‫ك ّل شــعب مــن هــذه الشــعوب يقــرأ ُ القــرآن بالقــراءة المناســبة‬
‫ـار خوفـا ً بيــن صفــوف المســلمين خَشــيةً دخــول‬ ‫لهــا‪ ،‬م ّمــا أثـ َ‬
‫كلمــات أو مــن تغيــر شــيء فــي القــرآن الكريــم عــن طريــق‬
‫لفــظ أو تشــكيل الحــروف بمــا يُناســبهم‪ .‬فــكان هــذا األمــر‬
‫ي بــن أبــي طالــب مــن أبــي األســود الدؤلــي‪،‬‬ ‫ســببا ً لطلــب علـ ّ‬
‫القيــام بوضــع الحــركات علــى الحــروف مــن ضمـ ٍة وكســرةٍ‬
‫وفتحـةٍ‪ ،‬و وضــع النقــاط علــى الحــروف وذلــك للتمييــز بيــن‬
‫األحــرف المتشــابهة كالبــاء والتــاء واليــاء وغيرهــا‪ ،‬حمايــة‬
‫وحفظــا للقــرآن الكريــم‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫إن هــذه الشــبهات واإلشــكاالت‪ ،‬دفعــت البعــض إلــى القــول‬
‫بمــا يلــي‪:‬‬
‫جــاء فــي مجلــة األزهــر لشــهر رمضــان ســنة ‪1950\1370‬م‬
‫مجلــد ‪ 22‬مــا يلــي‪:‬‬
‫"إن ترتيــب القــرآن فــي وضعــه الحالــي يبلبــل األفــكار‪،‬‬
‫ويضيــع الفائــدة مــن تنزيــل القــرآن‪ ،‬ألنــه يخالــف منهــج‬
‫التــدرج التشــريعي‪ ،‬الــذي روعــي فــي النــزول‪ ،‬ويفســد نظــام‬
‫التسلســل الطبيعــي للفكــرة‪ ،‬ألن القــارىء إذا انتقــل من ســورة‬
‫مكيــة إلــى ســورة مدنيــة‪ ،‬اصطــدم صدمــة عنيفــة‪ ،‬وانتقــل‬
‫بــدون تمهيــد‪ ،‬إلــى جــو غريــب عــن الجــو الــذي كان فيــه‪،‬‬
‫وصــار كذلــك ينتقــل مــن درس فــي الحــروف األبجديــة إلــى‬
‫درس فــي البالغــة"‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫وبحســب المدرســة اإلخباريــة عنــد الشــيعة التــي تُقصــي‬
‫القــرآن عــن المعرفــة الدينيــة‪ ،‬يقــول مؤســس هــذه المدرســة‬
‫محمــد أميــن اإلســترآبادي (المتوفــى عــام ‪ )1623‬فــي هــذا‬
‫الخصــوص‪« :‬وأن القــرآن فــي األكثــر ورد علــى وجــه‬
‫التعميــة بالنســبة إلــى أذهــان الرعيــة‪ ،‬وكذلــك كثيــر مــن‬
‫الســنن النبويــة‪ .‬وأنــه ال ســبيل لنــا فيمــا ال نعلمــه مــن األحــكام‬
‫الشــرعية النظريــة أصليــة كانــت أو فرعيــة إال الروايــات"‪.‬‬
‫(المحــدث الشــيعي األســترابادي‪ -‬كتــاب الفوائــد المدنيــة‬
‫ص‪).104‬‬

‫وقريــب مــن إبعــاد العامــة مخافــة إضاللهــا‪ ،‬مــا جــاء فــي‬


‫فتــوى للشــيخ عبــد العزيــز بــن بــاز‪ « :‬إن العلمــاء العارفيــن‬
‫بالشــريعة المحمديــة قــد يحتاجــون إلــى االطــاع علــى‬
‫التــوراة أو اإلنجيــل للــرد علــى أعــداء اللــه‪ ،‬ولبيــان فضــل‬
‫القــرآن ومــا فيــه مــن الحــق والهــدى‪ ،‬أمــا العامــة وأشــباه‬
‫العامــة فليــس لهــم شــيء مــن هــذا‪ ،‬وإن وجــد عندهــم شــيء‬
‫مــن التــوراة أو اإلنجيــل أو الزبــور‪ ،‬فالواجــب دفنهــا فــي‬
‫محــل طيــب أو إحراقهــا حتــى ال يضــل بهــا أحــد»‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫وفــي الخالصــة ورغــم كل شــيء نقــول‪ ،‬إن ثبــوت القــرآن‬
‫الكريــم قطعــي يقينــي بإجمــاع األمــة كلهــا‪ ،‬وأن الــذي بيــن‬
‫أيدينــا الموجــود بيــن دفتــي المصحــف‪ ،‬هــو كالم اللــه الموحى‬
‫وذهبــت جماعــة مــن أهــل العلــم إلــى أن‬ ‫بــه إلــى النبــي‬ ‫ﷺ‬
‫‪.‬‬ ‫ﷺ‬
‫الترتيــب كان بتوقيــف مــن النبــي‬

‫بواسطة المالك جبريل‪ ،‬وفيه بيان كل شيء‬


‫ك ٱلۡك َِتٰ َ‬
‫ب ت ِۡب َيٰ ٗنا لِّكُ ّل َ ۡ ٍء َو ُه ٗدى َو َر ۡحمَ ٗة َو ُب ۡش َر ٰ‬ ‫َ َ َّ ۡ َ َ َ ۡ َ‬
‫ى‬ ‫ِ‬ ‫﴿ونزلنا علي‬
‫ُ‬
‫ين﴾ ُس َورة َّالن ۡح ِل ‪89‬‬ ‫ل ِۡل ُم ۡسلِم َ‬
‫ِ‬
‫علمــه‪،‬‬
‫عل َمــه مــن َ‬
‫واشــتمل علــى كل شــيء وعلــى كل علــم ( َ‬
‫و َج ِهلــه مــن َج ِهلــه) واشــتمل كل حــال وكل حــرام‪.‬‬

‫ورغــم كل شــيء أيضــا‪ ،‬نتســاءل‪ ،‬مــن صــرف المســلمين‬


‫عــن القــرآن إلــى مــا دونــه فهجــروه إلــى القيــل والقــال؟!‪،‬‬
‫َّ َ ُ ْ َ ٰ َ ۡ ُ ۡ َ‬ ‫َ َ َ َّ ُ ُ َ ٰ َ ّ َّ َ‬
‫ــر َءان‬ ‫ب إِن ق ۡومِـــى ٱتخــذوا هــذا ٱلق‬
‫﴿وقــال ٱلرســول يــر ِ‬
‫ُ َُ َُۡ‬ ‫َۡ ُ ٗ‬
‫مهجــورا﴾ سورة الفرق ِ‬
‫ان ‪30‬‬
‫ّ‬
‫وتغــن‬ ‫فعدلــوا عنــه إلــى غيــره إلــى مجــرد قــراءة‬
‫وترديــد باأللســن تجويــدًا وتلحينًــا‪ ،‬واللــه تعالــى يقــول‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ َ َ َۡ‬
‫ورةُ القِ َي َامةِ ‪١٨‬‬
‫﴿فإذا ق َرأن ٰ� ُه فٱتب ۡع ق ۡر َءان ُهۥ﴾ ُس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪144‬‬
‫ومــن أوحــى للنــاس بصعوبــة فهمــه واللــه تعالــى يقــول‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ َّ َ‬
‫﴿ث َّم إِن َعل ۡي َنا َب َيان ُهۥ﴾ ُس َورة ِالق َي َام ِة ‪ ١٩‬لكافة الناس‪ ،‬خاصتهم‬
‫ُ‬

‫اس﴾‬ ‫ان لّ َّ‬


‫ِلن ِ‬
‫َٰ َ ََ ‪ٞ‬‬
‫وعامتهم وليس ألهل العلم فقط ﴿هذا بي‬
‫ُس َورة ا ِل ِع ۡم َر َان ‪ ،138‬ومن أوحى لهم أن فهم القرآن البد أن‬
‫ُ ٓ‬

‫يمر من بوابة فهم األولين السابقين‪ ،‬والله تعالى يقول في‬


‫َ ُۡ َ ّ ۡ َ ۡ‬ ‫َََ‬
‫﴿ولق ۡد ي َ َّس ۡرنا ٱلق ۡر َءان ل ِلذِك ِر ف َهل مِن ُّم َّدك ِٖر﴾‬ ‫آيات ُكثر‪:‬‬
‫ُ َُ َ‬
‫الق َم ِر ‪،17‬؟! إنما َو ْهم صعوبة فهم كالم الله تعالى لنا‪،‬‬ ‫سورة‬
‫ي من شياطين الجن‪ِ ،‬لص ّد الناس عن كتاب الله‪ ،‬أو هو‬ ‫وح ٌ‬
‫ي من شياطين اإلنس ليسهل حكم البشر للبشر باسم الله!‪.‬‬ ‫وح ٌ‬
‫فالكتــاب ثابــت ثبــوت قطعــي يقينــي محفــوظ‪ ،‬يحفظــه اللــه‬
‫تعالــى إلــى أن يــرث األرض ومــا عليهــا‪ ،‬فعجــز اإلنــس‬
‫والجــن أن ينالــوا مــن القــرآن ألنــه حفــظ بالتدويــن‪،‬‬
‫مــر‬
‫واســتظهره اآلالف مــن المســلمين بــل المالييــن علــى ّ‬
‫الزمــن‪ ،‬وأصبــح كذلــك فــي منعــة مــن أن يــزاد فيــه كلمــة أو‬
‫ـدس إليــه حــرف‪ ،‬وإن ســها النّســاخ والمدونــون ومعتمــدو‬ ‫يـ ّ‬
‫ـن واإليمــان‬‫الروايــات ومدمنوهــا‪ ،‬فــإن التدبّــر و ُحســن الظـ ّ‬
‫يعــود بالحــق إلــى نصابــه‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫إشكاالت كتابة‬
‫الحديث وتدوينه‬

‫روايات بين‬
‫الحظر واإلباحة‬
‫قــام أبــو بكــر ومــن جــاء بعــده بمنــع‬ ‫ﷺ‬ ‫بعــد رحيــل النبــي‬
‫كتابــة الحديــث‪ ،‬وقــد علّــل ذلــك بـ َّ‬
‫ـأن الــرواة بعــد رحيــل النبــي‬
‫تحدثــوا بأحاديــث اختلفــوا فيهــا‪ ،‬وســيكون النــاس بعدهــم‬ ‫ﷺ‬
‫أشـ ّد اختالفــا‪ ،‬لذلــك نهاهــم عــن الحديــث وأوصاهــم بـ َّ‬
‫ـأن مــن‬
‫يســألهم أن يقولــوا بيننــا وبينكــم القــرآن‪ ،‬فاســتحلّوا حاللــه‬
‫وحرمــوا حرامــه‪.‬‬
‫ّ‬

‫أن عمــر بــن الخطــاب عــزم علــى‬ ‫وذكــرت بعــض المصــادر َّ‬
‫جمــع أحاديــث رســول اللــه بعــد أن استشــار مجموعــة مــن‬
‫الصحابــة‪ ،‬ولكــن بعــد مــدة أعــرض عــن ذلــك معلــا ســبب‬
‫إعراضــه بأنــه خــاف أن يختلــط القــرآن بالروايــات وأن‬
‫يتــرك المســلمون القــرآن النشــغالهم باألحاديــث‪ ،‬لذلــك نقلــت‬
‫المصــادر التاريخيــة َّ‬
‫أن عمــر أمــر والتــه باالكتفــاء بالقــرآن‬
‫ونهاهــم عــن نقــل الروايــات والعمــل بهــا والترويــج لهــا‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫أسباب الحظر‬
‫ذكــر كل مــن المؤيديــن والمعارضيــن لكتابــة الحديــث أدلّــة‬
‫خاصــة بهــم‪ ،‬فأبــو بكــر وعمــر ومــن تبعهمــا مــن علمــاء أهــل‬
‫وذهبــت‬ ‫ﷺ‬ ‫الســنّة اســتدلّوا بروايــات رووهــا عــن النبــي‬
‫جماعــة مــن أهــل العلــم إلــى أن الترتيــب كان بتوقيــف مــن‬
‫‪.‬‬ ‫ﷺ‬ ‫النبــي‬

‫قــال‪" :‬ال تكتبــوا عنــي شــيئا غيــر‬ ‫ﷺ‬ ‫فقــد رووا َّ‬
‫أن النبــي‬
‫القــرآن ومــن كتــب شــيئًا فليمحــه"‪.‬‬

‫وقــد ذكــر العلمــاء عــدة نظريــات ‪ -‬غيــر الروايــات – حــول‬


‫النهــي عــن كتابــة الحديــث‪ ،‬ومنهــا‪:‬‬

‫َّ‬
‫إن النهي عن التدوين جاء لجهل بعض الصحابة بالكتابة‪.‬‬

‫نهــى المســلمين عــن كتابــة الحديــث لئــا‬ ‫ﷺ‬ ‫َّ‬


‫إن النبــي‬
‫يختلــط مــع القــرآن‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫إن إنــكار عمــر بــن الخطــاب علــى الصحابــة روايتهــم عــن‬
‫رســول اللــه‪ ،‬بســبب خوفــه مــن أن ينكلــوا عــن األعمــال‪،‬‬
‫ويتّكلــوا علــى ظاهــر األخبــار‪ ،‬فخشــي أن يُحمــل حديــث‬
‫علــى غيــر وجهــه أو يؤخــذ بظاهــر لفظــه‪ ،‬وال ُحكــم بخالفــه‪.‬‬

‫أمــا المخالفــون لمنــع كتابــة الحديــث فقــد اســتدلوا علــى مــا‬


‫ذهبــوا إليــه بروايــات كروايــة عبــد اللــه بــن عمــر عندمــا‬
‫بكتابــة الحديــث‪ ،‬وكذلــك الروايــات‬ ‫ﷺ‬ ‫أوصــاه النبــي‬
‫المؤكــدة علــى ثــواب مــن نقــل‬ ‫ﷺ‬ ‫المرويــة عــن النبــي‬
‫األحاديــث النبويــة‪ ،‬وقــد ذكــرت بعــض الروايــات َّ‬
‫أن النبــي‬
‫أجــاز لبعضهــم كتابــة الحديــث‪.‬‬ ‫ﷺ‬

‫‪149‬‬
‫نتائج حظر الحديث‬
‫ذكــر المحققــون أنــه ترتــب علــى منــع تدويــن الحديــث عــدة‬
‫آثــار ســلبيّة‪ ،‬ومنهــا‪:‬‬

‫ضياع الكثير من األحاديث‬


‫لقــد ضاعــت الكثيــر مــن األحاديــث بســبب هــذا المنــع‪ ،‬فقــد‬
‫أن أبــا بكــر أحــرق صحيفــة جمعهــا بنفســه‬‫ذكــرت الروايــات َّ‬
‫فيهــا (‪ )500‬حديــث‪ ،‬ومــا وصل إلى المســلمين مــن األحاديث‬
‫التــي رواهــا أبــو بكــر (‪ )142‬حديــث فقــط‪ ،‬وكذلــك الحــال‬
‫مــع بقيــة الصحابــة كاإلمــام علــي‪ ،‬وغيــره‪ ،‬فلــم يصــل عــن‬
‫إال خمســمائة وســتة وثالثون‬ ‫ﷺ‬ ‫طريقــه مــن أحاديــث النبــي‬
‫حد يثا ‪.‬‬

‫كثرة األحاديث الموضوعة‬


‫قــال الشــيخ محمــود أبــو ريــة وهــو يتحــدث عــن منــع تدويــن‬
‫الحديــث‪ ...:‬اتســعت أبــواب الروايــة‪ ،‬وفاضــت أنهــار الوضع‬
‫بغيــر ضابــط وال قيــد‪ ،‬حتــى قــد بلــغ مــا روي مــن األحاديــث‬
‫الموضوعــة عشــرات األلــوف‪ ،‬ال يــزال أكثرهــا منبثــا بيــن‬
‫تضاعيــف الكتــب المنتشــرة بيــن المســلمين فــي مشــارق‬
‫األرض ومغاربهــا‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫انتشار اإلسر ّ‬
‫ائيليات‬
‫ذكــر العلمــاء أنــه عندمــا قــام ال ُحـ ّكام بعــد رحيــل النبــي ﷺ‬
‫بمنــع تدويــن الحديــث قامــوا بالمقابــل بفتــح بــاب األحاديــث‬
‫اإلســرائيليّة‪ ،‬وذلــك بالســماح ألمثــال تميــم الــداري الراهــب‬
‫النصرانــي‪ ،‬وكعــب األحبــار اليهــودي‪ ،‬أن ينشــروا األحاديــث‬
‫صــص عمــر بــن الخطاب‬ ‫اإلســرائيليّة بيــن المســلمين‪ ،‬وقــد خ ّ‬
‫لتميــم الــداري ســاعة فــي كل أســبوع يتحــدث فيهــا قبــل صالة‬
‫الجمعــة فــي مســجد الرســول‪ ،‬وجعلهــا عثمــان بــن عفــان‬
‫علــى عهــده ســاعتين فــي يوميــن‪ ،‬أمــا كعــب أحبــار اليهــود‪،‬‬
‫فــكان كل مــن عمــر وعثمــان ومعاويــة يســألونه عــن مبــدأ‬
‫الخلــق‪ ،‬وقضايــا المعــاد‪ ،‬وتفســير القــرآن إلــى غيــر ذلــك‪.‬‬

‫رفع الحظر عن كتابة الحديث‬


‫اســتمر حظــر كتابــة الحديــث قرنًــا كامـ ًـا مــن بعــد رحيــل‬
‫األكــرم إلــى عصــر عمــر بــن عبــد العزيــز‪ ،‬فقــد‬ ‫ﷺ‬ ‫النبــي‬
‫أمــر هــذا الخليفــة برفــع الحظــر عــن كتابــة الحديــث‪ ،‬وأصدر‬
‫ﷺ‬
‫‪ ،‬وبالتالــي تدوينــه‪.‬‬ ‫ـرا بكتابــة أحاديــث النبــي‬
‫أمـ ً‬

‫‪151‬‬
‫فصل المقال بين‬
‫السنة المتيقنة‬
‫و(قيل وقال)‬
‫ّ‬
‫في نقد المسلمات‬
‫سـنّة‪ ،‬ال بُـ ّد مــن التوقــف عنــد‬
‫قبــل الخــوض فــي موضــوع ال ّ‬
‫بعــض المســلمات‪ ،‬أو مــا سـ ّمي معلو ًما من الديــن بالضرورة‪،‬‬
‫والتــي اعتــاد المســلمون أخذهــا مــن أفــواه رجــال الديــن ‪ -‬ثقــة‬
‫بهــم وركونًــا إليهــم ‪ -‬أو مــن الدعــاة المنبثيــن كالبقــل فــي‬
‫الحقــول‪ ،‬أو مــن التلمــذة بيــن يــدي الفضائيــات‪ ،‬علــى امتــداد‬
‫التاريــخ الدينــي دون مســاءلة أو تحقيــق‪ ،‬ودون اعتمــاد منهــج‬
‫ـرد فــي البحــث واالســتقصاء‪ ،‬والمقارنــة العقليــة بيــن مــا‬ ‫متجـ ّ‬
‫ـرره الفقهــاء والمح ّدِثــون‪ ،‬ومــا ينكــره العقــل وتكذبــه مناهــج‬‫قـ ّ‬
‫البحــث العلمــي الصحيــح‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫و الخــوض فــي مثــل هــذه اللجــج ال يكــون ذا جــدوى إال إذا‬
‫صاحبــه انزيــاح عــن كل ما قيل في هذا الموضوع‪ ،‬واســتقبال‬
‫البحــث بحيــاد عقلــي تــام‪ ،‬األمــر الــذي يســاعد علــى التخلــص‬
‫مــن كل األغــال التــي تقيــد حركــة العقــل ‪ -‬ترغيبًــا وترهيبًــا‬
‫سســه القدماء‬ ‫‪ -‬إلــى ناحيــة التســليم والرضــى والمحابــاة‪ ،‬لمــا أ ّ‬
‫مــن مفاهيــم وأحــكام صــارت‪ -‬بفعــل اســتحكام العادة وانتشــار‬
‫الخمــول واألميــة الدينيــة ‪ -‬إيمانًــا راسـ ًخا‪ ،‬وضــرورة ال محيد‬
‫عنهــا‪ ،‬ال ســيما أن المفاهيــم اإلشــكالية ليــس لهــا أصــل علمــي‬
‫يعتمــد عليــه‪ ،‬وال قاعــدة عقليــة يُقعّــد عليهــا‪ ،‬وإنمــا مردهــا‬
‫العــام إلــى الوجــدان العــام الــذي يقــدس الشــخص والفكــرة‬
‫وغــدت تشــكل منبعــا غزيــرا للســلفيين الذيــن ينطلقــون منهــا‬
‫لبنــاء صرحهــم الدينــي واالجتماعــي والسياســي‪ ،‬وصــارت‬
‫فيمــا بعــد رافــدا أساســيا لثقافــة اإلقصــاء والتكفيــر واســتحالل‬
‫الدمــاء واألعــراض واألمــوال‪ ،‬وضمــت مجموعــة رؤى‬
‫وتصــورات راديكاليــة لماهيــة الفــرد والمجتمــع والغايــة مــن‬
‫خلــق اإلنســان والمصيــر الــذي ينتهــي إليــه‪.‬‬
‫لقــد أشــاعت هــذه المســلمات فــي المجتمعــات اإلســامية نهــج‬
‫األحاديــة الرافضــة لــكل أشــكال التعدديــة العقديــة والفكريــة‪.‬‬
‫ألجــل ذلــك َو َجــب تبييــن خطلهــا‪ ،‬وهتــك أســتارها‪ ،‬مــن أجــل‬
‫مجتمــع عقالنــي‪ ،‬تســوده روح الحريــة والتســامح والتجديــد‬
‫"إن الله يبعث‬‫المســتمر‪ ،‬وذلــك انســجا ًما مــع الحديث النبــوي‪ّ ،‬‬
‫لهــذه األمــة علــى رأس كل مائــة ســنة مــن يجــدد لهــا دينهــا‪".‬‬
‫‪154‬‬
‫مــر معنــا فــي الفصــل الســابق‪ ،‬فقــد أســس علمــاء‬ ‫وكمــا ّ‬
‫الحديــث عل ًمــا اصطلحــوا علــى تســميته علــم مصطلــح‬
‫الحديــث‪ ،‬وهــو العلــم الــذي يتنــاول األخبــار المنقولــة عــن‬
‫وممارســاته الدينيــة وأقوالــه وأفعالــه وتقريراتــه‪،‬‬ ‫ﷺ‬ ‫النبــي‬
‫وكــذا مــا كان موقوفــا علــى أصحابــه‪ ،‬وقســموها أقســاما بيــن‬
‫صحيــح وحســن يحتــج بــه فــي العقائــد واألحــكام‪ ،‬أو ضعيــف‬
‫يُعملونــه فــي األخالقيــات وفضائــل األعمــال‪ ،‬أو موضــوع‬
‫مكــذوب يطرحونــه ويحــذرون منــه‪ .‬ووضعــوا لكل قســم منها‬
‫كتبًــا ومجاميــع ومســانيد‪ ،‬كصحيــح البخــاري وســنن الترمذي‬
‫ومســند أحمــد وموضوعــات ابــن الجــوزي والصاغانــي‪...‬‬
‫‪:‬‬‫ﷺ‬ ‫وعرفــوا الحديــث الصحيــح المرفــوع إلــى النبــي محمــد‬
‫بالحديــث المســند الــذي يتصــل إســناده بنقــل العــدل الضابــط‬
‫عــن العــدل الضابــط إلــى منتهــاه وال يكــون شــاذا وال معلــا‪.‬‬
‫(مقدمــة ابــن الصــاح)‪.‬‬
‫ومعلــوم أن سلســلة اإلســناد هــم الــرواة الذيــن رووا الحديــث‪.‬‬
‫ولقــد وضــع لــه المحدثــون عل ًمــا ســموه "الجــرح والتعديــل"‪،‬‬
‫أقــل مــا يمكــن أن يوصــف بــه‪ ،‬أنــه وجداني بحــت‪ ،‬ومزاجي‪،‬‬
‫وقريــب مــن حــد الغيبــة والنميمــة‪ ،‬وتفتيــش قلــوب الــرواة‪،‬‬
‫وهنــا تكمــن مغالطــات المحدثيــن فــي تجريحهــم وتعديلهــم‬
‫للــرواة‪ ،‬وبالتالــي تصحيــح أو تضعيــف الخبــر اعتمــادا‬
‫علــى حكــم فــان مــن النــاس علــى فــان مــن النــاس‪ ،‬كأن‬
‫نقــول أخطــأ الثــوري أو أصــاب‪ ،‬ووفّــق الحاكــم أو لــم يوفّــق‬
‫‪155‬‬
‫وفــان ثقــة ثبــت ألن ابــن معيــن شــهد لــه بذلــك‪ ،‬وعــان‬
‫كــذاب متــروك ألن يحــي القطــان اتهمــه‪ ...‬دون اإلرتقــاء‬
‫بالبحــث والتفكيــر إلــى نظــرة أعمــق‪ ،‬إذ أن المنهــج المعتمــد‬
‫فــي قبــول الخبــر مــن عدمــه‪ ،‬ال يختلــف فــي جوهــره عــن‬
‫منهــج المؤرخيــن القدمــاء وكتــاب الســير والمالحــم‪ ،‬ورواة‬
‫األســاطير واإلســرائيليات التــي تمتلــئ بالمبالغــات والخرافات‬
‫التــي تعـ ّـود أن يقتــات منهــا الوعــاظ والقصاصــون‪.‬‬
‫إن موقــف الشــك ال يتنــاول صــدق الرواة أوســهوهم وحســب‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ضا‪ ...‬والســؤال‪ ،‬كيف الســبيل‬ ‫وإنمــا المحدثيــن والمصنفيــن أي ً‬
‫إلــى معرفــة الصحيــح مــن الضعيــف إذا كان المنهــج المتبــع‬
‫هــو توثيــق رجــل لرجــل حســب هــواه وقناعاتــه الذاتيــة‪.‬‬
‫أهكــذا تؤخــذ األحــكام والعقائــد التــي تقضــي فــي مصائــر‬
‫النــاس الدنيويــة واألخرويــة؟ّ!‬
‫ســو ُل‬ ‫لر ُ‬ ‫كيــف نواجــه اليــوم‪ ،‬العالــم‪ ،‬بأحاديــث منســوبة َ‬
‫ـاس َحتَّــى‬ ‫ـرتُ أَن أُقا ِت ـ َل النَّـ َ‬ ‫‪ :‬مثــل حديــث "أ ُ ِمـ ْ‬ ‫ﷺ‬ ‫الرحمــة‬
‫ســو ُل اللَّـ ِه‪ ،‬ويُ ِقي ُمــوا‬‫يَ ْشـ َهدُوا أَن ال ِإلـهَ ِإالَّ اللَّــه وأ َ َّن ُم َح َّمـدًا َر ُ‬
‫ص ُمــوا ِم ِنّــي‬
‫ع َ‬‫ـك‪َ ،‬‬ ‫ـزكاة َ‪ ،‬فَ ـإِذا فَعَلــوا ذلـ َ‬ ‫صــاة َ‪َ ،‬ويُؤْ تُــوا الـ َّ‬ ‫ال َّ‬
‫علــى اللَّــه"؟!‬ ‫وحســابُ ُه ْم َ‬
‫ـام‪ِ ،‬‬‫اإلسـ ِ‬ ‫ـق ِ‬ ‫ِد َما َء ُهـ ْم وأ َ ْم َوالَهــم ّإل ب َحـ ّ ِ‬
‫تحت ِظ ِّل ُرمحي"؟!‬
‫َ‬ ‫أو حديث " ُجعل ِر ْزقي‬
‫أوحديث "من بدل دينه فاقتلوه"؟!‬
‫أوحديث" نُصرت بالرعب مسيرة شهر"؟!‬
‫‪156‬‬
‫أال تشــكل هــذه األحاديــث مخالفــة لقول الله تعالــى في اآليات‪:‬‬
‫َّ ُ‬ ‫ۡ ُ‬ ‫َۡ َ‬
‫ٱلرش ُد م َِن ٱلغ ِّ ۚي ف َمن يَكف ۡر بِٱلطٰغ ِ‬
‫وت‬
‫ّ َ َّ َ َّ َ ُّ ۡ‬
‫ِينۖ قد تبين‬ ‫ٱلد‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫﴿ل َ ٓا إ ۡك َراهَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ام ل َ َهاۗ َو َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ك بٱل ُع ۡر َوة ِ ٱل ُو ۡث َق ٰى لا ٱنف َص َ‬ ‫َّ َ َ ۡ َ ۡ َ َ‬ ‫َُۡ‬
‫ٱلل‬ ‫ِ‬ ‫ويؤ ِم ۢن بِٱللِ فق ِد ٱستمس ِ‬
‫يع َعل ٌ‬
‫ِيم﴾ ُس َور ُة َالب َق َرة ‪٢٥٦‬‬ ‫َس ِم ٌ‬
‫ِ‬

‫ِيعا ۚ أَفَأَنتَ‬
‫ۡرض ُكلُّ ُه ۡم َجم ً‬ ‫َۡ‬
‫ٓأَلم َن َمن فِي ٱلأ ِ‬
‫ك َ‬ ‫َ َ ۡ َ ٓ َ َ ُّ َ‬
‫والآية‪﴿ :‬ولو شاء رب‬
‫س ‪٩٩‬‬ ‫ون َ‬‫ُ َُ ُ ُ‬ ‫ُ ۡ ُ َّ َ َ َّ َ ُ ُ ْ ُ ۡ َ‬
‫تك ِره ٱلناس حت ٰى يكونوا مؤ ِمن ِين﴾ سورة ي‬

‫ۡ َ‬ ‫ۡ َ‬ ‫َ ۡ ۡ‬ ‫ۡ ُ َ‬
‫يل َر ّبِــك بِٱلحِك َمـةِ َوٱل َم ۡوعِظةِ ٱلحَ َســنةِۖ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ـ‬ ‫ـى َ‬
‫س‬ ‫ٰ‬ ‫ـ‬ ‫والآيــة‪﴿ :‬ٱدع إِل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ۡ‬
‫َ َّ‬ ‫ـو أ ۡعلَـ ُ‬
‫ـم ب ِ َمــن ضل‬ ‫ـك ُهـ َ‬‫َ ۡ َ ُ َّ َ َّ َ‬
‫جٰدِل ُهــم بِٱلتِــي هِـــي أحســنۚ إِن ربـ‬ ‫و‬
‫َ‬
‫ـورةُ َّ‬
‫الن ۡح ِل ‪١٢٥‬‬ ‫ـن﴾ ُسـ َ‬‫ـم بٱل ۡ ُم ۡه َتدِيـ َ‬
‫َُ َ َۡ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عــن سـبِيلِهِۦ وهــو أعلـ ِ‬

‫ـع بِٱلَّتــي ـِه َ‬ ‫ۡ َ َ َ ُ َ َ َّ ّ َ ُ ۡ‬


‫ٱد َفـ ۡ‬ ‫﴿ولَا ت َ ۡسـ َ‬
‫والآيــة‪َ :‬‬
‫ـي‬ ‫ِ‬ ‫ۚ‬ ‫ة‬ ‫ئ‬‫ِ‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫ٱلس‬ ‫ا‬‫ل‬ ‫و‬ ‫ة‬‫ـن‬
‫ـ‬ ‫س‬ ‫ح‬‫ٱل‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫ـت‬
‫‪ٞ‬‬ ‫َ ۡ َ َ َ َ ۡ َ ُ َ َ ٰ َ ‪َ ٌّ َ ُ َّ َ َ ٞ‬‬ ‫َ ۡ َ ُ َ َ َّ‬
‫أحســن فـإِذا ٱلـذِي بينــك وبينــهۥ عــدوة كأنــهۥ ولِــي حمِيم﴾‬
‫ورة ف ِّصلت ‪)٣٤‬‬
‫ُ َُ ُ َ ۡ‬
‫(س‬

‫َ َ ُ ۡ َ َ ۡ ُ َ َ ًّ‬ ‫َ َ َ ۡ َ ّ َ َّ‬
‫ـت فظــا‬ ‫ـن ٱللِ ل ِنــت لهــمۖ ولــو كنـ‬ ‫والآيــة‪﴿ :‬فبِمــا رحم ـةٖ ِمـ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُّ ْ‬ ‫َ َ َۡ ۡ‬
‫ـب لٱنفضــوا م ِۡن َح ۡول ِك ۖ ﴾‬
‫ٓ‬
‫ـورةُ ا ِل ع ِۡم َر َان ‪159‬‬
‫ُسـ َ‬
‫غل ِيــظ ٱلقلـ ِ‬
‫َ ٓ َۡ ۡ ُ‬ ‫َ ٓ َۡ ۡ‬ ‫ُ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َُ‬
‫﴿وق ِل ٱلحَ ُّق مِن َّر ّبِك ۡمۖ ف َمن شا َء فل ُيؤمِن َو َمن شا َء فل َيكف ۡر ۚ﴾‬
‫ُ َ‬
‫ُس َورة الك ۡه ِف ‪٢٩‬‬

‫‪157‬‬
‫وبعد‪،‬‬
‫كيــف يقيــم اللــه ســبحانه‪ ،‬الحجة علــى الناس بأخبــار وأحاديث‬
‫ال تتمتــع بأدنــى مصداقيــة يقينيــة‪ -‬بمعارضتهــا للنصــوص‬
‫القرآنيــة ‪ -‬لمجــرد أن البخــاري أو مســل ًما أو غيرهمــا‪،‬‬
‫ممــن صنفــوا فــي الحديــث‪ ،‬وثّقــوا رواة هــذه األحاديــث‪...‬؟!‬
‫واألنكــى مــن ذلــك أنهــم لــم يُعملــوا مبضــع جرحهــم وتعديلهــم‬
‫فــي الصحابــة وتابعيهــم باعتبــار أنهــم منزهــون عــن الكــذب‪،‬‬
‫ـر بــأن‬
‫فالقــرآن لــم ينــص علــى عدالــة أي صحابــي‪ ،‬بــل أقـ ّ‬
‫ال عصمــة ألحــد مــن النــاس مــن غيــر األنبيــاء‪ .‬ولذلــك‬
‫يــروي لنــا القــرآن والســيرة والتاريــخ عــن مخالفــات كثيــرة‬
‫للصحابــة‪ ...‬عــن خالفاتهــم وصراعاتهــم‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫إن المقــام هنــا‪ ،‬يســتوجب التوقــف أمــام هــذه األخبــار‬
‫والروايــات التــي ازدحمــت بهــا مؤلفــات المســلمين وتأســس‬
‫علــى ضوئهــا ديــن بعقائــده وشــعائره وحــدوده وشــرائعه‬
‫ومفاهيمــه ويجــدر بنــا فــي هــذا الســياق تحديــدا القــول إن‬
‫الســنة القطعيــة المتيقنــة وليــس روايــات (وقــال وقيــل) هــي‬
‫مــا يجــب أن تحتــل مــن الديــن مكانتهــا إلــى جانــب القــرآن‪،‬‬
‫وأن يكــون لهــا الحيــز الواســع فــي مــدار الشــريعة‪ ،‬العتقادنــا‬
‫أنهــا جــاءت مفصلــة وشــارحة ومبينــة لمــا أجملــه القــرآن‪،‬‬
‫ومعظــم األحــكام الشــرعية‪ ،‬والطقــوس التعبديــة‪ ،‬والنظــم‬
‫الحكميــة‪ ،‬والتوجيهــات الروحيــة والوعظيــة‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫نشأة السنة‬
‫إن الفتــرة التــي أمضاهــا الرســول منــذ بــدء دعوتــه حتــى‬
‫وفاتــه‪ ،‬والتــي لــم تتجــاوز الربــع قــرن شــكلت المرحلــة‬
‫التعليميــة والتطبيقيــة األســاس للســنة‪.‬‬

‫وكان الحفــظ واالعتمــاد علــى الذاكــرة ديــدن العــرب قبــل‬


‫وبعــد اإلســام إال مــا اســتوجبته حــاالت وأوضــاع بعينهــا‪،‬‬
‫إذ لــم تكــن الكتابــة وال أدواتهــا معتمــدة أو رائجــة إال بقــدر‬
‫مــا تســمح بــه ظــروف مجتمــع غلبــت عليــه البــداوة والجهــل‬
‫بالكتابــة والقــراءة‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫و مــن هنــا نســتطيع القــول إن الســنة نشــأت مالزمــة للقــرآن‬
‫طيلــة أيــام وســنوات الدعــوة التــي بــدأت مــن مكة ثم انتشــرت‬
‫فــي أنحــاء جزيــرة العــرب‪ .‬وقــد هيــأ اللــه كل األســباب لحفــظ‬
‫دينــه و ســنة نبيــه المتمثلــة بالشــرح التفصيلــي و البيــان‬
‫العملــي التطبيقــي لكتــاب اللــه عــز و جــل‪ ،‬مترافقــة بتوجيــه‬
‫الرســول البعــوث مــن القــراء والحفظــة إلــى حيــث انتشــار‬
‫الدعــوة‪ ،‬ليعلمــوا النــاس كتــاب اللــه ويفقهوهــم فــي الديــن‪ ،‬و‬
‫بالتالــي كيفيــة إقامــة شــعائر اإلســام وأركانــه‪ ،‬منــذ مــا قبــل‬
‫الهجــرة‪ .‬حيــث كان مصعــب بــن عميــر أول ســفير للرســول‬
‫إلــى المدينــة ليفقــه األنصــار ويعلمهــم دينهــم‪ ،‬ويدعــو النــاس‬
‫يء الظــروف ليــوم الهجــرة‪ .‬واســتمرت‬ ‫إلــى اإلســام ويهــ ّ‬
‫هــذه البعــوث إلــى مــا بعــد الهجــرة وحتــى آخــر أيــام الرســول‬
‫فقبــل حجــة الــوداع‪ ،‬بعــث أبــا موســى ومعــاذ بــن جبــل‪ ،‬إلــى‬
‫اليمــن وقبلــه بعــث الرجيــع إلــى هذيــل فــي صفــر مــن الســنة‬
‫الرابعــة مــن الهجــرة كمــا أرســل بعثــه إلــى أهــل نجــد حيــث‬
‫أ ّمــر عليهــم المنــذر بــن عمــرو‪ ،‬مــن بنــى ســا ِعدة‪ .‬وقــد داوم‬
‫ـراء‬‫الخلفــاء الراشــدون مــن بعــده علــى إرســال الحفــاظ والقـ ّ‬
‫لتعليــم القــرآن‪ .‬ولنــا أن نقـدّر أن هــذه البعــوث حملــت معهــا‬
‫مــا كان ميســرا ً مــن كالم اللــه تعالــى ومــن ســنة الرســول‬
‫{صلــى اللــه عليــه وســلم} و مــا كان مــن فرائــض وحــدود‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫سـنَةَ ال ُمتَيَقَ ْنــة قطعيــة الثبــوت عــن رســولنا {صلــى اللــه عليه‬
‫ال ُ‬
‫وســلم} وأعظــم صفاتهــا اتفاقهــا‪ ،‬بالضــرورة‪ ،‬مــع القــرآن‬
‫وعــدم تعارضهــا مــع أحكامــه‪ ،‬ألنهــا فــي أصلهــا مصــدر‬
‫لبيــان مجمــل القــرآن‪ ،‬وبهــا تُشــرع األحــكام وهــي التــي ُ‬
‫ع ِم ّل‬
‫بهــا منــذ زمــن الرســول واســتمرت األمــة علــى العمــل بهــا‬
‫إلــى اليــوم بــا روايــات وال أحاديــث وال (قيــل و قــال)‪ ،‬وال‬
‫يتطــرق إليهــا الشــك أو الظــن ألنهــا تعبديــة للــه وال تتعلــق‬
‫بأحــكام فيهــا شــبهة منافــع أو مصالــح للديــن السياســي أو‬
‫االجتماعــي‪ .‬ولــم يقــع الخــاف فيهــا بيــن المســلمين‪ ،‬وال‬
‫علمائهــم‪ ،‬وبهــا اشــتهر واســتفاض عمل المســلمين إلــى اليوم‪،‬‬
‫ومــا ســوى ذلــك ممــا جــاء فــي كتــب مــا يســمى الســنن‪ ،‬أو‬
‫الصحــاح أو المســانيد أو المجاميــع‪ ،‬للروايــات واألحاديــث‬
‫ســنة وتبقــى مجرد‬ ‫و(قيــل وقــال‪ ،‬وســمعت) وروايــات ليســت ُ‬
‫أخبــار وآثــار ومرويــات وقــع الخــاف فيهــا للســعي للكمــال‬
‫والترغيــب والترهيــب‪ ،‬وال ترتقــي ألن تشــرع بهــا أحــكام أو‬
‫يبنــى عليهــا اعتقــاد‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫ال شــك أن القــرآن هــو أصــل الديــن‪ ،‬وأصــل الســنة المتيقنــة‬
‫ومناطهــا‪ ،‬والطعــن فيمــا ســواها مــن روايــات ليــس طعنــا‪،‬‬
‫ال بالديــن وال بالرســول‪ ،‬إنمــا هــو طعــن بالــرواة الذيــن هــم‬
‫بشــر غيــر معصوميــن عــن االشــتباه أوالنســيان أو الهــوى‬
‫أواالنحيــاز إلــى السياســة والســلطان و التعصــب للمذاهــب‬
‫وال ِفــرق‪ ،‬ومــا أكثرهــا‪ ،‬ناهيــك عــن انقطــاع الصلــة ‪ -‬بحكــم‬
‫تقــادم الزمــن‪ -‬بيــن الرســول ومــن روى عنــه األخبــار‬
‫واألحاديــث وانتشــار الوضــع والواضعيــن وصعوبــة التمييــز‬
‫بيــن الســقيم والصحيــح بســبب إهمــال تدوينهــا لنحــو قرنيــن‬
‫مــن الزمــان‪.‬‬
‫وبعــد‪ ...‬فــإن عــرض بعض المســلمات التي اعتاد المســلمون‬
‫أخذهــا مــن أفــواه رجــال الديــن علــى امتــداد التاريــخ الدينــي‪،‬‬
‫دون مســاءلة أو تحقيــق أواســتقصاء‪ ،‬ودون عقــد المقارنــة‬
‫العقليــة بيــن مــا قــرروه‪ ،‬ثــم بيــن مــا ينكــره عليهــم العقــل‬
‫وتأبــاه مناهــج البحــث العلمــي‪ ،‬أقــول‪ ،‬يشــكل كل ذلــك منبعًــا‬
‫ـرا للســلفيين و راف ـدًا أساس ـيًا لثقافــة اإلقصــاء والتكفيــر‬
‫غزيـ ً‬
‫واســتحالل الدمــاء واألعــراض واألمــوال‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫أمثلة على دين الموتى‬
‫إن الروايــات واألحاديــث واألقــوال الظنيــة‪ ،‬المســماة‪ :‬سـنّة‪...‬‬ ‫ّ‬
‫والتــي قررنــا أنهــا ُم ْحتَملــة علــى أن الرســول‪ -‬صلــى اللــه‬
‫تعالــى عليــه وســلم‪ -‬قَالَهــا‪ ،‬أو أنــه لـ ْم يَقُلهــا‪ ،‬و اختلفــت أقــوال‬
‫العلمــاء فــي قبولهــا وإثبــات الحكــم بنــا ًءا عليهــا أو َردهَــا‪،‬‬
‫ســنعرضها وفــق التالــي‪:‬‬

‫الغســل مــن الجنابــة هنــاك رواية (المــاء من المــاء) – أي إذا‬


‫أنــزل المنــي وجــب الغســل بالمــاء‪ -‬وروايــة عائشــة‪ -‬رضــي‬
‫الختنــان) وجــب الغســل‪.‬‬
‫اللــه تعالــى عنهــا‪( -‬إذا التقــى ِ‬

‫روايات قطع الصالة‬

‫روي أنــه (يقطــع الصــاة المرأة‪ ،‬والحمار‪ ،‬والكلب األســود)‬


‫قالــت عائشــة – رضــي اللــه تعالــى عنهــا –‪( :‬ســاويتمونا‬
‫بالــكالب والحميــر‪ ،‬كنــت أمـ ّد رجلـ ّ‬
‫ي ورســول اللــه يصلــي‪،‬‬
‫وإذا هــوى للســجود كففتهمــا)‬

‫وروي‪( :‬أنــه علــى المصلــي أن يــرد المــار أمامــه وهــو‬


‫يصلــي حتــى لــو قاتلــه) وغيــر ذلــك كثيــر‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫بســبب هــذه الروايــات واألحاديــث‪ ،‬تجــد ‪-‬أحيانًــا‪ّ -‬‬
‫أن للعالــم‬
‫الفقيــه أو المحــدث أو المفســر أكثــر مــن رأي وقــول فــي حكــم‬
‫المســألة الواحــدة‪ ،‬بــل حتــى أنــك تجــد عنــد عالــم واحــد أكثــر‬
‫مــن روايــة وقــول فــي حكــم شــرعي واحــد‪ ،‬وهــذا نتيجــة‬
‫عــدم صحــة إحــدى الروايــات عنــده‪ ،‬فيأتــي حكمــه مخالفًــا‬
‫لروايــة أخــرى‪ ،‬ألن عنــده روايــة غيرهــا أصـ ّح منهــا‪ .‬وعالــم‬
‫آخــر يحــاول الجمــع بيــن الروايــات‪ :‬فيكــون لــه حكــم مخالــف‬
‫لظاهــر الروايــات‪ ،‬وعالــم آخــر يرجــح روايــة علــى روايــة‬
‫ويحكــم بإحــدى الروايــات لتقدمهــا مــن حيــث الزمــن وتأخــر‬
‫األخــرى‪ ،‬أو وجــد لــه روايــة أصــح‪ ،‬أو تغيــر فهمــه للروايــة‬
‫والحديــث بســبب تغيــر الزمــان أو المــكان‪ ،‬كمذهــب الشــافعي‬
‫القديــم‪ ،‬حيــن كان فــي العــراق ومذهبــه الجديــد لمــا رحــل إلى‬
‫مصــر‪ .‬بــل اختلفــت أقــوال وآراء بعــض تالميــذ العلمــاء عــن‬
‫أقــوال وآراء شــيوخهم‪ ،‬بســبب تصحيحهــم لروايــات لَــم يكــن‬
‫يــرى شــيوخهم صحتهــا‪ ،‬كاختيــارات أبــي يوســف‪ ،‬ومحمــد‬
‫بــن الحســن الشــيباني‪ ،‬وكــذا اختيــارات ابــن تيميــة وابــن القيم‬
‫وغيرهمــا‪ ،‬مــن أتبــاع مذهــب ابــن حنبــل‪ ،‬وهكــذا هــي الحــال‬
‫فــي كل المذاهــب‪ .‬فاالختالفــات كثيــرة وكبيــرة‪ ،‬و ال تــكاد‬
‫تخلــو منهــا مســألة مــن المســائل‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫روايات متأرجحة‬
‫مــن يأخــذ بروايــة أســماء يــرى جــواز كشــف الوجــه‬
‫والكفيــن‪ ،‬ومــن يأخــذ بروايــة عائشــة يــرى حرمــة كشــف‬
‫الوجــه‪ ،‬فمــن جمــع يفــرق بيــن الســفر واإلقامــة‪ ،‬ومــن رجــح‬
‫بالزمــن لتأخــر روايــة عائشــة وتقــدم روايــة أســماء‪ .‬حتــى‬
‫فــي اإلحــرام‪ ،‬ومــن رجــح روايــة أســماء فــي أن هــذا كالم‬
‫الرســول صلــى اللــه تعالــى عليــه وســلم‪ ،‬لهــا‪ ،‬أهمــل روايــة‬
‫عائشــة واعتبــر هــذا فعــل منهــا‪ .‬وذهــب ُك ُّل صاحــب رأي‬
‫لتأييــد رأيــه بروايــات أخــرى ظنيــة مثلهــا كلها‪ ،‬قيــل‪ ،‬وروى‪،‬‬
‫وســمعت‪ .‬بينمــا الثابــت يقينًــا وقطعًــا كالم اللــه تعالــى‪ ،‬الــذي‬
‫ليــس فيــه تحريــم لكشــف الوجــه والكفيــن‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫وكــذا مثــال ســجود الســهو فــي الصــاة مــن ســهى وجــب‬
‫عليــه ســجود الســهو‪ ،‬ألنــه تواتــر عنــه صلــى اللــه تعالــى‬
‫عليــه وســلم ذلــك‪ ،‬فيســجد مــن ســهى قبــل أو بعــد الســام‪،‬‬
‫لكــن بســبب الروايــات ِقيّــل‪ :‬قبــل الســام‪ ،‬وقيّــل‪ :‬بعد الســام‪،‬‬
‫وقِّيــل‪ :‬الســهو بنقــص قبــل الســام‪ ،‬وقيّــل‪ :‬الســهو بزيــادة بعــد‬
‫الســام‪ ،‬وقيِّــل‪ :‬الســهو بنقــص قبــل الســام‪ ،‬وقيِّــل‪ :‬للجمع بين‬
‫الروايــات واألحاديــث للنقــص والشــك بالنقــص قبــل الســام‪،‬‬
‫وللزيــادة والشــك بالزيــادة بعــد الســام‪ ،‬إذًا المتواتــر وجــوب‬
‫ســجود الســهو‪ ،‬لــو ســجد الســاهي فــي الصــاة قبــل أو بعــد‬
‫الســام جــاز لــه‪ ،‬ألنــه أخــذ بالوجــوب‪ .‬وهكــذا‪ ...‬دوامــة ال‬
‫تنتهــي مــن الروايــات واألحاديــث واألقــوال المســماة س ـنّة‪.‬‬
‫ولــم تتفــق األمــة أو غالبيتهــا علــى ثبوتهــا عــن رســول اللــه‪،‬‬
‫بــل اختلفــت األقــوال باختــاف الروايــات واألحاديــث‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫اآلثار المحبطة‬
‫لروايات الموتى‬
‫لقــد تمــادى محبّــو اتبــاع األمــوات وعيــش الحاضــر بعقليــة‬
‫الماضــي وأســطورة فضــل الماضــي علــى الحاضــر و‬
‫المســتقبل‪ ،‬وفضــل المــوت علــى الحيــاة رغــم أن رواياتهــم‬
‫تقــول إن المـــتأخرين هــم أحبــاب رســول اللــه صلــى الله عليه‬
‫وســلم والمتقدميــن أخــوة رســول اللــه‪ ،‬وإن عمــل الواحــد مــن‬
‫المتأخريــن يفــوق عمــل خمســين مــن الصحابــة رضــوان اللــه‬
‫عليهــم‪.‬‬

‫لقــد وصــل األمــر بمقدســي الروايــات إلــى القــول بقفــل بــاب‬


‫االجتهــاد‪ ،‬وأن االجتهــاد فــي النــوازل واألحــداث والوقائــع‬
‫يكــون‪ ،‬مــن خــال آراء وأقــوال وفتــاوى القــرون األولــى‪،‬‬
‫حتــى القــرن الخامــس‪ ،‬ففــي أوائــل القــرن الســادس الهجــري‬
‫ظهــرت الدعــوة إلــى غلــق بــاب االجتهــاد‪ ،‬وصــار التعصــب‬
‫للمذاهــب والطوائــف دينًــا وعقيــدة‪ ،‬وظهــر اإلرهــاب الفكــري‬
‫والتجريــم بالزندقــة والكفــر لمــن ال يتوافــق مــع المذهــب‬
‫والطائفــة‪ ،‬واســتمر ذلــك حتــى يومنــا هــذا‪ ،‬قتــا وتفجيــرا‬
‫لألبريــاء بذريعــة تفســيق عامــة المســلمين‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫وبلــغ التعصــب لمذاهــب األئمــة إلــى حــدود منــع الخــروج‬
‫عــن أقوالهــم وتأصيالتهــم المدونــة فــي كتبهم وكتــب أتباعهم‪،‬‬
‫وأطلقــوا تلــك الدعــوة (غلــق بــاب االجتهــاد) حتــى يقطعــوا‬
‫الطريــق أمــام مــن يجتهــد فــي فهــم النصــوص‪ ،‬ويســتنبط‬
‫أحكا ًمــا تخالــف مــا قالــه األئمــة الســابقون‪ ،‬وآراء وأفهــام‬
‫مشــايخهم‪.‬‬

‫يكفــي أن تســمع هــذه األيــام خطــب الوعــاظ والمشــايخ‬


‫أو النظــر فــي األحــكام القضائيــة الصــادرة مــن المحاكــم‬
‫الشــرعية‪ ،‬لتــرى أنهــا مســببة بقــول أو رأي البــن تيميــة‪،‬‬
‫أو ابــن القيــم‪ ،‬أو ابــن قدامــة‪ ،‬أو عبدالبــر‪ ،‬وصــار الجميــع‬
‫عجــزة عــن النظــر فــي كالم اللــه تعالــى‪ ،‬واالســتنباط منــه‬
‫تبعــا لألحــداث والمســتجدات فصــاروا ســجناء فهــم األوليــن‪.‬‬

‫أقصــد فــي ذلــك أحــكام التفريــق بيــن الــزوج والزوجــة‪ -‬مثـ ًـا‬
‫‪ -‬لعــدم الكفــاءة فــي النســب‪ ،‬أو التشــدد فــي تطبيــق حــق‬
‫الخلــع للمــرأة‪ ،‬وغيــر ذلــك الكثيــر كترويــج روايــات التحريــم‬
‫والتفســيق المتناقضــة باللعــن للنســاء إن هــن تزيــن ألزواجهن‬
‫– النامصــة والمتنمصــة والواشــمة – ولعــن المالئكــة لهــن‬
‫إن هــن رفضــن الجمــاع مــع أزواجهــن‪ ،‬مــع احتمــال طلــب‬
‫الســجود للــزوج إذا ســمح بــه الــزوج‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫مــع أن الواجــب هــو النظــر والتدبــر لفهــم كالم اللــه تعالــى‬
‫بحســب مــا فتــح علــى النــاس مــن فتــوح علميــة وتقنيــات‬
‫ووســائل اتصــال‪ ،‬حيــث لــم يبــق مفهــوم التصويــر علــى مــا‬
‫هــو عليــه‪ ،‬ولــم يبــق تشــبه الرجــال بالنســاء والنســاء بالرجــال‬
‫علــى مــا هــو عليــه‪ ،‬وال الموســيقى والغنــاء علــى مــا همــا‬
‫عليــه وبمفاهيــم الزمــن األول أو القــرون األولــى‪ ،‬مــع العلــم‬
‫أنــه ال يوجــد نــص مقطــوع بــه مــن كالم اللــه وال مــن‬
‫رســوله علــى تحريــم مــا حرمــه األولــون وال أتباعهــم مــن‬
‫محبــي ومريــدي منهــج األمــوات‪ ،‬لذلــك اختلفــوا فــي حرمــة‬
‫التصويــر‪ ،‬والموســيقى‪ ،‬وإســبال الثيــاب لمــا دون الكعبيــن‪،‬‬
‫وحرمــة حلــق اللحــى‪ ،‬والقــزع‪ ،‬وكشــف المــرأة وجههــا‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫فَ ـ ُكل تحريــم أو حكــم مــن األحــكام مختلــف فيــه‪ ،‬وكــذا كل‬
‫ترغيــب أو ترهيــب‪ ،‬أو دعــوى خالفــة أو ثنــاء علــى بلــد كـــ‬
‫(الشــام واليمــن)‪ ،‬أوعلــى حاكــم كـــ (فاتــح القســطنطينية)‪ ،‬أو‬
‫علــى عــرق كـــ (العــرب والفــرس)‪ ،‬أو علــى قبيلة كـ (ســليم)‪،‬‬
‫أو فئــة مــن النــاس‪ ،‬أو طائفــة‪ ،‬أو تفضيــل زمــن علــى زمــن‪،‬‬
‫أو بشــر علــى بشــر‪ ،‬أو كفــاءة فــي النــكاح لغيــر الديــن‪ ،‬أو‬
‫تمييــز‪ ،‬أو امتيــاز ألهــل ســلطة وســلطان كـــ (األئمــة مــن‬
‫قريــش)‪ ،‬أو كإقالــة الوجهــاء وأصحــاب الســلطة‪ ،‬عثراتهــم‬
‫أو روايــات عــن الخالفــة‪ ،‬وأمثــال ذلــك مــن الروايــات‬
‫واألحاديــث التــي لــم يســمعها إال فــرد أو أفــراد مــن النــاس‪،‬‬
‫ليســت مــن الســنة فــي شــيئ – وال يبنــى عليهــا حكــم‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫روايات التطرف‬
‫والكراهية وأثرها على‬
‫اإلسالم والمسلمين‬
‫هنــاك روايــات وأحاديــث وأقــوال يترتــب عليهــا حكــم أو حــد‬
‫مــن حــدود اللــه تعالــى لــم تصــل للجميــع‪ ،‬أو علــى أقــل تقديــر‬
‫لَــم يســمح بتدوينهــا وتناقلهــا‪ ،‬إِ ْذ كيــف يكــون هنــاك حكــم‬
‫وشــرع مــن اللــه تعالــى ولــم يســمع بــه إال فــرد أو فــردان‬
‫أو حتــى أفــراد مــن المســلمين‪ ،‬ث ُـ ّم ت ُـ َدون بعــد قرنيــن تقريبًــا‬
‫مــن وفــاة صاحبهــا – صلــى اللــه تعالــى عليــه وســلم – وهــذا‬
‫يســري علــى ُكل الروايــات واألحاديــث الســمعية الظنيــة التــي‬
‫ال تفيــد العلــم‪ ،‬بــل تبقــى فــي بــاب االحتمــال والشــك‪ ،‬وال يبنى‬
‫الديــن وال تشــريع األحــكام علــى ظــن وشــك واحتمــال‪ ،‬وال‬
‫علــى أنــه (قِيّــل أو لــم يُقَــل)‪ ،‬بــل إن الروايــات واألحاديــث‬
‫ـرف فــي النفــوس‪.‬‬ ‫تكــون أحيانًــا ســببًا فــي بــذر التشـدّد والتطـ ّ‬
‫صـ َـا ِة‬ ‫ـروا أ َ ْو َل َد ُك ـ ْم ِبال َّ‬ ‫تكفــي اإلشــارة هنــا‪ ،‬إلــى روايــة ( ُمـ ُ‬
‫علَ ْي َهــا‪َ ،‬و ُهــ ْم أ َ ْبنَــا ُء‬
‫ســبْعِ ِســنِينَ ‪َ ،‬واض ِْربُو ُهــ ْم َ‬ ‫َو ُهــ ْم أ َ ْبنَــا ُء َ‬
‫اجــعِ)‪ ،‬وقــد تبــث فــي النفــوس‬ ‫ض ِ‬ ‫عــ ْش ٍر َوفَ ِ ّرقُــوا بَ ْينَ ُهـ ْم فِــي ْال َم َ‬‫َ‬

‫‪172‬‬
‫االزدراء كـــ (تضييــق الطريــق علــى غيــر المســلم‪ ،‬وعــدم‬
‫مبــادءة غيــر المســلم بالتحيــة) حتــى انتقــل هــذا الســلوك‬
‫المتشــدد بيــن المســلمين أنفســهم فصــار مــن يدَّعــون أو‬
‫يحســبون أنفســهم (مطاوعــة وملتزميــن) ال يبــدؤون بتحيــة‬
‫غيــر الملتــزم بالديــن حســب المظاهــر والشــكليات بمــا‬
‫تمليــه عليهــم أفهامهــم وأفكارهــم‪ ،‬ونســوا كالم اللــه تعالــى‪:‬‬
‫َّ َ ۡ ُ ۡ ُ َ ۡ َ ‪َّ ْ ُ َّ َ ۡ ُ ۡ َ َ َ َ ۡ َ ْ ُ ۡ َ َ ٞ‬‬
‫ٱللَ‬ ‫﴿إِنما ٱلمؤمِنون إِخوة فأصل ِحوا بين أخويك ۚم وٱتقوا‬
‫ُ‬ ‫َ َ َّ ُ ۡ ُ ۡ َ ُ َ‬
‫ون﴾ ُس َ ُ‬
‫ورة الحُج َر ِ‬
‫ات ‪١٠‬‬ ‫لعلكم ترحم‬
‫صلــوا بموجــب هــذه الروايــات واألحاديث لــروح الكراهية‬ ‫وأ ّ‬
‫تجــاه اآلخــر فقالــوا‪ّ :‬‬
‫إن األصــل فــي عالقــة الــدول تقــوم علــى‬
‫الحرب ال الســلم‪.‬‬

‫ومــا ينســب لألئمــة عنــد الشــيعة‪ ،‬واألوليــاء عنــد الصوفيــة‬


‫أدهــى وأ ّمــر وأســوأ قيــا‪ ،‬إذ ادّعــوا العصمــة لمــن‬
‫لــم يعصمهــم اللــه‪ ،‬ولــم يبعثهــم رســاً وال أنبيــاء‪ ،‬بــل‬
‫اتخذوهــم أربابًــا مــن دون اللــه‪ ،‬ليتزلفــوا بهــم إلــى اللــه‬
‫َ ٓ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َّ ّ ُ ۡ َ ُ َ َّ َ َّ َ ُ ْ‬
‫ِين ٱتخذوا مِن دونِه ِٓۦ أ ۡول َِيا َء َما‬ ‫ِص وٱلذ‬
‫﴿ألا ِلِ ٱلدِين ٱلخال ۚ‬
‫َ ۡ ُ ُ ُ ۡ َّ ُ َ ّ ُ َ ٓ َ َّ ُ ۡ َ ٰٓ َّ َّ َ َ ۡ ُ‬
‫ٱلل يحك ُم بَ ۡي َن ُه ۡم فِي َما‬ ‫نعبدهم إِلا ل ِيق ِربونا إِلى ٱللِ زلفى إِن‬
‫ُ َ ‪َّ َ ٞ‬‬ ‫َ ۡ َ ُ َ َّ َّ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ٱلل لا َي ۡهدِي َم ۡن ه َو كٰذِب كفار‪﴾ٞ‬‬ ‫ه ۡم فِيهِ يختل ِفونۗ إِن‬
‫ُ‬
‫ُس َورة ُّالز َم ِر ‪٣‬‬

‫‪173‬‬
‫وهــذه الروايــات واألحاديــث واألقاويــل هــي ديــن المصالــح‪،‬‬
‫وديــن السياســة والســلطة والحكــم‪ ،‬وديــن أهــل المذاهــب‬
‫والطوائــف‪ ،‬وتجــار الديــن فــي تاريخنــا‪ ،‬وقــد تفاقــم أمرهــا‬
‫فــي زماننــا وأصبحــت أكثــر تشــظيًا‪ ،‬وتشــعبت إلــى ســلفية‪،‬‬
‫وإخوانيــة‪ ،‬وجاميــة‪ ،‬وســرورية‪ ،‬وتطــورت الصوفيــة‬
‫إلــى حقانيــة وبقانيــة‪ ،‬والتشــيع إلــى إيرانــي وعربــي‪،‬‬
‫وفيالــق وحــراس‪ ،‬والتشــيع العربــي إلــى صــدري وأحــزاب‬
‫للمعارضــة‪ ،‬تجــرأت علــى اســم اللــه‪ -‬جــل وعــا – فتســمت‬
‫بحــزب اللــه‪ ،‬وأنصــار اللــه‪ ،‬وك ٌّل اصطنــع لنهجــه روايــات‬
‫وأحاديــث وأقــوال‪ :‬كروايــات (تركــت فيكــم كتــاب اللــه‬
‫وســنتي)‪ ،‬وروايــة (تركــت فيكــم كتــاب اللــه وعترتــي أهــل‬
‫بيتــي)‪ ،‬وروايــة‪( :‬عليكــم بكتــاب اللــه وســنتي وســنة الخلفــاء‬
‫الراشــدين المهدييــن مــن بعــدي)‪ ،‬وغيرهــا الكثيــر‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫ك ٌل يدعــي الوصــل والوصــال‪ ،‬وأنــه صاحــب الســنة والعترة‪،‬‬
‫بينمــا المتواتــر والمتفــق عليــه ‪-‬سـنّة وشــيعة وطوائــف‪ -‬بيــن‬
‫أيديهــم‪ ،‬كتــاب اللــه ليــس إال‪...‬‬

‫بــل وصــل البعــض إلــى التجــرؤ علــى علــم الغيــب‪ ،‬والتنبــؤ‬


‫بالمســتقبل‪ ،‬وبحــروب مســتقبلية‪ ،‬وقســم الدنيــا بأمهــا وأبيهــا‬
‫إلــى فســطاطين فســطاط مؤمنيــن‪ ،‬وفســطاط كافريــن‪ ،‬وأنــه‬
‫المؤمــن وغيــره مــن خلــق اللــه كافــر يجــوز قتلــه‪ ،‬ونحــره‬
‫كالشــاة‪.‬‬

‫وكل أهــل مذهــب وطائفــة بــات ينتظــر َمه ِديّــه ليقتــل بــه‬
‫اآلخريــن‪ ،‬ألهــل الســنة مهــدي ينتظرونــه‪ ،‬وألهــل التشــيع‬
‫مهــدي ينتظرونــه‪ ،‬وكذلــك لــكل دجــال يتعــوذون منــه‪.‬‬
‫والغريــب أن الروايــات فــي ذلــك كلــه‪ ،‬مؤصــل وجودهــا فــي‬
‫اإلســرائيليات‪.‬‬

‫تشــابهت الروايــات‪ ،‬وتعــددت لكــن اليقيــن واإليمــان واحــد‪،‬‬


‫كتــاب اللــه وســنة نبيّــه المتيقنــة والقطعيــة الثبــوت‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫أمــا مــا سـ ّمي (سـنّة) مــن روايــات وأحاديــث ظنيــة الثبــوت‪،‬‬
‫فأكثــر مــا يجــب أن تكــون لالســتئناس بهــا‪ ،‬وال يبنــى‬
‫عليهــا حكــم‪ ،‬لكــي ال توقــع النــاس فــي الحــرج والتكليــف‬
‫بمــا ال يطــاق‪ ،‬فاإلســام ديــن يســر كمــا فــي اآليــة‪:‬‬
‫ُ ُ َّ ُ ُ ُ ۡ ُ ۡ َ َ َ ُ ُ ُ ۡ‬
‫يد بِك ُم ٱل ُع ۡس َر﴾‬ ‫﴿ي ِريد ٱلل بِكم ٱليسر ولا ي ِر‬
‫الب َق َرة ِ ‪١٨٥‬‬
‫ورةُ َ‬
‫ُس َ‬

‫ومخالفــة الفطــرة‪ ،‬كتحريــم االختــاط واختــاق الروايــات‬


‫واألحاديــث التــي تجعــل العقــل فــي حالــة مــن االنفصــام‬
‫والدغمائيــة والعيــش فــي المتناقضــات‪ ،‬فيعتقد حرمة الشــيء‪،‬‬
‫يحرمــون االختالط بالروايات‬ ‫ـوز لنفســه فعله‪ ،‬مثل الذين ّ‬ ‫ويجـ ّ ِ‬
‫واألحاديــث‪ ،‬ثُــم يُح ِللُونــه ألنفســهم‪ ،‬مــع الخــدم مــن العامــات‬
‫حرمــوا مــا‬
‫والســائقين‪ ،‬وفــي األســواق والمستشــفيات‪ ،‬ألنهــم ّ‬
‫حرموا‬ ‫حرمــوا ما هــو حــال بالفطرة‪ ،‬كمــن ّ‬ ‫ليــس حرامــا بــل ّ‬
‫وســكرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫خمــرا‬
‫ً‬ ‫زراعــة العنــب‪ ،‬والنخيــل حتــى ال تُتَخــذ‬
‫ــكراٗ‬‫َ َّ ُ َ ۡ ُ َ َ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫َ َۡۡ‬ ‫ت َّ‬ ‫ٰ‬ ‫﴿ومِــن َث َم َ‬‫َ‬
‫خــذون مِنــه س‬ ‫ــب تت ِ‬
‫يــل وٱلأعن ِ‬ ‫ِ‬ ‫خ‬‫ِ‬ ‫ٱلن‬ ‫ِ‬ ‫ــر‬
‫ُ َ‬ ‫ــة لّ َِق ۡ‬
‫ــو ٖم َي ۡع ِقلــون ﴾‬
‫َٰ َ َ ٗ‬ ‫َ َ ً َّ‬
‫ــنا ۚ إِن فِــي ذل ِــك ٓأَلي‬
‫ً‬
‫َورِ ۡزقــا حس‬
‫ورةُ َّ‬
‫الن ۡح ِل ‪٦٧‬‬ ‫ُس َ‬

‫‪176‬‬
‫ومــن ذلــك تحريــم التصويــر بشــكل عــام بالروايــات‬
‫واألحاديــث‪ ،‬وأنــه مــن الكبائــر‪ ،‬كروايــة "إن الذيــن يصنعــون‬
‫هــذه الصــور يعذبــون يــوم القيامــة"‪ ،‬ويقــال لهــم‪" :‬أحيــوا‬
‫مــا خلقتــم"‪ .‬وكروايــة "إن أشــ ّد النــاس عذابــا ً يــوم القيامــة‬
‫المحرمون‬
‫ّ‬ ‫المصـ ّـورون" وغيرهــا مــن الروايــات‪ ،‬ث ُ َّم اضطــر‬
‫لتخفيــف التحريــم بالتفريــق بيــن ذوات األرواح وغيرهــا‪،‬‬
‫وبيــن التصويــر الفوتوغرافــي وغيــره‪ ،‬وبيــن التصويــر‬
‫لمــا هــو ضــرورة كالوثائــق الرســمية مــن بطاقــات الهويــة‬
‫وجــوازات الســفر‪ ،‬وصــور الحــكام علــى العمــات‪ ،‬ومــا ال‬
‫ضــرورة فيــه‪ ...‬وهكــذا‪ ،‬كل تحريــم يُبنــى علــى روايــات‬
‫وأحاديــث ظنيــة‪ ،‬ينتــج عنــه ســوء ظــن‪ ،‬وطعــن بعلــم اللــه‬
‫تعالــى و يوقــع فــي الحــرج والتكليــف بمــا ال يطــاق‪ ،‬وهــذا‬
‫مــا ال يمكــن أن يقــع فــي ديــن اللــه وشــرعه‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫خالصات واستنتاجات‬

‫ّ‬
‫السنة المتيقنة‪:‬‬
‫سماتها واختصاصاتها‬
‫سـنَّةَ ال ُمتَيَقَّ ْنــة قطعيــة الثبــوت عــن رســولنا {صلــى اللــه عليه‬
‫ال ُ‬
‫وســلم} وهــي مصــدر بيــان لمجمــل القــران والمتوافقــة معــه‪،‬‬
‫ع ِمـ ّل بهــا مــن زمــن الرســول‬
‫و بهــا تشــرع األحــكام والتــي ُ‬
‫واســتمرت األمــة علــى العمــل بهــا إلــى اليــوم بــا روايــات‬
‫وال أحاديــث و(قيــل وقــال)‪ ،‬وال يتطــرق إليهــا الشــك أو الظن‬
‫ألنهــا تعبديــة للــه وال تتعلــق بأحــكام فيهــا شــبهة منافــع أو‬
‫مصالــح للديــن السياســي أو االجتماعــي‪.‬‬

‫والسـنَّة ال ُمتَيَقَّ ْنــة‪ ،‬قطعيــة الداللــة‪ ،‬بمعنــى أن ال يحتمــل النــص‬


‫فيهــا إال معنــى واحـدًا‪ ،‬كاألرقــام في آيــات المواريث‪ ،‬وســائر‬
‫ســره النبــي – صلــى اللــه تعالــى‬
‫المحرمــات‪ ،‬ومثلهــا كل مــا ف ّ‬ ‫ّ‬
‫عليــه وســلم – عمليًــا كالصــاة وســائر العبادات‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫وهــي التــي لــم يقــع الخــاف فيهــا بيــن المســلمين‪ ،‬وال بيــن‬
‫علمائهــم‪ ،‬وغالــب إجمــاع الفقهــاء عليهــا‪ ،‬أو مــا اشــتهر‬
‫واســتفاض عمــل المســلمين بهــا‪ ،‬وأمــا مــا ســوى ذلــك‪ ،‬ممــا‬
‫يســمى بكتــب الســنن‪ ،‬أو الصحــاح أو المســانيد أو المجاميــع‬
‫الروايــات واألحاديــث و(قيــل وقال‪ ،‬وســمعت ورأيت) ليســت‬
‫ســنة بــل تبقــى مجــرد إخبــار وآثــار ومرويــات وقــع الخــاف‬ ‫ُ‬
‫فيهــا ســعيا للكمــال أوالترغيــب والترهيــب‪ ،‬وال ترتقــي ألن‬
‫يشــرع بهــا أحــكام أو يبنــى عليهــا اعتقــاد‪.‬‬

‫سنَةّ رسولنا فإنه يتمثّل في اآلتي‪:‬‬


‫أما المتيقن من ُ‬

‫‪180‬‬
‫الصلوات‪:‬‬
‫وإنهــا خمــس مــرات فــي اليــوم والليلــة بأوقاتهــا وعــدد‬
‫ركعاتهــا‪:‬‬
‫‪1.1‬الفجــر ركعتــان جهريــة القــراءة مــن طلــوع الفجــر إلــى‬
‫شــروقها‪.‬‬
‫‪2.2‬الظهــر أربــع ركعــات بإخفــات القــراءة مــن زوال الشــمس‬
‫إلــى أن يكــون ظــل الشــيء مثلــه‪.‬‬
‫‪3.3‬العصــر أربــع ركعــات بإخفــات القــراءة مــن ظــل الشــيء‬
‫مثليــه إلــى اصفــرار الشــمس‪.‬‬
‫‪4.4‬المغــرب ثــاث ركعــات جهريــة القــراءة مــن مغيــب‬
‫الشــفق إلــى منتصــف الليــل‪.‬‬
‫‪5.5‬يحتســب نصــف الليــل مــن مغيــب الشــمس إلــى طلــوع‬
‫الفجــر‪ ،‬فنصــف مــا بينهمــا هــو آخــر وقــت العشــاء (وهــو‬
‫نصــف الليــل) مثــال‪ :‬الشــمس تغيــب الســاعة (‪ )5‬والفجــر‬
‫يــؤذن الســاعة (‪ )5‬فمنتصــف الليــل هــو الســاعة (‪ )11‬مســا ًء‬
‫وان غابــت الشــمس الســاعة (‪ )5‬والفجــر يطلــع الســاعة (‪)6‬‬
‫منصــف الليــل يكــون الســاعة (‪ )11.30‬وهكــذا‪....‬‬
‫‪6.6‬الجمعــة ركعتــان جهريــة القــراءة وخطبتيــن بعــد الــزوال‬
‫وللمنفــرد أربــع ركعــات بإخفــات القــراءة‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫‪ -‬أما كيفية الصالة وما يقال فيها‪:‬‬

‫اســتقبال القبلــة ورفــع اليديــن بتكبيــرة اإلحرام‬


‫ثــم قــراءة الفاتحــة ومــا تيســر مــن القــرآن‬
‫إن تيســر‪ ،‬ثــم ركــوع وقــول ســبحان ربــي‬
‫العظيــم‪ ،‬ث ـ ّم رفــع مــن الركــوع وقــول ربنــا‬
‫لــك الحمــد‪ ،‬ث ـ ّم ســجود وقــول ســبحان ربــي‬
‫األعلــى‪ ،‬ثُـ َّم رفــع من الســجود وجلــوس وقول‬
‫ربــي اغفــر لــي‪ ،‬ث ـ ّم ســجود وقــول ســبحان‬
‫ربــي األعلــى ث ـ ّم رفــع مــن الســجود وقيــام‪،‬‬
‫وإتيــان بركعــة مماثلــة فجلــوس وتشــهد بقــول‬
‫التحيــات للــه والصلــوات والطيبات‪ ،‬والســام‬
‫عليــك أيهــا النبــي ورحمــة اللــه وبركاتــه‪،‬‬
‫الســام علينــا‪ ،‬وعلــى عبــاد اللــه الصالحيــن‪،‬‬
‫أشــهد أن ال إلــه إال اللــه‪ ،‬وأشــهد أن محم ـدًا‬
‫عبــده ورســوله‪ ،‬فيســلّم‪ ،‬فت ّمــت ركعتيــن‪،‬‬

‫‪182‬‬
‫يكــرر بعــدد الركعــات‪ ،‬للصــاة‬ ‫ّ‬ ‫وهكــذا‬
‫المفروضــة خمــس مــرات‪ ،‬هــذا مــا يــؤدي بــه‬
‫المــرء مــا افترضــه اللــه تعالــى عليــه‪ ،‬وأمــا ما‬
‫جــاء فــي الروايــات واألحاديــث و(قيــل وقــال‬
‫وســمعت ورأيــت)‪ ،‬إن صــح عــن رســولنا‬
‫صلــى اللــه تعالــى عليــه وســلم فهــو لالســتئناس‬
‫بــه للكمــال‪ ،‬باإلطالــة فــي القــراءة‪ ،‬أو تكــرار‬
‫التســبيح‪ ،‬للحــد األدنــى مــن الكمــال تكــرار ‪3‬‬
‫مــرات والكمــال ‪ 7‬مــرات وأعلــى الكمــال ‪11‬‬
‫ومــا فــوق ‪.21‬‬

‫والصــاة الكفائيــة ركعتــان كـــصالة العيديــن‪،‬‬


‫واالستســقاء ومثلهــا ركعتــان لكــن يُكبــر فــي‬
‫الركعــة األولــى تكبيــرة اإلحــرام ثــم يُكبــر‬
‫بعدهــا ســت تكبيــرات وفــي الثانيــة خمــس‬
‫تكبيــرات غيــر تكبيرتــي الركــوع‪.‬‬

‫وصــاة الخســوف والكســوف‪ ،‬ركعتــان فــي‬


‫كل ركعــة قيامــان وقراءتــان وركوعــان‬
‫وســجودان‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫والصــاة علــى الميــت‪ ،‬الصــاة فيهــا وقوفًــا ثــم التكبيــر‬
‫وقــراءة الفاتحــة‪ .‬ثــم يكبــر ثــم يقــرأ التشــهد ثــم يكبــر ثــم يدعو‬
‫للميــت ولجميــع المســلمين ثـ ّم يكبــر وننهــي الصــاة بالتســليم‪.‬‬
‫المضمضــة‪ :‬واالستنشــاق ومســح األذنيــن للوضــوء‪َ ،‬كمــا‬
‫هــي الحــال فــي عمــل المســلمين اليــوم‪.‬‬
‫ّ‬
‫للصلة بكيفيتها وصيغتها المعهودة اليوم‪.‬‬ ‫األذان واإلقامة‬
‫فــي الصــاة‪ ،‬ســجدتان خفيفتــان َكالســجود فــي صــاة‬
‫الفريضــة‬
‫كيفيــة الصيــام‪ ،‬مــن دخــول هــال شــهر رمضــان باالمتنــاع‬
‫عــن ُك ّل مــا يصــل عمــدًا إلــى الجــوف َكاألكل والشــرب‪،‬‬
‫مــن طلــوع الفجــر إلــى غــروب الشــمس حتــى دخــول هــال‬
‫شــوال‪.‬‬
‫إخــراج زكاة الفطــر‪ ،‬مــن يــوم ‪ 28‬رمضــان حتــى مــا قبــل‬
‫صــات العيــد‪ ،‬صــاع بمــا يعــادل اليــوم ‪ 2.50‬إلــى ‪2.75‬‬
‫كيلــو جــرام مــن طعــام أهــل كل بلــد بحســبه‪.‬‬
‫شــعائر الحــج‪ ،‬البــدء مــن اإلحــرام مــن الميقــات ثــم الطــواف‬
‫ســبعة أشــواط والصــاة ركعتــان‪ ،‬ث ـ ّم الســعي ســبعة أشــواط‬
‫ثــم تقصيــر أو حلــق‪ ،‬وتحلــ ٌل مــن اإلحــرام لغيــر المفــرد‬
‫بالحــج‪ ،‬ثــم إذا كان يــوم الترويــة وهــو اليــوم الثامــن مــن ذي‬
‫حجــة يحــرم المتمتــع بالحــج‪.‬‬
‫‪184‬‬
‫ويتوجــه إلــى منــى والصــاة فيهــا جميــع الصلــوات ابتــداء‬
‫مــن صــاة ظهــر اليــوم الثامــن مــن ذي الحجــة‪ ،‬ويقصــر‬
‫الحــاج الصــاة الرباعيــة‪ ،‬كمــن يبقــى فــي منــى حتــى طلــوع‬
‫شــمس يــوم التاســع مــن ذي الحجــة‪ ،‬ومــن ثــم التوجــه إلــى‬
‫عرفــة والوقــوف فيهــا بعــد طلــوع شــمس اليــوم التاســع‬
‫مــن ذي الحجــة حيــث يصلــى فيهــا الحــاج صــاة الظهــر‬
‫والعصــر فيجمــع ويقصــر‪ ،‬ويدعــو فــي عرفــة ويذكــر اللــه‬
‫حتــى مغــرب الشــمس حيــث يتوجــه بعدهــا للمبيــت فــي‬
‫مزدلفــة‪ ،‬ثــم التوجــه إلــى منــى قبيــل طلــوع شــمس اليــوم مــن‬
‫ذي الحجــة لرمــي جمــرة العقبــة بســبعة حصيــات يكبــر عنــد‬
‫رمــي كل واحــدة منهــا‪ ،‬ثــم يذبــح الحــاج هديــه إن كان عليــه‬
‫هــدي‪ ،‬ثــم يتحلــل مــن إحرامــه ويحلــق رأســه أو يقصــره‪ .‬ثــم‬
‫يقــوم بالطــواف حــول الكعبــة طــواف اإلفاضــة‪ ،‬ثــم الســعي‬
‫بيــن الصفــا والمــروة لمــن كان متمتعًــا فيكــون بذلــك قــد تحلــل‬
‫مــن إحرامــه تحلـ ًـا يبيــح لــه جميــع محظــورات الحــج حتــى‬
‫النســاء‪ ،‬ثــم يبيــت فــي منــى حتــى حلــول اليــوم الحــادي عشــر‬
‫مــن ذي الحجــة‪ ،‬لرمــي الجمــرات الثــاث فــي اليــوم الحــادي‬
‫عشــر والثانــي عشــر مــن ذي الحجــة‪ ،‬ثــم إذا أراد أن يتعجــل‬
‫فــي حجــه نفــر مــن منــى أو بــات فيهــا إن شــاء حتــى حلــول‬
‫يــوم الثالــث عشــر مــن ذي الحجــة حيــث يفعــل المتأخــر مــا‬
‫يعلــه مــن قبــل مــن رمــي الجمــرات‪ ،‬ثــم ينهــي الحــاج أعمــال‬
‫ومناســك الحــج بطــواف الــوداع‪ .‬وهــذا مــا عليــه أغلــب عمــل‬
‫األمــة وأفضلهــا وهــو التمتــع فالمتمتــع يــؤدي عمــرة كاملــة‬
‫وحجــة كاملــة‪.‬‬
‫‪185‬‬
‫أنصبة الزكاة‬
‫النقــدان‪ ،‬النصــاب وهــو القــدر الــذي إذا وصــل‬
‫إليــه المــال وجبــت فيــه زكاة النقديــن فــي الذهــب‬
‫والفضــة‪ ،‬عنــد بلــوغ النصــاب‪ ،‬ونصــاب الذهــب‪:‬‬
‫عشــرون مثقــاال‪ ،‬ونصــاب الفضــة خمــس أواق‪،‬‬
‫بمــا يعــادل اليــوم نصــاب الذهــب ‪ 85‬جــرام مــن‬
‫الذهــب الخــاص مــن عيــار ‪ 24‬أو ‪ 97،14‬جــرام‬
‫مــن الذهــب عيــار ‪ 21‬أو ‪ 113،33‬جــرام مــن‬
‫الذهــب عيــار ‪ 18‬أمــا الفضــة النصــاب هــو ‪،595‬‬
‫جــرام مــن الفضــة عيــار ‪ .99،9‬فيقــاس عليهــا مــا‬
‫يعادلهــا مــن األوراق النقديــة اليــوم وزكاتهــا ربــع‬
‫العشــر‪.‬‬

‫وتتمثــل عــروض التجــارة فــي كل مــا اعــد للبيــع والشــراء‬


‫بقصــد الربــح مــن األمــوال‪ ،‬واألراضــي‪ ،‬واألطعمــة‪،‬‬
‫والحيوانــات‪ ،‬واآلالت‪ ،‬والســيارات‪ ،‬والمعــادن‪ ،‬والمالبــس‪،‬‬
‫والمبانــي وغيرهــا مــن األشــياء كاألســهم‪ .‬وهــي أهــم أمــوال‬
‫الــزكاة وأوســعها‪ ،‬واكثــر تجــارة النــاس فــي هــذه العــروض‬
‫هــذه زكاتهــا كالنقديــن‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫زكاة البهائم‪:‬‬
‫نصــاب اإلبــل (‪ )5‬مــن اإلبــل وفيهــا شــاة وفــي‬
‫(‪ )10‬مــن اإلبــل شــاتان وفــي (‪ )15‬ثــاث شــياه‪،‬‬
‫وفــي (‪ )20‬أربــع شــياه‪ ،‬وفــي (‪ )24‬فَ َمــا دُونَ َهــا‬
‫شــاةٌ‪ ،‬فــإذا بلغــا (‪ )25‬فيهــا‬ ‫ـن ْالغَنَـ ِـم فــي ُك ِّل (‪َ )5‬‬ ‫ِمـ ْ‬
‫َــت (‪ 25‬إلــى ‪ )35‬في َهــا‬ ‫بنــت مخــاض فــإذا بَلَغ ْ‬
‫َــت (‪ 36‬إلــى ‪)45‬‬ ‫َــاض أ ْنثَــى‪ ،‬فــإذا بَلَغ ْ‬‫ب ْنــت َمخ ٍ‬
‫ـت (‪ 46‬إلــى ‪)60‬‬ ‫ـون أ ْنثَــى فــإذا بَلَغَـ ْ‬
‫فيهــا ب ْنــتُ لَبُـ ٍ‬
‫َــت (‪ 61‬إلــى ‪)75‬‬ ‫فِيهــا ِحقَّــةٌ ْال َج َمــ ِل‪ ،‬فــإذا بَلَغ ْ‬
‫ـت (‪ 67‬إلــى ‪ )90‬فيهــا ب ْنتــا‬ ‫عــةٌ‪ ،‬فــإذا بَلَغَـ ْ‬
‫فيهــا َج َذ َ‬
‫َــت (‪ 91‬إلــى ‪ )120‬فِي َهــا ِحقَّت َ ِ‬
‫ــان‬ ‫ــون‪ ،‬فــإذا بَلَغ ْ‬ ‫لَبُ ٍ‬
‫أربَعِيــنَ بِ ْنــت‬ ‫ت علــى (‪ )120‬فِــي ُك ِّل ْ‬ ‫فــإذا زَ ا َد ْ‬
‫ــن اإل ِبــل‬ ‫ــون َوفِــي ُك ِّل خ َْم ِســين ِحقَّــة‪ ،‬و(‪ِ )4‬م ْ‬ ‫لَبُ ٍ‬
‫ـت (‪ِ )5‬مـ ْ‬
‫ـن اإلبِـ ِل فَ ِفيهــا‬ ‫ـس فِي َهــا زكاة فــإذا بَلَغَـ ْ‬ ‫لَ ْيـ َ‬
‫شــاةٌ‪.‬‬
‫َ‬
‫ونصــاب البقــر ‪ ،30‬فيهــا تبيــع لــه ســنة و ‪ 40‬مســنة لهــا‬
‫ســنتين ‪.‬‬
‫ونصــاب الغنــم ‪ 40‬شــاة‪ ،‬فيهــا شــاة واحــدة‪ ،‬الزمــاة فــي بهيمة‬
‫األنعــام أن تكــون ســائمة‪ ،‬وهــي التــي ترعــى الــكأل المبــاح‬
‫أكثــر الســنة‪ ،‬وأمــا التــي ت ْعلَــف فــا تجــب فيهــا الــزكاة إال أن‬
‫تكــون للتجــارة ‪.‬‬
‫‪187‬‬
‫زكاة الزرع‪:‬‬
‫الزكاة في الحبوب والثمار قوله تعالى‪:‬‬
‫ِين﴾‬ ‫﴿و َءاتُوا ْ َح َّق ُهۥ يَ ۡو َم َح َصادِه ِۦ َولَا ت ُ ۡسرفُ ۚٓوا ْ إنَّ ُهۥ لَا ُيحِ ُّ‬
‫ب ٱل ۡ ُم ۡسرف َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ۖ‬
‫َ‬
‫ورةُ الأ ۡن َع ِام ‪141‬‬
‫ُس َ‬

‫تجــب فــي الحبــوب والثمــار فيمــا يــكال ويدخر‪ ،‬ســواء‬


‫كان قوتًــا أم لــم يكــن قوتًــا‪ ،‬عامــا فــي كل مــا يخــرج‬
‫الــز َكاة ُ ِفــي ُك ِّل يُــ َكا ُل َويُ َّدخ ُ‬
‫َــر‪،‬‬ ‫ــب َّ‬ ‫مــن األرض‪ .‬فت َ ِج ُ‬
‫ق‪ .‬فالحبــوب‬ ‫ق َو ْالبُ ْنـ ُد ِ‬ ‫ب َواللَّـ ْـو ِز ْ‬
‫والفُ ْسـت ُ ِ‬ ‫َكالت َّ ْمـ ِـر َو َّ‬
‫الز ِبيـ ِ‬
‫والثمــار تجــب فيهــا الــزكاة‪ ،‬بشــرط أن تكــون مكيلــة‬
‫مدخــرة‪ ،‬فــان لــم تكــن كذلــك‪ ،‬فــا زكاة فيهــا فتجــب‬
‫الــزكاة فــي الحبــوب والثمــار‪ ،‬إذا بلغــت النصــاب‪،‬‬
‫عــا‪،‬‬‫وهــو خمســة أوســق‪ ،‬والوســق ســتون صا ً‬
‫والصــاع أربعــة أمــداد‪ ،‬والمــد َح ْفنــة بكفــي الرجــل‬
‫المعتــدل مقــدار الخمســة أوســق بالكيلــو جرامــات‬
‫يســاوي (‪ )653‬كيلــو جرامــا‪.‬‬

‫ويختلــف قــدر الــزكاة الواجــب اخراجهــا مــن الــزروع‬


‫والثمــار باختــاف طريقــة الســقي‪ ،‬فــان كان يُســقى‬
‫بــا كلفــة وال مؤونــة‪ ،‬كمــا لــو ســقي بمــاء المطــر‪ ،‬أو‬
‫العيــون‪ ،‬ففيــه العشــر‪ ،‬وان كان يســقى بكلفــة ومؤونــة‪،‬‬
‫كمــا لــو احتــاج آلــة ترفــع الميــاه ففيــه نصــف العشــر‪.‬‬
‫‪188‬‬
‫•تحريــم لبــس الذهــب والحريــر للرجــال إال فــي‬
‫حــال الضــرورة ‪.‬‬
‫• ُحرمــة الجمــع بيــن الزوجــة وعمتهــا أو خالتهــا‪،‬‬
‫مــا دامــت زوجتــه معــه إال إن فارقهــا لمــوت أو طــاق‬
‫جــاز الــزواج مــن عمــة أو خالــة الزوجــة‪.‬‬
‫•المســح علــى الخفيــن‪ ،‬أو الجوربيــن مدتــه يــوم‬
‫وليلــة مــن بــدء المســح بعــد الحــدث للمقيــم وثالثــة‬
‫أيــام للمســافر‪ ،‬صفــة المســح أن تكــون أصابــع يديــه‬
‫مبلولتيــن بالمــاء يمررهــا علــى أصابــع رجليــه إلــى‬
‫ســاقه‪ ،‬يمســح الرجــل اليمنــى‪ ،‬والرجــل اليســرى‪ ،‬وال‬
‫يكــرر المســح‪.‬‬
‫•طريقــة غســل الميــت وتكفينــه ودفنــه‪ ،‬فيغُســل كمــا‬
‫المؤمــن الحــي يُغســل جميــع جســده مــن رأســه إلــى‬
‫قدميــه ويعــم بالغســل مــرة واحــدة‪ ،‬هــذا هــو الواجــب‪.،‬‬
‫ثــم يكفــن فــي ثــوب يســتره جميعًــا مــن رأســه إلــى‬
‫قدميــه‪ ،‬قطعــة مــن الثــوب تســتره‪ ،،‬ويكــون القبــر‬
‫لحــدا وليــس شــقا‪ ،‬ويُ ْجعَــل الميــت فــي قبــره علــى‬
‫َج ْن ِبــ ِه األيمــن‪َ ،‬و َو ْج ُهــهُ قَبَالَــة القبلــة‪.‬‬
‫•غســل الرجليــن فــي الوضــوء إلــى الكعبيــن كمــا‬
‫عليــه عمــل المســلمين اليــوم فــي وضوئهــم للصــاة‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫•الصــاة بــأي مــكان مــن األرض‪ ،‬خــاف األمــم‬
‫األخــرى الملزمــة بالتعبــد فقــط فــي أماكــن العبــادة‪.‬‬
‫•تــرك الحائــض الصالة وال تقضي مــا فاتها وتترك‬
‫الصيام وتقضي ما أفطرت من أيام‪.‬‬
‫•رخصــة الصــاة ألكثــر مــن فــرض بوضــوء‬
‫واحــد لمــن لــم يحــدث‬
‫•الرخــص فــي العبــادات فــي الســفر والمــرض‪،‬‬
‫والمطــر‪.‬‬
‫•إقامة الحدود‪.‬‬
‫•البسملة عند األكل والشرب‬
‫•حرمة أكل لحم الحمر األهلية‬
‫•بقــاء مفاتيــح الكعبــة بوعــد الرســول عنــد "بنــي‬
‫شــيبة" الذيــن توارثــوا مفتــاح الكعبــة بعــد اإلســام منــذ‬
‫اكثــر مــن ‪ 16‬قرنًــا‬
‫مــا تواتــر بالمعنــى واشــتهر‪ ،‬واســتفاض خبــره يؤمــن بــه فــي‬
‫الجملــة‪ ،‬وال يلــزم منــه إيمــان وتصديــق بالتفاصيــل‪.‬‬
‫وال يلــزم مــن إنــكاره كفــر‪ ،‬وخــروج مــن ملــة اإلســام‬
‫والمســلمين‬
‫َكـ الشفاعة والدجال وعذاب القبر‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫ّ‬
‫الظنية سماتها‬ ‫الداللة‬
‫واختصاصاتها‬
‫يشــمل اختصــاص الداللــة الظنيــة كل مــا يترتــب عليــه‬
‫وجــوب اإليمــان بــه بالمجمــل‪ ،‬كالغيبيــات وأحــداث اآلخــرة‪،‬‬
‫والجنــة والنــار‪ ،‬والحــدث المســتقبلي‪ ،‬كيأجــوج ومأجــوج‪،‬‬
‫فهــو اختبــار للمؤمــن ولمــدى قــوة إيمانــه وتصديقــه‪ ،‬وهــو‬
‫مــن بــاب المتشــابه يؤمــن بــه ويؤخــذ بــه علــى ظاهــره‬
‫ت ُه َّن أُمُّ‬ ‫ك َم ٰ ٌ‬ ‫ُ َ َّ ٓ َ َ َ َ َ ۡ َ ۡ َ ٰ َ ۡ ُ َ َ ٰ ‪َ ۡ ُّ ٞ‬‬
‫﴿هو ٱلذِي أنزل عليك ٱلكِتب مِنه ءايت مح‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫‪ٞ‬‬ ‫ُُ‬
‫ِين فِي قلوب ِ ِه ۡم َز ۡيغ ف َيتب ِ ُعون َما‬ ‫تۖ فَأَ َّما ٱلَّذ َ‬ ‫ب َوأ َخ ُر ُمتَ َ ِٰ‬
‫شب َه ٰ ‪ٞ‬‬ ‫ُ‬
‫ٱلك َِتٰ‬
‫ۡ‬
‫ِ‬
‫ش َب َه م ِۡن ُه ٱبۡت ِ َغا ٓ َء ٱلۡفِ ۡت َنةِ َوٱبۡت ِ َغا ٓ َء تَأۡويلِهِۦ َو َما َي ۡعلَ ُم تَأۡويل َ ُه ٓۥ إلَّا َّ ُ‬
‫ٱللۗ‬ ‫تَ َ ٰ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ّ‪ٞ‬‬ ‫ۖ‬ ‫ِ‬
‫َّ َّ‬ ‫ۡ ۡ ُ ُ َ‬ ‫َ َّ ُ َ‬
‫ٱلرٰسِخون فِي ٱلعِل ِم َيقولون َء َام َّنا بِهِۦ كل ّم ِۡنعِن ِد َر ّب ِ َناۗ َو َما يَذك ُر‬ ‫و‬
‫ُ َ ٓ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ٓ‬ ‫َّ‬
‫ورةُ ا ِل ع ِۡم َر َان ‪٧‬‬ ‫ب﴾ س‬ ‫إِلا أولوا ٱلألبٰ ِ‬
‫و تكــون الداللــة الظنيــة‪ ،‬فيمــا ال يترتــب عليــه تكليــف‬
‫بحكــم أو ُمســاءلة فــي اآلخــرة‪ ،‬وإنمــا فــي األمــور الدنيويــة‬
‫الخاضعــة لالجتهــاد والتدبــر‪ ،‬لمعرفــة ســنن اللــه تعالــى فــي‬
‫خلقــه واالســتفادة منهــا‪ ،‬وممــا سـ ّخر اللــه تعالــى فــي الكــون‬
‫لعبــاده‪ ،‬فهــو مــن العطــاء الدنيــوي لجميــع الخلــق‪ :‬مؤمنهــم‬

‫‪191‬‬
‫وكافرهــم‪ ،‬مــن ســبق إليــه فهــو أحــق بــه مــن غيــره‪ ،‬فــكل‬
‫االكتشــافات واالختراعــات فــي كل المجــاالت مباحــة لــكل‬
‫ــك َو َمــا َ‬
‫ــاء َربِّ َ‬
‫ط ِ‬ ‫ع َ‬ ‫الخلــق } ُك ِ ّل نُّ ِمــ ُّد هَــؤ ُِل ِء َوهَــؤ َُل ِء ِم ْ‬
‫ــن َ‬
‫ــورا{ اإلســراء‪ ،20 :‬كاألرض هــل‬ ‫ظ ً‬ ‫ــك َم ْح ُ‬ ‫طــا ُء َر ِبّ َ‬ ‫ع َ‬
‫َكاَنَ َ‬
‫هــي كرويــة أم مســطحة‪ ،‬ال توجــد داللــة قطعيــة عليهــا فــا‬
‫يترتــب علــى ذلــك تكليــف‪.‬‬
‫غيــر أن تجــار الديــن وأصحــاب المصالح والهوى‬
‫‪ -‬لتبريــر أفعالهــم – عمــدوا إلــى تنزيــل اآليــات‬
‫فــي غيــر مواضعهــا وعلــى غيــر ظاهرهــا‪،‬‬
‫وجعلــوا تأويلهــا هــو مــراد اللــه تعالــى‪ ،‬بــل‬
‫كأن جعلــوا أصــل العالقــة‬ ‫جعلوهــا هــي الديــن‪ْ ،‬‬
‫بيــن المســلم وغيــره القتــل والقتــال والحــرب‪،‬‬
‫فتأولــوا آيــات القتــال والجهــاد لتوافــق منهجهــم‬
‫فــي ذبــح اآلخريــن‪ ،‬مســتندين تعس ـفًا‪ ،‬علــى آيــة‬
‫الســيف‪ -‬كمــا ســموها ‪ -‬لقتــل كل مــن يخالفهــم فــي‬
‫دينهــم أو مذهبهــم أو طائفتهــم‪ ،‬وقالــوا بنســخها‬
‫لــكل آيــة تدعــو للســلم والموادعــة‪ ،‬مهمليــن مــا‬
‫نفســها‪﴿،‬و َقٰتلُوا ْ ٱل ۡ ُم ۡشــرك َ‬
‫ِين‬ ‫َ ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫جــاء فــي الســورة‬
‫ْ‬
‫ــوا أ َّن َّ َ‬ ‫َ‬
‫ٱعل ُم ٓ‬‫َ ٓ َّ ٗ َ َ ُ َ ٰ ُ َ ُ ۡ َّ ٗ َ ۡ‬
‫ٓ‬ ‫َ‬
‫ٱلل‬ ‫كافــة كمــا يقتِلونكــم كافــة ۚ و‬
‫ــورةُ َّ‬
‫الت ۡو َبــةِ ‪٣٦‬‬ ‫ــع ٱل ۡ ُم َّتق َ‬
‫يــن﴾ ُس َ‬ ‫َم َ‬
‫ِ‬

‫وأن نقاتل المشركين‪ ،‬كما يقاتلوننا‪.‬‬


‫‪192‬‬
‫و دعوى النسخ ال دليل عليها‪.‬‬

‫إن آيــات القتــال فــي القــرآن الكريــم جاءت مبينة الســبب‬


‫الــذي مــن أجلــه أوذِن فــي القتــال‪ ،‬وأنــه إمــا لدفــع الظلــم‬
‫أو قطعــا للفتنــة‪ ،‬وحمايــة للديــن‪ ،‬وأن الباعــث للقتال في‬
‫اإلســام هــو رد االعتــداء وليــس المخالفــة فــي الديــن‪،‬‬
‫فأصــل اشــتقاق اإلســام مــن الســلم والســام والســامة‬
‫والمســالمة‪ ،‬وان األصــل فــي العالقــة بيــن المســلمين‬
‫َ َ َ ُ ْٓ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬
‫ــوا إِذا‬ ‫﴿يأ ُّي َهــا ٱلذِيــن ءامن‬ ‫ٰٓ‬ ‫وغيرهــم هــي الســلم‪،‬‬
‫َ‬
‫َّ َ َ َ َّ ُ ْ َ َ َ ُ ُ ْ َ ۡ َۡ‬ ‫ض َر ۡب ُتـ ۡ‬‫َ‬
‫ـى‬‫يل ٱللِ فتبينــوا ولا تقولــوا ل ِمــن ألقـ ٰٓ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـم فِــي َس ـب‬
‫ـوة ِ‬ ‫ـر َض ٱلۡحَ َيـ ٰ‬ ‫َ ۡ ُ ُ َّ َ ٰ َ َ ۡ َ ُ ۡ ٗ َ ۡ َ ُ َ‬
‫ـون َعـ َ‬ ‫إِليكــم ٱلســلم لســت مؤمِنــا تبتغـ‬
‫ُ َ ّ‬
‫ـورةُ الن ِ َســا ِء ‪٩٤‬‬‫ٱلدنيــا﴾ سـ‬
‫ُّ ۡ َ‬

‫ـر َم‬ ‫ـس ٱلَّتــي َحـ َّ‬ ‫ـول‪﴿:‬ولَا َت ۡق ُتلُــوا ْ َّ‬


‫ٱلن ۡفـ َ‬ ‫َ‬ ‫إن اللــه تعالــى يقـ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ۡ ّ‬ ‫َّ ُ َّ‬
‫ــام ‪ ،١٥١‬والحــق أن تقتــل‬ ‫ــورةُ الأ ۡن َع ِ‬
‫ــق﴾ ُس َ‬ ‫ٱلل إِلا بِٱلحَ ِ ۚ‬
‫فــي الحــدود وفــي حــاالت االعتــداء التــي توجــب رد‬
‫العــدوان‪ .‬لــو تدبــر النــاس كتــاب اللــه تعالــى وعرفــوا‬
‫آياتــه لــم يُهيمــن عليهــم رجــل ديــن أو واعــظ بالتصرف‬
‫بآيــات القتــال حســب هــواه و زعمــه أنهــا عامــة لــكل‬
‫مخالــف‪ ،‬فيصنــع اإلرهــاب والتطــرف‪ ،‬والقتــل باســم‬
‫الديــن‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫ضا تنزيل اآلية في سورة التوبة في‬ ‫ومن ذلك أي َ‬
‫َ َ ُ ْ َ َ َ ُ ْ َّ َ ٰ َ َ َ َ ُ ْ‬
‫غير موضعها‪﴿ ،‬فإِن تابوا وأقاموا ٱلصلوة وءاتوا‬
‫ورةُ‬ ‫ِيم﴾ ُس َ‬ ‫ٱلل َغ ُفور‪َّ ٞ‬رح ‪ٞ‬‬ ‫َّ َ ٰ َ َ َ‬
‫خ ُّلوا ْ َسبيلَ ُه ۡم إ َّن َّ َ‬
‫ِ ۚ ِ‬ ‫ٱلزكوة ف‬
‫الت ۡو َب ِة ‪ ،٥‬فتوهموا وأوهموا فقالوا إن هذه األية‬ ‫َّ‬

‫في المرتد‪ ،‬وإنها دليل على أن من لم يتب ال يخلى‬


‫سبيله‪ ،‬فوضعوا حدًّا للمرتد بأن يستتاب‪ ،‬فإن تاب‬
‫اخت ُ ِلقوا حدا للقتل ليس‬ ‫ُخ ِلي سبيله‪ ،‬وإالّ يقتل‪ ،‬فَ ْ‬
‫سمي ح ّد الردة ليستقيم لهم‬ ‫في كتاب الله تعالى‪ ،‬و ُ‬
‫حديث ظني الثبوت (من بدّل دينه فاقتلوه)‪ .‬مع أن‬
‫كالم الله تعالى صريح في آيات الكتاب بأن الدين‬
‫اختيار ال إكراه‪ ،‬بل هناك آيات كثيرة في الكتاب‬
‫عن الردة‪ ،‬ولَ ْم يذكر فيها عقوبة دنيوية‪ ،‬وإنما‬
‫ََ ْ ُ‬ ‫ْ ُ‬
‫ِين َء َام ُنوا ث َّم كف ُروا ث َّم‬ ‫عقوبات أخروية ﴿إ َّن ٱلَّذ َ‬
‫ِ‬
‫ٱللُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ُ ْ ُ َّ َ َ ُ ْ ُ َّ ۡ َ ُ ْ ُ ۡ ٗ َّ ۡ َ ُ‬
‫ءامنوا ثم كفروا ثم ٱزدادوا كفرا لم يك ِن‬
‫ۡ َ ُ ۡ َ َ ۡ َ ُ ۡ َ َۢ‬
‫ل َِيغفِ َر لهم ولا ل َِيهدِيهم سبِيلا﴾ سورة‬
‫ُ َُ ّ‬
‫الن ِ َسا ِء ‪١٣٧‬‬
‫ََُ ۡ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ۡ‬
‫ت َوه َو كاف ‪ِٞ‬ر‬ ‫﴿و َمن يَ ۡرتدِد مِنك ۡم َعن دِينِهِۦ فيم‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫َ ِ َ ْ َ ٰٓ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َُْ َ َ َ َ ۡ ۡ َُٰ‬
‫فأو ٰٓلئِك حبِطت أعملهم فِي ٱلدنيا وٱٓأۡلخِرةۖوأولئِك‬
‫َ‬ ‫ُ َُ ََ‬ ‫َ ۡ َ ٰ ُ َّ ُ ۡ َ َ ٰ ُ َ‬
‫أصحب ٱلنارِۖ هم فِيها خل ِدون﴾ سورة البقرة ِ ‪٢١٧‬‬

‫‪194‬‬
‫هــذا باإلضافــة إلــى أن هنــاك روايــات كثُيــرة عــن الذين‬
‫ارتــدوا زمــن النبــي‪ -‬صلــى اللــه تعالــى عليــه وســلم‪-‬‬
‫ولــم يقــم عليهــم ح ـ ّد ردة‪ ،‬وهــذه الروايــات معارضــة‬
‫لروايــة (مــن ب ـدّل دينــه فاقتلــوه)‪ ،‬فعــدم التفريــق بيــن‬
‫قتــال المرتديــن المحاربيــن‪ ،‬والمرت ـ ّد غيــر المحــارب‬
‫ـرف‬ ‫(الــردّة الفرديــة الفكريــة) جعــل أهــل التشـدّد والتطـ ّ‬
‫يقدمــون روايــة واحــدة ظنيــة علــى صريــح آيــات‬
‫الكتــاب‪ ،‬وتجاهلــوا الروايــات واألحاديــث المعارضــة‬
‫لروايتهــم‪.‬‬
‫النــص أكثــر ممــا يحتمــل ظاهــره ليتفــق مــع‬ ‫ّ‬ ‫تحميــل‬
‫الروايــات واألحاديــث لتوافــق مــراد اللــه تعالى‪ ،‬حســب‬
‫زعمهــم‪ ،‬كمــا أشــرنا ســابقا ً فــي تحريمهــم الموســيقى‪،‬‬
‫واالختــاط‪ ،‬ووجــوب تغطيــة الوجه بروايــات وأحاديث‬
‫وجعلهــا ال َح َكــم علــى مــا بينــت آيــات الكتــاب‪ ،‬وصــرف‬
‫ظاهــر اآليــات ليوافــق الروايــات واألحاديــث التــي‬
‫يختارونهــا‪ ،‬مــع أنهــا معارضــة بروايــات وأحاديــث‬
‫أخــرى ظنيّــة مثلهــا وأقــرب مثــال‪:‬‬
‫ُ َّ‬ ‫َۡ ۡ‬ ‫َ َۡ َ‬
‫ضل َعن‬ ‫اس من يشت ِري له َو ٱلحَد ِ‬
‫ِيث ل ِي ِ‬ ‫﴿وم َِن َّ‬
‫ٱلن ِ‬ ‫َ‬
‫ۡ َ َ َّ َ َ ُ ُ ً ُ ْ َ ٰٓ َ‬
‫ك ل َ ُهمۡ‬ ‫َّ َ ۡ‬ ‫َ‬
‫خذها هزواۚ أولئ ِ‬ ‫يل ٱللِ بِغي ِر عِل ٖم ويت ِ‬
‫سب ِ ِ‬
‫اب ُّمه ‪ٞ‬‬ ‫َع َذ ‪ٞ‬‬
‫ين﴾‬ ‫ِ‬
‫ُ َُ ُۡ َ َ‬
‫ان ‪٦‬‬ ‫سورة لقم‬

‫‪195‬‬
‫ـص يدل علــى تحريــم الموســيقى واألغاني‪،‬‬ ‫ليــس فــي اآليــة نـ ٌّ‬
‫لكنهــم حملــوه علــى الروايــات واألحاديــث‪ ،‬فقالــوا إن اآليــة‬
‫فــي الموســيقى واألغانــي وإن ابــن مســعود أقســم علــى ذلــك‪،‬‬
‫بينمــا اآليــة وحســب الروايــات نزلــت فــي الشــعر‪ ،‬مــع العلــم‬
‫أن الروايــات واألحاديــث متعارضــة بيــن التحريــم واإلباحــة‪،‬‬
‫لــذا اختلفــت األقــوال واآلراء فــي الموســيقى واألغانــي‪.‬‬

‫وكذلــك حملــوا آيــات الحجــاب‪ ،‬وقــرار النســاء فــي البيــت مــا‬


‫ال تحتمــل‪ ،‬وقالــوا بتحريــم االختــاط‪ ،‬وتأولــوا ذلــك بروايــة‬
‫صــص للنســاء فــي المســجد‬ ‫ـن حافــة الطريــق)‪ ،‬وبأنــه خ ّ‬ ‫(لَ ُكـ ْ‬
‫ـاب‪.‬‬
‫بـ ٌ‬

‫وكــذا روايــة (خيــر صفــوف الرجــال أولهــا وخيــر صفــوف‬


‫النســاء آخرهــا)‪ :‬ألنهــم يصلّــون مــع بعــض‪ ،‬ولــم ينظــروا‬
‫للروايــات المعارضــة لروايتهــم‪ ،‬بــل لــم ينتبهــوا لروايتهــم‬
‫أن الصــاة كانــت مختلطــة‪ ،‬وإال مــا فائــدة أن تكــون خيــر‬ ‫ّ‬
‫صفــوف الرجــال أولهــا‪ ،‬وخيــر صفــوف النســاء آخرهــا‪.‬‬

‫تــرك علــى‬
‫تحــرم االختــاط‪ ،‬بــل ِ‬
‫ّ‬ ‫و ال يوجــد آيــة واحــدة‬
‫الفطــرة‪ ،‬وبقــي علــى األصــل وهــو اإلباحــة‪ ،‬بــل هنــاك‬
‫آيــات توحــي بجــواز االختــاط وهــي أولــى مــن الروايــات‬
‫واألحاديــث‪ ،‬فلنتأمــل ونتدبــر مــن يجــوز لهــم األكل جميعــا‬
‫أو أشــتاتًا‪ ،‬فــي كالم اللــه تعالــى‪:‬‬

‫‪196‬‬
‫َ َ ‪ََ ََ ٞ‬‬ ‫َ‬ ‫َّ ۡ َ َ َ ۡ َ ۡ َ ٰ َ َ ‪ۡ َ ۡ َ َ َ َ ٞ‬‬
‫﴿ليس على ٱلأعمـى حرج ولا على ٱلأعر ِج حرج ولا على‬
‫ِكمۡ‬ ‫ُ ۡ َ َۡ ُ ُ ْ ۢ ُُ ُ‬ ‫َ َ ‪ُ َ ٰٓ َ َ َ َ ٞ‬‬ ‫ۡ‬
‫يض حرج ولا على أنفسِكم أن تأكلوا ِمن بيوت‬ ‫ِ‬ ‫ٱل َم ِر‬
‫ُ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ َّ َ ُ ۡ َ‬ ‫َ َٓ ُ ۡ َ‬ ‫َ‬
‫وت إِخ َوٰن ِك ۡم أ ۡو‬ ‫ُ‬
‫ي‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫ۡ‬
‫و‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ت‬‫ٰ‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫وت‬ ‫ُ‬
‫ي‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫ۡ‬
‫و‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ئ‬ ‫ا‬ ‫اب‬ ‫ء‬ ‫وت‬ ‫ُ‬
‫ي‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫و‬ ‫ۡ‬ ‫أ‬
‫َ ِ َ َ ِ ُ ۡ َ ۡ ُ ُ ِ َ ۡ َ ِ ُ ۡ َ ۡ ُ ُ ِ َ َّ ُ ۡ َۡ‬
‫وت عمٰتِكم أو‬ ‫ِ‬ ‫وت أعم ٰ ِمكم أو بي‬ ‫ِ‬ ‫وت أخوٰت ِكم أو بي‬ ‫ِ‬ ‫ُب ُي‬
‫اتحَ ُه ٓۥ أَوۡ‬ ‫َ ٰ َ ٰ ُ ۡ َ ۡ َ َ َ ۡ ُ َّ َ‬
‫وت خلتِكم أو ما ملكتم مف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َۡ ُ ۡ َ‬
‫وت أخوٰل ِكم أو بي‬ ‫ِ‬ ‫ُب ُي‬
‫ُ ۡ َۡ َ َ َۡ ُ ۡ ُ َ ٌ َ َۡ ُ ُ ْ َ ً َۡ َ ۡ َ ٗ‬
‫َصدِيقِك ۚم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جمِيعا أو أشتاتا ۚ‬
‫َّ‬ ‫ُ َ ٗ‬ ‫ٗ َ ّ ْ َ َ ُ‬ ‫َ َ َ َ ۡ‬
‫فإِذا دخل ُتم ُب ُيوتا ف َسل ُِموا عَل ٰٓى أنفسِك ۡم ت ِح َّية ّم ِۡن عِن ِد ٱللِ‬
‫ُ َ ٰ َ َ ٗ َ ّ َ ٗ َ َ ٰ َ ُ َ ّ ُ َّ ُ َ ُ ُ َ ٰ َ َّ ُ َ ُ َ‬
‫ت ل َعلك ۡم ت ۡعقِلون﴾‬ ‫مبركة طيِبة ۚ كذل ِك يبيِن ٱلل لكم ٱٓأۡلي ِ‬
‫ُ َ ُ ُّ‬
‫ور ‪٦١‬‬
‫سورة الن ِ‬
‫نشــير هنــا إلــى التشــابه بيــن اعتمــاد أهــل الكتــاب علــى تفاســير‬
‫األحبــار والرهبــان ورواياتهــم وتــرك األصــل الــذي هــو كتــب‬
‫اللــه تعالــى لهــم‪ ،‬فتشــابهت للمســلمين مشــناة كمشــناة يهــود‪،‬‬
‫(مشــناه بالعبريــة המשנה) كلمــة عبريــة مشــتقة مــن الفعــل‬
‫العبــري "ِنّــاه" ومعناهــا بالعربيــة (يُثنٌّــي أو يكــرر) وأصبــح‬
‫معناهــا (يــدرس)‪ ،‬ثــم أصبحــت الكلمــة تشــير بشــكل محــدد‬
‫إلــى دراســة الشــريعة الشــفوية‪ ،‬وهــي أول مــا ألــف فــي التوراة‬
‫الشــفهية‪ ،‬وتتضمــن الشــرائع ومجموعــة واســعة مــن الشــروح‬
‫والتفاســير وأقــوال وشــروح األحبــار ورواياتهم وهو ما يســمى‬
‫التلمــود‪ ،‬وتتنــاول أســفار العهــد القديــم (التــوراة) وهنــاك آراء‬
‫مختلفــة حــول بدايــة صياغــة المشــنا‪ ،‬لكــن تــم االتفــاق علــى أن‬
‫تحريرهــا وصياغتهــا النهائيــة ت ّمــت فــي بدايــة القــرن الثالــث‪،‬‬
‫بواســطة الرابــي يهــودا الناســي وحكمــاء جيلــه‪.‬‬
‫‪197‬‬
‫خاتمة‬
‫وفــي الختــام نشــير إلــى مــا ذكــره الســيوطي عــن تهــاوي‬
‫الروايــات واألحاديــث فــي ألفيتــه فــي بــاب روايــة األكابــر‬
‫عــن األصاغــر‪ ،‬والصحابــة عــن التابعيــن‪" ،‬وحيــث لــم‬
‫يســتطع أعــداء ديــن اللــه مــن كل أهــل ملــة وأهــل نحلــة‬
‫ومذهــب وطائفــة أن يضربــوا المســلمين فــي صميــم دينهــم‪،‬‬
‫ســوا إلــى أصولــه التــي قــام عليهــا‪ ،‬مــا يريــدون‬
‫وذلــك بــأن يد ّ‬
‫مــن أســاطير وخرافــات‪ ،‬وأوهــام وترهــات‪ ،‬لكــي تنتهــي‬
‫هــذه األصــول وتضعــف‪ .‬فلمــا عجــزوا عــن أن ينالــوا مــن‬
‫القــرآن الكريــم ألنــه قــد حفــظ بالتدويــن‪ ،‬واســتظهره آالف‬
‫مــن المســلمين‪ ،‬وأنــه قــد أصبــح بذلــك فــي منعــة مــن أن يــزاد‬
‫ـدس إليــه حــرف اتجهــوا إلــى التحديــث عــن‬ ‫فيــه كلمــة أو يـ ّ‬
‫النبــي (صلــى اللــه عليــه وآلــه وســلم)‪ ،‬فافتــروا مــا شــاءوا أن‬
‫يفتــروا عليــه"‪.‬‬
‫وبالتالــي فــإن الروايــات واألحاديــث بمــا فيهــا مــن الشــك‬
‫والتشــكيك وســوء الظــن‪ ،‬قــد أفســدت الغايــات ومقاصــد‬
‫وحولــت المظاهــر والشــكليات إلــى ديــن‪ ،‬وأهملــت‬‫ّ‬ ‫الديــن‪،‬‬
‫حقــوق اإلنســان والسياســة والحكــم – وجعلــت لحريــة الديــن‬
‫والفكــر والــرأي‪ ،‬حـدّا شــرعيًا‪ ،‬متجــاوزة لــروح اإلســام فــي‬
‫ســماحته ويســره والتــي أرى حســن الختــام باآليــات الدالــة‬
‫علــى ذلــك‪:‬‬
‫‪198‬‬
‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ُ ُ َّ ُ ُ ُ ُ ۡ َ َ ُ ُ ُ‬ ‫ۡ‬
‫ك ُم ٱل ُع ۡس َر﴾‬ ‫﴿ي ِريد ٱلل بِكم ٱليسر ولا ي ِريد ب ِ‬
‫ُ‬
‫ُس َورة َالب َق َرِة ‪١٨٥‬‬
‫ٓ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫﴿ َوأ َّما َم ۡن َء َام َن َو َع ِم َل َصٰل ِٗحا فَل ُهۥ َج َزا ًء ٱلحُ ۡس َنىٰۖ‬
‫ٗ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ُ ُ َُ ۡ َۡ َ‬
‫وسنقول لهۥ مِن أمرِنا يسرا﴾‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُس َورة الك ۡه ِف ‪٨٨‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َۡ‬
‫﴿ َو َمن َي َّتق َّ َ‬
‫ٱلل يج َعل ل ُهۥ م ِۡن أ ۡم ِره ِۦ ي ُ ۡس ٗرا﴾‬ ‫ِ‬
‫ُ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الطل ِق ‪٤‬‬ ‫سورة‬

‫ُ‬
‫ٱلل نف ًسا إلا َما َءاتَى ٰ َها ۚ َس َي ۡج َعل َّ ُ‬ ‫ٓ‬ ‫َّ‬
‫﴿لا يُكل ِف َّ ُ‬ ‫َۡ‬ ‫َُّ‬ ‫َ‬
‫ٱلل َب ۡع َد ُع ۡس ٖر ي ُ ۡس ٗرا﴾‬ ‫ِ‬
‫ُ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الطل ِق ‪٧‬‬ ‫سورة‬

‫ََ ََ َ َ َ َ َ‬ ‫َٓ َ َٰ َ‬
‫ك َّ ُ‬
‫يبك م َِن‬ ‫ٱلل َّ‬
‫ٱلد َار ٱٓأۡلخِرة ۖ ولا تنس ن ِص‬ ‫﴿ َو ۡٱب َتغِ فِيما ءاتى‬
‫َ َ ٓ َ ۡ َ َ َّ ُ َ ۡ َ َ َ َ ۡ ۡ َ َ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُّ ۡ َ َ َ‬
‫ٱلدنياۖ وأحسِن كما أحسن ٱلل إِليك ۖ ولا تبغِ ٱلفساد فِي‬
‫َّ َّ َ َ ُ ُّ ۡ ۡ‬ ‫َۡ‬
‫ِين﴾‬ ‫ب ٱل ُمف ِ‬
‫سد َ‬ ‫ۡرض إِن ٱلل لا ي ِح‬‫ِ‬
‫ٱل ۖ‬ ‫أ‬
‫ُ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ص ‪٧٧‬‬
‫سورة القص ِ‬

‫‪199‬‬
‫صلَّــى الل ـهُ عليــه وســلَّ َم‬ ‫وصــدق َرســو ِل اللَّ ـ ِه َ‬
‫فــي حديثــه حيــن "جــاءه رجــل ِمــن أ ْهـ ِل ن َْجـ ٍد‬
‫ول يُ ْفقَـهُ مــا‬ ‫ص ْوتِـ ِه َ‬ ‫ي َ‬ ‫ـرأْ ِس‪ ،‬يُ ْسـ َم ُع َد ِو ُّ‬ ‫ـر الـ َّ‬ ‫ثَائِـ َ‬
‫ع ِن اإل ْسـ َـا ِم‪،‬‬ ‫يقــولُ‪ ،‬حتَّــى َدنَــا‪ ،‬فَـإِ َذا هو يَ ْســأ َ ُل َ‬
‫صلَّــى اللــهُ عليــه وســلّم‪،‬‬ ‫فَقــا َل َرســو ُل اللَّــ ِه َ‬
‫ـل‬ ‫ـوم واللَّ ْيلَـ ِة‪ .‬فَقــا َل‪ ،‬هـ ْ‬ ‫ت فــي اليَـ ِ‬ ‫صلَـ َـوا ٍ‬ ‫ـس َ‬ ‫خ َْمـ ُ‬
‫ع‪ .‬قــا َل‬ ‫ــو َ‬
‫ط َّ‬ ‫غي ُْرهَــا؟ قــا َل َل‪ ،‬إلَّ ْ‬
‫أن ت َ َ‬ ‫ي َ‬ ‫علَــ َّ‬ ‫َ‬
‫وصيَــا ُم‬ ‫صلَّــى الل ـهُ عليــه وســلَّ َم‪ِ :‬‬ ‫َرســو ُل اللَّـ ِه َ‬
‫ـرهُ؟ قــا َل‪َ :‬ل‪ ،‬إلَّ‬ ‫ي َ‬
‫غ ْيـ ُ‬ ‫علَـ َّ‬ ‫ـل َ‬ ‫ضــانَ ‪ .‬قــا َل‪ ،‬هـ ْ‬ ‫َر َم َ‬
‫صلَّــى‬ ‫ـر لــه َرســو ُل اللَّـ ِه َ‬ ‫ع‪ .‬قــا َل و َذ َكـ َ‬ ‫أن ت َ َ‬
‫طـ َّـو َ‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫علَــ َّ‬ ‫ْ‬
‫هــل َ‬ ‫الــز َكاة َ‪ ،‬قــا َل‪،‬‬ ‫اللــهُ عليــه وســلَّ َم َّ‬
‫ـر‬ ‫ع‪ .‬قــا َل‪ ،‬فأ ْدبَـ َ‬ ‫طـ َّـو َ‬ ‫أن ت َ َ‬ ‫غي ُْر َهــا؟ قــا َل‪َ ،‬ل‪ ،‬إلَّ ْ‬ ‫َ‬
‫الر ُجـ ُل وهــو يقــولُ‪ ،‬واللَّـ ِه ال ِأزيـ ُد علَــى هــذا‬ ‫َّ‬
‫صلَّــى اللـهُ عليــه‬ ‫ـص‪ ،‬قــا َل َرســو ُل اللَّـ ِه َ‬ ‫ول أ ْنقُـ ُ‬ ‫َ‬
‫ص ـ َدقَ ‪".‬‬ ‫إن َ‬ ‫وســلَّ َم‪ :‬أ ْفلَ ـ َح ْ‬

‫الــراوي‪ :‬طلحــة بــن عبيداللــه المحــدث‪:‬‬


‫البخــاري المصــدر‪ :‬صحيــح البخــاري ‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫لله تعالى الحمد ال معبود إال هو‪،،،‬‬

‫الصرامي‬
‫د‪ .‬عبدالله ِ ّ‬

‫أسال الله تعالى القبول واألجر والثواب‬

‫‪201‬‬
‫نبذة عن المؤلف‬

‫عبدالله بن صالح بن عبدالرحمن‬


‫بن عبدالعزيز الصرامي‬
‫مواليد الرياض ‪ -‬المملكة العربية السعودية‬
‫عام ‪ 1383‬هجري ‪ 1963‬م‬

‫بريد إلكتروني‬
‫‪dr.alsaram@gmail.com‬‬

‫رقم جوال‬
‫‪966556227755‬‬

‫‪202‬‬
‫•خريج كلية الشريعة بالرياض جامعة اإلمام محمد بن سعود‬
‫اإلسالمية عام ‪ 1407‬هجري‬
‫•درجة الماجستير في الفقه المقارن من المعهد العالي للقضاء‬
‫بالرياض ‪ -‬جامعة اإلمام عام ‪ 1410‬هجري‬
‫•عمل في مجال االستشارات والمحاماة‪ ،‬وحضور الجلسات‬
‫والترافع في القضايا لدى المحاكم التابعة لوزارة العدل‪ ،‬بجميع‬
‫درجاتها‪ ،‬وفي ديوان المظالم‪ ،‬ومكاتب وهيئات الفصل في‬
‫المنازعات العمالية والتجارية‪ ،‬والمصرفية حتى عام ‪.1412‬‬
‫•التحق عام ‪ 1412‬هجري بالعمل األكاديمي بكلية الملك خالد‬
‫العسكرية محاضر‬
‫•‪ 29/4/‬هجري ابتعث للحصول على درجة الدكتوراة من‬
‫المعهد األعلى بجامعة الزيتونة بتونس في العلوم اإلسالمية‬
‫منجزا أطروحة دكتوراة في موضوع "مفردات المالكية في‬ ‫ً‬
‫كتاب المعامالت"‬
‫•تمت المناقشة في ‪ 20/11/1418‬هجري بتقدير مشرف جدًا‬
‫وتم معادلة الشهادة في ذات التخصص من وزارة التعليم العالي‬
‫بالقرار رقم ‪15/3/1419‬‬
‫•أستاذ مساعد في ‪ 27/4/1419‬هجري‬
‫•أستاذ مشارك ‪ 26/1/1427‬هجري‬
‫•عمل متعاونا في مجال االستشارات وصياغة العقود‪ ،‬والعمل‬
‫(عضو) في اللجان الثقافية والمجالس العلمية‪.‬‬
‫•ساهم في دورات في سرعة التعليم‪.‬‬
‫•تقاعد بنا ًءا لطلبه التقاعد المبكر بعد أن عمل لما يقارب ‪30‬‬
‫سنة في الحقل األكاديمي بكلية الملك خالد العسكرية‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫المؤلفات‬

‫•التمثيــل السياســي فــي ضــوء الفقــه المقــارن‬

‫•مفردات المالكية في المعامالت‬

‫•اإلنسان حقوق وحريات‬

‫•حقــوق اإلنســان االجتماعيــة مــن المنظــور‬


‫اإلسالمي واإلعالن العالمي‬

‫•العالقات اإلنسانية في اإلسالم‬

‫•الشريعة وأسباب االختالف‬

‫•شهادة القاذف في الفقه اإلسالمي‬

‫•العمليــات الجراحيــة التجميليــة فــي الفقــه‬


‫اإلسالمي‬

‫•حكــم الربــا بيــن المســلم وغيــر المســلم فــي‬


‫الفقه اإلسالمي‬

‫•حكم سجود التالوة للسامع‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫المحتويات‬
‫‪4‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪7‬‬ ‫تمهيد‬
‫‪7‬‬ ‫الحا�‬
‫ض ‬ ‫ض‬
‫الما� إىل‬ ‫استحضار‬ ‫السلفية‬
‫ي‬
‫ف‬
‫‪17‬‬ ‫ي� تعريف المصطلحات‬
‫‪17‬‬ ‫ً‬
‫تاريخيا‬ ‫الكالسيك المعروف‬ ‫حسب المنهج‬
‫ي‬ ‫ُّ‬
‫‪17‬‬ ‫السنة‬
‫‪19‬‬ ‫الحديث‬
‫‪19‬‬ ‫الخ�‬
‫ب‬
‫‪19‬‬ ‫األثر‬
‫‪20‬‬ ‫السند‬
‫‪20‬‬ ‫ت ن ‬
‫الم�‬
‫‪20‬‬ ‫الحديث المتواتر وحديث اآلحاد‬
‫‪21‬‬ ‫ظ‬
‫اللف�‬ ‫التواتر‬
‫ي‬
‫‪21‬‬ ‫التواتر المعنوي‬
‫‪22‬‬ ‫الكتابة‬
‫‪22‬‬ ‫التدوين‬
‫‪22‬‬ ‫التصنيف‬
‫‪23‬‬ ‫مظاهر وإشكاالت الروايات‬
‫ف‬
‫‪23‬‬ ‫ي� كتابة وجمع القرآن‬
‫‪24‬‬ ‫إشكاالت الجمع األول‬
‫ن‬
‫‪27‬‬ ‫إشكاالت الجمع ي‬
‫الثا�‬
‫‪29‬‬ ‫إشكاالت فروقات المصاحف‬
‫‪30‬‬ ‫الن� ﷺ‬
‫مصحف حفصة زوج ب ي‬
‫‪30‬‬ ‫عم� ث‬
‫اللي�‬ ‫مصحف عبيد بن ي‬
‫ي‬
‫‪31‬‬ ‫أ� رباح‬‫مصحف عطاء بن ب ي‬
‫‪31‬‬ ‫مصحف عكرمة‬
‫‪32‬‬ ‫جب�‬
‫مصحف سعيد بن ي‬
‫‪33‬‬ ‫شبهات نقص القرآن‬
‫‪33‬‬ ‫سورة األحزاب تعدل سورة البقرة‬

‫‪206‬‬
‫‪41‬‬ ‫رد الشبهات والروايات‬
‫‪41‬‬ ‫ن‬
‫اإلنسا� والثقة بالرقاع‬ ‫اإلله والخوف‬ ‫إشكالية الحفظ‬
‫ي‬ ‫يغ‬ ‫ظ‬
‫‪43‬‬ ‫والبال�‬
‫ي‬ ‫اللف�‬
‫ي‬ ‫اإلعجاز‬
‫‪44‬‬ ‫التواتر‬
‫‪45‬‬ ‫روايات قلقة‬
‫‪49‬‬ ‫ض الن� ﷺ دون أن ّ‬
‫يدون القرآن؟‬ ‫هل ق� ب ي‬
‫‪55‬‬ ‫تساؤالت‬
‫‪61‬‬ ‫المخطوطات تصدق القرآن وتدحض الروايات‬
‫‪61‬‬ ‫مخطوطة بر ي ن ‬
‫ل�‬
‫‪63‬‬ ‫مخطوطة لندن‬
‫‪64‬‬ ‫مخطوطات صنعاء‬
‫‪67‬‬ ‫اختالفات الفقهاء والمفرسين‬
‫‪67‬‬ ‫اختالف الفقهاء واتفاقهم‬
‫‪72‬‬ ‫دفع القرآن لغرائب الفتاوي‬
‫ف‬ ‫ث‬
‫‪74‬‬ ‫أك� مدة الحمل ي� القرآن‬
‫ف‬ ‫ّ‬
‫‪76‬‬ ‫أقل مدة الحمل ي� القرآن‬
‫ً‬
‫‪78‬‬ ‫الزوج ليس ملزما بعالج زوجه‬
‫ف‬
‫‪82‬‬ ‫المودة والرحمة ي� القرآن والعدل‬
‫‪83‬‬ ‫الب� حسب المذاهب األربعة‬ ‫أكل ش‬
‫‪88‬‬ ‫اختالفات المفرسين‬
‫‪90‬‬ ‫ال� بلغته االختالفات‬‫ت‬
‫آية واحدة تعكس المدى ي‬
‫‪93‬‬ ‫قول للفخر الرازي‬
‫‪94‬‬ ‫للط�ي‬
‫قول ب‬
‫‪96‬‬ ‫اختالف المفرسين أسبابه وآثاره‪:‬‬
‫‪98‬‬ ‫ربا� أم إرسائيليات كانت متداولة؟‬ ‫ن‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫علم ي‬
‫‪102‬‬ ‫بذل الجهد ي� االختالف ي� لون البقرة‬
‫ق‬
‫‪106‬‬ ‫أجمل وأر� اآليات جرى تشويــهها‬
‫‪109‬‬ ‫ترتيب السور واآليات‬
‫‪113‬‬ ‫أمثلة من القرآن الكريم‬
‫‪114‬‬ ‫ال�تيب‬‫من حيث ت‬
‫‪118‬‬ ‫والتأخ�‬
‫ي‬ ‫شبهات التقديم‬
‫‪119‬‬ ‫شبهات (خطأ النساخ)‬

‫‪207‬‬
‫‪119‬‬ ‫ئ‬
‫اإلمال�‬ ‫ن‬
‫العثما�‬ ‫ئ‬
‫اإلمال� المخالف للرسم‬ ‫الرسم‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫‪124‬‬ ‫إشكاالت (خطأ النساخ)‬
‫ف‬
‫‪124‬‬ ‫ي� النحو‬
‫‪132‬‬ ‫والخالصة‪:‬‬
‫‪133‬‬ ‫يقول ابن عاشور‪:‬‬
‫‪138‬‬ ‫م�وعة‬ ‫أسئلة ش‬

‫‪147‬‬ ‫إشكاالت كتابة الحديث وتدوينه‬


‫‪147‬‬ ‫ب� الحظر واإلباحة‬ ‫روايات ي ن‬
‫‪148‬‬ ‫أسباب الحظر‬
‫‪150‬‬ ‫نتائج حظر الحديث‬
‫‪150‬‬ ‫الكث� من األحاديث‬
‫ي‬ ‫ضياع‬
‫‪150‬‬ ‫ك�ة األحاديث الموضوعة‬ ‫ث‬
‫‪151‬‬ ‫انتشار اإلرس ّ‬
‫ائيليات‬
‫‪151‬‬ ‫رفع الحظر عن كتابة الحديث‬
‫‪153‬‬ ‫فصل المقال يب�ن السنة المتيقنة و(قيل وقال)‬
‫ّ‬ ‫ف‬
‫‪153‬‬ ‫ي� نقد المسلمات‬
‫‪160‬‬ ‫نشأة السنة‬
‫‪164‬‬ ‫أمثلة عىل دين المو�ت‬
‫‪166‬‬ ‫روايات متأرجحة‬
‫‪168‬‬ ‫ت‬
‫المو�‬ ‫اآلثار المحبطة لروايات‬
‫‪172‬‬ ‫ين‬
‫والمسلم�‬ ‫روايات التطرف والكراهية وأثرها عىل اإلسالم‬
‫‪179‬‬ ‫خالصات واستنتاجات‬
‫ّ‬
‫‪179‬‬ ‫السنة المتيقنة‪ :‬سماتها واختصاصاتها‬
‫‪181‬‬ ‫الصلوات‪:‬‬
‫‪186‬‬ ‫أنصبة الزكاة‬
‫‪187‬‬ ‫زكاة البهائم‪:‬‬
‫‪188‬‬ ‫زكاة الزرع‪:‬‬
‫‪191‬‬ ‫ّ‬
‫الداللة الظنية سماتها واختصاصاتها‬
‫‪198‬‬ ‫خاتمة‬
‫‪202‬‬ ‫نبذة عن المؤلف‬
‫‪205‬‬ ‫المؤلفات‬

‫‪208‬‬

You might also like