Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 5

‫براءة البحار ابن ماجد‬

‫د ‪ .‬خالد الغيث‬
‫هو شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد بن عمرو السعدي النجدي الملقب بـ"أسد‬
‫البحر"‪ ،‬عالم بحار مشهور‪ .‬ولد ونشأ في جلفار حاليا ً (رأس الخيمة) وهي اليوم‬
‫إحدى اإلمارات العربية المتحدة بالخليج العربي‪ .‬عاش في ظفار في النصف الثاني‬
‫من القرن الخامس عشر الميالدي ‪ /‬القرن التاسع الهجري ‪ ،‬وع ّمر إلى مطلع القرن‬
‫السادس عشر‪.‬‬
‫عرف البحر منذ نعومة أظافره ‪ ،‬إذ نشأ في أسرة ربابنة فقد كان أبوه ربانا ً يلقب‬
‫بربان البرين (أي البر والبحر)‪ ،‬وكان جده هو اآلخر مالحا ً مشهوراً‪ .‬ولقد هيئت‬
‫هذه الظروف البن ماجد تولي قيادة المركب تحت رعاية أبيه وهو بعد حدث صغير‬
‫لم يتجاوز سن العاشرة‪ .‬وكان أبوه دائما ً يحثه على مراقبة عامل الدفة‪ .‬ولما جاوز‬
‫السابعة عشر من عمره تولى مسؤولية المركب والقياس مسؤولية تامة‪.‬‬
‫تحصل ابن ماجد على قسط نافع من علوم الحساب الهندي والعربي والزنجي‪،‬‬
‫وحساب أهل جاوة والصين منذ أن كان حدثا ً يافعاً‪ ،‬مما مكنه من مقارنة قياسات‬
‫اآلخرين‪ .‬وكان نشاطه مرموقا ً على ساحل الزنج وفي جزر الهند‪ ،‬حتى أصبح اسم‬
‫ابن ماجد فيه على لسان ربابنة المحيط الهندي والخليج العربي‪.‬‬
‫واشتهر بعلمه في شؤون البحار وفي كل ما يتصل بعلم المالحة والفلك‪ ،‬وخلف‬
‫الكثير من أعماله في مختلف العلوم المالحية والفلكية‪ ،‬وهو أول من طور البوصلة‬
‫المالحية بالمفهوم الحديث ‪ ،‬وقد وضع اإليطاليون بوصلة من هذا النوع وبهذا االسم‬
‫بعد عصر ابن ماجد بخمسين عاماً‪.‬‬
‫وذكر ابن ماجد في مؤلفاته أسماء الجزر والبلدان والسواحل والقياسات البحرية‬
‫ومطالع النجوم وطريقة استخراج القبلة‪ ،‬وشرح المسالك البحرية بين ساحل وآخر‪،‬‬
‫ودون علمه ومعرفته في أراجيز عديدة وفي مؤلفات منها كتاب (الفوائد في أصول‬
‫علم البحر والقواعد) وهو من أكبر أعماله‪ ،‬و يشتمل على عدة مواضيع في المالحة‬
‫وعلم الفلك وأهمها الطرق المالحية في البحر األحمر والخليج العربي والمحيط‬
‫الهندي وأرخبيل الهند الشرقية (الماليو وأندونيسيا) ‪ ،‬وفيه يفصل الكالم على‬
‫الجانبين النظري والعملي للمسائل المالحية معتمداً على من سبقوه في هذا المضمار‬
‫وعلى تجاربه الشخصية بصورة خاصة‪.‬‬
‫ومن آثاره ما تمت صياغته شعراً على شكل أراجيز أهمها (حاوية االختصار في‬
‫علم البحار)‪ ،‬و قصائد في وصف شواطئ جزيرة العرب‪.‬‬
‫إن من ثمرات دراسة التاريخ دراسة علمية‪ ،‬إنصاف أهل الفضل والعلم الذين قد‬
‫تمتد إليهم بعض األلسن واألقالم ‪ ،‬بتشويه تاريخهم ‪ ،‬وتلطيخ سيرتهم؛ ولعل البحار‬
‫العربي أحمد بن ماجد رحمه هللا أحد هؤالء الذين جارت عليهم أقالم بعض‬
‫المؤرخين ‪ ،‬حيث اتهم ابن ماجد بأنه الشخص الذي أرشد القائد الصليبي البرتغالي‬
‫(فاسكو داجاما) في الفترة (‪1499 – 1497‬م) إلى الطريق البحري اآلمن ما بين‬
‫السواحل الشرقية ألفريقيا والهند ‪ ،‬وذلك إبان المشروع التوسعي الصليبي البرتغالي‬
‫الرامي إلى تطويق المسلمين وخنقهم اقتصاديا ً ‪ ،‬وهو المشروع الذي ازدهر في‬
‫أعقاب سقوط غرناطة في ‪ 21‬محرم ‪ 897‬هـ ‪ 25/‬نوفمبر ‪1491‬م‪.‬‬
‫على أية حال فقد تصدى لهذه الفرية التي ألصقت بالبحار أحمد بن ماجد ‪ ،‬مؤرخ‬
‫أصيل ‪ ،‬وناقد بصير ‪ ،‬لم تشغله أعباء السياسة والحكم عن أداء واجبه العلمي ‪ ،‬أال‬
‫وهو سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة ‪ ،‬حيث قام‬
‫بمناقشة هذه التهمة نقاشا ً علميا ً هادئا ً ‪ ،‬التزم فيه الموضوعية واإلنصاف واألدب‬
‫الجم‪ -‬وهي بضاعة عزيزة في هذه األيام – بعد ذلك نشر هذا الجهد العلمي في‬
‫رسالة لطيفة أسماها (بيان للمؤرخين األماجد في براءة ابن ماجد) ‪ ،‬وقد بين في‬
‫مقدمتها السبب الذي دفعه إلى بحث هذه القضية فقال ‪ ( :‬في العام الدراسي المنصرم‬
‫‪2000-1999‬م ‪ ،‬وبينما كنت ألقي محاضراتي كأستاذ لتاريخ الخليج العربي‬
‫الحديث في جامعة الشارقة ‪ ،‬ذكرت أن الذي أوصل "فاسكو داجاما" من الساحل‬
‫الشرقي األفريقي إلى الهند ‪ ،‬هو غجراتي من الهند ‪ ،‬وليس البحار العربي أحمد بن‬
‫ماجد‪.‬‬
‫قيل لي بعدها ‪ :‬إن بعضا ً من أساتذة التاريخ يرفضون ذلك المنطق ‪ ،‬ويتشبثون‬
‫برأيهم بأن أحمد بن ماجد هو الذي أوصل "فاسكو داجاما" إلى الهند‪.‬‬
‫كما علمت أن منهج وزارة التربية والتعليم في المدارس الحكومية في دولة‬
‫اإلمارات العربية المتحدة يتضمن تلك الفكرة الخاطئة ‪ ،‬أن أحمد بن ماجد هو الذي‬
‫أوصل البرتغاليين إلى الهند؛ وهنا قررت أن أصحح تلك المغالطة باإلثباتات العلمية‬
‫الموثقة)‪.‬‬
‫هذا وقد ناقش الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ‪ ،‬هذه القضية عبر ثالثة محاور‪:‬‬
‫المحور األول ‪ :‬قام فيه باستقراء كتابات المؤرخين البرتغاليين في القرن السادس‬
‫ع شر الميالدي الذين عاصروا (فاسكو داجاما) فلم يجد أي ذكر أو أي اتهام للبحار‬
‫ابن ماجد في إرشاد (فاسكو داجاما) ‪ ،‬بل وجد أولئك المؤرخين يشيرون إلى أن‬
‫الذي أرشد (فاسكو داجاما) شخص غجراتي من الهند اسمه (كانا) أو (كاناكا)‪.‬‬
‫وفي ذلك يقول ‪( :‬إن جميع المؤرخين البرتغاليين في القرن السادس عشر قد أجمعوا‬
‫أن "فاسكو داجاما" قد استفاد من مساعدة مرشد غجراتي عندما أبحر من شرق‬
‫أفريقيا إلى الهند عام ‪1498‬م ‪ ،‬وهي المرحلة األخيرة من رحلته المشهورة من‬
‫البرتغال إلى الهند ‪ ،‬والتي دلت القوى األوروبية للدخول مباشرة إلى المحيط الهندي‬
‫والخليج العربي)‪.‬‬
‫المحور الثاني ‪ :‬قام فيه باستعراض جذور هذه التهمة من خالل عرضه لجهود أحد‬
‫المؤرخين المعاصرين في هذا الباب فقال ‪ ( :‬لم يقتنع كثير من المؤرخين العرب‬
‫بتلك الحقائق السالفة الذكر ‪ ،‬وأصروا على اتهام أحمد بن ماجد بإيصال البرتغاليين‬
‫إلى الهند… ]وقد[ تصدى لهم األستاذ الدكتور إبراهيم خوري في كتابه "أحمد بن‬
‫ماجد" ودحض كل تلك االتهامات)‪.‬‬
‫هذا وقد توصل الدكتور إبراهيم خوري ‪ ،‬إلى أن أول من ذكر اتهام أحمد بن ماجد‬
‫بإرشاد (فاسكو داجاما) هو المؤرخ (قطب الدين النهروالي) المتوفى سنة (‪988‬هـ)‬
‫في كتابه (البرق اليماني في الفتح العثماني) وفيما يلي نص تلك التهمة كما وردت‬
‫عند المؤرخ النهروالي ‪ ( :‬فال زالوا يتوصلون إلى معرفة هذا البحر ‪ ،‬إلى أن دلهم‬
‫شخص ماهر من أهل البحر ‪ ،‬يقال له أحمد بن ماجد ‪ ،‬صا َحبه كبير الفرنج ‪ ،‬وكان‬
‫يقال له الملندي [ يقصد فاسكو داجاما ] وعاشره في السّكر ‪ ،‬فعلمه الطريق في حال‬
‫سكره ‪ ،‬وقال لهم ‪ :‬ال تقربوا الساحل من ذلك المكان ‪ ،‬وتوغلوا في البحر ثم عودوا‬
‫‪ ،‬فال تنالكم األمواج)‪.‬‬
‫بعد ذلك ذكر الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ‪ ،‬أهم المآخذ التي أوردها الدكتور‬
‫إبراهيم خوري ‪ ،‬حول كالم المؤرخ النهروالي ‪ ،‬ومن ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن وثيقة النهروالي قد كتبت بعد مرور ثمانين عاما ً تقريبا ً من وصول‬
‫البرتغاليين إلى الهند‪.‬‬
‫‪ -2‬أن وثيقة النهروالي تتعارض مع ثناء أمير البحر العثماني علي بن الحسين‬
‫الملقب (بعلي شلبي) على البحار أحمد بن ماجد ‪ ،‬وال يتهمه بإرشاد الفرنج‪ .‬وقد كان‬
‫األميرال علي شلبي هو قائد الحملة العثمانية ضد البرتغاليين في خليج عمان ‪ ،‬وهو‬
‫الذي أمر بترجمة كتاب (المحيط) ألحمد بن ماجد ‪ ،‬وقد كان ذلك قبل تأليف‬
‫النهروالي كتابه (البرق اليماني) بربع قرن‪.‬‬
‫‪ -3‬وهذه النقطة قد أضافها الدكتور سلطان القاسمي ‪( :‬هناك كتاب ‪ ،‬ربما لم يطلع‬
‫عليه األستاذ إبراهيم خوري ‪ ،‬وهو "تحفة المجاهدين في ذكر أحوال البرتغال‬
‫المالعين" لزين الدين المعبري المليباري المتوفى بعد سنة ‪991‬هـ ‪ ،‬وهو معاصر‬
‫للنهروالي ؛ فلم يذكر المليباري أي شيء عن أحمد بن ماجد؛ ولكن لألسف عندما‬
‫قام … [ محقق الكتاب ] بتحقيقه والتعليق عليه‪ ،‬زج باسم أحمد بن ماجد في‬
‫التعليقات والشروح)‪.‬‬
‫المحور الثالث ‪ :‬وفي هذا المحور قام الدكتور سلطان القاسمي ‪ ،‬بنسف هذه التهمة‬
‫بالكلية ‪ ،‬حيث تمكن بعد جهود مضنية ‪ ،‬من الحصول على يوميات الرحلة التي قام‬
‫بها (فاسكو داجاما) ‪ ،‬ومخطوطة هذه اليوميات كانت في األصل تخص دير (سانتا‬
‫كروز) في مدينة (كويمبرا) في البرتغال ‪ ،‬وقد نقلت مع مخطوطات ثمينة أخرى‬
‫إلى المكتبة العامة في مدينة (أوبورتو) في البرتغال‪.‬‬

‫وعن مخطوطة اليوميات يواصل الدكتور سلطان القاسمي كالمه بقوله ‪( :‬إن الفضل‬
‫في نشر مخطوطة اليوميات يرجع للسيدين "ديوغو كوبك" والدكتور "انطونيو‬
‫داكوستا بايفا"… وقد ذكر "كوبك" في نشره للمخطوطة أنه ال توجد رواية قد كتبت‬
‫قط ‪ ،‬وأن ما قدمه "فاسكو داجاما" ال يعدو إال تقارير رسمية عن الحوادث التي‬
‫قابلها… لقد توصل "كوبك" إلى مؤلف يوميات الرحلة وهو "ألفارو فيلهو" الجندي‬
‫الذي كان على السفينة "أس ‪ .‬رافائيل" والتي كانت بقيادة "بولو داجاما" شقيق‬
‫"فاسكو داجاما")‪.‬‬
‫ويواصل الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حديثه عن يوميات تلك الرحلة فيقول ‪:‬‬
‫(ما يهمنا من تلك المخطوطة هو المرحلة األخيرة من تلك الرحلة ‪ ،‬من الساحل‬
‫الشرقي األفريقي إلى ساحل الهند الغربي ‪ ،‬وقد ألحقتُ ذلك الجزء من المخطوطة‬
‫بهذه الدراسة ‪ ،‬ووضعت له ترجمة عربية ‪ ،‬وأخرى إنجليزية)‪.‬‬
‫بعد ذلك قام الدكتور سلطان القاسمي ‪ ،‬بذكر دليل براءة أحمد بن ماجد ‪ ،‬بإيراده‬
‫للفقرة الخاصة بالشخص الذي أرشد "فاسكو داجاما" من خالل تلك اليوميات‪ .‬وفيما‬
‫يلي النص المترجم لتلك الفقرة ‪:‬‬
‫( في يوم األحد التالي ‪ ،‬والذي صادف ‪ 22‬أبريل ‪ ،‬صعد أمين سر الملك ] أي‬
‫الحاكم المسلم في مدينة مالندي[ من السفينة ظافرة إلى ظهر السفينة ]التي يوجد بها‬
‫فاسكو داجاما[ ‪ ،‬وألنه لم يكن أحد قد اقترب من سفننا خالل اليومين السابقين ‪ ،‬فقد‬
‫قام القائد ]أي فاسكو داجاما[ باعتقاله ‪ ،‬وأرسل إلى الملك طالبا ً منه إرسال المرشدين‬
‫الذين وعد بإرسالهم إليه‪ .‬وفور تسلم الملك الرسالة أرسل له مرشداً مسيحيا ً ‪ ،‬فأطلق‬
‫القائد بعدئذ سراح الرجل النبيل الذي كان قد احتجزه في سفينته‪.‬‬
‫ولقد سررنا كثيراً بالمرشد المسيحي الذي أرسله الملك لنا)‪.‬‬
‫وهنا أحب أن أشير إلى قضية مهمة تتعلق بالحكام المسلمين في شرق إفريقيا ‪،‬‬
‫الذين أبدوا شيئا ً من التعاون مع الصليبيين بقيادة (فاسكو داجاما) وهي عدم إلمامهم‬
‫بالمشروع الصليبي البرتغالي الذي يرمي إلى تطويق المسلمين ‪ ،‬وخنقهم اقتصاديا ً ‪،‬‬
‫هذا فضالً عن أن (فاسكو داجاما) قد مارس معهم شتى أنواع التهديد واالبتزاز ‪،‬‬
‫خاصة االستيالء على السفن المدنية المحملة بالركاب المسلمين‪ ،‬وأسرهم ‪ ،‬ومن ثم‬
‫المساومة عليهم ‪ ،‬من أجل إمداده بما يريد من معلومات ‪ ،‬وتموين‪ .‬ومن ذلك ما‬
‫حصل مع أحد الحكام المسلمين في مدينة (مالندي) القريبة من مدينة (ممباسا) على‬
‫سواحل (كينيا) وهي المدينة التي أخذ منها (فاسكو داجاما) المرشد البحري الذي‬
‫قاده عبر المحيط إلى الهند‪.‬‬

‫وقد ختم الدكتور سلطان بن محمد القاسمي بحثه بقوله ‪ ( :‬وبذلك يكون مرشد‬
‫"فاسكو داجاما" في رحلته من الساحل األفريقي إلى الهند‪ ،‬مسيحيا ً غجراتياً)‪.‬‬

‫وفي ختام هذا العرض للبحث القيم الذي أتحف به المكتبة العربية صاحب السمو‬
‫الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي جزاه هللا خيراً أود أن أشير إلى أن ما‬
‫يسمى – زوراً وبهتانا ً – بالكشوف الجغرافية األوروبية‪ ،‬ما هي إال رأس حربة‬
‫للموجة الجديدة من الحمالت الصليبية األوروبية على العالم اإلسالمي الذي ال زالت‬
‫تعاني منه األمة اإلسالمية إلى اآلن‪.‬‬

You might also like