Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫تقديم مركز نهوض للدراسات والبحوث‬

‫التخصصي الذي شهدته بنية المعرفة انقسامُها إلى جز ٍر منفصلة‪،‬‬


‫ُّ‬ ‫لقد نتج عن التطور‬
‫مما أدى إلى حرمان الفكر اإلنساني من الرؤية ال ُكليَّة‪ ،‬فكان ال ب َّد من تعويض هذا‬
‫النقص بمشاريع تهدف إلى تحقيق تكامل المعارف وتساند مناهجها‪ .‬وهكذا نالحظ‬
‫اليوم في مختلف المراكز والمعاهد البحثية ‪-‬داخل العالم اإلسالمي وخارجه‪ -‬حضور‬
‫التخصص‪ .‬إال أن‬
‫ُّ‬ ‫فكرة تكامل المعارف‪ ،‬ونقد التجزئة التي لحقت بنية العلوم بفعل‬
‫أيضا خصوصيتها عند طرحها في سياق ثقافي أو تعليمي معيَّن‪ .‬ودليل‬‫هذه الفكرة لها ً‬
‫ذلك أن التفكير في مسألة تكامل المعارف في واقعنا الثقافي اإلسالمي يُظهر أبعادًا‬
‫التخصص فقط‪ ،‬بل نجد ً‬
‫أيضا‬ ‫ُّ‬ ‫أخرى‪ ،‬حيث ال نجد إشكاليات االنفصال الناجم عن‬
‫ً‬
‫انفصال بين العلوم اإلسالمية والعلوم اإلنسانية‪ ،‬على الرغم من مقتضيات التداخل‬
‫والتقاطع بينهما‪.‬‬
‫الوصل بين هذه العلوم‪ ،‬إال أنه لم‬
‫ِ‬ ‫دعوات كثيرة إلى‬
‫ٌ‬ ‫ولقد تعالت في اآلونة األخيرة‬
‫فعلي يح ِّقق ذلك الوصل المنشود‪ ،‬حيث ما زال األمر عند‬‫ٌّ‬ ‫جز ‪-‬حتى اآلن‪ -‬عمل‬ ‫يُن َ‬
‫مستوى األمل ولم ينتقل بع ُد إلى مستوى اإلنجاز‪ .‬ويكفي لالستدالل على ذلك الن َّ َظ ُر‬
‫المختصة بالتكوين الشرعي أو التكوين‬ ‫َّ‬ ‫إلى واقع التعليم في كثي ٍر من الكليات والمعاهد‬
‫انفتاح على‬ ‫ٍ‬ ‫في مجال العلوم اإلسالمية‪ ،‬حيث يتلقى الطالب المعارف الدينية دون‬
‫اإلسهامات المنهجية والمعرفية التي ح َّققتها العلوم اإلنسانية‪.‬‬
‫ولإلسهام في س ِّد هذا النقص‪ ،‬يُقدِّم مركز نهوض للدراسات والبحوث سلسلة‬
‫«مداخل منهجية في العلوم اإلنسانية» التي تهدف إلى التعريف بهذه العلوم‪ ،‬مع وصلها‬
‫بالعلوم اإلسالمية‪ ،‬وبيان تطبيقاتها الممكنة على واقع الثقافة واالجتماع العربي‬
‫اإلسالمي‪ .‬ومن هذا المنظور‪ ،‬فإن لهذه السلسة خصوصية مختلفة عن كتب المداخل‬
‫التقليدية‪ .‬إذ يمكن القول إن المكتبة العربية ال تزال تفتقد إلى مداخل منهجية ت ُ ِّ‬
‫عرف‬

‫‪11‬‬
‫ٍ‬
‫بتطبيقات تفيد في الوصل بين هذين‬ ‫بهذه العلوم مع ضبط مواطن االستفادة منها‬
‫المجالين (العلوم اإلسالمية والعلوم اإلنسانية)‪.‬‬
‫وقد حرص مركز نهوض للدراسات والبحوث في هذه السلسلة على استكتاب‬
‫برزين في العلوم اإلنسانية‪ ،‬أو انتقاء الكتب المدخلية باللغات األجنبية‬
‫المتخصصين ال ُم ِّ‬
‫ِّ‬
‫فصح يخلو من الغموض بالقدر الذي يح ِّقق إمكانية‬ ‫المختلفة‪ ،‬وتقديمها بأسلوب مُ ِ‬
‫توسيع تداول الكتاب واالستفادة منه‪ ،‬دون اإلخالل بمقتضيات المعرفة األكاديمية‪،‬‬
‫وكذلك تقريبها العلوم اإلنسانية من حقل الدراسات اإلسالمية بنماذج تطبيقية تُبيِّن‬
‫إمكانيات االستفادة منها‪ .‬كما راعى المركز في هذه السلسلة التعريف بالعلم ومدارسه‬
‫ومراحل تطوره‪ ،‬دون إغفال مستجداته الراهنة‪ ،‬حيث نلحظ أن غالبية كتب المداخل‬
‫ٍ‬
‫ومعطيات متقادمة‪ ،‬وكأن‬ ‫ٍ‬
‫مرجعيات‬ ‫المتداولة اليوم تقتصر في التعريف بالعلم على‬
‫أي مستجدات‪.‬‬
‫هذا العلم قد توقف عن التطور‪ ،‬وال يشهد َّ‬
‫ويأتي هذا الكتاب الثاني من سلسلة «مداخل منهجية في العلوم اإلنسانية» بعنوان‬
‫«مدخل إلى علم المنطق» من تأليف الدكتور سعيد بنتاجر أستاذ علم المنطق في جامعة‬
‫الحسن الثاني بالدار البيضاء‪ ،‬ومراجعة وتقديم الدكتور الطيب بوعزة‪ .‬وقد حرص‬
‫مؤلِّف الكتاب على عدم االقتصار على عرض المنطق الصوري‪ ،‬كما هو حال أغلب‬
‫كتب المداخل‪ ،‬أو حال المتون المنطقية التعليمية ال ُم َد َّر َسة في المدارس والكليات‬
‫الشرعية‪ ،‬فتجاوز ذلك إلى الجنسين المه َّميْن في التجديد المنطقي المعاصر‪ ،‬أي‪:‬‬
‫المنطق الرمزي بدءًا من اليبنز حتى برنكيبيا راسل وواتهايد‪ ،...‬والمنطق المعاصر بما‬
‫هو توسعة نحو منطقيات متعدِّدة القيم‪ ،‬مع بيان التطبيقات وإيضاح التداخل الجدلي‬
‫للمنطق مع العلوم اإلسالمية قدي ًما‪ ،‬والنظر في كيفية تطوير االستفادة من المنطقيات‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫ولذلك يُ َع ُّد هذا الكتاب ‪-‬بحقٍّ‪ -‬كتابًا جامعًا لعلم المنطق التقليدي والمعاصر‪ ،‬كما‬
‫امتاز باإلحالة إلى تطبيقاته التراثية في العلوم اإلسالمية‪ ،‬واإللماح إلى إمكانات تطبيقاته‬
‫في العلوم الفقهية واألصولية اليوم؛ فصار الكتاب إضاف ًة متميزةً إلى الكتابات المدخلية‬
‫للمنطق‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ومركز نهوض للدراسات والبحوث إذ يقدِّم هذا الكتاب الثاني من سلسلة «مداخل‬
‫منهجية في العلوم اإلنسانية»‪ ،‬فإنه يأمل أن يُسهم هو وغيره من كتب السلسة في ترقية‬
‫المستوى المعرفي لطلبة الجامعات العربية في مجالي العلوم اإلنسانية والعلوم اإلسالمية‪،‬‬
‫على نح ٍو يجاوز االنفصال السائد‪ ،‬وتمكينهم من األصول واألدوات المنهجية التي‬
‫بلورها العلم موضوع التعريف‪.‬‬

‫‪13‬‬

You might also like