Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 106

‫و ِ‬

‫ع‬ ‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬
‫ط ال َ‬
‫و ُ‬
‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ة املفكرين‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫َ‬
‫ح َنفَا ِء‬
‫ال ُ‬
‫صدر عن مجلس التأسيس‬
‫لحركة املفكرين الحنفاء‬
‫احلنَ فَ ِاء‬ ‫اخل ُط ْو ُط ال َع َّ‬
‫ام ُة ِل َ ْش ُر ْو ِع َح َر َك ِة املفكرين ُ‬ ‫ُ‬

‫ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ اﻟﺤﻨﻔﺎء‬


‫الخُ ُطو ُط العام ُة لِم ْشرو ِع حرك َِة المفكرين الحنَ َف ِ‬
‫اء‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ َ ُ ْ َ َ‬ ‫ْ‬
‫صدر عن مجلس التأسيس لحركة المفكرين الحنفاء‬

‫‪2021‬‬

‫ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺤﺮﻛﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻴﺲ ﺑﻮك وﻳﻮﺗﻴﻮب‬

‫ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ اﻟﺤﻨﻔﺎء‬


‫امةُ ِ َمل ْش ُر ْو ِع‬
‫الع َّ‬
‫اخل ُط ْو ُط َ‬
‫ُ‬

‫احل َن َف ِاء‬
‫َح َر َك ِة املفكرين ُ‬
‫ِ‬
‫الر َشاد﴾ (غافر‪)38‬‬
‫ِ‬
‫﴿يا َق ْو ِم ا َّتبِ ُع ِ‬
‫ون َأ ْهدك ُْم َسبِ َ‬
‫يل َّ‬ ‫َ‬
‫َان َحن ِ ْي َفًا ُّم ْس ِل َمًا َو َما‬
‫ود َّيًا َوالَ ن َْص َرانِ َّيًا‪َ ،‬و َلكِ ْن ك َ‬
‫اهيم يه ِ‬‫ِ‬
‫َان إِ ْب َر ُ َ ُ‬
‫﴿ما ك َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ن﴾ (آل عمران ‪)67‬‬ ‫َان م َن ا ْل ُم ْشرِك ْي َ‬‫ك َ‬
‫َان ِم َن ا ْل ُم ْشرِكِ ْي َن﴾‬
‫يم َحن ِ ْي َفًا َو َما ك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ ُق ْل َصدَ َق ال ّل ُه َفا َّتبِ ُعو ْا م َّل َة إِ ْب َراه َ‬
‫(آل عمران‪)95‬‬

‫صدر عن مجلس التأسيس‬


‫حلركة املفكرين احلنفاء‬
‫الر ِحي ِم‬ ‫ِ‬
‫بِ ْس ِم اهلل َّ‬
‫الر ْح ِ‬
‫من َّ‬

‫َّاس إِنَّا َخ َل ْقنَاك ُْم ِم ْن َذ َكرٍ َو ُأن َثى َو َج َع ْلنَاك ُْم ُش ُع ْو َبًا‬
‫﴿يا َأ ُّي َها الن ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم َخبِ ٌير﴾‬ ‫َو َق َبائ َل ل َت َع َار ُفوا‪ ،‬إِ َّن َأك َْر َمك ُْم عندَ اهلل َأ ْت َقاك ُْم‪ ،‬إِ َّن اهللَ َعل ٌ‬
‫(الحجرات ‪)13 /‬‬

‫ال كراهية ألحد‪،‬‬


‫و نعم للحرية والتعايش السلمي‪،‬‬
‫خيركم؛ خيركم للناس‬
‫احل َن َف ِاء‬
‫َح َر َك ِة املفكرين ُ‬

‫ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺤﺮﻛﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻴﺲ ﺑﻮك وﻳﻮﺗﻴﻮب‬

‫ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ اﻟﺤﻨﻔﺎء‬


‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫فهرس املواضيع‬

‫مقدمة‪8 ..........................................................................‬‬
‫مفهوم الحنيف االجتماعي‪12 ...................................................‬‬
‫مفهوم النهضوي‪12 ...............................................................‬‬
‫شرح شعار المشروع الثقافي التنويري ‪14 .......................................‬‬
‫شرح أهداف المشروع‬
‫(تعايش سلمي‪ ،‬تفاعل إيجابي‪ ،‬نهضة ثقافية تنويرية) ‪15 .......................‬‬
‫تعريف داللة الملل الثالث‪ :‬الحنيفية واليهودية والنصرانية ‪19 .................‬‬
‫المنهج الحنيف موافق للفطرة‪20 ...........................................‬‬
‫صفة مناهج األرض كلها‪21 ..................................................‬‬
‫‪ - 1‬الحنفاء ‪21 ...............................................................‬‬
‫‪ - 2‬اليهود ‪22 ...............................................................‬‬
‫‪ - 3‬النصارى ‪22 ............................................................‬‬
‫مفهوم كلمة «العرب» بين الفطرة والقومية ‪24 ..................................‬‬
‫مفهوم الرجال و مفهوم النساء‪30 ...............................................‬‬
‫أمثلة على اختالف مفهوم الكلمات إذا اختلف مبناها‪32 .......................‬‬
‫الخطوط العامة لفكر المشروع الثقافي‪46 .....................................‬‬
‫‪ - 1‬دعوة المشروع‪46 .......................................................‬‬
‫‪ - 2‬موقف الحنفاء من العنف واإلرهاب ‪47 ................................‬‬
‫‪ - 3‬موقف الحنفاء من الدين‪48 ...........................................‬‬
‫‪ - 4‬موقف الحنفاء من الدولة‪50 ...........................................‬‬
‫‪ - 5‬موقف الحنفاء من الثقافة االجتماعية ‪52 ............................‬‬

‫‪6‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫‪ - 6‬موقف الحنفاء من السلطة ‪56 ........................................‬‬


‫‪ - 7‬موقف الحنفاء من القومية واألقليات ‪59 .............................‬‬
‫‪ - 8‬موقف الحنفاء من المجتمعات المجاورة ‪62 ..........................‬‬
‫‪ - 9‬موقف الحنفاء من المرأة ‪63 ..........................................‬‬
‫‪ - 10‬موقف الحنفاء من العلم والتعليم والتفكير ‪64 .......................‬‬
‫‪ - 11‬موقف الحنفاء من القانون ‪66 ........................................‬‬
‫مفهوم السالم عند الحنفاء ‪68 ..................................................‬‬
‫المحور األول‪ :‬حقيقة أصحاب السالم العالمي ‪68 ........................‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬السالم عند دول الغرب الطاغوتية مناورة سياسية‬
‫وليس مفهوماً ثقافياً نابعاً من منطلق التعارف‪72 ..........................‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬السالم مبدأ أصيل في دين اهلل‪73 ........................‬‬
‫المحور الرابع‪ :‬اإلسالم غير االستسالم‪75 .................................‬‬
‫المحور الخامس‪ :‬القوة والسالم والعالقة بينهما ‪76 .......................‬‬
‫المحور السادس‪ :‬الرد على شبهة أن الدين اإلسالمي دين قتل‬
‫وقتال وحرب ‪78 .............................................................‬‬
‫اإلرهـاب إيدز العصر ‪81 .........................................................‬‬
‫تعريف الرهبة و اإلرهاب‪83.................................................‬‬
‫الفرق بين اإلرهاب‪ ،‬والجهاد‪ ،‬والقتال‪ ،‬والمقاومة‪91 ............................‬‬
‫أ‪ -‬اإلرهاب ‪91 ...............................................................‬‬
‫ب‪ -‬الجهاد ‪91 ...............................................................‬‬
‫ت‪ -‬القتال ‪93 ...............................................................‬‬
‫ث‪ -‬المقاومة ‪99 ............................................................‬‬
‫الخـالصة ‪102 ...............................................................‬‬
‫(المسلم والمؤمن والمحسن) ‪104 ...............................................‬‬

‫‪7‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫مقدمة‬

‫الشك َأ َّن الثقافة تصنع اإلنسان‪ ،‬وهي أساس النهضة والحضارة‪،‬‬‫ّ‬


‫أ ّما المدنية والتقنية‪ ،‬فرغم أهميتهما وكوهنما تصنعان نمط الحياة‬
‫وشكلها‪ ،‬ولكنهما ال تغ ّيران اإلنسان من داخله‪ ،‬والتاريخ والواقع‬
‫يشهدان على مدى وحشية اإلنسان‪ ،‬وهمجيته يف تعامله مع أخيه‬
‫اإلنسان‪ ،‬حتى تم تصنيف زماننا وعصرنا بزمان وعصر العنف‬
‫واإلرهاب ثقافة‪ ،‬بينما يقابله يف الطرف األخر زمان وعصر‬
‫المعلوماتية والتقنية مدنية‪.‬‬

‫فكيف يهتم القادة بالنهضة المدن َّية والتقنية‪،‬و ُيهملون هنضة‬


‫اإلنسان من الناحية الثقافية‪ ،‬على الرغم من أن اإلنسان هو األصل‬
‫يف هذه الحياة وألجله سخر اهلل له الكون بما فيه!‬
‫من المعلوم أن الناس ُي َك ِّي ُ‬
‫فون سلوكهم وفق مفاهيمهم عن‪:‬‬
‫‪ .1‬الكون‬
‫‪ .2‬اإلنسان‬
‫‪ .3‬الحياة‬
‫‪ .4‬عالقاهتم بما قبل الحياة الدنيا‪ ،‬وما بعدها‬
‫‪ .5‬عالقاهتم ببعضهم البعض‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫وهي تمثل الجواب عن األسئلة الفطرية‪:‬‬

‫كيف وجدنا؟ لماذا وجدنا؟ أين نذهب بعد الموت؟‬

‫والجواب عنها هو القاعدة الفكرية الثقافية‪ ،‬التي يبني اإلنسان‬


‫عليها فكره ونظام حياته ويكون ابتداء على مفهوم السالم ألنه هو‬
‫األساس للنهضة والعمران والتطور والرقي والفالح‪.‬‬

‫أس ْسنا حركة المفكرين الحنفاء لتحمل مشروعًا‬ ‫من أجل ذلك َّ‬
‫ثقافيًا تنويريًا رائد ًا‪ ،‬لنا و لألجيال القادمة‪.‬‬

‫ونهدف من هذا المشروع الثقايف الحنيف إلى ما يلي‪:‬‬

‫• عرض اإلسالم كدين اهلل تعالى‪ ،‬من خالل رسالته المتمثلة‬


‫بالقرءان‪ ،‬الذي نزل بلسان عربي مبين‪ ،‬ومحوره األساسي هو‬
‫اإلنسان والحياة والكون‪ ،‬واإلعراض عن االنتماءات والتكتالت‬
‫والمذاهب والطوائف والفرق التي نشأت نشأة تاريخية (سنة‪،‬‬
‫شيعة‪ ،‬معتزلة‪ ،‬صوفية‪ ،‬سلفية‪...،‬الخ) أو نشأت يف عصرنا الراهن‬
‫بغية الوصول إلى السلطة والرتبع على عرشها مثل تنظيمات‬
‫(اإلخوان‪ ،‬التحرير‪ ،‬الجهاد‪ ،‬القاعدة‪...‬الخ) أو االتجاهات‬
‫التي نشأت نشأة انفعالية يف المجتمعات اإلسالمية من (شيوعية‪،‬‬
‫ووجودية‪ ،‬ورأسمالية وال دينية‪...‬الخ) نتيجة لتخلف المسلمين‪،‬‬
‫وتأخرهم عن اللحوق بقافلة الركب الحضاري‪.‬‬

‫وذلك لِنُنَ َّق َي مفهوم اإلسالم من رواسب الجاهلية التي علقت به‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ابتداء من الفهم السلفي الزمكاين‪ ،‬ومرور ًا بالفهم القومي‪ ،‬أو أي‬


‫مفهوم يرفض التعايش مع اآلخر‪ ،‬وغير ذلك من صور االستبداد‪،‬‬
‫واالستعباد الثقايف‪ ،‬وانتهاء باإلرهاب‪ ،‬كونه إيدز العصر الحالي‪،‬‬
‫لنصل إلى تأسيس فهم إسالمي «عربي»‪ 1‬حنيف معاصر يدل على‬
‫َت َط ُّلعاتنا‪ ،‬و اسمه المنهج العربي الحنيف لفهم اإلسالم‪ ،‬والنهضة‬
‫بالمجتمع‪ ،‬ونضيف للتاريخ هذه المدرسة الحنيفية الرائدة‪.‬‬

‫• َج ْع َل الثقافة ُمتاحة للجميع للوصول إلى اإلنسان االجتماعي‬


‫الوطني الفاعل؛ فإنسان اليوم لم َيعد باستطاعته االعتماد على‬
‫نفسه يف تحصيل ثقافته‪ ،‬ويمكن أن يسوقه حظه العاثر يف الوقوع‬
‫تحت براثن اإلرهاب والعنف‪ ،‬والمفاهيم التكفيرية‪ ،‬أو القيام‬
‫بر ّدات فعل انفعالية‪ ،‬فيدفع حياته ثمنًا لذلك االختيار الخاطئ‪،‬‬
‫وإذا ما عاد و امتلك الوعي تكون قد مضت من عمره السنوات‬
‫الكثيرة نتيجة انعزاله وتقوقعه وعدم َتك ّيفه مع المجتمع ومحيطه‬
‫بصورة بناءة وفعالة وإيجابية‪.‬‬

‫الكراسة نموذج قابل للتعديل بما يرفع مستواه َوفق الثابت‬


‫وهذه َّ‬
‫والمتغير‪ ،‬وهي قائمة على محور التحديث المستمر (الحنيفية)‪.‬‬

‫فصل‬
‫طول و ُم َّ‬
‫ووضعنا بعض المفاهيم يف هذا الكتاب بشكل ُم َّ‬

‫كلمة (عربي) العالقة لها بمفهوم القومية‪ ،‬وإنما تدل على قيام الشيء واستمراره وفق قوانينه محافظًا‬ ‫‪1‬‬
‫على الطهارة والنقاء دون تدخل اإلنسان بصنعته‪ .‬ومن هذا الوجه نزل النص القرآين عربي اللسان‬
‫والحكم والمنهج‪ .‬وسيأيت الحقًا شرح مفهوم كلمة العرب‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ألهميتها‪ ،‬ولتدريب القارئ على التعامل مع منهج الحنفاء وأخذ‬


‫فكرة عنه‪ ،‬وألنه يوجد بعض القراء يكتفون بقراءة هذا الكتاب‬
‫فقط دون الرجوع إلى األصول‪.‬‬

‫موجها إلى بلد بعينه‪ ،‬بل هو موجه لجميع‬‫َ‬ ‫والكتاب ليس‬


‫المجتمعات اإلنسانية‪ ،‬وباألخص المجتمعات العربية واإلسالمية‬
‫لدراسته والتفاعل معه‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ك لِلدِّ ِ ِ ِ‬ ‫﴿ َف َأ ِق ْم َو ْج َه َ‬
‫ين َحنيفًا ف ْط َر َة اهلل ا َّلتي َف َط َر الن َ‬
‫َّاس َع َل ْي َها َال‬
‫ون﴾‬ ‫ين ا ْل َق ِّي ُم َو َلكِ َّن َأ ْك َث َر الن ِ‬
‫َّاس َال َي ْع َل ُم َ‬ ‫يل لِخَ ْل ِق اهلل ِ َذلِ َ‬
‫ك الدِّ ُ‬ ‫َت ْب ِد َ‬
‫(الروم ‪)30/‬‬

‫حركة المفكرين الحنفاء‬


‫‪2021/8/1‬‬

‫‪11‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫مفهوم الحنيف االجتماعي‪:‬‬

‫إن مشروع الحنيف هو دعوة ثقافية و سلمية و إيجابية يخاطب‬


‫خص فئة دون أخرى‪ ،‬سواء أكانت‬ ‫المجتمع بكل أطيافه‪ ،‬وال َي ّ‬
‫عرقية أم طائفية‪ ،‬و َيهدف للبناء االجتماعي على صعيدي‬
‫الشعب‪ ،‬والدولة‪ ،‬فهو ليس دعوة إصالحية لجانب من جوانب‬
‫المجتمع‪ ،‬بل هو دعوة حيوية‪ُ ،‬يريد أن َيبعث الحياة والفاعلية‬
‫يف منظومة المجتمع ككل‪ ،‬سواء النسق الفكري أو السياسي أو‬
‫الثقايف‪ ،‬أو العلمي أو غيرها من األنساق على أرض الواقع‪.‬‬

‫مفهوم النهضوي‪:‬‬
‫إن مفهوم النهضة هو القيام بعملية انبعاث كامل لألمر المعني‬
‫بالنهضة‪ ،‬وهذه العملية ينبغي أن تكون شاملة لكل مقومات‬
‫المجتمع‪ ،‬ألن المجتمع ال ينهض ببعض منه‪ ،‬بل البد أن‬
‫تتضافر كل قوى وفعاليات المجتمع مع بعضها البعض وتتعاضد‬
‫وتتكاتف حتى ينهض المجتمع بأكمله نهضة قوية بناءة رشيدة‪.‬‬

‫لذلك ينبغي تناول مناهج التدريس‪ ،‬والتعليم والتثقيف نقد ًا‬


‫ودراسة وتقويمًا‪ ،‬وإزالة األفكار الطائفية والعرقية‪ ،‬وتلك التي‬

‫‪12‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫تدعو إلى عدم التعايش مع اآلخر أو تدعو إلى العنف‪ ،‬ويجب‬


‫إعادة صياغتها بأسلوب إنساين عربي علمي تقدمي متطور‪،‬‬
‫وذلك إليقاف عملية رفد التخلف والتعصب األعمى والعنف‬
‫وي‬
‫وس ّ‬
‫ورفض اآلخر والطائفية‪...‬الخ ليظهر بذلك جيل قوي َ‬
‫من الناحية النفسية والعقلية غير مقهور وال مكبوت وال متزمت‪،‬‬
‫جيل فاعل إيجابي وطني‪ ،‬مفعم بفكر السالم االجتماعي بصورة‬
‫عربية قرآنية حضارية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫شرح شعار المشروع الثقافي التنويري‬

‫بالعلم واألخالق ننهض‬


‫وباحلرية و السالم نعيش‬

‫إن العلم وحده يستطيع أن يصنع البناء والعمران‪ ،‬بل بالعلم هبط‬
‫اإلنسان على سطح القمر وسافر إلى المريخ‪ ،‬لكنه عجز عن‬
‫صنع اإلنسان الصالح‪ ،‬ألن اإلنسان تصنعه القيم واألخالق‪ ،‬وهو‬
‫ُيك ّيف سلوكه حسب المفاهيم التي يعتنقها ويؤمن هبا‪ .‬فهي عملية‬
‫ذاتية تفاعلية‪ ،‬وهذا اإلنسان الصالح ال يمكن أن يؤدي دوره يف‬
‫ال بواسطة العلم واالنتماء للوطن‪ ،‬ومن‬ ‫الحياة ويقوم بعمراهنا‪ ،‬إ ّ‬
‫هذا الوجه‪ ،‬كان البد للقيم واألخالق من أن ينضم إليها العلم‬
‫ليصيرا مع بعضهما ركنين متتا ّمين متكاملين للنهضة باإلنسان‬
‫كمجتمع على أرض الوطن‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫شرح أهداف المشروع‪:‬‬

‫تعايش سلمي‪ ،‬تفاعل إيجابي‪،‬‬


‫نهضة ثقافية تنويرية‪.‬‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬تعايش‪.‬‬
‫إن كلمة تعايش تدل يف ذاهتا على وجود عالقة مع آخر على وجه‬
‫من الوجوه‪ ،‬وإذا درسنا هذه العالقة التعايشية يف الواقع نجد أهنا‬
‫على ثالثة أوجه‪:‬‬

‫أ ‪ -‬تعايش إيجابي‪ :‬وهو تعايش قائم على المنفعة المتبادلة التي‬


‫تقتضي السالم واألمن بينهما والتعارف والتعاون‪.‬‬

‫وهذا التعايش مبني على ثقافة القيم واألخالق‪.‬‬

‫ونجد ذلك يف عالقة الطيور الصغيرة التي تدخل إلى فم‬


‫التماسيح على سبيل المثال؛ فهي تنتفع من حيث تأمين غذاءها‬
‫عرب تنظيف أنياب التماسيح‪ ،‬والتماسيح تنتفع منها أيضًا عرب‬
‫حصولها على عملية التنظيف ألنياهبا‪ ،‬فهي ال تطبق فاها على‬
‫الطيور رغم قدرهتا على ذلك‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫فالعالقة بينهما قائمة على المصلحة المشتركة‪ ،‬والمنطق العقالين‬


‫ذي التوجه الربغمايت بمعناه اإليجابي‪ ،‬وليس قائمًا على القوة‬
‫الجسمانية والعضلية بل على مفهوم الواجبات والحقوق‬

‫(اعمل واجباتك‪ ،‬وطالب بحقوقك)‪.‬‬

‫فهذه العالقة الثنائية هي عالقة تعايشية إيجابية‪ ،‬ألن المنفعة متبادلة‬


‫بين الجميع‪ ،‬وهذا يرتتب عليه أن يكون أمن كل واحد هو من أمن‬
‫الجميع‪ ،‬وأي خطر يصيب الفرد‪ ،‬إنما هو خطر يهدد كافة أفراد‬
‫المجتمع‪ ،‬فهذا التعايش االجتماعي اإليجابي الوطني‪ ،‬يقتضي‬
‫السالم والتعارف والتعاون والتعايش مع اآلخر‪ ،‬طبعًا هذا ال‬
‫يعني بالضرورة االقتناع بجميع أفكاره أو آرائه وإيديولوجياته‪.‬‬

‫ثم إن توافر الحرية واألمن والعدالة والمساواة من أهم ضرورات‬


‫واحتياجات المواطنة لكل فئات المجتمع‪ ،‬بمختلف أعراقه‬
‫وقومياته و إثنياته وطوائفه وملله ومذاهبه ومشاربه‪...‬الخ‪.‬‬

‫وعملية التعايش مع اآلخر‪ ،‬ال تنفي الحوار أو النقد البناء ألفكاره‬


‫ومعتقداته‪ ،‬و إنما تعني احرتام شخصه‪ ،‬وعدم السخرية أو‬
‫االستهزاء من أفكاره ومعتقداته‪ ،‬هذا مع التعاون والتماسك‬
‫معه يف عملية التنمية والبناء‪ ،‬ألن استمرار الحوار ضرورة ثقافية‬
‫لتالقح العقول واألفكار‪ ،‬والرقي بالمجتمعات اإلنسانية إلى‬
‫مستويات رفيعة من النهضة والتقدم واالزدهار‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ب ‪ -‬تعايش سلبي‪ :‬هو عالقة بين اثنين دون وجود منفعة متبادلة‬
‫بينهما‪ ،‬وال وجود للعداوة أيضًا‪ ،‬فهما يعيشان يف الظروف نفسها‪،‬‬
‫ويف المكان ذاته‪ ،‬دون أن يفكر أحدهما باآلخر‪ ،‬وقد ال يشعر‬
‫بوجوده أصالً‪ ،‬كاألسماك الصغيرة التي ترافق األسماك الكبيرة‬
‫يف بحثها عن الطعام دون أن يكون بينهما أي منفعة متبادلة‪.‬‬

‫ت ‪ -‬تعايش استعبادي‪ :‬هو عالقة قوي بضعيف مستكين‪.‬‬

‫وهذه العالقة قائمة على منفعة متبادلة‪ ،‬لكنها غير عادلة من‬
‫الناحية األخالقية واالجتماعية‪ .‬إهنا عالقة السيد بعبده‪ ،‬وهي‬
‫عالقة تسلطية استغاللية برغماتية فاسدة تتناىف مع مكانة اإلنسان‬
‫وتحط من كرامته‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬تفاعل إيجابي و تعاضد ومتاسك‪.‬‬


‫إن مفهوم التعاضد والتماسك يدل يف ذاته على وجود عملية‬
‫مشرتكة بين طرفين أو أكثر‪ .‬فالتعاضد والتماسك هو ضم قوة‬
‫إلى قوة أخرى ليصيرا معًا قوة واحدة فاعلة كالبنيان المرصوص‪،‬‬
‫والتعاضد والتماسك االجتماعي الوطني يقتضي ضرورة وجود‬
‫الملزم للجميع‪،‬‬
‫قرار اجتماعي واحد منبثق عن نظام الشورى ُ‬
‫وذلك لكوهنم متعاضدين متماسكين وصدور القرار منهم جميعًا‬
‫أو من أغلبيتهم هو من مفاهيم ومنتجات التعاضد والتماسك‬
‫االجتماعي المنبثق على أرض الواقع من مفهوم المشاركة‬

‫‪17‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫والتشاور يف كافة األمور وعلى جميع األصعدة‪ ،‬صغيرها وكبيرها‬


‫من أجل بناء وطن ومجتمع موحد بصورة متكافلة متعاضدة‬
‫متساندة يحتضن يف رحمه رؤى ثقافية متنوعة متعددة تمثل‬
‫فسيفساء وطنية‪ ،‬ووحدة إنسانية‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬نهضة‪.‬‬


‫إن مفهوم النهضة يدل على عملية ال َبعث والقيام باألمر بر ّمته‬
‫عث لروح الحياة‬ ‫ومجموعه ال بجزء وحيد منه‪ ،‬والنهضة هي َب ٌ‬
‫وسعي حثيث نحو‬ ‫ٌ‬ ‫والتقدم‪ ،‬وإذكا ٌء للشعور باالنتماء الوطني‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وأخذ بيده‬ ‫الرقي بالمجتمع بكافة أطيافه وعلى جميع األصعدة‪،‬‬
‫على ُس َّلم الحضارة والمدنِّية ليتحول إلى مجتمع بشري فاعل‬
‫ومنتج وصاحب قرار ومبادرة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫تعريف داللة الملل الثالث‪:‬‬


‫الحنيفية واليهودية والنصرانية‪:‬‬

‫يم َحنِيفًا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫﴿و َقا ُلو ْا كُونُو ْا ُهود ًا َأ ْو ن ََص َارى ت َْهتَدُ و ْا‪ُ ،‬ق ْل َب ْل م َّل َة إِ ْب َراه َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫وما ك َ ِ‬
‫ين﴾ (البقرة ‪)135 /‬‬ ‫َان م َن ا ْل ُم ْشرِك َ‬ ‫ََ‬

‫َان َحنِيفًا ُّم ْس ِلمًا‪،‬‬


‫ود ّيًا َوالَ ن َْص َرانِ ّيًا‪َ ،‬و َلكِن ك َ‬
‫اهيم يه ِ‬ ‫ِ‬
‫َان إِ ْب َر ُ َ ُ‬
‫﴿ما ك َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾ (آل عمران ‪)67 /‬‬ ‫َان م َن ا ْل ُم ْشرِك َ‬
‫َو َما ك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك لِلدِّ ِ ِ‬
‫﴿و َأ ْن َأ ِق ْم َو ْج َه َ‬
‫ين َحنيفًا َوالَ َتكُون ََّن م َن ا ْل ُم ْشرِك َ‬
‫ين﴾‬ ‫َ‬
‫(يونس ‪)105 /‬‬

‫ات َواألَ ْر َض َحنِيفًا َو َما‬


‫ت وج ِهي لِ َّل ِذي َف َطر السماو ِ‬
‫َ َّ َ َ‬ ‫﴿إنِّي َو َّج ْه ُ َ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾ (األنعام ‪)79 /‬‬ ‫َأ َن ْا م َن ا ْل ُم ْشرِك َ‬
‫ِ‬ ‫َان ُأم ًة َقانِتًا لِ ّل ِه حنِيفًا و َلم ي ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك م َن ا ْل ُم ْشرِك َ‬
‫ين﴾‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫﴿إِ َّن إِ ْب َراه َ‬
‫يم ك َ َّ‬
‫(النحل ‪)120 /‬‬

‫‪19‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫المنهج الحنيف موافق للفطرة‪:‬‬


‫ِ ِ‬ ‫ك لِلدِّ ِ ِ ِ‬ ‫﴿ َف َأ ِق ْم َو ْج َه َ‬
‫ين َحنيفًا ف ْط َر َة اهلل ا َّلتي َف َط َر الن َ‬
‫َّاس َع َل ْي َها َال‬
‫ون﴾‬ ‫ين ا ْل َق ِّي ُم َو َلكِ َّن َأ ْك َث َر الن ِ‬
‫َّاس َال َي ْع َل ُم َ‬ ‫يل لِخَ ْل ِق اهلل ِ َذلِ َ‬
‫ك الدِّ ُ‬ ‫َت ْب ِد َ‬
‫(الروم ‪)30 /‬‬

‫طريقة دراسة الدين هي املنهج احلنيف‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ ُق ْل إِنَّني َهدَ اني َر ِّبي إِ َلى ص َراط ُّم ْستَقي ٍم دينًا ق َيمًا ِّم َّل َة إِ ْب َراه َ‬
‫يم‬
‫ِ‬ ‫حنِيفًا وما ك َ ِ‬
‫ين﴾(األنعام ‪)161 /‬‬ ‫َان م َن ا ْل ُم ْشرِك َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬

‫األمر للنبي خاصة واملسلمني عامة باتباع املنهج احلنيف‪:‬‬


‫َان ِم َن‬
‫يم َحنِيفًا َو َما ك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َأ ِن ا َّتبِ ْع م َّل َة إِ ْب َراه َ‬
‫﴿ ُث َّم َأ ْو َح ْينَا إِ َل ْي َ‬
‫ِ‬
‫ين﴾ (النحل‪)123‬‬ ‫ا ْل ُم ْشرِك َ‬
‫ِ‬ ‫اهيم حنِيفًا وما ك َ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َان م َن ا ْل ُم ْشرِك َ‬
‫ين﴾‬ ‫ََ‬ ‫﴿ ُق ْل َصدَ َق ال ّل ُه َفا َّتبِ ُعو ْا م َّل َة إِ ْب َر َ َ‬
‫(آل عمران ‪)95‬‬

‫﴿و َم ْن َأ ْح َس ُن ِدينًا ِّم َّم ْن َأ ْس َل َم َو ْج َه ُه هلل َو ُه َو ُم ْح ِس ٌن وا َّت َب َع ِم َّل َة‬


‫َ‬
‫يم َخ ِليالً﴾ (النساء ‪)125‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم َحنيفًا َواتَّخَ َذ ال ّل ُه إِ ْب َراه َ‬
‫إِ ْب َراه َ‬

‫‪20‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫األمر أن نكون حنفاء‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿حنَ َفاء لِ َّل ِه َغير م ْشرِكِ ِ‬
‫ين بِه َو َمن ُي ْشرِ ْك بِاهلل َفك ََأن ََّما َخ َّر م َن َّ‬
‫الس َماء‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ُ‬
‫َان س ِ‬ ‫َفتَخْ َط ُفه ال َّطير َأو تَه ِوي بِ ِه الر ِ‬
‫يق﴾ (الحج‪)31 /‬‬ ‫ح ٍ‬ ‫يح في َمك ٍ َ‬ ‫ِّ ُ‬ ‫ُ ُْ ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ُحنَ َفاء َو ُيق ُ‬
‫يموا‬ ‫﴿و َما ُأم ُروا إِ َّال ل َي ْع ُبدُ وا اهللَ ُمخْ لص َ‬
‫ين َل ُه الدِّ َ‬ ‫َ‬
‫ين ا ْل َق ِّي َم ِة﴾ (البينة ‪)5 /‬‬ ‫الص َال َة وي ْؤتُوا ال َّزكَا َة و َذلِ َ ِ‬
‫كد ُ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َّ‬

‫صفة مناهج األرض كلها‪:‬‬


‫طريقة تفكير الناس كلها على مختلف مللهم سواء أكانت دينية‬
‫أم وضعية أم إلحادية …‪.‬الخ ال تخرج عن هذه المناهج الثالث‪،‬‬
‫ويتم تصنيف الملل والجماعات والفرق والمذاهب واألحزاب‬
‫حسب تعريف المناهج‪ ،‬وينزل تحتها كوصف منهجي لطريقة‬
‫تفكيره وسلوكه يف الحياة‪:‬‬

‫‪ - 1‬الحنفاء‪:‬‬
‫• يف اللسان العربي‪ :‬الحنفاء مفردها حنيف‪ ،‬والحنيف من حنف‪:‬‬
‫وهي تدل على الحركة المتنقلة ذات اليمين وذات الشمال بتوازن‬
‫دون آفة أو علة‪.‬‬

‫وحنيف مثل شهيد التي جمعها شهداء‪ ،‬صفة مشبهة باسم فاعل‪،‬‬
‫وجمعها حنفاء‪ ،‬وهي الزمة غير متعدية‪ ،‬وهي ملة وليست دينًا‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫• ثقاف ًيا‪ :‬تدل على التحديث المستمر للمعلومات وفق محور‬


‫الثابت والمتغير باتجاه األمام‪.2‬‬

‫‪ - 2‬اليهود‪:‬‬
‫• يف اللسان العربي‪ :‬اليهود مفردها َي ُه ْو ِد ٌي‪ .‬وهي من َه َو َد‪ ،‬وتدل‬
‫على األرجحة الخفيفة المنضمة مكان َّيًا بامتداد‪ ،‬منتهية بدفع‬
‫شديد‪.‬‬

‫• ثقاف ًيا‪ :‬تدل على االنكفاء على النفس والتعصب للذات‬


‫واالنغالق وتقليد اآلباء ورفض أي جديد ومحاربته وإقصاء‬
‫اآلخر لدرجة القتل‪ ،‬وهي ملة وليست دينًا وليست صفة ألتباع‬
‫النبي موسى‪.‬‬

‫‪ - 3‬النصارى‪:‬‬
‫• يف اللسان العربي‪ :‬النصارى جمع ن َْص َرانِي‪ ،‬وهي من ن َٓص َر َ‬
‫ان‪،‬‬ ‫ٍّ‬
‫ان‪ ،‬وال عالقة لها بكلمة أنصار التي‬ ‫َح ٌال الز ٌم مثل َس ْك َر َ‬
‫ان َو َم ْر َض َ‬
‫مفردها نصير‪ ،‬وال بكلمة ناصرين التي مفردها ناصر‪ ،‬كما ال‬
‫عالقة لها بمدينة الناصرة‪ ،‬وتدل على سرت وحركة محددة مكررة‬
‫بامتداد الزمان والمكان منتهية بسرت‪.‬‬

‫• ثقافيًا‪ :‬بمعنى التعصب لموقف أو رأي دون دراسته أو نقاشه‪،‬‬


‫تقول الحكمة‪« :‬العلم المستقر جهل مستقر»‬ ‫‪2‬‬

‫‪22‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫واالنغالق عليه والتقوقع فيه‪ ،‬واالستمرار على هذا الوضع مع‬


‫إمكانية التعايش مع اآلخر المختلف‪ ،‬وهي ملة وليست دينًا‪،‬‬
‫وليست صفة ألتباع المسيح‪.‬‬

‫اط ا ْل ُم ْست َِق ْي َم) هو المنهج الحنيف والقيم‬


‫الص َر َ‬ ‫ِ ِ‬
‫• (ا ْهدنَا ِّ‬

‫اط ا َّل ِذ ْي َن َأ ْن َع ْم َت َع َل ْي ِه ْم) هم الحنفاء من بني إسرائيل‬ ‫ِ‬


‫(ص َر َ‬ ‫•‬
‫الذين نزلت عليهم الوصايا العشر‪.‬‬
‫• ( َغ ْي ِر ا ْل َم ْغ ُض ْو ِ‬
‫ب َع َل ْي ِه ْم) هم أصحاب المنهج اليهودي يف كل‬
‫زمان ومكان بصرف النظر عن انتمائهم ألي نبي مرسل‪ ،‬بل‬
‫حتى لو كانوا ال دينيين‪.‬‬

‫الضا ِّل ْي َن) هم أصحاب المنهج النصراين يف كل زمان‬


‫(و َال َّ‬
‫• َ‬
‫ومكان‪ ،‬بصرف النظر عن انتمائهم ألي نبي مرسل‪ ،‬بل حتى‬
‫لو كانوا أيضًا ال دينيين‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫مفهوم كلمة «العرب»‬


‫بين الفطرة والقومية‬

‫لقد تم إطالق لفظ «عرب» على أمة بعينها‪ ،‬والتصقت هبا كتسمية‬
‫واصطالح قومي‪ ،‬واستمر انتشار هذا االسم والمصطلح القومي‬
‫على حساب تقلص داللة لفظ «عرب» إلى أن تم زحزحة هذا‬
‫المفهوم العربي الفطري وإزالته إلى صالح االسم والمصطلح‬
‫القومي‪ ،‬و من جراء ذلك أخذ االسم والمصطلح العربي‪ ،‬صفة‬
‫األمة التي احتكرته لنفسها‪ ،‬فإن هنضت هذه األمة صار مصطلح‬
‫(العرب) يدل على النهضة‪ ،‬وإن هبطت صار يدل على التخلف‬
‫واالنحطاط!‬

‫وهذا العمل االحتكاري لمفهوم (العرب) من قبل األمة‪ ،‬أساء‬


‫إلى داللة المفهوم العربي الفطري القرآين‪ ،‬وصار صفة ذم وقدح‬
‫نتيجة انحطاط وتخلف األمة التي احتكرته لنفسها‪.‬‬

‫والقوم العرب – من حيث يعلمون أو ال يعلمون ‪ -‬هم الذين‬


‫وكرسوا حصر مفهوم َداللة (العرب) بالقومية‪ ،‬وغ ّيبوا‬ ‫نشروا َّ‬
‫المفهوم الفطري لكلمة (عرب) وقديمًا قيل‪َ « :‬أ ْه ُل َم َّك َة َأ ْد َرى‬
‫بِ ِش َعابِ َها»‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫فأخذت األمم األخرى ‪ -‬خاصة الغرب منهم ‪ -‬هذا المفهوم‬


‫القومي وتم التعامل مع مفهوم كلمة (عرب) وفق الواقع الذي‬
‫وسمت‬
‫ّ‬ ‫تجسده األمة التي احتكرت هذا االسم والمصطلح‬
‫نفسها به (األمة العربية التي تعيش على بقعة جغرافية معينة) رغم‬
‫أهنم يف الغالب ال يملكون من الصفة العربية إال لساهنا‪ ،‬وحتى‬
‫هذا يستخدمونه بصورة أعجمية‪.‬‬

‫ولقد ترتب على هذا العمل الشنيع العداء والحقد لمفهوم‬


‫(العرب) وصار مفهومًا مقرتنًا بالذم والقدح والتخلف‬
‫واالنحطاط‪ ،‬لدرجة أن لفظ (العرب) يف الغرب صار شتيمة؛‬
‫ألهنا صارت تدل على اإلرهاب والتطرف واإلجرام والتخلف‬
‫واالنغالق والتعصب والتزمت ورفض اآلخر‪...‬الخ‬

‫وهكذا صار لفظ (العربي) يف ثقافة الغرب كنظير لفظ (اليهودي)‬


‫الذي يدل على التقوقع واالنغالق على النفس وتقليد اآلباء‬
‫ورفض اآلخر والغدر والمكر والخيانة واألنانية والجشع والبخل‬
‫والكره والبغض والحقد وامتصاص دماء الناس‪..‬الخ‪.‬‬

‫ماذا يعني لسانيًا لفظ كلمة «العرب» بالضبط؟‬


‫لنقم بتحليل أصوات لفظ كلمة (عرب)‬
‫(ع)‪ :‬صوت يدل على عمق أو ُبعد يف الشيء‪.‬‬
‫(ر)‪ :‬صوت يدل على تكرار‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫(ب)‪ :‬صوت يدل على تجمع مستقر‪.‬‬

‫• سيرورة تسلسل الحركات الصوتية فيزيائيًا ‪ -‬إيضاح معالم‬


‫بعيدة من عمق المجهول‪-‬‬

‫نتيجة إلعادة ترتيب وتكرار نظام معين تجتمع كامنة ومستقرة بعد‬
‫غياب‪.‬‬

‫• يدل المعنى االجتماعي من خالل أبعاد التاريخ وعمق‬


‫الفطرة على استمرار نظام اإلصالح البيئي واالجتماعي‪ ،‬ويظهر‬
‫مجتمعًا على مر الزمكان ومنبثقًا بعد كل غياب من فساد‬
‫وانحراف فهو كامن باستقراره‪.‬‬

‫• وبمعنى آخر؛ إذا اجتمعت هذه األصوات برتتيب كلمة (عرب)‬


‫تدل على عمق أو ُبعد مكرر‪ ،‬منته بجمع مستقر‪ ،‬وهذه الداللة‬
‫الفيزيائية ألصوات أحرف كلمة (عرب) تدل اجتماعيًا على‬
‫أصالة الشيء وقيامه بذاته على ما هو عليه وجود ًا وقدمه ووجوده‬
‫الفطري دون تدخل يد اإلنسان به صنعة‪ ،‬فهو على طبيعته الربانية‬
‫التي نشأ عليها مع محافظته على عالقته مع أصله بصورة منسجمة‬
‫تمامًا‪.‬‬

‫ومن الطبيعة والفطرة األصيلة بعيد ًا عن الفساد واالنحراف‬


‫ظهرت صفة العروبة لألشياء‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫مثل‪:‬‬

‫‪ .1‬الحكم العربي‪:‬‬

‫﴿وك ََذل ِ َك َأ َنز ْلنَا ُه ُحكْمًا َع َربِ ّيًا َو َلئِ ِن ا ّت َب ْع َت َأ ْه َوا َء ُهم َب ْعدَ َما‬
‫َ‬
‫اق﴾ (الرعد‪)37/‬‬ ‫َجآ َء َك مِ َن ا ْل ِع ْل ِم َما َل َك مِ َن ال ّل ِه مِن َولِي َو َ‬
‫ال َو ٍ‬
‫ّ‬
‫‪ .2‬القرءان العربي‪:‬‬

‫﴿إِنّا َج َع ْلنَا ُه ُق ْرآنًا َع َربِ ّيًا ّل َع ّل ُك ْم َت ْع ِق ُل َ‬


‫ون﴾ (الزخرف ‪)3/‬‬

‫أي صيرناه قرينًا لكتاب الكون ومنسجمًا بأصالته وصفائه مع‬


‫سنن الفطرة والطبيعة لعلكم تعقلون‪.‬‬

‫‪ .3‬األرض العربية‪ :‬هي األرض الطبيعية الصالحة بيئيًا للكائنات‬


‫الحية‪.‬‬

‫‪ .4‬األخالق العربية‪ :‬هي القيم األصيلة الصالحة على مر‬


‫الزمكان بين الناس‪ ،‬كإغاثة الملهوف‪ ،‬وإكرام الضيف‪،‬‬
‫ونصرة المظلوم‪ ،‬والوفاء بالعهود والمواثيق…‪..‬الخ‪.‬‬

‫‪ .5‬الحصان العربي‪ ،‬السمن العربي‪ ،‬القعدة العربية‪ ،‬القهوة‬


‫العربية‪ ،‬الخبز العربي‪ ،‬اللباس العربي‪ ،‬النهار العربي‪،‬‬
‫الخليج العربي …‪ .‬األصيل والصايف والطبيعي والصالح‬
‫والصحي‪ ....‬الخ كل ذلك ال عالقة له بالقومية العربية‪ ،‬وإنما‬

‫‪27‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫عالقته باألصالة ِ‬
‫والقدم والفطرة وعدم تدخل الصنعة فيه‬
‫زيادة أو نقصانًا‪.‬‬

‫لذا؛ ينبغي تحرير مفهوم لفظ (العرب) من القيود القومية وإرجاعه‬


‫إلى داللته كمفهوم إنساين يدل على المدح والصفاء والنقاء‪،‬‬
‫ويكون أساسًا اللتقاء األمم عليه‪ ،‬وعدم تسييسه‪ ،‬أو حصره‬
‫بقومية معينة؛ ليرجع إلى ممارسة دوره الفاعل اإلنساين‪ ،‬ويصبح‬
‫مفهوم لفظ (العربي) دا ً‬
‫ال على الثناء والتقدم والنهضة‪ ،‬وال عالقة‬
‫له ال من قريب وال من بعيد بصفة اإلنسان القومي الذي احتكر‬
‫بالمطلق مفهوم العربية لصالح أفكاره ونمط حياته وسلوكه‪.‬‬

‫لهذا ينبغي أن يزول من نفوس الشباب الشعور بالدونية من‬


‫انتمائهم العربي‪ ،‬وعليهم عدم محاولة إخفاء ذلك االنتماء من‬
‫لسان أعجمي‪ ،‬أو امتالك ورقة تدل على‬ ‫ٍ‬ ‫خالل االختباء وراء‬
‫أعجمية اإلنسان ونفي عربيته؛ ألن هذا مثله كمثل اإلنسان السليم‬
‫– عقالً ‪ -‬والذي يحاول التشبه بالمرضى النفسيين والعقليين يف‬
‫نمط سلوكهم وتصرفاهتم شاعر ًا بالخجل من سالمته النفسية‬
‫والعقلية بينهم!‪.‬‬

‫فقولي‪ :‬أنا إنسان عربي بصرف النظر عن القومية التي أنتمي‬


‫إليها‪ ،‬يعني أنني إنسان أصيل فطري‪ ،‬ذو أخالق وقيم إنسانية‪،‬‬
‫منسجم مع الكون‪ ،‬ونفي صفة العربي عن اإلنسان‪ ،‬تدل على‬
‫أنه إنسان أصابته العجمة والفساد تفكير ًا وسلوكًا‪ ،‬وهو يعيش‬

‫‪28‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫بصورة مخالفة للفطرة ومفسدة للبيئة والطبيعة من حيث المآكل‬


‫والمشرب والمسكن والملبس ونمط الحياة بصورة عامة‪ ،‬وهبذا‬
‫يتحول إلى إنسان أعرابي‪ 3‬مفسد ومخرب ومتخلف‪.‬‬

‫كلمة أعرابي من الفعل الرباعي أعرب‪ ،‬ودخول همزة اإلزالة عليه عكست داللة الفعل الثالثي عرب‪،‬‬ ‫‪3‬‬
‫ونفت داللتها عن اإلنسان‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫مفهوم الرجال و مفهوم النساء‬


‫﴿الرج ُال َقوامو َن ع َلى النِّس ِ‬
‫اء﴾ (النساء ‪)34 /‬‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ ْ َ‬ ‫ِّ َ‬

‫القرآن كالم اهلل الذي نزل بلسان عربي مبين‪ ،‬والفرق بين كالم‬
‫الم َت َك ِّل َمين‪ ،‬فالنص القرآين له‬
‫اهلل‪ ،‬وكالم الناس كالفرق بين ُ‬
‫صفاته وقواعده الخاصة التي بموجبها تتم دراسته وفهمه‪.‬‬

‫ومن أخطر األمور التي سببت تخلف المسلمين‪ ،‬وحالت بينهم‬


‫ورق ِّيهم‪َ ،‬تبنيهم مقولة إمكانية وجود لفظين مختلفين‬
‫وبين هنضتهم ُ‬
‫بالمبنى لهما المعنى ذاته‪ ،‬وهذه القضية هي التي اشتهرت ً‬
‫خطأ يف‬
‫كتب النحو باسم الترادف‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫(سنَّةٌ‪َ ،‬ح ِد ْي ٌث)‪َ ( ،‬أ َرا َد‪َ ،‬شا َء)‪( ،‬ن ََز َل‪َ ،‬ه َب َط)‪،‬‬ ‫( َق َعدَ ‪َ ،‬ج َل َس)‪ُ ،‬‬
‫(والِدٌ ؛ َأ ٌب) …الخ‬ ‫ف)‪َ ،‬‬ ‫( َب َش ٌر‪ ،‬إِن َْس ٌ‬
‫ان)‪َ ( ،‬قا َم‪َ ،‬و َق َ‬

‫وأصابت هذه المقولة دراسة النص القرآين بمقت ٍل من حيث الفهم‬


‫والتدبر‪ ،‬ألن الكلمات صارت تحل بعضها بدل بعض‪ ،‬وضاع‬
‫المفهوم القرآين بين غيابات تطابق دالالت الكلمات المختلفة‬
‫بالمبنى!‬

‫‪30‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫وهذه المقولة باطلة على صعيد الواقع الكوين والنص القرآين‬


‫معًا‪.‬‬

‫والصواب تبني القاعدة الذهبية التي تقول‪« :‬إذا اختلف المبنى‬


‫اختلف المعنى»‪ .‬والتي تعني أن كل مبنى من الكالم له مفهوم‬
‫خاص به َو ْف َق المبنى الذي يتشكل منه‪ ،‬مثل بصمة أصبع اإلنسان‪،‬‬
‫وهذا المفهوم للفظ هو ثابت من حيث الجذر‪ ،‬لكنه متحرك من‬
‫حيث المعنى َو ْف َق مقصد المتكلم‪ ،‬مثل‪ :‬لفظ «كتب» الذي يدل‬
‫على قيام اإلنسان بجمع شيء متجانس‪.‬‬

‫وهذا المفهوم ثابت لسانًا ومتحرك من حيث المعنى الذي يريده‬


‫المتكلم وفق سياق معين‪.‬‬

‫لنرى أمثلة على ذلك يف الواقع كي نضع يدنا على المفهوم الثابت‪،‬‬
‫والمعنى المتحرك‪.‬‬

‫َاب)‪ :‬اسم للشيء الذي يتم فيه جمع األمر المتجانس‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫(كت ٌ‬
‫ُيشرتط أن يكون ماديًا مثل الكتب الورقية المعروفة‪ ،‬بل يمكن‬
‫أن يكون معنويًا مثل إتمام عقد النكاح بين طرفين‪.‬‬

‫نقول‪َ :‬ك َت ْبنَا كِتَا َب ُه‪.‬‬

‫ويمكن يف الكتاب الواحد أن يتضمن عدة كتب‪ ،‬مثل كتاب الفقه‬


‫الذي يحوي كتاب الصالة‪ ،‬وكتاب الزكاة‪ ،‬وكتاب الصيام‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫(م ْك َت َبةٌ)‪ :‬كلمة تدل على الشيء الذي يضم ويحتوي على‬
‫َ‬
‫مجموعة من الكتب‪.‬‬

‫(كَتِ ْي َبةٌ)‪ :‬كلمة تدل على مجموعة من الناس اجتمعوا على أمر‬
‫معين‪.‬‬

‫(م ْكت ٌ‬
‫َب)‪ :‬كلمة تدل على مكان يحتوي على أدوات لصنع شيء‪،‬‬ ‫َ‬
‫أو إدارته‪ ،‬مثل مكتب محاماة أو مكتب تجاري‪.‬‬

‫َب) الذي يدل على الجمع المتجانس‬ ‫المالحظ أن مفهوم ( َكت َ‬


‫هو ثابت يف كل االستخدامات‪ ،‬وكيف أن معناه متحرك حسب‬
‫المعنى الذي يقصده المتكلم من حيث اختالف الزمان نحو‪:‬‬
‫ُب ‪ُ -‬ا ْكت ْ‬
‫ُب)‪ ،‬أو اختالف المكان أو الوظيفة نحو‬ ‫َب ‪َ -‬ي ْكت ُ‬ ‫( َكت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫( َم ْكت ٌ‬
‫َب ‪ -‬كَت ْي َب ٌة ‪ -‬كت ٌ‬
‫َاب)‪.‬‬

‫وهذا يوصلنا إلى قاعدة‪ :‬ثبات المفهوم اللساين كجذر وتحرك‬


‫المعنى حسب السياق وهي أصل لقاعدة‪( :‬إذا اختلف المبنى‬
‫اختلف المعنى) ومن خالل هاتين القاعدتين ينبغي دراسة النص‬
‫القرآين دراسة بعيدة ُبعد المشرقين عن المفهوم الخاطئ للرتادف‬
‫جر على األمة من ويالت‪.‬‬‫والتطابق وما َّ‬

‫‪32‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫أمثلة على اختالف مفهوم الكلمات إذا اختلف‬


‫مبناها‪:‬‬
‫(والِدٌ َأ ْو َوالِدَ ةٌ)‪ :‬كلمة تدل على خروج شيء من شيء‪ ،‬فكل‬
‫َ‬
‫شيء تولد من شيء فاألول والد والثاين مولود (الزيت ‪ -‬زيت‬
‫الزيتون ‪ -‬مولود‪ ،‬والوالد هو الزيتون وهكذا‪ )..‬ومن أمثلة ذلك‬
‫عملية الوالدة المعروفة‪.‬‬

‫( َأ ٌب) ‪ :‬كلمة تدل على الجهة التي تقوم بالرتبية والعناية بالشيء‪.‬‬

‫( ُأ ٌّم)‪ :‬كلمة تدل على المركزية واألصل والتجمع المتصل‪ ،‬مثل‬


‫المرأة التي تقوم بضم ولد لها والحفاظ عليه وحمايته‪.‬‬

‫(و َلدٌ )‪ :‬هو الذي خرج من شيء آخر فيكون هذا األخير والد ًا له‪.‬‬
‫َ‬
‫﴿و َوالِ ٍد َو َما َو َلدَ ﴾(البلد ‪)3 /‬‬
‫َ‬
‫(اِ ْب ٌن)‪ :‬هو الذي تم صنعه وصياغته أو تربيته وتنميته بشكل معين‪،‬‬
‫فيكون الذي صنعه وصاغه ورباه ونماه َأ َبًا َل ُه َأ ْو ُأ َّمًا‪.‬‬

‫والمالحظ أنه يوجد فروق بين الكلمات والعالقات التي تتشكل‬


‫بينها؟‬

‫فالوالد هو أب بداية كونه صاحب النطفة‪ ،‬و يمكن أن يضيف‬


‫لنفسه صفة األب تربويًا‪ ،‬ويصير والد ًا وأبًا يف وقت واحد إذا قام‬
‫برتبية ولده‪ ،‬ويصير الولد بذلك ا ْبنًَا له‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ويمكن أن يموت الوالد أو يوقف عملية تربية ولده لظرف ما‪،‬‬


‫فيكون ولده ولكن ليس ابنه! وإنما ابن لمن قام برتبيته؛ سواء‬
‫أكان َع َّم ُه أم خاله أم غيرهم من الناس‪ ،‬فالوالد هو صاحب‬
‫النطفة‪ ،‬واألب هو الذي يقوم بالعناية والرتبية‪.‬‬

‫بمعنى آخر؛ الوالدة وظيفة بيولوجية موجودة يف كل الكائنات‬


‫الحية‪ ،‬أما األُ ُب َّو ُة فهي وظيفة إنسانية ثقافية بحتة‪.‬‬

‫فهل أنتم مجرد َوالِ ِديِ َن ألوالدكم‪ ،‬أم مارستم صفة األبوة على‬
‫أوالدكم فصرتم لهم آباء‪ ،‬وصاروا لكم أبناء؟‬

‫فكم من وجود ولد يتيم رغم حياة والده! فهو يتيم لكون والده ال‬
‫يمارس صفة األبوة عليه! ألن ا ْل ُيت َْم هو فقدان لألب الوالد‪.‬‬

‫إذ ًا ليس كل والد أب بالضرورة‪ ،‬ألن اإلنسان قد يفقد والده‬


‫لسبب ما‪ ،‬ويتبناه آخر فيكون أبًا له‪ ،‬كما يمكن أن يكون الوالد‬
‫هو نفسه أبًا‪.‬‬

‫فمقام الوالد ال يتعدد‪ ،‬بينما مقام األب يمكن أن يتعدد‪ ،‬فيصير‬


‫للولد أبًا يف الرتبية‪ ،‬وأبًا يف التعليم‪ ،‬وأبًا آخر يف العناية والمعيشة‬
‫وهكذا داوليك‪.‬‬

‫وما ذكرته من فروقات وعالقات بين الوالد واألب ينطبق أيضًا‬


‫على الوالدة واألم‪ ،‬فيمكن أن تكون المرأ ُة والد ًة و ُأ َّمًا يف وقت‬

‫‪34‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫واحد‪ ،‬ويمكن أن تكون والد ًة فقط‪ ،‬ويكون للولد أ ٌّم أخرى‪ ،‬مثل‬
‫أن تكون خالته أو عمته‪ ،‬أو امرأة أخرى أشرفت على تربيته أو‬
‫العناية به كاألم المرضعة‪ ،‬أو المعلمة التي تقوم بتدريسه وتعليمه‬
‫وتثقيفه‪.‬‬

‫فلينظرن الوالدات هل هن أمهات ألوالدهن‪ ،‬أم هن مجرد‬


‫والدات فقط قد تركن مقام األمومة لغيرهن وصار األوالد ُل َط َما َء‬
‫رغم وجود والدهتن؟ (اللطم هو فقدان المولود ألمه التي ولدته)‪.‬‬

‫إن الجنس اإلنساين له صورتين أو نوعين يف الوجود‪ ،‬أحدهما‬


‫ذكر‪ ،‬واآلخر أنثى‪ ،‬لنرى تعريف كل منهما‪:‬‬

‫كلمة ( َذك ٌَر) تدل على دفع فعل بشكل شديد ملتصق مع ضغط‬
‫خفيف منته بتكرار‪ ،‬وظهر هذا المفهوم بالوظيفة الجنسية التي‬
‫يقوم هبا هذا الكائن َف ُس ِّمي َذك ََر ًا سواء أكان عاقالً أم هبيمة‪ ،‬وهي‬
‫تسمية نَوعية ووظيفية فاعلة ليس إ َّ‬
‫ال‪.‬‬
‫كلمة ُ‬
‫(أ ْن َثى) تدل على ظهور خفيف متوقف وسرت واختباء مدفوع‬
‫بشكل ملتصق خفيف منته بإثارة وامتداد زماين ومكاين معًا‪.‬‬

‫وظهر ذلك المفهوم بوظيفة النوع الذي يحتضن نتيجة الدفع‬


‫الشديد للذكر فسمي أنثى سواء أكان عاقالً أم هبيمة‪ ،‬فهي تسمية‬
‫نَوعية ووظيفية منفعلة أيضًا ليس إ َّ‬
‫ال‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫والعالقة بينهما عالقة زوجية تكاملية يف الوظيفة والحياة؛ ال‬


‫عالقة تفاضل‪ ،‬فليس الذكر أفضل من األنثى‪ ،‬وال األنثى أفضل‬
‫من الذكر‪ ،‬ومثلهما كمثل َفلقتي حبة الفول‪ ،‬فالواحدة منهما ال‬
‫تسمى حبة فول وال يمكن أن تستمر يف الحياة وحدها‪ ،‬وال يصح‬
‫السؤال أيهما أفضل؟ ألن لكليهما ذات القيمة واألهمية‪ ،‬وكذلك‬
‫ال يصح السؤال أي منهما ُوجد قبل اآلخر؟ ألن كليهما ُوجدا‬
‫معًا يف وقت واحد‪.‬‬

‫ومثلهما أيضًا كمثل عالقة اليدين معًا‪ ،‬فاليد اليمنى هي زوج‬


‫لليد اليسرى‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬والعالقة بينهما عالقة تكامل‬
‫يف الوظيفة ال عالقة تفاضل‪ ،‬والتفاضل بينهما لم يأت من صفة‬
‫اليمين أو اليسار‪ ،‬وإنما أتى من حالة التفعيل والفاعلية‪ ،‬فمن‬
‫يعتمد يف حركته وعمله على اليد اليمنى تكون بالنسبة إليه هي‬
‫األفضل‪ ،‬ومن يعتمد على اليد اليسرى تكون هي األفضل بالنسبة‬
‫إليه وهكذا‪ ،‬فاألمر يتعلق بالفاعلية وليس بالنوعية‪ ،‬رغم أن‬
‫األفضل أن يكون اإلنسان بنوعيه (ذكر ًا وأنثى) كليهما فاعالً يف‬
‫الحياة االجتماعية مثل فلقتي حبة الفول‪.‬‬

‫بعد هذا المدخل نستطيع أن ندرس مفهوم الرجال والنساء يف‬


‫القرءان من منطلق أن كليهما إنسان‪ ،‬مستخدمين القاعدتين‬
‫المذكورتين وهما‪:‬‬

‫أ ‪ -‬ثبات المفهوم لسانًا وتحرك المعنى َو ْف َق اختالف السياق‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ب ‪ -‬إذا اختلف المبنى اختلف المعنى‪.‬‬

‫(ر َجل) يف اللسان العربي تدل على فعل يصدر من الكائن‬


‫كلمة َ‬
‫الذي يتحرك بصورة مستمرة مع بذل الجهد بصورة الزمة‪.‬‬

‫َرجل‪ ،‬بمعنى النزول عن مركوبه‬


‫ومن هذا الوجه يقال للراكب‪ :‬ت َّ‬
‫وس ِّم َيت األرجل من هذا الباب‪ ،‬وال يصح‬
‫والسير على قدميه‪ُ ،‬‬
‫تسمية قوائم الطاولة أرجالً‪.‬‬

‫انظروا إلى قوله تعالى‪:‬‬

‫ون بِ َها؟ َأ ْم َل ُه ْم َأ ْي ٍد َي ْبطِ ُش َ‬


‫ون بِ َها؟﴾‬ ‫﴿أ َل ُه ْم َأ ْر ُج ٌل َي ْم ُش َ‬
‫َ‬
‫(األعراف‪)195/‬‬

‫﴿واهللُ َخ َل َق ك َُّل َدا َّب ٍة ِمن َّماء َف ِمن ُْهم َّمن َي ْم ِشي َع َلى َب ْطن ِ ِه َو ِمن ُْهم َّمن‬
‫َ‬
‫َي ْم ِشي َع َلى ِر ْج َل ْي ِن﴾ (النور‪)45‬‬

‫ويقال لإلنسان (ذكر ًا كان أو أنثى) َر ُجل‪ ،‬إذا كان يف شؤون حياته‬
‫يعتمد على نفسه‪ ،‬فاألنثى العاملة والمنتجة هي رجل يف معيشتها‪،‬‬
‫(الر ُج َلةُ) يف لسان العرب‪ .‬و ال تنسوا أن النحلة األنثى‬
‫ويقال لها َّ‬
‫هي العاملة يف الخلية وهي التي تنتج العسل‪ ،‬بينما النحلة الذكر‬
‫وظيفتها اللقاح فقط‪ ،‬وكالهما البد منهما‪.‬‬

‫إذ ًا فكلمة (رجل) ال عالقة لها بنوع اإلنسان ذكر ًا كان أو أنثى‪،‬‬
‫وإنما عالقتها بالوعي والفاعلية االقتصادية لكل منهما‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫(ر ُج ٍل)‬
‫لنرى استخدام القرءان لكلمة َ‬
‫أتت كلمة (رجل) بمعنى الذكور البالغين الراشدين العاملين‪:‬‬

‫ول اهلل ِ َو َخات ََم‬


‫َان ُم َح َّمدٌ َأ َبا َأ َح ٍد ِّمن ِر َجالِك ُْم َو َلكِن َّر ُس َ‬
‫﴿ما ك َ‬
‫َّ‬
‫ال َّنبِ ِّيينَو﴾ (األحزاب‪)40‬‬
‫الر َج َال َش ْه َو ًة ِّمن ُد ِ‬
‫ون الن َِّساء َب ْل َأنت ُْم َق ْو ٌم ُّم ْسرِ ُف َ‬
‫ون﴾‬ ‫﴿إِ َّنك ُْم َلت َْأت َ‬
‫ُون ِّ‬
‫(األعراف ‪)81‬‬

‫لو كان القصد هو إتيان الذكور فقط ألتت كلمة ( ُذك ُْو ٌر) أو‬
‫(ر َج ٌال) أفادت الذكور‬ ‫األوالد الذكور‪ ،‬لكن مجيء كلمة ِ‬
‫البالغين العاملين‪ ،‬وخرج من مفهومها اإلناث البالغات بداللة‬
‫مجيء كلمة (نساء) التي دلت على المتأخرين من نوع اإلناث‬
‫البالغات حسب السياق المتعلق بالممارسة الجنسية‪.‬‬

‫(ر ُج ٍل) تشمل الذكور البالغين العاملين و اإلناث‬


‫أتت كلمة َ‬
‫البالغات العامالت معًا‪:‬‬

‫﴿ما َج َع َل اهللُ لِ َر ُج ٍل ِّمن َق ْل َب ْي ِن فِي َج ْوفِ ِه﴾(األحزاب ‪)4 /‬‬ ‫َّ‬


‫ِ‬ ‫﴿فِ ِيه ِرج ٌال ي ِ‬
‫ين﴾‬ ‫ب ا ْل ُم َّط ِّهرِ َ‬ ‫ون َأن َي َت َط َّه ُرو ْا‪َ ،‬وال ّل ُه ُيح ُّ‬‫ح ُّب َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫(التوبة‪)108/‬‬
‫ج ِّن َفزَا ُد ُ‬
‫وه ْم‬ ‫ون بِرِ َج ٍ‬
‫ال ِّم َن ا ْل ِ‬ ‫نس َي ُعو ُذ َ‬ ‫َان ِر َج ٌال ِّم َن ْ ِ‬
‫اإل ِ‬ ‫﴿و َأ َّن ُه ك َ‬
‫َ‬
‫َر َهقًا﴾ (الجن ‪)6 /‬‬

‫‪38‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ين ِمن‬‫ِ ِ‬
‫ُوك ِر َجاالً َو َع َلى ك ُِّل َضامرٍ َي ْأت َ‬ ‫﴿و َأ ِّذن فِي الن ِ‬
‫َّاس بِا ْل َح ِّج َي ْأت َ‬ ‫َ‬
‫يق﴾ (الحج ‪)27‬‬ ‫ك ُِّل َف ٍّج َع ِم ٍ‬

‫إن ِخ ْفت ُْم َفرِ َجاالً َأ ْو ُر ْك َبانًا‪َ ،‬فإِ َذا َأ ِمنت ُْم َفا ْذك ُُروا ال ّل َه ك ََما َع َّل َمكُم‬
‫﴿ َف ْ‬
‫َّما َل ْم َتكُونُو ْا َت ْع َل ُم َ‬
‫ون﴾ (البقرة ‪)239 /‬‬

‫إذ ًا كلمة َ‬
‫(ر ُجلٍ) لها صورتين يف االستخدام‪:‬‬

‫‪ .‬الذكور البالغين العاملين فقط‪.‬‬

‫‪ .2‬الذكور البالغين العاملين واإلناث البالغات العامالت‬


‫مجتمعين أو متفرقين‪.‬‬

‫وهذا يعني أن ليس كل ذكر هو رجل‪ ،‬وليس كل رجل ذكر ًا‬

‫َّرجل وصف حال فعل اإلنسان سواء‬‫أما فعل َر َجل فهو من الت ُّ‬
‫أكان ذكر ًا أو أنثى إذا اعتمد يف سيره على قدميه واسم الفاعل‬
‫راجل وجمعه راجلون‪.‬‬

‫وصلنا اآلن إلى كلمة النساء‪ ،‬فعلى ماذا تدل؟‬

‫إن كلمة النساء جمع‪ ،‬ومفردها نسيء‪ ،‬وهي تدل على التأخر أو‬
‫اإلضافة‪.‬‬

‫وأصاب ابن منظور يف لسان العرب عندما نقل يف معرض كالمه‬


‫قول أحد أئمة اللسان‪« :‬امرأة نسيء‪ ،‬ونسوة نساء»‬

‫‪39‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫وذلك إذا كانوا مظنة الحمل‪ .‬وتم استخدام كلمة (نساء) جمع‬
‫لكلمة (امرأة) لتحقق صفة التأخر فيها غالبًا أثناء الحروب‬
‫واألخطار‪ ،‬وعدم السعي يف الحياة لتأمين لقمة العيش لألسرة‬
‫بسبب طبيعتها الوظيفية األنثوية من حيث الوالدة والضعف‬
‫الجسمي‪ ،‬وصلتها المباشرة مع أوالدها‪ ،‬وأهمية وجودها يف‬
‫األسرة كأم تمارس اإلشراف والرتبية على األوالد‪ ،‬فالواقع‬
‫المعيشي هو الذي وضع المرأة يف بيتها لتمارس دورها العظيم‪،‬‬
‫وتحفظ البيت (العالقات) من أن ينهار‪ ،‬وترجع إلى الخط الثاين‬
‫لتمد األول بالمعونة‪ ،‬فهي مركز إمداد أسري ومجتمعي‪.‬‬

‫إذ ًا؛ كلمة المرأة ُجمعت بكلمة النساء من غير جنسها‪ ،‬لكوهنا‬
‫أحد عناصر داللة كلمة النساء يف الواقع‪ ،‬وذلك ليس انتقاصًا‬
‫منها ومن مكانتها‪ ،‬وإنما هو تعبير عن أهميتها‪ ،‬وأيضًا لحمايتها‬
‫من مصاعب المعيشة وأهوالها‪ ،‬وإقدام الرجل الذكر إلى اقتحام‬
‫األهوال والمصاعب تضحية وحبًا منه لها‪ ،‬فهي والدته‪ ،‬وأخته‪،‬‬
‫وابنته‪ ،‬وزوجته‪ ،‬وخالته وعمته…الخ‪.‬‬

‫فكلمة نساء جمع لكلمة نسيء أصالً‪ ،‬وهي صفة ال عالقة لها‬
‫بالنوع اإلنساين ذكر ًا أو أنثى‪ ،‬وإنما عالقتها بفعل التأخر لكل‬
‫منهما‪.‬‬

‫لنرى كيف استخدم القرآن كلمة (نساء)‪:‬‬

‫‪40‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫أتت كلمة (نساء) بمعنى التأخر واإلضافة فقط‪.‬‬

‫ين َوا ْل َقنَاطِيرِ ا ْل ُم َقن َط َر ِة‬‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫الش َه َوات م َن الن َِّساء َوا ْل َبن َ‬
‫ب َّ‬ ‫﴿ز ُِّي َن لِلن ِ‬
‫َّاس ُح ُّ‬
‫َاع‬
‫ك َمت ُ‬ ‫ث َذلِ َ‬ ‫ب وا ْل ِف َّض ِة وا ْلخَ ي ِل ا ْلمسوم ِة واألَ ْنعا ِم وا ْلحر ِ‬
‫َ ْ ُ َ َّ َ َ َ َ َ ْ‬ ‫الذ َه ِ َ‬ ‫ِم َن َّ‬
‫آب﴾ (آل عمران ‪)14‬‬ ‫ا ْل َح َي ِاة الدُّ ْن َيا َوال ّل ُه ِعندَ ُه ُح ْس ُن ا ْل َم ِ‬

‫(زين للناس) خطاب للناس عمومًا ذكور ًا وإناثًا‪ ،‬مؤمنين‬‫كلمة ُ‬


‫الشهو ِ‬
‫ات) رغبة الناس يف إشباع‬ ‫ب َّ َ َ‬‫(ح ُّ‬
‫وكافرين‪ ،‬وقوله‪ُ :‬‬
‫شهواهتم وميولهم‪ ،‬وقوله (من النساء) ال يمكن أن تأيت كجمع‬
‫لإلناث البالغات‪ ،‬ألن اإلناث مشمولون يف الخطاب بقوله‪( :‬زين‬
‫للناس)‪ ،‬ولو حصل ذلك لصار الذكور يشتهون اإلناث‪ ،‬وهذا‬
‫شيء طبيعي‪ ،‬واإلناث يشتهون اإلناث وهذا شيء غير طبيعي!‬
‫وهي من الفواحش المحرمة يف الشريعة‪ ،‬فماذا فعل بعض‬
‫المفسرين للهروب من هذا المأزق!؟‬

‫قالوا‪ :‬إن كلمة (الناس) يف صدر النص ال تشمل اإلناث‪ ،‬وإنما‬


‫تخص الذكور فقط‪ ،‬فوقعوا يف مأزق آخر بسبب هذا التفسير‪،‬‬
‫وهو نفي الزينة وحب الشهوات عن اإلناث‪ ،‬وفاهتم أن كلمة‬
‫َ‬
‫واإلناث‪ ،‬المؤمنين‬ ‫الذكور‬
‫َ‬ ‫(الناس) يف القرءان تشمل ضرورة‬
‫واإلنس‪ ،‬انظروا إلى قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫والكفار‪ ،‬الج َن‬
‫َ‬
‫َّاس﴾ ﴿إِ َل ِه الن ِ‬
‫َّاس﴾‬ ‫َّاس﴾ ﴿م ِل ِ‬
‫ك الن ِ‬ ‫َ‬ ‫﴿ ُق ْل َأ ُعو ُذ بِ َر ِّب الن ِ‬
‫(الناس‪)3-1‬‬

‫‪41‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ول ال ّل ِه إِ َل ْيك ُْم َج ِميعًا﴾‬ ‫﴿ ُق ْل َيا َأ ُّي َها الن ُ‬


‫َّاس إِنِّي َر ُس ُ‬
‫(األعراف‪)158/‬‬

‫ولو أهنم أرجعوا داللة كلمة (نساء) لمفردها (نسيء) لوصلوا إلى‬
‫الصواب وعرفوا تفسيرها دون أن يتدخلوا يف بنية النص القرآين‬
‫قصًا ولصقًا‪ ،‬تدليسًا وتلبيسًا‪ ،‬تحريفًا وتحوير ًا‪.‬‬

‫والنص من حيث الداللة صريح يف أن الناس بكافة أنواعهم‬


‫وأجناسهم ُز ِّين لهم حب الشهوات «وهذا شيء طبيعي بالنسبة‬
‫للرتكيبة السيكولوجية لإلنسان‪ ،‬ومن الشهوات التي ُز ِّينت لهم من‬
‫النساء هي شهوة االمتالك أو الحصول على آخر األشياء ظهور ًا‬
‫وأحدثها‪ ،‬وهذا قانون اقتصادي تقوم عليه التجارة والتسويق‪،‬‬
‫ولوال ذلك لكفى المدينة الكبيرة معمل واحد من القمصان مثالً‪،‬‬
‫أو السيارات‪ ،‬وقل مثل ذلك يف األسواق والشركات وما إلى‬
‫ذلك‪.‬‬

‫فالذي يجعل الناس يتنافسون ويتدافعون ويرغبون بشراء أحدث‬


‫اإلصدارات من البضائع والصناعات هو قانون حب الشهوات‬
‫من النساء!‬

‫يف هناية المطاف وصلنا إلى دراسة النص المعني بالدراسة‪ ،‬والبد‬
‫من استحضار كل المعطيات التي ذكرهتا آنفًا‪.‬‬

‫ون َع َلى الن َِّساء بِ َما َف َّض َل ال ّل ُه َب ْع َض ُه ْم َع َلى َب ْع ٍ‬


‫ض‬ ‫﴿الر َج ُال َق َّو ُام َ‬
‫ِّ‬

‫‪42‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ب بِ َما‬ ‫َات َحافِ َظ ٌ‬


‫ات ِّل ْل َغ ْي ِ‬ ‫ات َقانِت ٌ‬ ‫الصالِ َح ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوبِ َما َأن َف ُقو ْا م ْن َأ ْم َوال ِه ْم‪َ ،‬ف َّ‬
‫وه َّن فِي‬ ‫وه َّن َو ْاه ُج ُر ُ‬
‫ِ‬
‫ون ن ُُشوز َُه َّن َفع ُظ ُ‬ ‫َح ِف َظ ال ّل ُه‪َ ،‬والالَّتِي تَخَ ا ُف َ‬
‫وه َّن َفإِ ْن َأ َط ْعنَك ُْم َفالَ َت ْبغُو ْا َع َل ْي ِه َّن َسبِيالً إِ َّن ال ّل َه‬‫اضرِ ُب ُ‬
‫اج ِع َو ْ‬ ‫ا ْل َم َض ِ‬
‫َان َع ِل ّيًا َكبِير ًا﴾ (النساء ‪.)34 /‬‬ ‫ك َ‬

‫ون َع َلى الن َِّساء‪ ،‬ولم يذكر الذكور‬


‫الر َجال َق َّوا ُم َ‬
‫ذكر النص أن ِّ‬
‫قوامون على اإلناث‪ ،‬ولو حصل ذلك النتهى النقاش وظهر لنا‬
‫المعنى تمامًا!‬

‫فمن خالل استحضار الذهن لمعاين كلمة الرجال والنساء التي‬


‫مرت آنفًا‪ ،‬ينبغي أن نبحث عن قرينة يف النص لتحديد المراد‬
‫منهما بالضبط؟‬
‫يوجد يف النص عبارة تقول‪( :‬بِ َما َف َّض َل ال ّل ُه َب ْع َض ُه ْم َع َلى َب ْع ٍ‬
‫ض)‪،‬‬
‫والتفضيل ال يمكن أن يكون خلقًا كما ذكرت سابقًا من حيث‬
‫أن الذكر واألنثى كالهما إنسان ال تفاضل بينهما قط‪ ،‬مما يدل‬
‫على أن التفضيل اكتسابي من خالل المجتمع‪ ،‬وذلك يتعلق بما‬
‫اكتسبه اإلنسان يف حياته ومحيطه من علم وثقافة ووعي‪ ،‬وذلك‬
‫تحت متناول يد اإلنسان سواء أكان ذكر ًا أم أنثى‪.‬‬

‫ين َال َي ْع َل ُم َ‬ ‫﴿ ُق ْل ه ْل يست َِوي ا َّل ِذين يع َلم َ ِ‬


‫ون﴾‬ ‫ون َوا َّلذ َ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َ َْ‬
‫(الزمر ‪.)9 /‬‬

‫‪43‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫(وبِ َما َأن َف ُقو ْا ِم ْن َأ ْم َوالِ ِه ْم) واألموال‬


‫ونالحظ وجود عبارة تقول‪َ :‬‬
‫ال تأيت مع اإلنسان والدة‪ ،‬وإنما تأيت اكتسابًا من العمل والجهد‬
‫أو الوراثة‪ ،‬فاإلنسان الذي يملك يف األسرة (ذكر ًا كان أم أنثى)‬
‫الوعي والمال يملك بالضرورة القرار والقيادة‪.‬‬

‫ومن خالل القرينتين ‪ -‬الوعي والمال ‪ -‬تكون داللة كلمة الرجال‬


‫والنساء من نوع المقامات االجتماعية‪ ،‬بمعنى أن الرجال هم الفئة‬
‫من الناس ذكور ًا كانوا أم إناثًا‪ ،‬فإذا امتلك بعضهم الوعي والمال‬
‫صار بيدهم زمام األمور‪ ،‬واكتسبوا مقام القوامة على الصنف‬
‫اآلخر الذي هو من فئة النساء بعمومها‪ ،‬المتأخرين سواء بالوعي‬
‫أم بالمال أم بسبب عوامل أخرى فرضت عليهم التأخر عن القيام‬
‫بشؤون أنفسهم‪.‬‬

‫رجل البيت إذا امتلكت الوعي‬ ‫َ‬ ‫وبإمكان المرأة أن تصير‬


‫الزوج من النساء‪ ،‬العتماده يف معيشته وقيادة‬
‫ُ‬ ‫والمال‪ ،‬ويصير‬
‫أسرته على امرأته‪ ،‬وباإلمكان أن يتقاسم الزوجان معًا ‪ -‬الذكر‬
‫واألنثى ‪ -‬قوامة البيت إذا اكتسب كل منهما الوعي والمال‪.‬‬
‫وبإمكاهنم االتفاق على دور القيادة واإلدارة‪ ،‬مع العلم بأن مقام‬
‫القيادة غالبًا ما يكون للرجل الذكر نتيجة إلفرازات المجتمع‬
‫واحتياجاته ومستوى الثقافة‪ ،‬وقد يجتمع المقامان يف واحد منهما‬
‫لغياب اآلخر نتيجة لظروف تخصه‪.‬‬

‫والقوامة من َق َوم وقام ويقوم قيامًا‪ ،‬وهي غير وقف التي تدل‬

‫‪44‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫على تسكين الحركة وانقطاعها على الحد األدنى‪ .‬بينما قام تدل‬
‫على حمل األمر وانجازه بوعي مستمر‪ ،‬والمسؤولية والعناية‬
‫مقام متحرك بين الذكور واإلناث َو ْف َق اكتساهبما له‪ ،‬وهو مقام‬
‫مسؤولية‪ ،‬وليس مقام تشريف أو ٍ‬
‫تعال على اآلخر أبد ًا‪.‬‬

‫والعالقة بين الذكر واألنثى عالقة تكامل إنساين وليست عالقة‬


‫تفاضل وال سيادة أو وصاية‪ ،‬وتقوم هذه العالقة على المساواة‬
‫َخلقًا ومواطنة وقانونًا‪ ،‬وعلى العدل االجتماعي بينهما الختالف‬
‫القدرات الجسمية والوظيفية‬

‫‪45‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫الخطوط العامة لفكر المشروع الثقافي‬

‫‪ - 1‬دعوة المشروع‪:‬‬
‫هي دعوة ثقافية اجتماعية تسعى إلى النهوض بالمجتمع من‬ ‫أ‪.‬‬
‫خالل العلم والمعرفة واألخالق والقيم والشعور باالنتماء‬
‫الوطني‪.‬‬

‫ب‪ .‬هي دعوة إنسانية اجتماعية هنضوية‪ ،‬وليست دينية‪ ،‬أو عرقية‪،‬‬
‫أو طائفية‪ ،‬وال هتدف للوصول إلى السلطة ودفة الحكم‪.‬‬

‫ت‪ .‬هي دعوة موجهة لكافة المجتمعات اإلنسانية للتفاعل مع‬


‫هذا الفكر الحر‪ ،‬وعليها أن تعمل على ترسيخ هذا الفكر‬
‫يف كل أصقاع األرض‪ ،‬كل وفق ما تقتضيه مصلحة الوطن‬
‫الذي ينتمي إليه‪.‬‬

‫ث‪ .‬هي دعوة ُمنفتحة ألقصى الحدود‪ ،‬على كل القوى الفاعلة‪،‬‬


‫والمؤسسات االجتماعية‪ ،‬شريطة أن تكون قائمة على‬
‫التعايش السلمي‪ ،‬واالنتماء الوطني‪.‬‬

‫ج‪ .‬هي دعوة هتدف إلى إقامة وإنشاء مشروعات يف كافة‬

‫‪46‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫مجاالت وقطاعات المجتمع‪ ،‬بحيث تكون قائمة على‬


‫التعايش اإليجابي‪ ،‬والتماسك الوطني‪ ،‬بغية التسريع‬
‫بمشروع النهضة العلمية اإلنسانية الحنيفية‪.‬‬

‫‪ - 2‬موقف الحنفاء من العنف واإلرهاب‪:‬‬


‫ُيدين الحنفاء كل أعمال العنف واإلرهاب‪ ،‬واالستعباد من‬ ‫أ‪.‬‬
‫أي جهة صدر ذلك‪ ،‬سواء من دولة عظمى‪ ،‬أو صغرى‪،‬‬
‫من سلطة أو من حزب‪ ،‬من جماعة أو من فرد‪ ،‬مهما كانت‬
‫الدوافع والحجج والمربرات‪.‬‬

‫ب‪ .‬ينظر الحنفاء إلى المقاومة ضد الظلم والعدوان الخارجي‪،‬‬


‫بكل صورها ابتداء من المقاومة السلمية إلى المقاومة‬
‫المسلحة‪ ،‬بأهنا مشروعة‪ ،‬و ُيرتك اختيار أسلوب المقاومة‬
‫لحيثيات الواقع‪ ،‬وتحقيق المصلحة؛ َوفق ُس َّلم األولويات‪،‬‬
‫وبشرط أن تكون المقاومة لها قيادة ثقافية وطنية سياسية‪،‬‬
‫وأن يكون أفرادها من أبناء المجتمع ذاته‪.‬‬

‫ت‪ .‬ينظر الحنفاء إلى أعمال العنف واإلرهاب أو المشاركة‬


‫بالقتال بين فئات المجتمع الواحد يف الوطن الواحد على‬
‫أهنا نوع من الفتنة وهي ممنوعة منعًا باتًا‪.‬‬

‫ث‪ .‬يمنع الحنفاء استخدام المقاومة المسلحة ضد السلطة من‬

‫‪47‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫المجتمع نفسه‪ ،‬وهذا ال يعني نفي المقاومة السلمية بكل‬


‫صورها (ثقافية‪ ،‬إعالمية‪ )..‬ضد االستبداد واالستعباد‪.‬‬

‫ج‪ .‬ينظر الحنفاء إلى األعمال اإلرهابية داخل الوطن يف‬


‫المجتمع الواحد؛ على أهنا أعمال تخريبية‪ ،‬ابتدا ًء من‬
‫اإلرهاب الفكري‪ ،‬وانتها ًء باإلرهاب المادي‪ .‬واستخدام‬
‫السالح ممنوع البتة سواء صدر عن السلطة ضد الشعب‪،‬‬
‫أو ضد فئة من الشعب‪ ،‬أو صدر من قبل فئة من الشعب؛‬
‫ضد فئة أخرى‪ ،‬أو ضد السلطة‪ ،‬فكل ذلك عمل إرهابي‬
‫تخريبي ُمدان‪ ،‬ألن النتيجة‪ ،‬هي هدم البنية التحتية‪ ،‬وترسيخ‬
‫لالستبداد‪ ،‬واالستعباد بصورة أو بأخرى‪.‬‬

‫‪ - 3‬موقف الحنفاء من الدين‪:‬‬


‫كون ثقايف أساسي للمجتمعات العربية‪ ،‬وبالتالي‬
‫أ‪ .‬اإلسالم ُم ّ‬
‫ينبغي أن يكون أساسًا ثقافيًا لفكر أي دعوة تهدف إلى‬
‫النهضة هبذه المجتمعات‪.‬‬

‫ب‪ .‬اإلسالم دين اهلل‪ ،‬وهو للناس جميعًا‪ ،‬بدأ بنوح‪ ،‬واستمر‬
‫إلى النبي إبراهيم الذي دشن الملة الحنيفية‪ ،‬وتابع بموسى‬
‫ال ببعث محمد ‪ -‬صلوات اهلل عليهم‬ ‫وعيسى‪ ،‬وانتهى إكما ً‬
‫كمالً وجام ًعا لما سبق‪ ،‬وليس‬
‫جميعًا ‪ ،-‬وقد نزل القرءان ُم ِّ‬
‫إقصائيًا رغم وجود نسخ لبعض األحكام الجزئية العينية‬

‫‪48‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫الخاصة بالقوم ‪ .‬وأحكامه تتصف باإلنسانية‪ ،‬و هي قائمة‬


‫على الرحمة والحدودية‪ ،‬وليس الحدَّ ية‪ ،‬لذا من الخطأ‬
‫شيوع مقولة (تعدد األديان السماوية) أو مقولة (األديان‬
‫اإلبراهيمية)‪.‬‬

‫ت‪ .‬الشرع اإلسالمي هو شرع تراكمي تواصلي تطوري قائم على‬


‫الثابت والمتغير‪ ،‬بدأ نزوله بنوح‪ ،‬واستمر بإبراهيم‪ ،‬وموسى‬
‫وعيسى‪ ،‬وتم نسخ األحكام العينية واآلصار وانتهى متكامالً‬
‫بنزول القرءان ‪ ،‬وصار الكتاب الجامع والمكمل لما سبق‪،‬‬
‫والذي قضى بختم النبوة‪.‬‬

‫ث‪ .‬جميع أتباع األنبياء والرسل دينهم اإلسالم‪ ،‬وشرعهم‬


‫إسالمي يف جانب‪ ،‬وقومي يف جانب آخر‪ ،‬لذا من الخطأ‬
‫الدعوة لتقارب األديان أو المذاهب‪ ،‬والصواب الدعوة إلى‬
‫التعايش اإليجابي وفق رؤى ثقافية مختلفة‪.‬‬

‫ج‪ .‬مقياس الشرع هو العلم والبينات‪ ،‬وما ينفع الناس‪.‬‬

‫‪ .‬فكرة الخالص والنجاة يف اآلخرة؛ ليست حكر ًا على أي‬


‫أحد من أتباع أي نبي أو رسول‪ ،‬أو أي توجه وانتماء بعينه‪،‬‬
‫وإنما هي متاحة للجميع‪ ،‬شرط االلتزام بالضوابط العقلية‬
‫والمنطقية وإفرازاهتا العلم واإليمان والعمل الصالح‪.‬‬

‫‪( .‬إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن‬

‫‪49‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫باهلل واليوم اآلخر وعمل صالحًا فلهم أجرهم عند ربهم وال‬
‫خوف عليهم وال هم يحزنون) (البقرة ‪)62 /‬‬

‫د‪ .‬القرءان مصدر الدين لتثبيت مفاهيم إيمانية أو تأسيس‬


‫أحكام شرعية أو ذكر وقص أخبار غيبية‪.‬‬

‫ذ‪ .‬السنة تعني الطريقة وهي مصدر عملي تابع لحكم تعبدي‬
‫نزل حكمه يف القرءان‪.‬‬

‫ر‪ .‬الحديث الذي ُينسب للنبي هو مصدر معريف تاريخي‪ ،‬اليصح‬


‫تأسيس مفهوم إيماين أو حكم شرعي أو خرب غيبي منه‪،‬‬
‫ويجب أن ُيدرس وفق رؤية قرءانية علمية منطقية‪.‬‬

‫‪ - 4‬موقف الحنفاء من الدولة‪:‬‬


‫أ‪ .‬القرآن مصدر توجيه علمي؛ وتشريعي أساسي؛ وهو ّأولي‬
‫من مصادر التشريع الدستوري والقانوين‪ ،‬التي هي‪ :‬العلم‪،‬‬
‫التاريخ‪ ،‬العرف‪ ،‬الثقافة‪ ،‬المصلحة العامة‪ ،‬التفكير‪.‬‬

‫ب‪ .‬ينظر الحنيف إلى عالقة الدين بالدولة‪ ،‬على أهنا عالقة‬
‫جدلية يؤثر كل منهما يف اآلخر‪ ،‬وهي غير قائمة على الدمج‪،‬‬
‫وال على الفصل‪ ،‬وإنما على االنسجام والتكامل‪ ،‬فالدين‬
‫ُم ّكون ثقايف إنساين للمجتمع‪ ،‬فهو موجود قبل الدولة‪ ،‬ومع‬
‫الدولة وسيستمر بعد موت الدولة‪ ،‬فهو يؤسس للمجتمع‬

‫‪50‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ثقافة محددة عن اإلنسان والكون والحياة‪ ،‬وعالقتهم‬


‫ببعضهم بعضًا‪ ،‬وينبثق من هذه النظرة الثقافية شرع حدودي‬
‫كلي ثابت‪ ،‬قائم على اإلنسانية‪ ،‬والعالمية‪ .‬و َيدَ ع للمجتمع‬
‫حرية التحرك يف فضاء المتغيرات‪َ ،‬وفق المحور الثابت‪،‬‬
‫ليختار صورة دولته ونظامه وفق رؤيته الثقافية‪ ،‬التي تحقق‬
‫مصالح المجتمع‪ ،‬وتنهض به‪ ،‬وأي دعوة سلفية (آبائية) إلى‬
‫تطبيق تاريخي ُيعطى لها صفة الخيرية هي يف الحقيقة مثل‬
‫من يدعو إلى إرجاع أمجاد الرومان والفرس‪ ،‬فكالهما حقبة‬
‫تاريخية مضت ولن تتكرر‪ ،‬ولكل زمن دولة ورجال‪.‬‬

‫ت‪ .‬ينظر الحنيف إلى الدين؛ بوصفه حقالً ثقافيًا بإمكان الناس‬
‫التفاعل معه‪ ،‬كما يرى أن النظام للمجتمع ضرورة وهي‬
‫أيضًا عليها أن تتسم بالتفاعلية والتشاركية‪ ،‬والدولة تمثل‬
‫المجتمع‪ ،‬والسلطة أداة حماية وعناية للدولة والشعب‪.‬‬

‫ث‪ .‬مقياس الدول ليس اإليمان أو الكفر‪ ،‬إنما مقياسها العدل‬


‫والظلم‪ ،‬المشاركة واالستبداد‪.‬‬

‫قيم وحاجات‬ ‫ج‪ .‬يعتقد الحنيف أن الحرية والكرام َة لإلنسان هي َ‬


‫نفسية ُعليا‪ ،‬وال ينبغي بحال المساس بواحدة منها أبد ًا‪.‬‬

‫ح‪ .‬ينظر الحنفاء إلى مفهوم الحاكمية على أنه ينقسم إلى نوعين‪:‬‬

‫• حاكمية اهلل‪ ،‬وتكون بتشريع الدين كأحكام ثابتة ومحدودة‬

‫‪51‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫تتعلق بالحالل والحرام والواجب وما سكت عنه المشرع‬


‫فهو حالل‪ .‬وهي الدائرة األوسع‪.‬‬

‫• حاكمية اإلنسان‪ ،‬وتكون بتنظيم حركة اإلنسان يف المجتمع‬


‫داخل دائرة المباح‪ ،‬كمنع أو سماح أو تقييد أو تنظيم‪،‬‬
‫ولكل مجتمع رؤيته وحاجياته‪.‬‬

‫‪ - 5‬موقف الحنفاء من الثقافة االجتماعية‪:‬‬


‫أ‪ .‬دعوة الحنيف دعوة ثقافية قائمة على الثابت والمتغير‪َ ،‬وفق‬
‫ُس َّلم األولويات‪ ،‬فهي تحتضن رؤى مختلفة‪ ،‬و َت ُعدُّ ذلك‬
‫دليالً على الصحة والعافية والنضج الثقايف‪ ،‬وحافز ًا للتطور‬
‫والتقدم واإلبداع‪.‬‬

‫ب‪ .‬يدعو الحنيف إلى حفظ الحريات العامة‪َ ،‬وفق رؤية علمية‬
‫اجتماعية منضبطة بالثابت والمتغير الثقايف‪.‬‬

‫ت‪ .‬يدعو الحنيف إلى حرية المعلوماتية‪ ،‬واإلعالمية‪ ،‬والدعوات‬


‫الثقافية‪ ،‬شريطة أن تكون قائمة على الحد األدنى من التعايش‬
‫السلمي واالنتماء الوطني‪.‬‬

‫ث‪ .‬يسعى الحنيف لحماية المجتمع من التلوث الثقايف اإلرهابي‬


‫والطائفي واآلبائي‪ ،‬واالستبداد واالستعباد‪ ،‬واالنحالل‬
‫األخالقي والفساد االجتماعي والبيئي‪.....‬الخ‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ج‪ .‬يسعى مشروع الحنفاء للقضاء على األمراض االجتماعية‬


‫الوبائية الثقافية‪ ،‬التي من أخطرها‪:‬‬
‫‪ .1‬انغالق العقل والتفكير ومنع الحريات‪.‬‬
‫‪ .2‬إتباع اآلباء لمجرد أهنم آباء‪.‬‬
‫‪ .3‬إتباع األكثرية دون علم ودراية‪.‬‬
‫‪ .4‬إقصاء اآلخر سواء أكان اإلقصاء فكريًا أم سلوكيًا أم‬
‫زهقًا لحياته‪.‬‬
‫‪ .5‬إتباع الهوى‪.‬‬
‫‪ .6‬التعامل مع الواقع بصورة سطحية انفعالية‪.‬‬
‫‪ .7‬التعامل مع الواقع بردود أفعال‪.‬‬
‫‪ .8‬النظرة الطائفية والعرقية‪.‬‬
‫‪ .9‬تقديس األشخاص وجعلهم رموز ًا فوق البشر‪.‬‬
‫‪ .10‬ربط وجعل بعض الظروف التي تزامنت مع حصول‬
‫بعض األحداث سببًا وعلة لتلك األحداث‪.‬‬
‫‪ .11‬إغالق األعين عن الواقع‪ ،‬والتعامل مع التصورات‬
‫الذهنية‪.‬‬
‫‪ .12‬الذل والخنوع والقيود النفسية‪.‬‬
‫‪ .13‬األنانية واالنعزال‪ ،‬وانتفاء المبادرة‪ ،‬والحس االجتماعي‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫‪ .14‬العنف واإلرهاب يف العالقات اإلنسانية واالجتماعية‪.‬‬


‫‪ .15‬جعل العلم دينًا أو ضرهبما ببعض‪.‬‬
‫‪ .16‬دمج الدين بالدولة‪ ،‬أو فصله عنها‪ ،‬أو دمج الدين‬
‫بالسياسة‪.‬‬
‫‪ .17‬استالم الفقهاء أو العلماء أو المفكرين شيئًا من السلطات‬
‫التالية‪ :‬التنفيذية‪ ،‬الجيش‪ ،‬اإلعالم‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والصحافة‪.‬‬
‫‪ .18‬جعل اإلنسان نفسه مركز ًا أو محور ًا لغيره‪.‬‬
‫‪ .19‬النظرة األحادية لألمور‪.‬‬
‫‪ .20‬احتكار مفهوم النجاة يوم القيامة لجماعة دون أخرى‪.‬‬
‫‪ .21‬استغالل الدين من قبل بعض الجماعات لتربير أو حشد‬
‫القوى ضد السلطات الحاكمة‪.‬‬
‫‪ .22‬احتكار مفهوم العربية بالقومية العربية‪.‬‬
‫‪ .23‬فرض الوصاية الثقافية القومية (العرب) يف فهم القرآن‬
‫على المجتمعات األخرى‪.‬‬
‫‪ .24‬جعل أو حصر مفهوم الجهاد يف اإلسالم بمفهوم القتال‪.‬‬
‫‪ .25‬جعل القتال أو الحرب يف اإلسالم أصل للعالقات بين‬
‫المجتمعات األخرى‪.‬‬
‫‪ .26‬إجبار الناس على تبني فكر بعينه‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫‪ .27‬النظر إلى الفئات األخرى الوطنية المختلفة نظرة طائفية‬


‫أو عرقية أونظرة دونية بوصفهم مجرد غرباء يف الوطن‪،‬‬
‫وتصنيفهم كأقليات أو كمواطنين من الدرجة الثانية‪.‬‬
‫‪ .28‬قيام أحزاب دينية أو عرقية أو فاشية نازية‪.‬‬
‫‪ .29‬ترسيخ مفهوم األقلية واألكثرية يف المجتمع‪.‬‬
‫‪ .30‬تغييب الشعور باالنتماء والحس الوطني‪.‬‬
‫‪ .31‬إعطاء صفة التشريع اإللهي األبدي لمصدر غير‬
‫القرآن‪ ،‬مثل األحاديث النبوية‪ ،‬أو أقوال األئمة االثني‬
‫عشر من أهل بيت النبوة ‪ ،4‬أو فهم المجتمع األول‪ ،‬أو‬
‫اإلجماع المزعوم‪.‬‬
‫‪ .32‬تقييد فهم القرءان بلغة ذات منشأ اعتباطي كلغة‬
‫المعاجم‪ ،‬والشعر الجاهلي‪ ،‬أو القول بوجود المجاز‬
‫والتطابق يف المعنى بين كلمات مختلفة بالمبنى يف‬
‫القرءان‪.‬‬
‫‪ .33‬تبني مواقف تاريخية‪ ،‬وإحيائها من جديد‪.‬‬

‫مع العلم أن مفهوم أهل بيت النبوة غير موجود يف القرءان‪ ،‬وبالتالي ليس لهم أي امتيازات قط‪،‬‬ ‫‪4‬‬
‫اهلِ َّي ِة ْاألُو َلى‬
‫ومفهوم النص القرءاين المتعلق بأهل البيت ﴿و َقر َن فِي بيوتِ ُكن و َال َتبرجن َتبرج ا ْلج ِ‬
‫َّ َ َ َّ ْ َ َ ُّ َ َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ ْ‬
‫ت‬‫و َأقِمن الص َال َة وآتِين الزَّ كَا َة و َأطِعن اهلل ورسو َله إِنَّما ي ِريدُ اهلل لِي ْذ ِهب عَن ُكم الرجس َأ ْه َل ا ْلبي ِ‬
‫َْ‬ ‫ُ ِّ ْ َ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ ْ َ َ ََ ُ ُ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ َّ‬
‫َو ُي َط ِّه َرك ُْم َت ْط ِهير ًا﴾األحزاب‪ ،33‬المقصد به المسلمين فهم أهل البيت يف القرءان بدليل مجيء كلمة‬
‫(عنكم) بصيغة المذكر ويقصد هبا الجميع ذكور ًا وإناثًا‪ .‬والبيت هو اإلسالم و الكعبة‪.‬راجع كتاب‬
‫(تحرير العقل من النقل) لألستاذ سامر إسالمبولي‬

‫‪55‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫‪ .34‬مفهوم الرعاية خاص بالبهائم ينبغي إزالته من الخطاب‬


‫االجتماعي‪.‬‬
‫‪ .35‬عدم التفريق بين مفهوم الدولة‪ ،‬و مفهوم الحكومة أو‬
‫السلطة‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من األمراض االجتماعية واآلفات الثقافية الوبائية‪.‬‬

‫‪ - 6‬موقف الحنفاء من السلطة‪:‬‬


‫أ‪ .‬يدعو الحنفاء إلى ضرورة وجود قوى ومؤسسات اجتماعية‬
‫ُتمثل أطياف المجتمع المتعدد عرقيًا‪ ،‬أو طائفيًا بحيث‬
‫تشارك جميع تلك القوى يف مسيرة النهضة بالمجتمع ككل‪،‬‬
‫على صعيد البنية التحتية والبنية الفوقية شريطة أن تتحقق‬
‫فيهم ثقافة السالم و التعايش اإليجابي الوطني‪.‬‬

‫ب‪ .‬يرى الحنفاء أن المقامات السلطوية‪ ،‬أو االجتماعية‪ ،‬أو‬


‫العلمية هي مقامات اكتسابية‪ ،‬وليست والدية‪ ،‬أو وراثية‪،‬‬
‫وبالتالي فهي متاحة لجميع الناس على مختلف أطيافهم‪،‬‬
‫ولكل مجتهد نصيب بالنجاح‪.‬‬

‫ت‪ .‬ال يجد الحنفاء أي مانع من أن يكون رئيس السلطة التنفيذية‬


‫من هذه الطائفة‪ ،‬أو ذاك العرق أو النوع أو ذلك المذهب ألن‬
‫الحكم للدستور والقانون‪ ،‬وهو يف النهاية تحت أعين هيئة‬

‫‪56‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫الرقابة والتفتيش‪ ،‬وسيخضع للمحاسبة من قبل مؤسسات‬


‫المجتمع المعنية‪ ،‬ولكل مجتمع صورة للسلطة تتناسب مع‬
‫المرحلة الثقافية والتاريخية التي هو فيها سواء أكان نظامًا‬
‫َملكيًا أم أميريًا أم جمهوريًا‪...‬الخ‪ ،‬وذلك ريثما يرتقي‬
‫ويتطور المجتمع‪ ،‬وهذا يقتضي أن نفرق بين مفهوم الدولة‪،‬‬
‫ومفهوم السلطة‪.‬‬

‫ث‪ .‬ال يدعو الحنفاء إلى استالم السلطة التنفيذية‪ ،‬وإنما يسعون‬
‫إلى أن ُتقاد و ُتق ّيد السلطة التنفيذية بالدستور والقانون‪.‬‬

‫ج‪ .‬يدعو الحنفاء إلى أن تكون حركة الدولة قائمة على العلم‪،‬‬
‫والسالم‪ ،‬والعدل‪ ،‬واإلنسانية؛ والمشاركة والحرية‪ ،‬وهتدف‬
‫إلى النهضة بشعوهبا‪.‬‬

‫ح‪ .‬يهدف الحنفاء إلى نشر الوعي االجتماعي العالمي يف‬


‫المجتمع العربي واإلسالمي‪ ،‬وتجنيب المجتمع من السقوط‬
‫يف مستنقع التفرق والتبعثر والتشرذم‪ ،‬ومن ثم االنخراط يف‬
‫حروب جاهلية تستنزف وتدمر المجتمع ثقافيًا‪ ،‬واقتصاديًا‪،‬‬
‫وسياسيًا ووطنيًا‪.‬‬

‫‪ .‬يدعو الحنفاء إلى أن تكون القرارات المصيرية المتعلقة‬


‫بالمجتمع؛ قرارات تصدر عن قوى المجتمع ومؤسساته‬
‫ومراكزه الثقافية والفكرية والسياسية‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫د‪ .‬يهدف الحنفاء إلى تقليص الحل العسكري والمادي سواء‬


‫يف األمور الداخلية أم الخارجية إلى الحد األدنى‪ ،‬بأسرع‬
‫السبل‪ ،‬وأقل الخسائر‪ ،‬وأقرب الفرص المتاحة‪ ،‬تجنبًا من‬
‫ُ‬
‫إضاعة األوقات وهدر الطاقات‪.‬‬

‫ذ‪ .‬ينظر الحنفاء لألحداث االجتماعية َوفق معطياهتا الزمكانية‪،‬‬


‫ويدعو إلى التعامل معها ضمن اإلمكانيات المتاحة‪ ،‬مع‬
‫بس َّلم األولويات‪ ،‬وما يعود بالمنفعة‬
‫النظر واالهتمام الدائم ُ‬
‫على أفراد المجتمع وفق مبدأ ومحور الثابت والمتغير‪.‬‬

‫ر‪ .‬يدعو الحنفاء إلى فصل السلطات الخمسة عن بعضها‪:‬‬

‫[القضائية‪ ،‬والتشريعية‪ ،‬والتنفيذية‪ ،‬والجيش‪ ،‬واإلعالم‬


‫والصحافة] وخاصة سلطة القضاء‪ ،‬واإلعالم والصحافة‪،‬‬
‫التي ينبغي أن ال تتبع للسلطة التنفيذية‪ ،‬كما ينبغي تحييد‬
‫الجيش عن الصراع االجتماعي أو الثقايف بوصفه قوة‬
‫للمجتمع بكافة أطيافه وأعراقه وأثنياته‪.‬‬

‫ز‪ .‬يدعو الحنفاء إلى أن تكون الدولة‪ ،‬دولة مدنية إنسانية‬


‫اجتماعية‪ ،‬تقوم بإدارة موارد البالد‪ ،‬وتأسيس المشاريع‬
‫الصناعية لبناء المجتمع‪ ،‬واالنتقال من الدولة التي تقوم‬
‫على جباية األموال‪ ،‬والريع‪ ،‬والتجارة على شعبها‪ ،‬إلى دولة‬
‫تخدم شعبها‪ .‬من دولة الرعاية للشعوب إلى دولة العناية‬

‫‪58‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫بالشعوب‪ ،‬لتُؤ ّمن لهم الحماية‪ ،‬وتؤمن بالتالي مصاريفها‬


‫من خالل المشاريع التي تفتتحها‪ ،‬وليس من جيوب‬
‫الكادحين‪ ،‬وأن تقوم برد ثروات البلد إلى ما فيه خير ومنفعة‬
‫ألبناء الوطن‪ ،‬من قبيل التعليم والسكن‪ ،‬والعالج‪ ،‬وتأمين‬
‫الشيخوخة‪ ،‬ومكافحة العطالة والبطالة‪ ،‬وخفض المصاريف‬
‫من كهرباء واتصاالت ومواصالت‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬إلى حد‬
‫التكلفة أو أكثر بقليل‪.‬‬

‫س‪ .‬يدعو الحنفاء إلى أن تكون العالقة بين ُقوى المجتمع ككل‪،‬‬
‫من مؤسسات‪،‬أو مراكز‪ ،‬أو أحزاب‪ ،‬أو جماعات‪...‬الخ‪،‬‬
‫قائمة على السلم والتعاون وترفد بعضها بعضًا لتحقيق‬
‫النهضة بالمجتمع‪،‬ال عرب الصراع والتناحر وإزاحة اآلخر‬
‫وتصفيته‪.‬‬

‫ش‪ .‬يدعو الحنفاء إلى إعطاء األولوية يف ميزانية الدولة إلى التنمية‬
‫االجتماعية والثقافية والعلمية وعمران البالد والنهضة‬
‫بالعباد‪.‬‬

‫‪ - 7‬موقف الحنفاء من القومية واألقليات‪:‬‬


‫أ‪ .‬إن القومية رابطة بشرية بدائية غريزية تتقلص مع توسع‬
‫العمران والمدنية والتطور العلمي واالنفتاح العالمي‪،‬‬
‫وليست فكر ًا هنضويًا يصلح للتقدم والرقي ألهنا تثير الحقد‬

‫‪59‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫والتعصب‪ ،‬وتؤجج الفتن والحروب‪ ،‬فعهد القوميات‬


‫قد و ّلى وحل مكاهنا االنتماء الوطني القائم على العلم‬
‫والمعرفة واألخالق‪ ،‬وهو يحتضن يف رحمه جميع األطياف‬
‫العرقية الطائفية‪ ،‬ألن الجميع أبناء وطن واحد‪ ،‬وكلهم ينبغي‬
‫عليهم المساهمة يف بنائه وهنضته‪ ،‬وترسيخ مفهوم الشعب‬
‫بدل مفهوم األقليات والطوائف واألعراق‪،‬فال وجود‬
‫لمفهوم األقلية أو األكثرية يف المجتمع المدين الوطني‪.‬‬

‫كون وحامل‬ ‫ب‪ .‬ينظر الحنفاء إلى اللسان العربي بأنه لسان ُم ّ‬
‫لثقافة المجتمعات العربية واإلسالمية‪ ،‬لذا ينبغي أن يكون‬
‫اللسان العربي هو اللسان الرسمي للدولة والتعليم؛ علمًا‬
‫وثقافة وإعالمًا كما يف المجتمعات ذات الثقافة اإلسالمية‬
‫مع وجود ألسنة أخرى‪.‬‬

‫ت‪ .‬كل جماعة أو فئة من المجتمع‪ ،‬سواء أكانت عرقية أم‬


‫طائفية‪ ،‬تملك الحق يف ممارسة شعائرها التعبدية‪،‬واستخدام‬
‫لساهنا الخاص هبا‪ ،‬تعليمًا‪ ،‬وإعالمًا‪ ،‬مع إصدار للنشرات‪،‬‬
‫وما شابه ذلك‪ ،‬شريطة أن يكون ال ّلسان العربي له األولوية‬
‫والصدارة يف المجتمعات الناطقة به كأكثرية‪.‬‬

‫ث‪ .‬يرى الحنفاء أن الحياة على أرض الوطن حق للجميع‬


‫بمختلف أطيافهم وأعراقهم‪ ،‬وال يوجد وصاية ألي فئة‬
‫على أخرى‪ ،‬وبالتالي ال ُيسمح ألي أحد بتهديد استقرار أو‬

‫‪60‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫أمن البيت‪ ،‬و ُت َحل مشاكلهم كما ُتحل المشاكل بين األخوة‬
‫يف البيت الواحد‪ ،‬دون المساس بأثاثه ومقوماته وموارده‪،‬‬
‫ويكون ذلك على الحد األدنى من التعايش السلمي‪،‬‬
‫واالنتماء الوطني مع العمل على الرقي بذلك‪.‬‬

‫ج‪ .‬ثروات الوطن هي ملك ألبناء الوطن على اختالف طوائفهم‬


‫أو أعراقهم‪ ،‬فينبغي أن تعود إليهم بالنفع على صعيد الفرد‬
‫واألسرة وبناء الوطن ومقوماته‪ ،‬والعدل يف توزيع الثروات‪.‬‬

‫ح‪ .‬يرى الحنيف أن الوطن بر ًا وجو ًا وبحر ًا‪ ،‬وغابات‪ ،‬ومدنًا‬


‫وريفًا وعمرانًا‪ ،‬هي بمثابة البيت‪ ،‬وأثاثه‪ ،‬فيجب على أبنائه‬
‫المحافظة عليه من الفساد؛ والتلوث‪ ،‬وهي مسؤولية يجب‬
‫على مؤسسات المجتمع أن تتحملها بنفسها ثقافة وممارسة‬
‫قبل السلطة التنفيذية‪.‬‬

‫‪ .‬مقومات المجتمع ومؤسساته‪ ،‬وعمران البلد‪ ،‬هي ملك‬


‫للمجتمع‪ ،‬ال ُيسمح ألي جهة كانت أن تعبث هبا‪ ،‬أو أن‬
‫تخرهبا‪.‬‬

‫د‪ .‬يرى الحنفاء أن الفساد‪ ،‬والرذيلة‪ ،‬وتلويث المجتمع بثقافة‬


‫مسمومة هتدد التعايش والتماسك والنهضة الوطنية‪ ،‬وأن‬
‫تلويث البيئة‪ ،‬وما شابه ذلك؛ هو جريمة اجتماعية‪ ،‬يجب أن‬
‫ُيحاسب فاعلها‪ ،‬كائن من كان عرقه‪ ،‬أو طائفته‪ ،‬أو موقعه‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫‪ - 8‬موقف الحنفاء من المجتمعات المجاورة‪:‬‬


‫أ‪ .‬عالقة المجتمع مع المجتمعات المجاورة قائمة على السالم‬
‫و ُحسن الجوار‪ ،‬والتعايش يف الحد األدنى على المستوى‬
‫السلبي‪ ،‬أو السلمي‪ ،‬والسعي نحو التعايش اإليجابي‬
‫والتعاون مع المجتمعات الصديقة‪.‬‬

‫ب‪ .‬مساعدة المجتمعات المظلومة‪ ،‬والمنكوبة‪ ،‬والمستعبدة‬


‫قدر المستطاع‪ ،‬لتقف على قدميها‪ ،‬وتقود نفسها حسب‬
‫رؤيتها الثقافية‪ ،‬ألن العالم تحول إلى قرية صغيرة‪ ،‬وينبغي‬
‫على كل مجتمع أن يكون له دور يف هذه األسرة العالمية‬
‫وينضم متحالفًا مع الدول التي تنصر الحق وتنشر العدل‪.‬‬

‫ت‪ .‬ينظر الحنفاء إلى الكيان الصهيوين اليهودي يف فلسطين بأنه‬


‫مشكلة عويصة‪ ،‬وهي مشكلة عالمية‪ ،‬وليست إقليمية‪ ،‬أو‬
‫محلية‪ ،‬لذا ينبغي العمل على حلها من خالل وجود دور‬
‫للدول اإلسالمية‪ ،‬والعربية‪ ،‬ودول أخرى صديقة‪ ،‬التخاذ‬
‫القرار‪ ،‬وإيجاد الحل المناسب لهذه المشكلة‪ ،‬ويمكن أن‬
‫يكون مرحليًا و ظرفيًا‪.‬‬

‫ث‪ .‬ينبغي التفريق بين بني إسرائيل‪ ،‬واليهود‪ ،‬فبني إسرائيل‬


‫نسب وهم من سكان المنطقة الذين ُيسمون العرب من أتباع‬
‫موسى‪ ،‬ومنهم من اتبع النبي عيسى‪ ،‬ومنهم من اتبع النبي‬

‫‪62‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫محمد صلوات اهلل عليهم‪ ،‬بينما اليهود هم ملة اخرتقت أتباع‬


‫األنبياء الثالثة تطرفًا وإرهابًا وانغالقًا ‪.5‬‬

‫‪ -9‬موقف الحنفاء من المرأة‪:‬‬


‫أ‪ .‬يرى الحنيف أن العالقة بين الرجل والمرأة (الذكر‬
‫واألنثى) ال تقوم على التفاضل أو السيادة وإنما على‬
‫التكامل واالحرتام‪ ،‬والمساواة يف الخلق كإنسان والمواطنة‬
‫والقانون‪ ،‬وتقوم على العدل يف الحياة االجتماعية نظر ًا للفرق‬
‫بينهما يف الوظائف والقدرات الجسمية والنفسية‪ ،‬فالمرأة‬
‫والدة وأم‪ ،‬والرجل والد وأب‪ ،‬وال يمكن أن يتعاكسا‪ ،‬أو أن‬
‫يتساويا‪ ،‬وإنما يتكامالن يف دورهما االجتماعي‪.‬‬

‫ب‪ .‬يرى الحنيف أن النهضة ال يمكن أن تتم إال من خالل النهضة‬


‫بنو َعي اإلنسان (الذكر واألنثى) على حد سواء‪ ،‬ألن كليهما‬
‫ركني األسرة (األب واألم) التي هي نواة المجتمع‪.‬‬

‫ت‪ .‬يرى الحنيف أن عالقة الرجل بالمرأة أشبه بعالقة مركز‬


‫الدائرة بمحيط الدائرة‪ ،‬إذ تكون المرأة هي المحيط‪ ،‬والرجل‬
‫هو المركز‪ ،‬والعالقة بينهما؛ عالقة جدلية زوجية تكاملية‪،‬‬
‫تحظى المرأة فيها بالحماية والعناية‪ ،‬والحفظ والتقدير‪،‬‬
‫والتضحية من قبل الرجل‪.‬‬

‫أنظر‪ :‬كتاب (اليهودية انغالق فكري وإرهاب اجتماعي) لألستاذ سامر إسالمبولي‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪63‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ث‪ .‬يرى الحنيف أن المرأة تتمتع بكل ما يتمتع به الرجل يف‬


‫المجتمع‪ ،‬وكالهما أمام القانون سواء‪ ،‬فما يحق للرجل‪،‬‬
‫يحق للمرأة تمامًا‪ ،‬من َت َب ُّو ِء المناصب‪ ،‬والتملك‪،‬‬
‫والتعليم‪....‬الخ‪ ،‬سوى ما اقتضى االختالف بينهما بسبب‬
‫اختالف نوعيهما وهذا يقتضي تحقيق العدل بينهما يف الحياة‬
‫المعيشية‪.‬‬

‫ج‪ .‬يرى الحنيف وجوب تعليم المرأة‪ ،‬وحصولها على درجات‬


‫كبيرة من العلم‪ ،‬والثقافة‪ ،‬لتتبوأ مراكز مهمة يف قيادة‬
‫المجتمع؛ والنهضة به‪ ،‬و السيما فيما يتعلق بالنساء خاصة‪.‬‬

‫ح‪ .‬األصل يف القيادة أهنا مناطة بالرجل‪ ،‬واإلدارة بالمرأة‪ ،‬وقد‬


‫تصل المرأة إلى القيادة إن اكتسبت مؤهالهتا‪.‬‬

‫وحركة المجتمع وتطوره كفيلة يف تحقيق التوازن وإرجاع األمور‬


‫إلى طبيعتها‬

‫‪ -10‬موقف الحنفاء من العلم والتعليم والتفكير‪:‬‬


‫أ‪ .‬ينظر الحنيف إلى العلم الكوين‪ ،‬واإلنساين بأهنما ُركنان‬
‫للنهضة والتقدم‪ ،‬بجانب ركن القيم واألخالق‪ ،‬ال ينفصالن‬
‫عن بعضهما أبد ًا‪ ،‬و ال ُيستغنى بأحدهما عن اآلخر‪.‬‬

‫ب‪ .‬يدعو الحنيف مؤسسات المجتمع شعبًا ودولة إلى أن‬

‫‪64‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫يقوموا بتأسيس المراكز للبحوث العلمية (المساجد ‪،)6‬‬


‫واإلنسانية‪ ،‬والكونية‪ ،‬مثل اهتمامهم باألعمال الخيرية‬
‫والتعبدية‪.‬‬

‫ت‪ .‬يدعو الحنيف مؤسسات المجتمع‪ ،‬وأبناء الوطن المتالك‬


‫أكرب قدر ممكن من العلوم على الصعيد اإلنساين والكوين‪.‬‬

‫ث‪ .‬يدعو الحنيف إلى حرية النشر‪ ،‬والطباعة‪ ،‬ورفع الضرائب‬


‫عن كل ما يتعلق بالعلم والثقافة‪.‬‬

‫ج‪ .‬تشجيع كل باحث أو مكتشف أو مخرتع على أي صعيد كان‪،‬‬


‫والقيام بإكرامه ورفده بما يحتاج ليستمر يف إبداعه‪ ،‬وتسليط‬
‫الضوء عليهم كنجوم يف المجتمع‪.‬‬

‫ح‪ .‬ينبغي على الدولة أن تتعهد مشاريع العلم والتعليم منذ‬


‫البداية إلى النهاية‪ ،‬وتقوم بتطوير المناهج‪ ،‬وجلب األدوات‬
‫المعرفية الحديثة‪ ،‬وترصد المبالغ المناسبة لذلك العمل‬
‫النهضوي‪ ،‬عوضًا عن أن تصرفها على التسليح‪.‬‬

‫‪ .‬يدعو الحنيف إلى ممارسة التفكير الحر‪ ،‬وتعليم أصوله يف‬


‫مناهج التدريس ألنه طريق للنهضة‪.‬‬

‫فعل مكسورة العين‪ ،‬وليس على وزن مف َعل مثل‬ ‫مسجد التي على وزن م ِ‬
‫ِ‬ ‫كلمة مساجد جمع لكلمة‬ ‫‪6‬‬
‫َ‬
‫معمل ومصنع‪ ،...‬وهذا يدل على اختالف داللة كل من الوزنين‪ .‬فالمسجد يف القرءان ويف اللسان‬
‫العربي ليس مكانًا للتعبد فقط مثل المعبد‪ ،‬وإنما هو مكان تسجيد األشياء فيه من خالل اكتشاف‬
‫القوانين التي تحكمها‪ ،‬فالمسجد هو كل مركز للبحوث العلمية بشقيها اآلفاق واألنفس‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫‪ -11‬موقف الحنفاء من القانون‪:‬‬


‫أ‪ .‬ينظر الحنيف إلى القانون بأنه نظام ُوضع لتنظيم حركة اإلنسان‬
‫وعالقته بالمجتمع‪ ،‬وفق محور الواجبات‪ ،‬والحقوق‪،‬‬
‫وحفظ المصالح‪ ،‬وبالتالي فاإلنسان هو سيد القانون‪ ،‬وليس‬
‫العكس‪ ،‬وبناء على ذلك يجب أن يتأنسن القانون‪ ،‬ويتحرك‬
‫مع تطور المجتمعات َوفق الثابت الثقايف؛والمتغير‪ ،‬وعلى‬
‫ُس َّلم األولويات‪.‬‬

‫ب‪ .‬ينبغي أن يكون نظام الدولة؛ نظامًا ًقائمًا على الشورى‪،‬‬


‫ويسعى إليجاد هذا النظام يف كل مؤسسات المجتمع ليقضي‬
‫على دابر االستبداد واالستعباد ويمنع تكاثره‪.‬‬

‫ت‪ .‬يسعى الحنيف إلى نشر ثقافة التعايش اإليجابي‪ ،‬والتماسك‬


‫الوطني بكل وسيلة إعالمية متاحة وذلك الستئصال الثقافة‬
‫االستبدادية واالستعبادية الكامنة يف الموروث الثقايف‪ ،‬التي‬
‫ُي َح ِّم ُلها اآلباء لألبناء تربية وتعليمًا‪.‬‬

‫ث‪ .‬يسعى الحنيف إليجاد شعوب راشدة‪ ،‬حتى ينبثق منها قادة‬
‫راشدون‪.‬‬

‫ج‪ .‬الحنيف يؤمن ويعتقد أن مقياس المدنية‪ ،‬والتقدم‪،‬‬


‫والحضارة هو اإلنسان الحر‪ ،‬ومستوى ثقافته‪ ،‬وعلمه‪،‬‬
‫ومعيشته وتفاعله‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫يدعو الحنفاء كافة شرائح المجتمع على مختلف طوائفهم‪،‬‬


‫وثقافتهم‪ ،‬وأعراقهم‪ ،‬ومقاماهتم االجتماعية؛ والعلمية إلى تبني‬
‫هذا المشروع الثقايف االجتماعي النهضوي َوفق‪:‬‬

‫التعايش االجتماعي اإليجابي‪.‬‬


‫التماسك االجتماعي الوطني‪.‬‬
‫النهضة االجتماعية اإلنسانية‪ ،‬والعلمية يف المجتمع ككل‬
‫رافعين مبدأ‪:‬‬

‫تعايش سلمي‪ ،‬تفاعل إيجابي‪ ،‬نهضة ثقافية تنويرية‪.‬‬


‫بالعلم واألخالق ننهض‪ ....‬وباحلرية و السالم نعيش‬

‫الدين للناس‪ ،‬والنظام للمجتمع‪ ،‬والدولة تمثل المجتمع‪،‬‬


‫والسلطة أداة حماية وعناية للدولة والشعب‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫مفهوم السالم عند الحنفاء‬

‫السالم مفهوم ثقايف وليس مناورة سياسية‪:‬‬


‫السالم ُيبنى وينبثق من وجود األمن على صعيد النفس‪ ،‬والجسم‪،‬‬
‫واختفاء العنف‪ ،‬والخوف‪ ،‬واإلرهاب‪ ،‬والعدوان‪ ،‬واالحتالل‪،‬‬
‫ويقتضي وجود التعايش بحده األدنى السلمي‪ ،‬ويقتضي التعارف‬
‫مع إمكانية التعاون‪ ،‬كما أن السالم يدل على توسع دائرة التعايش‬
‫مع مختلف أطياف المجتمع‪ ،‬وال َقبول باآلخر المختلف عنا‬
‫من الناحية الفكرية والعقائدية والمذهبية‪...‬الخ‪ ،‬ويتم فتح باب‬
‫الحوار‪ ،‬والنقاش‪ ،‬والتعايش مع الرأي اآلخر على أرض السالم‪،‬‬
‫لنحقق مجتمع السالم الذي تديره دولة السالم‬

‫المحور األول‪ :‬حقيقة أصحاب السالم العالمي‬


‫‪ .1‬بلغ ضحايا الحروب الصليبية مئات اآلالف من الناس‬
‫األبرياء من مختلف التوجهات والقوميات يف الشرق ولم‬
‫يتوفر إحصاء العدد لعدم وجود معلومات عنهم لكثرهتم‬
‫واختالف أماكنهم‪ .‬وعندما وصل الصليبيون إلى القدس‬
‫واحتلوها قتلوا ‪ 60‬ألفًا من مختلف شرائح المجتمع رجا ً‬
‫ال‬

‫‪68‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ونسا ًء وأطفا ً‬
‫ال وشيوخًا‪ ،‬مسلمين‪ ،‬مسيحيين‪ ،‬وبقروا بطون‬
‫النساء الحوامل وبرتوا رؤوس الرجال‪.‬‬

‫‪ .2‬ومن أثر الحروب الصليبية نتجت محاكم التفتيش يف‬


‫إسبانيا وقتلت تلك المحاكم أيضًا عشرات األلوف‪ ،‬عدا‬
‫عن التعذيب بمختلف أنواعه وأشكاله الهمجية والوحشية‪،‬‬
‫وكانت معظم السجون يف أقبية تحت أرضية الكنائس! وحتى‬
‫اليهود لم ينجوا من بطشهم‪.‬‬

‫وهذه الحروب كانت باسم الدين وباسم المسيح!!‬

‫لقد خدع رجال الكنسية الناس والشعوب يف الغرب‬


‫وأوهموهم وأقنعوهم أن الناس يف الشرق كفار وشياطين‬
‫ينبغي تحرير القدس منهم وإبادهتم تقربًا للرب!‬

‫‪ .3‬بلغت ضحايا الحرب العالمية األولى عشرة ماليين إنسان‪،‬‬


‫ما بين قتيل وجريح ومفقود ومعطوب‪ ،‬ناهيك عن تخريب‬
‫البالد وتدميرها وسرقة الممتلكات‪.‬‬

‫‪ .4‬بلغت ضحايا الحرب العالمية الثانية ‪ 60‬مليون قتيل‪ ،‬عدا عن‬


‫الجرحى والمصابين والمفقودين والمصابين بعاهات دائمة‬
‫ومزمنة‪.‬‬

‫‪ .5‬بلغــت حــرب بريطانيــا وأيرلنــدا عشــرات اآلالف مــن‬

‫‪69‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫الضحايا بســبب مذهبهــم الربوتســتانتي‪ ،‬وأكــره الباقــي علــى‬


‫اعتنــاق المذهــب الكاثوليكــي أو القتــل‪.‬‬

‫‪ .6‬يف زمن الملوك بفرنسا أيضًا شن الكاثوليك حر ًبا ضارية‬


‫على الربوتستانت وقتلوا منهم عشرات اآلالف ووصل عدد‬
‫الضحايا إلى ‪ 70‬ألف‪ ،‬وأكره الباقون على التمذهب بمذهب‬
‫الكاثوليك أو الهجرة من البلد‪.‬‬

‫‪ .7‬بلغ ضحايا فرنسا يف الجزائر أكثر من مليوين قتيل قبل أن‬


‫تخرج عسكريًا‪ ،‬هذا غير اغتصاب النساء وسرقة ثروات‬
‫البالد و تدميرها وتخريبها‪.‬‬

‫‪ .8‬بلغ ضحايا احتالل إيطاليا لليبيا عشرات اآلالف من القتلى‪.‬‬

‫‪ .‬قام ستالين يف فرتة حكمه لالتحاد السوفييتي بقتل ‪ 70‬مليون‬


‫إنسان بتهمة الخيانة للثورة‪ ،‬عدا عن طرد قوميات معينة من‬
‫االتحاد السوفيتي من بيوهتم وهنب ممتلكاهتم وإخراجهم من‬
‫ديارهم‪ ،‬وتشريدهم بحجة أهنم خونة‪.‬‬

‫‪ .10‬قامت أمريكا بتأسيس دولتها على جماجم بشرية بلغت‬


‫‪ 20‬مليون قتيل من السكان األصليين ألمريكا‪ ،‬لقد أبادهتم‬
‫عن بكرة أبيهم بشتى مختلف األسلحة الفتاكة‪ ،‬ومن بينها‬
‫السالح البيولوجي الجرثومي‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫وبلغ ضحايا أمريكا خارج بلدهم ‪ 100‬مليون قتيل من مختلف‬


‫البالد والقوميات‪ ،‬كان أشهر ضحاياها يف فيتنام واليابان نتيجة‬
‫إلقائهم قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي وقتل‬
‫مئات اآلالف من الناس بمختلف شرائحهم‪ ،‬نسا ًء‪ ،‬رجا ً‬
‫ال‪،‬‬
‫ال‪ ،‬وحرقت البلد ودمرهتا‪ ،‬وال زالت المدينتان‬ ‫شيوخًا‪ ،‬أطفا ً‬
‫تعانيان إلى اآلن من آثار اإلشعاعات الذرية‪ .‬وحديثًا غزوا‬
‫العراق وأفغانستان‪.‬‬

‫هذا غيض من فيض من تاريخ (السلطة) الغرب الدموي األسود‪،‬‬


‫واألمر أشد‪ ،‬وما خفي كان أعظم‪ ،‬و كل هذه الحروب والضحايا‬
‫ال عالقة لها باإلسالم والمسلمين ال من قريب وال من بعيد!‬

‫ونحن عندما نعرض هذا العرض ال نقصد به تحميل مسؤولية‬


‫تخلفنا لغيرنا‪ ،‬كما ال ننفي أن التاريخ اإلسالمي والعربي مليء‬
‫باألخطاء والفساد وسفك الدماء‪ ،‬لكن ما نرمي إليه هو وضع‬
‫النقاط على الحروف‪ ،‬وكي ال تزاود أمة على أخرى‪ ،‬وتتهمها‬
‫باإلجرام والتطرف واإلرهاب‪.‬‬

‫الجميع يداه ملطختان بالدماء ومتورط يف ارتكاب جرائم يندى‬


‫لها جبين اإلنسانية‪.‬‬

‫ونحن كحنفاء نطالب بطي صفحة التاريخ وفتح صفحة جديدة‬


‫معاصرة‪ .‬تقوم على السالم والتعاون بين الشعوب‪ ،‬والتعايش‬

‫‪71‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫والتعارف‪ ،‬وتقليص الفساد واإلجرام إلى الحد األدنى‪ ،‬الستحالة‬


‫إزالته من الوجود ألن طبيعة الحياة تقوم على الصراع‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬السالم عند دول الغرب‬


‫الطاغوتية مناورة سياسية وليس مفهوم ًا ثقافي ًا‬
‫نابع ًا من منطلق التعارف‪:‬‬
‫نتابــع التعــرف علــى واقــع الغــرب المتمثــل بــدول الطاغــوت‬
‫واالســتعباد هــل تغيــر شــيء بعقليــة الغــرب وثقافتــه؟‬

‫إن اإلرهاب متأصل يف ثقافتهم وفكرهم كحكومات‪ ،‬وهم‬ ‫ّ‬


‫يصدرون اإلرهاب للعالم كله وهم المسؤولين بشكل غير مباشر‬
‫عن اإلرهاب يف الشرق األوسط‪ ،‬بل وأسسوا لهم دولة تمثلهم‬
‫وتمثل إرهاهبم يف فلسطين‪ ،‬ومازالوا جميعًا يدعموهنا‪ ،‬وهم‬
‫كانوا وراء تحويل التيارات الشعبية واإلسالمية إلى خيار العنف‬
‫واإلرهاب نتيجة دعم الحكام الطواغيت الفراعنة ضد الشعوب‪،‬‬
‫وسورية و العراق أكرب مثل حي على اإلرهاب العالمي الذي‬
‫تمارسه أمريكا وروسيا يف المنطقة‪ .‬غير مكرتثين لمقتل مئات‬
‫آالف من كال البلدين‪.‬‬

‫والذي بلغ أكثر من مليوين قتيل من مختلف شرائح المجتمع‪.‬‬

‫غير تدمير البلدين وهتجير الشعبين‪ .،‬والهيمنة على الفصائل‬

‫‪72‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫المسلحة المعارضة من خالل السيطرة على الزعماء وتوجيههم‬


‫لما فيه مصلحة للدول الكربى‪ ،‬قد ولد داعش وحالش وأخواهتما‬
‫من رحم األمة التي تحمل فكر ًا مشوهًا حيث استغلت التيارات‬
‫المعارضة المتأسلمة هذه النصوص الرتاثية وج َّيشوا األفراد من‬
‫مختلف أنحاء العالم وأتوا هبم للذبح والقتل‪ .‬وبعد ذلك سوف‬
‫يتم تصفيتهم جسديًا كل هذا بإشراف من أمريكا وروسيا بشكل‬
‫غير مباشر‪ ،‬لكن من وراء حجب‪ ،‬وهم يتحملون المسؤولية‬
‫كاملة عن ما يجري يف المنطقة‪.‬‬

‫َمثل أمريكا وروسيا يف رفع شعار السالم كمثل الذئب والضبع‬


‫عندما يرفع شعار السالم بين النعاج والحمالن‪ ،‬ودموعهم دموع‬
‫التماسيح‪.‬‬

‫والسؤال هل السالم مفهوم ثقايف يف حكومات الغرب أم هو مناورة‬


‫سياسية؟‬

‫وهل السالم ثقافة يف شعوبهم أم ذكرى سنوية؟‬

‫المحور الثالث‪ :‬السالم مبدأ أصيل في دين اهلل‪.‬‬


‫‪ .1‬السالم اسم من أسماء اهلل الحسنى السالم‪:‬‬

‫الس َال ُم ا ْل ُم ْؤ ِم ُن‬ ‫﴿ه َو اهللُ ا َّل ِذي َال إِ َل َه إِ َّال ُه َو ا ْل َم ِل ُ‬


‫ك ا ْل ُقدُّ ُ‬
‫وس َّ‬ ‫ُ‬
‫ا ْل ُم َه ْيم ُن‪(﴾...‬الحشر‪)23/‬‬ ‫ِ‬

‫‪73‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫‪ .2‬اسم الدين اإلسالم‪:‬‬


‫ال ّله ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين ِعندَ‬
‫اإل ْسالَ ُم‪﴾ ...‬آل عمران‪19‬‬ ‫﴿إِ َّن الدِّ َ‬

‫‪ .3‬اسم الملتزمين به المسلمين‪:‬‬

‫مين ِمن َق ْب ُل‪﴾...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫﴿‪ِّ ...‬م َّل َة َأبِيك ُْم إِ ْب َراه َ‬
‫يم ُه َو َس َّماك ُُم ا ْل ُم ْسل َ‬
‫الحج‪78‬‬

‫‪ .4‬دعوة الدين إلى السالم‪:‬‬


‫﴿وال ّله يدْ عو إِ َلى د ِار السالَ ِم ويه ِدي من ي َشاء إِ َلى ِصر ٍ‬
‫اط‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ََْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ُ‬
‫ِ‬
‫ُّم ْستَقيمٍ﴾يونس‪25‬‬

‫‪ .5‬تحية المسلمين يف الدنيا واآلخرة السالم‪:‬‬


‫﴿ت ِ‬
‫َح َّيت ُُه ْم َي ْو َم َي ْل َق ْو َن ُه َس َال ٌم َو َأ َعدَّ َل ُه ْم َأ ْجر ًا َكرِيمًا﴾‬
‫(األحزاب‪)44 /‬‬

‫ورد عن النبي الكريم عليه الصالة والسالم‪« :‬واهلل ال تؤمنوا حتى‬


‫َتحا ُّبوا‪ ،‬أال أدلكم على شيء إن فعلتموه َتحا َب ْبتم؟ أفشوا السالم‬
‫فيما بينكم»‪.‬‬

‫واإلفشاء يكون بالمفاهيم والسلوك واللفظ‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫المحور الرابع‪ :‬اإلسالم غير االستسالم‬


‫• االستسالم من الفعل السداسي استسلم يستسلم استسالمًا‪،‬‬
‫واسم الفاعل مستسلم‪ ،‬وتدل الكلمة على االنقياد اإلكراهي‬
‫نتيجة التهديد بالقتل أو الهالك فيستسلم اإلنسان خوفًا وكُرهًا‪،‬‬
‫مثل‪ :‬استسلم المقاتلون يف المعركة لنفاذ ذخيرهتم خوفًا من‬
‫القتل!‪.‬‬

‫• اإلسالم من الفعل الرباعي أسلم ُيسلم إسالمًا‪ ،‬واسم الفاعل‬


‫مسلم‪ ،‬وتدل الكلمة على االنقياد الواعي الحر دون أي ضغط أو‬
‫إكراه‪.‬‬

‫واهلل طلب من الناس اإلسالم وليس االستسالم‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿و َأني ُبوا إِ َلى َر ِّبك ُْم َو َأ ْسل ُموا َل ُه من َق ْب ِل َأن َي ْأت َيك ُُم ا ْل َع َذ ُ‬
‫اب ُث َّم َال‬ ‫َ‬
‫ون﴾(الزمر ‪)54‬‬
‫ُنص ُر َ‬
‫ت َ‬

‫الر ْشدُ ِم َن ا ْلغ َِّي‪( ﴾...‬البقرة ‪)256 /‬‬ ‫﴿الَ إِك َْرا َه فِي الدِّ ِ‬
‫ين َقد َّت َب َّي َن ُّ‬

‫﴿و ُق ِل ا ْل َح ُّق ِمن َّر ِّبك ُْم َف َمن َشاء َف ْل ُي ْؤ ِمن َو َمن َشاء َف ْل َي ْك ُف ْر إِنَّا‬
‫َ‬
‫ِ ِِ‬
‫ين نَار ًا‪( ﴾..‬الكهف ‪)29 /‬‬ ‫َأ ْعتَدْ نَا لل َّظالم َ‬

‫هل هذا الدين يقوم على العنف واإلرهاب واإلكراه؟‬

‫‪75‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫المحور الخامس‪ :‬القوة والسالم والعالقة بينهما‬


‫تحقيق السالم على أرض الواقع يلزمه أمرين اثنين متالزمين مع‬
‫بعض‪:‬‬

‫األول‪ :‬ترسيخ مفهوم السالم كثقافة يف المجتمع ومبدأ أصيل يف‬


‫حياهتم وفكرهم‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬دولة منبثقة من مجتمع السالم لها قوة سلطوية تحمي‬


‫السالم وتشرف عليه وترعاه‪.‬‬

‫سالم ثقايف اجتماعي وقوة سلطوية تحمله وتحميه‪.‬‬

‫لنقرأ ما ورد يف القرءان‪:‬‬

‫ون بِ ِه‬ ‫اط ا ْلخَ ْي ِل ت ُْر ِه ُب َ‬‫﴿و َأ ِعدُّ و ْا َلهم ما اس َت َطعتُم من ُقو ٍة و ِمن رب ِ‬
‫ِّ َ‬ ‫ُ َّ ْ ْ ِّ َّ َ‬ ‫َ‬
‫ين ِمن ُدونِ ِه ْم الَ َت ْع َل ُمون َُه ُم ال ّل ُه َي ْع َل ُم ُه ْم‬ ‫آخرِ َ‬‫َعدْ َّو ال ّل ِه َو َعدُ َّوك ُْم َو َ‬
‫ون﴾‬ ‫ف إِ َل ْيك ُْم َو َأنت ُْم الَ ُت ْظ َل ُم َ‬ ‫يل ال ّل ِه ُي َو َّ‬
‫ُنف ُقو ْا ِمن َش ْي ٍء فِي َسبِ ِ‬ ‫وما ت ِ‬
‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يع‬‫السم ُ‬ ‫اجن َْح َل َها َوت ََوك َّْل َع َلى ال ّله إِ َّن ُه ُه َو َّ‬ ‫﴿وإِن َجن َُحو ْا ل َّ‬
‫لس ْل ِم َف ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫يم﴾(األنفال ‪)61-60 /‬‬ ‫ا ْل َعل ُ‬
‫يأمر المشرع المؤمنين أن يمتلكوا القوة ويعدوهنا وفق زماهنم‬
‫وتطورهم بما يضمن لهم إرهاب عدو اهلل وعدوهم‪ ،‬ويف حال‬
‫للسلم خوفًا من القوة ألن السالم ليس ثقافة أصيلة يف‬
‫جنح العدو َّ‬

‫‪76‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫العدو‪ ،‬لهذا أمر المشرع المؤمنين أن يجنحوا لها ‪ -7‬أي يجنحوا‬


‫للقوة ‪ -‬ويصبح المعنى حسب الواقع والسياق‪:‬‬

‫إن جنح العدو للسلم نتيجة الخوف من القوة اجنح للقوة وحافظ‬
‫للس ْلم ألن السالم ليس ثقافة أصيلة‬
‫عليها ليستمر جنوح العدو َّ‬
‫يف وجدان العدو‪ ،‬بل هو خيار ومناورة سياسية‪ ،‬وإن شعر أنكم‬
‫جنحتم للسلم والدعة والرخاء مال عليكم ميلة واحدة وغدر بكم‬
‫وضرب كل المواثيق والعهود بعرض الحائط ألن الغدر والمكر‬
‫والحرب والتدمير والقتل من طبيعته وهذه ثقافته التي يخفيها‬
‫عنكم‪ ،‬فاجنحوا للقوة دائمًا حتى ُتكرهوا العدو على الجنوح‬
‫للسلم ولكي ال يعتدي عليكم‪.‬‬

‫وأي دعوة للسالم ثقافة دون قوة هي دعوة هوائية يف فراغ‪ ،‬وأي‬
‫سلطة تتبنى السالم دون حاضنة اجتماعية لها سوف تفشل سريعًا‬
‫وتجهض القوة بقوة مثلها‪ ،‬بل البد من االثنين معًا والعالقة‬
‫جدلية بينهما واألصل هو السالم الثقايف يف المجتمع ومنه تنبثق‬
‫دولة السالم‪.‬‬

‫ظن معظم الباحثين أن ضمير (لها) يرجع للسلم كونه أقرب مذكور قبل الضمير حسب عادهتم‬ ‫‪7‬‬
‫يف الكالم فيما بينهم‪ ،‬واضطروا أن يعدوا كلمة (السلم) ُتذكر و ُتؤنث حتى يربروا فعلهم المشين‪،‬‬
‫والصواب أن الضمير يف كلمة (لها) يرجع لكلمة القوة يف النص السابق‪ ،‬وال يوجد قاعدة يف عائدية‬
‫الضمائر إال الواقع ومعنى النص والسياق وممكن يرجع الضمير لقبل جملتين أو أكثر أو ألول الكالم‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫المحور السادس‪ :‬الرد على شبهة أن الدين‬


‫اإلسالمي دين قتل وقتال وحرب‬
‫نصف الكالم ال جواب له‪ ،‬وهذا معروف بين الناس‪ ،‬وال يوجد‬
‫استثناء لهذه القاعدة ولو كان كالم اهلل نفسه‪ ،‬فال يصح اقتطاع‬
‫نص قرءاين من سياقه وفهمه بمعزل عن منظومته ومحل الخطاب‬
‫مثل جملة (فويل للمصلين) أو جملة (وال تقربوا الصالة) أو‬
‫جملة (فاقتلوهم حيث ثقفتموهم) أو جملة (فانكحوا ما طاب‬
‫لكم) …الخ‪ ،‬ومن يقوم بذلك هو شيطان يريد أن يشوه المعنى‬
‫ويؤسس لمفهوم شيطاين خالف المفهوم القرءاين‪ ،‬ويستغل‬
‫الكالم القرءاين بذلك وقداسته عند المسلمين ويمرر مفهومه‬
‫الشيطاين ويخدع الناس‪.‬‬

‫ولألسف فإن كثير ًا من المغرضين سواء أكانوا من الغرب‬


‫المسيحيين أم من الالدينين تراه يقوم بتلك العملية التجزيئية‪،‬‬
‫يقتطع جمالً من النص القرءاين ويعزلها عن سياقها ومنظومتها‬
‫ويبني عليها مفهومًا شيطانيًا مخالفًا للقرءان‪ ،‬وينقض القرءان‬
‫ويتهمه بناء على مفهومه الشيطاين‪ ،‬ويلزم القرءان بمفهومه لكونه‬
‫أتى هبذه الجملة المقتطعة من النص والسياق‪.‬‬

‫ومفهوم األمر بالقتل والقتال هو من هذا الباب‪ ،‬فيجب فهم‬


‫نصوص األمر بالقتل والقتال وفق السياق الذي أتت فيه‬
‫والمنظومة التي ينتمي إليها األمر‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫المنظومة العامة الثابتة التي تحكم عالقات الناس ببعضهم‬


‫والشعوب هي قاعدة السالم والتعايش والتعارف والتعاون‬

‫َّاس إِنَّا َخ َل ْقنَاكُم ِّمن َذ َكرٍ َو ُأن َثى َو َج َع ْلنَاك ُْم ُش ُعوبًا‬
‫﴿يا َأ ُّي َها الن ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َق َبائ َل ل َت َع َار ُفوا إِ َّن َأك َْر َمك ُْم عندَ اهلل َأ ْت َقاك ُْم إِ َّن اهللَ َعل ٌ‬
‫يم َخبِ ٌير﴾‬
‫(الحجرات‪،)13/‬‬

‫ج ِد ا ْل َح َرا ِم َأن‬ ‫َآن َق ْو ٍم َأن َصدُّ وك ُْم َع ِن ا ْل َم ْس ِ‬ ‫﴿والَ َي ْجرِ َم َّنك ُْم َشن ُ‬ ‫َ‬
‫َت ْعتَدُ و ْا َو َت َع َاونُو ْا َع َلى ا ْل ِّبر َوال َّت ْق َوى َوالَ َت َع َاونُو ْا َع َلى ِ‬
‫اإل ْث ِم َوا ْل ُعدْ َو ِ‬
‫ان‬
‫اب﴾ (المائدة‪.)2/‬‬ ‫َوا َّت ُقو ْا ال ّل َه إِ َّن ال ّل َه َش ِديدُ ا ْل ِع َق ِ‬

‫واإلثم والعدوان محرم‪ ،‬هذا أصل ثابت يف المنظومة العامة‬


‫التي تحكم حركة المسلم والمجتمع السلمي‪ ،‬وهذا ال يعني أن‬
‫المجتمع يسمح لآلخرين باالعتداء عليه واحتالله واستعباده‬
‫وسرقة ثرواته‪ ،‬فهذا االعتداء من اآلخرين البد له من مجاهبة‬
‫وتوقيف لهم عند حدهم‪ ،‬لهذا أتى األمر القرءاين بقتال الذين‬
‫يقاتلوننا‬

‫ين ُي َقاتِ ُلو َنك ُْم َوالَ َت ْعتَدُ و ْا إِ َّن ال ّل َه الَ‬ ‫﴿و َقاتِ ُلو ْا فِي سبِ ِ ِ ِ‬
‫يل ال ّله ا َّلذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾(البقرة ‪،)190‬‬ ‫ب ا ْل ُم ْعتَد َ‬
‫ُيح ِّ‬

‫فنحن لم نبدأ القتال وإنما رددنا العدوان عن أنفسنا من هؤالء‬


‫المجرمين األوغاد‪ ،‬فهم من اعتدى علينا‪ ،‬والدفاع عن أنفسنا هو‬

‫‪79‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫حق لنا شرعًا وقانونًا وعرفًا ومنطقًا عند كل العقالء‪ ،‬يف كافة‬
‫المجتمعات اإلنسانية‪.‬‬

‫كل نصوص القتال أو األمر بالقتل هي متعلقة بحروب ومعارك‬


‫دارت بين المجتمع السلمي و المجتمع المعتدي أو المحارب‬
‫لنا‪.‬‬

‫ويف كل دساتير المجتمعات اإلنسانية توجد أحكام طوارئ تتعلق‬


‫بالحرب والدفاع المشروع عن المجتمع والمشاركة بالقتال‬
‫حين االعتداء عليهم‪ ،‬وهذه األحكام هي أحكام طوارئ مؤقتة‬
‫ظرفية وليست دائمة‪ ،‬وليست أصالً يف العالقات اإلنسانية مع‬
‫بعضهم‪ ،‬وال يصح رفع هذه األحكام الطارئة واتخاذها مبدأ أو‬
‫شعار ًا للمجتمع‪ ،‬ألهنا غير ثابتة‪ ،‬وليست أصالً‪ ،‬بل هي االستثناء‬
‫الضروري بخالف السالم والتعايش والتعاون فهو مبدأ وأصل‬
‫ثابت وهو يرفع كشعار ومبدأ للمجتمع السلمي‪.‬‬

‫لذلك ال تصح هذه االفرتاءات على اإلسالم واهتامه بأنه دين‬


‫القتل والرعب واإلرهاب والقتال فكلها كذب وافرتاء مبني على‬
‫برت جمل من القرءان وعزلها عن سياقها ثم بناء مفاهيم شيطانية‬
‫عليها خالفًا للسياق القرءاين الذي جاءت فيه‪ ،‬وخالفًا أيضًا‬
‫لمنظومته الثابتة‪ ،‬وخالفًا للحقائق على أرض الواقع‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫اإلرهـاب‬
‫إيدز العصر‬

‫مدخل‬
‫َم ّيز هذا العصر بأنه عصر المعلوماتية‪ ،‬واالنفتاح العالمي؛ حتى‬
‫صار العالم كأنه قرية واحدة‪ ،‬وهذا الجانب اإليجابي رافقته‬
‫أعراض سلبية‪ ،‬أهمها وأخطرها عولمة اإلرهاب وسرعة انتشاره‬
‫من مجتمع إلى آخر‪ ،‬كانتشار النار يف الهشيم‪.‬‬

‫وقد تم استغالل هذا اإلرهاب يف تحقيق مصالح سلطوية‪،‬‬


‫واقتصادية‪ .‬بل َو ُشنَّت حروب ضارية على شعوب آمنة بحجة‬
‫محاربة اإلرهاب‪ ،‬واجتثاثه من جذوره‪ ،‬وتم استخدام اإلرهاب‬
‫كتهمة إجرامية للقضاء على أي معارضة‪ ،‬أو اتجاه غير مرغوب‬
‫فيه‪.‬‬

‫واإلرهاب ال يخص دينًا أو فكر ًا معينًا‪ ،‬وإنما هو ممارسة‬


‫إجرامية يتمثل بصور فكرية‪ ،‬أو دينية لكي ُيخفي هويته القبيحة‪،‬‬
‫ودوافعه القذرة ‪ ،8‬لذا؛ من الخطأ الفاحش إلصاق اإلرهاب‬
‫منابع اإلرهاب الحقيقية هي االستعمار والظلم والعدوان والفقر والجهل والتخلف وقمع الحريات‬ ‫‪8‬‬
‫واالستبداد واالستعباد واالستحمار للناس‪ ،...‬ويتم توظيف الدين إما لتربير ذلك االستحمار‬
‫واالستعباد‪ ،‬أو لمحاربته‪ ،‬ويتم استخدام مفاهيم الجهاد المقدس‪ ،‬والقتال‪ ،‬والشهادة‪ ،...‬ومن أجل‬
‫ذلك ينبغي ضبط مفاهيم الدين حتى ال يستخدمها أحد لمصالحه الخاصة‪ ،‬وحتى تظهر الدوافع=‬

‫‪81‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫بدين‪ ،‬أو فكر‪ ،‬ألن الدين يقوم على المحبة‪ ،‬والسالم‪ ،‬والعدل‪،‬‬
‫والتعايش‪ ،‬والتعارف اقرأ قوله تعالى‪:‬‬

‫َّاس إِنَّا َخ َل ْقنَاكُم ِّمن َذ َكرٍ َو ُأن َثى َو َج َع ْلنَاك ُْم ُش ُعوبًا‬
‫﴿يا َأ ُّي َها الن ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َق َبائ َل ل َت َع َار ُفوا إِ َّن َأك َْر َمك ُْم عندَ اهلل َأ ْت َقاك ُْم إِ َّن اهللَ َعل ٌ‬
‫يم َخبِ ٌير﴾‬
‫(الحجرات‪)13 /‬‬

‫وكلمة الفكر تدل على االنفتاح على اآلخرين‪ ،‬والتعايش‬


‫والتعاون معهم‪ ،‬بينما اإلرهاب على خالف ذلك تمامًا‪.‬‬

‫لقد انتشر اإلرهاب يف المجتمعات‪ ،‬وتغلغل يف البنية الثقافية‪ ،‬إلى‬


‫درجة أن الذي ُيمارس عليه اإلرهاب أيًا كان فكره‪ ،‬يرد بصورة‬
‫انفعالية وردات أفعال إرهابية‪ ،‬مما أدى إلى تكريس النزعات‬
‫مارسة يف كثير من المجتمعات‪ ،‬بل صار‬ ‫اإلرهابية اعتقاد ًا و ُم َ‬
‫األمر مثل النار التي تلتهم بعضها‪ ،‬وتحرق كل شيء‪.‬‬

‫ولخطورة األمر‪ ،‬وأهميته؛ ينبغي ضبط مفهوم اإلرهاب‪ ،‬ونزعه‬


‫من الدين‪ ،‬أو الفكر‪ ،‬ونفي صفة الثقافة عنه‪ ،‬وتعريته على حقيقته‬
‫إلظهار قبحه وقذارته وفحشه كي تتكشف الحقائق للشعوب‪،‬‬
‫ويعرفوا الصديق من العدو‪ ،‬والصادق من الكاذب يف دعواه‪.‬‬

‫=الحقيقية وراء األعمال‪ ،‬فالحرب بين الناس ليست دينية قط‪ ،‬وإنما هي اقتصادية أو سياسية أو‬
‫اجتماعية‪ ،‬وبالتالي ينبغي رفع شعار محاربة الظلم واالستبداد واالستعباد‪ ،...‬ومن أجل ذلك ُش ِّرع‬
‫القتال يف اإلسالم لتحقيق العدل واألمن والسالم وممارسة الحريات تحت راية‪ :‬ال إكراه يف الدين قد‬
‫تبين الرشد من الغي ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫تعريف الرهبة و اإلرهاب‪:‬‬


‫كلمة الرهبة أصلها اللساين من (رهب) التي تدل على تكرار‬
‫مؤرجح بخفة‪ ،‬منته بجمع مستقر‪ ،‬وهذه داللة أصوات أحرف‬
‫الكلمة فيزيائيًا‪ ،‬وظهرت يف االستخدام الثقايف بمفهوم تقليص‬
‫الحركة‪ ،‬وإضعافها وتحديدها من منطلق الخوف والتعظيم‪ ،‬ومن‬
‫هذا الوجه ظهر مفهوم (الرهبانية)‪ ،‬التي تدل على االنكماش من‬
‫الحياة االجتماعية وملذاهتا‪ ،‬وممارسة النشاط على حده األدنى‬
‫من منطلق الخوف والتعظيم بصورة ذاتية‪.‬‬

‫نالحظ أن الخوف هو األساس لحصول الرهبنة‪ ،‬وإن انتفى‬


‫الخوف؛ ينتفي فعل الرهبنة‪ ،‬والرهبة يمارسها اإلنسان بحرية يف‬
‫نفسه‪ ،‬مثل خوفه من اإلقدام على ممارسة الفواحش من منطلق‬
‫﴿يا َبنِي‬
‫إيماين‪ ،‬أو علمي‪ ،‬فيبتعد عن ذلك‪ ،‬اقرأ قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ت ع َليكُم و َأو ُفو ْا بِعه ِدي ُأ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫إِ ْس َرائِ َ‬
‫وف‬ ‫َْ‬ ‫يل ا ْذك ُُرو ْا ن ْع َمت َي ا َّلتي َأ ْن َع ْم ُ َ ْ ْ َ ْ‬
‫اي َف ْار َه ُب ِ‬ ‫ِ‬
‫ون﴾ (البقرة ‪)40 /‬‬ ‫بِ َع ْهدك ُْم َوإِ َّي َ‬

‫وعهد اهلل؛ هو الصدق وااللتزام بتعامل اإلنسان يف حياته‬


‫االجتماعية َوفق مفهوم المحبة والسالم والعدل والحرية‪ ،‬فإن‬
‫أوىف بعهده؛ ي ِ‬
‫وف اهلل بعهده من حيث استقرار األمن والطمأنينة‬ ‫ُ‬
‫يف المجتمع‪ ،‬وانتشار الخير والصالح‪.‬‬

‫اهلل‪،‬‬
‫رهب َ‬‫الحظ؛ أن عمل الرهبة يصدر من واحد‪ ،‬فاإلنسان َي ُ‬

‫‪83‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ب اإلنسان‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اهلل ُيره ُ‬
‫وليس ُ‬
‫إذ ًا فعل (رهب) الجذر الثالثي صدر منه‬
‫رهبون‪َ ،‬ت َ‬
‫رهبون)‬ ‫رهب‪َ ،‬ي َ‬
‫فعل ( َي ُ‬
‫والمصدر (رهبة)‬
‫واسم الفاعل (راهب)‪،‬‬
‫رهب) من قام بممارسة الرهبة يف نفسه على أرض‬ ‫وفاعل ( َي َ‬
‫الواقع بحرية تامة‪.‬‬
‫ومن فعل (رهب)‬
‫ب‪ُ ،‬يرهب‪ُ ،‬يرهبون‪ُ ،‬ترهبون)‪،‬‬
‫(أره َ‬
‫ظهر الفعل الرباعي المزيد َ‬
‫والمصدر (إرهاب)‬
‫واسم الفاعل ( ُمرهب)‪.‬‬
‫انظر على سبيل المثال قولنا‪ :‬أفسد زيدٌ عمر ًا‪ ،‬وقولنا‪ :‬أفسد زيدٌ‬
‫الطعام؟‬
‫الذي قام بعملية اإلفساد يف الجملتين هو زيد‪ ،‬ومحل الفساد‬
‫هما عمرو والطعام‪ ،‬هذا هو المستوى النحوي األول للفهم‬
‫والدراسة‪،‬‬
‫أما المستوى الثاين األرقى فهو أنه يوجد فرق بين فساد ٍ‬
‫عمر‪،‬‬
‫وفساد الطعام يف واقع الحال‪ ،‬من حيث أن عمر ًا كائن له إرادة‬

‫‪84‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫واعية‪ ،‬وحرية واختيار‪ ،‬بينما الطعام ينتفي عنه الوعي‪ ،‬واإلرادة‬


‫والحرية‪ ،‬وهذا يقتضي وجود فرق بين فسادهما‪ ،‬فعمرو قام‬
‫بممارسة الفساد نتيجة تأثره بزيد ودعمه له‪ ،‬فهو من هذا الباب‬
‫فاعل فساد‪ ،‬وزيد فاعل دعم وتأثير‪ ،‬بخالف الطعام فقد وقع عليه‬
‫فعل الفساد كرهًا‪ ،‬فهو منفعل ال فاعل‪.‬‬
‫وفاعل (أرهب‪ُ ،‬يرهب) يف الواقع اثنان‪:‬‬

‫األول‪ :‬الذي مارس يف الواقع سلوكًا معينًا‪ ،‬يدفع اآلخر ليقوم‬


‫باتخاذ فعل الرهبة يف نفسه بحرية نتيجة هذا السلوك‪ ،‬ولنسمه‬
‫فاعل إعداد‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬الذي يريد أن ُيمارس عدوانًا ضد جهة ما‪ ،‬فيمنع نفسه‬


‫بإرادته‪ ،‬رهبة من قوة اآلخر‪ ،‬فهو يتمثل فعل الرهبة يف الواقع‪،‬‬
‫ولنسمه (فاعل) الرهبة‪.‬‬

‫وداللة (الرهبة) غير (الهيبة) التي تدل على نفي ممارسة سلوك‬
‫نحو جهة معينة نتيجة االحرتام والتقدير والتعظيم لها‪ ،‬وبالتالي ال‬
‫ب‬‫َره ُ‬
‫ينتج عنها الخوف‪ ،‬بينما الخوف الزم لفعل الرهبة‪ ،‬فنحن ن َ‬
‫اهلل‪ ،‬وال هنابه‪ ،‬والرهبة أعم من الهيبة‪ ،‬واهلل ال يمارس فعل الرهبة‬
‫َ‬
‫رهب)‪ ،‬وال على غيره ( ُيرهب)‪.‬‬ ‫ال يف نفسه ( َي َ‬
‫(يرهب) يف الواقع ظهر بصورتين‪:‬‬
‫وفعل ُ‬
‫األولى‪ :‬رهبة إعداد‪َ ،‬تمنع اآلخرين من ممارسة العدوان والظلم‬

‫‪85‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫من تلقاء أنفسهم دون قهر‪ ،‬فهم فاعلو إعداد فقط‪ ،‬وتصدر الرهبة‬
‫من اآلخر فاعل لها بإرادته بصورة حرة‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬رهبة عدوان‪ُ ،‬تجرب اآلخرين على اتخاذ موقف الرهبة‬


‫خوفًا‪ ،‬فتصدر الرهبة منهم قهر ًا‪ ،‬وبالتالي يكون الفاعل للرهبة‬
‫حقيقة من زرعها يف نفوس المرهوبين‪.‬‬

‫ومن ُيرهب اآلخرين بعدوانه وبطشه وظلمه‪ ،‬يكون هو الفاعل‬


‫لفعل الرهبة و ُيسمى ( ُمرهب) لزومًا‪ ،‬واآلخر (المرهوب)‬
‫وقع عليه الفعل‪ ،‬ولم ينبثق فعل الرهبة بإرادته‪ ،‬وإنما قهر ًا‬
‫وخوفًا‪ ،‬بخالف من يختار فعل الرهبة من تلقاء نفسه نتيجة قوة‬
‫اآلخر وعظمته‪.‬‬

‫عدو السالم والمحبة‪ ،‬فهو مارس‬


‫انظر إلى قولنا‪ :‬أرهب المؤم ُن َّ‬
‫ال ردع ّية تر ّتب عليها عند األعداء للسالم والعدل اتخاذ‬
‫أفعا ً‬
‫موقف الرهبة من تلقاء أنفسهم وك ّفوا عن عدواهنم‪ ،‬ويكون‬
‫المؤمن هنا قد صدر منه فعل (أرهب) سلوكًا وليس ثقافة‪.‬‬

‫وال يصح استخدام االشتقاق منه اسم الفاعل ( ُمرهب) وال‬


‫المصدر (إرهابي) صفة للمؤمن ألن ذلك الفعل منه ليس الزمًا‬
‫صف الصواين ُيطلق عليه حلواين‪ ،‬وليس كل‬ ‫ّ‬ ‫له‪« .‬فليس كل من‬
‫دق مسمار ًا يصير نجار ًا»‪.‬‬
‫من ّ‬

‫عدو السال ِم المؤمني َن‪ ،‬كيف زرع يف نفوس‬


‫وانظر إلى قولنا‪ :‬أرهب ُّ‬

‫‪86‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫المؤمنين الخوف والذعر نتيجة فعله اإلجرامي والعدواين‪ ،‬فكل‬


‫إنسان عدو للسالم واألمن والعدل والحرية هو إرهابي ُحكمًا أو‬
‫فعالً‪ ،‬وتكون صفة اإلرهاب الزمة له ثقافة‪.‬‬

‫ففعل أرهب الذي صدر من المؤمن هو زجر وردع للعدو نتيجة‬


‫إعداد وإظهار قوته له‪ ،‬وهذا ما يقتضيه صفة اإليمان‪ ،‬ألن المؤمن‬
‫ال يعتدي على أحد‪ ،‬وبالتالي قام العدو من تلقاء نفسه بحرية يف‬
‫اتخاذ موقف الرهبة ومنع نفسه من إرهاب المؤمن أو االعتداء‬
‫عليه‪ ،‬بينما فعل أرهب الذي صدر من العدو هو عدوان وظلم‬
‫ترتب عليه إدخال الرهبة يف نفوس المؤمنين كرهًا ورعبًا‪ ،‬حيث‬
‫صار العدو هو فاعل الرهبة حقيقة ألنه زرعها يف نفوس المؤمنين‬
‫قهر ًا‪.‬‬

‫اط ا ْلخَ ْي ِل‬ ‫اقرأ قوله تعالى ﴿و َأ ِعدُّ و ْا َلهم ما اس َت َطعتُم من ُقو ٍة و ِمن رب ِ‬
‫ُ َّ ْ ْ ِّ َّ َ ِّ َ‬ ‫َ‬
‫ين ِمن ُدونِ ِه ْم الَ َت ْع َل ُمون َُه ُم ال ّل ُه‬ ‫ون بِ ِه َعدْ َّو ال ّل ِه َو َعدُ َّوك ُْم َو َ‬
‫آخرِ َ‬ ‫ت ُْر ِه ُب َ‬
‫ف إِ َل ْيك ُْم َو َأنت ُْم الَ‬ ‫يل ال ّل ِه ُي َو َّ‬
‫ُنف ُقو ْا ِمن َش ْي ٍء فِي َسبِ ِ‬ ‫يع َلمهم وما ت ِ‬
‫َْ ُُ ْ ََ‬
‫اجن َْح َل َها َوت ََوك َّْل َع َلى ال ّل ِه إِ َّن ُه ُه َو‬ ‫ِ‬
‫ون َوإِن َجن َُحو ْا ل َّ‬
‫لس ْل ِم َف ْ‬ ‫ُت ْظ َل ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾(األنفال ‪)61 -60‬‬ ‫يع ا ْل َعل ُ‬‫السم ُ‬ ‫َّ‬
‫فاإلنسان المؤمن ال ُيجرب أحد ًا على الرهبة‪ ،‬وإنما يجعله أن يختار‬
‫من نفسه موقف الرهبة َوفق ُمعطيات الواقع المادية والثقافية‪،‬‬
‫فالرهبة حصلت من داخل اإلنسان نفسه‪ ،‬وهذا العمل من المؤمن‬

‫‪87‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ُموجه إلى عدو اهلل‪ ،‬ومفهوم اهلل؛ يمثل يف الواقع السالم والحق‪،‬‬
‫وهما اسمين من أسمائه‪ ،‬بمعنى؛ عدو السالم والحق‪ ،‬فينبغي‬
‫على المؤمن أن يجعل عدو اهلل يتخذ ‪ -‬ذاتيًا ‪ -‬موقف الرهبة من‬
‫قوة الحق‪ ،‬ومن كان عدو ًا هلل (السالم والحق) فهو عدو للشعوب‬
‫اآلمنة ضرورة‪.‬‬

‫ومثل ذلك مثل مفهوم القتال تمامًا‪ ،‬فاهلل تعالى أمرنا أن نقاتل‬
‫المعتدين؛ بل ونقتلهم‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫ِ‬
‫وه ْم‬
‫ث َو َجدت ُُّم ُ‬ ‫ين َح ْي ُ‬‫انس َل َخ األَ ْش ُه ُر ا ْل ُح ُر ُم َفا ْق ُت ُلو ْا ا ْل ُم ْشرِك َ‬ ‫﴿ َفإِ َذا َ‬
‫وه ْم َوا ْق ُعدُ و ْا َل ُه ْم ك َُّل َم ْر َص ٍد َفإِن تَا ُبو ْا َو َأ َق ُامو ْا‬ ‫اح ُص ُر ُ‬ ‫وه ْم َو ْ‬ ‫َو ُخ ُذ ُ‬
‫ِ‬
‫يم﴾التوبة‪5‬‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫الصالَ َة َوآت َُو ْا ال َّزكَا َة َفخَ ُّلو ْا َسبِي َل ُه ْم إِ َّن ال ّل َه َغ ُف ٌ‬
‫َّ‬

‫ون َأن َي ْأ َمنُوك ُْم َو َي ْأ َمنُو ْا َق ْو َم ُه ْم ك َُّل َما‬ ‫ين ُيرِيدُ َ‬ ‫آخرِ َ‬ ‫ون َ‬‫َجدُ َ‬ ‫﴿ست ِ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫ُر ُّد َو ْا إِ َلى ا ْلفتْنة ُأ ْرك ُسو ْا فيِ َها َفإِن َّل ْم َي ْعت َِز ُلوك ُْم َو ُي ْل ُقو ْا إِ َل ْيك ُُم َّ‬
‫الس َل َم‬
‫وه ْم َو ُأ ْو َلـئِك ُْم‬
‫ث ثق ْفت ُُم ُ‬
‫وي ُك ُّفو ْا َأي ِديهم َفخُ ُذوهم وا ْق ُت ُلوهم حي ُ ِ ِ‬
‫ُ ْ َْ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ََ َ ْ َُ ْ‬
‫َج َع ْلنَا َلك ُْم َع َل ْي ِه ْم ُس ْل َطانًا ُّمبِينًا﴾(النساء ‪.)91/‬‬

‫فاألمر للمؤمن بالقتل ال ُي َص ِّيره قاتالً! والقتل بحد ذاته فعل‬


‫سلبي مذموم ال ينبغي أن يوصف به المؤمن‪ ،‬ألن اإليمان من‬
‫األمن الذي هو ضد الحرب والخوف والرعب واإلرهاب‪،‬‬
‫فالمؤمن ليس قاتالً‪ ،‬وال إرهابيًا‪ ،‬رغم ممارسته لفعل القتل‬

‫‪88‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫أو اإلرهاب ضرورة كسلوك عالجي أو ردعي؛ ولكن بصورة‬


‫إيجابية ال سلبية‪ ،‬وكصفة عارضة ال الزمة‪ ،‬وبالتالي ال يصح أن‬
‫يأخذ اسم الفاعل (قاتل) أو الصفة (إرهابي)‪.‬‬

‫إذ ًا؛ اإلنسان المؤمن ال ُيمارس الرهبة على اآلخرين ثقافة‪،‬‬


‫وبالتالي ليس هو إرهابيًا‪ ،‬وكذلك اهلل تعالى ال ُيجرب أحد ًا على‬
‫رهبته‪ ،‬وإنما يطلب من العباد ‪ -‬ذاتيًا ‪ -‬أن َيرهبوه‪ ،‬وبالتالي؛ فاهلل‬
‫ليس إرهابيًا!‬

‫فاإلرهاب هو أن ُتجرب‪ ،‬أو ُتكره اآلخرين رغم إرادهتم على اتخاذ‬


‫موقف الرهبة من منطلق الخوف من البطش والظلم‪ ،‬بخالف‬
‫من اختار موقف الرهبة من منطلق خوفه من قوة الحق والعدل‬
‫والسالم‪ ،‬فهو ُيقلص إجرامه وإفساده إلى الحد األدنى‪ ،‬فهو‬
‫الطرف اإلجرامي يف المعادلة‪ ،‬وهو اإلرهابي يف الواقع‪ ،‬وقوة‬
‫الحق والسالم والعدل ُترهبه من ممارسة إرهابه على الناس‪.‬‬

‫فمفهوم اإلرهاب يدل على سلوك إجرامي يف حق الناس‪ ،‬وال‬


‫يمكن أن يكون مفهومًا صالحًا إيجابيًا‪ ،‬فكما أنه ال يصح‬
‫أن نطلق على اهلل أو المؤمن صفة القاتل اشتقاقًا من الفعل‪،‬‬
‫كذلك من الخطأ إطالق صفة اإلرهابي على اهلل تعالى‪ ،‬أو على‬
‫المؤمنين‪ ،‬مثله مثل صفة القاتل تمامًا‪ ،‬فهما مفهومان سلبيان‬
‫عند اإلطالق‪ ،‬بخالف استخدام الفعل منهما (أرهب‪ ،‬وقتل)‬
‫ردعًا أو دفاعًا‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫أما قوله تعالى‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يع‬ ‫اجن َْح َل َها َوت ََوك َّْل َع َلى ال ّله إِ َّن ُه ُه َو َّ‬
‫السم ُ‬ ‫﴿وإِن َجن َُحو ْا ل َّ‬
‫لس ْل ِم َف ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫يم﴾ (األنفال ‪)61‬‬ ‫ا ْل َعل ُ‬
‫فالضمير يف كلمة(لها) يعود لكلمة (قوة) يف النص الذي سبق‪،‬‬
‫ألن الضمير أتى بصيغة المؤنث‪ ،‬وكلمة(السلم) مذكر بينما كلمة‬
‫(قوة) مؤنثة‪ ،‬والمقصد هو أن أعداء اهلل إن ارهتبوا من قوتكم‬
‫للسلم‪ ،‬يكون ذلك عادة اضطرار ًا‪ ،‬فحافظوا على‬ ‫وجنحوا َّ‬
‫قوتكم الرادعة‪ ،‬وال تجنحوا للدعة والراحة فتعطوا بذلك للعدو‬
‫السلم‬
‫مربر الرجوع إلى العدوان واإلرهاب‪ ،‬ألن اتخاذ موقف ّ‬
‫من قبل العدو مناورة‪ ،‬وليس ثقافة‪.‬‬

‫وبذلك ظهر الفرق بين مفهوم (اإلرهاب) الالزم لفاعله ثقافة‬


‫بالمرهبين‪ ،‬ومفهوم (أرهب) كفعل عارض‬ ‫وسلوكًا‪ ،‬وهو خاص ُ‬
‫ظريف خاص بالمؤمنين‪.‬‬

‫وعندما يصدر اإلرهاب من الطرف اإلجرامي سواء أكان خارجيًا‬


‫أم داخليًا فقد يرتتب عليه صدور إرهاب من الطرف الضحية‬
‫كردة فعل‪ ،‬ويصير إرهاب ضد إرهاب‪ ،‬والحل يف هذه الحالة هو‬
‫عالج اإلرهاب األول الذي فر الثاين‪ ،‬وضبط اإلرهاب الثاين‬
‫من خالل نشر الوعي والثقافة من أن الخطأ ال يعالج بخطأ‪ ،‬والنار‬
‫ال تطفئها النار‪ ،‬وإنما البد لها من الماء ليربدها‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫الفرق بين اإلرهاب‪ ،‬والجهاد‪ ،‬والقتال‪ ،‬والمقاومة‪:‬‬

‫أ‪ -‬اإلرهاب‪:‬‬
‫مفهوم سلبي وهو أن ُتجرب الناس على فعل الرهبة نتيجة بث‬
‫الرعب يف نفوسهم‪ ،‬وخشيتهم من القتل والعنف؛ ظلمًا وعدوانًا‪،‬‬
‫ويجربهم على تقليص حركتهم إلى الحد األدنى َوفق ما ُيملي‬
‫عليهم اإلرهابي‪ ،‬وصفة اإلرهاب الزمة لألعداء المجرمين‪.‬‬

‫ولإلرهاب صور كثيرة يف الواقع‪ ،‬منها الثقايف‪ ،‬والسياسي‪،‬‬


‫واالقتصادي‪ ،‬وغير ذلك من نشاطات يف الحياة االجتماعية‪،‬‬
‫واإلرهاب يعتمد دائمًا على قوة السالح والبطش‪ ،‬والتهديد يف‬
‫إزهاق حياة الناس‪ ،‬أو قمع حرياهتم‪ ،‬أو مصادرة ممتلكاهتم‪ ،‬أو‬
‫إتالفها‪ ،‬فهو متعلق بالجانب األمني‪ ،‬واالقتصادي‪.‬‬

‫ب‪ -‬الجهاد‪:‬‬
‫مفهوم إيجابي و هو بذل الجهد والصرب لتحقيق أمر إيجابي على‬
‫صعيد النفس‪ ،‬أو المجتمع للنهضة‪.‬‬

‫ويقوم على مفهوم السالم‪ ،‬والعدل‪ ،‬والحرية‪ ،‬فيوجد جهاد‬


‫يف طلب العلم‪ ،‬وجهاد يف فعل الخير‪ ،‬وجهاد يف نشر الوعي‬
‫والصالح بين الناس‪ ،‬والقتال هو أحد صور الجهاد التي فرضها‬
‫الواقع علينا‪ ،‬ونحن كارهون له‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ب َع َل ْيك ُُم ا ْل ِقت َُال َو ُه َو ك ُْر ٌه َّلك ُْم﴾(البقرة ‪)216 /‬‬ ‫ِ‬
‫﴿كُت َ‬

‫لذا؛ من الخطأ حصر مفهوم الجهاد يف القرءان بمفهوم القتال‪،‬‬


‫ألن صور الجهاد كثيرة يف الواقع‪ ،‬وينبغي على اإلنسان أن يكون‬
‫يف الحياة ُمجاهد ًا بصورة من الصور‪ ،‬ومن ينتفي عنه الجهاد؛‬
‫يكون إنسانًا عاطالً‪ ،‬و َكالَّ يف الحياة االجتماعية‪.‬‬

‫قف دون رأيك يف الحياة مجاهد ًا‬


‫إن الحيا َة إيمان وجهاد‬
‫ّ‬

‫والهدف هو الذي ُيحدد نوعية الجهاد‪ ،‬واألدوات التي ينبغي‬


‫تحصيلها يف الواقع للوصول إلى الهدف‪ ،‬ألن األدوات ينبغي أن‬
‫تكون من جنس الهدف‪.‬‬

‫لذا؛ ال يصح تسمية اإلرهاب أو اإلفساد يف األرض على صعيد‬


‫البيئة أو اإلنسان‪ ،‬جهاد ًا‪ ،‬ألن الجهاد مفهوم إيجابي‪ ،‬يهدف‬
‫إلى الخير والصال ؛ بواسطة السالم‪ ،‬والعدل‪ ،‬واألمن كأصل‬
‫لممارسة الجهاد‪ ،‬وأدوات الجهاد جزء ال يتجزأ منه‪ ،‬وأحيانًا‬
‫يفرض الواقع على المجاهد استخدام القوة المادية على الحد‬
‫األدنى لتحقيق السالم واألمن‪ ،‬ومثل ذلك كمثل الطبيب الذي‬
‫يضطر إلى إجراء عملية استئصال جراحي لورم خبيث بقصد‬
‫المحافظة على سالمة المريض وحياته ال قتله‪ ،‬من باب آخر‬
‫الطب الكي‪ ،‬فإن َأمِن المجاهد نفي عدوان اآلخرين وإجرامهم‪،‬‬

‫‪92‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫يرجع إلى األصل الذي هو السالم والعدل واألمن والحرية‪.‬‬

‫ت‪ -‬القتال‪:‬‬
‫مفهوم حيادي من فعل قتل وله داللة مادية وأخرى معنوية‪ ،‬وهو‬
‫يدل على تقليص فاعلية الشيء وقوته للحد األدنى‪ ،‬وقد يصل‬
‫إلى توقيف الفاعلية كليًا‪ ،‬والقتال يدل على ممارسة الفعل بين‬
‫طرفين‪ ،‬ويأخذ حكمه من الدافع للقتال والباعث له‪.‬‬

‫وكلمة القتال مثل كلمة المالكمة‪ ،‬فهي حركات متبادلة بين‬


‫طرفين‪ ،‬فإن كانت من طرف واحد انتفى عن الحدث اسم القتال‪،‬‬
‫وصار أحدهما قاتالً‪ ،‬واآلخر مقتو ً‬
‫ال‪.‬‬

‫َان‬
‫﴿و َما ك َ‬ ‫واإلنسان المؤمن ليس من صفاته ممارسة القتل أبد ًا‪َ ،‬‬
‫حض‬ ‫لِ ُم ْؤ ِم ٍن َأن َي ْقت َُل ُم ْؤ ِمنًا إِالَّ َخ َطئًا﴾ (النساء ‪ ،)92 /‬والقرآن ّ‬
‫ب َع َل ْيك ُُم ا ْل ِقت َُال َو ُه َو ك ُْر ٌه‬ ‫ِ‬
‫على القتال‪ ،‬وليس على القتل‪﴿،‬كُت َ‬
‫َّلك ُْم﴾ (البقرة ‪ ،)216 /‬بمعنى أن المجتمع المؤمن إن تعرض‬
‫للعدوان والظلم والقهر ينبغي عليه أن يدافع عن نفسه‪ ،‬ويرد‬
‫العدوان من خالل مشاركته بعملية القتال ُمكره‪ ،‬ال أن يختار‬
‫جانب المقتول‪ ،‬أو المضروب‪.‬‬

‫ب َع َل ْيك ُُم ا ْل ِقت َُال َو ُه َو ك ُْر ٌه َّلك ُْم﴾ الواقع هو الذي فرض القتال‬ ‫ِ‬
‫﴿كُت َ‬
‫علينا‪ ،‬ونحن كارهون له‪ ،‬ولم يكن لنا خيار يف ذلك‪ ،‬واآليات التي‬

‫‪93‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ورد فيها األمر بالقتل‪ ،‬إنما هي يف موقع الدفاع عن النفس‪ ،‬وصد‬


‫عدوان المعتدين‪.‬‬

‫ين ُي َقاتِ ُلو َنك ُْم َوالَ‬ ‫انظر قوله تعالى‪﴿ :‬و َقاتِ ُلو ْا فِي سبِ ِ ِ ِ‬
‫يل ال ّله ا َّلذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حب ا ْلمعت َِدين﴾ ﴿وا ْق ُت ُلوهم حي ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ث َثق ْفت ُُم ُ‬
‫وه ْم‬ ‫ُ ْ َْ‬ ‫َ‬ ‫َت ْعتَدُ و ْا إِ َّن ال ّل َه الَ ُي ِّ ُ ْ َ‬
‫ث َأ ْخ َر ُجوك ُْم َوا ْل ِف ْتنَ ُة َأ َشدُّ ِم َن ا ْل َقت ِْل َوالَ‬ ‫وهم ِّم ْن َح ْي ُ‬ ‫َو َأ ْخرِ ُج ُ‬
‫ج ِد ا ْل َح َرا ِم َحتَّى ُي َقاتِ ُلوك ُْم فِ ِيه َفإِن َقا َت ُلوك ُْم‬‫وه ْم ِعندَ ا ْل َم ْس ِ‬ ‫ِ‬
‫ُت َقات ُل ُ‬
‫ِ‬ ‫وه ْم ك ََذلِ َ‬
‫ين﴾ (البقرة‪)191 -190‬‬ ‫ك َجزَاء ا ْلكَافرِ َ‬ ‫َفا ْق ُت ُل ُ‬

‫اهلل المجتمع المؤم َن أن يختار الموقف‬ ‫وبما أن األمر كذلك‪ ،‬أمر ُ‬


‫اإليجابي الفاعل‪ ،‬ويدفع عن نفسه الظلم والعدوان؛ ال أن يكون‬
‫سلبيًا منفعالً اهنزاميًا‪ ،‬ومن الخطأ الذي وقع فيه بعض المتطرفين‬
‫من المسلمين اقتطاع جزء من سياق النص القرآين‪ ،‬وتل ّقف ذلك‬
‫بعض المستشرقين‪( ،‬وا ْق ُت ُلوهم حي ُ ِ‬
‫ث َثق ْفت ُُم ُ‬
‫وه ْم) وأمثالها‪ ،‬و بنوا‬ ‫ُ ْ َْ‬ ‫َ‬
‫مذهبًا على ذلك‪ ،‬وجعلوه قاعدة يف بدء قتال الناس دون مربر‪،‬‬
‫حولوا القتال من القتال الدفاعي إلى العدواين‪ ،‬ومن‬ ‫وبذلك َّ‬
‫القتال اإلنساين إلى االستعبادي‪ ،‬وهبذا العمل نقضوا المقصد من‬
‫القتال‪ ،‬ونفوا عنه صفة القداسة إلى النجاسة!‬
‫والقتال موقف اجتماعي‪ ،‬وليس فرديًا أبد ًا‪ ،‬اقرأ قوله تعالى‪:‬‬
‫ِ ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫﴿ َلئِن َب َس َ‬
‫ك إِنِّي‬ ‫طت إِ َل َّي َيدَ َك ل َت ْق ُت َلني َما َأ َن ْا بِ َباسط َيد َ‬
‫ي إِ َل ْي َ‬
‫ك َألَ ْق ُت َل َ‬
‫ِ‬ ‫َأ َخ ُ‬
‫ين﴾ (المائدة ‪)58 /‬‬ ‫اف ال ّل َه َر َّب ا ْل َعا َلم َ‬

‫‪94‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ال يمكن للمؤمن أن يقبل بالمشاركة يف قتال أخيه اإلنسان‪ ،‬ولو‬


‫فض القتال ال يعني نفي فعل الدفاع عن النفس‪،‬‬ ‫ور ُ‬
‫اعتدى عليه‪َ ،‬‬
‫يرفض المؤمن أن ينزل مستواه الثقايف إلى مستوى‬
‫وإنما يعني أن َ‬
‫الظالم المجرم‪ ،‬فالمؤمن يبسط يده إلى الطرف المعتدي ولكن‬
‫ليس ليقتله‪ ،‬وإنما ليكف عن نفسه األذى ويضع حد ًا لالعتداء‬
‫والظلم‪.‬‬

‫فدوافع االثنين مختلفة‪:‬‬

‫المعتدي حريص على إيقاع األذى بأخيه‪.‬‬

‫المعتدَ ى عليه يحرص على أن يدفع عن نفسه األذى فقط‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬
‫يهدف إيقاع األذى بأخيه‪ ،‬وإنما يحرص على حياة أخيه؛ مثل‬
‫صر على عدم ال َقبول بالمشاركة‬
‫حرصه على حياته تمامًا‪ ،‬فهو َي ُّ‬
‫يف القتال‪.‬‬

‫لذا ينبغي التفريق بين‪:‬‬

‫مفهوم القتال‪ ،‬الذي يصير الطرفان فيه حريصان على قتل بعضهما‬
‫البعض‪ ،‬وبالتالي صارا كالهما قاتلين ُحكمًا‪ ،‬وكالهما قد حققا‬
‫داللة كلمة (القتال)‪(.‬القاتل والمقتول يف النار)‪.‬‬

‫ومفهوم االعتداء الذي يرتتب عليه دفع القتل عن النفس مع‬


‫المحافظة على حياة اآلخر‪ ،‬وعدم إيقاع األذى به‪ ،‬وإن حصل‬

‫‪95‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ً‬
‫خطأ؛ ال عمد ًا‪ ،‬وبذلك‬ ‫األذى نتيجة الدفاع عن النفس يكون‬
‫انتفى القتال‪ ،‬وصار اعتداء من طرف واحد‪.‬‬

‫فالقتال هو اختيار ثقايف اجتماعي ُمكروه‪ ،‬وهو دفاعي لشل‬


‫حركة المعتدي بالحد األدنى‪ ،‬ووقائي من صور الجهاد المؤقتة‬
‫العارضة‪ ،‬ألن األصل يف عالقات الناس هو السلم والعدل‪ ،‬ال‬
‫الحرب والظلم‪.‬‬

‫ويكون القتال منضبطًا بمفاهيم السالم والعدل والصالح‬


‫واإلنسانية‪ ،‬وبالتالي ُيمنع استخدام أي سالح ُيفسد البيئة‪،‬‬
‫على صعيد الكون واإلنسان‪( ،‬القنبلة الذرية التي ألقيت على‬
‫هيروشيما) ألن اإلنسان هو المقصود يف هذه الحياة‪ ،‬وصالح‬
‫الكون استمرار لحياته‪.‬‬

‫لذا ينبغي‪:‬‬

‫• أن يكون القتال بين المقاتلين فقط‬


‫• وبسالح تقليدي محدود التدمير‪ ،‬و ُيمنع السالح ذو التدمير‬
‫الشامل‬
‫• مع تحريم القتال يف األشهر الحرم و التي هي مواسم‬
‫اإلخصاب والتكاثر ونمو الزراعة (فصل الربيع)‪ ،‬وذلك كي‬
‫تستمر دورة الحياة‪ ،‬وتقوم برتميم ذاهتا‬

‫‪96‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫• وينبغي أن يكون القتال مؤقتًا على الحد األدنى‪ ،‬كي ال‬


‫ن َُو ّرث الثأر والعداوة والحقد لألجيال‪ ،‬ونقوم بتسليم البيئة‬
‫لهم وهي صالحة للحياة‪.‬‬

‫مع العلم أن الحرب ال يوجد فيها رابح قط‪ ،‬فهي تدمير وخسارة‬
‫للطرفين بنسب متفاوتة‪ ،‬فالحرب دمار وانحطاط وخراب‪.‬‬

‫لم ُي َش ّرع القتال يف القرآن من أجل إدخال الناس يف اإلسالم‬


‫ين﴾ (البقرة‪ )256 /‬وإنما ُش ّرع من أجل صد‬ ‫﴿الَ إِك َْرا َه فِي الدِّ ِ‬
‫ين ُي َقاتِ ُلو َنك ُْم َوالَ َت ْعتَدُ و ْا إِ َّن‬ ‫العدوان ﴿و َقاتِ ُلو ْا فِي سبِ ِ ِ ِ‬
‫يل ال ّله ا َّلذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾ (البقرة‪ )190/‬ومحاربة الظلم والفساد‪،‬‬ ‫ب ا ْل ُم ْعتَد َ‬ ‫ال ّل َه الَ ُيح ِّ‬
‫﴿و َت َع َاونُو ْا َع َلى ا ْل ِّبر َوال َّت ْق َوى َوالَ‬
‫واالستبداد واالستعباد للناس‪َ ،‬‬
‫اب﴾‬ ‫ان َوا َّت ُقو ْا ال ّل َه إِ َّن ال ّل َه َش ِديدُ ا ْل ِع َق ِ‬ ‫َت َع َاونُو ْا َع َلى ِ‬
‫اإل ْث ِم َوا ْل ُعدْ َو ِ‬
‫اإل ْح َس ِ‬
‫ان َوإِيتَاء ِذي ا ْل ُق ْر َبى﴾‬ ‫المائدة‪﴿ )2/‬إِ َّن ال ّل َه ي ْأ ُم ُر بِا ْل َعدْ ِل َو ِ‬
‫َ‬
‫ون بِا ْلمعروفِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َّاس ت َْأ ُم ُر َ َ ْ ُ‬
‫ت للن ِ‬ ‫(النحل‪﴿ ،)90/‬كُنت ُْم َخ ْي َر ُأ َّمة ُأ ْخرِ َج ْ‬
‫ُون بِال ّل ِه َو َل ْو َآم َن َأ ْه ُل ا ْلكِت ِ‬
‫َاب َلك َ‬
‫َان َخ ْير ًا‬ ‫َو َتن َْه ْو َن َع ِن ا ْل ُمن َكرِ َوت ُْؤ ِمن َ‬
‫ُون و َأ ْك َثرهم ا ْل َف ِ‬ ‫ِ‬
‫ون﴾ (آل عمران‪،)110/‬‬ ‫اس ُق َ‬ ‫َّل ُهم ِّمن ُْه ُم ا ْل ُم ْؤمن َ َ ُ ُ ُ‬
‫ليصير الناس أحرار ًا يف أفكارهم ونمط معيشتهم يف أوطاهنم‪،‬‬
‫والمجتمع اإلسالمي؛ مجتمع إنساين علمي‪ ،‬فاعل متعاون‬
‫إيجابي‪ ،‬منفتح على اآلخرين ثقافة‪ ،‬وإعالمًا‪ ،‬واقتصاد ًا‪،‬‬

‫‪97‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫ويتحالف مع قوى العدل والخير والصالح لتحقيق السالم بين‬


‫الدول‪ ،‬ويدعم الشعوب المظلومة والمقهورة‪ ،‬ويأخذ بيدها‬
‫لتتحرر من سلطاهتا االستعبادية الثالثة (فرعون وهامان وقارون)‬
‫مثلث اإلجرام‪.‬‬

‫أما على مستوى الفرد أو المؤسسات يف المجتمع الواحد‪،‬‬


‫فالقتال ممنوع منعًا باتًا‪ ،‬والمطلوب ضبط النفس‪ ،‬واتخاذ‬
‫موقف الدفاع‪ ،‬والحماية من األذى يف حال َف َقد أحد األطراف‬
‫صوا َبه‪ ،‬مع اإلصرار على عدم المشاركة يف القتال‪ ،‬والحرص‬
‫ال يصاب أحد بأذى قط يف حال الدفاع عن النفس‪.‬‬ ‫على أ ّ‬

‫ين ا ْق َت َت ُلوا َف َأ ْص ِل ُحوا َب ْين َُه َما َفإِن َبغ ْ‬ ‫ِِ‬ ‫﴿وإِن َطائِ َفت ِ ِ‬
‫َت‬ ‫َان م َن ا ْل ُم ْؤمن َ‬ ‫َ‬
‫إِ ْحدَ ُاه َما َع َلى ْاألُ ْخ َرى َف َقاتِ ُلوا ا َّلتِي َت ْب ِغي َحتَّى ت َِفي َء إِ َلى َأ ْمرِ اهلل ِ َفإِن‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾‬ ‫ب ا ْل ُم ْقسط َ‬ ‫اءت َف َأ ْصل ُحوا َب ْين َُه َما بِا ْل َعدْ ِل َو َأ ْقس ُطوا إِ َّن اهللَ ُيح ُّ‬
‫َف ْ‬
‫(الحجرات ‪)9 /‬‬

‫وإن حصل قتال بين طائفتين من المؤمنين لسبب من األسباب‪،‬‬


‫بين أسرتين أو قبيلتين أو مدينتين أو مجتمعين فيجب على‬
‫الدولة ذاهتا‪ ،‬أو دولة أخرى مؤمنة أن تتدخل و ُتوقف القتال‬
‫فور ًا‪ ،‬وتأخذ بيديهما إلى طاولة التفاوض لإلصالح بينهما‪ ،‬ألن‬
‫الحوار‪ ،‬وسماع الرأي اآلخر‪ ،‬وتحمل نتيجة األخطاء‪ ،‬والتنازل‬
‫لبعضهما يف سبيل التوصل للحق والعدل والسالم واألمن‪ ،‬هو‬

‫‪98‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫األسلوب الناجح بين الناس العقالء‪ ،‬وهو األسلوب الذي يتميز‬


‫به المجتمع اإلنساين عن البهيمي‪ ،‬ألن البغي والعنف والظلم‬
‫ال الرعب والدمار وسفك الدماء كفعل‬‫وسفك الدماء ال ُيو ِّلد إ ّ‬
‫ورد فعل من جنسه‪.‬‬

‫فإن بغت طائفة على األخرى ورفضت الصلح‪ ،‬أو أخ ّلت به بعد‬
‫حصوله؛ ينبغي على الدولة التدخل وردع الطائفة الباغية وإن‬
‫﴿حتَّى‬ ‫احتاج األمر إلى قتالها بالحد األدنى لرجوعها إلى السلم‪َ ،‬‬
‫ت َِفي َء إِ َلى َأ ْمرِ اهلل ِ َفإِن َف ْ‬
‫اءت َف َأ ْص ِل ُحوا َب ْين َُه َما بِا ْل َعدْ ِل َو َأ ْق ِس ُطوا إِ َّن‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾ (الحجرات ‪.)9 /‬‬ ‫ب ا ْل ُم ْقسط َ‬ ‫اهللَ ُيح ُّ‬

‫ومن هذا الوجه وردت المقولة المشهورة‪:‬‬

‫[ رجعنا من الجهاد األصغر إلى الجهاد األكبر ]‬

‫أي‪ [ :‬رجعنا من الجهاد األصغر (القتال) إلى الجهاد األكرب‬


‫(النهضة والعمران للبالد والعباد) وكل صورة للجهاد يف موقعها‬
‫المناسب هي األفضل‪.‬‬

‫ث‪ -‬المقاومة‪:‬‬
‫مفهوم حيادي وهي تدل على وقوع ضغط أو شدة على شيء‬
‫تجربه كرد فعل على رفض هذا الضغط‪ ،‬والمحافظة على صفاته‪،‬‬

‫‪99‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫مثل مقاومة المواد لألعراض الطبيعية‪ ،‬ويمكن أن تكون مقاومة‬


‫إيجابية أو سلبية‪.‬‬

‫لذا من الحمق أن نطلب من إنسان أو مجتمع أن ال ُيقاوم الضغط‬


‫أو الشدة التي ُتمارس عليه‪ ،‬ألن المقاومة قانون نفسي واجتماعي‬
‫للمحافظة على الذات‪ ،‬فهي ظاهرة صحية‪.‬‬

‫ومن داللة كلمة المقاومة نالحظ أن وجودها مرتبط بوجود‬


‫الضغط أو الشدة‪ ،‬فإن انتفى فعل الضغط أو الشدة انتفت‬
‫المقاومة بداهة‪ ،‬وإن ُوجد الضغط والشدة‪ ،‬وانتفت المقاومة؛‬
‫يكون دليالً على موت الشيء‪ ،‬أو فقدانه لمقوماته وصفاته‪،‬‬
‫واستسالمه للوضع الراهن‪.‬‬

‫فالمقاومة دليل على الحياة والحيوية والتفاعل‪ ،‬وهي مرتبطة‬


‫بمعطيات الواقع وحيث ّياته‪ ،‬ألن المقاومة متعلقة هبدف‪ ،‬فإن‬
‫انتفى عن صورة من صور المقاومة تحقيق الهدف؛ ينبغي مباشرة‬
‫االنتقال إلى صورة أخرى ُتحقق الهدف‪ ،‬ألن الموت‪ ،‬أو قتل‬
‫اآلخرين ليس هدفًا‪ ،‬بينما الحياة والسالم والعدل والحرية‬
‫هدف‪.‬‬

‫إذا ينبغي على المقاومة االجتماعية أن تكون تحت قيادة ثقافية‪،‬‬


‫وأي أسلوب للمقاومة ال يحقق هدفًا نبيالً على أرض الواقع‪ ،‬أو‬
‫يكون ضرره على المجتمع أكرب من نفعه‪ ،‬ينبغي تغيير األسلوب‬

‫‪100‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫إلى آخر يحقق الهدف‪ ،‬ومن هذا المنطلق تعددت أساليب‬


‫المقاومة‪ ،‬من أسلوب القتال‪ ،‬إلى أسلوب العصيان المدين‬
‫(الصيام االجتماعي) أو غيره‪ ،‬و ُيرتك اختيار أسلوب المقاومة‬
‫للقيادة الثقافية‪ ،‬وينبغي على األمة أن تلتزم بأوامر قيادهتا‪ ،‬وال‬
‫تتصرف بصورة انفعالية فردية‪ ،‬ألن ضرر ذلك يرجع على األمة‬
‫أكثر من نفعه‪ ،‬وهي التي سوف تدفع الثمن‪.‬‬

‫والمقاومة يف المجتمع الواحد ينبغي أن تكون تحت مظلة‬


‫الوطنية‪ ،‬تحتوي كل األطياف والرؤى‪ ،‬وما ينبغي أن تأخذ صفة‬
‫القومية أو الدينية قط‪ ،‬ألن ذلك ينفي عنها صفة الوطنية‪ ،‬وتصير‬
‫مقاومة قائمة على العصبية والطائفية‪ ،‬وإن حصل ذلك تكون‬
‫حملت بذرة تفككها واهنيارها يف ذاهتا‪ ،‬وسوف يستغل المحتل‬
‫أو المغتصب ذلك لمصلحته يف زرع الخالف والتناحر يف داخل‬
‫المقاومة نفسها لتأكل أبناءها!!‬

‫أما المقاومة الفردية فهي مرتبطة بنوعية الضغط الذي يمارس‬


‫على اإلنسان‪ ،‬فإن كان الضغط من سلطة مجتمعه فليس له إال‬
‫الصرب وضبط األعصاب والتمسك بالوعي واإليمان‪ ،‬والمقاومة‬
‫اإليجابية السلمية‪ ،‬والمطالبة بالعدل والحرية‪ ،‬ولو تحول الضغط‬
‫من السلطة إلى عنف مادي‪.‬‬

‫وإن كان الضغط من فرد مثله (مواطن)‪ ،‬فله أن يقاوم ذلك الضغط‬
‫حسب ما يدفع عن نفسه األذى بالوسائل القانونية‪ ،‬و بشرط أن‬

‫‪101‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫يحافظ على حياة اآلخر‪ ،‬وأن ال يشاركه يف َقبول القتال أبد ًا‪.‬‬

‫الخـالصة‬
‫اإلرهاب‪ :‬مفهوم سلبي فاسد‪ ،‬و هو أعمال تخريبية على صعيد‬
‫اإلنسان‪ ،‬والمجتمع‪ ،‬والبيئة ينتج عنه زهق الحياة أو الخوف‬
‫والرعب يف النفوس‪ ،‬وتدمير الممتلكات‪،‬وسلب الثروات‪.‬‬

‫وله صور متعددة يف الواقع؛ مادية وثقافية‪ ،‬فردية وجماعية‪ ،‬حزبية‬


‫وسلطوية‪.‬‬

‫العنف‪ :‬مفهوم فاسد‪ ،‬وهو توجيه سلوك سلبي إلى نفس اآلخر‬
‫يدفعه إلى رد انفعالي سلبي‪.‬‬

‫الجهاد‪ :‬مفهوم إيجابي‪ ،‬وهو بذل الجهد المطلوب بصورة‬


‫إيجابية لتحقيق األعمال النبيلة والصالحة‪ ،‬وله صور يف الواقع‬
‫تتناسب كل منها مع طبيعة الهدف المنشود‪.‬‬

‫القتال‪ :‬مفهوم حيادي‪ ،‬ويف اإلسالم هو مقاومة إيجابية مادية‬


‫اجتماعية لصد عدوان مجتمع آخر‪ ،‬وإيقافه عند حده‪ ،‬ويكون‬
‫دفاعيًا أو وقائيًا أو نصرة للمظلوم‪.‬‬

‫الدفاع عن النفس يف الحالة الفردية‪ :‬مقاومة سلبية تجاه المعتدي‪،‬‬


‫مع الحرص على حياة اآلخر‪ ،‬ورفض َقبول المشاركة يف القتال‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫المقاومة‪ :‬هي تفاعل وفاعلية مع الواقع للحفاظ على الذات‪ ،‬فعل‬


‫ورد فعل بصورة إيجابية موجهة ثقافيًا وسياسيًا‪ ،‬وهي نوعين‪:‬‬

‫مقاومة االحتالل‪ :‬وتكون باستخدام كل أسلوب إنساين يصلح‬


‫لتحرير البالد والعباد‪ ،‬و يمكن أن تصل إلى المقاومة المادية‬
‫المسلحة‪.‬‬

‫مقاومة فردية يف المجتمع الواحد‪ُ :‬يمنع فيها القتال بكل أنواعه‬


‫وأشكاله‪ ،‬ويكون ضد ظلم السلطة وفسادها بالصرب والتمسك‬
‫باإليمان ونشر الوعي‪ ،‬والحس الوطني‪ ،‬والمطالبة بالتغيير‬
‫(مقاومة إيجابية سلمية)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عدوان وقع على الفرد‪،‬‬ ‫وكذلك هو يكون ضد ٍ‬
‫ظلم أو جور أو‬
‫فبإمكانه الدفاع عن النفس بالوسائل القانونية‪ ،‬شريطة المحافظة‬
‫على حياة اآلخر‪ ،‬وأن يرفض المشاركة يف َقبول القتال‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫ح َنفَا ِء‬ ‫ح َركَ ِ‬
‫ة املفكرين ال ُ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ُْ‬ ‫م ُ‬
‫عا َّ‬ ‫و ُ‬
‫ط ال َ‬ ‫خطُ ْ‬
‫ال ُ‬

‫(المسلم و المؤمن و المحسن)‬

‫اإلسالم يقوم على السلم و السالم الفردي واالجتماعي‪،‬‬


‫و نقيضه اإلجرام والعنف‬

‫املسلم من َس ِلم الناس من يده ولسانه‬

‫اإليمان يقوم على األمن واألمان االجتماعي‪،‬‬


‫و نقيضه الكفر واإلرهاب‬

‫املؤمن َمن ِأمنه الناس على أنفسهم‬


‫وأعراضهم وأموالهم‬

‫اإلحسان يقوم على الحفاظ على اإلنسان والبيئة‬


‫واالرتقاء بهما‪ ،‬ونقيضه اإلساءة واإلفساد‬

‫ُ‬
‫املسن َمن بادر باإلحسان للناس‬
‫والبيئة صنع ًا وحماية‬

‫‪104‬‬
‫ونهدف من هذا المشروع الثقايف الحنيف إلى ما يلي‪:‬‬

‫• عرض اإلسالم كدين اهلل تعالى‪ ،‬من خالل رسالته المتمثلة بالقرءان‪ ،‬الذي‬
‫نزل بلسان عربي مبين‪ ،‬ومحوره األساسي هو اإلنسان والحياة والكون‪،‬‬
‫واإلعراض عن االنتماءات والتكتالت والمذاهب والطوائف والفرق التي‬
‫نشأت نشأة تاريخية (سنة‪ ،‬شيعة‪ ،‬معتزلة‪ ،‬صوفية‪ ،‬سلفية‪...،‬الخ) أو نشأت‬
‫يف عصرنا الراهن بغية الوصول إلى السلطة والرتبع على عرشها مثل تنظيمات‬
‫(اإلخوان‪ ،‬التحرير‪ ،‬الجهاد‪ ،‬القاعدة‪...‬الخ) أو االتجاهات التي نشأت نشأة‬
‫انفعالية يف المجتمعات اإلسالمية من (شيوعية‪ ،‬ووجودية‪ ،‬ورأسمالية وال‬
‫دينية‪...‬الخ) نتيجة لتخلف المسلمين‪ ،‬وتأخرهم عن اللحوق بقافلة الركب‬
‫الحضاري‪.‬‬

‫وذلك لِنُنَ َّق َي مفهوم اإلسالم من رواسب الجاهلية التي علقت به‪ ،‬ابتداء‬
‫من الفهم السلفي الزمكاين‪ ،‬ومرور ًا بالفهم القومي‪ ،‬أو أي مفهوم يرفض‬
‫التعايش مع اآلخر‪ ،‬وغير ذلك من صور االستبداد‪ ،‬واالستعباد الثقايف‪،‬‬
‫وانتهاء باإلرهاب‪ ،‬كونه إيدز العصر الحالي‪ ،‬لنصل إلى تأسيس فهم إسالمي‬
‫«عربي» حنيف معاصر يدل على َت َط ُّلعاتنا‪ ،‬و اسمه المنهج العربي الحنيف‬
‫لفهم اإلسالم‪ ،‬والنهضة بالمجتمع‪ ،‬ونضيف للتاريخ هذه المدرسة الحنيفية‬
‫الرائدة‪.‬‬

‫احل َن َف ِاء‬
‫َح َر َك ِة املفكرين ُ‬
‫ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ اﻟﺤﻨﻔﺎء‬

You might also like