Professional Documents
Culture Documents
الإستراتيجية الأمنية الجزائرية لمواجهة التهديدات الأمنية اللاتماثلية في منطقة الساحل الإفريقي
الإستراتيجية الأمنية الجزائرية لمواجهة التهديدات الأمنية اللاتماثلية في منطقة الساحل الإفريقي
جوان 2017
الالتماثلية في منطقة الساحل اإلفريقي
Abstract:
Dans la littérature des relations internationales, il a toujours occupé le débat
sur le sens de la sécurité et son importance pour en particulier sous la menace d’ac-
cords bilatéraux et rester au cœur des groupes politiques, ce qui reflète clairement
un environnement de sécurité internationale dynamique pour tenter de trouver la
logique de sécurité aujourd’hui dans la politique mondiale. En regardant ce qui est
prévu par «approches monétaires à la sécurité» de Aibistimih et ontologiques exa-
خالل التطور الذي شهدته املنطقة عبراالمتداد التاريخي ،فإنها تعرضت للعديد من التهديدات
نتيجة انعكاسات األهمية االستراتيجية للموقع الجغرافي ،وتوافراإلمكانات االقتصادية ،إضافة
إلى تأثيرات النزاعات اإلثنية وهشاشة األنظمة السياسية ،وكذا الشبكة العنكبوتية للتحديات
األمنية ،هذه األخيرة التي فرضت التأسيس ملرحلة جديدة من العمل الجهوي املشترك وفق
مقاربة براغماتية قائمة على مواجهة التهديدات األمنية واالنتقال بمستوى التحليل من املستوى
الكلي إلى املستوى الجزئي ،وبخاصة في منطقة الساحل وجنوب الصحراء.
على ضوء هذه املقدمة ،فإن اإلشكالية الرئيسية التي يعالجها بحثنا يمكن صياغتها على النحو
التالي :
-ما هي اإلستراتيجية األمنية التي اعتمدتها الجزائرملواجهة التهديدات األمنية
الالتماثلية في منطقة الساحل اإلفريقي؟
وسوف نقسم الدراسة إلى ثالثة محاور وذلك على النحو التالي:
املحور األول:العقيدة األمنية الجزائرية(األسس واملرتكزات).
املحور الثاني:البعد التنموي للمقاربة الجزائرية لألمن في منطقة الساحل اإلفريقي.
املحور الثالث :اآلليات الدبلوماسية الجزائرية الحتواء أزمات منطقة الساحل اإلفريقي.
قانونية ودستورية تحدد املهام األساسية ألجهزة األمن الجزائرية التي تنحصر مهامها في حماية
وصون سيادة الدولة وحدودها.
تتحرك الدبلوماسية الجزائرية في فضائها الجيوسيا�سي اإلفريقي وهي تدرك أنها تعيش في
ساحل من األزمات املمتدة على حدود تتجاوز 6343كلم ،وهذا الساحل األزماتي ،يرتبط بعدد
من املعضالت األمنية أهمها 5معضالت كبرى تتمثل أساسا في:
-صعوبة بناء الدولة في هذه املنطقة
-ضعف في الهوية وتنامي الصراعات اإلثنية.
-البنى االقتصادية الهشة “وهو ما سيشكل تهديدات صلبة ّ
ولينة يمكن تصديرها
للجزائر”.
-ضعف األداء السيا�سي؛ إذ سجلت لحد اآلن ست انقالبات في كل من موريتانيا ،ومالي
والنيجر.
-انتشارلجميع أشكال الجريمة وأنواع األشكال الجديدة للعنف البنيوي.
وهذه األشكال الجديدة للعنف تؤكدها تقاريراألمم املتحدة التي تح�صي ما نسبته من 30%
إلى 40%من املخدرات الصلبة تمر عبر هذه املنطقة ،كما ّأنها تشكل ثاني أكبر أسواق األسلحة
الخفيفة وتشير ،تقديرات تقرير مسح األسلحة الخفيفة التابع لبرنامج املعهد األعلى للدراسات
الدولية بجنيف في تقريرسابق إلى أن هناك حوالي 100مليون سالح خفيف في القارة اإلفريقية،
كما أن 80باملائة من األسلحة املوجودة مصدرها بؤر الصراعات السائدة في إفريقيا الغربية
والتي تنتقل إلى الجزائرعبرمالي والنيجر.
ً
إن عين الجزائر على استقرارها وهي التي خاضت حربا عويصة استنزافية ضد ما يسمى
باإلرهاب وملدة 10سنوات ُيسميها الجزائريون ُ
«العشرية السوداء» ،وعينها الثانية على التحرك
اإلفريقي ذو البنى السياسية واالقتصادية الهشة والتي تشكل ما من شأنه نقل جميع أنواع
الفشل األزموي و الدولتي عبرالحدود مما يعني تهديد األمن الجزائري.1
هناك طريق واحد للمساعدة في إعادة بناء مقارباتنا األمنية وهوأن يقوم القادة العسكريون
الجزائريون بتوسيع تركيزهم إلى أعلى وإلى أسفل التسلسل القيادي .لقد فهم القادة العسكريون
الجزائريون بالقوات البرية ،وبشكل تقليدي ،نية قادتهم ملستويين أعلى وقاموا بنقل نيتهم
ملستوى تشكيليين أدنى ،وإني أعتقد بثقة أنه في ميدان املواجهة الحديث القادة بحاجة إلى
توسيع تركيزهم ثالث مستويات أو أكثر في كل اتجاه ،وأنا ال أقترح أن الجيش الوطني الشعبي
يجب أن يتجاوز التسلسل القيادي أوالتصرف على مستوى املرؤوسين .ولكن التجارب امليدانية
للوحدات الجزائرية وضعتنا أمام مدرك يق�ضي وأن عمليات القوات املسلحة الجزائرية المركزية
بدرجة متفاوتة وأن كل منطقة من مناطق العمليات تختلف عن األخرى بدرجة تجعل القادة
امليدانيين في حاجة إلى توسعة تفهمهم للعمليات فيما وراء ما كان يعمل لصالح الجيش الوطني
بشكل متعارف عليه في ميدان املواجهة و االصطدام التقليدي.
يمكن دعم إعادة تشكيل وصياغة عقيدة عسكرية جزائرية عن طريق مزيد من العمل
على تمكين التكامل األفقي غيراملقيد والنقل السريع واملجدي للمعلومات العسكرية السيادية.
ففي بعض األحيان ال تأتي املعلومات األكثر حساسية بميدان مواجهة التهديدات عن طريق
التسلسل القيادي ،وإنما من مصادر خارجية .ويكون على قيادة الجيش الوطني تمكين أولئك
األكثر حاجة لتلك املعلومات من الوصول إليها دون املراجعات التي يفرضها التسلسل القيادي
بصورة تقليدية .ويقترب من ذلك كثيرا الحاجة إلى املراجعة املتواصلة لكيفية تصنيف القيادة
للمعلومات والسيطرة عليها .أنا أعتقد أن القوات املسلحة الجزائرية تميل إلى املبالغة في عملية
تصنيف املعلومات التي تكون إما سريعة التال�شي أو ال تستحق التصنيف على اإلطالق .وذلك
يؤدي في بعض األحيان إلى تقييد املعلومات الحساسة بقنوات سرية ال يكون في إمكان قادة
الوحدات الصغيرة الوصول إليها .ومن الناحية التكنولوجية ،يمكن تناول هذه املشكلة عن
طريق زيادة عدد األدوات املتاحة لنشر املعلومات السرية .أما اآلن فيمكن دعم عملية حل
املشكلة باستخدام املزيد من الفكرواإلطالع في تقريرما هوبحاجة بالفعل للتصنيف كمعلومات
سرية منذ البداية 2،يفتقرالجيش الوطني في األساس لآلتي:
– التأمل النقدي على فرائض أفراد الجيش تجاه القيادة.
– التركيز املتالئم على القيادة اإلستراتيجية على أنها مهارة وموضوع يتوجب أن يناقش ويطور
باستمرارية في أنحاء الجيش الوطني الشعبي.
– االنتظام فيما يسعى إليه أفراد الجيش تجاه القيادة العسكرية عندما ينظرون إلى ممارساتهم،
أنظمتهم ،والعقيدة عبرالجيش الوطني عامة.3
وعليه ال يمكن ألي دولة أن تستخدم قدراتها العسكرية كقوة وطنية حاسمة لتحقيق
أهدافها ومصالحها دون االستناد إلى عقيدة عسكرية واضحة وفعالة ،وذلك لألدواراملهمة التي
تقدمها العقيدة العسكرية لتوجيه النشاطات واألعمال العسكرية على املستويات املختلفة،
والتي تصب في مصلحة تحقيق أهداف اإلستراتيجية الشاملة ،السيما إذا علمنا أن العقيدة
العسكرية بما تمثله من أسس ومبادئ تستوعب بتواترها حقيقة املراد الكلي إلستراتيجية ما،
وتعد بمثابة األساس الذي تقوم عليه تلك اإلستراتيجية ،إذ إن العقيدة العسكرية تستند إلى
مجموعة من املقتربات اإلستراتيجية والتي نستطيع هنا أن نؤشرلها باالتي:
-العقيدة العسكرية هي املوجه الرئيس إلعداد وبناء وتطوير القوات املسلحة وتجهيزها
مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية
264
العدد السادس اإلستراتيجية األمنية الجزائرية ملواجهة التهديدات األمنية
جوان 2017
الالتماثلية في منطقة الساحل اإلفريقي
أمني بعدما أنجزت نسبة % 50منه ،على مسافة بلغت 200كلم التي تربط بين تمنراست،
تيمياوين وتيزاواتين ،وأشار وزير األشغال العمومية ( فاروق شيالي إلى أن استكمال املشروع
سيتم قريبا بما أنه مبرمج حتى آفاق .)2016
-2مشاريع نقل كابل األلياف البصرية و أنابيب البترول والغاز :حيث تربط هذه املشاريع بين
نيجيريا والجزائرمرورا بالنيجرومالي استنادا إلى طرق الصحراء التي تمرعبرها أنابيب نقل الغاز
والبترول ،حيث تفرض عليها رسوم و اتوات توجه لتنمية تلك املناطق الحدودية .باإلضافة
إلى مباشرة الجزائر ومنذ فترة تمويل عمليات حفر أبار املياه وكذا مراكز التكوين االحترافي
واملراكز الصحية خصوصا في شمال مالي ( والنيجر وتشاد) .إن املتمعن واملتفحص للخريطة
الجيوسياسية للدول الساحلية و املغاربية من املشكالت و قضايا األمنية يجدها تعاني نزاعات
وحروب التي تالزم هاته النزاعات داخلية وبينية ودول منهارة وأخرى عاجزة ونظرا لخاصية
االنتشار واملخاطر والتي تشكل تحديا رئيسيا ألمن الساحل اإلفريقي إدراكا من الجزائر ومن
خالل خبر ا في الحرب على اإلرهاب بأن(الفقر والجهل واألمية) من األسباب الرئيسية املنتجة
لإلرهاب أو الداعمة له فقد أكدت في الكثير من املرات على ضرورة تطوير مقاربة اقتصادية
تضامنية ملحاربة اإلرهاب العابر لألوطان ،وذلك من خالل مراعاة الجانب املتعلق بالعنصر
البشري أي إقامة مشاريع تنموية يمكن بواسطتها امتصاص البطالة وضمان استقرارالسكان،
وهو ما تفضل الجزائر وتلح عليه بأن يلتفت إليه الجميع من خالل تفعيل التنمية في الساحل
ألنه البديل الفعال الذي يسمح بتجاوز كل املصاعب في هذا الجزء الحساس من القارة.6
ٔ ٔ ٔ
ولطاملا تبنى االتحاد االوربي مقاربة إستراتيجية يحكمها «مبدا املزيد من ا جل املزيد»،
ٔ ٔ
املزيد من اإلصالحات ا و باالحر ى التنازالت يف�ضي إلى الحظوة باملزيد من املساعدات ،التي
ٔ ٔ
يؤمها مشروع «إستراتيجية من ا جل الساحل» الذي يركز على معادلة اال من والتنمية في
املنطقة كمدخل لإلصالح واستتباب األمن والسالم في أقاليم تشهد تفككا اجتماعيا وسياسيا
ٔ
واقتصاديا بالغا .تبلورت هذه اإلستراتيجية في 22سبتمبر 2011عن جهاز املصالح االوروبية
ٔ ٔ
من ا جل العمل الخارجي ( )SEAEيهدف إلى توحيد السلوك الخارجي اال وربي و جعله منسجما و
ٓ ٔ
فعاال حسب ما عبرت عنه املمثلة السامية للشؤون الخارجية و سياسة االمن “كاثرين اشتون”
ٔ
( )Catherine Ashtonفحوى هذه اإلستراتيجية يقوم على الربط بين االمن و التنمية في حل
ٔ
مشكالت املنطقة ،كما اتجهت بالدرجة اال ولى نحو ثالث دول بعينها هي :النيجر ،ومالي ،و
ٔ
موريتانيا حيث سمتهم بدول قلب الساحل ،هذا و تنصرف إستراتيجية من اجل الساحل في
ٔ
التركيزعلى اربعة محاور أساسية هي:
ٔ
املحور االول :ترقية التنمية ،الحكم الراشد وحل النزاعات الداخلية ،حيث الهدف حل
املشكالت السوسيواقتصادية من خالل تحسين ظروف معيشة السكان في الساحل
ومنحهم فرصا اقتصادية تضمن تحجيم التيارات املتطرفة واإلجرام الذي يستثمر في
-بناء املدارس والثانويان والجامعات في كثيرمن واليات الوطن حيث أتاحوا لألجيال الصاعدة
فرصة االلتحاق بميدان التعليم ،إضافة إلى قيامهم بإنجاز العديد من املطارات املدنية و شق
8
الطرق السريعة و خطوط السكة الحديدية في مختلف جهات الوطن خاصة باملدن الجنوبية.
املحور الثالث :اآلليات الدبلوماسية الجزائرية الحتواء أزمات املنطقة
يصعب فهم الدبلوماسية األمنية الجزائرية في فضائها العام ،من دون اإلملام بشبكة من
املؤشرات الجيوسياسية املتداخلة ،ويزداد هذا التوجه صعوبة إذ لم تتم موضعة( (�localisa
)tionهذه الدبلوماسية ضمن التدبيرالسيا�سي العمومي )management publique( ،للسياسة
الخارجية الجزائرية التي تتكئ على جملة مقومات وثوابت دستورية وقانونية شكلت على مدار
التاريخ السيا�سي الجزائري منطلقا هاما في تفسيرالسلوك السيا�سي الجزائري الدبلوما�سي.
ولعل أهم ملمح ينبغي التأكيد عليه هو أنه فواصل زمنية متقاطعة تشكلت مجاال مهما
لفهم السلوك الجزائري ،كما أن هناك عقيدة أمنية ( )Doctrine sécuritaireوثوابت دستورية
إجرائية Principes constitutionnels et Opérationnelsتشكل على الدوام لوازم مهمة من
لوازم عالقات الجزائر بالغير؛ وترتكز على مفاهيم عدم التدخل في شؤون الغير وضبط إيقاع
التحرك الدبلوما�سي ضمن الجماعة العربية أو اإلفريقية مع األخذ بعين االعتبارسياسة حسن
9
الجواركمورد أسا�سي مهم في فهم العالقات الدبلوماسية الجزائرية.
تعتبر منطقة الساحل بمنزلة الحزام األمني الجنوبي للجزائر ،ملا تشكله من عمق
ويعد الشريط الساحلي الصحراوي جيواستراتيجي وتهديدات أمنية الستقرار األمن الوطنيّ .
ً ً
قضية حيوية لألمن القومي الجزائري ،نظرا إلى املميزات الخاصة التي تطبع املنطقة وتحديدا
في ما يرتبط بفشل الدول وهشاشة نظامها من جهة ،يضاف إليها شساعة الرقعة الجغرافية
يصعب على دول الساحل ضبط االستقرار األمني وتحقيق اإلشباع للمنطقة الصحراوية؛ ما ّ
ِ
والتماسك االجتماعيين لتجسيد املشاريع التنموية .وتعتبرجملة هذه املميزات بمنزلة التحديات
والتهديدات األمنية الكبرى لألمن الوطني وهو األمرالذي يطرح مجموعة من (.املشاريع الوطنية
واإلقليمي.10
ً
باعتبار أن الجزائر لديها تجربة أمنية عميقة ومشهود لها دوليا بعد خروجها من العشرية
السوداء بأيادي جزائرية ودون تدخل أجنبي،فإنها بخبرتها وضعت نفسها في مكان ُيحظى باألولوية
ً ً ً
في مجال االستشارة األمنية إقليميا قاريا ودوليا ،بل كانت لها املقاربة األفضل من كل املقاربات
ملعالجة التهديدات في منطقة ساحل الصحراء بتفضيلها لغة العقل والحوار على البندقية
والدبابة واملقاربة االقتصادية كبديل على القوة العسكرية لبناء السالم ،وباعتراف املجتمع
الدولي من خالل عدة زيارات رسمية لعدة دول كبرى حثت الجزائر على لعب دور الدركي أو
الشرطي في املنطقة التي ترى في هذا الدور دور سيغرقها في أوحال (مشاكل نزاعات صعوبات…)
ال خروج منها ،كما أنه مبدأ ال يتما�شى مع سياستها الخارجية ،ومن هنا يمكن القول أن املقاربة
الجزائرية األمنية في منطقة الساحل تقوم على ما يلي:
1-االعتماد على الدبلوماسية كنهج في فضائها الجيوسيا�سي اإلقليمي واإلفريقي والسيما
أنها تدرك أن جوارها يمثل حزام ناري يهددها في حدود يتجاوز طولها 6343كلم،2وبالتالي
فإن األمن الجواري الجزائري يرتبط بخمسة معضالت أساسية وهي كما يلي-:
2 2-صعوبة بناء الدولة ضمن الواقع الجواري.
3 3-تعدد الصراعات السيما منها الهوياتية والقبلية.
4 4-انتشارلجميع أشكال الجريمة خاصة منها الخطيرة كتجارة األسلحة واملخدرات.
5-ضعف األداء السيا�سي الوظيفي للدول املجاورة خاصة وأنها شهدت ستة انقالبات منذ
بداية األلفية الثالثة (تشاد،موريتانيا،مالي…).
6-الخريف العربي الذي جعل الدول تنطلق من الصفربل تحت الصفرفي ليبيا والتخوف
من سيناريو جزائري تثيره أيادي مصلحية.
ً
لذلك فإن الجزائرتدرس األوضاع األمنية جيدا في منطقة الساحل،وتتمسك باملبادئ التالية:
1-عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول
2-تغليب لغة الحواروالعقل على لغة السالح
3-انتهاج املقاربة االقتصادية لبناء السالم في املنطقة
4 4-حل النزاعات بالطرق السلمية
5-التنسيق والتعاون املشترك بين الدول ملواجهة التهديدات األمنية في منطقة الساحل
باعتبارأن أمن الجزائرهو أمن الجاروأن التهديدات أصبحت زاحفة (. )Greeping
6-التعامل مع املجتمع الدولي بتوجه يرفض دفع الفدية لإلرهابيين ومكافحة اإلرهاب
ومنع انتشاره.
7 7-رفض التدخل األجنبي ومحاولة حل املشاكل اإلفريقية بأيادي إفريقية كما يقول
املثل”أهل مكة أدرى بشعابها” ألنها إفريقيا تدرك وتفهم عناصر مسببات مشاكلها
أفضل من الغرب وهذا ال يعني العزلة بل تقديم الدعم الغربي السيما املادي لإلفريقيين
ملواجهة التهديدات.
8-تأمين الحدود الجزائرية بأزيد من 147ألف جندي،والتركيز على الجنوب الجزائري
مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية
270
العدد السادس اإلستراتيجية األمنية الجزائرية ملواجهة التهديدات األمنية
جوان 2017
الالتماثلية في منطقة الساحل اإلفريقي
السيما وأنه يمثل “البطن الرخو” لألمن القومي الجزائري التساع املساحة،ومن جانب
11
آخرفإن الجزائربهذا ال تؤمن حدودها فقط بل حدود الدول املجاورة لها.
بعد هجمات 11سبتمبر2001م انقلبت املوازين السياسية واكتسبت الجزائرفي حربها
ضد التهديدات الداخلية نوعا من الشرعية ،وأصبح العالم يعتمد على الخبرة الجزائرية
في املجال األمني و االستخباراتي والعسكري لتصدي ملصادر التهديدات واألخطار العابرة
للحدود خاصة في مجال مكافحة اإلرهاب الدولي ،ومع التحوالت التي جاء بها الربيع
العربي زادت حدة وخطورة التهديدات اإلقليمية ،وألول مرة منذ حرب الرمال 1963
أصبح األمن القومي الجزائري مهددا من الخارج ،وبطرق مباشرة وغير مباشرة ،وعلى
مستوى كل الحدود تقريبا ،وبنسب متفاوتة ،خاصة في ظل تأزم وتفاقم األوضاع األمنية
في دول الجوار ،والذي يرجع لعاملين األول الفشل الدوالتي في دول الساحل اإلفريقي،
والثاني سقوط األنظمة السياسية في كل من تونس وليبيا ومصر ،وما ترتب عن ذلك
جد سلبية على األمن الوطني في الجزائر ،وقد تعددت الفواعل املهددة لألمن فيمن آثار ّ
املنطقة وأبرزها ما يلي:
-1تحالف اإلرهاب والجريمة املنظمة (التهديدات الصلبة ) :
أخذت تهديدات الدائرة اإلفريقية لألمن القومي الجزائري التي مصدرها ما بات يعرف
باإلرهاب في الصحراء والساحل منحى أخطر بعدما أقامت التنظيمات املسلحة عالقات تعاون
وتبادل مع عصابات الجريمة املنظمة واملافيا ،وبعدما صارت ال تتوانى عن ممارسة أي نشاط
إجرامي (االتجار باملخدرات ،البشر والسالح) من أجل التموين وتمويل نشاطها بسبب مصادر
التمويل واملؤونة التي كانت تعتمد عليها في التسعينات من القرن املا�ضي .ففي هذا الصدد،
كشفت التحريات الجزائرية حول االعتداء املسلح في نهاية يونيو /حزيران 2010بتين زاوتين
بتمنراست ،والذي أسفرعن اغتيال 12عنصرا من حرس الحدود الجزائري ،عن تورط تنظيم
القاعدة فيه ،وأن هذا االعتداء كان تسهيل عملية تهريب سبعة قناطير من الكيف املعالج إلى
داخل التراب الجزائري .وتضاف هذه العملية إلى اعتداءات أخرى ضد فرق الجمارك الجزائرية
سبقتها أهمها مقتل 13جمركي باملنيعة على أيدي الجماعة السلفية في ،2006باإلضافة إلى
االعتداءات املسلحة ضد حرس الحدود في والية بشاراملعروفة كممرللتهريب.
تشكل الجريمة املنظمة ،وباألخص املتعلقة باالتجار باملخدرات ،تهديدا جديدا لألمن
الجزائري يمس بتأثيراته السلبية جميع الوحدات املرجعية لألمن الجزائري (الدولة ،املجتمع
واملجتمع األفراد) والذي يتطلب أيضا استراتيجيات أمنية شاملة ،أي قائمة على إجراءات
عسكرية وأخرى غير عسكرية (قضائية ،اقتصادية ،اجتماعية) للتصدي له .وقد ساهمت
عوامل القرب الجغرافي من مناطق إنتاج وعبور املخدرات في إفريقيا جنوب الصحراء (خليج
غينيا بالدرجة األولى ،باإلضافة إلى السنغال ،ساحل العاج ،غانا ،التوغو ،البنين ،نيجيريا
271 مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية
اإلستراتيجية األمنية الجزائرية ملواجهة التهديدات األمنية العدد السادس
جوان 2017
الالتماثلية في منطقة الساحل اإلفريقي
والكاميرون) .وكذا ضعف األنظمة الجنائية في إفريقيا جنوب الصحراء وفسادها ،وطبيعة
بنية الحروب والنزاعات فيها وكذا انكشاف الجزائرمن الجنوب بسبب ضعف التغطية األمنية
لحدودها الجنوبية في تفاقم التأثير السلبي للمخدرات على أمن املجتمع واألفراد الجزائريين.
وتشير أرقام كميات القنب الهندي ،الكوكايين ،الهروين املضبوطة في الجزائر كل سنة واملقدرة
باألطنان ،باإلضافة إلى مئات اآلالف من األقراص املهلوسة ،إلى خطورة التهديد اآلتي من
املخدرات وشبكات تهريبها واالتجاربها على األمن الجزائري.12
ً
يعد الساحل منطقة مثالية لحركة مرور األسلحة ،فقد أصبح الطلب عليها مكثفا بسبب
العديد من الصراعات ،إذ تتحدث التقديرات عن وجود نحو ٨٠ألف قطعة سالح من نوع
كالشينكوف ،ما غذي الشبكات اإلجرامية العاملة في التهريب والجماعات اإلرهابية .وازدادت
هذه الظاهرة بشكل وعودة الطوارق الذين « معمر القذافي » كبير ومتسارع من جراء إفرازات
األزمة الليبية وسقوط نظام قاتلوا إلى جانبه مدججين باألسلحة.13
-2أزمة الطوارق( :إشكالية فوق دولتية) :اعتبرت منطقة انتشار الطوارق من البؤر ذات
الجغرافيا السياسية البالغة الحساسية أمنيا ،كما عدت أزمة الطوارق من أقدم وأعقد
التحديات التي تواجه األمن القومي الجزائري بل ويعتبر حضورها ضمن الشواغل األمنية
الجزائرية منذ زمن قديم مقارنة بمشكالت وتهديدات دوائر إستراتيجية أخرى .وتعد أزمة
الطوارق مورثا استعماريا ملغما يرجع تاريخه إلى استقالل كل من ليبيا ،1951والنيجر،1960
ومالي ،1960وبوركينافاسو 1960والجزائر ،1962عندما وجدت القبائل الطوارقية املتمركزة
في الصحراء الكبرى نفسها مشتتة بين هذه الدول ذات السيادة ،والتي اتفقت على احترام مبدأ
«عدم املساس بالحدود املوروثة عن االستعمار» املنصوص عليه في ميثاق منظمة الوحدة
اإلفريقية سنة .1963ومعلوم أن التقسيمات الجغرافية للصحراء التي تمت باالتفاق بين
فرنسا ،التي كان أكبرجزء من الصحراء تابعا لها ،وإلسبانيا وإيطاليا تم تقطيعها بشكل اعتباطي
لم يراع الحدود األنثروبولوجية (العرقية والدينية) للمجتمعات اإلفريقية والقبائل الصحراوية
(الطوارق فيما يخص حالة الجزائر).
في ظل هذا الواقع ،انقسم الطوارق في رؤيتهم إلى موقفين :موقف رافض لواقعهم املقسم
ويطالب بتكوين دولة طوارقية في الصحراء الكبرى ،وموقف مؤيد للبقاء تحت سيادة الدول
املستقلة شريطة التمتع بالحرية في التنقل والحكم واإلدارة الذاتية ،حتى وإن كان أغلب الطوارق
في األصل ال يعترفون بفكرة الحدود وال بتحديد مجال جغرافي لتنقالتهم التي تتسايرمع التقلبات
املناخية .ومنذ ذلك الوقت وعالقات الطوارق مع األنظمة املتعاقبة على الدول التي يتواجدون
فيها يسودها التوتر سيما دوليتي مالي والنيجر اللتان مارستا تهميشا وقمعا ضد سكان شمال
كل منهما خالل عشرية الثمانينيات من القرن املا�ضي مما أجبرالطوارق على الهجرة إلى الجزائر
وليبيا وعلى حمل السالح في وجه جيوش النيجرومالي للمطالبة بحقوقهم.
نتيجة للموقف األخير ،ظهرت مجموعة من حركات األزواد تسمي نفسها تحريرية تمردت على
سلطة الحكومات املركزية ملالي والنيجروقادت خالفاتها معها وتحركاتها ضدها إلى تنامي موجات
الالجئين واملهاجرين السريين نحو الجزائر ،وفضال عن التبعات اإلنسانية واملشكالت األمنية
(تهريب ،تجارة مخدرات ،اعتداءات على مواطنين جزائريين وغيرها) التي أفرزها وجود هؤالء
الالجئين واملهاجرين في صحراء الجزائرومدنها الجنوبية واستخدامهم كمناطق انكفاء إستراتيجي
وانسحاب في حال مالحقات من طرف القوات النظامية النيجرية أو املالية .وال تستبعد بعض
التقارير أن تكون العمليات املسلحة التي قاموا بها ضد بلدانهم األصلية (وبتحديد ضد ثكنتين
عسكريتين للجيش املالي في كيدال) انطلقت من األرا�ضي الجزائرية وبالتعاون مع أفراد قبائلهم
الذين لم يغادروا مواطنهم في مطلع تسعينيات القرن املنصرم أو حتى سنة .2006وقد قادت
هذه العمليات إلى توتر إقليمي بين البلد املستقبل (الجزائر) والبلدان األصلية لالجئين (مالي
والنيجر) كادت أن تؤدي إلى انفالت الوضع األمني هناك وإلى فتح جبهة جنوبية للقتال بالنسبة
للجزائر كانت في غنى عنها بحكم تكريسها لجهدها األمني والعسكري في شمال البالد الذي كان
يعاني من األلفية املنقضية.
وقد تبنت الجزائر رؤية تقوم على سياسة وقائية وذلك بتوفير البديل االقتصادي
واالجتماعي للطوارق املوجودين على أراضيها عبرجمعهم في قرى ومدن جنوبها وترقية معيشتهم
ومحاولة إدماجهم في الحياة السياسية .غير أن هذه السياسة الجزائرية لم تكف لدرء تهديد
الحركات األزوادية والحد من نشاطهم املسلح ،ألن مالي والنيجرلم تقدما ،وبشكل موازملا قامت
به الجزائر ،أي بديل لتعويض التغيرات التي طرأت على النمط املعي�شي للطوارق بشكل يخدم
استقرار املنطقة ،بل أعطت سياستهما تجاه الساكنة الشمالية وضعف العدالة التوزيعية
اقتصاديا وسياسيا فيهما الحجة للطوارق للثورة ضد حكومتيهما؛ سيما وأن الطوارق لم يجدوا
بديال عنها أمام استمرارتدهور أحوالهم االقتصادية وتجاهل مطالبهم من طرف حكومتي باماكو
ونيامي.
وقد خاضت الجزائر من منطق ومبدأ حسن الجوار الوساطة الدبلوماسية لحل مشكلة
األزواد منذ 1991بين الحركة الشعبية لتحرير األزواد ،والجبهة العربية اإلسالمية لألزواد
لغرض وقف العمليات املسلحة .كما قادت الجزائر دبلوماسية نشطة بين الطوارق وحكومتي
مالي والنيجر محتضنة العديد من اللقاءات وعمليات الوساطة مثل (لقاء الجزائر العاصمة
األول من 29إلى 30ديسمبر /كانون األول ،1991لقاء الجزائرالثاني من 22إلى 30يناير /كانون
الثاني ،1994لقاء الجزائر الثالث من 15إلى 25مارس /آذار ،1992لقاء تمنراست من 16إلى
20أبريل /نيسان ،1994لقاء الجزائر 10إلى 15ماي ،1994لقاء تمنراست من 27إلى 30
يناير /كانون الثاني )1994وتوج اللقاء األخير باإلعالن الرسمي عن انتهاء النزاع في شمال مالي
26مارس /آذار ،1996نظمت الحكومة املالية على إثره بمنطقة تمبكتو حفل «شعلة السالم»
ُ
اجتمع فيه جميع الفرقاء وأتلفت خالله كل األسلحة التي جمعت في هذا النزاع.
273 مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية
اإلستراتيجية األمنية الجزائرية ملواجهة التهديدات األمنية العدد السادس
جوان 2017
الالتماثلية في منطقة الساحل اإلفريقي
إال أن عدم احترام الطرفين املالي والطوارقي لالتفاقيات املبرمة بينهما كان يؤدي في كل
مرة إلى االضطراب مجددا وتتدخل الجزائر على خط الوساطة بسرعة؛ لوعيها بخطورة النزاع
الطوارقي على أمنها القومي .وعلى إثر اشتداد الصراع سنة 2006قادت الجزائر وساطة أشرف
عليها الرئيس الجزائري بوتفليقة شخصيا كدليل على اهتمام الجزائر الكبير بالدائرة اإلفريقية
ألمنها القومي وبتهديد الذي يشكله إقليم أزواد بصفة خاصة .وقد أفضت هذه الوساطة إلى
التوقيع على اتفاق سالم بالجزائر في يوليو /تموز 2006تحت اسم «تحالف 23مايو من أجل
ً
التغيير» الذي كان أثراملقاربة الجزائرية إلحالل األمن في املنطقة واضحا فيه .ولتجسيد االتفاق
أن�شئ مجلس جهوي مؤقت للتنسيق واملتابعة يتم اختيار أعضائه بطريقة متفق عليها ،يتولى
شؤون التنمية ويشرف على امليزانية املحلية وجميع مظاهر األمن في املنطقة .وعلى الصعيدين
االقتصادي واالجتماعي ،نص االتفاق على تنظيم منتدى كيدال حول التنمية خالل ثالثة أشهر
بعد توقيع االتفاق يف�ضي إلى إنشاء صندوق خاص لالستثمار ،مع تسريع مسارتحويل صالحيات
التسيير إلى الجماعات املحلية ،ومنح قروض إلقامة مشاريع تنموية ،وتحديد التبادل التجاري
وتنسيقه بين مناطق دول الجوار ،ووضع نظام صحي يالئم طبيعة األهالي الرحل والقضاء على
عزلة املنطقة عبرتطويرشبكة الطرقات الرئيسية بين كيدال وداخل البالد وداخل البالد وبينها
وبين املناطق الجزائرية املتاخمة.
بيد أن تطبيق البنود السابقة شهد خالفات أخرى بين الطرفين تطلبت الدخول في
مفاوضات جديدة برعاية الوسيط الجزائري انتهت بالتوقيع في 20فبراير /شباط 2007
بالجزائر على بروتوكول إضافي يضم ثالث وثائق :األولى تخص اإلجراءات التطبيقية العالقة في
اتفاق يوليو /تموز ،الثانية عبارة عن جدول زمني حدد آجال تسليم 3000من عناصرالتحالف
لسالحهم; ّأما الوثيقة الثالثة فتضبط شروط منتدى املانحين لتنمية منطقة شمال مالي
(كيدال ،تمبكتو وغاو) وطريقة تنظيم هذا املنتدى الذي عقد في 23و 24مارس /آذار .2008
ولم يؤد هذا االتفاق إلى نتيجة فشتدد االقتتال مجددا بين الطرفين في نفس شهر مارس /آذار
2008فقامت الجزائرمرة أخرى بجمع الفرقاء في اجتماعات تفاوضية بالجزائرالعاصمة دامت
ُ
أربعة أيام (من 24إلى 27يوليو /تموز )2008وتوجت بتوقيع اتفاق لوقف القتال بين الطرفين
وتثبيته ،إلى جانب التشديد على ضرورة السعي إلطالق املساجين املوجودين عند كل طرف
وإيجاد حلول ملسألة العائالت املشردة التي وصلت إلى الحدود ،وحرصا على تنفيذ هذه البنود،
تم إنشاء لجنة مختصة للمراقبة تتكون من نحو مائتي عضو من الطرفين بالتساوي.
إن الجزائر بقدر امتالكها وتحريكها ملاكنة الدبلوماسية املعززة لعالقات حسن الجوار
واطفاء النزاعات بالدول املجاورة إال أن هشاشة البناء السيا�سي وشساعة مناطق الصراع
َّ
صعب من مهمة الجزائرفي تطويق واحتواء االقتتاالت املستمرة.14
تعتبر أزمة الطوارق أزمة فوق دولتية تضم كل من ليبيا والجزائر والنيجر ومالي وشمال
بوركينافسو ،وهي من أعقد التحديات األمنية التي يواجهها األمن القومي الجزائري منذ زمن
قديم ويرجع أصل مشكل الطوارق إلى سياسات اإلستعمار “فرق تسد” الذي لم يراع الحدود
األنثربولوجية للمجتمعات ووزعها على الحدود،و لقد اشتدت هذه األزمة مع زيادة تهميشهم
من طرف الدول التي تضم الطوارق خاصة في مالي(الشمال) والنيجر مما جعلهم يهاجرون
15
نحوالجزائروليبيا ويحملون السالح ضد حكومات بالدهم.
-3الهجرة غيرالشرعية:
يلخص العالم الديمغرافي الفرن�سي «ألفريد صوفي» إشكالية الهجرة بقوله «إما أن ترحل
الثروات حيث يوجد البشروإما أن يرحل البشرحيث توجد الثروات».16
نتيجة للموقع االستراتيجي الذي تحتله الجزائر ،والذي يتوسط دول املغرب العربي وتميزه
بحدوده الشاسعة مع دول الساحل والصحراء كالنيجر ومالي ،هذه الوضعية شكلت نقطة
عبور ووجهة ألفواج من األفارقة وأصبحت تحتضن أعدادا من املهاجرين يتسللون عبرالحدود
مستعملين طرقا ووسائل متعددة ،حيث وجدت هذه األفواج مجاالت لتحركها ومرورها بواليات
الجنوب الكبير ،وكذلك بعض املناطق الغربية للوصول إلى أوروبا ،وفي السنوات األخيرة تعمقت
الظاهرة في الجزائر حيث تحولت من دولة عبور إلى دولة مصدر ،ولهذا انتهجت الجزائر جملة
من اإلجراءات تنوعت بين القانونية واألمنية والتعاون الخارجي ملكافحة هذه الظاهرة.
إلى وقت قريب جدا لم يكن هناك تشريع يعالج الهجرة غيرالقانونية في الجزائرالتي تنامت
فيها بشكل كبير في السنوات األخيرة ،وأصبحت دولة مصدرة للمهاجرين غير الشرعيين بعدما
كانت دولة عبور ،حيث اقتصرت وسائل املكافحة على حمالت التوعية اإلعالمية وخطب األئمة
في ملساجد ،وفي جو استياء كبيرمن طرف النواب في البرملان الجزائري ومنظمات أخرى .إلى غاية
صدور قانون 2009الذي جرم فيه املشرع الجزائري الهجرة غيرالشرعية تحت عنوان»الجرائم
املرتكبة ضد القوانين املتعلقة بمغادرة التراب الوطني(قانون رقم09- 1املؤرخ في 25فبراير
17
)2009بنص املادة 175مكرر
يعتقد كثير من الباحثين في شأن األمن الجزائري أن الدبلوماسية األمنية الجزائرية في
حاجة إلى إعادة قراءة سياسية وأمنية ،وهذه القراءة يجب أن تشمل املنظومات التالية:
-إعادة قراءة مدى نجاعة الدبلوماسية األمنية الجزائرية وقدرتها على أن تستجيب لوزن
ً
الدولة الجزائرية وقدرتها الجيوسياسية ،ودبلوماسيتها النشطة تاريخيا خصوصا في
مرحلة اإلشعاع الدبلوما�سي (مرحلة الستينات والسبعينات من القرن املا�ضي).
-إعادة النظر في ضمان إجراءات دستورية تعطي الجيش الجزائري حق التدخل وتتبع
فلول الجماعات اإلرهابية والتهديدات الصلبة املتأتية من خارج حدود الدولة ،بما
1 1-التعاون مع الدول األوروبية :فالتعاون مع الدول األوروبية سواء على املستوى
املجموعة األوروبية أو على املستوى الثنائي (فرنسا – ايطاليا – اسبانيا) على
مستوى املجموعة يهدف إلى ترحيل املهاجرين السريين وتدعيم قدرات الحكومة
الجزائرية في مجال التحكم في الهجرات.
2 2-التعاون اإلقليمي :فالجزائرتحاول من خالل إشراك دول الساحل أن تربط السيطرة
على الهجرة غير الشرعية بترقية الديناميكية اإلقليمية ،وفي هذا اإلطار تشارك في
منظمة النيباد وتتعاون مع الهيئات األمنية لدول الجوار كاتفاق التعاون األمني مع
مالي.91
في ضوء ما سبق يمكن القول أن التحرك الدبلوما�سي األمني الجزائري تحكمه مجموعة
محركات وعدة مؤشرات ،وبناء على هذه املحركات يمكن فهم الدور األمني الدبلوما�سي تجاه
20
الفضاء الجيوسيا�سي اإلفريقي.
الخاتمة :
تسعى الجزائر في إطار مقاربتها األمنية في منطقة الساحل األفريقي لتغليب اآلليات
السياسية والدبلوماسية والتنموية على اآلليات العسكرية في التغلب على التهديدات األمنية
ً
في هذا الفضاء ،وكذا إدارة املخاطر في إطار تصور يجمع ما بين فكرتي األمننة واألنسنة سعيا
لتفعيل منطق األمن اإلنساني وتجسيد مبدأ الدبلوماسية اإلنسانية القائمة على احترام حقوق
ً
اإلنسان كمدخل لتفعيل وتحقيق األمن الوطني و الجهوي على حد سواء .وانطالقا مما تم بيانه
وتفصيله من خالل هذا البحث ،نتوصل إلى النتائج التالية:
-تمثل منطقة الساحل األفريقي منطقة إستراتيجية هامة في التقسيم الجيوسيا�سي
للعالم ،كما تمثل العمق الجنوبي للجزائر ودائرة جيوسياسية مهمة من دوائر أمنها
القومي.
-انعكس الوضع األمني في منطقة الساحل األفريقي بصفة مباشرة على األمن الجزائري
مست الجوانب السياسية واالقتصاديةبحكم الجوار الجغرافي ،فأنتج تهديدات أمنية ّ
واملجتمعية واألمنية على حد سواء.
-تعتبر الجماعات اإلرهابية وأنشطة الجريمة املنظمة في منطقة الساحل األفريقي من
أهم وأبرز الفواعل املهددة لألمن في منطقة الساحل األفريقي ،ويعزى استفحال هذه
الظاهرة إلى عوامل جغرافية وسياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية.
-تكمن مواجهة التهديدات األمنية في منطقة الساحل األفريقي بالنسبة إلى صانع القرار
الجزائري والدبلوماسية الجزائرية بوضع تصورات قائمة على املقاربة الجزائرية الكبرى
277 مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية
اإلستراتيجية األمنية الجزائرية ملواجهة التهديدات األمنية العدد السادس
جوان 2017
الالتماثلية في منطقة الساحل اإلفريقي
ً
في منطقة الساحل األفريقي للتكيف مع هذه التهديدات ،وهي تتمثل أساسا بمجموعة
من اآلليات السياسية والدبلوماسية ،االقتصادية واالجتماعية والثقافية والتنموية،
من دون استبعاد اآلليات العسكرية.
-املقاربة األمنية الجزائرية في منطقة الساحل األفريقي ترتكز بدرجة كبيرة على مبادئ
الدبلوماسية اإلنسانية القائمة على حماية حقوق اإلنسان والتنمية.
وعليه وجب العمل األكثرعلى هذه املقاربة وتفعيل مبدأ الدبلوماسية اإلنسانية والوقائية
الحتواء الفواعل املهددة لألمن القومي الجزائري من خالل مدخل التنمية ودعم الديمقراطية
وتعزيزوحماية حقوق اإلنسان .وكذا تعزيزاألطرالجهوية واإلقليمية في ما يخص التعاون األمني
واالستخباري بين حكومات املنطقة في إطارتحقيق أمن جهوي ،واستبعاد أي تدخل خارجي من
ً
شأنه تعقيد األمور وإبقاء املبادرات اإلقليمية في إطاراالتحاد األفريقي قائمة وفعالة ،فضال عن
تعزيزالتعاون الدولي مع الشركاء في هذه املنطقة.
الهوامش:
1بوحنية قوي « ،إستراتيجية الجزائرتجاه التطورات األمنية في الساحل األفريقي» ،تم تصفح هذا املوقع في 2017 /05 /18على
الساعة ، 20:20نقال من املوقع االلكتروني:
http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2012/06/20126310429208904.html
2بلهول نسيم “ ،العقيدة العسكرية القومية الجزائرية :أسس القيادة وهيبة الوضع العسكري في حقبة من الشك وعدم اليقين
اإلستراتيجي “ ،تم تصفح هذا املوقع في 2017 /05 /17على الساعة ، 20:22نقال من املوقع االلكتروني:
http://babalmaghariba.org/?p=680
3بلهول نسيم “ ،العقيدة العسكرية القومية الجزائرية :أسس القيادة وهيبة الوضع العسكري في حقبة من الشك وعدم اليقين
اإلستراتيجي “ ،املرجع نفسه.
4نزارإسماعيل الحيالي و عمارحميد ياسين “ ،قراءة في املذهب العسكري الرو�سي بين املا�ضي و الحاضر“ ،تم تصفح هذا املوقع في
2017 /05 /15على الساعة ، 45:08نقال من املوقع االلكتروني ص ص (:.)5-12
http://iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=87139
5نسيم بلهول “ ،فهم وبناء العظمة العسكريةم من مدخلي اامليتاسوسيولوجيا الحربية وبحوث العمليات “ ،سياسات الدفاع
االوطني بين االلتزاامات السيادية والتحديات االقليمية ،كتاب اكاديمي محكم صدربالتنسيق مع مجلة دفاترالسياسة والقانون
وبالتعاون مع مخبراشكالية التحول االسيا�سي واالقتصادي واالجتماعي بجامعة قاصدي مرباح ورقلة ،جامعة ورقلة ،في 13-12
نوفمبر.2014ص ..228
6الحامدي عيدون ،أمن الحدود وتداعياته الجيوسياسية على الجزائر ،مذكرة مكملة لنيل شهادة املاجستيرفي العلوم السياسية
والعالقات الدولية ،تخصص :الدراسات السياسية املقارنة جامعة املسيلة ، 2015 – 2014 ،ص .163-162-161
7جميلة عالق “ ،استراتجياات التنافس الدولي في منطقة الساحل “ ،تم تصفح هذا املوقع في 2017 /05 /15على الساعة ، 15:23
نقال من املوقع االلكتروني:
مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية
278
العدد السادس اإلستراتيجية األمنية الجزائرية ملواجهة التهديدات األمنية
جوان 2017
الالتماثلية في منطقة الساحل اإلفريقي
http://dspace.univsetif2.dz/xmlui/bitstream/handle/setif2/350/alague.pdf?sequence=1&isAllowed=y
8مصطفى بلعور “ ،دور القوات املسلحة في التنمية :دراسة في الجوانب الدستورية والتنظيمية ،“ ...سياسات الدفاع الوطني بين
االلتزامات السيادية والتحديات اإلقليمية ،كتاب أكاديمي محكم صدربالتنسيق مع مجلة دفاترالسياسة والقانون وبالتعاون مع
مخبرإشكالية التحول السيا�سي واالقتصادي واالجتماعي بجامعة قاصدي مرباح ورقلة ،جامعة ورقلة ،في 13-12نوفمبر.2014ص
. 314-313
10محمد األمين بن عائشة « ،الدبلوماسية الجزائرية واملعضلة األمنية في مالي :بين االستمرارُّ والتغير« ،تم تصفح هذا املوقع في
2017 /05 /17على الساعة ، 20:19نقال من املوقع االلكتروني:
http://www.caus.org.lb/PDF/EmagazineArticles/mhmd_amin_bn_3a2isha.pdf
11جارش عادل “ ،تأثيرالتهديدات األمنية بمنطقة الساحل فى األمن القومى الجزائرى” ،تم تصفح هذا املوقع في 2017 /05 /19
على الساعة ، 20:23نقال من املوقع االلكتروني:
=http//:democraticac.de?/p2448
13عربي بومدين ،فوزية قا�سي :املقاربة األمنية الجزائرية في منطقة الساحل األفريقي :نحو تفعيل مبدأ الدبلوماسية اإلنسانية،
مجلة املستقبل العربي ،لبنان، 2015 ،ص . 05
15جارش عادل “ ،تأثيرالتهديدات األمنية بمنطقة الساحل فى األمن القومى الجزائرى” ،مرجع سابق.
16محمد الخشاني “ ،أسباب الهجرة غيرالشرعية إلى أوروبا” ،تم تصفح هذا املوقع في 2017 /05 /16على الساعة ، 18:09نقال
من املوقع االلكترونيhttp://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/40d65cc9-4cc5-41a4-b718-6656b133f208 :
17خديجة بتقة “ ،السياسة األمنية األورروبية في مواجهة الهجرة غيرالشرعية” ،رسالة ماجيستيرفي العلوم االسياسية ،تخصص
عالقات دولية واستراتجية ،جامعة محمد خيضربسكرة ،2014-2013،ص . 111-110
19ساعد رشيد“ ،واقع الهجرة غير الشرعية في الجزائرمن منظور األمن اإلنساني» ،رسالة ماجستير في العلوم السياسية ،تخصص
دراسات مغاربية ،جامعة محمد خيضربسكرة ،2012-2011،ص .95-94
20نسيم بلهول « ،فهم األمن القومي الجزائري من مدخلي األمن الوطني والدفاع الوطني « ،دارالحامد ،األردن. 2015 ،ص .482