Professional Documents
Culture Documents
قراءة في عقيدة الشيخ محيي الدين ابن عربي الحاتمي - حوار
قراءة في عقيدة الشيخ محيي الدين ابن عربي الحاتمي - حوار
قراءة في عقيدة الشيخ محيي الدين ابن عربي الحاتمي - حوار
فهذه محاورات ومناقشات علمية ،جرت يف موقع منتدى األزهريين سنة 2010و 2011ميالدية،
حول عقيدة الشيخ محي الدين ابن عربي الحاتمي ،وكان البحث فيها مع شيخنا األستاذ سعيد فودة
حفظه اهلل تعالى.
وتمتاز هذه المحاورات والمناقشات بأهنا تجردت عن العصبية وكان الغرض منها البحث العلمي
للوصول إلى معرفة حقيقة ما يقال ويطرح بين الناس يف معتقد الشيخ محي الدين ابن عربي.
جمعت هذه النقاشات مع استبعاد بعض المشاركات الخارجة عن الموضوع ،وبعض الكلمات
ُ وقد
الهامشية الخارجة عن الموضوع ،وتم ذكر اسم كاتب كل مشاركة قبل المشاركة.
والناظر يف هذا المجموع يالحظ كيف أن اختالف اآلراء والفهوم يف موضوع البحث كان مساوقا
ومصاحبا للصدق واإلخالص يف البحث .كما أنك تالحظ أن الجميع يستمر يف كل مرة يف البحث
والتنقيب والتدقيق .ولذلك فقد أخذت هذه المناقشات وقتا من الزمان ،ولم تكن يف يوم وليلة ،بل
كان يصحبها مراجعة وإعادة نظر ،وهي بذلك ذات قيمة وفائدة للقراء.
جزى اهلل شيخنا األستاذ سعيد خير الجزاء ،وبارك يف علمه وعمره ،وجزى اهلل كل األخوة الذين
شاركوا يف الحوار والنقاش.
2
الفهرست
5 الشيخ هاين الرضا يفتتح النقاش بنقل نصوص مشكلة عن ابن عربي:
19 محمود بن سالم األزهري :بعض األولياء فتح باب الطعن يف كالمه:
الشيخ نزار حمادي يناقش الشيخ هاين ،ويقرر أهمية التحقق من نسبة الكالم والكتب للشيخ ابن
19 عربي:
22 وينكر الفصوص ؟
محمد محمد الحسني :هل يؤول الفتوحات ُ
22 أحمد الهاشمي يدعو للنقاش والبحث:
24 علي الماتريدي يقرر دعوى الدس:
26 الشيخ هاين الرضا يرد على مناقشة الشيخ نزار له:
31 الشيخ نزار حمادي يرد على الشيخ هاين:
34 علي الماتريدي يكمل تقرير دعوى الدس:
37 األستاذ سعيد فودة يناقش دعوى الدس ويبين سقوطها:
40 عبد الكريم الرازي يثني على بطالن دعوى الدس:
40 الشيخ األزهري يدرأ تهمة الكفر عن ابن عربي:
رمضان أبو أحمد :العقائد التي ذكر ابن عربي هي مراحل يف الطريق إلى اهلل ،وابن عربي لن يستطيع
41 أحد اإلحاطة بعلمه:
جر الحوار نحو تكفير ابن
األستاذ سعيد فودة :المقصد إظهار الحق ومذهب أهل السنة ،ويستنكر ّ
43 عربي:
45 علي الماتريدي :تعليق على استنكار الشيخ سعيد:
47 ونصه على أبدية العذاب:
الشيخ نزار حمادي يشير إلى تفسير ابن عربي ِّ
3
األستاذ سعيد فودة يناقش الشيخ نزار ويبين خالصة مذهب ابن عربي يف انقالب العذاب إلى
48 عذوبة:
49 الشيخ سعيد :ضرورة التصريح ببطالن ما يف كتب ابن عربي:
50 الشيخ نزار حمادي ينقل تأويل النابلسي يف المطالب الوفية لكالم ابن عربي:
53 األستاذ سعيد فودة يناقش تأويل النابلسي لكالم ابن عربي يف الفصوص والمطالب:
الشيخ نزار حمادي يناقش الشيخ سعيد يف إمكان حمل مشكل كالم ابن عربي على محمل مقبول
56 من تفسير ابن عربي:
األستاذ سعيد فودة يبطل تأويل النابلسي النقالب العذاب لعذوبة ،ويؤكد على بطالن دعوى
58 الدس:
62 الدس:
األستاذ سعيد فودة يثبت باألدلة بطالن دعوى ّ
67 ويقر بوجود اإلشكال يف كالم ابن عربي:
الشيخ نزار حمادي يثني على كالم الشيخ سعيد ّ
69 األستاذ سعيد فودة يدعو الجميع للبحث:
71 الشيخ األزهري :يشكر المتباحثين:
علي الماتريدي :يقترح نقال عن الشعراين يصلح معارضًا لما يف الفتوحات من انقالب العذاب إلى
72 عذوبة
األستاذ سعيد فودة يثبت نسبة الفتوحات إلى الشيخ ابن عربي ،وأن مذهب ابن عربي انقالب
74 العذاب إلى عذوبة:
81 علي الماتريدي :احتمالية الدس ال تزال قائمة:
83 األستاذ سعيد فودة يبين سقوط دعوى الدس وبطالنها:
4
بسم اهلل الرحمن الرحيم
الشيخ هاين الرضا يفتتح النقاش بنقل نصوص مشكلة عن ابن عربي:
وضع سيدي أحمد الهاشمي مقاال يسأل فيه الشيخ األزهري رأيه يف عقيدة ابن عربي
تتلمذت على مشايخ يعظمون ابن عربي ويرون فيه الوالية الكربى ،وقرأت عليهم
ُ الصويف ،وقد
بعضا من فتوحاته ،وتتلمذت أيضا يف المقابل على مشايخ يرون مروقه وخروجه عن جادة الحق
وعقائد األشاعرة ،ولهؤالء سلف وألولئك سلف أيضا من السادة العلماء ،فكما ال ينبغي أن نلغي
السيوطي وزكريا األنصاري وغيرهما من المدافعين عن ابن عربي المعتقدين واليته ال ينبغي بحال
ان نجرتأ على مثل العضد اإليجي والبقاعي وابن حجر العسقالن وغيرهم ،ويطرأ على ذهني سؤال
يتكرر كلم ا قرأت كالم المدافعين عن الشيخ ابن عربي بنقل هذه العقيدة المرقومة أول الفتوحات
والتي نقلها األخ الهاشمي يف الرابط المشار إليه ،والسؤال هو :كيف نوفق بين هذا الكالم وبين ما
تاله من كالم بعده مباشرة ،وهذا بعضه:
(فهذه -أي ما تقدم مما نقله الهاشمي -عقيدة العوام من أهل اإلسالم أهل التقليد وأهل
النظر ملخصة مختصرة ،ثم أتلوها إن شاء اهلل بعقيدة الناشية الشادية ضمنتها اختصار االقتصاد أوجز
عبارة نبهت فيها على مآخذ األدلة لهذه الملة مسجعة األلفاظ وسميتها برسالة المعلوم من عقائد
أهل الرسوم ،ليسهل على الطالب حفظها ،ثم أتلوها بعقيدة خواص أهل اهلل من أهل طريق اهلل من
المحققين أهل الكشف والوجود وجردتها أيضا يف جزء آخر سميته المعرفة وبه انتهت مقدمة
الكتاب ،وأما التصريح بعقيدة الخالصة فما أفردتها على التعيين لما فيها من الغموض ،لكن جئت
بها م ّبددة يف أبواب هذا الكتاب مستوفاة مبينة ،لكنها كما ذكرنا متفرقة ،من رزقه اهلل الفهم فيها يعرف
أمرها ويميزها من غيرها ،فإنه العلم الحق والقول الصدق وليس وراءها مرمى ويستوي فيها البصير
5
واألعمى ،تلحق األباعد باألداين ،وتلحم األسافل باألعالي ،واهلل الموفق ال رب غير) ،الفتوحات
المكية .38/1
فهذا الكالم من ابن عربي هو مستند من يقول إن عقيدة الشيخ األكرب الحقيقية والتي هي
عقيدة الخالصة وأهل العلم الحق هي عقيدة وحدة الوجود الفلسفية -والتي صرح هبا بشكل أكرب
وأوىف يف كتاب فصوص الحكم حسب قول هؤالء -سواء أكان القائل من أتباع ابن عربي من
الصوفية القائلين بوحدة الوجود أو من مكفري ابن عربي ،فما قدّ م به ابن عربي كالمه هذا مما نقلته
سيدي الهاشمي وباعرتافه هو ،هو فقط عقيدة عوام المسلمين التي تكفيهم لتحقيق اإلسالم
والنجاة ،أما عقيدة الخاصة فهي شيء آخر ،وعقيدة خاصة الخاصة -الخالصة -أمر آخر تماما،
وهي لشدة غموضها تحاشى أن يخطها مفردة ولكنه بددها ووزعها بين ثنايا سطوره وأحرف كلماته
التي رقمه يف سفر الفتوحات الضخم.
هذا باإلضافة إلى ما صرح به ابن عربي بعد هذا الموضع من مخالفة لعقيدة أهل السنة
األشاعرة وترجيحه لعقائد المعتزلة يف عدة مسائل ،وذلك بعد أن ذكر يف فصل (وصل الناشي
والشادي يف العقائد) تفصيل عقيدة األشعرية ،فجعل عقائد األشاعرة يف القول بالكسب وزيادة
المعان على الذات مع قيامها بالذات ومنع قيام الحوادث بذاته سبحانه ونفي الصالح واألصلح
ونفي التحسين والتقبيح دون عقائد الخاصة المستفادة عنده من الكشف والتي تتضمن خليطا من
عقائد المعتزلة واألشاعرة والفالسفة ،فبعد ذكره عقائد األشاعرة يف هذا الفصل التالي لذكره عقائد
العوام أفرد فصال ثالثا عنون له (وصل يف اعتقاد أهل االختصاص من أهل اهلل بين نظر وكشف) ،ثم
قال فيه مبيـن ا عقيدته يف هذه الحال التي هي حال أهل االختصاص والتي هي أرفع درجة من حال
الناشي والشادي السابقة:
6
(مسألة :فأقول بما أعطاه الكشف االعتصامي (أن اهلل كان وال شيء معه) إلى هنا انتهى لفظه
عليه السالم وما أتى بعد هذا فهو مدرج فيه وهو قولهم (وهو اآلن على ما عليه كان) ،يريدون يف
الحكم ،فاآلن وكان أمران عائدان علينا إذ بنا ظهرا وأمثالهما ،وقد انتفت المناسبة والمقول عليه
اإللهي للذات إنما
ّ (كان اهلل وال شيء معه) إنما هو األلوهة ال الذات ،وكل حكم يثبت يف باب العلم
هو لأللوهية وهي أحكام نسب وإضافات وسلوب فالكثرة يف النسب ال يف العين وهنا زلت أقدام من
شرك بين من يقبل التشبيه وبين من ال يقبله عند كالمهم يف الصفات ،واعتمدوا يف ذلك على األمور
ّ
الجامعة التي هي الدليل والحقيقة والعلة والشرط وحكموا بها غائبًا وشاهد ًا فأما شاهد ًا فقد يسلم
وأما غائبًا فغير مسلم).اهـ الفتوحات المكية .41/1
وهذه معتزلية من الشيخ ،فإن األشاعرة يثبتون صفات اهلل سبحانه ،ويثبتون وجودها
وزيادهتا يف الوجود على الذات بقياس الغائب على الشاهد الذي يصححونه يف الدليل والحقيقة
والعلة والشرط (راجع أبكار األفكار لآلمدي وشرح الجزائرية للسنوسي وشرح المواقف
والمقاصد) ،بينما المعتزلة هم من ينفي زيادة الصفات ووجودها ويبطلون قياس الغائب على
الشاهد بجامع العلة والدليل والحقيقة والشرط ،فهذه واحدة يجعل فيها الشيخ عقائد المعتزلة أرفع
درجة من عقيدة أهل السنة .وهو ينسب معرفة هذه العقيدة إلى كشفه (االعتصامي) ،بينما المعتزلة
وقعت لهم وصحت من جهة النظر العقلي.
ويف ما صرح به مشكلة أخرى وهي أن الكشف عنده حاكم مصحح للعقائد معرف هبا،
وهذا باطل دون شك (راجع ما نقله السنوسي عن ابن عربي المالكي يف أم الرباهين يف شأن من يزعم
معرفة اهلل من غير دليل العقل والشرع) ،فهذه واحدة!!
7
ثم يقول الشيخ( :مسألة :لو صح الفعل من الممكن لصح أن يكون قادر ًا وال فعل له فال
قدرة له فإثبات القدرة للممكن دعوى بال برهان وكالمنا يف هذا الفصل مع األشاعرة المثبتين لها مع
نفي الفعل عنها) الفتوحات .42/1
ومعنى كالمه أنه ال يصح أن يقال أن للعبد قدرة لما أن الممكن (العبد) ال فعل له عنده كما
سبق وبينه قبل هذا عند كالمه عن الجرب ،فكالم األشاعرة المثبتين للقدرة الحادثة التي يخلق اهلل
الفعل عند تعلقها به مع تعطيلهم له عن الفعل متناقض عند ابن عربي ال يقوم ،وهو كنسبة القدرة
والالقدرة لذات واحدة أي جمع النقيضين وهو محال.
ثم يقول الشيخ( :مسألة :ال يصدر عن الواحد من كل وجه إال واحد ،وهل ثم من هو على
هذا الوصف أم ال يف ذلك نظر للمنصف أال ترى األشاعرة ما جعلوا اإليجاد للحق إال من كونه قادر ًا
واالختصاص من كونه مريد ًا واألحكام من كونه عالمًا وكون الشيء مريد ًا ما هو عين كونه قادر ًا
فليس قولهم بعد هذا إنه واحد من كل وجه صحيحًا يف التعلق العام وكيف وهم مثبتو الصفات زائدة
على الذات قائمة به تعالى ،وهكذا القائلون بالنسب واإلضافات وكل فرقة من الفرق ما تخلصت
لهم الوحدة من جميع الوجوه إال أنهم بين ملزم من مذهبه القول بعدمها وبين قائل بها ،فإثبات
الوحدانية إنما ذلك يف األلوهية أي ال إله إال هو وذلك صحيح مدلول عليه] 42/1
وهذه فلسفية من الشيخ ،فهو يقول إن قول األشاعرة بالقدرة واالختيار والتخصيص والعلم
نفي للوحدة وقول بالتكثر ،وأن ذلك ينايف القانون الذي صدر به ،وهو أنه ال يصدر عن الواحد من
كل وجه إال واحد ،وهو لفساد مقدمته وقانونه الذي صدر به فسدت نتيجته! وقانونه هذا غير مسلم،
وهو قول الفالسفة ال قول أهل الحق ،وبه فسروا خلق العالم بنظرية العقول واألفالك ،وانظر نقضه
يف المطالب العالية يف العلم اإللهي لإلمام الرازي ،وأبكار األفكار للسيف اآلمدي والمواقف للعضد
اإليجي ونهاية اإلقدام للشهرستان.
8
ثم يقول الشيخ مصرحًا بمخالفته مذهب السادة األشاعرة أعلى اهلل منارهم( :مسألة :كون
الباري عالمًا حيًا قادر ًا إلى سائر الصفات نسب وإضافات له ال أعيان زائدة لما يؤدي إلى نعتها
بالنقص إذ الكامل بالزائد ناقص بالذات عن كماله بالزائد وهو كامل لذاته فالزائد بالذات على الذات
محال وبالنسب واإلضافة ليس بمحال وأما قول القائل ال هي هو وال هي أغيار له فكالم يف غاية البعد
فإنه قد دل صاحب هذا المذهب على إثبات الزائد وهو الغير بال شك إال أنه أنكر هذا اإلطالق ال
غير ثم تحكم يف الحد بأن قال الغيران هما اللذان يجوز مفارقة أحدهما اآلخر مكانًا وزمانًا ووجود ًا
وعدمًا وليس هذا بحد للغيرين عند جميع العلماء به) .42/1
وهذه معتزلية من الشيخ!!ويف كالمه نفي زيادة وجود الصفات على وجود الذات بحجة أن
اثبات زيادة وجودها على وجود الذات مؤد إلى النقص يف حقه سبحانه ألن الكامل بغيره ناقص
دون ذلك الغير ،ثم يتبع ذلك بتضعيف قول اإلمام األشعري وسائر األشاعرة من بعده أن صفات
اهلل ال هي عين ذاته وال غير ذاته ،ويختم بوصف اإلمام األشعري قدس اهلل سره بالتحكم واالتيان
بتعريف للغيرية من كيسه لم يقل به سواه مع اختالل حده!!
وكالمه ههنا واضح ال يحتاج كثير تعليق ،وراجع كل كتب الكالم السنية للرد عليه.
ثم يقول الشيخ( :مسألة :وصف العلم باإلحاطة للمعلومات يقضي بتناهيها والتناهي فيها
محال فاإلحاطة محال لكن يقال العلم محيط بحقيقة كل معلوم وإال فليس معلومًا بطريق اإلحاطة
فإنه من علم أمر ًا ما من وجه ما ال من جميع الوجوه فما أحاط به) .43/1
وهذه فلسفية أخرى من الشيخ وهو يوافق فيها نفي الفالسفة اسرتسال علم اهلل على كل
الجزئيات ،وهي مما كفر به الغزالي الفالسفة ومما نقم على إمام الحرمين يف كتابه الربهان مع جزمنا
أهنا زلة قلم لتكذيب بقية كتبه لها ،وكأنه استفادها من كالم إمام الحرمين يف الربهان فليراجع.
9
ثم يقول الشيخ( :مسألة :رؤية البصيرة علم ورؤية البصر طريق حصول علم فكون اإلله
بصيرا تعلق تفصيلي فهما حكمان للعلم ووقعت التثنية من أجل المتعلق الذي هو المسموع
ً سميعًا
والمبصر) .43/1
وهذه معتزلية من الشيخ ،فهو جعل صفتي السمع والبصر مجرد حكمين يحكم هبما على
العلم -والذي هو عنده تعلق الذات بالمعلوم دون إثبات صفة علم زائدة على الذات كما سيصرح
به فيما يلي -عند تعلقه بالمسموع مع اتحاد حقيقتهما وحقيقة العلم ،وهذا مخالف لما قرره أهل
السنة من أن السمع والبصر صفتان مغايرتان يف حقيقتهما وتعلقاهتما للعلم وتعلقاته وإن قال بعضهم
أهنما نوعان من العلم إال أن األنواع تتغاير تحت الجنس الواحد كما هو معلوم ،وليراجع حاشية
الدسوقي على السنوسي.
ثم يقول الشيخ( :مسألة :دلت األشاعرة على حدوث كل ما سوى اهلل بحدوث المتحيزات
وحدوث أعراضها وهذا ال يصح حتى يقيموا الدليل على حصر كل ما سوى اهلل تعالى فيما ذكروه
ونحن نسلم حدوث ما ذكروا حدوثه) .43/1
وهذه فلسفية من الشيخ ويف كالمه تضعيف استدالل األشاعرة على حدوث العالم،
فالفالسفة هم من لم يحصر العالم يف األعراض واألعيان وادعوا وجود غير متحيزات سوى اهلل عز
وجل ،وكأن الشيخ يميل إلى قولهم وإن لم يصرح به هنا.
ثم يقول الشيخ( :مسألة :كل موجود قائم بنفسه غير متحيز وهو ممكن ال تجري مع وجوده
األزمنة وال تطلبه األمكنة) .43/1
وهذه فلسفية ،وكأنه يقول بالجواهر المجردة المفارقة للمدة والمادة التي قال هبا الفالسفة.
10
ثم يقول الشيخ( :مسألة :داللة األشعري يف الممكن األول أنه يجوز تقدمه على زمان وجوده
وتأخره عنه والزمان عنده يف هذه المسألة مقدر ال موجود ،فاالختصاص دليل على المخصص ،فهذه
داللة فاسدة لعدم الزمان فبطل أن يكون هذا دليالً ،فلو قال نسبة الممكنات إلى الوجود أو نسبة
الوجود إلى الممكنات نسبة واحدة من حيث ما هي نسبة ال من حيث ما هو ممكن ،فاختصاص
بعض الممكنات بالوجود دون غيره من الممكنات دليل على أن لها مخصصًا فهذا هو عين حدوث
كل ما سوى اهلل) .43/1
وهذه سوفسطائية من الشيخ ،وكأن الشيخ يريد مخالفة األشعري لمجرد المخالفة ،فإنه ما
فعل غير أن أعاد كالم األشعري بألفاظ أخرى ،وال معنى الحتجاجه على فساد الداللة بعدم الزمان
مع إقراره أوال ان الزمان عند األشعري يف هذه المسألة -بل ويف غيرها -مقدر ال وجودي ،فليتأمل.
ثم يقول الشيخ( :مسألة :عجبت من طائفتين كبيرتين األشاعرة والمجسمة يف غلطهم يف
اللفظ المشترك كيف جعلوه للتشبيه وال يكون التشبيه إال بلفظة أمثل أو كاف الصفة بين األمرين يف
اللسان ،وهذا عزيز الوجود يف كل ما جعاله تشبيهًا من آية أو خبر ،ثم إن األشاعرة تخيلت أنها لما
تأولت قد خرجت من التشبيه وهي ما فارقته إال أنها انتقلت من التشبيه باألجسام إلى التشبيه بالمعاين
المحدثة المفارقة للنعوت القديمة يف الحقيقة والحد ،فما انتقلوا من التشبيه بالمحدثات أصالً!! ولو
قلنا بقولهم لم نعدل مثالً من االستواء الذي هو االستقرار إلى االستواء الذي هو االستيالء كما عدلوا
وال سيما والعرش مذكور يف نسبة هذا االستواء ويبطل معنى االستيالء مع ذكر السرير ويستحيل
صرفه إلى معنى آخر ينايف االستقرار فكنت أقول إن التشبيه مثالً إنما وقع باالستواء واالستواء معنى
ال بالمستوى الذي هو الجسم واالستواء حقيقة معقولة معنوية تنسب إلى كل ذات بحسب ما تعطيه
حقيقة تلك الذات وال حاجة لنا إلى التكلف يف صرف االستواء عن ظاهره ،فهذا غلط بين ال خفاء
11
به ،وأما المجسمة فلم يكن ينبغي لهم أن يتجاوزوا باللفظ الوارد إلى أحد محتمالته مع إيمانهم
ووقوفهم مع قوله تعالى (ليس كمثله شيء)).44-43/1
فهذا فيه رمي األشاعرة بالتشبيه ،وكأن الشيخ غفل عن أن السادة األشاعرة ال يحدون
صفات اهلل المشرتكة لفظا مع صفاتنا بذات حدود صفاتنا لما أهنم ال يحدون صفات اهلل أصال ،وإنما
يعرفوهنا بالرسم ،واالشرتاك يف التعريف بالرسم ال يوجب التشبيه أو االشرتاك يف المعان لعدم
التعريف بالذاتيات وإنما بالجنس والالزم ،وليراجع شرح الصاوي على الجوهرة وكذا حاشية
البيجوري عليها.
فما رماهم به الشيخ منفي عنهم ابتداء لما أنم ال يحدون صفات هلل وال يزعمون معرفة
حقائق صفات اهلل ليحدوها وليتأمل!!
وفيه إلزام األشاعرة بأن نفي إرادة االستقرار عن لفظ االستواء يف قوله( :الرحمن على
العرش استوى) مستحيل!! وإلزامهم بما تلزمهم به الحشوية اليوم من أن معنى االستواء معلوم
ولكن الكيف مجهول؛ ألن صفة كل شيء تتبع موصوفها ،فكذلك استواء اهلل استقرار يتبع موصوفه
فيستقر استقرارا يليق به إذ التشبيه يف المعنى ال يف الحقيقة والكيف التي تالئم كل موصوف بحسبه!!
ثم يقول الشيخ( :مسألة كما أنه تعالى لم يأمر بالفحشاء كذلك ال يريدها لكن قضاها
وقدرها .بيان كونه ال يريدها ألن كونها فاحشة ليس عينها بل هو حكم اهلل فيها ،وحكم اهلل يف األشياء
غير مخلوق ،وما لم يجر عليه الخلق ال يكون مراد ًا فإن ألزمناه يف الطاعة التزمناه وقلنا :اإلرادة للطاعة
ثبتت سمعًا ال عقالً ،فأثبتوها يف الفحشاء ونحن قبلناها إيمانًا كما قبلنا وزن األعمال وصورها مع
كونها اعراضًا فال يقدح ذلك فيما ذهبنا إليه لما اقتضاه الدليل) .44/1
الحكم هو تعلق الكالم القديم بالذوات واألفعال الحادثة طلبا أو تخييرا ،والتع ّلق عدمي
وهذا صحيح ،إال إنه متعلق بمدلول الكالم النفسي ،والكالم النفسي متعلق بمتعلقات العلم تعلق
12
داللة ،فالـ(فاحشة) دل الكالم النفسي على كوهنا فاحشة وفق العلم األزلي بكوهنا فاحشة ومدلول
الكالم النفسي يف شأهنا هو (ال تفعل) فقد هنى اهلل عنها ،بينما العلم األزلي تعلق بوقوعها ممن وقعت
منه فتعلق العلم األزلي بوجودها فال بد أن توجد ،وتعلق اإلرادة وفق تعلق العلم فما علم اهلل كونه
تعلقت اإلرادة بإيجاده والعكس صحيح ،فلم يوجد الفعل الذي تعلق العلم بوجوده والذي تعلق
العلم بوصفه فاحشة ودل الكالم النفسي على ذلك الوصف إال بإرادة اهلل وقوعه موافقة للعلم!!
ومن هذا نرى أن ما سبق كالم ال فائدة منه من الشيخ ،فإن المنازعة ليست يف وصف الفعل
بالفحش أو الرب وإنما يف ذات الفعل ،فالزنا ما هو إال إيالج يف فرج محرم ،فهل نقول أن ذات فعل
اإليالج غير مخلوق أو نقول أنه غير مراد هلل سبحانه!!
ثم إن قوله( :وقلنا اإلرادة للطاعة ثبتت سمعًا ال عقال) خاطئ ،فإن عموم إرادة اهلل لكل
المخلوقات ثبتت بالعقل ال بالسمع ،وإنما ثبت وف بعض المخلوقات بالطاعة وبعضها بالمعصية
من قبل الشرع والوصف غير اإلرادة كما قدم هو نفسه.
ثم قال الشيخ( :مسألة :افتقار الممكن للواجب بالذات واالستغناء الذاتي للواجب دون
الممكن يسمى الها وتعلقها بنفسها وبحقائق كل محقق وجود ًا كان أو عدمًا يسمى علما تعلقها
بالممكنات من حيث ما هي الممكنات عليه يسمى اختيار ًا تعلقها بالممكن من حيث تقدم العلم قبل
كون الممكن يسمى مشيئة تعلقها بتخصيص أحد الجائزين للممكن على التعين يسمى إرادة تعلقها
بإيجاد الكون يسمى قدرة تعلقها بأسماع المكون لكونه يسمى أمر ًا وهو على نوعين بواسطة وبال
واسطة فبارتفاع الوسائط البد من نفوذ األمر وبالواسطة ال يلزم النفوذ وليس بأمر يف عين الحقيقة إذ
ال يقف ألمر اهلل شيء تعلقها بأسماع المكون لصرفه عن كونه أو كون ما يمكن أن يصدر منه يسمى
نهيا وصورته يف التقسيم صورة األمر تعلقها بتحصيل ما هي عليه هي أو غيرها من الكائنات أو ما يف
النفس يسمى أخبار ًا فإن تعلقت بالكون على طريق أي شيء يسمى استفهامًا فإن تعلقت به على
13
جهة النزول إليه بصيغة األمر يسمى دعاء ومن باب تعلق األمر إلى هذا يسمى كالمًا تعلقها بالكالم
من غير اشتراط العلم به يسمى سمعًا فإن تعلقت وتبع التعلق الفهم بالمسموع يسمى فهمًا تعلقها
بكيفية النور وما يحمله من المرئيات يسمى بصر ًا ورؤية تعلقها بإدراك كل مدرك الذي ال يصح تعلق
من هذه التعلقات كلها إال به يسمى حياة والعين يف ذلك كله واحدة تعددت التعلقات لحقائق
المتعلقات واألسماء للمسميات44/1 ].
هذه عقيدة الفالسفة و من قال من المعتزلة بقول أبي هذيل العالف الذي أخذه من فالسفة
اليونان حذو القذة بالقذة مع مخالفة المعتزلة يف شأن اإلرادة إذ قالت المعتزلة أن اهلل يريد بإرادة
حادثة ال يف ذاته.
ثم يقول الشيخ( :مسألة :ال يمكن عندنا معرفة كيفية ما ينسب إلى الذوات من األحكام إال
ب عد معرفة الذوات المنسوبة والمنسوب إليها وحينئذ تعرف كيفية النسبة المخصوصة لتلك الذات
المخصوصة كاالستواء والمعية واليد والعين وغير ذلك) .45/1
فيه إثبات الكيفية الستواء اهلل ومعيته ويده وعينه مع الجهل هبا وهو مخالف لقول السلف
"وال كيف وال معنى" والعتقاد أهل السنة أن ال كيف لذات اهلل أو صفاته.
ثم يقول الشيخ( :مسألة :األعيان ال تنقلب والحقائق ال تتبدل فالنار تحرق بحقيقتها ال
بصورتها فقوله تعالى( :يا نار كوين برد ًا وسالمًا) خطاب للصورة وهي الجمرات وأجرام الجمرات
محرقة بالنار فلما قام لنار بها سميت نار ًا فتقبل البرد كما قبلت الحرارة) 45/1
إنما قصد أهل السنة بقولهم (حقائق األشياء ال تتبدل) األحكام العقلية ،أي أن حقيقة
الممكن ال يمكن أن تنقلب واجبا أو مستحيال وكذا الواجب والمستحيل ،أما أن تنقلب حقيقة النار
إلى غيرها من الممكنات فجائز وقوعه بل وقع كما يف عصا موسى التي انقلبت حية تسعى وجعل
ذلك من قبيل الصورة مبطل للمعجزة إذ ال فرق بين عصاه وبين عصي السحرة فتأمله!!
14
على أن أهل السنة أصال ال يقولون بالهيولي والصورة وهو ما قد يفهم من كالمه وإنما هو
األرسطيين دون غيرهم ممن قال بالجوهر والعرض من فالسفة اليونان.
ثم يقول الشيخ( :مسألة :الحسن والقبح ذاتي للحسن والقبيح لكن منه ما يدرك حسنه
وقبحه بالنظر إلى كمال أو نقص أو غرض أو ماليمة طبع أو منافرته أو وضع ومنه ما ال يدرك قبحه
وال حسنه إال من جانب الحق الذي هو الشرع فنقول هذا قبيح وهذا حسن وهذا من الشرع خبر ال
حكم ولهذا نقول بشرط الزمان والحال والشخص وإنما شرطنا هذا من أجل من يقول يف القتل ابتداء
أو قود ًا أو حد أو يف إيالج الذكر يف الفرج سفاحًا ونكاحا فمن حيث هو إيالج واحد لسنا نقول
كذلك فإن الزمان مختلف ولوازم النكاح غير موجودة يف السفاح وزمان تحليل الشيء ليس زمان
تحريمه إن لو كان عين المحرم واحد ًا فالحركة من زيد يف زمان ما ليس هي الحركة منه يف الزمان
اآلخر وال الحركة التي من عمر وهي الحركة التي من زيد فالقبيح ال يكون حسنًا أبد ًا ألن تلك
الحركة الموصوفة بالحسن أو القبح ال تعود أبد ًا فقد علم الحق ما كان حسنًا وما كان قبيحًا ونحن
ال نعلم ثم إنه ال يلزم من الشيء إذا كان قبيحًا أن يكون أثره قبيحًا قد يكون أثره حسنًا والحسن
أيضًا كذلك قد يكون أثره قبيحًا كحسن الصدق ويف مواضع يكون أثره قبيحًا وكقبح الكذب ويف
مواضع يكون أثره حسنًا فتحقق ما نبهناك عليه تجد الحق] .45/1
وهذا مخالف لما قرره السادة األشاعرة من أن قبح كل شيء أو حسنه ال يمكن معرفته إال
من جهة الشرع وموافق جزئيا للمعتزلة يف قولهم بالحسن والقبح العقليين.
ثم يقول الشيخ( :مسألة :دل الدليل العقلي على أن اإليجاد متعلق القدرة وقال الحق عن
نفسه أن الوجود يقع عن األمر اإللهي فقال إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون فال بد أن
ننظر يف متعلق األمر ما هو وما هو متعلق القدرة حتى أجمع بين السمع والعقل فنقول االمتثال قد
وقع بقوله فيكون والمأمور به إنما هو الوجود فتعلقت اإلرادة بتخصيص أحد الممكنين وهو الوجود
15
وتعلقت القدرة بالممكن فأثرت فيه اإليجاد وهي حالة معقولة بين العدم والوجود فتعلق الخطاب
باألمر لهذه العين المخصصة بأن تكون فامتثلت فكانت فلوال ما كان للممكن عين وال وصف لها
بالوجود يتوجه على تلك العين األمر بالوجود لما وقع الوجود والقائل بتهيئ المراد يف شرح كن غير
مصيب) .46/1
وهذا غير مفيد ،فإن قوله (فتعلق الخطاب باألمر لهذه العين المخصصة بأن تكون فامتثلت
فكانت) إما أن يعني كوهنا وامتثالها الكون من عند نفسها فيزم التخصيص بال مخصص وهو محال،
أو يعني كوهنا بتكوين اهلل وامتثالها الكون بقدرة اهلل فيعود الكالم إلى أن الوجود كله متعلق القدرة
وأن االمر ال مدخلية له فيها وهو ما دل عليه دليل العقل.
ثم يقول الشيخ( :مسألة :متعلق رؤيتنا الحق ذاته سبحانه ومتعلق علمنا به إثباته إلهًا
باإلضافات والسلوب فاختلف المتعلق فال يقال يف الرؤية أنها مزيد وضوح يف العلم الختالف
المتعلق وإن كان وجوده عين ماهيته فال ننكر أن معقولية الذات غير معقولية كونها موجودة) .46/1
وهذا مخالف لما استقر عليه األشاعرة من أن الرؤية نوع إدراك يخلق اهلل فيما شاء من
الم ِ
درك وأنه مزيد اتضاح لما سبق تعلق العلم به ،وعلمنا باهلل سبحانه وتعالى ليس مجرد اثبات فكرة ُ
اسمها اهلل لها أضافات وسلوب ،وإنما نعلمه سبحانه ذاتا موجودة ذات صفات وجودية تقوم هبا،
فهذا علم تعلق بموجود فتكون رؤية الموجود زيادة يف ذلك العلم وال بد ،على أن يف كالمه وصف
اهلل بالماهية وهو مخالف لما قرره محققو أهل السنة من عدم وصفه بمائية وماهية لما أنه ال يقال
للشيء (ما هو) إال ما كان ذو جنس وفصل كاإلنسان عندما نقول عنه (حيوان ناطق) ،وما كان ذو
جنس فإنه يشارك غيره يف الجنس واهلل ال جنس له ومن ههنا نفى عنه الصاحبة والولد وليراجع يف
هذا المعنى شرح العقائد للسعد التفتازان ،ولذا ال يقول أهل السنة إن (وجود اهلل عين ماهيته) كما
قال الشيخ ،وإنما يقولون إن وجود اهلل عين ذاته وبينهما فرق.
16
ثم يقول الشيخ( :مسألة :ال يقال من جهة الحقيقة أن اهلل جائز أن يوجد أمر ًا ما وجائز أن ال
يوجده فإن فعله لألشياء ليس بممكن بالنظر إليه وال بإيجاب موجب ولكن يقال ذلك األمر جائز أن
يوجد وجائز أن ال يوجد فيفتقر إلى مرجح وهو اهلل تعالى وقد تقضينا الشريعة فما رأينا فيها ما يناقض
ما قلناه فالذي نقول يف الحق أنه تعالى يجب له كذا ويستحيل عليه كذا ال نقول يجوز عليه كذا فهذه
عقيدة أهل االختصاص من أهل اهلل وأما عقيدة خالصة الخاصة يف اهلل تعالى فأمر فوق هذا جعلناه
مبدد يف هذا الكتاب لكون أكثر العقول المحجوبة بأفكارها تقصر عن إدراكه لعدم تجريدها وقد
انتهت مقدمة الكتاب وهي عليه كالعالوة فمن شاء كتبها فيه ومن شاء تركها واهلل يقول الحق وهو
يهدي السبيل انتهى الجزء الثالث والحمد هلل).47/1.
وهذا مخالف لما قرره محققو أهل السنة من أن أفعال اهلل من جملة الممكنات التي يجوز
أن يتصف هبا يف حال دون حال ،فخلق اهلل هو فعله واهلل جائز أن يخلق وجائز أن ال يخلق وإال لوجد
خلق على الدوام وألدى ذلك إلى قدم العالم ،وخلق اهلل يف غير ذاته ،فاتصافه بالخلق اتصاف بالفعل
وفعله حادث.
ختاما:
ً
هذا ما انقدح يف الذهن عند قراءة عقيدة ابن عربي المرقومة يف فاتحة الفتوحات ،وهناك
مواضع غير هذه مبثوثة يف ثنايا الكتاب مشكلة يظهر فيها مخالفة ابن عربي لعقائد أهل السنة ،خاصة
يف مسألة الذات والصفات وميله لمذهب االعتزال ووصفه هذا المذهب البدعي بأنه عقيدة
الخواص وربما نناقشها إن استدعى األمر الحقا ،فهال تربع أحد اإلخوة وحل اإلشكال لنكون على
بينة من عقيدة الرجل خاصة وأن كون ابن عربي من المعتزلة يف مسألة الصفات والذات هو ما توصل
إليه اإلمام الشعران أيضا -وهو من معظميه كما ال يخفى – إذ قال يف اليواقيت:
17
(فتلخص من جميع كالم الشيخ أنه قائل بأن الصفات عين ال غير ،كشفًا ويقينا ،وبه قال
جماعة من المتكلمين ،وما عليه أهل السنة والجماعة أولى ،واهلل سبحانه يتولى هداك) اليواقيت
والجواهر 110/1طـ دار الكتب العلمية.
فهذا اعرتاف من اإلمام الشعران باعتزالية الشيخ األكرب وخطأه يف هذه المسألة حتى ال
يرمينا أحد بأنا ما فهمنا مراد الشيخ مما استدركناه عليه أعاله.
فهل يعقل أن تكون عقيدة الشيخ األكرب يف صفات اهلل وذاته معتزلية ال سنية؟؟!!
واهلل الموفق.
*****
18
محمود بن سالم األزهري :بعض األولياء فتح باب الطعن يف كالمه:
قراءة موفقة أخي الكريم الشيخ الرضا ،ومع األسف شيخنا الرضا فهناك من األولياء من
كشف بعض ما فتح اهلل به عليه وهو على علم أن الناس خاصة وعوام لن يستطيعوا قبول كالمه بحال
من األحوال؛ ألن عقولهم ال تتصور الكالم ...ففتح الباب للطعن يف نفسه ولهم الحق وال أجد إال
أن أتحامل على الشيخ ،ألنه هو من صنع ما وصل إليه األمر ولو كتم ما ال يتحمله الناس لمرت
حياته بدون تصادم أو خالف ،لكن ال أقول إال اهلل المستعان.
*****
الشيخ نزار حمادي يناقش الشيخ هاين ،ويقرر أهمية التحقق من نسبة الكالم والكتب للشيخ ابن
عربي:
نصيحة :قبل انتشار الكالم والقيل والقال ،والرجم بالغيب واهتام العلماء بغير بينة وبرهان،
أنصح من يقبل النصح أن ال يخوض فيما نقل عن العلماء ـ كالشيخ ابن عربي رحمه اهلل ـ من دون
أن يتحقق على سبيل القطع واليقين صحة نسبته إليهم؛ وإال فهو غير معذور إن نسب لهم ما ال يليق
هبم مما توهم أنه كالمهم.
ويف هذه الحالة ما دام الكالم عن كتاب الفتوحات؛ فهل يستطيع المتكلم يف عقيدة الشيخ
أن يثبت بالقطع واليقين صحة نسبة هذا الكالم إليه؟
19
بل من علماء تونس من اختصر الفتوحات المكية وأزال منه كل ما يخالف ظاهر الشريعة
وقواعد العقيدة ،وبعد ذلك رأى نسخة للفتوحات منقولة من خط الشيخ ولم يجد فيها ما أزاله فحمد
اهلل وسر بذلك سرورا كبيرا كما قال( .تجد هذا الكالم يف كتاب العمر لحسن حسني عبد الوهاب).
ويف هذا دليل قاطع عدم صحة نسبة كثير مما ينسب إلى الشيخ وأنه مدسوس عليه ليغرت
بذلك من يغرت ويتبع المتشابه ويرتك المحكم.
فعلى الطالب للحق أن يرتك الخوض فيما ليس له به علم ويقين ،وأن يشتغل بما هو أهم
وأفضل من تأليب أهل البدع على عباد اهلل الصالحين ،ويعلم أنه مسؤول عن كل ما كتب وقال.
وللشيخ تفسير عزيز وصلنا منه جزء ،وهو ثابت النسبة له ،وفيه درر وقواعد اعتقادية ثابتة
صحيحة متمشية مع عقائد أهل السنة ،وله فيه ثناء عطر على اإلمام سيف الدين اآلمدي ،وله فيه
براءة من الخوض يف تفاصيل األعيان الثابتة وصفة المعدوم وغير ذلك من األمور التي تنسب إليه.
قال الرضا( :وهذه فلسفية أخرى من الشيخ وهو يوافق فيها نفي الفالسفة اسرتسال عليم
اهلل على كل الجزئيات وهي مما كفر به الغزالي الفالسفة ومما نقم على إمام الحرمين يف كتابه
الربهان مع جزمنا أهنا زلة قلم لتكذيب بقية كتبه لها ،وكأنه استفادها من كالم إمام الحرمين يف
الربهان فليراجع).
ومن باب النصيحة أيضا يجب أن يراجع هذا الكالم ،فظاهره إثبات اسرتسال العلم على
الجزئيات ،ونسبة هذا إلى أهل السنة ،وظاهره أيضا تكفير عدم القائل به.
ويف هذا الكالم خلط عجيب؛ فإن تكفير الفالسفة كان بقولهم بعدم العلم بالجزئيات
مطلقا ،ال بنفيهم االسرتسال ،كما أن إثبات االسرتسال على المعلومات الالمتناهية التي لن تدخل
20
الوجود هو قول الجويني يف الربهان .وليس قوال لجمهور العلماء القائلين بتعلق العلم بجميع
المعلومات على وجه اإلحاطة ،وبتعلقه هبا على ما هي عليه من عدم التناه.
فظاهر الكالم أعاله أن الجمهور قائلون بإثبات اسرتسال العلم على الجزئيات ،وهو غير
صحيح بأدنى تأمل .واهلل الهادي إلى الصراط المستقيم.
*****
21
وينكر الفصوص؟
محمد محمد الحسني :هل يؤول الفتوحات ُ
جزاكم اهلل خيرا سيدي الرضا على تعليقاتكم الرائعة ،وهذا يف الفتوحات ،وأما يف
الفصوص فالشيخ يصرح ويرمي المخالف بالجهل ،فهل نتبع قول مشايخنا جملة أن الفتوحات
ُيؤول والفصوص ُينكر (أي نسبته إلى الشيخ األكرب)؟
*****
الحق الحق أنني عاجز تمام العجز على مناقشة سيدي و شيخي الرضا فيما أدلى به هنا،
ولكن أر سيدي نزار حمادي يملك األهلية لمناقشة ذلك و تحليل ما ورد يف مشاركة الشيخ رضا
فهل نطمع منكم بنقاش هادئ رفيع القدر و المستوى بما رفعكم اهلل به من حسن فهم واستنباط
فنرتوي من معينكما؟
هذا طلب أوجهه إليكما لوجه اهلل فال تحرمونا منه واصرفوا له همتكم ووقتكم لعلنا نصل
إلى ما يؤلف اهلل به قلوب ،أراها تشعبت وتعصبت و ربما تنافرت ولو أحجمت عن البوح ،و إن
تيسر الحال شاركناكم بالذي يف أيدينا .وفقكم و سدد خطاكم.
قد اجتمع و الحمد هلل فيكما ويف الشيخ األزهري حسن الظن ووقر يف القلب محبتكم فهال
يكونوا شفعاء لنا عندكم .كما أن باب الحوار مفتوح لكل من وجد يف نفسه الهمة على دخول هذا
المعرتك ـ معرتك أفكار طبعا فمن ظنه روضة تنزه فليتقدم ويفرك لنا كما فعل الشيخ رضا :هذا قول
أشعري ،هذا قول معتزلي ،هذا فلسفي ،هذا سفسطائي ،فمن صدقه على جهل كذب و من كذبه
على جهل كذب فليس لها إال من استطاع أن يفصل و ُيف ِصل كما فصل و فصل هو ،و اهلل أعلم ـ هذا
22
فإذا وصل االمر إلى الجدال العقيم والرتاشق المذموم ،فنرجو أن يتوقف الحوار بأدنى إشارة من
أحد المحاورين .و الحمد هلل رب العالمين.
*****
23
علي الماتريدي يقرر دعوى الدس:
أوافق كل الموافقة األستاذ نزار بما تفضل به ،ومع كامل األدب لمن خالف الشيخ محيي
الدين ،لكن كان الواجب عليهم بداية أن يقدموا بحثا تاريخيا موثقا بأن هذه هي عقيدته التي كان
عليها ،ثم يكون النقد لها مرتتبًا على ذلك ،أو له أن ينقد الكالم الذي يف الفتوحات أو غيرها على
طريقة لو ثبت وصح ،أما الجزم فليس له ذلك ،وباألخص أن من األمة من الفقهاء والصوفية
والمتكلمين والقراء من يشهد بواليته وبنفس الوقت يشكك بنسبة ما يف الفتوحات له .وقد بسط
اإلمام الشعران يف كتب الدفاع عن عقيدة الشيخ رحمه اهلل وتكلم عن قصة الدس ومراد الزنادقة
منها ،فإغفال كل ذلك من مخالفي الشيخ األكرب ليس باإلنصاف .وقرأت مرة للعالمة األمير يف
حاشيته على شرح عبد السالم على الجوهرة عبارة يحاول أن يرد جزءا من كالم الشيخ األكرب مخالفا
لعقيدة أهل السنة بنفس كالمه يف موضع آخر فقال( :رددنا كالمه بكالمه نفعنا اهلل برتاب أقدامه) -
أو نحوه .-وهذه الطريقة من التخريج معروفة عند أهل السنة أن يدفعوا التناقض عن كالم األعالم
ما أمكن ذلك ويردون ما تشابه من الكالم إلى ما أحكم منه ،كيف وقد أضيف إلى كونه مسلمًا
مشهودا له باإلسالم قضية الدس.
باختصار الذي نريده من المخالفين للشيخ األكرب أن يقدموا بحثا يثبتوا فيه أن هذا الكالم
صحيح النسبة إليه وهذا األصل الذي يتفرع عليه نقد كالمه مقرونًا بنسبته إليه وإال فليكتفوا بنقد
الكالم مع تبين أن هذا الكالم مشكوك يف نسبته على أقل األحوال ونحن نوافق على رد كل ما خالف
عقيدة أهل السنة والجماعة ،فعلى ذلك تكون الشقة قد قربت بين الموافقين والمخالفين.
24
أما أن ينسب بعض الشيوخ الضالل والزندقة إلى الشيخ األكرب رحمه اهلل تعالى من غير أن
يلقي باال لكل من شهد له بالوالية والعرفان ،وكل من قال بالدس يف كتبه فليس باإلنصاف ألبتة،
كيف وهم الناطقون أن تجنب التكفير ما أمكن لذلك سبيال هو طريق أهل الحق.
قال األخ نزار( :وللشيخ تفسير عزيز وصلنا منه جزء ،وهو ثابت النسبة له ،وفيه درر وقواعد
اعتقادية ثابتة صحيحة متمشية مع عقائد أهل السنة ،وله فيه ثناء عطر على اإلمام سيف الدين
اآلمدي ،وله فيه براءة من الخوض يف تفاصيل األعيان الثابتة وصفة المعدوم وغير ذلك من األمور
التي تنسب إليه).
*****
25
الشيخ هاين الرضا يرد على مناقشة الشيخ نزار له:
سيدي الشيخ نزار ،بارك اهلل يف علمه ،أما النصيحة األولى سيدي فجزاكم اهلل خير عليها،
النهي عن تناول ما ورد يف الفتوحات أو الفصوص أو غيرهما ،بداعي التعظيم
وحاصل كالمكم فيها ُ
للشيخ واستبعاد أن يكون قال مثله .وهذا أمر طيب غير أنه مسقط بالكلية لصدق نسبة أي من كتبه
إليه ،ويجعلنا نشكك يف كل ما يف الفتوحات أو غيره؛ إذ من أين لنا أن ما يف الفتوحات -مما يسميه
بعض الصوفية فتحا ووالية وعلوما عالية -ليس مجرد خياالت وأوهام حشا هبا بعضهم هذا الكتاب
مجريا على لسان الشيخ أهنا من بنات الكشف ،وما هي إال خياالت وتلبيس شيطان كما حشاه
بعضهم اآلخر بما يصم الشيخ باالعتزال أو وحدة الوجود ،فيسقط الكتاب كله إذن ،وال يحل ألحد
أن ينسب شيئا مما فيه إلى الشيخ أو الوالية وإال عاد األمر تحكما وهو واضح.
وعلى كالمكم فإنا ال يمكن أن نجزم بصحة نسبة أي شيء مما يف كتب مثل ابن تيمية إليه
أيضا ،وإن كنا نعذر الشيخ ابن عربي باحتمال عدم صحة النسبة فلنعذر ابن تيمية -وكل مبتدع-
أيضا بمثله ،فال هنض بعدها للرد على مبتدع بجامع الشك يف النسبة ،ولو أنك تأملت االمر بمنأى
عن العاطفة والهوى لوجدت ان التفريق محض تحكم.
على أن اعتزالية الشيخ يف الصفات مما أقر به أخلص محبيه ومتبعيه كما اإلمام الشعران يف
اليواقيت وقد نقلنا من ذلك طرفا ،وال أظن مثل الشعران وهو من هو يف عظيم حبه للشيخ وتعظيمه
له مع كمال تحقيقه ومعرفته بالشرع وكيفية التحقق من صحة نسبة الكالم يغفل عن كون مثل ذلك
مدسوسا عليه أو لم يقله أو فهم على غير مراده وليراجع اليواقيت.
وأما قولكم( :ومن باب النصيحة أيضا يجب أن يراجع هذا الكالم ،فظاهره إثبات اسرتسال
العلم على الجزئيات ،ونسبة هذا إلى أهل السنة ،وظاهره أيضا تكفير عدم القائل به ،ويف هذا الكالم
خلط عجيب؛ فإن تكفير الفالسفة كان بقولهم بعدم العلم بالجزئيات مطلقا ،ال بنفيهم االسرتسال،
26
كما أن إثبات االسرتسال على المعلومات الالمتناهية التي لن تدخل الوجود هو قول الجويني يف
الربهان .وليس قوال لجمهور العلماء القائلين بتعلق العلم بجميع المعلومات على وجه اإلحاطة،
وبتعلقه هبا على ما هي عليه من عدم التناهي ،فظاهر الكالم أعاله أن الجمهور قائلون بإثبات
اسرتسال العلم على الجزئيات ،وهو غير صحيح بأدنى تأمل .واهلل الهادي إلى الصراط المستقيم).
قصدت بالـ(اسرتسال) يف كالمي غير المعنى اللغوي ،أي االنبساط والتمادي بمعنى
ُ فإن ما
التعميم ،ولم أقصد به ما قصده به الجويني يف الربهان أو التاج السبكي يف شرحه لكالم الجويني يف
طبقات الشافعية ،خاصة وأنه مصطلح غير شائع على حد علمي بخالف مصطلح "العلم الكلي"
Omniscience or Universal knowledgeالذي شاع بين المتكلمة والفالسفة يف الشرق
والغرب ،وعلى هذا أظن الكالم يتضح معناه ،وقد كتبت هذه التعليقات على عجل فال يبعد أن تجد
فيها ما يستدرك ،فقط ضع كلة (إحاطة) مكان كلمة (اسرتسال) يف كالمي وسيظهر المراد.
وأود أن أستفيد من حضوركم وفتحكم هذا الباب لطرح مسألة متعلقة بمسألة االسرتسال
والعلم الكلي ،وهي أن أحسب أنه قد وقع خلط كبير يف هذه المسألة ويف نسبتها إلى الفالسفة على
الوجه الذي قالوها به ولعل السبب يرجع إلى أخطاء يف الرتجمة ،خاصة وأن فلسفة اليونان ترجمت
إلى عربية بعد أن ترجمت أوال إلى السريانية من اإلغريقية فال بد وأن تسقط الكثير من المعان خاصة
مع عدم مهنية واحرتافية الرتجمة يف ذلك الوقت ،والغزالي يكفر الفالسفة هبا رغم أن الفالسفة لم
يقولوا كلهم هبا .والحقيقة أن الغزالي كان يرد يف كتابه (هتافت الفالسفة) على الفلسفة التي شاعت
يف زمانه ومحيطه الجغرايف خاصة وهي فلسفة ابن سينا المشرقية وهي الفلسفة التي عرفها والتي
توفرت مراجعه تحت يديه ،وما فيها ال يوافق عليه وال يقول به كل الفالسفة ،وهذا ما يظهر يف ردود
ابن رشد -وهو أقرب إلى الفلسفة الغربية واإلغريقية بحكم المحيط منه -عليه كما يف نفيه هذه
27
المسألة عن الفالسفة المشائين يف كتابه (فصل المقال) ،وحتى ابن سينا ال يمكن أن ننسب إليه هذا
القول على الوجه الذي نتصوره به ،فهو يقول يف كتاب (الشفا) ما نصه:
(بل واجب الوجود إنما يعقل كل شيء على نحو كلي ،ومع ذلك فال يعزب عنه شيء
شخصي ،وال يعزب عنه مثقال ذرة يف السموات وال يف األرض ،وهذا من العجايب التي يحوج
تصورها إلى لطف قريحة .وأما كيفية ذلك ،فألنه إذا عقل ذاته وعقل أنه مبدأ كل موجود ،عقل أوائل
الموجودات عنه وما يتولد عنها ،وال شيء من األشياء يوجد إال وقد صار من جهة ما واجبا يسببه،
وقد بينا هذا ،فتكون هذه األسباب يتأدى بمصادماهتا إلى أن توجد عنها األمور الجزئية .واألول
يعلم األسباب ومطابقتها ،فيعلم ضرورة ما يتأدى إليها ،وما بينها من األزمنة وما لها من العودات؛
ألنه ليس يمكن أن يعلم تلك وال يعلم هذا ،فيكون مدركا لألمور الجزئية من حيث هي كلية ،أعني
من حيث لها صفات .وإن تخصصت هبا شخصا فباإلضافة إلى زمان متشخص أو حال متشخصة
لو أخذت تلك الحال بصفاهتا كانت أيضا بمنزلتها )....اهـ.
وانظره وما بعده من كتاب الشفاء قسم اإللهيات ،وهذا كالم فيه ما فيه ويمكن تأويله
بسهولة بما يمنع أو يشكك يف نسبة القول بعدم علم اهلل بالجزئيات إليه إال أن نأخذه بالزم الكالم
والزم المذهب ليس مذهبا.
وكذلك الفارابي أستاذ ابن سينا يقول يف كتاب رأي الحكيمين( :الباري ،جل جالله ،مدبر
لجميع العالم ،وال يعزب عنه مثقال حبة من خردل ،وال يفوت عنايته شيء من أجزاء العالم ،على
السبيل الذي بيناه يف العناية ،من أن العناية الكلية شائعة يف الجزئيات) اهـ.
فكالهما يثبت علم اهلل بالجزئيات ولو بتوسط العلم الكلي فال يصح نسبة القول إليهما
وإلى بقية الفالسفة المسلمين إال على سبيل اإللزام والزم المذهب ،وهو شبيه بما قاله الجويني يف
الربهان وعرب عنه باالسرتسال كما يتضح مما شرح به التاج السبكي مسألة االسرتسال إذ قال( :أن
28
علم اهلل سبحانه وتعالى إذا تعلق بجواهر ال هناية لها كان معنى تعلقه هبا اسرتساله عليها ومعنى
اسرتساله عليها واهلل أعلم هو أن علمه سبحانه وتعالى يتعلق بالعلم الكلي الشامل لها على سبيل
التفصيل فيسرتسل عليها من غير تفصيل اآلحاد لتعلقه بالشامل لها من غير تمييز بعضها عن بعض)
اهـ من الطبقات.
وكما نرى فالفرق بين قول الجويني المبهم يف الربهان وقولهما أهنما عمما توسط العلم
الكلي يف كل الجزئيات بينما حصرها الجويني فيما ال يتناهى أي يف جهة االستقبال فقط.
*****
إن تطرق الشك إلى هذا فقد تطرق الشك إلى كل الكتاب ،فيسقط الكتاب بالكلية عندها
وإال عاد األمر تحكما وتفريقا بال موجب عند المنصف المتجرد عن الحب وتعظيم الشيخ المبني
على تعظيم بعض المشايخ له فقط.
وهذا الكالم ليس من متشابه كالمه ،بل هو كالم واضح مرا ُده منه ،وهو يسير فيه على حرف
المتكلمة ،فابن عربي -أو من كتب هذا الكالم -ههنا متكلم ال صويف فيحاكم بأدوات الكالم
ويشرح كالمه وفق ما قرروه ال وفق الشطح والجذب والكشف.
على أن اإلمام الشعران وهو من هو يف التصوف والحال قد أقر بنسبة عينية الصفات إلى
الشيخ كما نقلنا عنه يف اليواقيت.
29
وعلى العموم ،هذه مجرد محاولة للفهم أخي علي ال أكثر ،وأحب أن يبين لي شخص ما
عدم صحة ما فهمته من كالم الفتوحات بغير التشكيك يف النسبة ،إذ هو أسهل ما يمكن أن يفعله أي
شخص تجاه انتقاد يطال من يعظ ُمه ،ولست ممن يكفر الشيخ وال ممن يعتقد واليته ،بل أنا فيه على
التوقف حتى يستبين لي أمره ،دون أن يعني ذلك عدم نقد ما كتب يف الفتوحات أو غيره وعدم تحذير
الناس منه خاصة وأن طائفة من الناس يأخذون كل ما يف كتبه على التسليم وفيه ضالل لهم.
وحاصل األمر أنـا ال يمكن أن نجزم بصحة نسبة أي شيء من كتب ابن عربي إليه وفق
قولكم ،وعلى هذا يعود تعظيم بعض المتصوفة لكتبه وتسليمهم لكل ما جاء فيها ووصفه بالكشف
والعلو محض ظنون وأوهام ال يصح أن يبنى على أي منها شيء ال يف العقيدة و ال يف الحال لما أنا
ال نستطيع أن نجزم بصحة النسبة.
واهلل الموفق.
*****
30
الشيخ نزار حمادي يرد على الشيخ هاين:
األخ الكريم هان حفظه اهلل ،اعلم أن الشيخ اإلمام سيدي أحمد زروق رضي اهلل عنه قال
كالما غاية يف النفاسة فيما يتعلق بالشيخ ابن عربي ،فقال( :يف تكفيره خطر ،والتعظيم ربما عاد على
يض الجاه ِل سامعه بالضرر؛ إذ يف األول إخراج من عسى أن يكون مؤمِنا من اإليمان ،ويف الثان ِ
تعر ُ
ِ
باعتقاده لحمل الـمشكل من كالمه على ِ
ظاه ِره). ُ
وهذا هو المنهج الذي أعتمده ،ال منهج التعظيم العائد بالضرر ،وال منهج التحقير اآليل
للخطر .كما أن أتوقف يف نسبة كثير مما ُن ِسب إليه نظرا لتناقضه مع غيره من كالمه.
صحيح أن كثيرا من الناس ال يفقه ما يقرأ من كالم ابن عربي ومع ذلك يتظاهر بالفهم
والذوق والكشف ،وهذا قد عرض نفسه لضرر كبير ،وكثير من الناس يتسرع يف تغليطه أو تكفيره
دون تثبت وال تأمل وال تدقيق .والصواب خالف هذين المنهجين.
واعلم أخي أن قضية الدس يف كتب العلماء وكتب ابن عربي خاصة قضية شائعة معروفة،
والدليل عليها -إضافة إلى شهادة كثير من العلماء -وجود تناقضات ال يمكن صدورها من عالم
واحد يف كتاب واحد .قد أبين بعضها مما يوضح أن يف الكالم تخليط وإضافات زيدت عمدا.
أما قياسك ما يقال على كتاب ابن عربي بما يمكن أن يقال على كتاب ابن تيمية فهو قياس
مع الفارق ،فابن تيمية قد نقل مذهبه عدول يف زمانه وناقشوه وحاكموه هبا ،فضال عن أنه يردد أفكاره
يف جميع كتبه على وتيرة واحدة ويحيل على بعضها البعض ،فصارت آراؤه ثابتة النسبة له بذلك،
ولم يصلنا كتاب من كتبه صرح فيه بخالف ما يعتقده أو فيه خلط بين الحق والباطن يف عين المسألة
على وجه التناقض ،وهذا بخالف الفتوحات مثال ففيه تناقضات يف عين المسألة الواحدة ،ولم
يحصل له يف عصره ما حصل البن تيمية مع أن علماء الشريعة يف زمانه والنظار كان متوفرين.
31
مالحظة :شتان بين االسرتسال واإلحاطة ،فهما متناقضان.
مالحظة أخرى :بعد بيان األسلوب المنهجي يف تناول كتاب الفتوحات ،فال يخفى عليك
أن النقد والدفاع عن الحق مسألة خطيرة وخطة عظيمة ،ال ينبغي أن يقدم عليها اإلنسان إال إذا صار
أهال لذلك ،وقد الحظت إلى جانب استعمالك لفظ االسرتسال يف بيان العقيدة المعتمدة مكان لفظ
اإلحاطة أمورا أخرى أرى أنك ينبغي أن تراجعها ،فمثال قولك( :وهذه فلسفية من الشيخ ،فهو يقول
أن قول األشاعرة بالقدرة واالختيار والتخصيص والعلم نفي للوحدة وقول بالتكثر ،وأن ذلك ينايف
القانون الذي صدر به وهو أنه ال يصدر عن الواحد من كل وجه إال واحد ،وهو لفساد مقدمته وقانونه
الذي صدر به فسدت نتيجته ،وقانونه هذا غير مسلم وهو قول الفالسفة ال قول أهل الحق وبه فسروا
خلق العالم بنظرية العقول واألفالك) اهـ.
هذا كالمك أخي هان ،فعلى تسليم صحة نسبة الكالم الذي علقت عليه إلى ابن عربي،
فكيف فهمت بأنه قائل بمذهب الفالسفة يف أن الواحد من كل الوجوه ال يصدر عنه إال واحد؟ بل
جعلته قانونا له صدّ ر به المسألة؟ بل هو يشكك يف ذلك ويقول إن القول بذلك فيه نظر للمنصف
ويحتج بقول األشاعرة يف إثبات القدرة واإلرادة والعلم وأنه أمور زائدة على الذات.
ثم تأمل قوله( :فليس قولهم) يعني األشاعرة إذا اعتربنا عود الضمير إلى أقرب مذكور (بعد
هذا إنه واحد من كل وجه) ،فانظر كيف نسب هذا القول لألشاعرة ،مع أنك يا أخ هان قلت بأنه
قاعدة الفالسفة ،فكيف يستقيم ذلك؟
قال الشيخ هان الرضا :ثم يقول الشيخ( :مسألة :لو صح الفعل من الممكن لصح أن يكون
قادرا وال فعل له فال قدرة له فإثبات القدرة للممكن دعوى بال برهان وكالمنا يف هذا الفصل مع
األشاعرة المثبتين لها مع نفي الفعل عنها) الفتوحات .42/1
32
هل قرأت يا أخ هان كل ما ورد يف الفتوحات عن القدرة الحادثة والكسب؟ ما هي عقيدة
ابن عربي يف القدرة الحادثة؟ هل يثبتها ،أو ينفيها ،هل يقول بالكسب ،وعلى أي وجه؟
أردت أن أشير هبذا التوجيه إلى أنه ال يمكنك منهجيا اقتطاع سطر من موسوعة ضخمة
ُ
كتلك وتقول بأن ابن عربي يخالف األشاعرة ،وهذا هو رأيه ،أخذا به مسلما مع عدم مراعاة نصوص
أخرى تعارضه على وجه المناقضة.
مثال ففي النص الذي علقت عليه يا أخ هان يظهر أن ابن عربي ينفي القدرة رأسا للممكن
الذي منه اإلنسان المكلف ،لكنه يقول مثال يف الفتوحات يف الباب ( :471لما رأى العبد أن الحق
اقتدارا على إثبات ما كلفه به من األعمال ما كلفه ،فكان
ً كلفه علم أنه لو لم يعلم الحق يف العبد
التكليف له معرفا بأن له مدخال يف االقتدار على وجود الفعل الذي كلفه اهلل إيجاده) .اهـ.
وقال قبله يف الباب ( :104محال أن يطلب منا ما لم يجعل فينا قوة على اإلتيان به ويمكّننا
من ذلك ،فإنه حكيم ،وقد أعطانا يف نفس هذا الطلب علما بأن فينا قوة) .اهـ
فكيف تجمع يا أخ هان بين ما نقلته أنت مما يفيد نفي القدرة رأسا عن اإلنسان ،وبينا هذه
النصوص؟
*****
33
علي الماتريدي يكمل تقرير دعوى الدس:
أخي الكريم ما نثبت هو احتمالية الدس ،ال الشك بنسبة أصل الكتاب إلى الشيخ ،فالشك
إنما يقوم ببعض الفتوحات المخالف لعقيدة السنة ،أما ما نقل يف بداية الفتوحات موافق لعقيدة أهل
السنة فاحتمال الدس فيه معدوم؛ ألن الدس يكون لإلفساد كما تعلم ،أما ما ذكر يف طيات الفتوحات
مما يخالف عقيدة أهل السنة فهذا الذي نشكك بنسبته للشيخ ،فال يلزم إسقاط الكتاب بالكلية ،بل
نسقط ما يخالف ألجل ما يوافق على ما تفضل به األستاذ نزار.
ثم قلتم( :وهذا الكالم ليس من متشابه كالمه ،بل هو كالم واضح مراده منه وهو يسير فيه
على حرف المتكلمة ،فابن عربي -أو من كتب هذا الكالم -ههنا متكلم ال صويف فيحاكم بأدوات
الكالم ويشرح كالمه وفق ما قرروه ال وفق الشطح والجذب والكشف):
34
ثم قلتم( :على أن اإلمام الشعران وهو من هو يف التصوف والحال قد أقر بنسبة عينية
الصفات إلى الشيخ كما نقلنا عنه يف اليواقيت).
نعم وقال إن عليه طائفة من المتكلمين ،وهم المعتزلة كما تعلم ،لكن أين هذا من قول من
يتهم بالزندقة والكفر ولستُم منهم والحمد هلل.
ثم قلتم( :وعلى العموم ..هذه مجرد محاولة للفهم أخي علي ال أكثر ،وأحب أن يبين لي
شخص ما عدم صحة ما فهمته من كالم الفتوحات بغير التشكيك يف النسبة إذ هو أسهل ما يمكن أن
يفعله أي شخص تجاه انتقاد يطال من يعظمه ،ولست ممن يكفر الشيخ وال ممن يعتقد واليته بل أنا
فيه على التوقف حتى يستبين لي أمره دون أن يعني ذلك عدم نقد ما كتب يف الفتوحات أو غيره
وعدم تحذير الناس منه خاصة وأن طائفة من الناس يأخذون كل ما يف كتبه على التسليم وفيه ضالل
لهم).
خادمك ال ينكر رد بعض ما يف الفتوحات بالنقد والنظر وتبين ذلك للمقلدة التي ترى أنه
الحق ،لكن نريد نقضًا مع التشكيك يف نسبته ال مع الجزم بأنه قائل به حتى يثبت العكس ،ونذكر أن
للشيخ كالمًا يناقضه إن وجد
ثم قلتم( :وحاصل األمر أنا ال يمكن ان نجزم بصحة نسبة أي شيء من كتب ابن عربي إليه
وفق قولكم ،وعلى هذا يعود تعظيم بعض المتصوفة لكتبه وتسليمهم لكل ما جاء فيها ووصفه
بالكشف والعلو محض ظنون وأوهام ال يصح أن يبنى على أي منها شيء ال يف العقيدة و ال يف الحال
لما انا ال نستطيع أن نجزم بصحة النسبة).
بل يمكن يف الموافق دون المخالف ومن المسلم أن فيه من اإلشارات والذوقيات كما يف
قوت المكي وإحياء الحجة مما يخلو عن مصلحة الدس كما تعلم ،وتاريخ الزندقة شاهد بأهنم
يخلطون الباطل والحق.
35
وقياس المسألة على كتب ابن تيمية ال يخفى على أمثالكم من أهل العلم ،بل إننا نجري
معه نفس المنهج الذي نسلكه مع الشيخ األكرب ،وليتنا وجدنا كتابًا واحدا يخالف هذه اآلالف من
الصفحات التي تواترت عن ابن تيمية مع أنه لم يقل أحد من متابعيه أهنا مدسوسة.
محبكم.
*****
36
األستاذ سعيد فودة يناقش دعوى الدس ويبين سقوطها:
يقال :إن كتب ابن عربي قد دس فيها ،ما ضابط هذا الدس ،وما القدر الذي يمكن ترجيح
كونه مدسوسا عليه؟ هل يمكن ان نقول إن كل ما يخالف المذهب األشعري فهو مدسوس عليه؟
يف الحقيقة لقد سمعت كثيرا من الكالم حول الدس يف كتب ابن عربي ،وأن ما يقال إنه
مخالف فيه ألهل السنة مدسوس عليه ،أو ما يرى فيه كالم غريب عن أذواق أهل السنة فهو مدسوس
أيضا...و..و...و...إلخ ،الحقيقة أن النظر يف هذه المسألة يجب أن يدور على أسس علمية
صحيحة ،وينبغي أن نحرتم األسس التي نحاكم بناء عليها اآلخرين ،وإال وقعنا يف التناقض الحاكم
بالتهافت.
مثال :قال كثير من الناس أن فصوص الحكم قد دس فيه كثير من األمور ،وعندما نسألهم ما
الذي دس فيه ،وما ضابط الكشف عنه ،دائما يلجأون إلى العقيدة التي أودعها ابن عربي يف مقدمة
كتابه الفتوحات ،تلك العقيدة التي سماها بعقيدة العامة ،والتي جعل يف كتابه مراتب أخرى من
العقيدة بعضها يخالف بصورة واضحة عقيدة العامة ،وبعض ذلك ما ذكره األخ الفاضل الشيخ هان
علي الرضا.
نحن عندما نناقش التيمية وندافع عن اإلمام األشعري فيما ينسبونه إليه من أنه تغير وتراجع
إلى مذهب المجسمة ،نقول لهم بكل قوة :لم ينقل لنا أحد من تالمذته ما تزعمون ،غاية ما ينقله
بعضهم أنه صار يميل إلى طريقة التفويض يف بعض المسائل ،وليس يف ذلك تراجع عن أصل
المذهب ،بل اختيار وترجيح لبعض مسالكه على بعض .وكلها مرضية مقول هبا عند األكابر.
37
هل نستطيع أن نقول األمر نفسه عن ابن عربي :يعني هل نستطيع أن نقول إن المقربين منه
نقلوا عنه عدم مخالفته لمذهب األشاعرة أو أهل السنة؟ هل يمكن لنا أن نفسر كيف أن بعض كبار
تالمذته يصرحون بمخالفة األشاعرة يف مسائل عظيمة وينقلون ذلك كله عن شيخهم ويقررون فيه
مذهبه؟
كيف نستطيع أن نقرر وجود الدس يف كتبه مثل كتاب (فصوص الحكم) وقد وصلتنا شروح
من بعض تالمذته ،وبعض كبار العلماء الذين قارنوا النسخة المشروحة على نسخ مقروءة على ابن
عربي؟
ولو قارنا ما ورد يف نسخ تالمذة ابن عربي الذين شرحوا الفصوص لم نجد فرقا عظيما يف
المواضع التي يزعم فيها الدس عليه فيها ،بل هي هي موجودة يف نسخهم ،وموجودة أيضا يف النسخ
التي بين ايدينا.
انظر مثال ما كتبه مؤيد الدين الجندي ،تلميذ صدر الدين القونوي ،الذي هو ربيب ابن عربي
وتلميذه لمدة أربعين سنة ،وذلك يف شرحه على الفصوص ،لم يقل يف موضع واحد فيه مخالفة
لألشاعرة إن ذلك مما دس على ابن عربي ،فال أظن أن يف زمانه قد تمكن الداسون من الدس ،فهو
درس أيضا على ابن عربي ،بل حضر عنده بعض الفصوص.
وانظر ما لخصة القونوي يف الفكوك تجده تلخيصا مطابقا لما يف الفصوص ،وانظر ما أودعه
القونوي أيضا يف النصوص تجد األمر كذلك ،وانظر ما أودعه المحقق المال الجامي يف شرحه
العظيم على فصوص الحكم ،فهو يف موضع إشكالي يؤكد أنه راجع النص الذي بين يديه على نص
النسخة التي قرئت على ابن عربي وعليها توقيعه وخطه!
وقد أحصيت ذلك يف شرحه فوجدته عشرات المواضع من أول الكتاب إلى آخره.
38
أما ما تفضل به أخونا الباحث العزيز نزار حمادي من أنه وجد بعض تفسيره المعزو إليه
وأنه ال يخالف أهل السنة فيه ،فيا ليتنا نطلع على هذا التفسير أو القسم الموجود منه ،لندرس ذلك.
وعندئذ تربز لدينا إشكالية جديدة :هل يجب علينا ترجيح ما يف التفسير مما يوافق أهل السنة ونرتك
جميع الكتب الثابتة النسبة له مما فيه مخالفة يف بعض المواضع لما قرره أهل السنة ،وليس فقط
الفصوص والفتوحات بل أكثر رسائله!
ولن نستطيع أن نكون نظرة علمية عن التفسير إال عند االطالع على ما يتفضل به أخونا
الحبيب األستاذ نزار.
ولكن على كل األحوال ،ال بد من مراعاة األمور األخرى التي ذكرت أمثلة عليها سابقا،
لكي ال نكون متحكمين نورد ما يوافقنا ويلبي رغباتنا ،ونغض الطرف عما نرى فيه إشكالية.
وربما يكون الوقت قد حان إلعادة النظر يف مواقفنا يف هذه القضية التي صار كثير من الناس
ال يجدون ما يلوحون به من أدلة إال أن من خطأ أحد الصوفية فإنه يقدح يف األولياء ويعاديهم وهم
أولياء اهلل....إلخ الكالم المعلوم!!
ولكن الناظر بحق ،يعلم أن األمر ليس كذلك ،فاألمر واهلل أخطر مما يتوهمون!
39
عبد الكريم الرازي يثني على بطالن دعوى الدس:
االرتكاز على القول بالدس يف كتب الشيخ بن عربي رحمه اهلل ،لتربأته مما يف كتبه ال يكفي
لحل ّ
كل اإلشكاالت القائمة ،و عليه فكالم شيخينا الباحثين هان الرضا و سعيد فودة حول ضعف ّ
الدس وارد ووجيه ،نرجو االستفادة من بحوث المشايخ حول هذه المسألة حتى
طريقة التعويل على ّ
الدس وحدها.
مما يرتكز على غير التعويل على قض ّية ّ
خاصة كالم المدافعين ّ
تعم الفائدةّ ،
ّ
*****
العمدة هي درء الحدود بالشبهات ،وإثبات التاريخ أن ابن عربي لم يحاكم على قول قاله
يف حياته أو مصنف كتبه ،هذا مع ظهور األئمة الكبار أتباع المذاهب األربعة والسنة منتشرة ،ومع
إقامة الحد على غير واحد من المالحدة ..إلخ وهذه وحدها كافية لدرء الحكم بالكفر فكيف لو
انضاف إليها غيرها؟
وأما لو كان الكالم من أجل التحذير من هذه الكتب المنسوبة إليه فصحيح.
*****
40
رمضان أبو أحمد :العقائد التي ذكر ابن عربي هي مراحل يف الطريق إلى اهلل ،وابن عربي لن يستطيع
أحد اإلحاطة بعلمه:
السادة الكرام ،األمر أعمق مما تتصورون .ذكر ابن عربي أربع عقائد-1 :عقيدة العوام-2 ،
عقيدة الناشية الشادية -3 ،عقيدة خواص أهل اهلل من المحققين أهل الكشف والوجود -4 ،عقيدة
الخالصة ،وهذه األخيرة ذكرها متفرقة ولم يجمعها يف مكان واحد.
والسؤال الذي يجب أن يدور عليه البحث -إن كنا نريد أن نبحث األمر بحثا علميا منصفا-
هو :ما الفرق بين هذه العقائد؟ وهل يصح تسميتها عقائد؟ أليست عقيدة اإلسالم واحدة؟ وبالتالي
يمكن أن نقول :إهنا مراحل يف الطريق إلى اهلل وليست عقائد منفردة وغير مرتبطة ببعضها منعا
لاللتباس؟ فيجب ذكر هذه العقائد كما سماها بالتفصيل مرتبة ومناقشتها ثم بعد ذلك يكون الحكم.
وأنا اقول لكم لن يستطيع أحد مهما أويت من قوة أن يحكم على ابن عربي حكما منصفا،
لن يستطيع أحد أن يحيط بعلم هذا الرجل وحاالته ومراحل طريقه إلى اهلل ،وأقصى ما يمكن أن
يقال هو من قبيل التقريب والتخمين.
والدليل على ذلك أن هذا مقام عميق لم يصرب عليه حتى نبي اهلل موسى عليه السالم مع
الخضر حينما اظهر له علما ال يدخل تحت ادراكه العقلي والحسى الظاهري المباشر ،ال أقول بأن
ابن عربي مثل الخضر كما اننا لسنا مثل موسى عليه السالم ولكن هذا مثال ضربه اهلل تعالى يف كتابه
الكريم ليدلنا على هذه المرحلة العميقة من العلم التي ال يدركها اال من كابدها وأنى لنا ان نكابد ما
كابده ابن عربي؟
وأين المقياس الذى نضعه ونقيس عليه كالم ابن عربي فإذا خرج كالمه عن هذا المقياس
قلنا إنه خالف أهل السنة؟
41
*****
42
جر الحوار نحو تكفير ابن
األستاذ سعيد فودة :المقصد إظهار الحق ومذهب أهل السنة ،ويستنكر ّ
عربي:
لماذا تجعلون أيها اإلخوة األفاضل مسألة نقاش عقيدة ابن عربي ومدى موافقته أو مخالفته
ألهل السنة ،تستلزم بالضرورة السعي إلى تكفيره؟ مع أن األمر ليس كذلك! إنكم إذا فعلتم ذلك،
فسوف يكون هذا وحده عائقا للنظر السليم والبحث الحقيقي الحر الملتزم بالقوانين العلمية
السليمة يف هذا المجال ،وسوف يدفعكم ذلك إلى الهروب من أي نتيجة بأي طريقة كانت ولو
افرتاضية! هذا رأيي المتواضع.
وعدم محاكمته ال تستلزم بالضرورة عدم الخطأ يف كالمه وال يف كالم تالمذته ،فلو نظرنا
إلى الذين تمت محاكمتهم عالنية ،لرأينا أهنم أولئك الذين تصدوا لنشر آرائهم عالنية وحض الناس
إليها والدعوة إليها...وهذا المثال الواضح ابن تيمية لما أصر على نشر بدعته وقف يف وجهه العلماء،
والسهروردي من قبله ،وما حصل مع الحالج ليس ببعيد ،وما حصل مع غيرهم كذلك...واألمثلة
كثيرة....من قبل ومن بعدُ ...
ولو كان هؤالء يتجاذبون آراءهم هذه بين أصحاهبم وال يصرحون بالبدعة والغلط على أهل
السنة أو يتجنبون ذلك أو يعربون عن ذلك بأقوال محتملة ولو يف ظاهر األمر ،لما حصل لهم ما
حصل ،فما لم يكونوا كذلك سوف توجد عوائق عديدة تمنع الناس من االطالع على حقيقة آرائهم
واعتقاداهتم...
القضية ليست قضية تكفير وإقامة حد أيها اإلخوة األفاضل...القضية أساسا هي معرفة
الحق من عقائد أهل السنة وتمييزها عن اآلراء الخاصة التي قالها بعض أكابر العلماء ممن انتسبوا
إلى أهل السنة ،وهذا ما فعله العلماء الناقدون على مر األيام واألزمان ،وهو ما جعلهم يحذرون من
بعض آراء نطق هبا العضد والرازي وما نسب إلى اإلسفراييني وغيرهم.
43
أرجو أال تأخذوا القضية على محمل أكثر من هذا ،فلن يتم التوصل حينئذ إلى حل ولن
نستطيع المضي يف أمر...
*****
44
علي الماتريدي :تعليق على استنكار الشيخ سعيد:
قال األستاذ سعيد( :القضية ليست قضية تكفير وإقامة حد أيها اإلخوة األفاضل...القضية
أساسا هي معرفة الحق من عقائد أهل السنة وتمييزها عن اآلراء الخاصة التي قالها بعض أكابر
العلماء ممن انتسبوا إلى أهل السنة ،وهذا ما فعله العلماء الناقدون على مر األيام واألزمان ،وهو ما
جعلهم يحذرون من بعض آراء نطق هبا العضد والرازي وما نسب إلى اإلسفراييني وغيرهم.) ...
هل لي أن أقول مسرتشدا -فهذا حظي معكم -سيدي :إن هذا الموضع سيدي يجب أن
يكون موضع اتفاق ب ّين ،فنقد كل قول مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة واجب ال محيص عنه،
ولكن لماذا ال نجعل نقدنا لما يف الفتوحات مثال مقرونًا باحتمالية الدّ س ،وهذا االحتمال وإن قل
كثيرا عندكم لما تفضلتم به لكن قام عند البعض ،أي كاحتمال ،وهذه شبهة تدفع التكفير الالزم لمن
قال بأن هذه عقيدة الشيخ جزمًا وال يبقى التصريح به هامًا.
رابعًا :العقيدة التي دافع عنها بعض متابعي الشيخ من تالمذته أو من غيرهم عرب القرون.
أما دعوى الدس فما بين قبول ورفض والخالف فيه حقيقي.
45
وأما التكفير فمرتتب على ثبوت العقيدة وعدمه بعدمه أو بقيام احتمال معترب والخالف
حقيقي أيضًا.
وأما من خالف عقيدة أهل السنة وثبت عنه سواء من تالمذته الشيخ أو تالمذة تالمذته أو
ممن جاء بعدهم عرب هذه القرون فالخالف معهم حقيقي ،ورد ما كتبوا أو سطروا واجب شرعي،
وهذا الخالف مع بعض متابعي الشيخ األكرب.
اآلن إن كان الغرض الدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة فهل من ضير من أن يكون نقد
ما يف الفتوحات على احتمالية نسبة ما فيه للشيخ؟ وعلى ذلك ال يكون التكفير الزما؟ وقد جرى
عليه كثير من أهل السنة سابقًا فرتاهم يشيرون إلى ذلك بـ (ما ينسب إلى الشيخ) مع تسطير نقد ما
يف الفتوحات ،وهذا غير القطع بنسبة ما فيه الذي يرتتب عليه التكفير كما ذكرت ،فنكون أخذنا
بالمتيقن.
أرجو الدعاء سيدي ...وأعتذر أن تقدمت بين يديكم هبذا الكالم للتعلم...
*****
46
ونصه على أبدية العذاب:
الشيخ نزار حمادي يشير إلى تفسير ابن عربي ِّ
أسأل اهلل تعالى أن يوفقنا للوصول إلى الحق فيما نتباحث فيه ،فإهنا مسألة دقيقة وشائكة
وال ينبغي التسرع فيها ،وأشكر فضيلة الشيخ سعيد على ما تفضل به من إثراء للحوار وتوجيه
للبحث.
والتفسير الذي أتحدث عنه هو إيجاز البيان يف الترجمة عن معاين القرآن ،ونسختي منه
مخطوطة ،وعليها سماعات من علماء كبار ،وأظنه قد طبع طبعة واحدة قديمة نسبيا.
والذي أريد أن أشير إليه هنا وهو مما يؤكد مسألة التزوير أو التحريف أو ما عساه يثبت
بالبحث الجاد ،أن يف هذا التفسير العلمي الرصين –مثال -كالما سنيا قويا يناقض كل المناقضة ما
ورد يف الفصوص على سبيل المثال ،والكالم الذي سأنقل لكم من المخطوط مباشرة يتعلق بمسألة
خلود أهل النار والعياذ باهلل ،فالباحث المطلع يعلم ما ورد يف الفصوص هبذا الخصوص ،ويعلم أنه
كالم ساقط ال ينطق به إال حاقد على الدين اإلسالمي وثوابته ،وإليكم ما ورد يف إيجاز البيان الذي
قرئ على ابن عربي سنة (636هـ) وهذا التاريخ مهم جدا ،وهو تفسير لقوله تعالى مخربا عن اليهود:
(وقا ُلوا لن تمسنا الن ُار إِال أياما معدُ ودة)
http: //www.4shared.com/file/20671785.../__online.html
47
األستاذ سعيد فودة يناقش الشيخ نزار ويبين خالصة مذهب ابن عربي يف انقالب العذاب إلى عذوبة:
كتب على هذه النسخة التي رفعتها أخي الفاضل الحبيب نزار أهنا قرئت على ابن عربي سنة
636هـ ،وكذلك النسخة التي تم تحقيقها يف مصر على يد بعض كبار المحققين ،بدقة تامة حسب
ما قالوا ،عليها خط ابن عربي قد انتهى ابن عربي من تأليفها سنة 636هـ وعليها خطوطه ،وهي
الموجودة يف قونية ،وكان اطلع عليه تلميذه القونوي أيضا واعتمدها ،وتوجد نسخ أخرى قريبة من
ذلك الزمان ،فال فضل للنسخة التي تحيل إليها -أخي العزيز -يف زمان وال مكان وال قرب من ابن
عربي وال موثوقية وال غير ذلك.
ويف هذه النسخ يوجد النص على رأي ابن عربي يف أهل النار الذين هم أهلها ،ويستحيل
والحال هذه أن يكون الدس قد حصل فيها ،فيستحيل أن يقع الدس يف النسخة التي يقرئها ابن عربي
ويوقع عليها ويعتمدها تالمذته المقربون الذين بلغوا يف هذا العلم أطوارا.
أقول :خالصة قول ابن عربي كما هو موجود يف الفتوحات المكية وغيره من الكتب
كالفصوص والمعرفة ،إلخ ولخصها تالمذته والعالمون بمذهبه كالعالمة الجامي وغيره.
-1أهل النار الذين هم أهلها ال يخرجون من النار اتفاقا ،خالفا لمن زعم أهنم يخرجون.
-2أن عذاهبم مستمر ،وبقاءهم يف دار العذاب مستمر ،ويمرون يف مرحلتين يف هذا
العذاب ،المرحلة األولى :يكون فيها العذاب عذابا حقيقة ويشعرون يف هذه المرحلة بآالم عظيمة
بحسب كفرهم ومعاصيهم .المرحلة الثانية :يبقى فيها العذاب ولكن ال يعود أهل النار الذين هم
أهلها يشعرون باآلالم العظيمة فينقلب العذاب عذوبة يف حقهم ،أو يكون كعذاب الواحد بما يراه
يف خياله او نحو ذلك.
48
والقول الذي كان ينسب إلى ابن عربي هو أن أهل النار يخرجون منها ،ال أهنم يمكثون فيها
وصفت.
ُ خالدين على الحال الذي
وما أوردته أخي الفاضل نزار يف هذه المخطوطة ال يدفع ما هو موجود يف الكتب على
حسب الوصف الذي ذكرناه ،فهو يريد نفي قول اليهود أهنم يخرجون من النار ،فيؤكد أهنم فيها
باقون ،فهو ينص على بقاء أهل النار الذين هم أهلها ،وأن عذاهبم بحسب كفرهم ،ولكنه ال ينص
وال فيه بيان حال العذاب وهل ينقلب بعد مدة إلى عذوبة أو عدم شعور برحمة من اهلل تعالى أم ال،
وياليت يوجد نص واضح يف األمر الذي نقوله ،ولو وجد هذا النص الذي يعارض ما ذكرناه ،لما
كان ذلك دليال على وجود الدس يف كتبه للسبب الذي قررناه من ثبوت كتبه األخرى ،ولكن غاية
األمر وجود تعارض ما بين أقواله يف كتبه الثابتة إليه ،فننتقل من القول بوجود الدس إلى االجتهاد يف
الكشف عن الرأي المختار عنده بعد إثبات التعارض!!
رفعت لكم القسم الخاص بابن عربي من كتاب أصحاب النار الذي وضحت
ُ وإن أردتم
فيه رأيه ورأي ابن تيمية وغيرهم من اإلسالميين يف أصحاب النار ،ليزداد هذا االمر وضوحا.
وأدعو اهلل تعالى من كل قلبي أن أكون مخطئا فيما أقول ،فإن الخير كل الخير يف كون ابن
عربي موافقا ألهل السنة ال مخالفا ،كما أن الخير كل الخير يف أن يكون المعتزلة موافقين ألهل السنة
وكذلك يف أن يكون ابن تيمية موافقا ألهل السنة ،وال نتمنى ألحد أن يكون مخالفا لهم...
*****
49
ونحن نالحظ هذه االحتمالية التي تتفضل بذكرها ،ولذلك نراعي خواطر اآلخرين جدا،
ولكن تأكد أننا نعلم علما يقينا بوجود أناس يعرتفون أن ابن عربي ليس موافقا ألهل السنة وال هو
معني بذلك أصال ،فمقامه أعظم منهم كثيرا ،ومن هم األشاعرة يف مقابل خاتم األولياء والذي كشف
له عن اللوح المحفوظ ،هكذا يقولون!
فإن لم نصرح بأن الموجود يف كتبه مخالف ألهل الحق ،فإهنم يتمادون يف ذلك الموقف،
وسيصبح -ال سمح اهلل -أهل السنة مطالبين بالدفاع عن أنفسهم يف مقابل أقوالهم بعد حين ،واألمر
يف هذا الزمان متاح لهم وخصوصا يف تيار التقارب بين األديان تنبيش العلمانيين والمنحرفين عن
اإلسالم وأصله يف كتب اإلسالميين ،وهم واجدون ما هو يف كتب ابن عربي من ذلك كله ومن
غيره...ومروجون له...
ونحن نعلم علم اليقين أن هناك متابعين لما يف كتب ابن عربي كما هي بين أيدينا فعال،
التقيت ببعضهم يف مصر وببعض آخر يف سوريا ويف
ُ ويقطعون بأهنا هي عقيدته التي يعتقد هبا ،وقد
األردن...وأنا متأكد من وجودهم يف بلدان كثيرة أخرى ،يصرحون بوحدة الوجود بالمعنى الباطل،
ويصرحون بما هو موجود يف كتبه يف أهل النار الذين هم أهلها ،كما صرح بوجودهم أيضا اإلمام
الشعران يف زمانه ،وهذا ما دفعه إلى كتابة كتبه التي يدافع فيها عن ابن عربي ،ويقولون باآلراء
الموجودة يف كتبه فيما يتعلق باألديان األخرى وأن حقيقتها واحدة ،ويف غير ذلك من آراء باطلة -
عند أهل السنة ،وإن كانت صحيحة عند هؤالء -وهي موجودة يف كتبه.
*****
الشيخ نزار حمادي ينقل تأويل النابلسي يف المطالب الوفية لكالم ابن عربي:
قال األستاذ سعيد( :وما أوردته أخي الفاضل نزار يف هذه المخطوطة ال يدفع ما هو موجود
يف الكتب على حسب الوصف الذي ذكرناه .فهو يريد نفي قول اليهود أهنم يخرجون من النار ،فيؤكد
50
أهنم فيها باقون .فهو ينص على بقاء أهل النار الذين هم اهلها ،وأن عذاهبم بحسب كفرهم ،ولكنه
ال ينص وال فيه بيان حال العذاب وهل ينقلب بعد مدة إلى عذوبة أو عدم شعور برحمة من اهلل تعالى
أم ال .وياليت يوجد نص واضح يف األمر الذي نقوله).
أشكر فضيلة الشيخ سعيد مرة أخرى على ما أورده من التعليق مثريا لهذا البحث الشائق
الشائك يف نفس الوقت.
أريد أن أنوه هنا إلى أن الكالم المنقول عن الفصوص قد أورده وعلق عليه النابلسي يف كتابه
المطالب الوفية يف شرح الفرائد السنية ،وأول ووجه ذلك الكالم بما يرجع إلى عقيدة أهل السنة
والجماعة من دوام عذاب أهل النار من الكفرة عذابا حسيا دواما سرمديا أبديا ،وقال بعد التوجيه:
(وأظن أن كالم الشيخ محيي الدين عربي رضي اهلل عنه من هذا المنزع ألنه من كبار أئمة اهل السنة
والجماعة وال يصدر عنه إال ما هو مطابق لمذهب أهل الحق) .اهـ.
وقد أوردت هذا الكالم لبيان مخالفة من أهم أشد الناس (من العلماء) اهتماما بكالم الشيخ
ابن عربي كالنابلسي لكل كالم يخالف ما صار معلوما بالضرورة عند علماء أهل السنة ،كمسألة
خلود الكافر يف النار ودوام تعذيبه عذابا حسيا سرمديا ،وغيرها كمسألة استحالة الحلول واالتحاد
يف حق اهلل تعالى.
وعودا إلى بعض ما نقلته من تفسير ابن عربي إيجاز البيان ،فقد رأى فضيلة الشيخ سعيد أن
ما قاله ابن عربي يفيد سرمدية مكوث الكفرة يف النار ،ولكن ال يفيد بيان حال العذاب أو وجهه،
وهذا الحال نجده يف نصوص أخرى مبثوثة من هذا الجزء من التفسير ،وهي بمثابة القرائن الدالة
على عقيدة ابن عربي يف هذا الشأن ،فقد قال يف الرتجمة عن قول اهلل تعالى( :ومن كفر ف ُأمت ُع ُه قلِيال
ار وبِئس الم ِص ُير):
اب الن ِ
ُثم أضطر ُه إلى عذ ِ
51
(اعلم ان جهنم تحتوي على عذابين :حرور ،وزمهرير ،إلى غير ذلك .فإذا كان الشقي يف
ومست منه ما آلمه ،ونظر إلى الزمهرير الذي يف مقابلته ،رمى نفسه إليه مضطرا مما يجد
حرور النار ّ
من ألم الحرور ،فإذا وقع يف الزمهرير كُز (أي يبس وصلب) فيه بردا واشتد عليه ألمه ،فاضطره ذلك
إلى الحرور ليسخن حتى يذهب عنه ألم البرد ،فال يزال كذلك مضطرا من عذاب إلى عذاب.
وكذلك إذا جاع اضطر إلى دفع الجوع بما يأكله ،فينظر إلى شجرة الزقوم ،فيتوهم بالعادة من أكل
الثمر أنه مزيل لجوعه ،فيضطر إلى قطعها ،فإذا ازدردها (سرطها) ق ّطعت أمعاءه وناله من العذاب
فوق ما كان يجده ،وهكذا يف الشراب وغيره ،فهذا معنى االضطرار) .اهـ.
فهذا الكالم يناقض تماما ما ورد من العذوبة وانقطاع اآلالم وغير ذلك مما يخالف ما صار
معلوما بالضرورة عند علماء أهل السنة ،ويستبعد أن تصدر مثل هذه التناقضات الصارخة من
شخص واحد ال سيما أنه وسم بأنه أعلم من أهل كل فن بفنهم ،وعلى تقدير صدور هذا التناقض
من شخص واحد كان ذلك داال على سخافة عقل وسفه شديدين ،وليست هذه حالة القائل هنا،
ولهذا وجب البحث والتدقيق والتحقيق والتأن والتثبت يف بحث هذه المسائل ،واهلل أعلم.
*****
52
األستاذ سعيد فودة يناقش تأويل النابلسي لكالم ابن عربي يف الفصوص والمطالب:
ال يخفى على األخ الفاضل نزار أن ما نقله أخيرا ليس فيه إخبار بأن العذاب واآلالم باقية
على التأبيد ،بل فيه كيف يكون التعذيب باالضطرار ،وليس فيه ذكر أن هذا التعذيب واأللم يكون
أبدا ال ينقطع .ولم ال يحمل هذا القول على حالة التعذيب التي هي محل اتفاق .واألصل عدم
التعارض يف كالم الرجل الواحد ال سيما إن كان من األعالم العلماء كابن عربي فإنه ليس بعيدا عن
الوصف الذي وصفت ،وإن لم أسلم أنه أعلم من أهل كل فن بفنهم ،فإن يف ذلك مبالغة أريد هبا
مجرد المدح ال حقيقتها.
وأم ا كالم الشيخ النابلسي رحمه اهلل تعالى الذي نقلته فال شيء فيه إال مجرد دعوى عدم
المخالفة ،فما هو القول الذي زعم فيه أن ابن عربي لم يخالف أهل السنة ،هال بينته من كالمه من
فضلك.
ولعله قصد التوجيه الذي ذكره يف شرحه على الفصوص كما نورده اآلن.
قال الشيخ عبد الغني النابلسي يف شرحه على الفصوص ( )333/1الفص اإلسماعيلي
طبعة دار الكتب العلمية( :فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار انقضى يوم القيامة وجاء يوم
الخلود كما قال تعالى(ذلك يوم الخلود) ،فإذا زال الحجاب بالتجلي على أهل النار ،المكنى عنه
يف الحديث بوضع القدم ،والمشار إليه يف قوله تعالى( :فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة
وظاهره من قبله العذاب) اآلية ،فالباطن الذي فيه الرحمة هو التجلي ،والعذاب يف الظاهر ،فعند
ذلك ينقلب العذاب عذوبة لهم مع بقائه كما كان على األبد ،ولهذا قال( :يسمى) أي ذلك العذاب
عذاب أهل النار (عذابا) مشتقا (من) العذوبة وهي الحالوة ألجل (عذوبة طعمه) يف أذواقهم وإن
بقيت عينه يف الظاهر معاقبة وإيجاعا (وذاك) أي ما هو يف الظاهر من صورة المعاقبة (له) أي لما يف
53
الباطن من اللذة والعذوبة (كالقشر) الذي يكون للبوب والحبوب (والقشر صائن) ،أي حافظ ساتر
لما يف داخله من اللب ،وذلك بعد استيفاء مدة ما هم فيه من استيالء األوهام على خياالهتم الفاسدة
حتى يتحققوا بالواحد الحق يف كل ما التبس عليهم فيه ،ويشهدونه يف الظواهر والبواطن ،ويرجهون
إلى ما كانوا فيه من البواطن .وهذه المسألة من األسرار ،وال طريق إليها من جانب أهل العقول
واألفكار ،وليس فيها مصادمة شيء من ظواهر أحكام الشريعة ،وال مخالفة لما عند علماء الظاهر
بحسب الظاهر أن أسرار البواطن مستورة عن المقيد بأغالل الطبيعة) .اهـ.
فهو يصرح ههنا أن العذاب ينقلب إلى عذوبة ،هذا صريح كالمه ،ولكنه يزعم أن هذا ال
يخالف كالم أهل الظاهر ،وال أدري كيف ال يخالفه! والدعوى التي زعمها من أن كالم من الوعد
والوعيد إنشاء ال يقتضي الوقوع باطل كما ال يخفى ،فهل كان يف تقريره لهذه المسألة يف النص الذي
تشير إليه يتكلم عن نفس المحل ،أم كان يريد أن ابن عربي ال يقول -أصال -بانقالب العذاب إلى
عذوبة؟
يا ليتك تنقل لنا كالمه كامال هنا لنستفيد منه ،فهدفنا ما هو إال الحق واهلل هو المقصود.
على أن كالم ابن عربي ال يحتمل أصال التأويل ،وإن يف الفتوحات من الكالم الصريح ما
يدفع كل تأويل يفرضه محب ألهل الحق يفرتض أن ابن عربي ال يخالفهم .وإن أحببت فسأنقل لك
بعض كالمه هناك ،ولعلي أنقله قريبا.
واهلل الموفق.
54
*****
55
الشيخ نزار حمادي يناقش الشيخ سعيد يف إمكان حمل مشكل كالم ابن عربي على محمل مقبول
من تفسير ابن عربي:
فضيلة الشيخ سعيد حفظه اهلل ،ال شك أن ما أحاول فعله هو الجمع بين بعض المواضع
الواردة يف التفسير المذكور للخروج بصورة أجلى عن معتقد الشيخ ابن عربي يف مسألة عذاب أهل
النار.
فقد نقلت عنه يف تفسير قوله تعالى( :وقا ُلوا لن تمسنا الن ُار إِال أياما معدُ ودة) قوله :فال يزال
(أي العذاب الناري) يدور عليهم عودا على بدء إلى غير هناية اهـ.
وهذا كالم ظاهر الداللة على عدم تناهي العذاب الناري للكفار وإثبات سرمديته ،ويف النقل
الثان بيان لكون عذاهبم الالمتناهي يتضمن آالما حسية شديدة ُيضطر إليها الكفرة جزاءا بما كانوا
يكفرون باهلل وبرسوله.
فيخرج من هذين النقلين إثبات كون ابن عربي قائال بإثبات عذاب ناري زمهريري آالمي
سرمدي للكفار يف جنهم ،ال فيه راحة وال عذوبة وال انقطاع وال زوال ..عافانا اهلل وإياكم وجنبنا
حرها وزمهريرها بفضله وكرمه وجوده وطوله إنه سميع مجيب.
فإذا أردنا التماس المخارج من تلك المضايق فذلك متيسر بمجرد هذين النقلين من كتاب
ثابت النسبة البن عربي ،وبالمناسبة فهو كتاب تفسيري محكم اآلراء سديد االختيارات محلى
باآلثار المصطفوية واآلراء المعتمدة عند علماء األمة المحمدية.
أما عن توجيه النابلسي لما ورد يف الفصوص على تسليم كونه من إنشاء ابن عربي ،فقد قال
يف المطالب الوفية:
56
(إن فهم هذا األمر على ظاهره مشكل من جهة تعطيل صفة الغضب اإللهي بزوال العذاب
من أهل النار وانقالبه عذوبة ،وصفات اهلل تعالى ال تتعطل من التعلق بآثارها أبدا ،فكما أن صفة
المرضي عنهم ـ كذلك يجب أن تكون صفة الغضب.
ّ الرضوان لم تتعطل من التعلق بآثارها ـ وهم
وغاية ما يمكن أن يقال يف ذلك :إن صفة الغضب اإللهي ال تتعطل ،وإنما تحل على أهل النار،
فيغيبون يف شهودها ،فال يدركون عند ذلك ألم العذاب الذي هو أثر تلك الصفة الشتغالهم بما هو
أعظم من ذلك الذي كانوا يشهدونه من ألم العذاب ،وهو شهود تلك الصفة ألهنم يقعون يف شهود
عين الغضب اإللهي ،فإذا رجعوا إلى شهود ألم العذاب وجدوه عذوبة بالنسبة إلى ما يشهدونه من
عين الغضب ،كما أن أهل الجنة إذا أحل عليهم اهلل تعالى رضوانه واشتغلوا بشهود صفة الرضوان
اإللهي يغيبون عن شهود نعيم الجنة ،فكذلك أهل النار ال يزول عذاهبم وال ألمهم وال يخرجون
منها وال يفنون فيها ،بل هم موجودون يف العذاب أبد اآلبدين) .اهـ.
فهذا تفسير النابلسي لما ورد يف الفصوص على سبيل تسليم كونه من وضع وإنشاء ابن
عربي ،وفيه تمام الرباءة مما يخالف المجمع عليه بين أهل السنة ،وأن من مات على الكفر فهو يف
العذاب الحسي السرمدي ،والداللة على ذلك من كالمه واضحة إن شاء اهلل.
إضافة إلى أن النابلسي قد اعتمد يف شرحه المذكور وهو من أواخر ما صنف على أمهات
كتب نظار أهل السنة من الباقالن والجويني مرورا بالفخر الرازي والتفتازان والسنوسي واللقان
وغيرهم رضي اهلل عنهم.
*****
57
األستاذ سعيد فودة يبطل تأويل النابلسي النقالب العذاب لعذوبة ،ويؤكد على بطالن دعوى
الدس:
أحد النصين اللذين أوردهتما يشير إلى بقاء الكفار يف العذاب! والثان يشير إلى تألم الكفار
يف دار العذاب.
وهاتان المقدمتان تنتجان دوام اآللم والعذاب لكن بناء على قول أهل السنة من أن النار دار
عذاب ال عذوبة.
أما بناء على قول ابن عربي فال تفيد ذلك ،ألنه يقول إن جزءا من مدة بقائهم يف النار
يتألمون ،ولكن ينتهي األلم وينقلب أثر العذاب إلى عذوبة!
فما لم تأت بنص أو دليل ظاهر من ابن عربي على بقاء أهل النار الذين هم أهلها متألمين
بعذاهبم أبد اآلباد ال يتم استداللك.
أما أن تأيت بنص يقول فيه إن هناك ألما وال يقيده بالدوام ،وبنص آخر يقول إن هناك عذابا
دائما وال يوضح فيه أنه مستلزم لأللم! فإن هاتين المقدمتين ال تنتجان المطلوب كما هو ظاهر ،هذا
أوال.
وأما ثانيا :فنحن ال يجوز أن يغيب عن أعيننا أن األصل هو ثبوت نسبة الفصوص وما فيها،
الدس مجرد دعوى تحتاج إلى دليل ،وال دليل مع ثبوت النسخ
والفتوحات وما فيها البن عربي ،وأن ّ
المكتوب عليها والثابت عليها السماعات والتوقيعات من ابن عربي وتالمذته على الفصوص
والفتوحات ،وفيهما توجد النصوص التي ُيزعم أهنا دست عليه.
58
ثالثا :ما يقوم به الشيخ عبد الغني النابلسي مجرد محاولة التوفيق بين نص البن عربي صريح
المخالفة لما يقول به أهل السنة وبين ما يقوله أهل السنة ،وال شك أن تأويله هذا على غير طريقة
أهل الحق ،فال يرضى به أهل السنة حقا؛ ألن مجرد غيبة األلم عن أهل النار لمشاهدهتم صفة
الغضب كما يقول الشيخ النابلسي( :إن صفة الغضب اإللهي ال تتعطل ،وإنما تحل على أهل النار،
فيغيبون يف شهودها ،فال يدركون عند ذلك ألم العذاب الذي هو أثر تلك الصفة الشتغالهم بما هو
أعظم من ذلك الذي كانوا يشهدونه من ألم العذاب ،وهو شهود تلك الصفة ألهنم يقعون يف شهود
عين الغضب اإللهي ،فإذا رجعوا إلى شهود ألم العذاب وجدوه عذوبة بالنسبة إلى ما يشهدونه من
عين الغضب)!
وهذه العبارة تظهر لك مدى صعوبة ما يعانيه الشيخ النابلسي يف جعل كالم ابن عربي موافقا
ألهل الحق؛ فهل تنقلب صفة الغضب إلى ضدها؟ فصفة الغضب يلزم عنها اإليالم ال غياب األلم!
فمن شاهد صفة الغضب التي أحلت عليه العذاب الذي هو فيه ،فأفضى به مشاهدهتا إلى غفلته عن
األلم ،بله الشعور بالعذوبة ،أليس هذا معناه أن آثار صفة الغضب عن العذوبة ال العذاب!....؟ هذه
هي طريقة ابن عربي.
ولنزد هذا بيانا :إن اآلالم التي يف النار هي آثار صفة الغضب ،وأما نفس جهنم فإنما اختصت
هبا صفة الرحمة ،ولذلك وبما أن رحمة اهلل تعالى تسبق غضبه بنص الحديث الشريف ،فهذا هو
السبب الذي من أجله يضمحل األلم ويحل العذوبة يف العذاب! هذه هي طريقته التي ال تحتاج إلى
شرح وبيان فقد تكفل هو بشرحها وبياهنا يف الفتوحات.
59
وأما رابعًا :فإن ابن عربي نفسه يبين أن األلم ينقلب يف حق أهل النار الذين هم أهلها إلى
عذوبة ،فال يقال بعد ذلك أن األلم يبقى ولكنهم يغفلون عنه لمشاهدهتم صفة الغضب! وأن األمر
نسبي يف شعورهم بالعذاب بعد رجوعهم عن مشاهدة صفة الغضب ،كما زعم الشيخ النابلسي!
وابن عربي لم يقل يف كتبه أصال هذا الكالم ،أعني إنه لم يقل إن الكفار ال يشعرون فرتة
باأللم ثم يعودون ويشعرون بذلك األلم!....
ولنا أن نسأل عن حالهم وهم مشاهدون لصفة الغضب ،هل هم يف حالة ألم ،أم يف حالة
عذوبة وتلذذ! إن قلنا إهنم يف حالة ألم فال حاجة لكل هذا التأويل ،وإن قلنا إهنم يف حالة تلذذ فكيف
يتلذذ الكافرون يف النار؟ وكم هي الفرتة التي يقضوهنا كذلك ،وما الدليل على هذا األمر ،أليس يف
هذا األمر إثبات للمقصود!
وبعد ذلك كله ،أال يخالف هذا الكالم كله الذي تنزع إليه ما هو مذكور يف كالم النابلسي
نفسه يف شرحه على الفصوص ،مع أنه ال دليل لما قلته من أنه إنما يشرح الفصوص على فرض
ثبوهتا! بل إنه يقطع بثبوهتا ويأخذها كحكم غالية عالية نتاج الكشف كما هو واضح لمن يطلع
عليها...
وال بد من تذكر أن كال من الفصوص والفتوحات ثابتة النسبة أصال ،وما زلنا نحتاج إلى
دليل إلثبات الدس فيهما ،وكالهما يوجد منهما نسخ مقروءة على المصنف وعليها توقيعه،
وشروحات تالمذته وغيرهم ،فالقول بالدس ال بد من االنتهاء منه قبل المضي يف محاولة التعرف
على المقصود من الكالم ،فالتأويل يكون بعد التسليم بالثبوت ،فإن كان هناك دليل على الدس،
فأرجو أن يؤتى به ،وبعد ذلك نلجأ إلى النظر يف التوفيق بعد إثبات التعارض ،مع أنني ال أرى تعارضا
يف نفس كالم ابن عربي ،ولكن التعارض بين كالمه وبين ما يؤوله به الشيخ النابلسي.
60
وتنبه أيها األخ الفاضل ،أن ما يقوم به النابلسي رحمه اهلل ،من التأويل لكالم ابن عربي يعترب
منه تسليما بورود هذه النصوص عنه ،وإال فإن لم يقبل ثبوهتا عنه ،فلم يشتغل بتأويلها؟
ولذلك فسأحاول إيراد بعض النصوص من كالم ابن عربي التي تتكلم عن هذه المسألة
لنتأكد من وجودها على األقل يف كبته قبل االشتغال بمحاول حل إشكاليتها ،وتعارضها الظاهر مع
أهل السنة.
وما زلت أقول :أنا أدعو اهلل تعالى أن ال يكون ابن عربي مخالفا فمعرفة موافقته بالدليل ال
بمجرد التمني والرجاء أحب إلينا من صوابنا فيما ندعيه.
وأين نذهب برأيك بكالم الشيخ عبد الغني النابلسي نفسه يف شرح الفصوص( :فعند ذلك
ينقلب العذاب عذوبة لهم مع بقائه كما كان على األبد ،ولهذا قال( :يسمى) أي ذلك العذاب عذاب
أهل النار (عذابا) مشتقا (من) العذوبة وهي الحالوة ألجل (عذوبة طعمه) يف أذواقهم وإن بقيت
عينه يف الظاهر معاقبة وإيجاعا (وذاك) أي ما هو يف الظاهر من صورة المعاقبة (له) أي لما يف الباطن
من اللذة والعذوبة (كالقشر) الذي يكون للبوب والحبوب (والقشر صائن) ،أي حافظ ساتر لما يف
داخله من اللب).
فها هو يثبت انقالب العذاب عذوبة يف كالم ابن عربي ،ويقول إن ظاهرهم العذاب وباطنهم
العذوبة.
ومما نضيفه هنا مقدمة الشيخ عبد الغني النابلسي لشرحه الفصوص ،فقد قال بعد الحمدلة:
(هذا شرح مختصر وضعت على كتاب فصوص الحكم الذي صنفه بحر المعارف اإللهية وترجمان
العلوم الربانية الشيخ األكرب والقطب األفخر الشيخ محيي الدين بن عربي الطائي األندلسي قدس
61
اهلل سره ،وأعلى يف حضرة القرب مقره ،لما رأيت شروحه مغلقة العبارات صعبة اإلشارات ،ال تربد
من كيد القاصرين غلة ،وال تشفي ألهل البداية علة ،حتى ال يكاد ينتفع هبا غير أهل األذواق من
السادات األجلة ،فأردت أن أوضح مشكله وأفصل مجمله بأظهر ما تيسر لي من الكالم وعلى
حسب الفتح واإللهام ،وسميته جواهر النصوص يف حل كلمات الفصوص ،وباهلل المستعان وعليه
التكالن وهو حسبي ونعم الوكيل ،واهلل يقول الحق وهو يهدي السبيل).
وهذا الكالم يظهر منه كما ال يخفى أن الشيخ النابلسي رحمه اهلل يسلم تماما أن هذا الكتاب
من تأليف الشيخ ابن عربي ،وأن ما يقوم به هو إظهار أسراره وتقريبه فوائد ،لالستفادة من عوائده،
فال يقال أبدا إن الشيخ النابلسي إنما شرح الكتاب وما فيه على فرض أنه البن عربي ،فإنه جازم أنه
له كما يظهر لكل قارئ.
الدس:
األستاذ سعيد فودة يثبت باألدلة بطالن دعوى ّ
يف أثناء مناقشة هذه المسألة التي نجدها يف كتب منسوبة البن عربي ،هي تحول العذاب من
إفادة األلم ألهل النار ،إلى إفادة العذوبة لهم بعد فرتة زمانية ذكر ابن عربي أنه يعرفها ،ولكنه احرتاما
لمقام نبينا عليه الصالة والسالم ال يفشيها ،وهذا المعرب عنه اختصارا بانقالب العذاب إلى عذوبة
مع بقاء صورته ،وبخصوص موقف الشيخ عبد الغني النابلسي منها ،فقد تم استحضار نصين له
أعني للشيخ عبد الغني النابلسي ،النص األول وهو النص الموجود يف شرح الفصوص:
قال الشيخ عبد الغني النابلسي يف شرحه على الفصوص ( )333/1الفص اإلسماعيلي
طبعة دار الكتب العلمية( :فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار انقضى يوم القيامة وجاء يوم
الخلود كما قال تعالى( :ذلك يوم الخلود) ،فإذا زال الحجاب بالتجلي على أهل النار ،المكنى عنه
يف الحديث بوضع القدم ،والمشار إليه يف قوله تعالى( :فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة
62
وظاهره من قبله العذاب) اآلية ،فالباطن الذي فيه الرحمة هو التجلي ،والعذاب يف الظاهر ،فعند
ذلك ينقلب العذاب عذوبة لهم مع بقائه كما كان على األبد ،ولهذا قال( :يسمى) أي ذلك العذاب
عذاب أهل النار (عذابا) مشتقا (من) العذوبة وهي الحالوة ألجل (عذوبة طعمه) يف أذواقهم وإن
بقيت عينه يف الظاهر معاقبة وإيجاعا( ،وذاك) أي ما هو يف الظاهر من صورة المعاقبة (له) أي لما يف
الباطن من اللذة والعذوبة (كالقشر) الذي يكون للبوب والحبوب (والقشر صائن) ،أي حافظ ساتر
لما يف داخله من اللب ،وذلك بعد استيفاء مدة ما هم فيه من استيالء األوهام على خياالهتم الفاسدة
حتى يتحققوا بالواحد الحق يف كل ما التبس عليهم فيه ،ويشهدونه يف الظواهر والبواطن ،ويرجهون
إلى ما كانوا فيه من البواطن .وهذه المسألة من األسرار ،وال طريق إليها من جانب أهل العقول
واألفكار ،وليس فيها مصادمة شيء من ظواهر أحكام الشريعة ،وال مخالفة لما عند علماء الظاهر
بحسب الظاهر أن أسرار البواطن مستورة عن المقيد بأغالل الطبيعة) اهـ.
أوال :أن الشيخ عبد الغني رحمه اهلل لم يعرتض –هنا يف هذا النص -على فكرة ابن عربي
يف تحول العذاب إلى عذوبة بعد فرتة معينة ،من األلم الذي يمرون به ،ولكنه يحاول أن يستدل على
أن هذه الفكرة ال تخالف الشريعة ،فاعتمد على أن الوعيد الوارد يف أهل النار الذين هم أهلها،
والوارد يف غيرهم ،ليس يف إخبار بأهنم يبقون يف العذاب الموجب لأللم طوال بقائهم يف النار ،ولكنه
تعليق لذلك ،فإن لم يقع هذا العذاب المؤلم دائما ،بل يف بعض الفرتات ثم ينقطع ويتحول إلى
عذوبة من بعدُ ،فال يوجب ذلك نسبة الكذب هلل تعالى .على هذا التخريج اعتمد الشيخ عبد الغني
يف تأويل كالم ابن عربي ومحاولة جعله غير مخالف للشريعة.
ثانيا :أن الشيخ عبد الغني النابلسي فهم من نص الفصوص ما هو مفهوم من رأي ابن عربي
المذكور سابقًا ،ولم يعرتض على ثبوت هذا الرأي له ،ونسبته إليه ،ولكنه يشتغل بمحاولة
63
االستدالل على دعوى أنه ال يخالف الشريعة .وهذا يظهر بوضوح تام من فقرته التي أهنى هبا كالمه
وتفسيره لكالم ابن عربي.
النص الثان ،وهو النص الذي أحضره لنا صديقنا العزيز البحاثة نزار حمادي ،ونورده هنا
للتذكير به.
قال الشيخ عبدالغني النابلسي يف المطالب الوفية( :إن فهم هذا األمر على ظاهره مشكل
من جهة تعطيل صفة الغضب اإللهي بزوال العذاب من أهل النار وانقالبه عذوبة ،وصفات اهلل تعالى
المرضي
ّ ال تتعطل من التعلق بآثارها أبدا ،فكما أن صفة الرضوان لم تتعطل من التعلق بآثارها ـ وهم
عنهم ـ كذلك يجب أن تكون صفة الغضب .وغاية ما يمكن أن يقال يف ذلك :إن صفة الغضب اإللهي
ال تتعطل ،وإنما تحل على أهل النار ،فيغيبون يف شهودها ،فال يدركون عند ذلك ألم العذاب الذي
هو أثر تلك الصفة الشتغالهم بما هو أعظم من ذلك الذي كانوا يشهدونه من ألم العذاب ،وهو
شهود تلك الصفة ألهنم يقعون يف شهود عين الغضب اإللهي ،فإذا رجعوا إلى شهود ألم العذاب
وجدوه عذوبة بالنسبة إلى ما يشهدونه من عين الغضب ،كما أن أهل الجنة إذا أحل عليهم اهلل تعالى
رضوانه واشتغلوا بشهود صفة الرضوان اإللهي يغيبون عن شهود نعيم الجنة ،فكذلك أهل النار ال
يزول عذاهبم وال ألمهم وال يخرجون منها وال يفنون فيها ،بل هم موجودون يف العذاب أبد اآلبدين)
اهـ.
أوال :الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه اهلل يعرتف يف هذا الموضع أن كالم ابن عربي –يف
ظاهره -مشكل أي معارض للشريعة ،ولذلك يبذل جهده يف محاولة تأويله تأويال آخر غير الذي
اقرتحه يف شرح الفصوص الذي هو مؤكد لظاهر كالم ابن عربي ال صارف له عن ظاهره ،فقد قال
يف وصف الكالم محل النزاع إنه( :مشكل من جهة تعطيل صفة الغضب اإللهي بزوال العذاب من
64
أهل النار وانقالبه عذوبة ،وصفات اهلل تعالى ال تتعطل من التعلق بآثارها أبدا ،فكما أن صفة
المرضي عنهم ـ كذلك يجب أن تكون صفة الغضب)،
ّ الرضوان لم تتعطل من التعلق بآثارها ـ وهم
إذن يبدو لنا أن الشيخ عبد الغني النابلسي قد تراجع عن تأويل كالم ابن عربي بالطريقة السابقة التي
ذكرها يف الفصوص ،فإنه هناك كما رأينا يزعم أن ال معارضة بين ظاهر الشريعة وبين ظاهر ما يقرره
ابن عربي.
فهذا اعرتاف واضح بأن الوجه الذي اختاره يف شرح الفصوص غير مرضي به عنده يف هذا
الكتاب الذي يقول صديقنا العزيز نزار أنه من أواخر من ألف ،وهذا شيء نوافقه عليه.
ثانيا :إن الشيخ عبد الغني النابلسي مع عدم موافقته على ظاهر النص ّ
محل اإلشكال من
ابن عربي إال أنه لم ينكر ثبوته له ،ولم يقل إنه مدسوس عليه ،بل إنه ما يزال يحاول يشتغل بتأويله
ليجعله موافقا للشريعة.
ثالثا :إن الحل الجديد الذي يقرتحه لنا الشيخ عبد الغني النابلسي يف فهم نص ابن عربي
ليكون موافقا لما هو ظاهر الشريعة –علما أنه ال دليل على وجود باطن لها يخالف هذا الظاهر-
وهو غاية ما يمكن أن يقال على حسب تعبير الشيخ النابلسي ،وغاية التأويل الجديد لكالم ابن عربي
أن أهل النار الذين هم أهلها عندما يستغرقون يف مشاهدة صفة الغضب ينسون ما هم فيه من آالم
وغافلون عنها ،فاأللم باق ولكنهم ال يدركونه الستغراقهم يف مشاهدة عين صفة الغضب! ويقول:
(فإذا رجعوا إلى شهود ألم العذاب وجدوه عذوبة بالنسبة إلى ما يشهدونه من عين الغضب) اهـ.
إذن فالشيخ عبد الغني يحاول أن يحمل كالم ابن عربي على أن األلم يزول نسبيا بالمقارنة
مع عين األلم عندما يشاهدون عين الغضب! ومعلوم أن مشاهدهتم عين الغضب ال بد أن يكون
فهم يف تأويل الشيخ عبد الغني
مؤلما لهم ،وإال كان عذوبة ،فنرجع إلى مناكرة ظاهر الشريعة .إذن ُ
النابلسي يف ألم يف الحالين :أعني يف حال استغراقهم يف مشاهدة عين الغضب ،ويف حال شهود ألم
65
العذاب .إذن فاأللم ال يتحول بحال يف نفسه إلى عذوبة ،وال توجد مدة ينتهي هبا األلم ويتحول إلى
نص ابن عربي محل اإلشكال.
عذوبة كما هو ّ
ويظهر بصورة جلية أن ما يقرتحه الشيخ النابلسي وإن كان ال يعارض ظواهر الشريعة فعال
كما قال ،إال أنه ال يمكن أن يكون تأويال لكالم الشيخ ابن عربي ،كما ال يمكن أن يكون موافقا
لكالمه هو يف شرحه على الفصوص حيث نص هناك على أن العذوبة حقيقية ال نسبية.
وهبذا يظهر لنا أن هناك إشكالية حقيقة يف كالم ابن عربي ،ويظهر لنا كذلك أن الشيخ
عبدالغني النابلسي رحمه اهلل تعالى قد غير موقفه من فهم كالم ابن عربي يف مرحلة متأخرة من حياته،
إن كان كتابه المطالب الوفية الذي نقل لنا منه صديقنا العزيز األستاذ نزار ما نقله قد ألفه يف أواخر
حياته .وهذا هو المأمول من الشيخ النابلسي رحمه اهلل تعالى ،ونحن سعداء جدا هبذا الذي نراه يف
كالمه المتأخر ،وإن كنا ال نوافقه يف أن ما قرره من تأويل جديد هو ما يريده ابن عربي فعال بل هو
مخالف له مخالفة ظاهرة ،وألنه ال دليل على إرادته للمعنى الذي قرره الشيخ النابلسي.
واهلل هو الموفق.
66
ويقر بوجود اإلشكال يف كالم ابن عربي:
الشيخ نزار حمادي يثني على كالم الشيخ سعيد ّ
فضيلة الشيخ الفاضل سعيد حفظه اهلل ،ال شك أن أوافقكم كل الموافقة على اإلشكاليات
صرح به النابلسي يف
المطروحة يف الفصوص ويف شرح الشيخ النابلسي عليه ،وهذا اإلشكال قد ّ
المطالب الوفية حيث حاول توجيه الكالم توجيها آخر ،ولعلكم تالحظون كما أالحظ شدة التناقض
بين ما ورد للنابلسي يف شرح الفصوص وما ورد يف المطالب الوفية ،هذا بناء على فهمي لما ورد يف
المطالب من أن يف شهود صفة الغضب اإللهي مضاعفة للعذاب واأللم ،ال الشعور بالراحة من
نسياهنم العذاب ،فهم يف عذاب متجدد متنوع دائم متفاوت الشدة والعياذ باهلل ،ففي مشاهدة صفة
الغضب مضاعفة للعذاب ،كما أن يف رؤية اهلل تعالى ورضوانه فيه مضاعفة للثواب.
فالحاصل الذي أريد الخروج به أن اإلشكاليات مطروحة وال يمكن نفيها أو تجاهلها،
وغاية ما أريد الوصول إليه هو ترك باب البحث مفتوحا جمعا للقرائن التي إما ان ترجح جانب
التربئة بما يستجد يف مجال البحث كنص المطالب الوفية الذي يخالف ما ورد يف شرح الفصوص
وهو متأخر عنه فيقضي على سابق كالم النابلسي ،أو يتبين خالف ذلك فيحكم بالنقيض من ذلك.
وال شك أن الخطر كل الخطر على أبناء األمة اإلسالمية المسارعة لتبني نظرية من هذه
النظريات المشبوهة والمشكوك فيها متنا ومعنى ،مع ترك الثوابت الراسخة التي بينها جمهور أهل
السنة والجماعة رضي اهلل عنهم ،أو حتى ترك بعض ما يظهر صوابه عن ابن عربي كما ورد يف تفسيره
وإن ظهر لكم نقصان داللته وتتبع ما ورد يف الفصوص والفتوحات على إشكاله.
ولألسف الشديد غالب أو أكثر من يحاولون االنتصار لما يف الفصوص أو الفتوحات ليس
لهم دافع علمي وال سبب موضوعي ،هو فقط فيما يبدو االنبهار وتخيل الكمال يف ظاهر ذلك
الكالم ،وهذه الطريقة غير مرضية وال للغليل شافية ،فالمطلوب هو اتباع الثوابت الراسخة
واألصول الشامخة ،والمطلوب إرجاع المشكل للواضح والمتشابه للمحكم ،ال العكس من ذلك.
67
هذا ،وللبحث يف هذه المسائل الشائكة مجال كبير ،ال سيما وأن الرتاث اإلسالمي ما زال
يخفي الكثير والكثير ،يسر اهلل لنا الوقوف على ما يوضح لنا السبيل .واهلل ولي التوفيق.
68
األستاذ سعيد فودة يدعو الجميع للبحث:
األستاذ الفاضل نزار حمادي وفقه اهلل إلى خير ،بارك اهلل فيك على صدقك وصراحتك
وهذا المعهود منك ،وهكذا يجب أن يكون البحث ،اللهم إن هذا هو شأن أهل العلم والباحثين
الصادقين فكثر منهم يا اهلل يا رب العالمين! فإن الغمة عن هذه األمة إنما ترتفع هبم...يا رب.
ال شك أيها األخ الفاضل والنحرير الكامل أنني أوافقك فيما ذكرته عن الشيخ النابلسي
فيما يتعلق هبذه المسألة ،وقد صرحت بذلك سابقا بوضوح ال يحتمل شكا ،وأظهرته بما ال يتيح
لواحد أن يحتمل غير ما أريد ،وقد حمدت اهلل تعالى على أن الشيخ النابلسي قد تراجع عن تأويله
السابق وموافقته السابقة لما يف الفصوص ،بما نص عليه يف المطالب الوفية.
ومعرفتنا لما يف المطالب من حسناتك ،فلم أكن اطلعت عليه من قبل هذا ،أما بالنسبة لما
يف الفصوص والفتوحات فيبقى األمر مشكال ال حل له يف نظري...وال صارف له عن ظاهره،
والمطلوب من أهل السنة أن يعرفوا الحق ،وبالحق يعرفوا الرجال ،ال أن يلووا عنق الحق الواضح
لمحبتهم ألحد العلماء.
وال شك يف أننا ال هندف من وراء هذا البحث والتدقيق إال إظهار الحق ،وال نريد الحكم
على المخالف بكفر كما قد يتصور البعض أو إخراجه من الملة ،فغاية األمر أننا هندف إلى بيان
مذهب أهل السنة على ما هو عليه ،وإبعاد التأويالت الباطلة عنه ،وعدم إتاحة الفرصة ألن يتسلل
إلى مذهب أهل الحق ما ليس منه بحجة العرفان أو االطالع على اللوح المحفوظ أو االجتهاد أو
غير ذلك ،فكما يصرح العلماء ببطالن ما خالف فيه اإلمام الرازي يف بعض المسائل أو اإلمام
الجويني أو الغزالي أو األشعري نفسه ،فكذلك نحن نرى أن ابن عربي ليس يف مكانة أجل من هؤالء
األعالم لكي نعمد دائما إلى صرف خطأه يف أقواله الظاهرة البطالن بدعوى تصوفه ولو بالتأويل
البعيد أو الدس الذي ال دليل عليه أو غير ذلك ،هذا ما يجعل موقف أهل السنة دائما يف أقوى محل،
69
ورايتهم أعلى الرايات ،أما طأطأة الرأس هنا وهناك فهو لعمري المودي إلى كل حيرة وضالل
وانحالل وضعف وهوان.
وندعو اهلل تعالى أن يكشف على يد الباحثين الجادين مثل الفاضل نزار أدلة قوية وكافية
تجعلنا نقتنع أن ابن عربي تراجع عما قاله من أقوال باطلة يف الفتوحات والفصوص وغيرها ،ومع
أنا نرى عدم كفاية ما أورده من كالم يف نسخة التفسير المذكور ،وال نرى أن ما يف الفصوص
والفتوحات إال صريحا واضحا يف الداللة على ما يريده ابن عربي مما بيناه ،إال أننا نتمنى أن يكون
قد غير موقفه ،وتتوقف قناعتنا بذلك على أدلة راسخة ،والهدف من قبل ومن بعد كما قلنا بيان الرأي
الصحيح من الباطل ،والنكير على المبطل ،وعدم التمهيد له بالتوطئة بالتأويل والتمحل الذي ال
يرتضيه عاقل يف أغلب أوقاته وإن احتمله أحيانا! والهدف من قبل ومن بعد حفظ مقام عقيدة أهل
السنة ومقامهم يف نفوس الناس بإبعاد ما يزعزعها من قريب أو بعيد ليتحقق الهداية للبشر إلى الدين
الذي ارتضاه اهلل تعالى خاتم األديان وأظهره على يد أفضل األنبياء والرسل ،ويبقى المجال مفتوحا
للباحثين.
*****
70
الشيخ األزهري :يشكر المتباحثين:
األولى :للشيخ سعيد وهي أننا حذفنا أل التعريف من كلمة عربي حتى ال يختلط عند القراء
األمر فيظنوا أن المقصود هو اإلمام القاضي أبو بكر ابن عربي المالكي ،وهذا وإن كان ليس بالزم
لصحة التعريف بأل يف األول إال أن االصطالح جرى على حذف أل من الشيخ محي الدين ولست
آمن على من قصرت معرفته أن يظن الكالم يف المالكي ال الظاهري.
الثانية :أن المباحثة على جمالها حامت حول نصين أو ثالثة فقط ،ولو جد اإلخوة يف البحث
فلعلهم يجدون نصوصا تزيل اإلشكال فأنصح بعدم البت اآلن دون تعمق يف البحث.
الثالثة أن الفصوص والفتوحات وغيرها من الكتب -بغض النظر عن مؤلفها -كتب ضررها
أكرب من نفعها ،والذين نافحوا عن المحيي بن عربي كاإلمام السيوطي هم أنفسهم حرموا قراءهتا،
فيجب أن يحذر منها وتجتنب وليلزم الصويف قراءة مثل الرسالة القشيرية أو اإلحياء أو حلية األولياء
فهذه أنفع بكثير.
الرابعة أن هذه المباحثة كانت حول النصوص ومدلوالهتا وليس الهدف منها التكفير كما
قال الشيخ سعيد.
*****
71
علي الماتريدي :يقترح نقال عن الشعراين يصلح معارضًا لما يف الفتوحات من انقالب
العذاب إلى عذوبة:
الحمد هلل ،ما طرح األستاذ سعيد حفظه اهلل من اعرتاضات بحاجة إلى أجوبة بإنصاف،
فطالما طرحت المسألة على طريقة النظار فالدليل هو المرجح وحده ،لكن سؤاال يف ذهني لم أر
جوابًا شافيًا له :هل يلزم من رد كل شهادات تربئة ابن عربي تجهيل لكل أولئك الشاهدين،
فالفتوحات والفصوص التي بين أيدينا كانت متوفرة من القرن السابع إلى اآلن؟ وعلى ماذا بنيت
تلك الشهادات؟ ألم يقع يف أيديهم نسخ عليها السماعات والتوقيعات التي ذكره الشيخ سعيد؟ فهذا
جزء من المسألة كما ال يخفى ،ويعتمده كل الموافقين لرباءة الشيخ ابن عربي ،وأنا على ثقة أن
الشيخ سعيد عنده جواب عليه نود سماعه .ولإلنصاف إلى اآلن يظهر لي أن اعرتاضات الشيخ سعيد
تنتج ما يريد حتى نجد لها جوابًا يخالفه.
وسؤال لألستاذ نزار :هل يف المطالب الوفية للشيخ النابلسي رحمه اهلل كالم عن وحدة
الوجود يوافق أو يخالف ما ذكره يف رسالته التي ألفها بذلك ورد عليها الشيخ سعيد حفظه اهلل؟ وهذا
الجزء من التفسير هو تفسير لكم من القرآن العظيم؟
ويظهر من المشاركات أمر هام هو الذي تحت أكرب جزء من العمل :أن يف الفتوحات
والفصوص ما يجب التحذير منه وهذه نقطة وفاق جليلة وهامة.
سيدي وشيخي وأستاذي الشيخ سعيد حفظه اهلل وأدام ظله بيننا ونفعنا بما يكتب وأثابه على
جهوده يف نصرة مذهب أهل السنة والجماعة ،خادمكم سيدي بما أن الموضوع فتح فكل ما يشكل
لدي أطرحه هنا عسى أن أحظى بعين عطفكم يف اإلجابة عنها.
ثم قال رحمه اهلل :بيان عقيدة الشيخ المختصرة المربئة له من سوء االعتقاد :اعلم رحمك
اهلل يا أخي أن ينبغي لكل مؤمن أن يصرح بعقيدته وينادي هبا على رؤوس األشهاد فإن كانت
صحيحة شهدوا له هبا عند اهلل تعالى وإن كانت غير ذلك بينوا له فسادها ليتوب منها.
ثم قال :كما آمنت وأقررت أن سؤال فاتني القرب حق والعرض على اهلل حق والحوض حق
وعذاب القرب حق ونصب الميزان حق وتطاير الصحف حق والصراط والجنة حق والنار حق وفريقًا
يف الجنة وفريقًا يف السعير وكرب ذلك اليوم على طائفة حق وطائفة أخرى ال يحزهنم الفزع األكرب
حق وشفاعة المالئكة والنبيين والمؤمنين وشفاعة أرحم الراحمين حق وجماعة من أهل الكبائر من
المؤمنين يدخلون جهنم ثم يخرجون منها بالشفاعة حق ،والتأبيد للمؤمنين يف النعيم المقيم والتأبيد
للكافرين والمنافقين يف العذاب األليم حق....،ثم قال فهذه شهاديت على نفسي أمانة عند كل من
وصلت إليه يؤديها إذا سئلها حيثما كان نفعنا اهلل وإياكم هبذا اإليمان وثبتنا عليه عند االنتقال إلى
الدار الحيوان وأحلنا دار الكرامة والرضوان اهـ.
أال يصلح كالمه هنا نصًا معارضًا لما يف طيات الفتوحات من انقالب العذاب عذوبة ،فهنا
يصرح بمنطوق اآليات القرآنية أن للكافرين والمنافقين عذابًا أليمًا مؤبدا؟
*****
73
األستاذ سعيد فودة يثبت نسبة الفتوحات إلى الشيخ ابن عربي ،وأن مذهب ابن عربي انقالب
العذاب إلى عذوبة:
األخ العزيز علي األشعري ،أشكرك على هذا السؤال ،هذا جواب عن سؤالك أكتبه لك
على عجل.
ولكي نستطيع الجواب بصورة واضحة جلية ،ال بدّ من التمهيد بمقدمات:
للفتوحات المكية نسختان مهمتان دققهما ابن عربي ،األولى النسخة التي تمثل التأليف
األول للفتوحات ،والثانية النسخة بعد المراجعة والتدقيق والزيادة والنقصان للفتوحات ،وهذه
النسخة الثانية هي المشهورة بنسخة قونية التي عليها توقيعات ابن عربي وتلميذه القونوي وعليها
سماعات وغير ذلك.
لقد أكمل ابن عربي تأليف الفتوحات المكية للمرة األولى عام 629هـ ،وتوجد بعض
النسخ الموجودة بين األيدي تعتمد على هذه النسخة األولى للفتوحات.
وأما النسخة الثانية فأتمها يف عام 636هـ أي قبل وفاته بعامين ،وهذه هي نسخة قونية
المشهورة التي عليها التوقيعات والتدقيقات كما قلنا.
وأكثر النسخ الخطية التي من الفتوحات توجد مأخوذة من نسخة قونية ،ولكن يوجد يف كثير
من خزائن المخطوطات نسخ معتمد فيها على األولى قبل التنقيح والمراجعة التي انتهى منها عام
629هـ كما قلنا.
وهذه النسخة هي التي أخرجتها الهيئة المصرية بتحقيق د .عثمان يحيى ،ود .إبراهيم
مدكور ،تحت إشراف المجلس األعلى للثقافة وطبعت يف الهيئة المصرية العامة للكتاب عام
74
1405هـ1985-م .وهي نسخة محققة مقارنة فيها معلومات مهمة جدا عن جميع النسخ التي
اعتمدوا عليها وأهمها النسختان المذكورتان سابقا.
ابن عربي وضع العقيدة يف كتاب الفتوحات المكية على أربع مراتب:
المرتبة األولى :وهي المتن المشهور الذي وضعه يف أوائل الفتوحات المكية ،وهو الذي
يرجع إليه عادة من يريد إثبات أن ابن عربي موافق ألهل السنة .وقد سمى ابن عربي هذا المتن بعقيدة
العوام! ولك أن تعرف أنه هبذه التسمية فقط ،ال يرى أهنا حقيقة الحق ،ولكنها المشهورة بين العوام،
وال يخفى أن العوام يف زمانه كان أغلبهم أشاعرة.
المرتبة الثانية :وهي عقيدة علماء الكالم وقد سماها ابن عربي العقيدة الناشية الشادية.
المرتبة الثالثة :عقيدة الخاصة :وهي التي وضعها بعد الناشية الشادية ،ويف هذا العقيدة قرر
يف بعض المسائل مخالفته ألهل السنة يف أكثر من مسألة وهي التي اعتمد عليها الشيخ هان علي
الرضا يف مقاله السابق.
المرتبة الرابعة :عقيدة فقد سماها بعقيدة الخالصة ،وهي التي تمثل عين الحق يف نظره،
وقد جعلها مبددة يف الكتاب ولم يفردها على التعيين لما فيها من الغموض.
فالمرتبة المرضية عنده ليست عقيدة العوام ،بل هي المرتبة الرابعة المبددة يف الكتاب.
ولكي تقرأ ذلك من كالمه نفسه ،نسوقه إليك ،فقد قال يف الفتوحات ( )38/1وذلك بعدما
أورد عقيدة العوام( :فهذه عقيدة العوام من أهل اإلسالم وأهل التقليد وأهل النظر ملخصة مختصرة.
ثم أتلوها إن شاء اهلل بعقيدة الناشية الشادية منتها اختصار االقتصاد بأوجز عبارة نبهت فيها على مآخذ
األدلة لهذه الملة ،مسجعة األلفاظ ،وسميتها برسالة المعلوم من عقائد أهل الرسوم ،ليسهل على
75
الطالب حفظها ،ثم أتلوها بعقيدة خواص أهل اهلل من أهل طريق اهلل من المحققين أهل الكشف
والوجود ،وجردتها أيضا يف جزء آخر سميته المعرفة ،وبه انتهت مقدمة الكتاب .وأما التصريح
بعقيدة الخالصة فما أفردتها على التعيين لما فيها من الغموض لكن جئت بها مبددة يف أبواب هذا
الكتاب مستوفاة مبينة لكنها كما ذكرنا متفرقة ،فمن رزقه اهلل الفهم فيها يعرف أمرها ،ويميزها من
غيرها ،فإنه العلم الحق والقول الصدق ،وليس وراءها مرمى ،ويستوي فيها البصير واألعمى ،تلحق
األباعد باألداين ،وتلحم األسافل باألداين ،واهلل الموفق ال رب غيره).
وقد قال ابن عربي يف بداية ذكره لعقيدة العوام هذه (ٌ ( :)36/1
وصل يتضمن ما ينبغي أن
يعتقد يف العموم وهي عقيدة أهل اإلسالم مسلمة من غير نظر إلى دليل وال إلى برهان) اهـ.
وأي عاقل يقرأ هذا الكالم ،يعرتف أن العقيدة األولى تمثل عقيدة أهل النظر والعوام ،ال
تمثل الحق الصرف يف رأي ابن عربي ،وهذا بتصريحه وتوضيحه ،ال سيما وقد خالف بعض ما فيها
يف عقيدة خواص اهلل!
ومن الواضح أنه لو أبقى قيد (األليم) يف الموضع المذكور لتعارض ما ما يقرره يف تفاصيل
الكتاب من العقيدة التي وصفها بأنه القول الصدق وهي التي بددها يف الكتاب وفرقها ،ولذلك
سنرى أنه حذف قيد (األليم) عندما راجع الكتاب واعتمد حذفه يف النسخة القونية المعتمدة وهي
النسخة التي أهداها ابن عربي نفسه لصدر الدين القونوي تلميذه (المتوىف سنة 672هـ) ،وذلك بعد
أن أكملها يف حوالي سنة 636هـ قبيل وفاته بسنتين ،ولعل النسخة القونية هذه اقدم مخطوط كامل
وصل إلينا حتى اآلن كما قاله محققو الكتاب ( ،)34/1وال يبعد ان تكون هذه النسخة بخط ابن
عربي نفسه.
وقد قال ابن عربي يف وصف عقيدة الخالصة التي سماها أيضا خالصة الخاصة ()47/1
وذلك بعد أن انتهى من ذكر عقيدة الخواص المرتبة الثالثة( :وأما عقيدة خالصة الخاصة يف اهلل فأمر
76
فوق هذا جعلناه مبددا يف هذا الكتاب ،لكون أكثر العقول المحجوبة بأفكارها تقصر عن إدراكه لعدم
تجريدها).
ثال ًثا :بعد هذه المقدمات حان األوان لننظر فيما نقلته أيها الفاضل عن اإلمام الشعراين.
جاء يف كالم الشعران نقال عن ابن عربي أنه قال يف العقيدة التي نسبها للعوام( :والتأبيد
للمؤمنين يف النعيم المقيم والتأبيد للكافرين والمنافقين يف العذاب األليم حق) ،واإلمام الشعران
صادق فيما عزاه بال ريب.
-1جاء يف الفتوحات المكية النسخة المطبوعة يف أربع مجلدات يف هذا الموضع( :والتابيد
للمؤمنين والموحدين يف النعيم المقيم يف الجنان حق ،والتأبيد ألهل النار يف النار حق) اهـ .وكما
ترى لم ِ
يأت فيها تقييد الخلود يف النار باأللم كما قيد الخلود يف الجنان بالنعيم المقيم ،فمن أين أتى
اإلمام الشعران بقيد (األليم) الذي ذكره.
-2لو رجعنا إلى النسخة المطبوعة يف مصر والمقارنة بجميع النسخ المذكورة آنفا ،أعني
نسخة قونية وهي المعتمد األخيرة ،وبغيرها من النسخ األخرى التي أشرنا إليها .لوجدنا ما يأيت:
نسخة قونية :جاء يف نسخة قونية المعتمدة أخيرا من ابن عربي والمكتوب عليها بخطه وخط
القونوي تلميذه والمصححة باعتماد من ابن عربي والمنقحة منه ،جاء يف هذه النسخة الموثقة
77
( )172/1ما يأيت( :والتأبيد للمؤمنين والموحدين يف النعيم المقيم يف الجنان حق .والتأبيد ألهل
النار يف النار ،حق) .وال نرى فيها قيد األليم للعذاب!!
وأشار المحققون للكتاب يف الهامش أنه قد جاء يف نسخة سموها بنسخة بايزيد النص
بالصيغة اآلتية( :والتأبيد للكافرين والمنافقين يف العذاب األليم حق) ،ونرى هنا قيد األليم يف هذه
النسخة ال يف نسخة قونية التي نقحها ابن عربي يف أواخر حياته كما قلنا .ومن هذه النسخة أخذ اإلمام
الشعران كما نرى ،ألن النص الذي أورده هوعين ما نجده يف هذه النسخة ،وهو غير موجود يف
النسخة القونية المعتمدة أخيرا من ابن عربي كما قلنا مرارا.
-4لنعرف شيئا عن نسخة بايزيد هذه ،ذكر المحققون للكتاب أهنا منسوخة قبل عام
683هـ ،أخذا عن نسخة الفتوحات األولى التي وضعت عام 629هـ.
فهذه النسخة إذن :النسخة غير المنقحة من الفتوحات المكية .وهي النسخة التي لم يرتضها
كما هي ها ابن عربي نفسه ،وال اعتمد عليها هو وال تالمذته .بل زاد عليها ونقص منها وعدل عليها
كما نراه يف النسخة القونية.
*****
أوالً :ال ريب أن المعتمد يف عقيدة ابن عربي إذا حصل تضارب بين المراتب األربعة
المذكورة هو العقيدة التي بددها يف أثناء الكتاب ووصفها أهنا الحق الذي ال مزيد عليه عنده والقول
الصدق .ما جاء فيه مقدم على ما جاء يف عقيدة يصفها ابن عربي بعقيدة العوام ،ثم استدل عليها
بالناشية الشادية ،ثم خالف بعض مسائلها بما جاء يف المستوى الثالث منه الذي سماه بعقيدة خواص
أهل اهلل من أهل طريق اهلل من المحققين أهل الكشف والوجود ،كما مر.
78
ثان ًيا :بالنظر إلى نسخ الفتوحات ،فإن المتفق عليه أن النسخة المعتمدة هي النسخة القونية
التي عليها توقيع ابن عربي ونقحها وأتمها يف عام 636هـ قبل وفاته بسنتين ،وعليها اعتمد تالمذته
وخصوصا القونوي وهو أعرف الناس بابن عربي وبيبه لمدة أربعين سنة ،ومن المتعمقين يف
العقليات والعرفان ،هذه النسخة القونية لم يجئ فيها قيد (األليم) لعذاب أهل النار كما رأينا ،بل
جاء يف النسخة القديمة التي عدلها ابن عربي من بعد ،وهذه النسخة قبل النسخة القونية بحوال ثمان
سنوات! عليها اعتمد اإلمام الشعران يف النقل.
ثال ًثا :يرتجح بمعرفة ما مضى ،أن قيد (األليم) لعذاب أهل النار غير معترب عند ابن عربي
قبيل حياته ،وما كتبه قبل ذلك فإنه تراجع عنه بعد تنقيحه ومراجعاته ،فهو منسوخ بالنسبة إليه ،وال
يجوز نسبته إليه إال على أنه قول قديم له يف حكاية عقيدة العوام.
راب ًعا :ال يجوز أن ننسى أن ما هو مذكور يف هذه العقيدة ،أعني عقيدة العوام ،ليس هو عين
الحق وال هو القول الصدق بحسب وصف ابن عربي( ،عقيدة العوام من أهل اإلسالم وأهل التقليد
وأهل النظر ملخصة مختصرة) ،يعني إن هذا القدر هوعقيدة المتكلمين من أهل السنة يوافقهم عليه
العوام من الناس ،فالمقصود بأهل النظر هنا المتكلمون الذين نظر إليهم أتباع مدرسة ابن عربي على
أهنم عوام ال ذوق عندهم لم يتحققوا الحق ولم يعرفوا ما وراء ظواهر الكالم ،ولم تنقشع عن اعينهم
كثير من األوهام والقيود .وإنما هم يتكلمون بحسب رتبتهم.
ويكفي أن نبين أن ابن عربي لم يعد يعتمد هذا القيد ،أعني تقييد العذاب باألليم ،فيما نقحه
من نسخته األخيرة األثيرة التي أهداها لتلميذه القونوي ،حتى يبطل أي احتجاج هبا من بعدُ ،وتبقى
لها قيمتها التاريخية فقط الدالة على تدرج ابن عربي يف العلوم والتدقيق ،وأن معارفه لم تربز يف
صدره دفعة واحدة من اللوح المحفوظ كما يتوهم بعض الناس
79
*****
80
علي الماتريدي :احتمالية الدس ال تزال قائمة:
وكل ما تفضلتم به يزيد أيضًا من احتمالية التصرف بالنسخ واالعتماد على ما قاله محققو
الفتوحات غير كاف باألخص أن متابعي الشيخ يقولون بوجود نسخة ال تخالف عقيدة أهل السنة
والجماعة بشهادة من ال تتهمونه ،أين هذه النسخة؟
ثم ما قدمه الشيخ يف بداية الفتوحات وأشهد عليه بقول( :ينبغي لكل مؤمن أن يصرح
بعقيدته وينادي هبا على رؤوس األشهاد فإن كانت صحيحة شهدوا له هبا عند اهلل تعالى وإن كانت
غير ذلك بينوا له فسادها ليتوب منها) اهـ ،ثم يقول عن األخرى( :ليسهل على الطالب حفظها) اهـ،
فهل يصح للعاقل أن ُيشهد على عقيدة ثم بعد ذلك يذكرها على نحو بديع ليسهل على الطالب
حفظها المتضمن للحث على حفظها ثم يخالفها بالكلية!
ما الذي يضطره ألن يقول( :فهذه شهاديت على نفسي أمانة عند كل من وصلت إليه يؤديها
إذا سئلها حيثما كان نفعنا اهلل وإياكم هبذا اإليمان وثبتنا عليه عند االنتقال إلى الدار الحيوان وأحلنا
دار الكرامة والرضوان) اهـ.
إذا هو ال يذم هذه العقيدة مطلقًا والغمز بعقيدة العوام ما زال بين الصوفية وغيرهم واإلمام
الغزالي طمح إلى ما هو وراء النظر ووجده يف التصوف .فلم ال يجوز أن النسخ المتوافرة فيها من
الدس وإن كان بعضها عليها التوقيعات والسماعات كنسخة قونية ،ولم ال يجوز أن النسخة التي
اعتمدها اإلمام الشعران ومدحها هي المتأخرة تأليفًا -والتي فيها تأبيد العذاب -بعد أن يرتفع الثقة
على ما قاله المحققون ال للشك هبم بل للشك بالنسخ.
81
فلمتابعي الشيخ أن يلتزموا التحريف حتى يف النسخة التي عليها التوقعيات ،فال يبعد الدس
يف ضمن النسخة مع المحافظة على تلك السماعات والتدقيقات يف بدايتها أو هنايتها ،ولهم أن يقولوا
نحن نرفع الثقة عن كل النسخ المتوفرة من الفتوحات بشهادة علماء األمصار عرب هذه األزمان التي
ال يمكن إهمالها يف ضمن البحث يف هذا الموضوع ويجعلون ذلك دليال للطعن بكل النسخ وإال لو
كانت عندهم هذه النسخة الصحيحة ألخرجوها لما لم يكن اكتفوا بشهادة علماء األمصار.
*****
82
األستاذ سعيد فودة يبين سقوط دعوى الدس وبطالنها:
أخي الفاضل ،وإن لم يكن كالمك إال مجرد احتمال غير مبني على دليل ،وما كان كذلك
فال يعارض الوقائع الثابتة يف نفس األمر ،ولكن أقول :إذا أردت أن تعتمد على مجرد االحتمال
المفروض مع وجود ما يخالفه واقعا ،فال أحد يستطيع أن يمنعك أخي الفاضل ،ولكن من المعلوم
أن مجرد االحتمال ال يرفع أن الواقع واقع .وكل واحد يعرف مفهوم النسخ الخطية المحفوظة
والمعتنى هبا ،ويعرف معنى الخطوط والتغييرات التي قد تقع على المخطوطات ويطلع على بعض
المخطوطات فإنه يعلم بعد ذلك أن هذا المخطوط وقع فيه التغيير أو ال ،ولكن البعيد عن األمر
تبقى االحتماالت يف ذهنه.
ثم إننا ال نقول إن الدس قد وقع يف النسخة األولى التي انتهى منها عام 629هـ ،بل نقول إن
ابن عربي قد أعاد النظر فيها وعدل عليها ونقحها واعتمد ما اعتمده أخيرا يف النسخة القونية ،وهذا
ال يقال عليه إنه دس أبدا!!...
هل تعرف أخي العزيز كم كانت مكانة ابن عربي بين الناس ،وهل تعرف على كم نسخة
خطية تحتوي مكتبات العالم يف الشرق والغرب اآلن من الفتوحات المكية ،إهنا تشتمل على المئات
من النسخ الكاملة ذات الخط الواضح ،وعلى مئات من أجزاء الكتاب يف الشرق والغرب ،وعندما
نقول إن المحققين اعتمدوا على هذه النسخة أو تلك ،فذلك ال يعني مطلقا أهنم لم يجدوا غيرها،
بل وقعت أيديهم على مئات النسخ المأخوذة المتأخرة ،ولكنهم اعتمدوا أقدم وأدق النسخ
المعتمدة يف تحقيقهم الكتاب والمحفوظة يف الخزائن الخاصة ،أما النسخ المتوافرة بين األيدي
والمنتشرة يف المكتبات ،فأكثر من أن تحصى .ويا ليت األخ نزارا البحاثة أن يحاول االطالع على
بعض النسخ الخطية من الفتوحات المكية الموجودة يف مكتبة تونس للمخطوطات ويخربنا عما
يجده يف هذا الباب.
83
وإذا قلنا إن الدس حاصل يف هذه جميعها ،فلنا أن نتعجب ممن قال إنه توجد نسخة واحدة
ال يوجد فيها أي مخالفة ألهل السنة ،ولنا أن نتعجب أكثر وأكثر من هذا القول أنه كيف لم تنتشر
هذه النسخة الوحيدة وكيف لم يعمل أتباع ابن عربي ومحبوه مع كثرهتم على زيادة نسخها ونشرها
وهم يعرفون كثرة الدس يف كتبه ومحاولة تشويه آرائه والدس فيها ما ال يرضاه على فرضهم!! كيف
سكت آالف بل مئات اآلالف من أتباع ابن عربي على هذا األمر وجعلوا يتفرجون على انتشار نسخ
مغلوطة خالل األزمان ،واكتفوا بمجرد القول إهنا مدسوس فيها .وهكذا يقال يف كتاب الفصوص
لفعلت ،ولكن لنرتك كل ذلك جانبا.
ُ أيضا ،ولو أردت أن أفند لك قصة الدس بصورة مفصلة
ودعني أ ُقل لك بعد كل ما مضى :أخي الفاضل ،إن رفعت الثقة بكل النسخ سواء منها
األخيرة أو المتقدمة أو غيرها فال يبقى مشكلة أصال ،ال عندي وال عندك.
بيان ذلك :أننا ال نتكلم أيها اإلخوة األفاضل عن ذات ابن عربي نفسه ،ولكنا نتكلم عن
كتاب منسوب إليه ،فإن رفعنا الثقة بكل النسخ وكل الكتب المنسوبة إليه ،مع ما يف ذلك من
اضطراب عظيم ،فإن ذلك كله ال يمنع التحذير مما فيها أيضا على اعتبار نسبتها على الشيخ ابن
عربي ،وذلك بغض النظر إذا كانت صحيحة النسبة أو ال!
أال ترى كيف نتعامل نحن مع نسخة اإلبانة المنسوبة لإلمام االشعري ،التي بين أيدينا،
فنخالف منها ما نخالفه ونحذر مما نحذر منه مما فيها ،ولكن هذا كله ال يعود بالنقد األكيد على
اإلمام األشعري نفسه وال القدح فيه نفسه ،ولكنه إذا قلنا خالفا لما يف اإلبانة مثال وخالفا لألشعري
فإن هذا يكون على تسليم جدلي بنسبتها إليه ،وكذلك نتعامل مع بعض الكتب المنسوبة إلى اإلمام
الغزالي كالمضنون ،ال نروج لها ،ولكن نحذر منها ،فأرجو أن نتعامل مع هذا األمر على هذا النحو،
وأن ال يحمل األمر على إرادتنا القدح يف ولي أو عارف ،ولكننا نتكلم عما بين أيدينا ،وبحسب
األدلة العادية المعتربة يف هذا المجال ،وال نعتمد على مجرد افرتاضات.
84
فعلى اإلخوة الذين يحبون ابن عربي أن يحذروا الناس من كتبه هذه ويعلنوا لهم ما فيها من
تالعب ومخالفات ألهل السنة ،هذا غاية ما نقول به ،فلسنا يف صراع مع ابن عربي نفسه.
ومن منكم باهلل ال يتمنى أن ال يكون ما يف كتب ابن تيمية أيضا منسوبا إليه فعال ،ومفرتيا
عليه هذا مع علمنا أن أتباعه وتالميذه ومحبيه يعرتفون بوجود ما يخالف األشاعرة فيه؟ حتى أقرب
المقربين إليه أعني ابن القيم يعرتف بذلك ،ولكن لو قال أحد إنني أتمنى أال يكون ذلك قد قاله ابن
تيمية فعال أال يكون هذا التمني خيرا عظيما ،ولكن الواقع أن هناك كتبا منسوبة إليه ال دليل واضحا
على التالعب فيها تشتمل على المخالفات ،فليكن الكالم على تلك المخالفات.
ويشهد اهلل أنا ال نريد مما نقول ونبين إال نصرة مذهب أهل السنة ،والحق الذي يرشد إليه
الدين ،أما القدح يف فالن وفالن فال نوجه إليه قصدنا أبدا ،وندعو اهلل أن يكون كل المخالفين قد
ماتوا على عقيدة أهل الحق ،حتى ابن تيمية ال نتمنى له إال الخير والهدى والصواب.
وإذا كان بعض المخالفين من مشايخ أهل السنة يتفقون معنا يف أن هذه الكلمات التي من
أمثلتها مسألتنا هذه مخالفة ألهل الحق ،فالعربة إنما هو بالنهي عن القول هبا ،وإنما نخاف أشد ما
نخاف أن يظن إنسان أهنا وغيرها الحق الذي ال ريب فيه لمجرد ورودها يف كتب ابن عربي ،ونحن
نعلم مكانة ابن عربي يف نفسه أكثر بكثير مما يظنه بعض أتباعه المنافحين عنه ،وإن حصل االتفاق
على هذا القدر ،فهو المطلوب وعليه المعول...
وربما أذكر قريبا بعض الشواهد التي تربهن على أن ما نخاف منه من الرتويج لهذه األفكار
موجود وحاصل بين الناس ،ويخاف أن يستفيد منه بعض المنحلين عن الدين والملحدين ،ولذلك
ال بد من التنبيه عليه.
*****
85