Professional Documents
Culture Documents
12811
12811
12811
كانت في شوال سنة ثمان من هجرة الّنبي صّلى هللا عليه وسلم.
وسببها بعد فتح مكة والنصر الذي آتاه هللا رسوله والمؤمنين قام أش ارف هوازن وثقيف فحشدوا
سيد هوازن ،وأمرهم فجاؤوا معهم بأموالهم ونسائهم
حشودا كبيرة ،وجمع أمرهم مالك بن عوف ّ
وأبنائهم ،حتى نزلوا في مكان بين مكة والطائف ،وإنما أمرهم بذلك حتى يجد كل منهم ما يحبسه عن
الفرار ،وأجمعوا المسير إلى رسول هللا صّلى هللا عليه وسلم .فخرج إليهم صّلى هللا عليه وسلم لست
ليال خلون من شوال في اثني عشر ألفا من المسلمين ،وبعث رسول هللا صّلى هللا عليه وسلم رجل
ليذهب فيدخل بين المشركين ويقيم فيهم ويعلم أخبارهم ،فانطلق حتى دخل بينهم وطاف بمعسكرهم
ثم جاءه بخبرهم .وكان قد ذكر لرسول هللا صّلى هللا عليه وسلم أن عند صفوان بن أمية أدرعا
وأسلحة ،فأرسل إليه فطلب منه تلك الدروع واألسلحة وهو مشرك .فقال صفوان« :أغصبا يا محمد؟!
..قال :بل عارية ،وهي مضمونة حتى نؤديها إليك .فأعطاه مئة درع بما يكفيها من السالح» .
وعلم مالك بن عوف بمقدم الرسول صّلى هللا عليه وسلم ،فعبأ أصحابه في وادي حنين وانتشروا
يكمنون في أنحائه ،وأوعز إليهم أن يحملوا على المسلمين ،حملة واحدة.
ووصل المسلمون إلى وادي حنين ،فخرجت عليهم الكتائب من مضايق الوادي وشعبه وقد حملوا
حملة واحدة على المسلمين ،فانكشفت الخيول وانشمر الناس راجعين ،وانحاز رسول هللا صّلى هللا
عليه وسلم ذات اليمين ،ثم نادى في الناس« :إلي يا عباد هللا ،أنا الّنبي ال كذب ،أنا ابن عبد
ّ
المطلب» .فرجعوا يقاتلون مع رسول هللا ،وقذف هللا في قلوب المشركين الرعب ،فانهزموا واتبع
المسلمون أثرهم يقتلون ويأسرون ،فرجع الناس واألسرى مجندلة بين يدي رسول هللا صّلى هللا عليه
وفر
وسلم .ثم أعلن رسول هللا صّلى هللا عليه وسلم قائال« :من قتل قتيال له عليه ّبينة فله سلبه» ّ
مالك بن عوف ومن معه حتى وصلوا إلى الطائف فامتنعوا بحصنها وقد تركوا وراءهم مغانم كثيرة.
«وأمر رسول هللا صّلى هللا عليه وسلم بالغنائم كلها فحبست ،واتجه صّلى هللا عليه وسلم بمن معه
إلى الطائف فحاصروها ،وأخذت ثقيف تقذف المسلمين من حصونها بالنبال ،وظل رسول هللا صّلى
هللا عليه وسلم في حصاره للطائف بضعة عشر يوما ،ثم بدا له أن يرتحل ،فرجع .
أمر الغنائم وكيفية تقسيم رسول هللا صّلى هللا عليه وسلم لها
1
عاد رسول هللا صّلى هللا عليه وسلم إلى السبي والغنائم التي أخذت من هوازن ،فقسم السبي هناك.
ثم قدم عليه وفد من هوازن مسلمين ،وسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم ،فقال لهم رسول هللا
صّلى هللا عليه وسلم :إما السبي وإما المال ،وكان الّنبي صّلى هللا عليه وسلم قد أنظرهم بضع عشرة
ليلة حين رجع من الطائف.
خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا فالحسب أحب إلينا ،فقام رسول هللا صّلى هللا عليه
فقالوا :يا رسول هللا ّ
وسلم في المسلمين ،فأثنى على هللا بما هو أهله ،ثم قال :أما بعد ،فإن إخوانكم قد جاؤوا تائبين،
يطيب ذلك فليفعل ،ومن أحب منكم أن يكون على
أرد إليهم سبيهم ،فمن أحب منكم أن ّ وإني رأيت أن ّ
طيبنا ذلك يا رسول
حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء علينا فليفعل ،فنادى الناس جميعا :قد ّ
هللا .فأعيد إلى هوازن سبيها.
وسأل رسول هللا صّلى هللا عليه وسلم عن مالك بن عوف ما فعل؟ فقالوا بالطائف مع ثقيف ،فقال
لهم« :أخبروه أنه إن أتى مسلما رددت عليه أهله وماله فأخبر مالك بذلك ،فجاء يلحق برسول هللا
فرد عليه أهله وماله وأسلم فحسن إسالمه» .
صّلى هللا عليه وسلم حتى أدركهّ ،
العبر والعظات:
تعتبر غزوة حنين هذه درسا في العقيدة اإلسالمية ،فإذا كانت وقعة بدر قررت للمسلمين أن القلة ال
تضرهم شيئا في جنب كثرة أعدائهم ،إذا كانوا صابرين ومتقين ،فإن غزوة حنين قد قررت للمسلمين
أن الكثرة أيضا ال تفيدهم إذا لم يكونوا صابرين ومتقين .وكما نزلت آيات من كتاب هللا تعالى في
تقرير عبرة (بدر) ،فقد نزلت آيات منه أيضا في تقرير العبرة التي ينبغي أن تؤخذ من (حنين) .
فقد كان المسلمون في حنين أكثر عددا منهم في أي موقعة أخرى خاضوها من قبل .ومع ذلك فلم
تنفعهم الكثرة شيئا ،بسبب تلك الجماهير التي لم يتمكن اإليمان بعد في نفوسها.
فمن أجل ذلك أدبرت هذه الجماهير وارتدت على أعقابها متفرقة في متاهات وادي حنين ،حينما
فوجئوا بكمائن العدو تخرج في وجوههم ،وربما امتد الهلع إلى أفئدة كثيرة من المؤمنين الصادقين
أيضا بادئ األمر.
ولكن ما هو إال أن سمع األنصار والمهاجرون صيحات رسول هللا صّلى هللا عليه وسلم ونداءه لهم
كروا عائدين ،يلتفون حول رسول هللا صّلى هللا عليه وسلم ،ويخوضون معه معركة حامية ولم
حتى ّ
يكن هؤالء يزيدون على المئتين! ..ولكن بهؤالء عاد النصر إلى المسلمين ،ونزلت السكينة على
2
شر هزيمة ،بعد أن كانوا اثني عشر ألفا ،وأنزل هللا تعالى هذه العظة البليغة
قلوبهم ،وهزم هللا عدوهم ّ
في كتابه الكريم:
ض ِبما َر ُحَب ْت ثُ َّم َوَّل ْي ُت ْم َ ...وَي ْو َم ُحَن ْي ٍن ِإ ْذ أ ْ
َع َجَب ْت ُك ْم َك ْثَرُت ُك ْم َفَل ْم ُت ْغ ِن َعْن ُك ْم َش ْيئاًَ ،وضا َق ْت َعَل ْي ُك ُم ْاألَْر ُ
ِ ِ ِ م ْد ِب ِرينُ .ث َّم أَْن َزل َّ ِ
ين َك َفُروا ينَ ،وأَْن َز َل ُجُنوداً َل ْم َتَر ْوهاَ ،و َع َّذ َب َّالذ َ
َّللا َسكيَن َت ُه َعلى َر ُسولِه َو َعَلى اْل ُم ْؤ ِمن َ َ ُ ُ َ
ِ ِ
ين .التوبة . اء اْلكاف ِر َ َوذل َك َجز ُ
4