Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 18

‫الكنافة والقطائف‪ ..

‬من معالم شهر رمضان المبارك‪ ،‬يتسابق الناس –غنيهم وفقيرهم–‬


‫في شرائها‪ ،‬والتفنن في إعدادها‪ ،‬فتحتل مكان الصدارة على موائد الصائمين طوال ليالي‬
‫هذا الشهر الكريم‬

‫ويشير بعض المؤرخين إلى أن أول من قدمت له (الكنافة) هو معاوية بن أبي سفيان عندما‬
‫كان واليًا على الشام‪ ،‬فقال ابن فضل هللا العمري في (مسالك األبصار) ‪( :‬كان معاوية‬
‫يجوع في رمضان جوعًا شديدًا‪ ،‬فشكا ذلك إلى محمد بن آثال الطبيب‪ ،‬فاتخذ له الكنافة فكان‬
‫يأكلها في السحور‪ ،‬فهو أول من اتخذها)!‬
‫وقد شغلت (الكنافة والقطائف) الشعراء واألدباء منذ جاءت دولة بني أمية‪ ،‬شغلت شاعر‬
‫العربية الكبير ابن الرومي‪ ،‬الذي كان يسر بها سرور (ابن األحنف) بقرب حبيبته (فوز)‬
‫وقد كان ابن الرومي نهمًا‪:‬‬
‫قطائف قد حشيت باللوز‬
‫والسكر الماذي حشو الموز‬
‫تسبح في آذّي دهن الجوز‬
‫سررت لما وقعت في حوزي‬
‫سرور عباس بقرب فوز‬
‫فلما جاءت دولة الفاطميين‪ ،‬وامتدت ظاللها الوارفة على العرب بالخير‪ ،‬وجعلت من‬
‫رمضان موسمًا كريمًا للبذل والعطاء‪ ،‬اختفى أو كاد ما كان يقوله الشعراء في هجاء‬
‫رمضان‪ ..‬بل إن الشعراء أخذوا يتنافسون ال في إظهار مشاعرهم نحو هذا الشهر المبارك‪،‬‬
‫الذي أظل اإلنسانية في مشارق األرض ومغاربها بالخيرات‪ ..‬وإنما تنافسوا وأسرفوا في‬
‫الحديث عن مباهج رمضان وخيراته‪ ،‬التي كان يجود بها الفاطميون تمكينًا لدعوتهم وتحبيبًا‬
‫للناس في مذهبهم‪.‬‬
‫تحدثوا وأطالوا الحديث في الكنافة والقطائف وغيرهما من أنواع الحلوى التي ابتدعها‬
‫الفاطميون‪ .‬تحدثوا وأطنبوا في الحديث عن الفانوس‪ ،‬كمظهر من مظاهر الحفاوة‬
‫برمضان‪ ..‬وقد اكتسب هذه العادة من جاء بعدهم في عصر الدولة األيوبية‪ ،‬عصر سالطين‬
‫المماليك ثم عصر اإلمبراطورية العثمانية‪.‬‬
‫ولم يقف حديث الشعراء عند حد وصف الكنافة وموائدها‪ ،‬بل تعدى ذلك إلى الحب‪ ..‬حب‬
‫الكنافة والهيام بصوانيها‪ ،‬ونبض لياليها والتغزل فيها‪ ،‬حتى صار لها من العاشقين من تغنى‬
‫بحبها وداللها وصدها‪ .‬فهذا شاعر من شعراء الدولة األيوبية هو أبو الحسين يحيى الجزار‪،‬‬
‫أحب الكنافة حبًا عظيمًا ملك عليه بطنه وكل مشاعره وأحاسيسه!‬
‫فكما تغنى ابن زيدون بحب والدة‪ ،‬وهام جميل بحب بثينة‪ ،‬وتدله األحنف في عشق فوز‪،‬‬
‫أحب أبو الحسين الكنافة وتغنى بها‪ ..‬فالكنافة فتاة أحالمه‪ ،‬وهي المعشوقة التي تأبى عليه‬
‫وترميه بالغدر تارة‪ ،‬وتحرمه من صوانيها تارة أخرى‪ ..‬وهو المعذب الولهان الذي يتعجب‬
‫كيف تتهمه الكنافة بالغدر‪ ..‬وهو األمين على العهد‪ ،‬الحافظ للود‪:‬‬
‫ومالي أرى وجه الكنافة مغضبًا‬
‫ولوال رضاها لم أرد رمضانها‬
‫عجبت لها في هجرها كيف أظهرت‬
‫على جفاء صد عني جفانها‬
‫ترى اتهمتني بالقطائف فاغتدت‬
‫تصد اعتقادًا أن قلبي خانها‬
‫ومذ قاطعتني ما سمعت كالمها‬
‫ألن لساني لم يخاطب لسانها‬
‫وهو يرى في الكنافة والقطائف لذة أعذب وأحلى من لثم المراشف‪ ،‬وشم المعاطف‪:‬‬
‫تا هللا ما لثم المراشف‬
‫كال وال شم المعاطف‬
‫يا ألذ وقعًا في حشا‬
‫ي من الكنافة والقطائف‬
‫قلما ذهبت الدولة األيوبية التي كانت تحب األدب‪ ،‬وتجزي عليه وتفيض بعطفها على‬
‫الشعراء‪ ،‬وجاءت دولة المماليك البحرية من األعاجم الذين لم يرحبوا بالشعر والشعراء‬
‫ألنهم لم يفهموا العربية ولم يتحدثوا بها‪ ،‬لم يجد أبو الحسين بغيته في الكنافة‪ ،‬فراح يبكي‬
‫لياليها الغر الحسان‪:‬‬
‫سقى هللا أكناف الكنافة بالقطر‬
‫وجاد عليها سكرًا دائم الدر‬
‫وتبًا أليام المخلل إنها‬
‫تمر بال نفع وتحسب من عمري‬
‫ففي هذين البيتين نلمح نفسية الشاعر متبرمة ساخطة على أوقات الفقر والضيق التي ال‬
‫يأكل فيها سوى المخلل وفي ذكره كلمة (تبا) ما يدل على حالة نفسية خاصة‪ .‬أما البيت‬
‫األول فهو دعاء للكنافة بالسقيا بماء الورد والسكر‪ ،‬وهو يدعو لها ألنه يحبها فهو في دعائه‬
‫يعبر عن شعور داخلي نستشف منه الجوع والحرمان!‬
‫وكان الفقراء من الشعراء يستهدون الكنافة من األعيان والموسرين بشعر فيه إلحاح كبير‬
‫ودعاية مضحكة وفكاهة مطربة‪.‬‬
‫وصلة الجزار برمضان صلة طريفة كشخصه الطريف‪ ،‬كما يشير د‪.‬رجب البيومي‪ ،‬فقد‬
‫كان ينتظر هذا الشهر المبارك‪ ،‬ال ليفرغ لصومه وصالته‪ ،‬كما يفعل الزهدة المتورعون‪،‬‬
‫بل ليلتهم حلواه الجميلة‪ ،‬وليتغزل في كنافته وقطائفه‪ ،‬وليستهدي المياسير من الناس نماذج‬
‫لذيذة من مشتهياته ومغرياته وشاعر يحتفل بمأكوالت رمضان هذا االحتفال جدير أن‬
‫نتذكره في شهر الصيام ليكون طرفة من طرائف العذاب!‬
‫نشأ الشاعر في أواخر العصر األيوبي‪ ،‬والملوك يومئذ يقربون الشعراء‪ ،‬ويهتمون باألدباء‪،‬‬
‫فانتجع الجزار ساحتهم‪ ،‬وأرسل أمداحه في الرؤساء والوجهاء من علية القوم‪ ،‬ثم عاد‬
‫بالهبات الوافرة والعطاء الكثير‪ ،‬وقد ذاع صيته في مصر فروى العامة شعره‪ ،‬وقرب‬
‫الخاصة مجلسه منهم‪ ،‬فمازحهم وفاكههم وآكلهم وشاربهم‪ ،‬ورأى على موائدهم من أطايب‬
‫الطعام‪ ،‬ورقائق الحلوى ما أغراه بالنهم وااللتهام‪ ،‬وكانت الكنافة أحب طعام إليه‪ ،‬يتلهف‬
‫عليها إذا احتجبت عنه‪ ،‬ويتساءل عنها لدى ندمائه وخالنه تساؤل العاشق العميد‪ ،‬فإذا لم‬
‫يوفق إلى طلبته فرغ إلى شعره يبثه شجونه‪ ،‬ويكاشفه أساه‪ ،‬وأنه ليتخيلها فتاة عاقلة تصد‬
‫عنه دالًال ونتهمه بمحاباة القطائف دونها‪ ،‬وترميه بالخيانة الصريحة مع أنها سيدة قلبه‬
‫ومالكة هواه!! فمحال أن يخون عهدها الزاهر‪ ،‬أو يسلو صباها الفينان!‬
‫وعندما ضاقت الدنيا بأبي الحسين الجزار ذرعًا‪ ،‬ورأى أبواب الحكام موصدة دونه‪ ،‬أرسل‬
‫بقصيدة إلى صديقه (شرف الدين) الذي مازال على عهد الوفاء والجود‪ ،‬قال فيها‪:‬‬
‫أيا شرف الدين الذي فيض جوده‬
‫براحته قد أخجل الغيث والبحرا‬
‫لئن أمحلت أرض الكنافة أنني‬
‫ألرجو لها من سحب راحتك القطرا‬
‫فعجل بها جودًا فما لي حاجة‬
‫سواها نباتًا يثمر الحمد والشكرا‬
‫والظاهر أن هذا الصنف من الطعام كان له عند هؤالء الشعراء المحرومين مكانة ال تدانى‪.‬‬
‫فالشاعر هنا يمهد لطلبه بوصف الممدوح بالكرم ثم يشكو فقره واشتياقه إلى الكنافة‪ .‬وفي‬
‫البيت األخير تتجلى نفسية هذا الشاعر المسكين‪ ،‬فهو يريد من الممدوح أن يعجل بإهدائه‬
‫الكنافة‪ .‬وقد خشي أن يعطيه شيئًا سواها وهو ال يريد غيرها‪ .‬لذلك قال بأن الكنافة وحدها‬
‫هي التي تستوجب عنده جزيل الشكر وعظيم الثناء‪.‬‬
‫وقد أحب الشاعر المصري المعروف ابن نباتة الكنافة وقال متغزًال فيها‪:‬‬
‫يا سيدي جاءتك في صدرها‬
‫كأنها روحي في صدري‬
‫كنافة بالحلو محشوة‬
‫كما تقول العسل المصري‬
‫قد خنقتني عبرتي كاسمها‬
‫وبادرت من خلفها تجري‬
‫ما خرج الفستق من قشره‬
‫فيها وقد أخرجت من قشري‬
‫ونشرها من طيبها لم يفح‬
‫فأعجب لسوء الطي والنشر‬
‫فهاك حلوا قد تكفلته‬
‫وال تسل عني وعن صبري‬
‫وقال وقد أرسل إليه صحن كنافة‪ ،‬وتذكر بهذا الصحن ابنته التي تعيش في دمشق بعيدًا‬
‫عنه‪:‬‬
‫ذكرتك واألسماء تذكر بالكنى‬
‫فلله يا أسما الكنافة والذكر‬
‫يذكر صحن الوجه صحن كنافة‬
‫هما الحلو مما تشهد العين والفكر‬
‫ليالي فطر الصوم إذ كل ليلة‬
‫بإحسان نور الدين عيد‪ :‬هو الفطر‬

‫وإنعامه عندي وشكري عنده‬


‫ولكن متى يوفي بإنعامه الشكر‬
‫إذا كان ذا جود وشعر يجيبني‬
‫وأحسن من شعري له ذلك الشعر‬
‫ولم أنس ليالت الكنافة قطرها‬
‫هو الحلو إال أنه السحب الغزر‬
‫يجود على ضعفي فأهتز فرحة‬
‫(كما انتفض العصفور بلله القطر)‬
‫وهذا شاعر يتألم ويشكو ألنه لم يذق طعم الكنافة ولم ترها عينه إال عند البياع في الدكان‪.‬‬
‫قال‪:‬‬
‫ما رأت عيني الكنافة إال‬
‫عند بياعها على الدكان‬
‫فما أتعس هذا الشاعر المسكين! وما أحوجه إلى العطف والرثاء!‬
‫فهذه الليالي التي نعم الشاعر فيها يأكل الكنافة اللذيذة باقية في ذاكرته ولن تفارقه ما دام حيًا‪.‬‬
‫ففي تلك الليالي السعيدة في نظره كان حينما يمسك الكنافة بيده يكاد يجن من شدة الفرح‬
‫والسرور!‬
‫ومن الشعراء من وازن بينها وبين القطايف وفضل الكنافة عليها‪ .‬ومنهم من أظهر الكنافة‬
‫بمظهر الساخر من القطايف المحتقر لها‪ .‬ومثال ذلك قول ابن عنين‪:‬‬
‫غدت الكنافة بالقطايف تسخر‬
‫وتقول إني بالفضيلة أجدر‬
‫طويت محاسنها لنشر محاسني‬
‫كم بين ما طوي وآخر ينشر‬
‫لحالوتي تبدو‪ ،‬وتلك خفية‬
‫وكذا الحالوة في البوادي أشهر‬
‫ففي هذه األبيات ترى الكنافة تزهو بنفسها وتشمخ بأنفها وتتيه كبرًا ودالًال‪ ،‬وتسخر من‬
‫القطايف سخرية مرة‪ .‬وتقول الكنافة هنا إنها أحق بالفضيلة من القطايف ألن محاسن‬
‫القطايف مطوية وحالوتها محشوة في جوفها‪ ،‬وهذا يغض من قدر القطايف في نظر الكنافة‬
‫التي تمتاز منها بظهور محاسنها وجمالها‪ ،‬فالكنافة متبرجة سافرة تتصدى للناس وتلفت‬
‫إليها األنظار ببهائها وحسن روائها فيعرضون عن القطايف وينهالون عليها‪ .‬فهي ناجحة‬
‫في كسب الزبائن بما تثيره فيهم من كامن الشهوة‪ .‬وهذه ميزات اكتسبت للقطايف‪.‬‬
‫وكان الشعراء يتبادلون األلغاز في هذا الموضوع‪ ،‬ومثال ذلك ما كتبه ابن نباتة إلى صديق‬
‫له‪:‬‬
‫يا واحدًا في عصره بمصره‬
‫ومن له حسن الثناء والسنا‬
‫أتعرف اسمًا فيه ذوق وذكا‬
‫حلو المحيا والجنان والجنى‬
‫والحل والعقد له في دسته‬
‫ويجلس الصدر‪ ،‬وفي الصدر المنى‬
‫فأجابه بقوله‪:‬‬
‫عرفتني االسم الذي عرفته‬
‫وكاد يخفي سره لوال الكنى‬
‫يقصد بالكنا (الكنافة)‪.‬‬
‫أما القطايف فقد عرفت منذ العصر العباسي‪ ،‬وجاء ذكرها في شعر ابن الرومي وكشاجم‬
‫وغيرهما‪ ،‬ومنهم من شبهها بحقاق من العاج‪ ،‬ومنهم من شبهها بوصائف قامت بجنب‬
‫وصائف‪ ،‬ومنهم من شبهها وقد رصت في األطباق بالمصلين الذين يسجدون وراء األمام‪.‬‬
‫فالشاعر الذي يقول‪:‬‬
‫هلل در قطائف محشوة‬
‫من فستق دعت النواظر واليدا‬
‫شبهتها لما بدت في صحنها‬
‫بحقاق عاج قد حشين زبرجدا‬
‫راعى المنظر العام لهذه القطايف ورأى أن كل واحدة منها تبدو في شكل حق له لون العاج‬
‫بداخله حشو يشبه الذهب الخالص والشاعر الذي يقول‪:‬‬
‫وقطائف محشوة بلطائف‬
‫طافت بها أكرم بها من طائف‬
‫شبهتها نضدت على أطباقها‬
‫بوصائف قامت بجنب وصائف‬
‫لم ينظر إلى لون القطائف وال إلى شكلها وال إلى ما حشيت به بل نظر إلى الطريقة التي‬
‫وضعت بها في الطبق ولذلك قال‪( .‬شبهتها نضدت على أطباقها)‪.‬‬
‫ومنهم من تناول القطايف وال هم له إال التالعب باأللفاظ وإظهار القدرة على استخدام‬
‫المحسنات اللفظية والمعنوية‪.‬‬
‫ومن رقيق نظم ابن نباته في القطائف قوله‪:‬‬
‫وقطائف رقت جسومًا مثلما‬
‫غلظت قلوبًا فهي لي أحساب‬
‫تحلو فما تعلو ويشهد قطرها الـ‬
‫فياض أن ندى على حساب‬
‫أو قوله‪:‬‬
‫أقول وقد جاء الغالم بصحنه‬
‫عقيب طعام الفطر يا غاية المنى‬
‫بحقك قل لي جاء صحن قطائف‬
‫وبح باسم من أهوى ودعني من الكنى‬
‫وقال صالح الدين الصفدي‪:‬‬
‫رعى هللا نعماك التي من أقلها‬
‫قطائف من قطر النبات لها قطر‬
‫وشكا إلى قاضي القضاة مستهديًا القطر‪:‬‬
‫لجود قاضي القضاة أشكو‬
‫عجزي عن الحلو في صيامي‬
‫والقطر أرجو وما عجيب‬
‫للقطر يرجى من الغمام‬
‫وهذا هو اإلمام البوصيري صاحب القصيدة المعروفة بالبردة والتي نظم على غرارها أمير‬
‫الشعر شوقي قصيدته الشهيرة (نهج البردة) يعتب على قاض في أيامه اسمه (عماد الدين)‬
‫أنه لم يقدم له كنافة رمضان قال‪:‬‬
‫ما أكلنا في ذا الزمان كنافة‬
‫آه‪ ..‬وأبعدها علي مسافة‬
‫قال قوم إن العماد كريم‬
‫قلت هذا عندي حديث خرافه‬
‫أنا ضيف له وقد مت جوعًا‬
‫ليت شعري لم ال تعد الضيافة‬
‫وهو إن يطعم الطعام فما‬
‫يطعم إال لسمعة أو مخافة‬
‫ويقول أبو الهالل العسكري في القطائف‪:‬‬
‫كثيفة الحشو ولكنها‬
‫رقيقة الجلد هوائيه‬
‫رشت بماء الورد أعطافها‬
‫منشورة الطي ومطويه‬
‫كأنها من طيب أنفاسها‬
‫قد سرقت من نشر ماويه‬
‫جاءت من السكر فضية‬
‫وهي من األدهان تبريه‬
‫قد وهب الليل لها بردة‬
‫ووهب الخصب لها زيه‬
‫وقال السراج الوراق في القطائف‪:‬‬
‫قطائفك التي رقت جسومًا‬
‫لماضغها كما كثفت قلوبًا‬
‫كغيم رق لكن فيه قطر‬
‫غدا المرعى الجديب به خصيبًا‬
‫وقال المرصفي‪:‬‬
‫وحقك ما أوليتني من قطائف‬
‫ألذ وأحلى من وصال القطائف‬
‫وقد ضمنت مثل العتاب حالوة‬
‫ألم ترها ملفوفة كالصحائف‬
‫ولصالح الصفدي أيضًا‪:‬‬
‫أتاني صحن من قطائفك التي‬
‫غدت وهي روض قد تنبت بالقطر‬
‫وال غرو أن صدقت حلو حديثها‬
‫وسكرها يرويه لي عن أبي ذر‬
‫وقال‪:‬‬
‫ألذ شيء على الصيام‬
‫من الحالوات في الطعام‬
‫قطائف فضفضت فتحكي‬
‫فرائد الدر في النظام‬
‫وقال ابن هبة المصري في القطائف‪:‬‬
‫وافى الصيام فوافتنا قطائفه‬
‫كما تسامت الكثبان من كثب‬
‫أهًال بشهر غدا منه لنا خلف‬
‫أكل القطائف من شرب ابنة العنب‬
‫من كل ملفوفة بيض إلى آخر‬
‫حمر من القلي تشفى جنة السغب‬
‫وكتب برهان الدين القيراطي إلى القاضي نور الدين بن حجر‪:‬‬
‫موالي‪ ،‬نور الدين ضيفك لم يزل‬
‫يروي مكارمك الصحيحة عن عطا‬
‫صدقت قطائفك الكبار حالوة‬
‫بفمي وليس بمنكر صدق (القطا)‬
‫وقال سيف الدين بن قزل المنشد‪:‬‬
‫وقطائف مثل البدو‬
‫ر أتت لنا من غير وعد‬
‫قد سقيت قطر النبا‬
‫ت وطيبت بالماء ورد‬
‫فحسبتها في صحنها‬
‫لما بدت أقراص شهد‬
‫وقال (جحظه البرمكي) في بخيل دعاه ألكل القطائف‪:‬‬
‫دعاني صديق لي ألكل القطائف‬
‫فأمعنت فيها آمنًا غير خائف‬
‫فقال‪ ،‬وقد أوجعت باألكل قلبه‬
‫رويدك مهًال فهي إحدى المتالف‬
‫فقلت له‪ :‬ما إن سمعنا بهالك‬
‫ينادى عليه‪ :‬يا قتيل القطائف!‬
‫وقال كشاجم‪:‬‬
‫عندي ألضيافي إذا اشتد السغب‬
‫قطائف مثل قراطيس الكتب‬
‫كأنه إذ تبدى من كثب‬
‫كوائر النحل بياضًا وثقب‬
‫قد مج دهن اللوز مما قد شرب‬
‫وابتل مما عام فيه ورسب‬
‫وجاء ماء الورد فيه وذهب‬
‫وغاب في السكر عنا واحتجب‬
‫فهو عليه حبب فوق حبب‬
‫إذا رآه واله القلب طرب‬
‫أطرب منه إن أراه ينتهب‬
‫كل امرئ لذته فيما يحب‬
‫وقال زين القضاة السكندري‪:‬‬
‫هلل در قطائف محشوة‬
‫من فستق دعت النواظر واليدا‬
‫شبهتها لما بدت في صحنها‬
‫بحقاق عاج قد حشين زبرجدا‬
‫وقال سعد الدين العربي‪:‬‬
‫قال القطائف للكنافة ما‬
‫بالي أراك رقيقة الجسد‬
‫أنا بالقلوب حالوتي حشيت‬
‫فتقطعي من كثرة الحسد‬
‫وإن كان عاد فجمع بين القطائف والكنافة فقال‪:‬‬
‫وقطائف مقرونة بكنافة‬
‫من فوقهن السكر المذرور‬
‫هاتيك تطربني بنظم رائق‬
‫ويروقني من هذه المنثور‬
‫وكتب القاضي زين الدين أبي كثير زيد بن عبد الرحمن المغربي إلى صالح الدين الصفدي‬
‫ملغزًا في القطائف‪:‬‬
‫يا موالنا أثقل هللا بفواضلك الكوامل‪ ،‬وأجمل بفضائلك األوايل من الفضائل إن أمكنك أن‬
‫تلمح هذا اللغز اللطيف‪ ،‬وتعطيه حظًا من سيال فكرك الشريف‪ ،‬تقلد المملوك بدماثة الفكر‬
‫العميم‪ ،‬وتحل بورود لفظه كما يتحلى بوجود شخصه بين يدي سيد كريم‪ :‬ما اسم يعتني‬
‫الصائمون غالبًا بتحصيله‪ ،‬وتتنافس األكابر في جملته وتفصيله‪ ،‬خماسي الحروف في‬
‫الترصيف والترتيب‪ ،‬سطح الشكالة في البساطة كرسي عند التركيب‪ ،‬إن حذف خمساه‬
‫رأيته طائرًا وسيمًا‪ ،‬طالما قص األثر فاهتدي به وغالب في طرق اللؤم تميمًا‪ ،‬وإن اختلس‬
‫في أوله كان في النفور الحسنية كالبال في الليل البهيم‪ ،‬وفي سورة القلم نارًا أحرقت الجنة‬
‫التي أصبحت كالصريم‪.‬‬
‫عزمت على إهدائه غير مرة‬
‫إلى بابك العالي فأمسكت عن قصدي‬
‫فقد قيل عادات البحاير إنهم‬
‫بإهدائه أولى فما جزت عن حدي‬
‫فأوضحه لي قوًال وإن شئت صورة‬
‫وإن شئت فارسمه فإني له أبدي‬
‫قال صالح الدين الصفدي‪ :‬فكتبت له الجواب وجهزت له منه صحنًا‪:‬‬
‫أموالي زين الدين منك مهندي‬
‫نداه وإن كان الصالح عدا يهدي‬
‫بعثت بلغز قد حال منك لفظه‬
‫فأجمل ذكر الفضل فضًال عن الشهد‬
‫فسامح فقد أوضحته لك صورة‬
‫على أنه البد من شرح ما عندي‬
‫يا موالي لغزك هذا بديع المعنى‪ ،‬بعيد المبنى‪ ،‬يترشفه السمع سالفة‪ ،‬ويتلقفه البصر ورد‬
‫اختصاص أراد اقتطافه‪ ،‬فأغربت في قصده‪ ،‬وأحكمت عقد شده دلني على معناه حسن‬
‫مبناه‪ ،‬وقرب التبيان من معناه‪ ،‬فلك الفضل في حله!‬
‫وقال ظافر الحداد‪:‬‬
‫جام حوى في الظرف كل باب‬
‫مستملح منه ومستطاب‬
‫فالحسن فيه واضح األسباب‬
‫منقطع األشكال واألضراب‬
‫قطائف لواطف روابي‬
‫لم تحش بل رصت بال أصحاب‬
‫في المسك والفستق والجلباب‬
‫كأنها ألسنة األحباب‬
‫في الشكل والنكهة والرضاب‬
‫ملمسها كوجنة الكعاب‬
‫فطعمها كلذة العتاب‬
‫من بعد صد طال واجتناب‬
‫ومن طريف ما يروي أن المصريين تقدموا بشكوى منظومة إلى (المحتسب) عام ‪917‬هـ‬
‫يتظلمون فيها من ارتفاع أثمان الحلوى‪ ،‬وإن جاءت الشكوى ‪-‬القصيدة‪ -‬مهلهلة المبنى‬
‫والمعنى‪ ،‬حيث قالوا‪:‬‬
‫لقد جاد بالبركات فضل زماننا‬
‫بأنواع حلوى نشرها يتضوع‬
‫حكتها شفاه الغانيات حالوة‬
‫ألم ترني من طعمها لست أشبع‬
‫فال عيب فيها غير أن محبها‬
‫يبدد فيها ماله ويضيع‬
‫فكم (ست حسن) مع (أصابع زينب)‬
‫بها كل ما تهوى النفوس مضيع‬
‫وكم كعكة تحكي أساور فضة‬
‫وكم عقد حلت بها البسط أجمع‬
‫وكم قد حال في مصر من (قاهرية)‬
‫كذاك (المشبك) وصله ليس يقطع‬
‫وفي ثوبه المنقوش جاء برونق‬
‫فيا حبذا أنواره حين تسطع‬
‫وقد صرت في وصف (القطائف) هائمًا‬
‫تراني ألبواب (الكنافة) أقرع‬
‫فيا قاضيا محتسبًا عسى‬
‫ترخص لنا الحلوى تطيب ونرتع!!‬
‫ويحضرني ما كتبه الكاتب الصحفي الكبير (أحمد بهجت) الفيلسوف الساخر‪( :‬لقد دخلت‬
‫الكنافة والقطايف تاريخ المسلمين حين خرج الحب من القلوب‪ ..‬وصار اإلسالم سبحة‬
‫معطلة وفانوسًا أثريًا!)‪.‬‬

‫الكنافة أحب شيء عند الشرقيين‪ ،‬وبخاصة في شهر رمضان إذ يتسابق الناس في شرائها‬
‫والتفنن في إعدادها وحشوها بالزبيب والصنوبر والجوز والفستق‪ .‬وإذا أقيمت وليمة في‬
‫هذا الشهر المبارك فإن الكنافة من غير شك تحتل مكان الصدارة على المائدة‪ ،‬ولذلك‬
‫يسمى شهر رمضان (شهر الكنافة والقطايف)‬

‫أما لفظ كنافة فلم يذكره أحد من أئمة اللغة‪ .‬وال تجد في األلفاظ اللغوية ما يصلح أن يكون‬
‫مادة لها‪ .‬فلعلها كلمة يونانية‬
‫روى السيوطي عن أبن فضل هللا العمري صاحب مسالك األبصار أنه قال (كان معاوية‬
‫يجوع في رمضان جوعًا شديدًا‪ .‬فشكا ذلك إلى محمد بن آثال الطبيب فأتخذ له الكنافة فكان‬
‫يأكلها في السحر فهو أول من أتخذها)‬

‫وهذا الخبر يشك في صحته‪ .‬وذلك ألن المؤرخين المتقدمين لم يشيروا إليه‪ .‬ولم يذكر لنا‬
‫أبن فضل هللا المصدر الذي نقل عنه‪ .‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن الكنافة ليست‬
‫الطعام الوحيد الذي يدفع به الجوع‪ .‬وهي ليست عالجًا حتى يصفه الطبيب أبن آثال‪ .‬وكان‬
‫من الممكن أن يقوم الرقاق مقامها ويسد مسدها‪ .‬فما رواه أبن فضل هللا‪ ،‬في هذا الموضوع‬
‫يجب أن يوضع موضع الشك‪.‬‬

‫ولو عرفت الكنافة منذ عصر معاوية لذكرها الشعراءفيما ذكروا من أطعمة‪ .‬فقد رأينا‬
‫الشعراء حتى العصر العباسي الثاني يذكرون القطايف والخبيص والفالوذج وغيرها من‬
‫أنواع األطعمة‪ ،‬ولم نر في شعرهم أثرًا للكنافة وهذا دليل واضح على أنهم لم يعرفوها ولم‬
‫يسمعوا بها‪.‬‬

‫وقد الحظت أن الشعراء المصريين كانوا أول من لهج بذكر الكنافة في أشعارهم وأول من‬
‫تغنى بها‪ .‬ومن هؤالء أبو الحسن الجزار المصري إذ يقول‪:‬‬

‫سقى هللا أكناف الكنافة بالقطر ‪ ...‬وجاد عليها سكر دائم الدر‬

‫وتبا ألوفات المخلل إنها ‪ ...‬تمر بال نفع وتحسب من عمري‬

‫ففي هذين البيتين نلمح نفسية الشاعر متبرمة ساخطة على أوقات الفقر والضيق الت يأكل‬
‫فيها سوى المخلل‪ :‬وفي ذكره كلمة (تبا) ما يدل على حالة نفسية خاصة‪ .‬أما البيت األول‬
‫فهو دعاء للكنافة بالسقيا بماء الورد والسكر‪ .‬هو يدعو لها ألنه يحبها فهو في دعائه يعبر‬
‫عن شعور داخلي نستشف منه الجوع والحرمان‪.‬‬
‫وكان الفقراء من الشعراء يستهدون الكنافة من األعيان والموسرين بشعر فيه إلحاح كبير‬
‫ودعابة مضحكة وفكاهة مطربة‪.‬‬

‫فمن ذلك قول الشاعر المتقدم وهو‬

‫أيا شرف الدين الذي فيض جوده ‪ ...‬براحته قد أخجل الغيت والبحرا‬

‫لئن أمحلت أرض الكنافة إنني ‪ ...‬ألرجولها من سحب راحتك القطرا‬

‫فعجل بها جودًا فمالي حاجة ‪ ...‬سواها نباتا فا يثمر الحمد والشكرا‬

‫والظاهر أن هذا الصنف من الطعام كان له عند هؤالء الشعراء المحرومين مكانة ال‬
‫تدانى‪ .‬فالشاعر هنا يمهد لطلبه بوصف الممدوح بالكرم ثم يشكو فقره واشتياقه إلى الكنافة‪.‬‬
‫وفي البيت األخير تتجلى نفسية هذا الشاعر المسكين‪ ،‬فهو يريد من الممدوح أن يعجل‬
‫بإهدائه الكنافة‪ .‬وقد خشي أن يعطيه شيئًا سواها وهو ال يريد غيرها‪ .‬لذلك قال بان الكنافة‬
‫وحدها هي التي تستوجب عنده جزيل الشكر وعظيم الثناء‪.‬‬

‫وكان الشعراء يتغزلون في الكنافة ويصفون محاسنها وجمالها ويتمنون دوام وصالها‬
‫ويتألمون لهجرها وفراقها ويشكون من صدها وإعراضها‪ .‬ونحن نقرأ ما قالوا في هذا‬
‫الموضوع فنضحك‪ ،‬ومثال ذلك قول الجزار المتقدم وهو‪:‬‬

‫ومالي أرى وجه الكنافة مغضبا ‪ ...‬ولوال رضاها لم أرد رمضانها‬


‫عجبت لها من رقة كيف أظهرت ‪ ...‬على جفا قد صد عني جفائها‬

‫ترى اتهمتني بالقطايف فاغتدت ‪ ...‬تصد اعتقادا أن قلبي خانها‬

‫ومذ قاطعتني ما سمعت كالمها ‪ ...‬ألن لساني لم يخالط لسانها‬

‫أال خبروها أنني وحياتها ‪ ...‬ومن صانها في كل در وزانها‬

‫ليقبح أني أجعل الحشو مذهبي ‪ ...‬فأفسد شأني حين يصلح شأنها‬

‫فالشاعر هنا يصور لنا افتقاره إلى هذا الصنف من األطعمة في صورة مضحكة‪ .‬فقد‬
‫شخص الكنافة وهي معرضة عنه‪ ،‬هاجرة له ثم تساءل عن السر في هذه القطيعة وذلك‬
‫اإلعراض أكان ذلك ألنها اتهمته بحب القطايف والجري من ورائها فاعتبرته خائنًا غادرًا‬
‫مجردًا من الوفاء؟ ثم أخذ ينفي عن نفسه هذه التهمة ويتبرأ منها‪ .‬ويذكر أنه باق على عهده‬
‫في حبه وإخالصه لها‪ .‬وأنه ال يفسد هذا الحب بوصل القطايف‪ .‬وفي البيت األخير تورية‬
‫لطيفة في كلمة (الحشو) فهي بمعنى التشبيه والتجسيم والنسبة إليها (حشوى) وهو الذي‬
‫ينتمي إلى طائفة (الحشوية) المعروفة وهي تشير في نفس الوقت إلى القطايف ألنها تحشى‬
‫بالفستق والزبيب وغيره‪.‬‬

‫وهذا شاعر يتألم ويشكو ألنه لم يذق طعم الكنافة ولم ترها عينه إال عند البياع في الدكان‪.‬‬
‫قال‪:‬‬

‫ما رأت عيني الكنافة إال ‪ ...‬عند بياعها على الدكان‬

‫فما أتعس هذا الشاعر المسكين! وما أحوجه إلى العطف والرثاء!‬
‫وشاعر آخر يذكر ليالي الكنافة الخالدة في عمره بالخير فيقول‪:‬‬

‫ولم أنس ليالت الكنافة‪ ،‬قطرها ‪ ...‬هو الحلو إال أنه السحب الغر‬

‫تجود على كفي فأهتز فرحة ‪ ...‬كما انتفض العصفور بلله القطر‬

‫فهذه الليالي التي نعم الشاعر فيها يأكل الكنافة اللذيذة باقية في ذاكرته ولن تفارقه مادام‬
‫حيا‪ .‬ففي تلك الليالي السعيدة في نظره كان حينما يمسك الكنافة بيده يكاد يجن من شدة‬
‫الفرح ويهتز من فرط السرور كما يهتز العصفور الذي يبلله القطر‪.‬‬

‫وأنظر إلى قول هذا الشاعر‪.‬‬

‫إليك اشتياقي يا كنافة زائد ‪ ...‬فمالي عنى عنك؛ كال وال صبر‬

‫فما زلت أكلي كل يوم وليلة ‪ ...‬وال زال منهال بجرعائك القطر‬

‫فهذا تقديس للكنافة ليس بعده تقديس‪ ،‬ونوع من العبادة لهذا الصنف من الطعام‪ ،‬فالشاعر‬
‫يعبر عن شوقه الذي ال حد له للكنافة ويذكر أنه ال يطيق فراقها وال يستطيع عنها صبرًا‪.‬‬
‫فهي قبلته التي يتوجه إليها في الغدو واآلصال ال يصرفه عنها طعام آخر وال يلهيه عنها‬
‫شيء مهما جل وعظم‪.‬‬
‫ومن الشعراء من وازن بينها وبين القطايف وفضل الكنافة عليها‪ .‬ومنهم من أظهر الكنافة‬
‫بمظهر الساخر من القطايف المحتقر لها‪ .‬ومثال ذلك قول ابن عنين‪ :‬غدت الكنافة‬
‫بالقطايف تسخر ‪ ...‬وتقول أني بالفضيلة أجدر‬

‫طويت محاسنها لنشر محاسني ‪ ...‬كم بين ما طوي وآخر ينشر‬

‫لحالوتي تبدو‪ ،‬وتلك خفية ‪ ...‬وكذا الحالوة في البوادي أشهر‬

‫ففي هذه األبيات ترى الكنافة تزهو بنفسها وتشمخ بأنفها وتتيه كبرًا ودالال‪ ،‬وتسخر من‬
‫القطايف سخرية مرة‪ .‬وتقول الكنافة هنا إنها أحق بالفضيلة من القطايف ألن محاسن‬
‫القطايف مطوية وحالوتها محشوة في جوفها‪ ،‬وهذا يغض من قدر القطايف في نظرة‬
‫الكنافة التي تمتاز منها بظهور محاسنها وجمالها‪ .‬فالكنافة متبرجة سافرة تتصدى للناس‬
‫وتلفت إليها األنظار ببهائها وحسن روائها فيعرضون عن القطايف وينهالون عليها‪ .‬فهي‬
‫ناجحة في كسب الزبائن بما تثيره فيهم من كامن الشهوة‪ .‬وهذه ميزات ليست للقطايف‪.‬‬

‫وكان الشعراء يتبادلون األلغاز في هذا الموضوع‪ .‬مثال ذلك ما كتبه أحد الشعراء إلى‬
‫صديق له وهو‪:‬‬

‫يا واحدا في عصره بمصره ‪ ...‬ومن له حسن الثناء والسنا‬

‫أتعرف اسما فيه ذوق وذكا ‪ ...‬حلو المحيا والجنان والجني‬

‫والحل والعقد له في دسته ‪ ...‬ويجلس الصدر‪ ،‬وفي الصدر المني‬

‫فأجابه بقوله‪:‬‬
‫عرفتني االسم الذي عرفته ‪ ...‬وكاد يخفى سره لوال الكنى‬

‫يقصد بالكنا (الكنافة)‬

‫هكذا تناول الشعراء الكنافة‪ .‬وكان شعراء مصر أكثر تناوال لها من غيرهم‪ .‬وقد أصبغوا‬
‫على ما نظموه في هذا الموضوع الروح المصري الذي عرف بالخفة والمرح؛ وأولع‬
‫بالدعابة والفكاهة‪.‬‬

‫أما القطايف فقد عرفت منذ العصر العباسي؛ وجاء ذكرها في شعر أبن الرومي وكشاجم‬
‫وغيرهما‪ ،‬ومنهم من شبهها بحقاق من العاج‪ ،‬ومنهم من شبهها بوصائف قامت بجنب‬
‫وصائف‪ .‬ومنهم من شبهها وقد رصت في األطباق بالمصلين الذين يسجدون وراء اإلمام‪.‬‬
‫فالشاعر الذي يقول‪:‬‬

‫هلل در قطائف محشوة ‪ ...‬من فستق دعت النواظر واليدا شبهتها لما بدت في صحنها ‪...‬‬
‫بحقاق عاج قد حشين زبرجدا‬

‫راعي المنظر العام لهذه القطايف ورأى أن كل واحدة منها تبدو في شكل حق له لون‬
‫العاج بداخله حشو يشبه الذهب الخالص‪ .‬والشاعر الذي يقول‪:‬‬

‫وقطائف محشوة بلطائف ‪ ...‬طافت بها أكرم بها من طائف‬

‫شبهتها نضدت على أطباقها ‪ ...‬بوصائف قامت بجنب وصائف‬


‫لم ينظر إلى لون القطائف وال إلى شكلها وال إلى ما حشيت به بل نظر إلى الطريقة التي‬
‫وضعت بها في الطبق ولذلك قال‪( .‬شبهتها نضدت على أطباقها)‬

‫ومنهم من تناول القطايف وال هم له إال التالعب باأللفاظ وإظهار القدرة على استخدام‬
‫المحسنات اللفظية والمعنوية‪ .‬ومثال ذلك قول القائل‪:‬‬

‫وقطائف رقت جسوما مثل ما ‪ ...‬غلظت قلوبت فهي لي أحساب‬

‫تحلو فما ثعلو ويشهد قطرها ال ‪ ...‬فياض أن ندى علي سحاب‬

‫ففي البيت األول يصور القطائف رقيقة تكاد تشف عما تحتها‪ .‬وقد بولغ في حشوها‪.‬‬
‫والبيت الثاني قصد به المدح بالكرم ال أقل وال أكثر‪.‬‬

‫ومنهم من جمع بين الكنافة والقطايف‪ ،‬ومن ذلك قول القائل‪:‬‬

‫وقطائف مقرونة بكنافة ‪ ...‬من فوقهن السكر المدرور‬

‫هاتيك تطربني بنظم رائق ‪ ...‬ويروقني من هذه المنثور‬

‫والظاهر أن المائدة التي جلس عليها هذا الشاعر كانت في منزل أحد األغنياء ألنها جمعت‬
‫بين الكنافة والقطائف‪ ،‬وهذا لم يكن متيسرًا في ذلك الوقت أال لألعيان وأصحاب الجاه‪.‬‬
‫وقد رقص الشاعر طربًا‪ ،‬وكاد يطير من الفرح والسرور حينما رأى الكنافة وبجانبها‬
‫القطائف‪ .‬فأخذ يمد يده إلى هذه مرة وإلى تلك أخرى حتى مال معدته‪.‬‬

You might also like