قراءة في عقيدة الشيخ محيي الدين ابن عربي الحاتمي - حوار

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 85

‫منشورات األصلين‬

‫قراءة في عقيدة الشيخ‬


‫محي الدين ابن عربي‬
‫الحاتمي‬

‫(حوار بعض الفضالء بمشاركة‬


‫األستاذ العالمة سعيد فودة حفظه الله)‬

‫أهل السنة والجماعة‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬وبعد‪.‬‬

‫فهذه محاورات ومناقشات علمية‪ ،‬جرت يف موقع منتدى األزهريين سنة ‪ 2010‬و‪ 2011‬ميالدية‪،‬‬
‫حول عقيدة الشيخ محي الدين ابن عربي الحاتمي‪ ،‬وكان البحث فيها مع شيخنا األستاذ سعيد فودة‬
‫حفظه اهلل تعالى‪.‬‬

‫وتمتاز هذه المحاورات والمناقشات بأهنا تجردت عن العصبية وكان الغرض منها البحث العلمي‬
‫للوصول إلى معرفة حقيقة ما يقال ويطرح بين الناس يف معتقد الشيخ محي الدين ابن عربي‪.‬‬

‫جمعت هذه النقاشات مع استبعاد بعض المشاركات الخارجة عن الموضوع‪ ،‬وبعض الكلمات‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫الهامشية الخارجة عن الموضوع‪ ،‬وتم ذكر اسم كاتب كل مشاركة قبل المشاركة‪.‬‬

‫والناظر يف هذا المجموع يالحظ كيف أن اختالف اآلراء والفهوم يف موضوع البحث كان مساوقا‬
‫ومصاحبا للصدق واإلخالص يف البحث‪ .‬كما أنك تالحظ أن الجميع يستمر يف كل مرة يف البحث‬
‫والتنقيب والتدقيق‪ .‬ولذلك فقد أخذت هذه المناقشات وقتا من الزمان‪ ،‬ولم تكن يف يوم وليلة‪ ،‬بل‬
‫كان يصحبها مراجعة وإعادة نظر‪ ،‬وهي بذلك ذات قيمة وفائدة للقراء‪.‬‬

‫جزى اهلل شيخنا األستاذ سعيد خير الجزاء‪ ،‬وبارك يف علمه وعمره‪ ،‬وجزى اهلل كل األخوة الذين‬
‫شاركوا يف الحوار والنقاش‪.‬‬

‫واهلل تعالى الموفق لكل خير‬


‫جالل الجهان‬

‫‪2‬‬
‫الفهرست‬
‫‪5‬‬ ‫الشيخ هاين الرضا يفتتح النقاش بنقل نصوص مشكلة عن ابن عربي‪:‬‬
‫‪19‬‬ ‫محمود بن سالم األزهري‪ :‬بعض األولياء فتح باب الطعن يف كالمه‪:‬‬
‫الشيخ نزار حمادي يناقش الشيخ هاين‪ ،‬ويقرر أهمية التحقق من نسبة الكالم والكتب للشيخ ابن‬
‫‪19‬‬ ‫عربي‪:‬‬
‫‪22‬‬ ‫وينكر الفصوص ؟‬
‫محمد محمد الحسني‪ :‬هل يؤول الفتوحات ُ‬
‫‪22‬‬ ‫أحمد الهاشمي يدعو للنقاش والبحث‪:‬‬
‫‪24‬‬ ‫علي الماتريدي يقرر دعوى الدس‪:‬‬
‫‪26‬‬ ‫الشيخ هاين الرضا يرد على مناقشة الشيخ نزار له‪:‬‬
‫‪31‬‬ ‫الشيخ نزار حمادي يرد على الشيخ هاين‪:‬‬
‫‪34‬‬ ‫علي الماتريدي يكمل تقرير دعوى الدس‪:‬‬
‫‪37‬‬ ‫األستاذ سعيد فودة يناقش دعوى الدس ويبين سقوطها‪:‬‬
‫‪40‬‬ ‫عبد الكريم الرازي يثني على بطالن دعوى الدس‪:‬‬
‫‪40‬‬ ‫الشيخ األزهري يدرأ تهمة الكفر عن ابن عربي‪:‬‬
‫رمضان أبو أحمد‪ :‬العقائد التي ذكر ابن عربي هي مراحل يف الطريق إلى اهلل‪ ،‬وابن عربي لن يستطيع‬
‫‪41‬‬ ‫أحد اإلحاطة بعلمه‪:‬‬
‫جر الحوار نحو تكفير ابن‬
‫األستاذ سعيد فودة‪ :‬المقصد إظهار الحق ومذهب أهل السنة‪ ،‬ويستنكر ّ‬
‫‪43‬‬ ‫عربي‪:‬‬
‫‪45‬‬ ‫علي الماتريدي‪ :‬تعليق على استنكار الشيخ سعيد‪:‬‬
‫‪47‬‬ ‫ونصه على أبدية العذاب‪:‬‬
‫الشيخ نزار حمادي يشير إلى تفسير ابن عربي ِّ‬

‫‪3‬‬
‫األستاذ سعيد فودة يناقش الشيخ نزار ويبين خالصة مذهب ابن عربي يف انقالب العذاب إلى‬
‫‪48‬‬ ‫عذوبة‪:‬‬
‫‪49‬‬ ‫الشيخ سعيد‪ :‬ضرورة التصريح ببطالن ما يف كتب ابن عربي‪:‬‬
‫‪50‬‬ ‫الشيخ نزار حمادي ينقل تأويل النابلسي يف المطالب الوفية لكالم ابن عربي‪:‬‬
‫‪53‬‬ ‫األستاذ سعيد فودة يناقش تأويل النابلسي لكالم ابن عربي يف الفصوص والمطالب‪:‬‬
‫الشيخ نزار حمادي يناقش الشيخ سعيد يف إمكان حمل مشكل كالم ابن عربي على محمل مقبول‬
‫‪56‬‬ ‫من تفسير ابن عربي‪:‬‬
‫األستاذ سعيد فودة يبطل تأويل النابلسي النقالب العذاب لعذوبة‪ ،‬ويؤكد على بطالن دعوى‬
‫‪58‬‬ ‫الدس‪:‬‬
‫‪62‬‬ ‫الدس‪:‬‬
‫األستاذ سعيد فودة يثبت باألدلة بطالن دعوى ّ‬
‫‪67‬‬ ‫ويقر بوجود اإلشكال يف كالم ابن عربي‪:‬‬
‫الشيخ نزار حمادي يثني على كالم الشيخ سعيد ّ‬
‫‪69‬‬ ‫األستاذ سعيد فودة يدعو الجميع للبحث‪:‬‬
‫‪71‬‬ ‫الشيخ األزهري‪ :‬يشكر المتباحثين‪:‬‬
‫علي الماتريدي‪ :‬يقترح نقال عن الشعراين يصلح معارضًا لما يف الفتوحات من انقالب العذاب إلى‬
‫‪72‬‬ ‫عذوبة‬
‫األستاذ سعيد فودة يثبت نسبة الفتوحات إلى الشيخ ابن عربي‪ ،‬وأن مذهب ابن عربي انقالب‬
‫‪74‬‬ ‫العذاب إلى عذوبة‪:‬‬
‫‪81‬‬ ‫علي الماتريدي‪ :‬احتمالية الدس ال تزال قائمة‪:‬‬
‫‪83‬‬ ‫األستاذ سعيد فودة يبين سقوط دعوى الدس وبطالنها‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫الشيخ هاين الرضا يفتتح النقاش بنقل نصوص مشكلة عن ابن عربي‪:‬‬

‫وضع سيدي أحمد الهاشمي مقاال يسأل فيه الشيخ األزهري رأيه يف عقيدة ابن عربي‬
‫تتلمذت على مشايخ يعظمون ابن عربي ويرون فيه الوالية الكربى‪ ،‬وقرأت عليهم‬
‫ُ‬ ‫الصويف‪ ،‬وقد‬
‫بعضا من فتوحاته‪ ،‬وتتلمذت أيضا يف المقابل على مشايخ يرون مروقه وخروجه عن جادة الحق‬
‫وعقائد األشاعرة‪ ،‬ولهؤالء سلف وألولئك سلف أيضا من السادة العلماء‪ ،‬فكما ال ينبغي أن نلغي‬
‫السيوطي وزكريا األنصاري وغيرهما من المدافعين عن ابن عربي المعتقدين واليته ال ينبغي بحال‬
‫ان نجرتأ على مثل العضد اإليجي والبقاعي وابن حجر العسقالن وغيرهم‪ ،‬ويطرأ على ذهني سؤال‬
‫يتكرر كلم ا قرأت كالم المدافعين عن الشيخ ابن عربي بنقل هذه العقيدة المرقومة أول الفتوحات‬
‫والتي نقلها األخ الهاشمي يف الرابط المشار إليه‪ ،‬والسؤال هو‪ :‬كيف نوفق بين هذا الكالم وبين ما‬
‫تاله من كالم بعده مباشرة‪ ،‬وهذا بعضه‪:‬‬

‫يقول ابن عربي بعد ما نقلته سيدي الهاشمي مباشرة‪:‬‬

‫(فهذه ‪ -‬أي ما تقدم مما نقله الهاشمي‪ -‬عقيدة العوام من أهل اإلسالم أهل التقليد وأهل‬
‫النظر ملخصة مختصرة‪ ،‬ثم أتلوها إن شاء اهلل بعقيدة الناشية الشادية ضمنتها اختصار االقتصاد أوجز‬
‫عبارة نبهت فيها على مآخذ األدلة لهذه الملة مسجعة األلفاظ وسميتها برسالة المعلوم من عقائد‬
‫أهل الرسوم‪ ،‬ليسهل على الطالب حفظها‪ ،‬ثم أتلوها بعقيدة خواص أهل اهلل من أهل طريق اهلل من‬
‫المحققين أهل الكشف والوجود وجردتها أيضا يف جزء آخر سميته المعرفة وبه انتهت مقدمة‬
‫الكتاب‪ ،‬وأما التصريح بعقيدة الخالصة فما أفردتها على التعيين لما فيها من الغموض‪ ،‬لكن جئت‬
‫بها م ّبددة يف أبواب هذا الكتاب مستوفاة مبينة‪ ،‬لكنها كما ذكرنا متفرقة‪ ،‬من رزقه اهلل الفهم فيها يعرف‬
‫أمرها ويميزها من غيرها‪ ،‬فإنه العلم الحق والقول الصدق وليس وراءها مرمى ويستوي فيها البصير‬

‫‪5‬‬
‫واألعمى‪ ،‬تلحق األباعد باألداين‪ ،‬وتلحم األسافل باألعالي‪ ،‬واهلل الموفق ال رب غير)‪ ،‬الفتوحات‬
‫المكية ‪.38/1‬‬

‫فهذا الكالم من ابن عربي هو مستند من يقول إن عقيدة الشيخ األكرب الحقيقية والتي هي‬
‫عقيدة الخالصة وأهل العلم الحق هي عقيدة وحدة الوجود الفلسفية ‪-‬والتي صرح هبا بشكل أكرب‬
‫وأوىف يف كتاب فصوص الحكم حسب قول هؤالء ‪ -‬سواء أكان القائل من أتباع ابن عربي من‬
‫الصوفية القائلين بوحدة الوجود أو من مكفري ابن عربي‪ ،‬فما قدّ م به ابن عربي كالمه هذا مما نقلته‬
‫سيدي الهاشمي وباعرتافه هو‪ ،‬هو فقط عقيدة عوام المسلمين التي تكفيهم لتحقيق اإلسالم‬
‫والنجاة‪ ،‬أما عقيدة الخاصة فهي شيء آخر‪ ،‬وعقيدة خاصة الخاصة ‪-‬الخالصة‪ -‬أمر آخر تماما‪،‬‬
‫وهي لشدة غموضها تحاشى أن يخطها مفردة ولكنه بددها ووزعها بين ثنايا سطوره وأحرف كلماته‬
‫التي رقمه يف سفر الفتوحات الضخم‪.‬‬

‫هذا باإلضافة إلى ما صرح به ابن عربي بعد هذا الموضع من مخالفة لعقيدة أهل السنة‬
‫األشاعرة وترجيحه لعقائد المعتزلة يف عدة مسائل‪ ،‬وذلك بعد أن ذكر يف فصل (وصل الناشي‬
‫والشادي يف العقائد) تفصيل عقيدة األشعرية‪ ،‬فجعل عقائد األشاعرة يف القول بالكسب وزيادة‬
‫المعان على الذات مع قيامها بالذات ومنع قيام الحوادث بذاته سبحانه ونفي الصالح واألصلح‬
‫ونفي التحسين والتقبيح دون عقائد الخاصة المستفادة عنده من الكشف والتي تتضمن خليطا من‬
‫عقائد المعتزلة واألشاعرة والفالسفة‪ ،‬فبعد ذكره عقائد األشاعرة يف هذا الفصل التالي لذكره عقائد‬
‫العوام أفرد فصال ثالثا عنون له (وصل يف اعتقاد أهل االختصاص من أهل اهلل بين نظر وكشف)‪ ،‬ثم‬
‫قال فيه مبيـن ا عقيدته يف هذه الحال التي هي حال أهل االختصاص والتي هي أرفع درجة من حال‬
‫الناشي والشادي السابقة‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫(مسألة‪ :‬فأقول بما أعطاه الكشف االعتصامي (أن اهلل كان وال شيء معه) إلى هنا انتهى لفظه‬
‫عليه السالم وما أتى بعد هذا فهو مدرج فيه وهو قولهم (وهو اآلن على ما عليه كان)‪ ،‬يريدون يف‬
‫الحكم‪ ،‬فاآلن وكان أمران عائدان علينا إذ بنا ظهرا وأمثالهما‪ ،‬وقد انتفت المناسبة والمقول عليه‬
‫اإللهي للذات إنما‬
‫ّ‬ ‫(كان اهلل وال شيء معه) إنما هو األلوهة ال الذات‪ ،‬وكل حكم يثبت يف باب العلم‬
‫هو لأللوهية وهي أحكام نسب وإضافات وسلوب فالكثرة يف النسب ال يف العين وهنا زلت أقدام من‬
‫شرك بين من يقبل التشبيه وبين من ال يقبله عند كالمهم يف الصفات‪ ،‬واعتمدوا يف ذلك على األمور‬
‫ّ‬
‫الجامعة التي هي الدليل والحقيقة والعلة والشرط وحكموا بها غائبًا وشاهد ًا فأما شاهد ًا فقد يسلم‬
‫وأما غائبًا فغير مسلم)‪.‬اهـ الفتوحات المكية ‪.41/1‬‬

‫وهذه معتزلية من الشيخ‪ ،‬فإن األشاعرة يثبتون صفات اهلل سبحانه‪ ،‬ويثبتون وجودها‬
‫وزيادهتا يف الوجود على الذات بقياس الغائب على الشاهد الذي يصححونه يف الدليل والحقيقة‬
‫والعلة والشرط (راجع أبكار األفكار لآلمدي وشرح الجزائرية للسنوسي وشرح المواقف‬
‫والمقاصد)‪ ،‬بينما المعتزلة هم من ينفي زيادة الصفات ووجودها ويبطلون قياس الغائب على‬
‫الشاهد بجامع العلة والدليل والحقيقة والشرط‪ ،‬فهذه واحدة يجعل فيها الشيخ عقائد المعتزلة أرفع‬
‫درجة من عقيدة أهل السنة‪ .‬وهو ينسب معرفة هذه العقيدة إلى كشفه (االعتصامي)‪ ،‬بينما المعتزلة‬
‫وقعت لهم وصحت من جهة النظر العقلي‪.‬‬

‫ويف ما صرح به مشكلة أخرى وهي أن الكشف عنده حاكم مصحح للعقائد معرف هبا‪،‬‬
‫وهذا باطل دون شك (راجع ما نقله السنوسي عن ابن عربي المالكي يف أم الرباهين يف شأن من يزعم‬
‫معرفة اهلل من غير دليل العقل والشرع)‪ ،‬فهذه واحدة!!‬

‫‪7‬‬
‫ثم يقول الشيخ‪( :‬مسألة‪ :‬لو صح الفعل من الممكن لصح أن يكون قادر ًا وال فعل له فال‬
‫قدرة له فإثبات القدرة للممكن دعوى بال برهان وكالمنا يف هذا الفصل مع األشاعرة المثبتين لها مع‬
‫نفي الفعل عنها) الفتوحات ‪.42/1‬‬

‫ومعنى كالمه أنه ال يصح أن يقال أن للعبد قدرة لما أن الممكن (العبد) ال فعل له عنده كما‬
‫سبق وبينه قبل هذا عند كالمه عن الجرب‪ ،‬فكالم األشاعرة المثبتين للقدرة الحادثة التي يخلق اهلل‬
‫الفعل عند تعلقها به مع تعطيلهم له عن الفعل متناقض عند ابن عربي ال يقوم‪ ،‬وهو كنسبة القدرة‬
‫والالقدرة لذات واحدة أي جمع النقيضين وهو محال‪.‬‬

‫ثم يقول الشيخ‪( :‬مسألة‪ :‬ال يصدر عن الواحد من كل وجه إال واحد‪ ،‬وهل ثم من هو على‬
‫هذا الوصف أم ال يف ذلك نظر للمنصف أال ترى األشاعرة ما جعلوا اإليجاد للحق إال من كونه قادر ًا‬
‫واالختصاص من كونه مريد ًا واألحكام من كونه عالمًا وكون الشيء مريد ًا ما هو عين كونه قادر ًا‬
‫فليس قولهم بعد هذا إنه واحد من كل وجه صحيحًا يف التعلق العام وكيف وهم مثبتو الصفات زائدة‬
‫على الذات قائمة به تعالى‪ ،‬وهكذا القائلون بالنسب واإلضافات وكل فرقة من الفرق ما تخلصت‬
‫لهم الوحدة من جميع الوجوه إال أنهم بين ملزم من مذهبه القول بعدمها وبين قائل بها‪ ،‬فإثبات‬
‫الوحدانية إنما ذلك يف األلوهية أي ال إله إال هو وذلك صحيح مدلول عليه] ‪42/1‬‬

‫وهذه فلسفية من الشيخ‪ ،‬فهو يقول إن قول األشاعرة بالقدرة واالختيار والتخصيص والعلم‬
‫نفي للوحدة وقول بالتكثر‪ ،‬وأن ذلك ينايف القانون الذي صدر به‪ ،‬وهو أنه ال يصدر عن الواحد من‬
‫كل وجه إال واحد‪ ،‬وهو لفساد مقدمته وقانونه الذي صدر به فسدت نتيجته! وقانونه هذا غير مسلم‪،‬‬
‫وهو قول الفالسفة ال قول أهل الحق‪ ،‬وبه فسروا خلق العالم بنظرية العقول واألفالك‪ ،‬وانظر نقضه‬
‫يف المطالب العالية يف العلم اإللهي لإلمام الرازي‪ ،‬وأبكار األفكار للسيف اآلمدي والمواقف للعضد‬
‫اإليجي ونهاية اإلقدام للشهرستان‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ثم يقول الشيخ مصرحًا بمخالفته مذهب السادة األشاعرة أعلى اهلل منارهم‪( :‬مسألة‪ :‬كون‬
‫الباري عالمًا حيًا قادر ًا إلى سائر الصفات نسب وإضافات له ال أعيان زائدة لما يؤدي إلى نعتها‬
‫بالنقص إذ الكامل بالزائد ناقص بالذات عن كماله بالزائد وهو كامل لذاته فالزائد بالذات على الذات‬
‫محال وبالنسب واإلضافة ليس بمحال وأما قول القائل ال هي هو وال هي أغيار له فكالم يف غاية البعد‬
‫فإنه قد دل صاحب هذا المذهب على إثبات الزائد وهو الغير بال شك إال أنه أنكر هذا اإلطالق ال‬
‫غير ثم تحكم يف الحد بأن قال الغيران هما اللذان يجوز مفارقة أحدهما اآلخر مكانًا وزمانًا ووجود ًا‬
‫وعدمًا وليس هذا بحد للغيرين عند جميع العلماء به) ‪.42/1‬‬

‫وهذه معتزلية من الشيخ!!ويف كالمه نفي زيادة وجود الصفات على وجود الذات بحجة أن‬
‫اثبات زيادة وجودها على وجود الذات مؤد إلى النقص يف حقه سبحانه ألن الكامل بغيره ناقص‬
‫دون ذلك الغير‪ ،‬ثم يتبع ذلك بتضعيف قول اإلمام األشعري وسائر األشاعرة من بعده أن صفات‬
‫اهلل ال هي عين ذاته وال غير ذاته‪ ،‬ويختم بوصف اإلمام األشعري قدس اهلل سره بالتحكم واالتيان‬
‫بتعريف للغيرية من كيسه لم يقل به سواه مع اختالل حده!!‬

‫وكالمه ههنا واضح ال يحتاج كثير تعليق‪ ،‬وراجع كل كتب الكالم السنية للرد عليه‪.‬‬

‫ثم يقول الشيخ‪( :‬مسألة‪ :‬وصف العلم باإلحاطة للمعلومات يقضي بتناهيها والتناهي فيها‬
‫محال فاإلحاطة محال لكن يقال العلم محيط بحقيقة كل معلوم وإال فليس معلومًا بطريق اإلحاطة‬
‫فإنه من علم أمر ًا ما من وجه ما ال من جميع الوجوه فما أحاط به) ‪.43/1‬‬

‫وهذه فلسفية أخرى من الشيخ وهو يوافق فيها نفي الفالسفة اسرتسال علم اهلل على كل‬
‫الجزئيات‪ ،‬وهي مما كفر به الغزالي الفالسفة ومما نقم على إمام الحرمين يف كتابه الربهان مع جزمنا‬
‫أهنا زلة قلم لتكذيب بقية كتبه لها‪ ،‬وكأنه استفادها من كالم إمام الحرمين يف الربهان فليراجع‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ثم يقول الشيخ‪( :‬مسألة‪ :‬رؤية البصيرة علم ورؤية البصر طريق حصول علم فكون اإلله‬
‫بصيرا تعلق تفصيلي فهما حكمان للعلم ووقعت التثنية من أجل المتعلق الذي هو المسموع‬
‫ً‬ ‫سميعًا‬
‫والمبصر) ‪.43/1‬‬

‫وهذه معتزلية من الشيخ‪ ،‬فهو جعل صفتي السمع والبصر مجرد حكمين يحكم هبما على‬
‫العلم ‪ -‬والذي هو عنده تعلق الذات بالمعلوم دون إثبات صفة علم زائدة على الذات كما سيصرح‬
‫به فيما يلي ‪ -‬عند تعلقه بالمسموع مع اتحاد حقيقتهما وحقيقة العلم‪ ،‬وهذا مخالف لما قرره أهل‬
‫السنة من أن السمع والبصر صفتان مغايرتان يف حقيقتهما وتعلقاهتما للعلم وتعلقاته وإن قال بعضهم‬
‫أهنما نوعان من العلم إال أن األنواع تتغاير تحت الجنس الواحد كما هو معلوم‪ ،‬وليراجع حاشية‬
‫الدسوقي على السنوسي‪.‬‬

‫ثم يقول الشيخ‪( :‬مسألة‪ :‬دلت األشاعرة على حدوث كل ما سوى اهلل بحدوث المتحيزات‬
‫وحدوث أعراضها وهذا ال يصح حتى يقيموا الدليل على حصر كل ما سوى اهلل تعالى فيما ذكروه‬
‫ونحن نسلم حدوث ما ذكروا حدوثه) ‪.43/1‬‬

‫وهذه فلسفية من الشيخ ويف كالمه تضعيف استدالل األشاعرة على حدوث العالم‪،‬‬
‫فالفالسفة هم من لم يحصر العالم يف األعراض واألعيان وادعوا وجود غير متحيزات سوى اهلل عز‬
‫وجل‪ ،‬وكأن الشيخ يميل إلى قولهم وإن لم يصرح به هنا‪.‬‬

‫ثم يقول الشيخ‪( :‬مسألة‪ :‬كل موجود قائم بنفسه غير متحيز وهو ممكن ال تجري مع وجوده‬
‫األزمنة وال تطلبه األمكنة) ‪.43/1‬‬

‫وهذه فلسفية‪ ،‬وكأنه يقول بالجواهر المجردة المفارقة للمدة والمادة التي قال هبا الفالسفة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ثم يقول الشيخ‪( :‬مسألة‪ :‬داللة األشعري يف الممكن األول أنه يجوز تقدمه على زمان وجوده‬
‫وتأخره عنه والزمان عنده يف هذه المسألة مقدر ال موجود‪ ،‬فاالختصاص دليل على المخصص‪ ،‬فهذه‬
‫داللة فاسدة لعدم الزمان فبطل أن يكون هذا دليالً‪ ،‬فلو قال نسبة الممكنات إلى الوجود أو نسبة‬
‫الوجود إلى الممكنات نسبة واحدة من حيث ما هي نسبة ال من حيث ما هو ممكن‪ ،‬فاختصاص‬
‫بعض الممكنات بالوجود دون غيره من الممكنات دليل على أن لها مخصصًا فهذا هو عين حدوث‬
‫كل ما سوى اهلل) ‪.43/1‬‬

‫وهذه سوفسطائية من الشيخ‪ ،‬وكأن الشيخ يريد مخالفة األشعري لمجرد المخالفة‪ ،‬فإنه ما‬
‫فعل غير أن أعاد كالم األشعري بألفاظ أخرى‪ ،‬وال معنى الحتجاجه على فساد الداللة بعدم الزمان‬
‫مع إقراره أوال ان الزمان عند األشعري يف هذه المسألة ‪ -‬بل ويف غيرها ‪ -‬مقدر ال وجودي‪ ،‬فليتأمل‪.‬‬

‫ثم يقول الشيخ‪( :‬مسألة‪ :‬عجبت من طائفتين كبيرتين األشاعرة والمجسمة يف غلطهم يف‬
‫اللفظ المشترك كيف جعلوه للتشبيه وال يكون التشبيه إال بلفظة أمثل أو كاف الصفة بين األمرين يف‬
‫اللسان‪ ،‬وهذا عزيز الوجود يف كل ما جعاله تشبيهًا من آية أو خبر‪ ،‬ثم إن األشاعرة تخيلت أنها لما‬
‫تأولت قد خرجت من التشبيه وهي ما فارقته إال أنها انتقلت من التشبيه باألجسام إلى التشبيه بالمعاين‬
‫المحدثة المفارقة للنعوت القديمة يف الحقيقة والحد‪ ،‬فما انتقلوا من التشبيه بالمحدثات أصالً!! ولو‬
‫قلنا بقولهم لم نعدل مثالً من االستواء الذي هو االستقرار إلى االستواء الذي هو االستيالء كما عدلوا‬
‫وال سيما والعرش مذكور يف نسبة هذا االستواء ويبطل معنى االستيالء مع ذكر السرير ويستحيل‬
‫صرفه إلى معنى آخر ينايف االستقرار فكنت أقول إن التشبيه مثالً إنما وقع باالستواء واالستواء معنى‬
‫ال بالمستوى الذي هو الجسم واالستواء حقيقة معقولة معنوية تنسب إلى كل ذات بحسب ما تعطيه‬
‫حقيقة تلك الذات وال حاجة لنا إلى التكلف يف صرف االستواء عن ظاهره‪ ،‬فهذا غلط بين ال خفاء‬

‫‪11‬‬
‫به‪ ،‬وأما المجسمة فلم يكن ينبغي لهم أن يتجاوزوا باللفظ الوارد إلى أحد محتمالته مع إيمانهم‬
‫ووقوفهم مع قوله تعالى (ليس كمثله شيء))‪.44-43/1‬‬

‫فهذا فيه رمي األشاعرة بالتشبيه‪ ،‬وكأن الشيخ غفل عن أن السادة األشاعرة ال يحدون‬
‫صفات اهلل المشرتكة لفظا مع صفاتنا بذات حدود صفاتنا لما أهنم ال يحدون صفات اهلل أصال‪ ،‬وإنما‬
‫يعرفوهنا بالرسم‪ ،‬واالشرتاك يف التعريف بالرسم ال يوجب التشبيه أو االشرتاك يف المعان لعدم‬
‫التعريف بالذاتيات وإنما بالجنس والالزم‪ ،‬وليراجع شرح الصاوي على الجوهرة وكذا حاشية‬
‫البيجوري عليها‪.‬‬

‫فما رماهم به الشيخ منفي عنهم ابتداء لما أنم ال يحدون صفات هلل وال يزعمون معرفة‬
‫حقائق صفات اهلل ليحدوها وليتأمل!!‬

‫وفيه إلزام األشاعرة بأن نفي إرادة االستقرار عن لفظ االستواء يف قوله‪( :‬الرحمن على‬
‫العرش استوى) مستحيل!! وإلزامهم بما تلزمهم به الحشوية اليوم من أن معنى االستواء معلوم‬
‫ولكن الكيف مجهول؛ ألن صفة كل شيء تتبع موصوفها‪ ،‬فكذلك استواء اهلل استقرار يتبع موصوفه‬
‫فيستقر استقرارا يليق به إذ التشبيه يف المعنى ال يف الحقيقة والكيف التي تالئم كل موصوف بحسبه!!‬

‫ثم يقول الشيخ‪( :‬مسألة كما أنه تعالى لم يأمر بالفحشاء كذلك ال يريدها لكن قضاها‬
‫وقدرها‪ .‬بيان كونه ال يريدها ألن كونها فاحشة ليس عينها بل هو حكم اهلل فيها‪ ،‬وحكم اهلل يف األشياء‬
‫غير مخلوق‪ ،‬وما لم يجر عليه الخلق ال يكون مراد ًا فإن ألزمناه يف الطاعة التزمناه وقلنا‪ :‬اإلرادة للطاعة‬
‫ثبتت سمعًا ال عقالً‪ ،‬فأثبتوها يف الفحشاء ونحن قبلناها إيمانًا كما قبلنا وزن األعمال وصورها مع‬
‫كونها اعراضًا فال يقدح ذلك فيما ذهبنا إليه لما اقتضاه الدليل) ‪.44/1‬‬

‫الحكم هو تعلق الكالم القديم بالذوات واألفعال الحادثة طلبا أو تخييرا‪ ،‬والتع ّلق عدمي‬
‫وهذا صحيح‪ ،‬إال إنه متعلق بمدلول الكالم النفسي‪ ،‬والكالم النفسي متعلق بمتعلقات العلم تعلق‬
‫‪12‬‬
‫داللة‪ ،‬فالـ(فاحشة) دل الكالم النفسي على كوهنا فاحشة وفق العلم األزلي بكوهنا فاحشة ومدلول‬
‫الكالم النفسي يف شأهنا هو (ال تفعل) فقد هنى اهلل عنها‪ ،‬بينما العلم األزلي تعلق بوقوعها ممن وقعت‬
‫منه فتعلق العلم األزلي بوجودها فال بد أن توجد‪ ،‬وتعلق اإلرادة وفق تعلق العلم فما علم اهلل كونه‬
‫تعلقت اإلرادة بإيجاده والعكس صحيح‪ ،‬فلم يوجد الفعل الذي تعلق العلم بوجوده والذي تعلق‬
‫العلم بوصفه فاحشة ودل الكالم النفسي على ذلك الوصف إال بإرادة اهلل وقوعه موافقة للعلم!!‬

‫ومن هذا نرى أن ما سبق كالم ال فائدة منه من الشيخ‪ ،‬فإن المنازعة ليست يف وصف الفعل‬
‫بالفحش أو الرب وإنما يف ذات الفعل‪ ،‬فالزنا ما هو إال إيالج يف فرج محرم‪ ،‬فهل نقول أن ذات فعل‬
‫اإليالج غير مخلوق أو نقول أنه غير مراد هلل سبحانه!!‬

‫ثم إن قوله‪( :‬وقلنا اإلرادة للطاعة ثبتت سمعًا ال عقال) خاطئ‪ ،‬فإن عموم إرادة اهلل لكل‬
‫المخلوقات ثبتت بالعقل ال بالسمع‪ ،‬وإنما ثبت وف بعض المخلوقات بالطاعة وبعضها بالمعصية‬
‫من قبل الشرع والوصف غير اإلرادة كما قدم هو نفسه‪.‬‬

‫ثم قال الشيخ‪( :‬مسألة‪ :‬افتقار الممكن للواجب بالذات واالستغناء الذاتي للواجب دون‬
‫الممكن يسمى الها وتعلقها بنفسها وبحقائق كل محقق وجود ًا كان أو عدمًا يسمى علما تعلقها‬
‫بالممكنات من حيث ما هي الممكنات عليه يسمى اختيار ًا تعلقها بالممكن من حيث تقدم العلم قبل‬
‫كون الممكن يسمى مشيئة تعلقها بتخصيص أحد الجائزين للممكن على التعين يسمى إرادة تعلقها‬
‫بإيجاد الكون يسمى قدرة تعلقها بأسماع المكون لكونه يسمى أمر ًا وهو على نوعين بواسطة وبال‬
‫واسطة فبارتفاع الوسائط البد من نفوذ األمر وبالواسطة ال يلزم النفوذ وليس بأمر يف عين الحقيقة إذ‬
‫ال يقف ألمر اهلل شيء تعلقها بأسماع المكون لصرفه عن كونه أو كون ما يمكن أن يصدر منه يسمى‬
‫نهيا وصورته يف التقسيم صورة األمر تعلقها بتحصيل ما هي عليه هي أو غيرها من الكائنات أو ما يف‬
‫النفس يسمى أخبار ًا فإن تعلقت بالكون على طريق أي شيء يسمى استفهامًا فإن تعلقت به على‬

‫‪13‬‬
‫جهة النزول إليه بصيغة األمر يسمى دعاء ومن باب تعلق األمر إلى هذا يسمى كالمًا تعلقها بالكالم‬
‫من غير اشتراط العلم به يسمى سمعًا فإن تعلقت وتبع التعلق الفهم بالمسموع يسمى فهمًا تعلقها‬
‫بكيفية النور وما يحمله من المرئيات يسمى بصر ًا ورؤية تعلقها بإدراك كل مدرك الذي ال يصح تعلق‬
‫من هذه التعلقات كلها إال به يسمى حياة والعين يف ذلك كله واحدة تعددت التعلقات لحقائق‬
‫المتعلقات واألسماء للمسميات‪44/1 ].‬‬

‫هذه عقيدة الفالسفة و من قال من المعتزلة بقول أبي هذيل العالف الذي أخذه من فالسفة‬
‫اليونان حذو القذة بالقذة مع مخالفة المعتزلة يف شأن اإلرادة إذ قالت المعتزلة أن اهلل يريد بإرادة‬
‫حادثة ال يف ذاته‪.‬‬

‫ثم يقول الشيخ‪( :‬مسألة‪ :‬ال يمكن عندنا معرفة كيفية ما ينسب إلى الذوات من األحكام إال‬
‫ب عد معرفة الذوات المنسوبة والمنسوب إليها وحينئذ تعرف كيفية النسبة المخصوصة لتلك الذات‬
‫المخصوصة كاالستواء والمعية واليد والعين وغير ذلك) ‪.45/1‬‬

‫فيه إثبات الكيفية الستواء اهلل ومعيته ويده وعينه مع الجهل هبا وهو مخالف لقول السلف‬
‫"وال كيف وال معنى" والعتقاد أهل السنة أن ال كيف لذات اهلل أو صفاته‪.‬‬

‫ثم يقول الشيخ‪( :‬مسألة‪ :‬األعيان ال تنقلب والحقائق ال تتبدل فالنار تحرق بحقيقتها ال‬
‫بصورتها فقوله تعالى‪( :‬يا نار كوين برد ًا وسالمًا) خطاب للصورة وهي الجمرات وأجرام الجمرات‬
‫محرقة بالنار فلما قام لنار بها سميت نار ًا فتقبل البرد كما قبلت الحرارة) ‪45/1‬‬

‫إنما قصد أهل السنة بقولهم (حقائق األشياء ال تتبدل) األحكام العقلية‪ ،‬أي أن حقيقة‬
‫الممكن ال يمكن أن تنقلب واجبا أو مستحيال وكذا الواجب والمستحيل‪ ،‬أما أن تنقلب حقيقة النار‬
‫إلى غيرها من الممكنات فجائز وقوعه بل وقع كما يف عصا موسى التي انقلبت حية تسعى وجعل‬
‫ذلك من قبيل الصورة مبطل للمعجزة إذ ال فرق بين عصاه وبين عصي السحرة فتأمله!!‬
‫‪14‬‬
‫على أن أهل السنة أصال ال يقولون بالهيولي والصورة وهو ما قد يفهم من كالمه وإنما هو‬
‫األرسطيين دون غيرهم ممن قال بالجوهر والعرض من فالسفة اليونان‪.‬‬

‫ثم يقول الشيخ‪( :‬مسألة‪ :‬الحسن والقبح ذاتي للحسن والقبيح لكن منه ما يدرك حسنه‬
‫وقبحه بالنظر إلى كمال أو نقص أو غرض أو ماليمة طبع أو منافرته أو وضع ومنه ما ال يدرك قبحه‬
‫وال حسنه إال من جانب الحق الذي هو الشرع فنقول هذا قبيح وهذا حسن وهذا من الشرع خبر ال‬
‫حكم ولهذا نقول بشرط الزمان والحال والشخص وإنما شرطنا هذا من أجل من يقول يف القتل ابتداء‬
‫أو قود ًا أو حد أو يف إيالج الذكر يف الفرج سفاحًا ونكاحا فمن حيث هو إيالج واحد لسنا نقول‬
‫كذلك فإن الزمان مختلف ولوازم النكاح غير موجودة يف السفاح وزمان تحليل الشيء ليس زمان‬
‫تحريمه إن لو كان عين المحرم واحد ًا فالحركة من زيد يف زمان ما ليس هي الحركة منه يف الزمان‬
‫اآلخر وال الحركة التي من عمر وهي الحركة التي من زيد فالقبيح ال يكون حسنًا أبد ًا ألن تلك‬
‫الحركة الموصوفة بالحسن أو القبح ال تعود أبد ًا فقد علم الحق ما كان حسنًا وما كان قبيحًا ونحن‬
‫ال نعلم ثم إنه ال يلزم من الشيء إذا كان قبيحًا أن يكون أثره قبيحًا قد يكون أثره حسنًا والحسن‬
‫أيضًا كذلك قد يكون أثره قبيحًا كحسن الصدق ويف مواضع يكون أثره قبيحًا وكقبح الكذب ويف‬
‫مواضع يكون أثره حسنًا فتحقق ما نبهناك عليه تجد الحق] ‪.45/1‬‬

‫وهذا مخالف لما قرره السادة األشاعرة من أن قبح كل شيء أو حسنه ال يمكن معرفته إال‬
‫من جهة الشرع وموافق جزئيا للمعتزلة يف قولهم بالحسن والقبح العقليين‪.‬‬

‫ثم يقول الشيخ‪( :‬مسألة‪ :‬دل الدليل العقلي على أن اإليجاد متعلق القدرة وقال الحق عن‬
‫نفسه أن الوجود يقع عن األمر اإللهي فقال إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون فال بد أن‬
‫ننظر يف متعلق األمر ما هو وما هو متعلق القدرة حتى أجمع بين السمع والعقل فنقول االمتثال قد‬
‫وقع بقوله فيكون والمأمور به إنما هو الوجود فتعلقت اإلرادة بتخصيص أحد الممكنين وهو الوجود‬

‫‪15‬‬
‫وتعلقت القدرة بالممكن فأثرت فيه اإليجاد وهي حالة معقولة بين العدم والوجود فتعلق الخطاب‬
‫باألمر لهذه العين المخصصة بأن تكون فامتثلت فكانت فلوال ما كان للممكن عين وال وصف لها‬
‫بالوجود يتوجه على تلك العين األمر بالوجود لما وقع الوجود والقائل بتهيئ المراد يف شرح كن غير‬
‫مصيب) ‪.46/1‬‬

‫وهذا غير مفيد‪ ،‬فإن قوله (فتعلق الخطاب باألمر لهذه العين المخصصة بأن تكون فامتثلت‬
‫فكانت) إما أن يعني كوهنا وامتثالها الكون من عند نفسها فيزم التخصيص بال مخصص وهو محال‪،‬‬
‫أو يعني كوهنا بتكوين اهلل وامتثالها الكون بقدرة اهلل فيعود الكالم إلى أن الوجود كله متعلق القدرة‬
‫وأن االمر ال مدخلية له فيها وهو ما دل عليه دليل العقل‪.‬‬

‫ثم يقول الشيخ‪( :‬مسألة‪ :‬متعلق رؤيتنا الحق ذاته سبحانه ومتعلق علمنا به إثباته إلهًا‬
‫باإلضافات والسلوب فاختلف المتعلق فال يقال يف الرؤية أنها مزيد وضوح يف العلم الختالف‬
‫المتعلق وإن كان وجوده عين ماهيته فال ننكر أن معقولية الذات غير معقولية كونها موجودة) ‪.46/1‬‬

‫وهذا مخالف لما استقر عليه األشاعرة من أن الرؤية نوع إدراك يخلق اهلل فيما شاء من‬
‫الم ِ‬
‫درك وأنه مزيد اتضاح لما سبق تعلق العلم به‪ ،‬وعلمنا باهلل سبحانه وتعالى ليس مجرد اثبات فكرة‬ ‫ُ‬
‫اسمها اهلل لها أضافات وسلوب‪ ،‬وإنما نعلمه سبحانه ذاتا موجودة ذات صفات وجودية تقوم هبا‪،‬‬
‫فهذا علم تعلق بموجود فتكون رؤية الموجود زيادة يف ذلك العلم وال بد‪ ،‬على أن يف كالمه وصف‬
‫اهلل بالماهية وهو مخالف لما قرره محققو أهل السنة من عدم وصفه بمائية وماهية لما أنه ال يقال‬
‫للشيء (ما هو) إال ما كان ذو جنس وفصل كاإلنسان عندما نقول عنه (حيوان ناطق)‪ ،‬وما كان ذو‬
‫جنس فإنه يشارك غيره يف الجنس واهلل ال جنس له ومن ههنا نفى عنه الصاحبة والولد وليراجع يف‬
‫هذا المعنى شرح العقائد للسعد التفتازان‪ ،‬ولذا ال يقول أهل السنة إن (وجود اهلل عين ماهيته) كما‬
‫قال الشيخ‪ ،‬وإنما يقولون إن وجود اهلل عين ذاته وبينهما فرق‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ثم يقول الشيخ‪( :‬مسألة‪ :‬ال يقال من جهة الحقيقة أن اهلل جائز أن يوجد أمر ًا ما وجائز أن ال‬
‫يوجده فإن فعله لألشياء ليس بممكن بالنظر إليه وال بإيجاب موجب ولكن يقال ذلك األمر جائز أن‬
‫يوجد وجائز أن ال يوجد فيفتقر إلى مرجح وهو اهلل تعالى وقد تقضينا الشريعة فما رأينا فيها ما يناقض‬
‫ما قلناه فالذي نقول يف الحق أنه تعالى يجب له كذا ويستحيل عليه كذا ال نقول يجوز عليه كذا فهذه‬
‫عقيدة أهل االختصاص من أهل اهلل وأما عقيدة خالصة الخاصة يف اهلل تعالى فأمر فوق هذا جعلناه‬
‫مبدد يف هذا الكتاب لكون أكثر العقول المحجوبة بأفكارها تقصر عن إدراكه لعدم تجريدها وقد‬
‫انتهت مقدمة الكتاب وهي عليه كالعالوة فمن شاء كتبها فيه ومن شاء تركها واهلل يقول الحق وهو‬
‫يهدي السبيل انتهى الجزء الثالث والحمد هلل)‪.47/1.‬‬

‫وهذا مخالف لما قرره محققو أهل السنة من أن أفعال اهلل من جملة الممكنات التي يجوز‬
‫أن يتصف هبا يف حال دون حال‪ ،‬فخلق اهلل هو فعله واهلل جائز أن يخلق وجائز أن ال يخلق وإال لوجد‬
‫خلق على الدوام وألدى ذلك إلى قدم العالم‪ ،‬وخلق اهلل يف غير ذاته‪ ،‬فاتصافه بالخلق اتصاف بالفعل‬
‫وفعله حادث‪.‬‬

‫ختاما‪:‬‬
‫ً‬

‫هذا ما انقدح يف الذهن عند قراءة عقيدة ابن عربي المرقومة يف فاتحة الفتوحات‪ ،‬وهناك‬
‫مواضع غير هذه مبثوثة يف ثنايا الكتاب مشكلة يظهر فيها مخالفة ابن عربي لعقائد أهل السنة‪ ،‬خاصة‬
‫يف مسألة الذات والصفات وميله لمذهب االعتزال ووصفه هذا المذهب البدعي بأنه عقيدة‬
‫الخواص وربما نناقشها إن استدعى األمر الحقا‪ ،‬فهال تربع أحد اإلخوة وحل اإلشكال لنكون على‬
‫بينة من عقيدة الرجل خاصة وأن كون ابن عربي من المعتزلة يف مسألة الصفات والذات هو ما توصل‬
‫إليه اإلمام الشعران أيضا ‪ -‬وهو من معظميه كما ال يخفى – إذ قال يف اليواقيت‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫(فتلخص من جميع كالم الشيخ أنه قائل بأن الصفات عين ال غير‪ ،‬كشفًا ويقينا‪ ،‬وبه قال‬
‫جماعة من المتكلمين‪ ،‬وما عليه أهل السنة والجماعة أولى‪ ،‬واهلل سبحانه يتولى هداك) اليواقيت‬
‫والجواهر ‪ 110/1‬طـ دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫فهذا اعرتاف من اإلمام الشعران باعتزالية الشيخ األكرب وخطأه يف هذه المسألة حتى ال‬
‫يرمينا أحد بأنا ما فهمنا مراد الشيخ مما استدركناه عليه أعاله‪.‬‬

‫فهل يعقل أن تكون عقيدة الشيخ األكرب يف صفات اهلل وذاته معتزلية ال سنية؟؟!!‬

‫واهلل الموفق‪.‬‬

‫*****‬

‫‪18‬‬
‫محمود بن سالم األزهري‪ :‬بعض األولياء فتح باب الطعن يف كالمه‪:‬‬

‫قراءة موفقة أخي الكريم الشيخ الرضا‪ ،‬ومع األسف شيخنا الرضا فهناك من األولياء من‬
‫كشف بعض ما فتح اهلل به عليه وهو على علم أن الناس خاصة وعوام لن يستطيعوا قبول كالمه بحال‬
‫من األحوال؛ ألن عقولهم ال تتصور الكالم‪ ...‬ففتح الباب للطعن يف نفسه ولهم الحق وال أجد إال‬
‫أن أتحامل على الشيخ‪ ،‬ألنه هو من صنع ما وصل إليه األمر ولو كتم ما ال يتحمله الناس لمرت‬
‫حياته بدون تصادم أو خالف‪ ،‬لكن ال أقول إال اهلل المستعان‪.‬‬

‫*****‬

‫الشيخ نزار حمادي يناقش الشيخ هاين‪ ،‬ويقرر أهمية التحقق من نسبة الكالم والكتب للشيخ ابن‬
‫عربي‪:‬‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬اللهم اعصمنا من الخلل‪.‬‬

‫نصيحة‪ :‬قبل انتشار الكالم والقيل والقال‪ ،‬والرجم بالغيب واهتام العلماء بغير بينة وبرهان‪،‬‬
‫أنصح من يقبل النصح أن ال يخوض فيما نقل عن العلماء ـ كالشيخ ابن عربي رحمه اهلل ـ من دون‬
‫أن يتحقق على سبيل القطع واليقين صحة نسبته إليهم؛ وإال فهو غير معذور إن نسب لهم ما ال يليق‬
‫هبم مما توهم أنه كالمهم‪.‬‬

‫ويف هذه الحالة ما دام الكالم عن كتاب الفتوحات؛ فهل يستطيع المتكلم يف عقيدة الشيخ‬
‫أن يثبت بالقطع واليقين صحة نسبة هذا الكالم إليه؟‬

‫الجواب القطعي‪ :‬ال‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫بل من علماء تونس من اختصر الفتوحات المكية وأزال منه كل ما يخالف ظاهر الشريعة‬
‫وقواعد العقيدة‪ ،‬وبعد ذلك رأى نسخة للفتوحات منقولة من خط الشيخ ولم يجد فيها ما أزاله فحمد‬
‫اهلل وسر بذلك سرورا كبيرا كما قال‪( .‬تجد هذا الكالم يف كتاب العمر لحسن حسني عبد الوهاب)‪.‬‬

‫ويف هذا دليل قاطع عدم صحة نسبة كثير مما ينسب إلى الشيخ وأنه مدسوس عليه ليغرت‬
‫بذلك من يغرت ويتبع المتشابه ويرتك المحكم‪.‬‬

‫فعلى الطالب للحق أن يرتك الخوض فيما ليس له به علم ويقين‪ ،‬وأن يشتغل بما هو أهم‬
‫وأفضل من تأليب أهل البدع على عباد اهلل الصالحين‪ ،‬ويعلم أنه مسؤول عن كل ما كتب وقال‪.‬‬

‫وللشيخ تفسير عزيز وصلنا منه جزء‪ ،‬وهو ثابت النسبة له‪ ،‬وفيه درر وقواعد اعتقادية ثابتة‬
‫صحيحة متمشية مع عقائد أهل السنة‪ ،‬وله فيه ثناء عطر على اإلمام سيف الدين اآلمدي‪ ،‬وله فيه‬
‫براءة من الخوض يف تفاصيل األعيان الثابتة وصفة المعدوم وغير ذلك من األمور التي تنسب إليه‪.‬‬

‫قال الرضا‪( :‬وهذه فلسفية أخرى من الشيخ وهو يوافق فيها نفي الفالسفة اسرتسال عليم‬
‫اهلل على كل الجزئيات وهي مما كفر به الغزالي الفالسفة ومما نقم على إمام الحرمين يف كتابه‬
‫الربهان مع جزمنا أهنا زلة قلم لتكذيب بقية كتبه لها‪ ،‬وكأنه استفادها من كالم إمام الحرمين يف‬
‫الربهان فليراجع)‪.‬‬

‫ومن باب النصيحة أيضا يجب أن يراجع هذا الكالم‪ ،‬فظاهره إثبات اسرتسال العلم على‬
‫الجزئيات‪ ،‬ونسبة هذا إلى أهل السنة‪ ،‬وظاهره أيضا تكفير عدم القائل به‪.‬‬

‫ويف هذا الكالم خلط عجيب؛ فإن تكفير الفالسفة كان بقولهم بعدم العلم بالجزئيات‬
‫مطلقا‪ ،‬ال بنفيهم االسرتسال‪ ،‬كما أن إثبات االسرتسال على المعلومات الالمتناهية التي لن تدخل‬

‫‪20‬‬
‫الوجود هو قول الجويني يف الربهان‪ .‬وليس قوال لجمهور العلماء القائلين بتعلق العلم بجميع‬
‫المعلومات على وجه اإلحاطة‪ ،‬وبتعلقه هبا على ما هي عليه من عدم التناه‪.‬‬

‫فظاهر الكالم أعاله أن الجمهور قائلون بإثبات اسرتسال العلم على الجزئيات‪ ،‬وهو غير‬
‫صحيح بأدنى تأمل‪ .‬واهلل الهادي إلى الصراط المستقيم‪.‬‬

‫*****‬

‫‪21‬‬
‫وينكر الفصوص؟‬
‫محمد محمد الحسني‪ :‬هل يؤول الفتوحات ُ‬

‫جزاكم اهلل خيرا سيدي الرضا على تعليقاتكم الرائعة‪ ،‬وهذا يف الفتوحات‪ ،‬وأما يف‬
‫الفصوص فالشيخ يصرح ويرمي المخالف بالجهل‪ ،‬فهل نتبع قول مشايخنا جملة أن الفتوحات‬
‫ُيؤول والفصوص ُينكر (أي نسبته إلى الشيخ األكرب)؟‬

‫*****‬

‫أحمد الهاشمي يدعو للنقاش والبحث‪:‬‬

‫الحق الحق أنني عاجز تمام العجز على مناقشة سيدي و شيخي الرضا فيما أدلى به هنا‪،‬‬
‫ولكن أر سيدي نزار حمادي يملك األهلية لمناقشة ذلك و تحليل ما ورد يف مشاركة الشيخ رضا‬
‫فهل نطمع منكم بنقاش هادئ رفيع القدر و المستوى بما رفعكم اهلل به من حسن فهم واستنباط‬
‫فنرتوي من معينكما؟‬

‫هذا طلب أوجهه إليكما لوجه اهلل فال تحرمونا منه واصرفوا له همتكم ووقتكم لعلنا نصل‬
‫إلى ما يؤلف اهلل به قلوب‪ ،‬أراها تشعبت وتعصبت و ربما تنافرت ولو أحجمت عن البوح‪ ،‬و إن‬
‫تيسر الحال شاركناكم بالذي يف أيدينا‪ .‬وفقكم و سدد خطاكم‪.‬‬

‫قد اجتمع و الحمد هلل فيكما ويف الشيخ األزهري حسن الظن ووقر يف القلب محبتكم فهال‬
‫يكونوا شفعاء لنا عندكم‪ .‬كما أن باب الحوار مفتوح لكل من وجد يف نفسه الهمة على دخول هذا‬
‫المعرتك ـ معرتك أفكار طبعا فمن ظنه روضة تنزه فليتقدم ويفرك لنا كما فعل الشيخ رضا‪ :‬هذا قول‬
‫أشعري‪ ،‬هذا قول معتزلي‪ ،‬هذا فلسفي‪ ،‬هذا سفسطائي‪ ،‬فمن صدقه على جهل كذب و من كذبه‬
‫على جهل كذب فليس لها إال من استطاع أن يفصل و ُيف ِصل كما فصل و فصل هو‪ ،‬و اهلل أعلم ـ هذا‬

‫‪22‬‬
‫فإذا وصل االمر إلى الجدال العقيم والرتاشق المذموم‪ ،‬فنرجو أن يتوقف الحوار بأدنى إشارة من‬
‫أحد المحاورين‪ .‬و الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫*****‬

‫‪23‬‬
‫علي الماتريدي يقرر دعوى الدس‪:‬‬

‫بسم اهلل والحمد هلل والصالة على رسول اهلل‪:‬‬

‫أوافق كل الموافقة األستاذ نزار بما تفضل به‪ ،‬ومع كامل األدب لمن خالف الشيخ محيي‬
‫الدين‪ ،‬لكن كان الواجب عليهم بداية أن يقدموا بحثا تاريخيا موثقا بأن هذه هي عقيدته التي كان‬
‫عليها‪ ،‬ثم يكون النقد لها مرتتبًا على ذلك‪ ،‬أو له أن ينقد الكالم الذي يف الفتوحات أو غيرها على‬
‫طريقة لو ثبت وصح‪ ،‬أما الجزم فليس له ذلك‪ ،‬وباألخص أن من األمة من الفقهاء والصوفية‬
‫والمتكلمين والقراء من يشهد بواليته وبنفس الوقت يشكك بنسبة ما يف الفتوحات له‪ .‬وقد بسط‬
‫اإلمام الشعران يف كتب الدفاع عن عقيدة الشيخ رحمه اهلل وتكلم عن قصة الدس ومراد الزنادقة‬
‫منها‪ ،‬فإغفال كل ذلك من مخالفي الشيخ األكرب ليس باإلنصاف‪ .‬وقرأت مرة للعالمة األمير يف‬
‫حاشيته على شرح عبد السالم على الجوهرة عبارة يحاول أن يرد جزءا من كالم الشيخ األكرب مخالفا‬
‫لعقيدة أهل السنة بنفس كالمه يف موضع آخر فقال‪( :‬رددنا كالمه بكالمه نفعنا اهلل برتاب أقدامه) ‪-‬‬
‫أو نحوه‪ .-‬وهذه الطريقة من التخريج معروفة عند أهل السنة أن يدفعوا التناقض عن كالم األعالم‬
‫ما أمكن ذلك ويردون ما تشابه من الكالم إلى ما أحكم منه‪ ،‬كيف وقد أضيف إلى كونه مسلمًا‬
‫مشهودا له باإلسالم قضية الدس‪.‬‬

‫باختصار الذي نريده من المخالفين للشيخ األكرب أن يقدموا بحثا يثبتوا فيه أن هذا الكالم‬
‫صحيح النسبة إليه وهذا األصل الذي يتفرع عليه نقد كالمه مقرونًا بنسبته إليه وإال فليكتفوا بنقد‬
‫الكالم مع تبين أن هذا الكالم مشكوك يف نسبته على أقل األحوال ونحن نوافق على رد كل ما خالف‬
‫عقيدة أهل السنة والجماعة‪ ،‬فعلى ذلك تكون الشقة قد قربت بين الموافقين والمخالفين‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫أما أن ينسب بعض الشيوخ الضالل والزندقة إلى الشيخ األكرب رحمه اهلل تعالى من غير أن‬
‫يلقي باال لكل من شهد له بالوالية والعرفان‪ ،‬وكل من قال بالدس يف كتبه فليس باإلنصاف ألبتة‪،‬‬
‫كيف وهم الناطقون أن تجنب التكفير ما أمكن لذلك سبيال هو طريق أهل الحق‪.‬‬

‫قال األخ نزار‪( :‬وللشيخ تفسير عزيز وصلنا منه جزء‪ ،‬وهو ثابت النسبة له‪ ،‬وفيه درر وقواعد‬
‫اعتقادية ثابتة صحيحة متمشية مع عقائد أهل السنة‪ ،‬وله فيه ثناء عطر على اإلمام سيف الدين‬
‫اآلمدي‪ ،‬وله فيه براءة من الخوض يف تفاصيل األعيان الثابتة وصفة المعدوم وغير ذلك من األمور‬
‫التي تنسب إليه)‪.‬‬

‫جزاك اهلل خيرا يا شيخ نزار لو أثبته هنا للفائدة‪.‬‬

‫*****‬

‫‪25‬‬
‫الشيخ هاين الرضا يرد على مناقشة الشيخ نزار له‪:‬‬

‫سيدي الشيخ نزار‪ ،‬بارك اهلل يف علمه‪ ،‬أما النصيحة األولى سيدي فجزاكم اهلل خير عليها‪،‬‬
‫النهي عن تناول ما ورد يف الفتوحات أو الفصوص أو غيرهما‪ ،‬بداعي التعظيم‬
‫وحاصل كالمكم فيها ُ‬
‫للشيخ واستبعاد أن يكون قال مثله‪ .‬وهذا أمر طيب غير أنه مسقط بالكلية لصدق نسبة أي من كتبه‬
‫إليه‪ ،‬ويجعلنا نشكك يف كل ما يف الفتوحات أو غيره؛ إذ من أين لنا أن ما يف الفتوحات ‪-‬مما يسميه‬
‫بعض الصوفية فتحا ووالية وعلوما عالية‪ -‬ليس مجرد خياالت وأوهام حشا هبا بعضهم هذا الكتاب‬
‫مجريا على لسان الشيخ أهنا من بنات الكشف‪ ،‬وما هي إال خياالت وتلبيس شيطان كما حشاه‬
‫بعضهم اآلخر بما يصم الشيخ باالعتزال أو وحدة الوجود‪ ،‬فيسقط الكتاب كله إذن‪ ،‬وال يحل ألحد‬
‫أن ينسب شيئا مما فيه إلى الشيخ أو الوالية وإال عاد األمر تحكما وهو واضح‪.‬‬

‫وعلى كالمكم فإنا ال يمكن أن نجزم بصحة نسبة أي شيء مما يف كتب مثل ابن تيمية إليه‬
‫أيضا‪ ،‬وإن كنا نعذر الشيخ ابن عربي باحتمال عدم صحة النسبة فلنعذر ابن تيمية ‪-‬وكل مبتدع‪-‬‬
‫أيضا بمثله‪ ،‬فال هنض بعدها للرد على مبتدع بجامع الشك يف النسبة‪ ،‬ولو أنك تأملت االمر بمنأى‬
‫عن العاطفة والهوى لوجدت ان التفريق محض تحكم‪.‬‬

‫على أن اعتزالية الشيخ يف الصفات مما أقر به أخلص محبيه ومتبعيه كما اإلمام الشعران يف‬
‫اليواقيت وقد نقلنا من ذلك طرفا‪ ،‬وال أظن مثل الشعران وهو من هو يف عظيم حبه للشيخ وتعظيمه‬
‫له مع كمال تحقيقه ومعرفته بالشرع وكيفية التحقق من صحة نسبة الكالم يغفل عن كون مثل ذلك‬
‫مدسوسا عليه أو لم يقله أو فهم على غير مراده وليراجع اليواقيت‪.‬‬

‫وأما قولكم‪( :‬ومن باب النصيحة أيضا يجب أن يراجع هذا الكالم‪ ،‬فظاهره إثبات اسرتسال‬
‫العلم على الجزئيات‪ ،‬ونسبة هذا إلى أهل السنة‪ ،‬وظاهره أيضا تكفير عدم القائل به‪ ،‬ويف هذا الكالم‬
‫خلط عجيب؛ فإن تكفير الفالسفة كان بقولهم بعدم العلم بالجزئيات مطلقا‪ ،‬ال بنفيهم االسرتسال‪،‬‬

‫‪26‬‬
‫كما أن إثبات االسرتسال على المعلومات الالمتناهية التي لن تدخل الوجود هو قول الجويني يف‬
‫الربهان‪ .‬وليس قوال لجمهور العلماء القائلين بتعلق العلم بجميع المعلومات على وجه اإلحاطة‪،‬‬
‫وبتعلقه هبا على ما هي عليه من عدم التناهي‪ ،‬فظاهر الكالم أعاله أن الجمهور قائلون بإثبات‬
‫اسرتسال العلم على الجزئيات‪ ،‬وهو غير صحيح بأدنى تأمل‪ .‬واهلل الهادي إلى الصراط المستقيم)‪.‬‬

‫قصدت بالـ(اسرتسال) يف كالمي غير المعنى اللغوي‪ ،‬أي االنبساط والتمادي بمعنى‬
‫ُ‬ ‫فإن ما‬
‫التعميم‪ ،‬ولم أقصد به ما قصده به الجويني يف الربهان أو التاج السبكي يف شرحه لكالم الجويني يف‬
‫طبقات الشافعية‪ ،‬خاصة وأنه مصطلح غير شائع على حد علمي بخالف مصطلح "العلم الكلي"‬
‫‪ Omniscience or Universal knowledge‬الذي شاع بين المتكلمة والفالسفة يف الشرق‬
‫والغرب‪ ،‬وعلى هذا أظن الكالم يتضح معناه‪ ،‬وقد كتبت هذه التعليقات على عجل فال يبعد أن تجد‬
‫فيها ما يستدرك‪ ،‬فقط ضع كلة (إحاطة) مكان كلمة (اسرتسال) يف كالمي وسيظهر المراد‪.‬‬

‫وأود أن أستفيد من حضوركم وفتحكم هذا الباب لطرح مسألة متعلقة بمسألة االسرتسال‬
‫والعلم الكلي‪ ،‬وهي أن أحسب أنه قد وقع خلط كبير يف هذه المسألة ويف نسبتها إلى الفالسفة على‬
‫الوجه الذي قالوها به ولعل السبب يرجع إلى أخطاء يف الرتجمة‪ ،‬خاصة وأن فلسفة اليونان ترجمت‬
‫إلى عربية بعد أن ترجمت أوال إلى السريانية من اإلغريقية فال بد وأن تسقط الكثير من المعان خاصة‬
‫مع عدم مهنية واحرتافية الرتجمة يف ذلك الوقت‪ ،‬والغزالي يكفر الفالسفة هبا رغم أن الفالسفة لم‬
‫يقولوا كلهم هبا‪ .‬والحقيقة أن الغزالي كان يرد يف كتابه (هتافت الفالسفة) على الفلسفة التي شاعت‬
‫يف زمانه ومحيطه الجغرايف خاصة وهي فلسفة ابن سينا المشرقية وهي الفلسفة التي عرفها والتي‬
‫توفرت مراجعه تحت يديه‪ ،‬وما فيها ال يوافق عليه وال يقول به كل الفالسفة‪ ،‬وهذا ما يظهر يف ردود‬
‫ابن رشد ‪-‬وهو أقرب إلى الفلسفة الغربية واإلغريقية بحكم المحيط منه‪ -‬عليه كما يف نفيه هذه‬

‫‪27‬‬
‫المسألة عن الفالسفة المشائين يف كتابه (فصل المقال)‪ ،‬وحتى ابن سينا ال يمكن أن ننسب إليه هذا‬
‫القول على الوجه الذي نتصوره به‪ ،‬فهو يقول يف كتاب (الشفا) ما نصه‪:‬‬

‫(بل واجب الوجود إنما يعقل كل شيء على نحو كلي‪ ،‬ومع ذلك فال يعزب عنه شيء‬
‫شخصي‪ ،‬وال يعزب عنه مثقال ذرة يف السموات وال يف األرض‪ ،‬وهذا من العجايب التي يحوج‬
‫تصورها إلى لطف قريحة‪ .‬وأما كيفية ذلك‪ ،‬فألنه إذا عقل ذاته وعقل أنه مبدأ كل موجود‪ ،‬عقل أوائل‬
‫الموجودات عنه وما يتولد عنها‪ ،‬وال شيء من األشياء يوجد إال وقد صار من جهة ما واجبا يسببه‪،‬‬
‫وقد بينا هذا‪ ،‬فتكون هذه األسباب يتأدى بمصادماهتا إلى أن توجد عنها األمور الجزئية‪ .‬واألول‬
‫يعلم األسباب ومطابقتها‪ ،‬فيعلم ضرورة ما يتأدى إليها‪ ،‬وما بينها من األزمنة وما لها من العودات؛‬
‫ألنه ليس يمكن أن يعلم تلك وال يعلم هذا‪ ،‬فيكون مدركا لألمور الجزئية من حيث هي كلية‪ ،‬أعني‬
‫من حيث لها صفات‪ .‬وإن تخصصت هبا شخصا فباإلضافة إلى زمان متشخص أو حال متشخصة‬
‫لو أخذت تلك الحال بصفاهتا كانت أيضا بمنزلتها‪ )....‬اهـ‪.‬‬

‫وانظره وما بعده من كتاب الشفاء قسم اإللهيات‪ ،‬وهذا كالم فيه ما فيه ويمكن تأويله‬
‫بسهولة بما يمنع أو يشكك يف نسبة القول بعدم علم اهلل بالجزئيات إليه إال أن نأخذه بالزم الكالم‬
‫والزم المذهب ليس مذهبا‪.‬‬

‫وكذلك الفارابي أستاذ ابن سينا يقول يف كتاب رأي الحكيمين‪( :‬الباري‪ ،‬جل جالله‪ ،‬مدبر‬
‫لجميع العالم‪ ،‬وال يعزب عنه مثقال حبة من خردل‪ ،‬وال يفوت عنايته شيء من أجزاء العالم‪ ،‬على‬
‫السبيل الذي بيناه يف العناية‪ ،‬من أن العناية الكلية شائعة يف الجزئيات) اهـ‪.‬‬

‫فكالهما يثبت علم اهلل بالجزئيات ولو بتوسط العلم الكلي فال يصح نسبة القول إليهما‬
‫وإلى بقية الفالسفة المسلمين إال على سبيل اإللزام والزم المذهب‪ ،‬وهو شبيه بما قاله الجويني يف‬
‫الربهان وعرب عنه باالسرتسال كما يتضح مما شرح به التاج السبكي مسألة االسرتسال إذ قال‪( :‬أن‬

‫‪28‬‬
‫علم اهلل سبحانه وتعالى إذا تعلق بجواهر ال هناية لها كان معنى تعلقه هبا اسرتساله عليها ومعنى‬
‫اسرتساله عليها واهلل أعلم هو أن علمه سبحانه وتعالى يتعلق بالعلم الكلي الشامل لها على سبيل‬
‫التفصيل فيسرتسل عليها من غير تفصيل اآلحاد لتعلقه بالشامل لها من غير تمييز بعضها عن بعض)‬
‫اهـ من الطبقات‪.‬‬

‫وكما نرى فالفرق بين قول الجويني المبهم يف الربهان وقولهما أهنما عمما توسط العلم‬
‫الكلي يف كل الجزئيات بينما حصرها الجويني فيما ال يتناهى أي يف جهة االستقبال فقط‪.‬‬

‫فما رأيكم سيدي نزار؟‬

‫*****‬

‫علقت عله من كالم الشيخ إليه‪ ،‬وهذا‬


‫ُ‬ ‫سيدي علي األشعري‪ ،‬حاصل كالمكم نفي نسبة ما‬
‫طيب‪ ،‬ولكن كيف نثبت أن ما نقله سيدي الهاشمي من كالمه أوال هو كالمه بالفعل؟!‬

‫إن تطرق الشك إلى هذا فقد تطرق الشك إلى كل الكتاب‪ ،‬فيسقط الكتاب بالكلية عندها‬
‫وإال عاد األمر تحكما وتفريقا بال موجب عند المنصف المتجرد عن الحب وتعظيم الشيخ المبني‬
‫على تعظيم بعض المشايخ له فقط‪.‬‬

‫وهذا الكالم ليس من متشابه كالمه‪ ،‬بل هو كالم واضح مرا ُده منه‪ ،‬وهو يسير فيه على حرف‬
‫المتكلمة‪ ،‬فابن عربي ‪ -‬أو من كتب هذا الكالم ‪ -‬ههنا متكلم ال صويف فيحاكم بأدوات الكالم‬
‫ويشرح كالمه وفق ما قرروه ال وفق الشطح والجذب والكشف‪.‬‬

‫على أن اإلمام الشعران وهو من هو يف التصوف والحال قد أقر بنسبة عينية الصفات إلى‬
‫الشيخ كما نقلنا عنه يف اليواقيت‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬هذه مجرد محاولة للفهم أخي علي ال أكثر‪ ،‬وأحب أن يبين لي شخص ما‬
‫عدم صحة ما فهمته من كالم الفتوحات بغير التشكيك يف النسبة‪ ،‬إذ هو أسهل ما يمكن أن يفعله أي‬
‫شخص تجاه انتقاد يطال من يعظ ُمه‪ ،‬ولست ممن يكفر الشيخ وال ممن يعتقد واليته‪ ،‬بل أنا فيه على‬
‫التوقف حتى يستبين لي أمره‪ ،‬دون أن يعني ذلك عدم نقد ما كتب يف الفتوحات أو غيره وعدم تحذير‬
‫الناس منه خاصة وأن طائفة من الناس يأخذون كل ما يف كتبه على التسليم وفيه ضالل لهم‪.‬‬

‫وحاصل األمر أنـا ال يمكن أن نجزم بصحة نسبة أي شيء من كتب ابن عربي إليه وفق‬
‫قولكم‪ ،‬وعلى هذا يعود تعظيم بعض المتصوفة لكتبه وتسليمهم لكل ما جاء فيها ووصفه بالكشف‬
‫والعلو محض ظنون وأوهام ال يصح أن يبنى على أي منها شيء ال يف العقيدة و ال يف الحال لما أنا‬
‫ال نستطيع أن نجزم بصحة النسبة‪.‬‬

‫واهلل الموفق‪.‬‬

‫*****‬

‫‪30‬‬
‫الشيخ نزار حمادي يرد على الشيخ هاين‪:‬‬

‫األخ الكريم هان حفظه اهلل‪ ،‬اعلم أن الشيخ اإلمام سيدي أحمد زروق رضي اهلل عنه قال‬
‫كالما غاية يف النفاسة فيما يتعلق بالشيخ ابن عربي‪ ،‬فقال‪( :‬يف تكفيره خطر‪ ،‬والتعظيم ربما عاد على‬
‫يض الجاه ِل‬ ‫سامعه بالضرر؛ إذ يف األول إخراج من عسى أن يكون مؤمِنا من اإليمان‪ ،‬ويف الثان ِ‬
‫تعر ُ‬
‫ِ‬
‫باعتقاده لحمل الـمشكل من كالمه على ِ‬
‫ظاه ِره)‪.‬‬ ‫ُ‬

‫وهذا هو المنهج الذي أعتمده‪ ،‬ال منهج التعظيم العائد بالضرر‪ ،‬وال منهج التحقير اآليل‬
‫للخطر‪ .‬كما أن أتوقف يف نسبة كثير مما ُن ِسب إليه نظرا لتناقضه مع غيره من كالمه‪.‬‬

‫صحيح أن كثيرا من الناس ال يفقه ما يقرأ من كالم ابن عربي ومع ذلك يتظاهر بالفهم‬
‫والذوق والكشف‪ ،‬وهذا قد عرض نفسه لضرر كبير‪ ،‬وكثير من الناس يتسرع يف تغليطه أو تكفيره‬
‫دون تثبت وال تأمل وال تدقيق‪ .‬والصواب خالف هذين المنهجين‪.‬‬

‫واعلم أخي أن قضية الدس يف كتب العلماء وكتب ابن عربي خاصة قضية شائعة معروفة‪،‬‬
‫والدليل عليها ‪-‬إضافة إلى شهادة كثير من العلماء‪ -‬وجود تناقضات ال يمكن صدورها من عالم‬
‫واحد يف كتاب واحد‪ .‬قد أبين بعضها مما يوضح أن يف الكالم تخليط وإضافات زيدت عمدا‪.‬‬

‫أما قياسك ما يقال على كتاب ابن عربي بما يمكن أن يقال على كتاب ابن تيمية فهو قياس‬
‫مع الفارق‪ ،‬فابن تيمية قد نقل مذهبه عدول يف زمانه وناقشوه وحاكموه هبا‪ ،‬فضال عن أنه يردد أفكاره‬
‫يف جميع كتبه على وتيرة واحدة ويحيل على بعضها البعض‪ ،‬فصارت آراؤه ثابتة النسبة له بذلك‪،‬‬
‫ولم يصلنا كتاب من كتبه صرح فيه بخالف ما يعتقده أو فيه خلط بين الحق والباطن يف عين المسألة‬
‫على وجه التناقض‪ ،‬وهذا بخالف الفتوحات مثال ففيه تناقضات يف عين المسألة الواحدة‪ ،‬ولم‬
‫يحصل له يف عصره ما حصل البن تيمية مع أن علماء الشريعة يف زمانه والنظار كان متوفرين‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫مالحظة‪ :‬شتان بين االسرتسال واإلحاطة‪ ،‬فهما متناقضان‪.‬‬

‫مالحظة أخرى‪ :‬بعد بيان األسلوب المنهجي يف تناول كتاب الفتوحات‪ ،‬فال يخفى عليك‬
‫أن النقد والدفاع عن الحق مسألة خطيرة وخطة عظيمة‪ ،‬ال ينبغي أن يقدم عليها اإلنسان إال إذا صار‬
‫أهال لذلك‪ ،‬وقد الحظت إلى جانب استعمالك لفظ االسرتسال يف بيان العقيدة المعتمدة مكان لفظ‬
‫اإلحاطة أمورا أخرى أرى أنك ينبغي أن تراجعها‪ ،‬فمثال قولك‪( :‬وهذه فلسفية من الشيخ‪ ،‬فهو يقول‬
‫أن قول األشاعرة بالقدرة واالختيار والتخصيص والعلم نفي للوحدة وقول بالتكثر‪ ،‬وأن ذلك ينايف‬
‫القانون الذي صدر به وهو أنه ال يصدر عن الواحد من كل وجه إال واحد‪ ،‬وهو لفساد مقدمته وقانونه‬
‫الذي صدر به فسدت نتيجته‪ ،‬وقانونه هذا غير مسلم وهو قول الفالسفة ال قول أهل الحق وبه فسروا‬
‫خلق العالم بنظرية العقول واألفالك) اهـ‪.‬‬

‫هذا كالمك أخي هان‪ ،‬فعلى تسليم صحة نسبة الكالم الذي علقت عليه إلى ابن عربي‪،‬‬
‫فكيف فهمت بأنه قائل بمذهب الفالسفة يف أن الواحد من كل الوجوه ال يصدر عنه إال واحد؟ بل‬
‫جعلته قانونا له صدّ ر به المسألة؟ بل هو يشكك يف ذلك ويقول إن القول بذلك فيه نظر للمنصف‬
‫ويحتج بقول األشاعرة يف إثبات القدرة واإلرادة والعلم وأنه أمور زائدة على الذات‪.‬‬

‫ثم تأمل قوله‪( :‬فليس قولهم) يعني األشاعرة إذا اعتربنا عود الضمير إلى أقرب مذكور (بعد‬
‫هذا إنه واحد من كل وجه)‪ ،‬فانظر كيف نسب هذا القول لألشاعرة‪ ،‬مع أنك يا أخ هان قلت بأنه‬
‫قاعدة الفالسفة‪ ،‬فكيف يستقيم ذلك؟‬

‫قال الشيخ هان الرضا‪ :‬ثم يقول الشيخ‪( :‬مسألة‪ :‬لو صح الفعل من الممكن لصح أن يكون‬
‫قادرا وال فعل له فال قدرة له فإثبات القدرة للممكن دعوى بال برهان وكالمنا يف هذا الفصل مع‬
‫األشاعرة المثبتين لها مع نفي الفعل عنها) الفتوحات ‪.42/1‬‬

‫‪32‬‬
‫هل قرأت يا أخ هان كل ما ورد يف الفتوحات عن القدرة الحادثة والكسب؟ ما هي عقيدة‬
‫ابن عربي يف القدرة الحادثة؟ هل يثبتها‪ ،‬أو ينفيها‪ ،‬هل يقول بالكسب‪ ،‬وعلى أي وجه؟‬

‫أردت أن أشير هبذا التوجيه إلى أنه ال يمكنك منهجيا اقتطاع سطر من موسوعة ضخمة‬
‫ُ‬
‫كتلك وتقول بأن ابن عربي يخالف األشاعرة‪ ،‬وهذا هو رأيه‪ ،‬أخذا به مسلما مع عدم مراعاة نصوص‬
‫أخرى تعارضه على وجه المناقضة‪.‬‬

‫مثال ففي النص الذي علقت عليه يا أخ هان يظهر أن ابن عربي ينفي القدرة رأسا للممكن‬
‫الذي منه اإلنسان المكلف‪ ،‬لكنه يقول مثال يف الفتوحات يف الباب ‪( :471‬لما رأى العبد أن الحق‬
‫اقتدارا على إثبات ما كلفه به من األعمال ما كلفه‪ ،‬فكان‬
‫ً‬ ‫كلفه علم أنه لو لم يعلم الحق يف العبد‬
‫التكليف له معرفا بأن له مدخال يف االقتدار على وجود الفعل الذي كلفه اهلل إيجاده)‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وقال قبله يف الباب ‪( :104‬محال أن يطلب منا ما لم يجعل فينا قوة على اإلتيان به ويمكّننا‬
‫من ذلك‪ ،‬فإنه حكيم‪ ،‬وقد أعطانا يف نفس هذا الطلب علما بأن فينا قوة)‪ .‬اهـ‬

‫فكيف تجمع يا أخ هان بين ما نقلته أنت مما يفيد نفي القدرة رأسا عن اإلنسان‪ ،‬وبينا هذه‬
‫النصوص؟‬

‫*****‬

‫‪33‬‬
‫علي الماتريدي يكمل تقرير دعوى الدس‪:‬‬

‫علقت عله من‬


‫ُ‬ ‫أستاذي وشيخي هان حفظه اهلل أما قولكم‪( :‬حاصل كالمكم نفي نسبة ما‬
‫كالم الشيخ إليه‪ ،‬وهذا طيب‪ ،‬ولكن كيف نثبت أن ما نقله سيدي الهاشمي من كالمه أوال هو كالمه‬
‫بالفعل؟؟!! إن تطرق الشك إلى هذا فقد تطرق الشك إلى كل الكتاب فيسقط الكتاب بالكلية عندها‬
‫وإال عاد األمر تحكما وتفريقا بال موجب عند المنصف المتجرد عن الحب وتعظيم الشيخ المبني‬
‫على تعظيم بعض المشايخ له فقط)‪،‬‬

‫أخي الكريم ما نثبت هو احتمالية الدس‪ ،‬ال الشك بنسبة أصل الكتاب إلى الشيخ‪ ،‬فالشك‬
‫إنما يقوم ببعض الفتوحات المخالف لعقيدة السنة‪ ،‬أما ما نقل يف بداية الفتوحات موافق لعقيدة أهل‬
‫السنة فاحتمال الدس فيه معدوم؛ ألن الدس يكون لإلفساد كما تعلم‪ ،‬أما ما ذكر يف طيات الفتوحات‬
‫مما يخالف عقيدة أهل السنة فهذا الذي نشكك بنسبته للشيخ‪ ،‬فال يلزم إسقاط الكتاب بالكلية‪ ،‬بل‬
‫نسقط ما يخالف ألجل ما يوافق على ما تفضل به األستاذ نزار‪.‬‬

‫ذكرت وذكر األخ‬


‫ُ‬ ‫وأما تعظيمنا للشيخ فليس لكوننا مقلدة لبعض الشيوخ بل باإلضافة لما‬
‫نزار وهو كما ترى نظر مبني على مقدمات نظرية ندلل عليها بقدر الوسع وإال المقلد يقول لك هكذا‬
‫قال لي الشيخ فالن فاذهب وناقشه بنفسك‪ ،‬على أن من نقلدهم فيهم من أمثال الشيخ أبي الحسن‬
‫الشاذلي وابن عطاء اهلل السكندري والشيخ زروق وغيرهم مما ال يخفى حالهم على أمثالكم‪.‬‬

‫ثم قلتم‪( :‬وهذا الكالم ليس من متشابه كالمه‪ ،‬بل هو كالم واضح مراده منه وهو يسير فيه‬
‫على حرف المتكلمة‪ ،‬فابن عربي ‪ -‬أو من كتب هذا الكالم ‪ -‬ههنا متكلم ال صويف فيحاكم بأدوات‬
‫الكالم ويشرح كالمه وفق ما قرروه ال وفق الشطح والجذب والكشف)‪:‬‬

‫فليكن ذلك ونحن نشكك بنسبته للشيخ على النحو السابق‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ثم قلتم‪( :‬على أن اإلمام الشعران وهو من هو يف التصوف والحال قد أقر بنسبة عينية‬
‫الصفات إلى الشيخ كما نقلنا عنه يف اليواقيت)‪.‬‬

‫نعم وقال إن عليه طائفة من المتكلمين‪ ،‬وهم المعتزلة كما تعلم‪ ،‬لكن أين هذا من قول من‬
‫يتهم بالزندقة والكفر ولستُم منهم والحمد هلل‪.‬‬

‫ثم قلتم‪( :‬وعلى العموم‪ ..‬هذه مجرد محاولة للفهم أخي علي ال أكثر‪ ،‬وأحب أن يبين لي‬
‫شخص ما عدم صحة ما فهمته من كالم الفتوحات بغير التشكيك يف النسبة إذ هو أسهل ما يمكن أن‬
‫يفعله أي شخص تجاه انتقاد يطال من يعظمه‪ ،‬ولست ممن يكفر الشيخ وال ممن يعتقد واليته بل أنا‬
‫فيه على التوقف حتى يستبين لي أمره دون أن يعني ذلك عدم نقد ما كتب يف الفتوحات أو غيره‬
‫وعدم تحذير الناس منه خاصة وأن طائفة من الناس يأخذون كل ما يف كتبه على التسليم وفيه ضالل‬
‫لهم)‪.‬‬

‫خادمك ال ينكر رد بعض ما يف الفتوحات بالنقد والنظر وتبين ذلك للمقلدة التي ترى أنه‬
‫الحق‪ ،‬لكن نريد نقضًا مع التشكيك يف نسبته ال مع الجزم بأنه قائل به حتى يثبت العكس‪ ،‬ونذكر أن‬
‫للشيخ كالمًا يناقضه إن وجد‬

‫ثم قلتم‪( :‬وحاصل األمر أنا ال يمكن ان نجزم بصحة نسبة أي شيء من كتب ابن عربي إليه‬
‫وفق قولكم‪ ،‬وعلى هذا يعود تعظيم بعض المتصوفة لكتبه وتسليمهم لكل ما جاء فيها ووصفه‬
‫بالكشف والعلو محض ظنون وأوهام ال يصح أن يبنى على أي منها شيء ال يف العقيدة و ال يف الحال‬
‫لما انا ال نستطيع أن نجزم بصحة النسبة)‪.‬‬

‫بل يمكن يف الموافق دون المخالف ومن المسلم أن فيه من اإلشارات والذوقيات كما يف‬
‫قوت المكي وإحياء الحجة مما يخلو عن مصلحة الدس كما تعلم‪ ،‬وتاريخ الزندقة شاهد بأهنم‬
‫يخلطون الباطل والحق‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫وقياس المسألة على كتب ابن تيمية ال يخفى على أمثالكم من أهل العلم‪ ،‬بل إننا نجري‬
‫معه نفس المنهج الذي نسلكه مع الشيخ األكرب‪ ،‬وليتنا وجدنا كتابًا واحدا يخالف هذه اآلالف من‬
‫الصفحات التي تواترت عن ابن تيمية مع أنه لم يقل أحد من متابعيه أهنا مدسوسة‪.‬‬

‫لكم مني الود واالحرتام مع رجاء الدعاء‪.‬‬

‫محبكم‪.‬‬

‫*****‬

‫‪36‬‬
‫األستاذ سعيد فودة يناقش دعوى الدس ويبين سقوطها‪:‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫على هامش هذا الحوار‬

‫يقال‪ :‬إن كتب ابن عربي قد دس فيها‪ ،‬ما ضابط هذا الدس‪ ،‬وما القدر الذي يمكن ترجيح‬
‫كونه مدسوسا عليه؟ هل يمكن ان نقول إن كل ما يخالف المذهب األشعري فهو مدسوس عليه؟‬

‫يف الحقيقة لقد سمعت كثيرا من الكالم حول الدس يف كتب ابن عربي‪ ،‬وأن ما يقال إنه‬
‫مخالف فيه ألهل السنة مدسوس عليه‪ ،‬أو ما يرى فيه كالم غريب عن أذواق أهل السنة فهو مدسوس‬
‫أيضا‪...‬و‪..‬و‪...‬و‪...‬إلخ‪ ،‬الحقيقة أن النظر يف هذه المسألة يجب أن يدور على أسس علمية‬
‫صحيحة‪ ،‬وينبغي أن نحرتم األسس التي نحاكم بناء عليها اآلخرين‪ ،‬وإال وقعنا يف التناقض الحاكم‬
‫بالتهافت‪.‬‬

‫مثال‪ :‬قال كثير من الناس أن فصوص الحكم قد دس فيه كثير من األمور‪ ،‬وعندما نسألهم ما‬
‫الذي دس فيه‪ ،‬وما ضابط الكشف عنه‪ ،‬دائما يلجأون إلى العقيدة التي أودعها ابن عربي يف مقدمة‬
‫كتابه الفتوحات‪ ،‬تلك العقيدة التي سماها بعقيدة العامة‪ ،‬والتي جعل يف كتابه مراتب أخرى من‬
‫العقيدة بعضها يخالف بصورة واضحة عقيدة العامة‪ ،‬وبعض ذلك ما ذكره األخ الفاضل الشيخ هان‬
‫علي الرضا‪.‬‬

‫نحن عندما نناقش التيمية وندافع عن اإلمام األشعري فيما ينسبونه إليه من أنه تغير وتراجع‬
‫إلى مذهب المجسمة‪ ،‬نقول لهم بكل قوة‪ :‬لم ينقل لنا أحد من تالمذته ما تزعمون‪ ،‬غاية ما ينقله‬
‫بعضهم أنه صار يميل إلى طريقة التفويض يف بعض المسائل‪ ،‬وليس يف ذلك تراجع عن أصل‬
‫المذهب‪ ،‬بل اختيار وترجيح لبعض مسالكه على بعض‪ .‬وكلها مرضية مقول هبا عند األكابر‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫هل نستطيع أن نقول األمر نفسه عن ابن عربي‪ :‬يعني هل نستطيع أن نقول إن المقربين منه‬
‫نقلوا عنه عدم مخالفته لمذهب األشاعرة أو أهل السنة؟ هل يمكن لنا أن نفسر كيف أن بعض كبار‬
‫تالمذته يصرحون بمخالفة األشاعرة يف مسائل عظيمة وينقلون ذلك كله عن شيخهم ويقررون فيه‬
‫مذهبه؟‬

‫كيف نستطيع أن نقرر وجود الدس يف كتبه مثل كتاب (فصوص الحكم) وقد وصلتنا شروح‬
‫من بعض تالمذته‪ ،‬وبعض كبار العلماء الذين قارنوا النسخة المشروحة على نسخ مقروءة على ابن‬
‫عربي؟‬

‫ولو قارنا ما ورد يف نسخ تالمذة ابن عربي الذين شرحوا الفصوص لم نجد فرقا عظيما يف‬
‫المواضع التي يزعم فيها الدس عليه فيها‪ ،‬بل هي هي موجودة يف نسخهم‪ ،‬وموجودة أيضا يف النسخ‬
‫التي بين ايدينا‪.‬‬

‫انظر مثال ما كتبه مؤيد الدين الجندي‪ ،‬تلميذ صدر الدين القونوي‪ ،‬الذي هو ربيب ابن عربي‬
‫وتلميذه لمدة أربعين سنة‪ ،‬وذلك يف شرحه على الفصوص‪ ،‬لم يقل يف موضع واحد فيه مخالفة‬
‫لألشاعرة إن ذلك مما دس على ابن عربي‪ ،‬فال أظن أن يف زمانه قد تمكن الداسون من الدس‪ ،‬فهو‬
‫درس أيضا على ابن عربي‪ ،‬بل حضر عنده بعض الفصوص‪.‬‬

‫وانظر ما لخصة القونوي يف الفكوك تجده تلخيصا مطابقا لما يف الفصوص‪ ،‬وانظر ما أودعه‬
‫القونوي أيضا يف النصوص تجد األمر كذلك‪ ،‬وانظر ما أودعه المحقق المال الجامي يف شرحه‬
‫العظيم على فصوص الحكم‪ ،‬فهو يف موضع إشكالي يؤكد أنه راجع النص الذي بين يديه على نص‬
‫النسخة التي قرئت على ابن عربي وعليها توقيعه وخطه!‬

‫وقد أحصيت ذلك يف شرحه فوجدته عشرات المواضع من أول الكتاب إلى آخره‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫أما ما تفضل به أخونا الباحث العزيز نزار حمادي من أنه وجد بعض تفسيره المعزو إليه‬
‫وأنه ال يخالف أهل السنة فيه‪ ،‬فيا ليتنا نطلع على هذا التفسير أو القسم الموجود منه‪ ،‬لندرس ذلك‪.‬‬
‫وعندئذ تربز لدينا إشكالية جديدة‪ :‬هل يجب علينا ترجيح ما يف التفسير مما يوافق أهل السنة ونرتك‬
‫جميع الكتب الثابتة النسبة له مما فيه مخالفة يف بعض المواضع لما قرره أهل السنة‪ ،‬وليس فقط‬
‫الفصوص والفتوحات بل أكثر رسائله!‬

‫ولن نستطيع أن نكون نظرة علمية عن التفسير إال عند االطالع على ما يتفضل به أخونا‬
‫الحبيب األستاذ نزار‪.‬‬

‫ولكن على كل األحوال‪ ،‬ال بد من مراعاة األمور األخرى التي ذكرت أمثلة عليها سابقا‪،‬‬
‫لكي ال نكون متحكمين نورد ما يوافقنا ويلبي رغباتنا‪ ،‬ونغض الطرف عما نرى فيه إشكالية‪.‬‬

‫وربما يكون الوقت قد حان إلعادة النظر يف مواقفنا يف هذه القضية التي صار كثير من الناس‬
‫ال يجدون ما يلوحون به من أدلة إال أن من خطأ أحد الصوفية فإنه يقدح يف األولياء ويعاديهم وهم‬
‫أولياء اهلل‪....‬إلخ الكالم المعلوم!!‬

‫ولكن الناظر بحق‪ ،‬يعلم أن األمر ليس كذلك‪ ،‬فاألمر واهلل أخطر مما يتوهمون!‬

‫‪39‬‬
‫عبد الكريم الرازي يثني على بطالن دعوى الدس‪:‬‬

‫االرتكاز على القول بالدس يف كتب الشيخ بن عربي رحمه اهلل‪ ،‬لتربأته مما يف كتبه ال يكفي‬
‫لحل ّ‬
‫كل اإلشكاالت القائمة‪ ،‬و عليه فكالم شيخينا الباحثين هان الرضا و سعيد فودة حول ضعف‬ ‫ّ‬
‫الدس وارد ووجيه‪ ،‬نرجو االستفادة من بحوث المشايخ حول هذه المسألة حتى‬
‫طريقة التعويل على ّ‬
‫الدس وحدها‪.‬‬
‫مما يرتكز على غير التعويل على قض ّية ّ‬
‫خاصة كالم المدافعين ّ‬
‫تعم الفائدة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫و كما قال موالنا الرضا يف صدر كالمه نحن نك ّن ّ‬


‫كل اإلحرتام لمن دافع عن الشيخ بن‬
‫عربي من العلماء‪ ،‬و مثله لمن ر ّد عليه‬

‫*****‬

‫الشيخ األزهري يدرأ تهمة الكفر عن ابن عربي‪:‬‬

‫العمدة هي درء الحدود بالشبهات‪ ،‬وإثبات التاريخ أن ابن عربي لم يحاكم على قول قاله‬
‫يف حياته أو مصنف كتبه‪ ،‬هذا مع ظهور األئمة الكبار أتباع المذاهب األربعة والسنة منتشرة‪ ،‬ومع‬
‫إقامة الحد على غير واحد من المالحدة‪ ..‬إلخ وهذه وحدها كافية لدرء الحكم بالكفر فكيف لو‬
‫انضاف إليها غيرها؟‬

‫وأما لو كان الكالم من أجل التحذير من هذه الكتب المنسوبة إليه فصحيح‪.‬‬

‫*****‬

‫‪40‬‬
‫رمضان أبو أحمد‪ :‬العقائد التي ذكر ابن عربي هي مراحل يف الطريق إلى اهلل‪ ،‬وابن عربي لن يستطيع‬
‫أحد اإلحاطة بعلمه‪:‬‬

‫السادة الكرام‪ ،‬األمر أعمق مما تتصورون‪ .‬ذكر ابن عربي أربع عقائد‪-1 :‬عقيدة العوام‪-2 ،‬‬
‫عقيدة الناشية الشادية‪ -3 ،‬عقيدة خواص أهل اهلل من المحققين أهل الكشف والوجود‪ -4 ،‬عقيدة‬
‫الخالصة‪ ،‬وهذه األخيرة ذكرها متفرقة ولم يجمعها يف مكان واحد‪.‬‬

‫والسؤال الذي يجب أن يدور عليه البحث ‪-‬إن كنا نريد أن نبحث األمر بحثا علميا منصفا‪-‬‬
‫هو‪ :‬ما الفرق بين هذه العقائد؟ وهل يصح تسميتها عقائد؟ أليست عقيدة اإلسالم واحدة؟ وبالتالي‬
‫يمكن أن نقول‪ :‬إهنا مراحل يف الطريق إلى اهلل وليست عقائد منفردة وغير مرتبطة ببعضها منعا‬
‫لاللتباس؟ فيجب ذكر هذه العقائد كما سماها بالتفصيل مرتبة ومناقشتها ثم بعد ذلك يكون الحكم‪.‬‬

‫وأنا اقول لكم لن يستطيع أحد مهما أويت من قوة أن يحكم على ابن عربي حكما منصفا‪،‬‬
‫لن يستطيع أحد أن يحيط بعلم هذا الرجل وحاالته ومراحل طريقه إلى اهلل‪ ،‬وأقصى ما يمكن أن‬
‫يقال هو من قبيل التقريب والتخمين‪.‬‬

‫والدليل على ذلك أن هذا مقام عميق لم يصرب عليه حتى نبي اهلل موسى عليه السالم مع‬
‫الخضر حينما اظهر له علما ال يدخل تحت ادراكه العقلي والحسى الظاهري المباشر‪ ،‬ال أقول بأن‬
‫ابن عربي مثل الخضر كما اننا لسنا مثل موسى عليه السالم ولكن هذا مثال ضربه اهلل تعالى يف كتابه‬
‫الكريم ليدلنا على هذه المرحلة العميقة من العلم التي ال يدركها اال من كابدها وأنى لنا ان نكابد ما‬
‫كابده ابن عربي؟‬

‫وأين المقياس الذى نضعه ونقيس عليه كالم ابن عربي فإذا خرج كالمه عن هذا المقياس‬
‫قلنا إنه خالف أهل السنة؟‬

‫‪41‬‬
*****

42
‫جر الحوار نحو تكفير ابن‬
‫األستاذ سعيد فودة‪ :‬المقصد إظهار الحق ومذهب أهل السنة‪ ،‬ويستنكر ّ‬
‫عربي‪:‬‬

‫لماذا تجعلون أيها اإلخوة األفاضل مسألة نقاش عقيدة ابن عربي ومدى موافقته أو مخالفته‬
‫ألهل السنة‪ ،‬تستلزم بالضرورة السعي إلى تكفيره؟ مع أن األمر ليس كذلك! إنكم إذا فعلتم ذلك‪،‬‬
‫فسوف يكون هذا وحده عائقا للنظر السليم والبحث الحقيقي الحر الملتزم بالقوانين العلمية‬
‫السليمة يف هذا المجال‪ ،‬وسوف يدفعكم ذلك إلى الهروب من أي نتيجة بأي طريقة كانت ولو‬
‫افرتاضية! هذا رأيي المتواضع‪.‬‬

‫وعدم محاكمته ال تستلزم بالضرورة عدم الخطأ يف كالمه وال يف كالم تالمذته‪ ،‬فلو نظرنا‬
‫إلى الذين تمت محاكمتهم عالنية‪ ،‬لرأينا أهنم أولئك الذين تصدوا لنشر آرائهم عالنية وحض الناس‬
‫إليها والدعوة إليها‪...‬وهذا المثال الواضح ابن تيمية لما أصر على نشر بدعته وقف يف وجهه العلماء‪،‬‬
‫والسهروردي من قبله‪ ،‬وما حصل مع الحالج ليس ببعيد‪ ،‬وما حصل مع غيرهم كذلك‪...‬واألمثلة‬
‫كثيرة‪....‬من قبل ومن بعدُ ‪...‬‬

‫ولو كان هؤالء يتجاذبون آراءهم هذه بين أصحاهبم وال يصرحون بالبدعة والغلط على أهل‬
‫السنة أو يتجنبون ذلك أو يعربون عن ذلك بأقوال محتملة ولو يف ظاهر األمر‪ ،‬لما حصل لهم ما‬
‫حصل‪ ،‬فما لم يكونوا كذلك سوف توجد عوائق عديدة تمنع الناس من االطالع على حقيقة آرائهم‬
‫واعتقاداهتم‪...‬‬

‫القضية ليست قضية تكفير وإقامة حد أيها اإلخوة األفاضل‪...‬القضية أساسا هي معرفة‬
‫الحق من عقائد أهل السنة وتمييزها عن اآلراء الخاصة التي قالها بعض أكابر العلماء ممن انتسبوا‬
‫إلى أهل السنة‪ ،‬وهذا ما فعله العلماء الناقدون على مر األيام واألزمان‪ ،‬وهو ما جعلهم يحذرون من‬
‫بعض آراء نطق هبا العضد والرازي وما نسب إلى اإلسفراييني وغيرهم‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫أرجو أال تأخذوا القضية على محمل أكثر من هذا‪ ،‬فلن يتم التوصل حينئذ إلى حل ولن‬
‫نستطيع المضي يف أمر‪...‬‬

‫*****‬

‫‪44‬‬
‫علي الماتريدي‪ :‬تعليق على استنكار الشيخ سعيد‪:‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪:‬‬

‫قال األستاذ سعيد‪( :‬القضية ليست قضية تكفير وإقامة حد أيها اإلخوة األفاضل‪...‬القضية‬
‫أساسا هي معرفة الحق من عقائد أهل السنة وتمييزها عن اآلراء الخاصة التي قالها بعض أكابر‬
‫العلماء ممن انتسبوا إلى أهل السنة‪ ،‬وهذا ما فعله العلماء الناقدون على مر األيام واألزمان‪ ،‬وهو ما‬
‫جعلهم يحذرون من بعض آراء نطق هبا العضد والرازي وما نسب إلى اإلسفراييني وغيرهم‪.) ...‬‬

‫هل لي أن أقول مسرتشدا ‪-‬فهذا حظي معكم‪ -‬سيدي‪ :‬إن هذا الموضع سيدي يجب أن‬
‫يكون موضع اتفاق ب ّين‪ ،‬فنقد كل قول مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة واجب ال محيص عنه‪،‬‬
‫ولكن لماذا ال نجعل نقدنا لما يف الفتوحات مثال مقرونًا باحتمالية الدّ س‪ ،‬وهذا االحتمال وإن قل‬
‫كثيرا عندكم لما تفضلتم به لكن قام عند البعض‪ ،‬أي كاحتمال‪ ،‬وهذه شبهة تدفع التكفير الالزم لمن‬
‫قال بأن هذه عقيدة الشيخ جزمًا وال يبقى التصريح به هامًا‪.‬‬

‫فيظهر لذهني الفاتر أن المسألة رباعية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬دعوى الدس‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬دعوى التكفير الالزمة لما نثبته للشيخ‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬نقد ما خالف عقيدة أهل السنة والجماعة‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬العقيدة التي دافع عنها بعض متابعي الشيخ من تالمذته أو من غيرهم عرب القرون‪.‬‬

‫أما دعوى الدس فما بين قبول ورفض والخالف فيه حقيقي‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫وأما التكفير فمرتتب على ثبوت العقيدة وعدمه بعدمه أو بقيام احتمال معترب والخالف‬
‫حقيقي أيضًا‪.‬‬

‫وأما من خالف عقيدة أهل السنة وثبت عنه سواء من تالمذته الشيخ أو تالمذة تالمذته أو‬
‫ممن جاء بعدهم عرب هذه القرون فالخالف معهم حقيقي‪ ،‬ورد ما كتبوا أو سطروا واجب شرعي‪،‬‬
‫وهذا الخالف مع بعض متابعي الشيخ األكرب‪.‬‬

‫اآلن إن كان الغرض الدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة فهل من ضير من أن يكون نقد‬
‫ما يف الفتوحات على احتمالية نسبة ما فيه للشيخ؟ وعلى ذلك ال يكون التكفير الزما؟ وقد جرى‬
‫عليه كثير من أهل السنة سابقًا فرتاهم يشيرون إلى ذلك بـ (ما ينسب إلى الشيخ) مع تسطير نقد ما‬
‫يف الفتوحات‪ ،‬وهذا غير القطع بنسبة ما فيه الذي يرتتب عليه التكفير كما ذكرت‪ ،‬فنكون أخذنا‬
‫بالمتيقن‪.‬‬

‫أرجو الدعاء سيدي‪ ...‬وأعتذر أن تقدمت بين يديكم هبذا الكالم للتعلم‪...‬‬

‫*****‬

‫‪46‬‬
‫ونصه على أبدية العذاب‪:‬‬
‫الشيخ نزار حمادي يشير إلى تفسير ابن عربي ِّ‬

‫أسأل اهلل تعالى أن يوفقنا للوصول إلى الحق فيما نتباحث فيه‪ ،‬فإهنا مسألة دقيقة وشائكة‬
‫وال ينبغي التسرع فيها‪ ،‬وأشكر فضيلة الشيخ سعيد على ما تفضل به من إثراء للحوار وتوجيه‬
‫للبحث‪.‬‬

‫والتفسير الذي أتحدث عنه هو إيجاز البيان يف الترجمة عن معاين القرآن‪ ،‬ونسختي منه‬
‫مخطوطة‪ ،‬وعليها سماعات من علماء كبار‪ ،‬وأظنه قد طبع طبعة واحدة قديمة نسبيا‪.‬‬

‫والذي أريد أن أشير إليه هنا وهو مما يؤكد مسألة التزوير أو التحريف أو ما عساه يثبت‬
‫بالبحث الجاد‪ ،‬أن يف هذا التفسير العلمي الرصين –مثال‪ -‬كالما سنيا قويا يناقض كل المناقضة ما‬
‫ورد يف الفصوص على سبيل المثال‪ ،‬والكالم الذي سأنقل لكم من المخطوط مباشرة يتعلق بمسألة‬
‫خلود أهل النار والعياذ باهلل‪ ،‬فالباحث المطلع يعلم ما ورد يف الفصوص هبذا الخصوص‪ ،‬ويعلم أنه‬
‫كالم ساقط ال ينطق به إال حاقد على الدين اإلسالمي وثوابته‪ ،‬وإليكم ما ورد يف إيجاز البيان الذي‬
‫قرئ على ابن عربي سنة (‪636‬هـ) وهذا التاريخ مهم جدا‪ ،‬وهو تفسير لقوله تعالى مخربا عن اليهود‪:‬‬
‫(وقا ُلوا لن تمسنا الن ُار إِال أياما معدُ ودة)‬

‫‪http: //www.4shared.com/file/20671785.../__online.html‬‬

‫‪47‬‬
‫األستاذ سعيد فودة يناقش الشيخ نزار ويبين خالصة مذهب ابن عربي يف انقالب العذاب إلى عذوبة‪:‬‬

‫كتب على هذه النسخة التي رفعتها أخي الفاضل الحبيب نزار أهنا قرئت على ابن عربي سنة‬
‫‪636‬هـ‪ ،‬وكذلك النسخة التي تم تحقيقها يف مصر على يد بعض كبار المحققين‪ ،‬بدقة تامة حسب‬
‫ما قالوا‪ ،‬عليها خط ابن عربي قد انتهى ابن عربي من تأليفها سنة ‪636‬هـ وعليها خطوطه‪ ،‬وهي‬
‫الموجودة يف قونية‪ ،‬وكان اطلع عليه تلميذه القونوي أيضا واعتمدها‪ ،‬وتوجد نسخ أخرى قريبة من‬
‫ذلك الزمان‪ ،‬فال فضل للنسخة التي تحيل إليها ‪-‬أخي العزيز‪ -‬يف زمان وال مكان وال قرب من ابن‬
‫عربي وال موثوقية وال غير ذلك‪.‬‬

‫ويف هذه النسخ يوجد النص على رأي ابن عربي يف أهل النار الذين هم أهلها‪ ،‬ويستحيل‬
‫والحال هذه أن يكون الدس قد حصل فيها‪ ،‬فيستحيل أن يقع الدس يف النسخة التي يقرئها ابن عربي‬
‫ويوقع عليها ويعتمدها تالمذته المقربون الذين بلغوا يف هذا العلم أطوارا‪.‬‬

‫أقول‪ :‬خالصة قول ابن عربي كما هو موجود يف الفتوحات المكية وغيره من الكتب‬
‫كالفصوص والمعرفة‪ ،‬إلخ ولخصها تالمذته والعالمون بمذهبه كالعالمة الجامي وغيره‪.‬‬

‫‪ -1‬أهل النار الذين هم أهلها ال يخرجون من النار اتفاقا‪ ،‬خالفا لمن زعم أهنم يخرجون‪.‬‬

‫‪ -2‬أن عذاهبم مستمر‪ ،‬وبقاءهم يف دار العذاب مستمر‪ ،‬ويمرون يف مرحلتين يف هذا‬
‫العذاب‪ ،‬المرحلة األولى‪ :‬يكون فيها العذاب عذابا حقيقة ويشعرون يف هذه المرحلة بآالم عظيمة‬
‫بحسب كفرهم ومعاصيهم‪ .‬المرحلة الثانية‪ :‬يبقى فيها العذاب ولكن ال يعود أهل النار الذين هم‬
‫أهلها يشعرون باآلالم العظيمة فينقلب العذاب عذوبة يف حقهم‪ ،‬أو يكون كعذاب الواحد بما يراه‬
‫يف خياله او نحو ذلك‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫والقول الذي كان ينسب إلى ابن عربي هو أن أهل النار يخرجون منها‪ ،‬ال أهنم يمكثون فيها‬
‫وصفت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫خالدين على الحال الذي‬

‫وما أوردته أخي الفاضل نزار يف هذه المخطوطة ال يدفع ما هو موجود يف الكتب على‬
‫حسب الوصف الذي ذكرناه‪ ،‬فهو يريد نفي قول اليهود أهنم يخرجون من النار‪ ،‬فيؤكد أهنم فيها‬
‫باقون‪ ،‬فهو ينص على بقاء أهل النار الذين هم أهلها‪ ،‬وأن عذاهبم بحسب كفرهم‪ ،‬ولكنه ال ينص‬
‫وال فيه بيان حال العذاب وهل ينقلب بعد مدة إلى عذوبة أو عدم شعور برحمة من اهلل تعالى أم ال‪،‬‬
‫وياليت يوجد نص واضح يف األمر الذي نقوله‪ ،‬ولو وجد هذا النص الذي يعارض ما ذكرناه‪ ،‬لما‬
‫كان ذلك دليال على وجود الدس يف كتبه للسبب الذي قررناه من ثبوت كتبه األخرى‪ ،‬ولكن غاية‬
‫األمر وجود تعارض ما بين أقواله يف كتبه الثابتة إليه‪ ،‬فننتقل من القول بوجود الدس إلى االجتهاد يف‬
‫الكشف عن الرأي المختار عنده بعد إثبات التعارض!!‬

‫رفعت لكم القسم الخاص بابن عربي من كتاب أصحاب النار الذي وضحت‬
‫ُ‬ ‫وإن أردتم‬
‫فيه رأيه ورأي ابن تيمية وغيرهم من اإلسالميين يف أصحاب النار‪ ،‬ليزداد هذا االمر وضوحا‪.‬‬

‫وأدعو اهلل تعالى من كل قلبي أن أكون مخطئا فيما أقول‪ ،‬فإن الخير كل الخير يف كون ابن‬
‫عربي موافقا ألهل السنة ال مخالفا‪ ،‬كما أن الخير كل الخير يف أن يكون المعتزلة موافقين ألهل السنة‬
‫وكذلك يف أن يكون ابن تيمية موافقا ألهل السنة‪ ،‬وال نتمنى ألحد أن يكون مخالفا لهم‪...‬‬

‫واهلل تعالى الموفق وهو الهادي إلى كل خير‪.‬‬

‫*****‬

‫الشيخ سعيد‪ :‬ضرورة التصريح ببطالن ما يف كتب ابن عربي‪:‬‬

‫األخ الفاضل علي األشعري‪ ،‬أشكرك على أدبك الجم‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫ونحن نالحظ هذه االحتمالية التي تتفضل بذكرها‪ ،‬ولذلك نراعي خواطر اآلخرين جدا‪،‬‬
‫ولكن تأكد أننا نعلم علما يقينا بوجود أناس يعرتفون أن ابن عربي ليس موافقا ألهل السنة وال هو‬
‫معني بذلك أصال‪ ،‬فمقامه أعظم منهم كثيرا‪ ،‬ومن هم األشاعرة يف مقابل خاتم األولياء والذي كشف‬
‫له عن اللوح المحفوظ‪ ،‬هكذا يقولون!‬

‫فإن لم نصرح بأن الموجود يف كتبه مخالف ألهل الحق‪ ،‬فإهنم يتمادون يف ذلك الموقف‪،‬‬
‫وسيصبح ‪-‬ال سمح اهلل‪ -‬أهل السنة مطالبين بالدفاع عن أنفسهم يف مقابل أقوالهم بعد حين‪ ،‬واألمر‬
‫يف هذا الزمان متاح لهم وخصوصا يف تيار التقارب بين األديان تنبيش العلمانيين والمنحرفين عن‬
‫اإلسالم وأصله يف كتب اإلسالميين‪ ،‬وهم واجدون ما هو يف كتب ابن عربي من ذلك كله ومن‬
‫غيره‪...‬ومروجون له‪...‬‬

‫ونحن نعلم علم اليقين أن هناك متابعين لما يف كتب ابن عربي كما هي بين أيدينا فعال‪،‬‬
‫التقيت ببعضهم يف مصر وببعض آخر يف سوريا ويف‬
‫ُ‬ ‫ويقطعون بأهنا هي عقيدته التي يعتقد هبا‪ ،‬وقد‬
‫األردن‪...‬وأنا متأكد من وجودهم يف بلدان كثيرة أخرى‪ ،‬يصرحون بوحدة الوجود بالمعنى الباطل‪،‬‬
‫ويصرحون بما هو موجود يف كتبه يف أهل النار الذين هم أهلها‪ ،‬كما صرح بوجودهم أيضا اإلمام‬
‫الشعران يف زمانه‪ ،‬وهذا ما دفعه إلى كتابة كتبه التي يدافع فيها عن ابن عربي‪ ،‬ويقولون باآلراء‬
‫الموجودة يف كتبه فيما يتعلق باألديان األخرى وأن حقيقتها واحدة‪ ،‬ويف غير ذلك من آراء باطلة ‪-‬‬
‫عند أهل السنة‪ ،‬وإن كانت صحيحة عند هؤالء‪ -‬وهي موجودة يف كتبه‪.‬‬

‫*****‬

‫الشيخ نزار حمادي ينقل تأويل النابلسي يف المطالب الوفية لكالم ابن عربي‪:‬‬

‫قال األستاذ سعيد‪( :‬وما أوردته أخي الفاضل نزار يف هذه المخطوطة ال يدفع ما هو موجود‬
‫يف الكتب على حسب الوصف الذي ذكرناه‪ .‬فهو يريد نفي قول اليهود أهنم يخرجون من النار‪ ،‬فيؤكد‬
‫‪50‬‬
‫أهنم فيها باقون‪ .‬فهو ينص على بقاء أهل النار الذين هم اهلها‪ ،‬وأن عذاهبم بحسب كفرهم‪ ،‬ولكنه‬
‫ال ينص وال فيه بيان حال العذاب وهل ينقلب بعد مدة إلى عذوبة أو عدم شعور برحمة من اهلل تعالى‬
‫أم ال‪ .‬وياليت يوجد نص واضح يف األمر الذي نقوله)‪.‬‬

‫أشكر فضيلة الشيخ سعيد مرة أخرى على ما أورده من التعليق مثريا لهذا البحث الشائق‬
‫الشائك يف نفس الوقت‪.‬‬

‫أريد أن أنوه هنا إلى أن الكالم المنقول عن الفصوص قد أورده وعلق عليه النابلسي يف كتابه‬
‫المطالب الوفية يف شرح الفرائد السنية‪ ،‬وأول ووجه ذلك الكالم بما يرجع إلى عقيدة أهل السنة‬
‫والجماعة من دوام عذاب أهل النار من الكفرة عذابا حسيا دواما سرمديا أبديا‪ ،‬وقال بعد التوجيه‪:‬‬
‫(وأظن أن كالم الشيخ محيي الدين عربي رضي اهلل عنه من هذا المنزع ألنه من كبار أئمة اهل السنة‬
‫والجماعة وال يصدر عنه إال ما هو مطابق لمذهب أهل الحق)‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وقد أوردت هذا الكالم لبيان مخالفة من أهم أشد الناس (من العلماء) اهتماما بكالم الشيخ‬
‫ابن عربي كالنابلسي لكل كالم يخالف ما صار معلوما بالضرورة عند علماء أهل السنة‪ ،‬كمسألة‬
‫خلود الكافر يف النار ودوام تعذيبه عذابا حسيا سرمديا‪ ،‬وغيرها كمسألة استحالة الحلول واالتحاد‬
‫يف حق اهلل تعالى‪.‬‬

‫وعودا إلى بعض ما نقلته من تفسير ابن عربي إيجاز البيان‪ ،‬فقد رأى فضيلة الشيخ سعيد أن‬
‫ما قاله ابن عربي يفيد سرمدية مكوث الكفرة يف النار‪ ،‬ولكن ال يفيد بيان حال العذاب أو وجهه‪،‬‬
‫وهذا الحال نجده يف نصوص أخرى مبثوثة من هذا الجزء من التفسير‪ ،‬وهي بمثابة القرائن الدالة‬
‫على عقيدة ابن عربي يف هذا الشأن‪ ،‬فقد قال يف الرتجمة عن قول اهلل تعالى‪( :‬ومن كفر ف ُأمت ُع ُه قلِيال‬
‫ار وبِئس الم ِص ُير)‪:‬‬
‫اب الن ِ‬
‫ُثم أضطر ُه إلى عذ ِ‬

‫‪51‬‬
‫(اعلم ان جهنم تحتوي على عذابين‪ :‬حرور‪ ،‬وزمهرير‪ ،‬إلى غير ذلك‪ .‬فإذا كان الشقي يف‬
‫ومست منه ما آلمه‪ ،‬ونظر إلى الزمهرير الذي يف مقابلته‪ ،‬رمى نفسه إليه مضطرا مما يجد‬
‫حرور النار ّ‬
‫من ألم الحرور‪ ،‬فإذا وقع يف الزمهرير كُز (أي يبس وصلب) فيه بردا واشتد عليه ألمه‪ ،‬فاضطره ذلك‬
‫إلى الحرور ليسخن حتى يذهب عنه ألم البرد‪ ،‬فال يزال كذلك مضطرا من عذاب إلى عذاب‪.‬‬
‫وكذلك إذا جاع اضطر إلى دفع الجوع بما يأكله‪ ،‬فينظر إلى شجرة الزقوم‪ ،‬فيتوهم بالعادة من أكل‬
‫الثمر أنه مزيل لجوعه‪ ،‬فيضطر إلى قطعها‪ ،‬فإذا ازدردها (سرطها) ق ّطعت أمعاءه وناله من العذاب‬
‫فوق ما كان يجده‪ ،‬وهكذا يف الشراب وغيره‪ ،‬فهذا معنى االضطرار)‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫فهذا الكالم يناقض تماما ما ورد من العذوبة وانقطاع اآلالم وغير ذلك مما يخالف ما صار‬
‫معلوما بالضرورة عند علماء أهل السنة‪ ،‬ويستبعد أن تصدر مثل هذه التناقضات الصارخة من‬
‫شخص واحد ال سيما أنه وسم بأنه أعلم من أهل كل فن بفنهم‪ ،‬وعلى تقدير صدور هذا التناقض‬
‫من شخص واحد كان ذلك داال على سخافة عقل وسفه شديدين‪ ،‬وليست هذه حالة القائل هنا‪،‬‬
‫ولهذا وجب البحث والتدقيق والتحقيق والتأن والتثبت يف بحث هذه المسائل‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫*****‬

‫‪52‬‬
‫األستاذ سعيد فودة يناقش تأويل النابلسي لكالم ابن عربي يف الفصوص والمطالب‪:‬‬

‫الحمد هلل‪ ،‬أشكر األخ الفاضل نزار على جهده‪،‬‬

‫ال يخفى على األخ الفاضل نزار أن ما نقله أخيرا ليس فيه إخبار بأن العذاب واآلالم باقية‬
‫على التأبيد‪ ،‬بل فيه كيف يكون التعذيب باالضطرار‪ ،‬وليس فيه ذكر أن هذا التعذيب واأللم يكون‬
‫أبدا ال ينقطع‪ .‬ولم ال يحمل هذا القول على حالة التعذيب التي هي محل اتفاق‪ .‬واألصل عدم‬
‫التعارض يف كالم الرجل الواحد ال سيما إن كان من األعالم العلماء كابن عربي فإنه ليس بعيدا عن‬
‫الوصف الذي وصفت‪ ،‬وإن لم أسلم أنه أعلم من أهل كل فن بفنهم‪ ،‬فإن يف ذلك مبالغة أريد هبا‬
‫مجرد المدح ال حقيقتها‪.‬‬

‫وأم ا كالم الشيخ النابلسي رحمه اهلل تعالى الذي نقلته فال شيء فيه إال مجرد دعوى عدم‬
‫المخالفة‪ ،‬فما هو القول الذي زعم فيه أن ابن عربي لم يخالف أهل السنة‪ ،‬هال بينته من كالمه من‬
‫فضلك‪.‬‬

‫ولعله قصد التوجيه الذي ذكره يف شرحه على الفصوص كما نورده اآلن‪.‬‬

‫قال الشيخ عبد الغني النابلسي يف شرحه على الفصوص (‪ )333/1‬الفص اإلسماعيلي‬
‫طبعة دار الكتب العلمية‪( :‬فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار انقضى يوم القيامة وجاء يوم‬
‫الخلود كما قال تعالى(ذلك يوم الخلود)‪ ،‬فإذا زال الحجاب بالتجلي على أهل النار‪ ،‬المكنى عنه‬
‫يف الحديث بوضع القدم‪ ،‬والمشار إليه يف قوله تعالى‪( :‬فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة‬
‫وظاهره من قبله العذاب) اآلية‪ ،‬فالباطن الذي فيه الرحمة هو التجلي‪ ،‬والعذاب يف الظاهر‪ ،‬فعند‬
‫ذلك ينقلب العذاب عذوبة لهم مع بقائه كما كان على األبد‪ ،‬ولهذا قال‪( :‬يسمى) أي ذلك العذاب‬
‫عذاب أهل النار (عذابا) مشتقا (من) العذوبة وهي الحالوة ألجل (عذوبة طعمه) يف أذواقهم وإن‬
‫بقيت عينه يف الظاهر معاقبة وإيجاعا (وذاك) أي ما هو يف الظاهر من صورة المعاقبة (له) أي لما يف‬
‫‪53‬‬
‫الباطن من اللذة والعذوبة (كالقشر) الذي يكون للبوب والحبوب (والقشر صائن)‪ ،‬أي حافظ ساتر‬
‫لما يف داخله من اللب‪ ،‬وذلك بعد استيفاء مدة ما هم فيه من استيالء األوهام على خياالهتم الفاسدة‬
‫حتى يتحققوا بالواحد الحق يف كل ما التبس عليهم فيه‪ ،‬ويشهدونه يف الظواهر والبواطن‪ ،‬ويرجهون‬
‫إلى ما كانوا فيه من البواطن‪ .‬وهذه المسألة من األسرار‪ ،‬وال طريق إليها من جانب أهل العقول‬
‫واألفكار‪ ،‬وليس فيها مصادمة شيء من ظواهر أحكام الشريعة‪ ،‬وال مخالفة لما عند علماء الظاهر‬
‫بحسب الظاهر أن أسرار البواطن مستورة عن المقيد بأغالل الطبيعة)‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫ويقصد بأن ذلك ال يخالف الشريعة ما أوله من ُ‬


‫قبل بأن الوعد والوعيد من باب اإلنشاءات‬
‫ال األخبار!! ألن المراد هبم اإليقاع يف المستقبل ال اإلخبار بالوقوع وعدمه‪ ،‬وصاحبه مخير يف ذلك‬
‫على السواء‪....‬إلخ كالمه‪ ،‬انظره يف شرحه على الفصوص(‪.)331/1‬‬

‫فهو يصرح ههنا أن العذاب ينقلب إلى عذوبة‪ ،‬هذا صريح كالمه‪ ،‬ولكنه يزعم أن هذا ال‬
‫يخالف كالم أهل الظاهر‪ ،‬وال أدري كيف ال يخالفه! والدعوى التي زعمها من أن كالم من الوعد‬
‫والوعيد إنشاء ال يقتضي الوقوع باطل كما ال يخفى‪ ،‬فهل كان يف تقريره لهذه المسألة يف النص الذي‬
‫تشير إليه يتكلم عن نفس المحل‪ ،‬أم كان يريد أن ابن عربي ال يقول ‪-‬أصال‪ -‬بانقالب العذاب إلى‬
‫عذوبة؟‬

‫يا ليتك تنقل لنا كالمه كامال هنا لنستفيد منه‪ ،‬فهدفنا ما هو إال الحق واهلل هو المقصود‪.‬‬

‫على أن كالم ابن عربي ال يحتمل أصال التأويل‪ ،‬وإن يف الفتوحات من الكالم الصريح ما‬
‫يدفع كل تأويل يفرضه محب ألهل الحق يفرتض أن ابن عربي ال يخالفهم‪ .‬وإن أحببت فسأنقل لك‬
‫بعض كالمه هناك‪ ،‬ولعلي أنقله قريبا‪.‬‬

‫واهلل الموفق‪.‬‬

‫‪54‬‬
*****

55
‫الشيخ نزار حمادي يناقش الشيخ سعيد يف إمكان حمل مشكل كالم ابن عربي على محمل مقبول‬
‫من تفسير ابن عربي‪:‬‬

‫فضيلة الشيخ سعيد حفظه اهلل‪ ،‬ال شك أن ما أحاول فعله هو الجمع بين بعض المواضع‬
‫الواردة يف التفسير المذكور للخروج بصورة أجلى عن معتقد الشيخ ابن عربي يف مسألة عذاب أهل‬
‫النار‪.‬‬

‫فقد نقلت عنه يف تفسير قوله تعالى‪( :‬وقا ُلوا لن تمسنا الن ُار إِال أياما معدُ ودة) قوله‪ :‬فال يزال‬
‫(أي العذاب الناري) يدور عليهم عودا على بدء إلى غير هناية اهـ‪.‬‬

‫وهذا كالم ظاهر الداللة على عدم تناهي العذاب الناري للكفار وإثبات سرمديته‪ ،‬ويف النقل‬
‫الثان بيان لكون عذاهبم الالمتناهي يتضمن آالما حسية شديدة ُيضطر إليها الكفرة جزاءا بما كانوا‬
‫يكفرون باهلل وبرسوله‪.‬‬

‫فيخرج من هذين النقلين إثبات كون ابن عربي قائال بإثبات عذاب ناري زمهريري آالمي‬
‫سرمدي للكفار يف جنهم‪ ،‬ال فيه راحة وال عذوبة وال انقطاع وال زوال‪ ..‬عافانا اهلل وإياكم وجنبنا‬
‫حرها وزمهريرها بفضله وكرمه وجوده وطوله إنه سميع مجيب‪.‬‬

‫فإذا أردنا التماس المخارج من تلك المضايق فذلك متيسر بمجرد هذين النقلين من كتاب‬
‫ثابت النسبة البن عربي‪ ،‬وبالمناسبة فهو كتاب تفسيري محكم اآلراء سديد االختيارات محلى‬
‫باآلثار المصطفوية واآلراء المعتمدة عند علماء األمة المحمدية‪.‬‬

‫أما عن توجيه النابلسي لما ورد يف الفصوص على تسليم كونه من إنشاء ابن عربي‪ ،‬فقد قال‬
‫يف المطالب الوفية‪:‬‬

‫‪56‬‬
‫(إن فهم هذا األمر على ظاهره مشكل من جهة تعطيل صفة الغضب اإللهي بزوال العذاب‬
‫من أهل النار وانقالبه عذوبة‪ ،‬وصفات اهلل تعالى ال تتعطل من التعلق بآثارها أبدا‪ ،‬فكما أن صفة‬
‫المرضي عنهم ـ كذلك يجب أن تكون صفة الغضب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الرضوان لم تتعطل من التعلق بآثارها ـ وهم‬
‫وغاية ما يمكن أن يقال يف ذلك‪ :‬إن صفة الغضب اإللهي ال تتعطل‪ ،‬وإنما تحل على أهل النار‪،‬‬
‫فيغيبون يف شهودها‪ ،‬فال يدركون عند ذلك ألم العذاب الذي هو أثر تلك الصفة الشتغالهم بما هو‬
‫أعظم من ذلك الذي كانوا يشهدونه من ألم العذاب‪ ،‬وهو شهود تلك الصفة ألهنم يقعون يف شهود‬
‫عين الغضب اإللهي‪ ،‬فإذا رجعوا إلى شهود ألم العذاب وجدوه عذوبة بالنسبة إلى ما يشهدونه من‬
‫عين الغضب‪ ،‬كما أن أهل الجنة إذا أحل عليهم اهلل تعالى رضوانه واشتغلوا بشهود صفة الرضوان‬
‫اإللهي يغيبون عن شهود نعيم الجنة‪ ،‬فكذلك أهل النار ال يزول عذاهبم وال ألمهم وال يخرجون‬
‫منها وال يفنون فيها‪ ،‬بل هم موجودون يف العذاب أبد اآلبدين)‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫فهذا تفسير النابلسي لما ورد يف الفصوص على سبيل تسليم كونه من وضع وإنشاء ابن‬
‫عربي‪ ،‬وفيه تمام الرباءة مما يخالف المجمع عليه بين أهل السنة‪ ،‬وأن من مات على الكفر فهو يف‬
‫العذاب الحسي السرمدي‪ ،‬والداللة على ذلك من كالمه واضحة إن شاء اهلل‪.‬‬

‫إضافة إلى أن النابلسي قد اعتمد يف شرحه المذكور وهو من أواخر ما صنف على أمهات‬
‫كتب نظار أهل السنة من الباقالن والجويني مرورا بالفخر الرازي والتفتازان والسنوسي واللقان‬
‫وغيرهم رضي اهلل عنهم‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫*****‬

‫‪57‬‬
‫األستاذ سعيد فودة يبطل تأويل النابلسي النقالب العذاب لعذوبة‪ ،‬ويؤكد على بطالن دعوى‬
‫الدس‪:‬‬

‫أشكر األستاذ الفاضل نزار على ما يقوم به‪.‬‬

‫أحد النصين اللذين أوردهتما يشير إلى بقاء الكفار يف العذاب! والثان يشير إلى تألم الكفار‬
‫يف دار العذاب‪.‬‬

‫وهاتان المقدمتان تنتجان دوام اآللم والعذاب لكن بناء على قول أهل السنة من أن النار دار‬
‫عذاب ال عذوبة‪.‬‬

‫أما بناء على قول ابن عربي فال تفيد ذلك‪ ،‬ألنه يقول إن جزءا من مدة بقائهم يف النار‬
‫يتألمون‪ ،‬ولكن ينتهي األلم وينقلب أثر العذاب إلى عذوبة!‬

‫فما لم تأت بنص أو دليل ظاهر من ابن عربي على بقاء أهل النار الذين هم أهلها متألمين‬
‫بعذاهبم أبد اآلباد ال يتم استداللك‪.‬‬

‫أما أن تأيت بنص يقول فيه إن هناك ألما وال يقيده بالدوام‪ ،‬وبنص آخر يقول إن هناك عذابا‬
‫دائما وال يوضح فيه أنه مستلزم لأللم! فإن هاتين المقدمتين ال تنتجان المطلوب كما هو ظاهر‪ ،‬هذا‬
‫أوال‪.‬‬

‫وأما ثانيا‪ :‬فنحن ال يجوز أن يغيب عن أعيننا أن األصل هو ثبوت نسبة الفصوص وما فيها‪،‬‬
‫الدس مجرد دعوى تحتاج إلى دليل‪ ،‬وال دليل مع ثبوت النسخ‬
‫والفتوحات وما فيها البن عربي‪ ،‬وأن ّ‬
‫المكتوب عليها والثابت عليها السماعات والتوقيعات من ابن عربي وتالمذته على الفصوص‬
‫والفتوحات‪ ،‬وفيهما توجد النصوص التي ُيزعم أهنا دست عليه‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫ثالثا‪ :‬ما يقوم به الشيخ عبد الغني النابلسي مجرد محاولة التوفيق بين نص البن عربي صريح‬
‫المخالفة لما يقول به أهل السنة وبين ما يقوله أهل السنة‪ ،‬وال شك أن تأويله هذا على غير طريقة‬
‫أهل الحق‪ ،‬فال يرضى به أهل السنة حقا؛ ألن مجرد غيبة األلم عن أهل النار لمشاهدهتم صفة‬
‫الغضب كما يقول الشيخ النابلسي‪( :‬إن صفة الغضب اإللهي ال تتعطل‪ ،‬وإنما تحل على أهل النار‪،‬‬
‫فيغيبون يف شهودها‪ ،‬فال يدركون عند ذلك ألم العذاب الذي هو أثر تلك الصفة الشتغالهم بما هو‬
‫أعظم من ذلك الذي كانوا يشهدونه من ألم العذاب‪ ،‬وهو شهود تلك الصفة ألهنم يقعون يف شهود‬
‫عين الغضب اإللهي‪ ،‬فإذا رجعوا إلى شهود ألم العذاب وجدوه عذوبة بالنسبة إلى ما يشهدونه من‬
‫عين الغضب)!‬

‫فهذا غاية ما يقال يف تأويل كالمه!! كذا كالمه!‬

‫وهذه العبارة تظهر لك مدى صعوبة ما يعانيه الشيخ النابلسي يف جعل كالم ابن عربي موافقا‬
‫ألهل الحق؛ فهل تنقلب صفة الغضب إلى ضدها؟ فصفة الغضب يلزم عنها اإليالم ال غياب األلم!‬
‫فمن شاهد صفة الغضب التي أحلت عليه العذاب الذي هو فيه‪ ،‬فأفضى به مشاهدهتا إلى غفلته عن‬
‫األلم‪ ،‬بله الشعور بالعذوبة‪ ،‬أليس هذا معناه أن آثار صفة الغضب عن العذوبة ال العذاب‪!....‬؟ هذه‬
‫هي طريقة ابن عربي‪.‬‬

‫ولنزد هذا بيانا‪ :‬إن اآلالم التي يف النار هي آثار صفة الغضب‪ ،‬وأما نفس جهنم فإنما اختصت‬
‫هبا صفة الرحمة‪ ،‬ولذلك وبما أن رحمة اهلل تعالى تسبق غضبه بنص الحديث الشريف‪ ،‬فهذا هو‬
‫السبب الذي من أجله يضمحل األلم ويحل العذوبة يف العذاب! هذه هي طريقته التي ال تحتاج إلى‬
‫شرح وبيان فقد تكفل هو بشرحها وبياهنا يف الفتوحات‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫وأما رابعًا‪ :‬فإن ابن عربي نفسه يبين أن األلم ينقلب يف حق أهل النار الذين هم أهلها إلى‬
‫عذوبة‪ ،‬فال يقال بعد ذلك أن األلم يبقى ولكنهم يغفلون عنه لمشاهدهتم صفة الغضب! وأن األمر‬
‫نسبي يف شعورهم بالعذاب بعد رجوعهم عن مشاهدة صفة الغضب‪ ،‬كما زعم الشيخ النابلسي!‬

‫وابن عربي لم يقل يف كتبه أصال هذا الكالم‪ ،‬أعني إنه لم يقل إن الكفار ال يشعرون فرتة‬
‫باأللم ثم يعودون ويشعرون بذلك األلم‪!....‬‬

‫ولنا أن نسأل عن حالهم وهم مشاهدون لصفة الغضب‪ ،‬هل هم يف حالة ألم‪ ،‬أم يف حالة‬
‫عذوبة وتلذذ! إن قلنا إهنم يف حالة ألم فال حاجة لكل هذا التأويل‪ ،‬وإن قلنا إهنم يف حالة تلذذ فكيف‬
‫يتلذذ الكافرون يف النار؟ وكم هي الفرتة التي يقضوهنا كذلك‪ ،‬وما الدليل على هذا األمر‪ ،‬أليس يف‬
‫هذا األمر إثبات للمقصود!‬

‫وبعد ذلك كله‪ ،‬أال يخالف هذا الكالم كله الذي تنزع إليه ما هو مذكور يف كالم النابلسي‬
‫نفسه يف شرحه على الفصوص‪ ،‬مع أنه ال دليل لما قلته من أنه إنما يشرح الفصوص على فرض‬
‫ثبوهتا! بل إنه يقطع بثبوهتا ويأخذها كحكم غالية عالية نتاج الكشف كما هو واضح لمن يطلع‬
‫عليها‪...‬‬

‫وال بد من تذكر أن كال من الفصوص والفتوحات ثابتة النسبة أصال‪ ،‬وما زلنا نحتاج إلى‬
‫دليل إلثبات الدس فيهما‪ ،‬وكالهما يوجد منهما نسخ مقروءة على المصنف وعليها توقيعه‪،‬‬
‫وشروحات تالمذته وغيرهم‪ ،‬فالقول بالدس ال بد من االنتهاء منه قبل المضي يف محاولة التعرف‬
‫على المقصود من الكالم‪ ،‬فالتأويل يكون بعد التسليم بالثبوت‪ ،‬فإن كان هناك دليل على الدس‪،‬‬
‫فأرجو أن يؤتى به‪ ،‬وبعد ذلك نلجأ إلى النظر يف التوفيق بعد إثبات التعارض‪ ،‬مع أنني ال أرى تعارضا‬
‫يف نفس كالم ابن عربي‪ ،‬ولكن التعارض بين كالمه وبين ما يؤوله به الشيخ النابلسي‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫وتنبه أيها األخ الفاضل‪ ،‬أن ما يقوم به النابلسي رحمه اهلل‪ ،‬من التأويل لكالم ابن عربي يعترب‬
‫منه تسليما بورود هذه النصوص عنه‪ ،‬وإال فإن لم يقبل ثبوهتا عنه‪ ،‬فلم يشتغل بتأويلها؟‬

‫فأرجو الرتكيز على هذه النقطة قدر االستطاعة‪.‬‬

‫ولذلك فسأحاول إيراد بعض النصوص من كالم ابن عربي التي تتكلم عن هذه المسألة‬
‫لنتأكد من وجودها على األقل يف كبته قبل االشتغال بمحاول حل إشكاليتها‪ ،‬وتعارضها الظاهر مع‬
‫أهل السنة‪.‬‬

‫وما زلت أقول‪ :‬أنا أدعو اهلل تعالى أن ال يكون ابن عربي مخالفا فمعرفة موافقته بالدليل ال‬
‫بمجرد التمني والرجاء أحب إلينا من صوابنا فيما ندعيه‪.‬‬

‫وأين نذهب برأيك بكالم الشيخ عبد الغني النابلسي نفسه يف شرح الفصوص‪( :‬فعند ذلك‬
‫ينقلب العذاب عذوبة لهم مع بقائه كما كان على األبد‪ ،‬ولهذا قال‪( :‬يسمى) أي ذلك العذاب عذاب‬
‫أهل النار (عذابا) مشتقا (من) العذوبة وهي الحالوة ألجل (عذوبة طعمه) يف أذواقهم وإن بقيت‬
‫عينه يف الظاهر معاقبة وإيجاعا (وذاك) أي ما هو يف الظاهر من صورة المعاقبة (له) أي لما يف الباطن‬
‫من اللذة والعذوبة (كالقشر) الذي يكون للبوب والحبوب (والقشر صائن)‪ ،‬أي حافظ ساتر لما يف‬
‫داخله من اللب)‪.‬‬

‫فها هو يثبت انقالب العذاب عذوبة يف كالم ابن عربي‪ ،‬ويقول إن ظاهرهم العذاب وباطنهم‬
‫العذوبة‪.‬‬

‫ومما نضيفه هنا مقدمة الشيخ عبد الغني النابلسي لشرحه الفصوص‪ ،‬فقد قال بعد الحمدلة‪:‬‬
‫(هذا شرح مختصر وضعت على كتاب فصوص الحكم الذي صنفه بحر المعارف اإللهية وترجمان‬
‫العلوم الربانية الشيخ األكرب والقطب األفخر الشيخ محيي الدين بن عربي الطائي األندلسي قدس‬

‫‪61‬‬
‫اهلل سره‪ ،‬وأعلى يف حضرة القرب مقره‪ ،‬لما رأيت شروحه مغلقة العبارات صعبة اإلشارات‪ ،‬ال تربد‬
‫من كيد القاصرين غلة‪ ،‬وال تشفي ألهل البداية علة‪ ،‬حتى ال يكاد ينتفع هبا غير أهل األذواق من‬
‫السادات األجلة‪ ،‬فأردت أن أوضح مشكله وأفصل مجمله بأظهر ما تيسر لي من الكالم وعلى‬
‫حسب الفتح واإللهام‪ ،‬وسميته جواهر النصوص يف حل كلمات الفصوص‪ ،‬وباهلل المستعان وعليه‬
‫التكالن وهو حسبي ونعم الوكيل‪ ،‬واهلل يقول الحق وهو يهدي السبيل)‪.‬‬

‫وهذا الكالم يظهر منه كما ال يخفى أن الشيخ النابلسي رحمه اهلل يسلم تماما أن هذا الكتاب‬
‫من تأليف الشيخ ابن عربي‪ ،‬وأن ما يقوم به هو إظهار أسراره وتقريبه فوائد‪ ،‬لالستفادة من عوائده‪،‬‬
‫فال يقال أبدا إن الشيخ النابلسي إنما شرح الكتاب وما فيه على فرض أنه البن عربي‪ ،‬فإنه جازم أنه‬
‫له كما يظهر لكل قارئ‪.‬‬

‫الدس‪:‬‬
‫األستاذ سعيد فودة يثبت باألدلة بطالن دعوى ّ‬

‫ال بد من مالحظة ما يأتي‪:‬‬

‫يف أثناء مناقشة هذه المسألة التي نجدها يف كتب منسوبة البن عربي‪ ،‬هي تحول العذاب من‬
‫إفادة األلم ألهل النار‪ ،‬إلى إفادة العذوبة لهم بعد فرتة زمانية ذكر ابن عربي أنه يعرفها‪ ،‬ولكنه احرتاما‬
‫لمقام نبينا عليه الصالة والسالم ال يفشيها‪ ،‬وهذا المعرب عنه اختصارا بانقالب العذاب إلى عذوبة‬
‫مع بقاء صورته‪ ،‬وبخصوص موقف الشيخ عبد الغني النابلسي منها‪ ،‬فقد تم استحضار نصين له‬
‫أعني للشيخ عبد الغني النابلسي‪ ،‬النص األول وهو النص الموجود يف شرح الفصوص‪:‬‬

‫قال الشيخ عبد الغني النابلسي يف شرحه على الفصوص (‪ )333/1‬الفص اإلسماعيلي‬
‫طبعة دار الكتب العلمية‪( :‬فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار انقضى يوم القيامة وجاء يوم‬
‫الخلود كما قال تعالى‪( :‬ذلك يوم الخلود)‪ ،‬فإذا زال الحجاب بالتجلي على أهل النار‪ ،‬المكنى عنه‬
‫يف الحديث بوضع القدم‪ ،‬والمشار إليه يف قوله تعالى‪( :‬فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة‬
‫‪62‬‬
‫وظاهره من قبله العذاب) اآلية‪ ،‬فالباطن الذي فيه الرحمة هو التجلي‪ ،‬والعذاب يف الظاهر‪ ،‬فعند‬
‫ذلك ينقلب العذاب عذوبة لهم مع بقائه كما كان على األبد‪ ،‬ولهذا قال‪( :‬يسمى) أي ذلك العذاب‬
‫عذاب أهل النار (عذابا) مشتقا (من) العذوبة وهي الحالوة ألجل (عذوبة طعمه) يف أذواقهم وإن‬
‫بقيت عينه يف الظاهر معاقبة وإيجاعا‪( ،‬وذاك) أي ما هو يف الظاهر من صورة المعاقبة (له) أي لما يف‬
‫الباطن من اللذة والعذوبة (كالقشر) الذي يكون للبوب والحبوب (والقشر صائن)‪ ،‬أي حافظ ساتر‬
‫لما يف داخله من اللب‪ ،‬وذلك بعد استيفاء مدة ما هم فيه من استيالء األوهام على خياالهتم الفاسدة‬
‫حتى يتحققوا بالواحد الحق يف كل ما التبس عليهم فيه‪ ،‬ويشهدونه يف الظواهر والبواطن‪ ،‬ويرجهون‬
‫إلى ما كانوا فيه من البواطن‪ .‬وهذه المسألة من األسرار‪ ،‬وال طريق إليها من جانب أهل العقول‬
‫واألفكار‪ ،‬وليس فيها مصادمة شيء من ظواهر أحكام الشريعة‪ ،‬وال مخالفة لما عند علماء الظاهر‬
‫بحسب الظاهر أن أسرار البواطن مستورة عن المقيد بأغالل الطبيعة) اهـ‪.‬‬

‫وهذا النص يفيد‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أن الشيخ عبد الغني رحمه اهلل لم يعرتض –هنا يف هذا النص‪ -‬على فكرة ابن عربي‬
‫يف تحول العذاب إلى عذوبة بعد فرتة معينة‪ ،‬من األلم الذي يمرون به‪ ،‬ولكنه يحاول أن يستدل على‬
‫أن هذه الفكرة ال تخالف الشريعة‪ ،‬فاعتمد على أن الوعيد الوارد يف أهل النار الذين هم أهلها‪،‬‬
‫والوارد يف غيرهم‪ ،‬ليس يف إخبار بأهنم يبقون يف العذاب الموجب لأللم طوال بقائهم يف النار‪ ،‬ولكنه‬
‫تعليق لذلك‪ ،‬فإن لم يقع هذا العذاب المؤلم دائما‪ ،‬بل يف بعض الفرتات ثم ينقطع ويتحول إلى‬
‫عذوبة من بعدُ ‪ ،‬فال يوجب ذلك نسبة الكذب هلل تعالى‪ .‬على هذا التخريج اعتمد الشيخ عبد الغني‬
‫يف تأويل كالم ابن عربي ومحاولة جعله غير مخالف للشريعة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أن الشيخ عبد الغني النابلسي فهم من نص الفصوص ما هو مفهوم من رأي ابن عربي‬
‫المذكور سابقًا‪ ،‬ولم يعرتض على ثبوت هذا الرأي له‪ ،‬ونسبته إليه‪ ،‬ولكنه يشتغل بمحاولة‬

‫‪63‬‬
‫االستدالل على دعوى أنه ال يخالف الشريعة‪ .‬وهذا يظهر بوضوح تام من فقرته التي أهنى هبا كالمه‬
‫وتفسيره لكالم ابن عربي‪.‬‬

‫النص الثان‪ ،‬وهو النص الذي أحضره لنا صديقنا العزيز البحاثة نزار حمادي‪ ،‬ونورده هنا‬
‫للتذكير به‪.‬‬

‫قال الشيخ عبدالغني النابلسي يف المطالب الوفية‪( :‬إن فهم هذا األمر على ظاهره مشكل‬
‫من جهة تعطيل صفة الغضب اإللهي بزوال العذاب من أهل النار وانقالبه عذوبة‪ ،‬وصفات اهلل تعالى‬
‫المرضي‬
‫ّ‬ ‫ال تتعطل من التعلق بآثارها أبدا‪ ،‬فكما أن صفة الرضوان لم تتعطل من التعلق بآثارها ـ وهم‬
‫عنهم ـ كذلك يجب أن تكون صفة الغضب‪ .‬وغاية ما يمكن أن يقال يف ذلك‪ :‬إن صفة الغضب اإللهي‬
‫ال تتعطل‪ ،‬وإنما تحل على أهل النار‪ ،‬فيغيبون يف شهودها‪ ،‬فال يدركون عند ذلك ألم العذاب الذي‬
‫هو أثر تلك الصفة الشتغالهم بما هو أعظم من ذلك الذي كانوا يشهدونه من ألم العذاب‪ ،‬وهو‬
‫شهود تلك الصفة ألهنم يقعون يف شهود عين الغضب اإللهي‪ ،‬فإذا رجعوا إلى شهود ألم العذاب‬
‫وجدوه عذوبة بالنسبة إلى ما يشهدونه من عين الغضب‪ ،‬كما أن أهل الجنة إذا أحل عليهم اهلل تعالى‬
‫رضوانه واشتغلوا بشهود صفة الرضوان اإللهي يغيبون عن شهود نعيم الجنة‪ ،‬فكذلك أهل النار ال‬
‫يزول عذاهبم وال ألمهم وال يخرجون منها وال يفنون فيها‪ ،‬بل هم موجودون يف العذاب أبد اآلبدين)‬
‫اهـ‪.‬‬

‫ويستفاد من هذا النص ما يأيت‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه اهلل يعرتف يف هذا الموضع أن كالم ابن عربي –يف‬
‫ظاهره‪ -‬مشكل أي معارض للشريعة‪ ،‬ولذلك يبذل جهده يف محاولة تأويله تأويال آخر غير الذي‬
‫اقرتحه يف شرح الفصوص الذي هو مؤكد لظاهر كالم ابن عربي ال صارف له عن ظاهره‪ ،‬فقد قال‬
‫يف وصف الكالم محل النزاع إنه‪( :‬مشكل من جهة تعطيل صفة الغضب اإللهي بزوال العذاب من‬

‫‪64‬‬
‫أهل النار وانقالبه عذوبة‪ ،‬وصفات اهلل تعالى ال تتعطل من التعلق بآثارها أبدا‪ ،‬فكما أن صفة‬
‫المرضي عنهم ـ كذلك يجب أن تكون صفة الغضب)‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الرضوان لم تتعطل من التعلق بآثارها ـ وهم‬
‫إذن يبدو لنا أن الشيخ عبد الغني النابلسي قد تراجع عن تأويل كالم ابن عربي بالطريقة السابقة التي‬
‫ذكرها يف الفصوص‪ ،‬فإنه هناك كما رأينا يزعم أن ال معارضة بين ظاهر الشريعة وبين ظاهر ما يقرره‬
‫ابن عربي‪.‬‬

‫فهذا اعرتاف واضح بأن الوجه الذي اختاره يف شرح الفصوص غير مرضي به عنده يف هذا‬
‫الكتاب الذي يقول صديقنا العزيز نزار أنه من أواخر من ألف‪ ،‬وهذا شيء نوافقه عليه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬إن الشيخ عبد الغني النابلسي مع عدم موافقته على ظاهر النص ّ‬
‫محل اإلشكال من‬
‫ابن عربي إال أنه لم ينكر ثبوته له‪ ،‬ولم يقل إنه مدسوس عليه‪ ،‬بل إنه ما يزال يحاول يشتغل بتأويله‬
‫ليجعله موافقا للشريعة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬إن الحل الجديد الذي يقرتحه لنا الشيخ عبد الغني النابلسي يف فهم نص ابن عربي‬
‫ليكون موافقا لما هو ظاهر الشريعة –علما أنه ال دليل على وجود باطن لها يخالف هذا الظاهر‪-‬‬
‫وهو غاية ما يمكن أن يقال على حسب تعبير الشيخ النابلسي‪ ،‬وغاية التأويل الجديد لكالم ابن عربي‬
‫أن أهل النار الذين هم أهلها عندما يستغرقون يف مشاهدة صفة الغضب ينسون ما هم فيه من آالم‬
‫وغافلون عنها‪ ،‬فاأللم باق ولكنهم ال يدركونه الستغراقهم يف مشاهدة عين صفة الغضب! ويقول‪:‬‬
‫(فإذا رجعوا إلى شهود ألم العذاب وجدوه عذوبة بالنسبة إلى ما يشهدونه من عين الغضب) اهـ‪.‬‬

‫إذن فالشيخ عبد الغني يحاول أن يحمل كالم ابن عربي على أن األلم يزول نسبيا بالمقارنة‬
‫مع عين األلم عندما يشاهدون عين الغضب! ومعلوم أن مشاهدهتم عين الغضب ال بد أن يكون‬
‫فهم يف تأويل الشيخ عبد الغني‬
‫مؤلما لهم‪ ،‬وإال كان عذوبة‪ ،‬فنرجع إلى مناكرة ظاهر الشريعة‪ .‬إذن ُ‬
‫النابلسي يف ألم يف الحالين‪ :‬أعني يف حال استغراقهم يف مشاهدة عين الغضب‪ ،‬ويف حال شهود ألم‬

‫‪65‬‬
‫العذاب‪ .‬إذن فاأللم ال يتحول بحال يف نفسه إلى عذوبة‪ ،‬وال توجد مدة ينتهي هبا األلم ويتحول إلى‬
‫نص ابن عربي محل اإلشكال‪.‬‬
‫عذوبة كما هو ّ‬

‫ويظهر بصورة جلية أن ما يقرتحه الشيخ النابلسي وإن كان ال يعارض ظواهر الشريعة فعال‬
‫كما قال‪ ،‬إال أنه ال يمكن أن يكون تأويال لكالم الشيخ ابن عربي‪ ،‬كما ال يمكن أن يكون موافقا‬
‫لكالمه هو يف شرحه على الفصوص حيث نص هناك على أن العذوبة حقيقية ال نسبية‪.‬‬

‫وهبذا يظهر لنا أن هناك إشكالية حقيقة يف كالم ابن عربي‪ ،‬ويظهر لنا كذلك أن الشيخ‬
‫عبدالغني النابلسي رحمه اهلل تعالى قد غير موقفه من فهم كالم ابن عربي يف مرحلة متأخرة من حياته‪،‬‬
‫إن كان كتابه المطالب الوفية الذي نقل لنا منه صديقنا العزيز األستاذ نزار ما نقله قد ألفه يف أواخر‬
‫حياته‪ .‬وهذا هو المأمول من الشيخ النابلسي رحمه اهلل تعالى‪ ،‬ونحن سعداء جدا هبذا الذي نراه يف‬
‫كالمه المتأخر‪ ،‬وإن كنا ال نوافقه يف أن ما قرره من تأويل جديد هو ما يريده ابن عربي فعال بل هو‬
‫مخالف له مخالفة ظاهرة‪ ،‬وألنه ال دليل على إرادته للمعنى الذي قرره الشيخ النابلسي‪.‬‬

‫واهلل هو الموفق‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫ويقر بوجود اإلشكال يف كالم ابن عربي‪:‬‬
‫الشيخ نزار حمادي يثني على كالم الشيخ سعيد ّ‬

‫فضيلة الشيخ الفاضل سعيد حفظه اهلل‪ ،‬ال شك أن أوافقكم كل الموافقة على اإلشكاليات‬
‫صرح به النابلسي يف‬
‫المطروحة يف الفصوص ويف شرح الشيخ النابلسي عليه‪ ،‬وهذا اإلشكال قد ّ‬
‫المطالب الوفية حيث حاول توجيه الكالم توجيها آخر‪ ،‬ولعلكم تالحظون كما أالحظ شدة التناقض‬
‫بين ما ورد للنابلسي يف شرح الفصوص وما ورد يف المطالب الوفية‪ ،‬هذا بناء على فهمي لما ورد يف‬
‫المطالب من أن يف شهود صفة الغضب اإللهي مضاعفة للعذاب واأللم‪ ،‬ال الشعور بالراحة من‬
‫نسياهنم العذاب‪ ،‬فهم يف عذاب متجدد متنوع دائم متفاوت الشدة والعياذ باهلل‪ ،‬ففي مشاهدة صفة‬
‫الغضب مضاعفة للعذاب‪ ،‬كما أن يف رؤية اهلل تعالى ورضوانه فيه مضاعفة للثواب‪.‬‬

‫فالحاصل الذي أريد الخروج به أن اإلشكاليات مطروحة وال يمكن نفيها أو تجاهلها‪،‬‬
‫وغاية ما أريد الوصول إليه هو ترك باب البحث مفتوحا جمعا للقرائن التي إما ان ترجح جانب‬
‫التربئة بما يستجد يف مجال البحث كنص المطالب الوفية الذي يخالف ما ورد يف شرح الفصوص‬
‫وهو متأخر عنه فيقضي على سابق كالم النابلسي‪ ،‬أو يتبين خالف ذلك فيحكم بالنقيض من ذلك‪.‬‬

‫وال شك أن الخطر كل الخطر على أبناء األمة اإلسالمية المسارعة لتبني نظرية من هذه‬
‫النظريات المشبوهة والمشكوك فيها متنا ومعنى‪ ،‬مع ترك الثوابت الراسخة التي بينها جمهور أهل‬
‫السنة والجماعة رضي اهلل عنهم‪ ،‬أو حتى ترك بعض ما يظهر صوابه عن ابن عربي كما ورد يف تفسيره‬
‫وإن ظهر لكم نقصان داللته وتتبع ما ورد يف الفصوص والفتوحات على إشكاله‪.‬‬

‫ولألسف الشديد غالب أو أكثر من يحاولون االنتصار لما يف الفصوص أو الفتوحات ليس‬
‫لهم دافع علمي وال سبب موضوعي‪ ،‬هو فقط فيما يبدو االنبهار وتخيل الكمال يف ظاهر ذلك‬
‫الكالم‪ ،‬وهذه الطريقة غير مرضية وال للغليل شافية‪ ،‬فالمطلوب هو اتباع الثوابت الراسخة‬
‫واألصول الشامخة‪ ،‬والمطلوب إرجاع المشكل للواضح والمتشابه للمحكم‪ ،‬ال العكس من ذلك‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫هذا‪ ،‬وللبحث يف هذه المسائل الشائكة مجال كبير‪ ،‬ال سيما وأن الرتاث اإلسالمي ما زال‬
‫يخفي الكثير والكثير‪ ،‬يسر اهلل لنا الوقوف على ما يوضح لنا السبيل‪ .‬واهلل ولي التوفيق‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫األستاذ سعيد فودة يدعو الجميع للبحث‪:‬‬

‫األستاذ الفاضل نزار حمادي وفقه اهلل إلى خير‪ ،‬بارك اهلل فيك على صدقك وصراحتك‬
‫وهذا المعهود منك‪ ،‬وهكذا يجب أن يكون البحث‪ ،‬اللهم إن هذا هو شأن أهل العلم والباحثين‬
‫الصادقين فكثر منهم يا اهلل يا رب العالمين! فإن الغمة عن هذه األمة إنما ترتفع هبم‪...‬يا رب‪.‬‬

‫ال شك أيها األخ الفاضل والنحرير الكامل أنني أوافقك فيما ذكرته عن الشيخ النابلسي‬
‫فيما يتعلق هبذه المسألة‪ ،‬وقد صرحت بذلك سابقا بوضوح ال يحتمل شكا‪ ،‬وأظهرته بما ال يتيح‬
‫لواحد أن يحتمل غير ما أريد‪ ،‬وقد حمدت اهلل تعالى على أن الشيخ النابلسي قد تراجع عن تأويله‬
‫السابق وموافقته السابقة لما يف الفصوص‪ ،‬بما نص عليه يف المطالب الوفية‪.‬‬

‫ومعرفتنا لما يف المطالب من حسناتك‪ ،‬فلم أكن اطلعت عليه من قبل هذا‪ ،‬أما بالنسبة لما‬
‫يف الفصوص والفتوحات فيبقى األمر مشكال ال حل له يف نظري‪...‬وال صارف له عن ظاهره‪،‬‬
‫والمطلوب من أهل السنة أن يعرفوا الحق‪ ،‬وبالحق يعرفوا الرجال‪ ،‬ال أن يلووا عنق الحق الواضح‬
‫لمحبتهم ألحد العلماء‪.‬‬

‫وال شك يف أننا ال هندف من وراء هذا البحث والتدقيق إال إظهار الحق‪ ،‬وال نريد الحكم‬
‫على المخالف بكفر كما قد يتصور البعض أو إخراجه من الملة‪ ،‬فغاية األمر أننا هندف إلى بيان‬
‫مذهب أهل السنة على ما هو عليه‪ ،‬وإبعاد التأويالت الباطلة عنه‪ ،‬وعدم إتاحة الفرصة ألن يتسلل‬
‫إلى مذهب أهل الحق ما ليس منه بحجة العرفان أو االطالع على اللوح المحفوظ أو االجتهاد أو‬
‫غير ذلك‪ ،‬فكما يصرح العلماء ببطالن ما خالف فيه اإلمام الرازي يف بعض المسائل أو اإلمام‬
‫الجويني أو الغزالي أو األشعري نفسه‪ ،‬فكذلك نحن نرى أن ابن عربي ليس يف مكانة أجل من هؤالء‬
‫األعالم لكي نعمد دائما إلى صرف خطأه يف أقواله الظاهرة البطالن بدعوى تصوفه ولو بالتأويل‬
‫البعيد أو الدس الذي ال دليل عليه أو غير ذلك‪ ،‬هذا ما يجعل موقف أهل السنة دائما يف أقوى محل‪،‬‬

‫‪69‬‬
‫ورايتهم أعلى الرايات‪ ،‬أما طأطأة الرأس هنا وهناك فهو لعمري المودي إلى كل حيرة وضالل‬
‫وانحالل وضعف وهوان‪.‬‬

‫وندعو اهلل تعالى أن يكشف على يد الباحثين الجادين مثل الفاضل نزار أدلة قوية وكافية‬
‫تجعلنا نقتنع أن ابن عربي تراجع عما قاله من أقوال باطلة يف الفتوحات والفصوص وغيرها‪ ،‬ومع‬
‫أنا نرى عدم كفاية ما أورده من كالم يف نسخة التفسير المذكور‪ ،‬وال نرى أن ما يف الفصوص‬
‫والفتوحات إال صريحا واضحا يف الداللة على ما يريده ابن عربي مما بيناه‪ ،‬إال أننا نتمنى أن يكون‬
‫قد غير موقفه‪ ،‬وتتوقف قناعتنا بذلك على أدلة راسخة‪ ،‬والهدف من قبل ومن بعد كما قلنا بيان الرأي‬
‫الصحيح من الباطل‪ ،‬والنكير على المبطل‪ ،‬وعدم التمهيد له بالتوطئة بالتأويل والتمحل الذي ال‬
‫يرتضيه عاقل يف أغلب أوقاته وإن احتمله أحيانا! والهدف من قبل ومن بعد حفظ مقام عقيدة أهل‬
‫السنة ومقامهم يف نفوس الناس بإبعاد ما يزعزعها من قريب أو بعيد ليتحقق الهداية للبشر إلى الدين‬
‫الذي ارتضاه اهلل تعالى خاتم األديان وأظهره على يد أفضل األنبياء والرسل‪ ،‬ويبقى المجال مفتوحا‬
‫للباحثين‪.‬‬

‫وندعو اهلل تعالى أن يوفقنا وإياكم إلى ما فيه الحق والصواب‪.‬‬

‫*****‬

‫‪70‬‬
‫الشيخ األزهري‪ :‬يشكر المتباحثين‪:‬‬

‫شكرا على هذه المباحثة الممتازة ولي مالحظات‪:‬‬

‫األولى‪ :‬للشيخ سعيد وهي أننا حذفنا أل التعريف من كلمة عربي حتى ال يختلط عند القراء‬
‫األمر فيظنوا أن المقصود هو اإلمام القاضي أبو بكر ابن عربي المالكي‪ ،‬وهذا وإن كان ليس بالزم‬
‫لصحة التعريف بأل يف األول إال أن االصطالح جرى على حذف أل من الشيخ محي الدين ولست‬
‫آمن على من قصرت معرفته أن يظن الكالم يف المالكي ال الظاهري‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬أن المباحثة على جمالها حامت حول نصين أو ثالثة فقط‪ ،‬ولو جد اإلخوة يف البحث‬
‫فلعلهم يجدون نصوصا تزيل اإلشكال فأنصح بعدم البت اآلن دون تعمق يف البحث‪.‬‬

‫الثالثة أن الفصوص والفتوحات وغيرها من الكتب ‪-‬بغض النظر عن مؤلفها‪ -‬كتب ضررها‬
‫أكرب من نفعها‪ ،‬والذين نافحوا عن المحيي بن عربي كاإلمام السيوطي هم أنفسهم حرموا قراءهتا‪،‬‬
‫فيجب أن يحذر منها وتجتنب وليلزم الصويف قراءة مثل الرسالة القشيرية أو اإلحياء أو حلية األولياء‬
‫فهذه أنفع بكثير‪.‬‬

‫الرابعة أن هذه المباحثة كانت حول النصوص ومدلوالهتا وليس الهدف منها التكفير كما‬
‫قال الشيخ سعيد‪.‬‬

‫*****‬

‫‪71‬‬
‫علي الماتريدي‪ :‬يقترح نقال عن الشعراين يصلح معارضًا لما يف الفتوحات من انقالب‬
‫العذاب إلى عذوبة‪:‬‬

‫الحمد هلل‪ ،‬ما طرح األستاذ سعيد حفظه اهلل من اعرتاضات بحاجة إلى أجوبة بإنصاف‪،‬‬
‫فطالما طرحت المسألة على طريقة النظار فالدليل هو المرجح وحده‪ ،‬لكن سؤاال يف ذهني لم أر‬
‫جوابًا شافيًا له‪ :‬هل يلزم من رد كل شهادات تربئة ابن عربي تجهيل لكل أولئك الشاهدين‪،‬‬
‫فالفتوحات والفصوص التي بين أيدينا كانت متوفرة من القرن السابع إلى اآلن؟ وعلى ماذا بنيت‬
‫تلك الشهادات؟ ألم يقع يف أيديهم نسخ عليها السماعات والتوقيعات التي ذكره الشيخ سعيد؟ فهذا‬
‫جزء من المسألة كما ال يخفى‪ ،‬ويعتمده كل الموافقين لرباءة الشيخ ابن عربي‪ ،‬وأنا على ثقة أن‬
‫الشيخ سعيد عنده جواب عليه نود سماعه‪ .‬ولإلنصاف إلى اآلن يظهر لي أن اعرتاضات الشيخ سعيد‬
‫تنتج ما يريد حتى نجد لها جوابًا يخالفه‪.‬‬

‫وسؤال لألستاذ نزار‪ :‬هل يف المطالب الوفية للشيخ النابلسي رحمه اهلل كالم عن وحدة‬
‫الوجود يوافق أو يخالف ما ذكره يف رسالته التي ألفها بذلك ورد عليها الشيخ سعيد حفظه اهلل؟ وهذا‬
‫الجزء من التفسير هو تفسير لكم من القرآن العظيم؟‬

‫ويظهر من المشاركات أمر هام هو الذي تحت أكرب جزء من العمل‪ :‬أن يف الفتوحات‬
‫والفصوص ما يجب التحذير منه وهذه نقطة وفاق جليلة وهامة‪.‬‬

‫سيدي وشيخي وأستاذي الشيخ سعيد حفظه اهلل وأدام ظله بيننا ونفعنا بما يكتب وأثابه على‬
‫جهوده يف نصرة مذهب أهل السنة والجماعة‪ ،‬خادمكم سيدي بما أن الموضوع فتح فكل ما يشكل‬
‫لدي أطرحه هنا عسى أن أحظى بعين عطفكم يف اإلجابة عنها‪.‬‬

‫ذكرت يف مشاركتي السابقة أن هذه االشكاالت قد أعملتم فيها فكركم‬


‫ُ‬ ‫وأنا على ثقة كما‬
‫ونظركم المصون لما أعلم من دقتكم يف األحكام ونحن نطرحها لنخرج ما عندكم سيدي‪:‬‬
‫‪72‬‬
‫قال اإلمام الشعران يف مقدمة اليواقيت‪ :‬وقد حبب لي أن أقدم بين يدي هذا الكتاب مقدمة‬
‫نفيسة تتعين على من يريد مطالعته مشتملة على بيان عقيدة الشيخ محيي الدين الصغرى‪ ،‬التي صدر‬
‫هبا يف الفتوحات المكية ليرجع إليها من تاه يف شيء من عقائد الكتاب‪.‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬بيان عقيدة الشيخ المختصرة المربئة له من سوء االعتقاد‪ :‬اعلم رحمك‬
‫اهلل يا أخي أن ينبغي لكل مؤمن أن يصرح بعقيدته وينادي هبا على رؤوس األشهاد فإن كانت‬
‫صحيحة شهدوا له هبا عند اهلل تعالى وإن كانت غير ذلك بينوا له فسادها ليتوب منها‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬كما آمنت وأقررت أن سؤال فاتني القرب حق والعرض على اهلل حق والحوض حق‬
‫وعذاب القرب حق ونصب الميزان حق وتطاير الصحف حق والصراط والجنة حق والنار حق وفريقًا‬
‫يف الجنة وفريقًا يف السعير وكرب ذلك اليوم على طائفة حق وطائفة أخرى ال يحزهنم الفزع األكرب‬
‫حق وشفاعة المالئكة والنبيين والمؤمنين وشفاعة أرحم الراحمين حق وجماعة من أهل الكبائر من‬
‫المؤمنين يدخلون جهنم ثم يخرجون منها بالشفاعة حق‪ ،‬والتأبيد للمؤمنين يف النعيم المقيم والتأبيد‬
‫للكافرين والمنافقين يف العذاب األليم حق‪....،‬ثم قال فهذه شهاديت على نفسي أمانة عند كل من‬
‫وصلت إليه يؤديها إذا سئلها حيثما كان نفعنا اهلل وإياكم هبذا اإليمان وثبتنا عليه عند االنتقال إلى‬
‫الدار الحيوان وأحلنا دار الكرامة والرضوان اهـ‪.‬‬

‫أال يصلح كالمه هنا نصًا معارضًا لما يف طيات الفتوحات من انقالب العذاب عذوبة‪ ،‬فهنا‬
‫يصرح بمنطوق اآليات القرآنية أن للكافرين والمنافقين عذابًا أليمًا مؤبدا؟‬

‫*****‬

‫‪73‬‬
‫األستاذ سعيد فودة يثبت نسبة الفتوحات إلى الشيخ ابن عربي‪ ،‬وأن مذهب ابن عربي انقالب‬
‫العذاب إلى عذوبة‪:‬‬

‫األخ العزيز علي األشعري‪ ،‬أشكرك على هذا السؤال‪ ،‬هذا جواب عن سؤالك أكتبه لك‬
‫على عجل‪.‬‬

‫ولكي نستطيع الجواب بصورة واضحة جلية‪ ،‬ال بدّ من التمهيد بمقدمات‪:‬‬

‫أوال‪ :‬تأليف الفتوحات المكية ونسخه‬

‫للفتوحات المكية نسختان مهمتان دققهما ابن عربي‪ ،‬األولى النسخة التي تمثل التأليف‬
‫األول للفتوحات‪ ،‬والثانية النسخة بعد المراجعة والتدقيق والزيادة والنقصان للفتوحات‪ ،‬وهذه‬
‫النسخة الثانية هي المشهورة بنسخة قونية التي عليها توقيعات ابن عربي وتلميذه القونوي وعليها‬
‫سماعات وغير ذلك‪.‬‬

‫لقد أكمل ابن عربي تأليف الفتوحات المكية للمرة األولى عام ‪629‬هـ‪ ،‬وتوجد بعض‬
‫النسخ الموجودة بين األيدي تعتمد على هذه النسخة األولى للفتوحات‪.‬‬

‫وأما النسخة الثانية فأتمها يف عام ‪636‬هـ أي قبل وفاته بعامين‪ ،‬وهذه هي نسخة قونية‬
‫المشهورة التي عليها التوقيعات والتدقيقات كما قلنا‪.‬‬

‫وأكثر النسخ الخطية التي من الفتوحات توجد مأخوذة من نسخة قونية‪ ،‬ولكن يوجد يف كثير‬
‫من خزائن المخطوطات نسخ معتمد فيها على األولى قبل التنقيح والمراجعة التي انتهى منها عام‬
‫‪629‬هـ كما قلنا‪.‬‬

‫وهذه النسخة هي التي أخرجتها الهيئة المصرية بتحقيق د‪ .‬عثمان يحيى‪ ،‬ود‪ .‬إبراهيم‬
‫مدكور‪ ،‬تحت إشراف المجلس األعلى للثقافة وطبعت يف الهيئة المصرية العامة للكتاب عام‬

‫‪74‬‬
‫‪1405‬هـ‪1985-‬م‪ .‬وهي نسخة محققة مقارنة فيها معلومات مهمة جدا عن جميع النسخ التي‬
‫اعتمدوا عليها وأهمها النسختان المذكورتان سابقا‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬مراتب العقيدة عند ابن عربي‬

‫ابن عربي وضع العقيدة يف كتاب الفتوحات المكية على أربع مراتب‪:‬‬

‫المرتبة األولى‪ :‬وهي المتن المشهور الذي وضعه يف أوائل الفتوحات المكية‪ ،‬وهو الذي‬
‫يرجع إليه عادة من يريد إثبات أن ابن عربي موافق ألهل السنة‪ .‬وقد سمى ابن عربي هذا المتن بعقيدة‬
‫العوام! ولك أن تعرف أنه هبذه التسمية فقط‪ ،‬ال يرى أهنا حقيقة الحق‪ ،‬ولكنها المشهورة بين العوام‪،‬‬
‫وال يخفى أن العوام يف زمانه كان أغلبهم أشاعرة‪.‬‬

‫المرتبة الثانية‪ :‬وهي عقيدة علماء الكالم وقد سماها ابن عربي العقيدة الناشية الشادية‪.‬‬

‫المرتبة الثالثة‪ :‬عقيدة الخاصة‪ :‬وهي التي وضعها بعد الناشية الشادية‪ ،‬ويف هذا العقيدة قرر‬
‫يف بعض المسائل مخالفته ألهل السنة يف أكثر من مسألة وهي التي اعتمد عليها الشيخ هان علي‬
‫الرضا يف مقاله السابق‪.‬‬

‫المرتبة الرابعة‪ :‬عقيدة فقد سماها بعقيدة الخالصة‪ ،‬وهي التي تمثل عين الحق يف نظره‪،‬‬
‫وقد جعلها مبددة يف الكتاب ولم يفردها على التعيين لما فيها من الغموض‪.‬‬

‫فالمرتبة المرضية عنده ليست عقيدة العوام‪ ،‬بل هي المرتبة الرابعة المبددة يف الكتاب‪.‬‬

‫ولكي تقرأ ذلك من كالمه نفسه‪ ،‬نسوقه إليك‪ ،‬فقد قال يف الفتوحات (‪ )38/1‬وذلك بعدما‬
‫أورد عقيدة العوام‪( :‬فهذه عقيدة العوام من أهل اإلسالم وأهل التقليد وأهل النظر ملخصة مختصرة‪.‬‬
‫ثم أتلوها إن شاء اهلل بعقيدة الناشية الشادية منتها اختصار االقتصاد بأوجز عبارة نبهت فيها على مآخذ‬
‫األدلة لهذه الملة‪ ،‬مسجعة األلفاظ‪ ،‬وسميتها برسالة المعلوم من عقائد أهل الرسوم‪ ،‬ليسهل على‬

‫‪75‬‬
‫الطالب حفظها‪ ،‬ثم أتلوها بعقيدة خواص أهل اهلل من أهل طريق اهلل من المحققين أهل الكشف‬
‫والوجود‪ ،‬وجردتها أيضا يف جزء آخر سميته المعرفة‪ ،‬وبه انتهت مقدمة الكتاب‪ .‬وأما التصريح‬
‫بعقيدة الخالصة فما أفردتها على التعيين لما فيها من الغموض لكن جئت بها مبددة يف أبواب هذا‬
‫الكتاب مستوفاة مبينة لكنها كما ذكرنا متفرقة‪ ،‬فمن رزقه اهلل الفهم فيها يعرف أمرها‪ ،‬ويميزها من‬
‫غيرها‪ ،‬فإنه العلم الحق والقول الصدق‪ ،‬وليس وراءها مرمى‪ ،‬ويستوي فيها البصير واألعمى‪ ،‬تلحق‬
‫األباعد باألداين‪ ،‬وتلحم األسافل باألداين‪ ،‬واهلل الموفق ال رب غيره)‪.‬‬

‫وقد قال ابن عربي يف بداية ذكره لعقيدة العوام هذه (‪ٌ ( :)36/1‬‬
‫وصل يتضمن ما ينبغي أن‬
‫يعتقد يف العموم وهي عقيدة أهل اإلسالم مسلمة من غير نظر إلى دليل وال إلى برهان) اهـ‪.‬‬

‫وأي عاقل يقرأ هذا الكالم‪ ،‬يعرتف أن العقيدة األولى تمثل عقيدة أهل النظر والعوام‪ ،‬ال‬
‫تمثل الحق الصرف يف رأي ابن عربي‪ ،‬وهذا بتصريحه وتوضيحه‪ ،‬ال سيما وقد خالف بعض ما فيها‬
‫يف عقيدة خواص اهلل!‬

‫ومن الواضح أنه لو أبقى قيد (األليم) يف الموضع المذكور لتعارض ما ما يقرره يف تفاصيل‬
‫الكتاب من العقيدة التي وصفها بأنه القول الصدق وهي التي بددها يف الكتاب وفرقها‪ ،‬ولذلك‬
‫سنرى أنه حذف قيد (األليم) عندما راجع الكتاب واعتمد حذفه يف النسخة القونية المعتمدة وهي‬
‫النسخة التي أهداها ابن عربي نفسه لصدر الدين القونوي تلميذه (المتوىف سنة ‪672‬هـ)‪ ،‬وذلك بعد‬
‫أن أكملها يف حوالي سنة ‪636‬هـ قبيل وفاته بسنتين‪ ،‬ولعل النسخة القونية هذه اقدم مخطوط كامل‬
‫وصل إلينا حتى اآلن كما قاله محققو الكتاب (‪ ،)34/1‬وال يبعد ان تكون هذه النسخة بخط ابن‬
‫عربي نفسه‪.‬‬

‫وقد قال ابن عربي يف وصف عقيدة الخالصة التي سماها أيضا خالصة الخاصة (‪)47/1‬‬
‫وذلك بعد أن انتهى من ذكر عقيدة الخواص المرتبة الثالثة‪( :‬وأما عقيدة خالصة الخاصة يف اهلل فأمر‬

‫‪76‬‬
‫فوق هذا جعلناه مبددا يف هذا الكتاب‪ ،‬لكون أكثر العقول المحجوبة بأفكارها تقصر عن إدراكه لعدم‬
‫تجريدها)‪.‬‬

‫ومن الظاهر بناء على ذلك ّ‬


‫أن ما يذكره ابن عربي من عقيدة يف أثناء الكتاب مفصال ال‬
‫مجمال‪ ،‬فهو المعتمد عنده‪ ،‬وال يضر إن خالف ما أورده يف عقيدة العوام‪ ،‬ألنه يصرح كما ترى أن‬
‫الحق الصريح الذي ليس بعد شيء هو ما بدده يف أثناء الكتاب‪ .‬وليس ما أودعه يف أوله‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬بعد هذه المقدمات حان األوان لننظر فيما نقلته أيها الفاضل عن اإلمام الشعراين‪.‬‬

‫جاء يف كالم الشعران نقال عن ابن عربي أنه قال يف العقيدة التي نسبها للعوام‪( :‬والتأبيد‬
‫للمؤمنين يف النعيم المقيم والتأبيد للكافرين والمنافقين يف العذاب األليم حق)‪ ،‬واإلمام الشعران‬
‫صادق فيما عزاه بال ريب‪.‬‬

‫ولكنا نبين لك الموقف تفصيال كما يأيت‪:‬‬

‫‪ -1‬جاء يف الفتوحات المكية النسخة المطبوعة يف أربع مجلدات يف هذا الموضع‪( :‬والتابيد‬
‫للمؤمنين والموحدين يف النعيم المقيم يف الجنان حق‪ ،‬والتأبيد ألهل النار يف النار حق) اهـ‪ .‬وكما‬
‫ترى لم ِ‬
‫يأت فيها تقييد الخلود يف النار باأللم كما قيد الخلود يف الجنان بالنعيم المقيم‪ ،‬فمن أين أتى‬
‫اإلمام الشعران بقيد (األليم) الذي ذكره‪.‬‬

‫‪ -2‬لو رجعنا إلى النسخة المطبوعة يف مصر والمقارنة بجميع النسخ المذكورة آنفا‪ ،‬أعني‬
‫نسخة قونية وهي المعتمد األخيرة‪ ،‬وبغيرها من النسخ األخرى التي أشرنا إليها‪ .‬لوجدنا ما يأيت‪:‬‬

‫نسخة قونية‪ :‬جاء يف نسخة قونية المعتمدة أخيرا من ابن عربي والمكتوب عليها بخطه وخط‬
‫القونوي تلميذه والمصححة باعتماد من ابن عربي والمنقحة منه‪ ،‬جاء يف هذه النسخة الموثقة‬

‫‪77‬‬
‫(‪ )172/1‬ما يأيت‪( :‬والتأبيد للمؤمنين والموحدين يف النعيم المقيم يف الجنان حق‪ .‬والتأبيد ألهل‬
‫النار يف النار‪ ،‬حق)‪ .‬وال نرى فيها قيد األليم للعذاب!!‬

‫وأشار المحققون للكتاب يف الهامش أنه قد جاء يف نسخة سموها بنسخة بايزيد النص‬
‫بالصيغة اآلتية‪( :‬والتأبيد للكافرين والمنافقين يف العذاب األليم حق)‪ ،‬ونرى هنا قيد األليم يف هذه‬
‫النسخة ال يف نسخة قونية التي نقحها ابن عربي يف أواخر حياته كما قلنا‪ .‬ومن هذه النسخة أخذ اإلمام‬
‫الشعران كما نرى‪ ،‬ألن النص الذي أورده هوعين ما نجده يف هذه النسخة‪ ،‬وهو غير موجود يف‬
‫النسخة القونية المعتمدة أخيرا من ابن عربي كما قلنا مرارا‪.‬‬

‫‪ -4‬لنعرف شيئا عن نسخة بايزيد هذه‪ ،‬ذكر المحققون للكتاب أهنا منسوخة قبل عام‬
‫‪683‬هـ‪ ،‬أخذا عن نسخة الفتوحات األولى التي وضعت عام ‪629‬هـ‪.‬‬

‫فهذه النسخة إذن‪ :‬النسخة غير المنقحة من الفتوحات المكية‪ .‬وهي النسخة التي لم يرتضها‬
‫كما هي ها ابن عربي نفسه‪ ،‬وال اعتمد عليها هو وال تالمذته‪ .‬بل زاد عليها ونقص منها وعدل عليها‬
‫كما نراه يف النسخة القونية‪.‬‬

‫*****‬

‫وبعد معرفة هذه التفاصيل‪ ،‬يمكننا أن نجيب باختصار‪ ،‬فنقول‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬ال ريب أن المعتمد يف عقيدة ابن عربي إذا حصل تضارب بين المراتب األربعة‬
‫المذكورة هو العقيدة التي بددها يف أثناء الكتاب ووصفها أهنا الحق الذي ال مزيد عليه عنده والقول‬
‫الصدق‪ .‬ما جاء فيه مقدم على ما جاء يف عقيدة يصفها ابن عربي بعقيدة العوام‪ ،‬ثم استدل عليها‬
‫بالناشية الشادية‪ ،‬ثم خالف بعض مسائلها بما جاء يف المستوى الثالث منه الذي سماه بعقيدة خواص‬
‫أهل اهلل من أهل طريق اهلل من المحققين أهل الكشف والوجود‪ ،‬كما مر‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬بالنظر إلى نسخ الفتوحات‪ ،‬فإن المتفق عليه أن النسخة المعتمدة هي النسخة القونية‬
‫التي عليها توقيع ابن عربي ونقحها وأتمها يف عام ‪636‬هـ قبل وفاته بسنتين‪ ،‬وعليها اعتمد تالمذته‬
‫وخصوصا القونوي وهو أعرف الناس بابن عربي وبيبه لمدة أربعين سنة‪ ،‬ومن المتعمقين يف‬
‫العقليات والعرفان‪ ،‬هذه النسخة القونية لم يجئ فيها قيد (األليم) لعذاب أهل النار كما رأينا‪ ،‬بل‬
‫جاء يف النسخة القديمة التي عدلها ابن عربي من بعد‪ ،‬وهذه النسخة قبل النسخة القونية بحوال ثمان‬
‫سنوات! عليها اعتمد اإلمام الشعران يف النقل‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬يرتجح بمعرفة ما مضى‪ ،‬أن قيد (األليم) لعذاب أهل النار غير معترب عند ابن عربي‬
‫قبيل حياته‪ ،‬وما كتبه قبل ذلك فإنه تراجع عنه بعد تنقيحه ومراجعاته‪ ،‬فهو منسوخ بالنسبة إليه‪ ،‬وال‬
‫يجوز نسبته إليه إال على أنه قول قديم له يف حكاية عقيدة العوام‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬ال يجوز أن ننسى أن ما هو مذكور يف هذه العقيدة‪ ،‬أعني عقيدة العوام‪ ،‬ليس هو عين‬
‫الحق وال هو القول الصدق بحسب وصف ابن عربي‪( ،‬عقيدة العوام من أهل اإلسالم وأهل التقليد‬
‫وأهل النظر ملخصة مختصرة)‪ ،‬يعني إن هذا القدر هوعقيدة المتكلمين من أهل السنة يوافقهم عليه‬
‫العوام من الناس‪ ،‬فالمقصود بأهل النظر هنا المتكلمون الذين نظر إليهم أتباع مدرسة ابن عربي على‬
‫أهنم عوام ال ذوق عندهم لم يتحققوا الحق ولم يعرفوا ما وراء ظواهر الكالم‪ ،‬ولم تنقشع عن اعينهم‬
‫كثير من األوهام والقيود‪ .‬وإنما هم يتكلمون بحسب رتبتهم‪.‬‬

‫ويكفي أن نبين أن ابن عربي لم يعد يعتمد هذا القيد‪ ،‬أعني تقييد العذاب باألليم‪ ،‬فيما نقحه‬
‫من نسخته األخيرة األثيرة التي أهداها لتلميذه القونوي‪ ،‬حتى يبطل أي احتجاج هبا من بعدُ ‪ ،‬وتبقى‬
‫لها قيمتها التاريخية فقط الدالة على تدرج ابن عربي يف العلوم والتدقيق‪ ،‬وأن معارفه لم تربز يف‬
‫صدره دفعة واحدة من اللوح المحفوظ كما يتوهم بعض الناس‬

‫واهلل أعلم وأحكم‬

‫‪79‬‬
*****

80
‫علي الماتريدي‪ :‬احتمالية الدس ال تزال قائمة‪:‬‬

‫سيدي الشيخ جزاك اهلل خيرا على بسطكم الجواب‪:‬‬

‫وكل ما تفضلتم به يزيد أيضًا من احتمالية التصرف بالنسخ واالعتماد على ما قاله محققو‬
‫الفتوحات غير كاف باألخص أن متابعي الشيخ يقولون بوجود نسخة ال تخالف عقيدة أهل السنة‬
‫والجماعة بشهادة من ال تتهمونه‪ ،‬أين هذه النسخة؟‬

‫ثم ما قدمه الشيخ يف بداية الفتوحات وأشهد عليه بقول‪( :‬ينبغي لكل مؤمن أن يصرح‬
‫بعقيدته وينادي هبا على رؤوس األشهاد فإن كانت صحيحة شهدوا له هبا عند اهلل تعالى وإن كانت‬
‫غير ذلك بينوا له فسادها ليتوب منها) اهـ‪ ،‬ثم يقول عن األخرى‪( :‬ليسهل على الطالب حفظها) اهـ‪،‬‬
‫فهل يصح للعاقل أن ُيشهد على عقيدة ثم بعد ذلك يذكرها على نحو بديع ليسهل على الطالب‬
‫حفظها المتضمن للحث على حفظها ثم يخالفها بالكلية!‬

‫ما الذي يضطره ألن يقول‪( :‬فهذه شهاديت على نفسي أمانة عند كل من وصلت إليه يؤديها‬
‫إذا سئلها حيثما كان نفعنا اهلل وإياكم هبذا اإليمان وثبتنا عليه عند االنتقال إلى الدار الحيوان وأحلنا‬
‫دار الكرامة والرضوان) اهـ‪.‬‬

‫إذا هو ال يذم هذه العقيدة مطلقًا والغمز بعقيدة العوام ما زال بين الصوفية وغيرهم واإلمام‬
‫الغزالي طمح إلى ما هو وراء النظر ووجده يف التصوف‪ .‬فلم ال يجوز أن النسخ المتوافرة فيها من‬
‫الدس وإن كان بعضها عليها التوقيعات والسماعات كنسخة قونية‪ ،‬ولم ال يجوز أن النسخة التي‬
‫اعتمدها اإلمام الشعران ومدحها هي المتأخرة تأليفًا ‪-‬والتي فيها تأبيد العذاب‪ -‬بعد أن يرتفع الثقة‬
‫على ما قاله المحققون ال للشك هبم بل للشك بالنسخ‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫فلمتابعي الشيخ أن يلتزموا التحريف حتى يف النسخة التي عليها التوقعيات‪ ،‬فال يبعد الدس‬
‫يف ضمن النسخة مع المحافظة على تلك السماعات والتدقيقات يف بدايتها أو هنايتها‪ ،‬ولهم أن يقولوا‬
‫نحن نرفع الثقة عن كل النسخ المتوفرة من الفتوحات بشهادة علماء األمصار عرب هذه األزمان التي‬
‫ال يمكن إهمالها يف ضمن البحث يف هذا الموضوع ويجعلون ذلك دليال للطعن بكل النسخ وإال لو‬
‫كانت عندهم هذه النسخة الصحيحة ألخرجوها لما لم يكن اكتفوا بشهادة علماء األمصار‪.‬‬

‫وأعتذر منكم على كثرة أسئلتي‪.‬‬

‫*****‬

‫‪82‬‬
‫األستاذ سعيد فودة يبين سقوط دعوى الدس وبطالنها‪:‬‬

‫أخي الفاضل‪ ،‬وإن لم يكن كالمك إال مجرد احتمال غير مبني على دليل‪ ،‬وما كان كذلك‬
‫فال يعارض الوقائع الثابتة يف نفس األمر‪ ،‬ولكن أقول‪ :‬إذا أردت أن تعتمد على مجرد االحتمال‬
‫المفروض مع وجود ما يخالفه واقعا‪ ،‬فال أحد يستطيع أن يمنعك أخي الفاضل‪ ،‬ولكن من المعلوم‬
‫أن مجرد االحتمال ال يرفع أن الواقع واقع‪ .‬وكل واحد يعرف مفهوم النسخ الخطية المحفوظة‬
‫والمعتنى هبا‪ ،‬ويعرف معنى الخطوط والتغييرات التي قد تقع على المخطوطات ويطلع على بعض‬
‫المخطوطات فإنه يعلم بعد ذلك أن هذا المخطوط وقع فيه التغيير أو ال‪ ،‬ولكن البعيد عن األمر‬
‫تبقى االحتماالت يف ذهنه‪.‬‬

‫ثم إننا ال نقول إن الدس قد وقع يف النسخة األولى التي انتهى منها عام ‪629‬هـ‪ ،‬بل نقول إن‬
‫ابن عربي قد أعاد النظر فيها وعدل عليها ونقحها واعتمد ما اعتمده أخيرا يف النسخة القونية‪ ،‬وهذا‬
‫ال يقال عليه إنه دس أبدا‪!!...‬‬

‫هل تعرف أخي العزيز كم كانت مكانة ابن عربي بين الناس‪ ،‬وهل تعرف على كم نسخة‬
‫خطية تحتوي مكتبات العالم يف الشرق والغرب اآلن من الفتوحات المكية‪ ،‬إهنا تشتمل على المئات‬
‫من النسخ الكاملة ذات الخط الواضح‪ ،‬وعلى مئات من أجزاء الكتاب يف الشرق والغرب‪ ،‬وعندما‬
‫نقول إن المحققين اعتمدوا على هذه النسخة أو تلك‪ ،‬فذلك ال يعني مطلقا أهنم لم يجدوا غيرها‪،‬‬
‫بل وقعت أيديهم على مئات النسخ المأخوذة المتأخرة‪ ،‬ولكنهم اعتمدوا أقدم وأدق النسخ‬
‫المعتمدة يف تحقيقهم الكتاب والمحفوظة يف الخزائن الخاصة‪ ،‬أما النسخ المتوافرة بين األيدي‬
‫والمنتشرة يف المكتبات‪ ،‬فأكثر من أن تحصى‪ .‬ويا ليت األخ نزارا البحاثة أن يحاول االطالع على‬
‫بعض النسخ الخطية من الفتوحات المكية الموجودة يف مكتبة تونس للمخطوطات ويخربنا عما‬
‫يجده يف هذا الباب‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫وإذا قلنا إن الدس حاصل يف هذه جميعها‪ ،‬فلنا أن نتعجب ممن قال إنه توجد نسخة واحدة‬
‫ال يوجد فيها أي مخالفة ألهل السنة‪ ،‬ولنا أن نتعجب أكثر وأكثر من هذا القول أنه كيف لم تنتشر‬
‫هذه النسخة الوحيدة وكيف لم يعمل أتباع ابن عربي ومحبوه مع كثرهتم على زيادة نسخها ونشرها‬
‫وهم يعرفون كثرة الدس يف كتبه ومحاولة تشويه آرائه والدس فيها ما ال يرضاه على فرضهم!! كيف‬
‫سكت آالف بل مئات اآلالف من أتباع ابن عربي على هذا األمر وجعلوا يتفرجون على انتشار نسخ‬
‫مغلوطة خالل األزمان‪ ،‬واكتفوا بمجرد القول إهنا مدسوس فيها‪ .‬وهكذا يقال يف كتاب الفصوص‬
‫لفعلت‪ ،‬ولكن لنرتك كل ذلك جانبا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أيضا‪ ،‬ولو أردت أن أفند لك قصة الدس بصورة مفصلة‬

‫ودعني أ ُقل لك بعد كل ما مضى‪ :‬أخي الفاضل‪ ،‬إن رفعت الثقة بكل النسخ سواء منها‬
‫األخيرة أو المتقدمة أو غيرها فال يبقى مشكلة أصال‪ ،‬ال عندي وال عندك‪.‬‬

‫بيان ذلك‪ :‬أننا ال نتكلم أيها اإلخوة األفاضل عن ذات ابن عربي نفسه‪ ،‬ولكنا نتكلم عن‬
‫كتاب منسوب إليه‪ ،‬فإن رفعنا الثقة بكل النسخ وكل الكتب المنسوبة إليه‪ ،‬مع ما يف ذلك من‬
‫اضطراب عظيم‪ ،‬فإن ذلك كله ال يمنع التحذير مما فيها أيضا على اعتبار نسبتها على الشيخ ابن‬
‫عربي‪ ،‬وذلك بغض النظر إذا كانت صحيحة النسبة أو ال!‬

‫أال ترى كيف نتعامل نحن مع نسخة اإلبانة المنسوبة لإلمام االشعري‪ ،‬التي بين أيدينا‪،‬‬
‫فنخالف منها ما نخالفه ونحذر مما نحذر منه مما فيها‪ ،‬ولكن هذا كله ال يعود بالنقد األكيد على‬
‫اإلمام األشعري نفسه وال القدح فيه نفسه‪ ،‬ولكنه إذا قلنا خالفا لما يف اإلبانة مثال وخالفا لألشعري‬
‫فإن هذا يكون على تسليم جدلي بنسبتها إليه‪ ،‬وكذلك نتعامل مع بعض الكتب المنسوبة إلى اإلمام‬
‫الغزالي كالمضنون‪ ،‬ال نروج لها‪ ،‬ولكن نحذر منها‪ ،‬فأرجو أن نتعامل مع هذا األمر على هذا النحو‪،‬‬
‫وأن ال يحمل األمر على إرادتنا القدح يف ولي أو عارف‪ ،‬ولكننا نتكلم عما بين أيدينا‪ ،‬وبحسب‬
‫األدلة العادية المعتربة يف هذا المجال‪ ،‬وال نعتمد على مجرد افرتاضات‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫فعلى اإلخوة الذين يحبون ابن عربي أن يحذروا الناس من كتبه هذه ويعلنوا لهم ما فيها من‬
‫تالعب ومخالفات ألهل السنة‪ ،‬هذا غاية ما نقول به‪ ،‬فلسنا يف صراع مع ابن عربي نفسه‪.‬‬

‫ومن منكم باهلل ال يتمنى أن ال يكون ما يف كتب ابن تيمية أيضا منسوبا إليه فعال‪ ،‬ومفرتيا‬
‫عليه هذا مع علمنا أن أتباعه وتالميذه ومحبيه يعرتفون بوجود ما يخالف األشاعرة فيه؟ حتى أقرب‬
‫المقربين إليه أعني ابن القيم يعرتف بذلك‪ ،‬ولكن لو قال أحد إنني أتمنى أال يكون ذلك قد قاله ابن‬
‫تيمية فعال أال يكون هذا التمني خيرا عظيما‪ ،‬ولكن الواقع أن هناك كتبا منسوبة إليه ال دليل واضحا‬
‫على التالعب فيها تشتمل على المخالفات‪ ،‬فليكن الكالم على تلك المخالفات‪.‬‬

‫ويشهد اهلل أنا ال نريد مما نقول ونبين إال نصرة مذهب أهل السنة‪ ،‬والحق الذي يرشد إليه‬
‫الدين‪ ،‬أما القدح يف فالن وفالن فال نوجه إليه قصدنا أبدا‪ ،‬وندعو اهلل أن يكون كل المخالفين قد‬
‫ماتوا على عقيدة أهل الحق‪ ،‬حتى ابن تيمية ال نتمنى له إال الخير والهدى والصواب‪.‬‬

‫وإذا كان بعض المخالفين من مشايخ أهل السنة يتفقون معنا يف أن هذه الكلمات التي من‬
‫أمثلتها مسألتنا هذه مخالفة ألهل الحق‪ ،‬فالعربة إنما هو بالنهي عن القول هبا‪ ،‬وإنما نخاف أشد ما‬
‫نخاف أن يظن إنسان أهنا وغيرها الحق الذي ال ريب فيه لمجرد ورودها يف كتب ابن عربي‪ ،‬ونحن‬
‫نعلم مكانة ابن عربي يف نفسه أكثر بكثير مما يظنه بعض أتباعه المنافحين عنه‪ ،‬وإن حصل االتفاق‬
‫على هذا القدر‪ ،‬فهو المطلوب وعليه المعول‪...‬‬

‫وربما أذكر قريبا بعض الشواهد التي تربهن على أن ما نخاف منه من الرتويج لهذه األفكار‬
‫موجود وحاصل بين الناس‪ ،‬ويخاف أن يستفيد منه بعض المنحلين عن الدين والملحدين‪ ،‬ولذلك‬
‫ال بد من التنبيه عليه‪.‬‬

‫*****‬

‫‪85‬‬

You might also like