Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 20

‫مجلّة‬

‫اللّغة العربيّة وآدابها‬ ‫القيم الخلقية في شعرالشنفرى‬

‫القيم الخلقية في شعرالشنفرى‬


‫‪The Moral Values In Chanfara's Poetry‬‬
‫‪.‬‬ ‫أ‪ /‬العيفاوي حمزة‬
‫طالب دكتوراه( ‪ )LMD‬جامعة البليدة ‪2‬‬
‫د‪ /‬فضالة إبراهيم جامعة البليدة ‪2‬‬
‫امللخص‪:‬‬
‫تسعى هذه الدراسة إلى تصحيح خطأ طاملا تكرر في الدراسات األدبية وهو‬
‫بأنهم طائفة منعدمة األخالق‪ ،‬اتخذت من الصعلكة‬ ‫الحكم على الشعراء الصعاليك ّ‬
‫عد السبب في تلك األحكام القاسية إلى‬‫وسيلة لقتل األبرياء والسطو على األثرياء‪ ،‬وقد ُي ّ‬
‫االنطالق من مواقف مسبقة تعتمد التفسير الخاطئ لظاهرة الصعلكة‪ّ .‬‬
‫ويعد الشنفرى‬
‫أحد أولئك الذين طالهم هذا الحكم لكثرة ما جناه على قومه‪ ،‬والحكم الصحيح في رأينا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هو إعادة النظر في تقييم هذا الشاعر أخالقيا وفي تصنيفه اجتماعيا برؤية تكون أكثر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إنصافا وعدال‪ .‬وقد بدت لنا جملة من الصور الرائعة عن الشجاعة واإلقدام والصبر‬
‫أقرها اإلسالم فيما بعد‪ ،‬وهي ما تحاول هذه‬ ‫والكرم في شعر الرجل‪ ،‬وهي الفضائل التي ّ‬
‫الدراسة التطرق إليه‪.‬‬
‫‪Abstract :‬‬
‫‪We will try in this study to correct a big mistake which is repeated in‬‬
‫‪literary studies. Those studies consider homeless poets as a sect which had to‬‬
‫‪values, instead they say that this sect used their bad attitudes to kill poor people‬‬
‫‪and to steal rich ones.‬‬
‫‪Chanfara was considered as one of them, because he was so hapless with his‬‬
‫‪city persons.‬‬
‫‪In my opinion, the correct attitude is to re see this incorrect valuation of‬‬
‫‪chanfara socially and morally. We must re see him more legally because we‬‬
‫‪can see many beautiful and moral thing in his poetry like courage and patience.‬‬
‫‪Furthermore thes beautiful values were mentioned in Ishim. This is what we‬‬
‫‪will see in our study.‬‬
‫*** *** ***‬
‫مقدمة‬
‫وجد العربي فخره في بالغة القول وروعة البيان‪ ،‬ولذا حملت إلينا كتب األدب ما‬
‫ً‬
‫جرى على ألسنة الشعراء من املفاخرة بمكارم األخالق التي كانت هدفا أسمى لدى اإلنسان‬

‫(العدد األول)‬ ‫‪275‬‬ ‫المجلد الخامس‬


‫مجلّة‬
‫أ‪ /‬العيفاوي حمزة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬
‫العربي‪ ،‬وقد «احتاجت العرب إلى الغناء بمكارم أخالقها وطيب أعراقها‪ ،‬وذكر أيامها‬
‫الصالحة‪ ،‬وأوطانها النازحة‪ ،‬وفرسانها األنجاد وسمائحها األجواد؛ لتهز أنفسها إلى الكرم‪،‬‬
‫وتدل أبناءها على حسن الشيم»(‪ )1‬التي تطهر النفس البشرية من الرذائل والشرور التي‬
‫تعاني منها‪ ،‬وتعلم كل فرد من أفرادها كيفية التغلب على نوازع النفس وأهوائها املختلفة‬
‫التي تجره إلى الشرور والرذائل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واملالحظ من أشعار الشنفرى أنه كان إلى جانب تعسفه في أخذ حقه تعسفا شديدا‬
‫ً‬ ‫إلى درجة استمرأ فيها حياة القتل واإلجرام‪ًّ ،‬‬
‫أبيا شريفا ومتصفا بجملة من القيم األخالقية‬
‫ّ‬
‫"علموا أبناءكم المية‬ ‫الكريمة‪ ،‬وليس أدل على هذا من قول الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ِّ :‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫"علموا أوالدكم‬ ‫العرب فإن فيها القناعة والشجاعة" وقول عمر بن الخطاب رض ي هللا عنه‪ِّ :‬‬
‫ّ‬
‫تعلمهم مكارم األخالق"(‪)2‬‬ ‫المية العرب ّ‬
‫فإنها‬
‫ويمكن إرجاع ما اتصف به الشاعر من بعض القيم السلبية املتمثلة أساسا في‬
‫اإلسراف في القتل إلى الظروف القاهرة التي كان يعيشها‪ ،‬والتي جعلته ينزع الرحمة من‬
‫قلبه ويستبدلها بالقسوة والقوة «وقد يتغير حسن الخلق والوطاء إلى الشراسة والبذاء‬
‫ً‬
‫عبوسا»(‪)3‬‬ ‫ألسباب عارضة‪ ،‬وأمور طارئة تجعل اللين خشونة والوطاء غلظة‪ ،‬والطالقة‬
‫وهذا ما حدث مع شاعرنا فقد دفعته ظروف الحياة القاهرة إلى فعل أشياء خارج طبيعته‬
‫وحمل مسؤولية ما قام به من قتل ونهب وسلب إلى النظام القبلي الذي‬ ‫التي ُف ِّطر عليها‪ّ ،‬‬
‫ً‬
‫عمق فيها الهوة بين األغنياء والفقراء‪ ،‬فازداد الغني ثرا ًء‬ ‫سائدا في تلك الفترة‪ ،‬والتي ّ‬ ‫كان‬
‫وازداد الفقير فقرا‪ ،‬باإلضافة إلى العبودية التي أرهقت كاهله منذ نعومة أظفاره‪.‬‬
‫الشنفرى وبيئته‬
‫ً‬
‫كان للتقاليد القبلية التي احتكم لها العرب في حياتهم‪ ،‬وتوزيع الثروة توزيعا غير‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عادل‪ ،‬واستعباد البشر أثرا واضحا في نشوء فئة الصعاليك في العصر الجاهلي الذين‬
‫جمعهم الفقر والتشرد والتمرد على األوضاع السائدة آنذاك‪ ،‬فعاشوا في القفار والفلوات‪،‬‬
‫وآمنوا بالقوة كوسيلة وحيدة للدفاع بها عن حياتهم‪ ،‬وتحصيل قوتهم‪ ،‬وتحقيق وجودهم‪،‬‬
‫ّ ّ‬
‫وهذا ال يتأتى إال بالغزو واإلغارة والقتل من أجل تأمين ضروريات الحياة من جهة‪ ،‬وإلثبات‬
‫الذات من جهة أخرى‪.‬‬

‫(العدد األول)‬ ‫‪276‬‬ ‫المجلد الخامس‬


‫مجلّة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬ ‫القيم الخلقية في شعرالشنفرى‬

‫ولم تكن حياة الصعاليك مستقرة بل كانت قائمة على التنقل والحركة بصفة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عامة‪ ،‬وهذا ما جعل تأثير البيئة فيهم أمرا باديا؛ فالجفاف والجدب وصعوبة الحياة‬
‫َ َ‬ ‫ّ‬
‫فرضت عليهم تقديس القوة التي ولدتها الظروف الطبيعية واالجتماعية التي نشأوا فيها‪.‬‬
‫أثر واضح عليهم‪« ،‬فقد نشأ في صحراء قاحلة‪،‬‬ ‫والشنفرى من الذين كانت للبيئة ٌ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫اعتمد أهلها في حياتهم على الغزو لألماكن الخصبة حيث عانت الجزيرة العربية فقرا‬
‫عا نظ ًرا النعدام نزول املطر بانتظام‪ُ ،‬ث َّم لهبوب ّ‬ ‫ً‬
‫الرياح الشديدة التي تفرض عليهم‬ ‫مد ِّق‬
‫حياة َ‬ ‫ً‬ ‫ّ ّ‬
‫أكثر رفاهية من‬ ‫االنتقال باستمرار حتى إن البدوي ارتبطت حياته بالتنقل بحثا عن ٍ‬
‫األماكن السالفة»(‪ )4‬وفي هذا العالم حيث فقدان األمن حالة طبيعية‪ ،‬والغزو وسيلة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫للعيش‪ ،‬والثأر واجب ّ‬
‫مقدس فرض على الشاعر أن يكون محاربا‪ ،‬ومعجبا بالقوة مهما‬
‫كانت نتائجها‪.‬‬
‫ًّ‬
‫وعلى هذا فقد فرضت البيئة على الشاعر أن يكون مستعدا للغزو والنهب واإلغارة‬
‫ََ‬
‫الجلد الذي ُيعينه فيما‬ ‫على املناطق الخصبة من أجل تأمين ضروريات الحياة‪ ،‬واكتساب‬
‫بعد على تحمل قسوة الحياة وغضب الطبيعة‪ ،‬وكان من نتائج هذه البيئة القاسية أنّ‬
‫ً‬ ‫ً ًّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫فإن البيئة القاسية‬ ‫وشجاعا‪ ،‬ومثلما يرى الدارسون ّ‬ ‫خل َف ْت من الشاعر رجال شديدا قويا‬
‫تربي في نفوس أبنائها صفات الشجاعة والجرأة والكبرياء»(‪ )5‬وهو ما نشأ عليه الشاعر‪،‬‬ ‫« ّ‬
‫ُ َ‬
‫وع ِّرف به‪.‬‬
‫ُ‬
‫وبجانب ما ذكر من تأثير العامل الجغرافي في تكوين شخصية الشاعر‪ ،‬هناك العامل‬
‫االجتماعي الذي أسهم بدوره في تغيير نمط حياة الشاعر‪ ،‬وإكسابه الصبغة الدموية التي‬
‫ُعرف بها‪ ،‬وإذا نظرنا إلى حياة الشنفرى ملسنا له بعض األعذار فيما قام به‪ ،‬فهو أوال عاش‬
‫ً‬
‫حياة العبيد يخدم قوما غير قومه‪ ،‬وال ذنب له سوى أنه استبدل بأسير في صغره‪ ،‬هذه‬
‫الحياة ألقت بظاللها على نفسية الشاعر فظل في قرارة نفسه يبحث عن خالص ملا هو‬
‫وثانيا قتل قومه لوالده وهو شيخ كبير وهو ما ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫حز‬ ‫فيه إلى أن أتيحت له فرصة التصعلك‪.‬‬
‫دل على هذا قوله‪)6(:‬‬ ‫في نفسه كثي ًرا‪ ،‬وقد ّ‬
‫لم ُي َو َّس ِّد‬ ‫من ْ‬ ‫اع ْ‬ ‫ض َ‬‫ال شق و َساده*** على َج َنف قد َ‬ ‫ْ َ‬
‫ٍ‬ ‫أضعتم أبي إذ م َ ِّ ِّ ِّ‬
‫َ َّ َ ُ ْ ُ ْ ْ ُ َ‬ ‫َُ ُّ‬ ‫ّ َ‬ ‫ْ َ ْ َُ‬
‫لم أش َّه ِّد‬ ‫فإن تطعنوا الش ْيخ الذي لم تف ِّوتوا **م ِّنيته ِّ‬
‫وغبت إذ‬

‫ربيع األول ‪١٤٣٩‬هـ‬


‫‪277‬‬
‫ديسمبر‪2017‬م‬
‫مجلّة‬
‫أ‪ /‬العيفاوي حمزة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫فالشاعر في هذين البيتين ُيح ِّّم ُل قومه مسؤولية قتل والده غدرا‪ ،‬ويتوعدهم بالثأر‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫والقتل‪ .‬وثالثا رغبته في الزواج من بنت الذي رباه‪ ،‬ومعارضة الفتاة ألنها لم تكن تراه في‬
‫دل عليه قوله‪)7(:‬‬ ‫مستواها‪ ،‬وهي بنت العز والدالل‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫الوجه ّ‬ ‫ُيؤم َب َي ُ‬ ‫َ َ‬
‫مني َي ِّم ُين َها‬ ‫ِّ ِّ‬
‫اض ْ‬ ‫وبينها ***‬ ‫الو َّد ْبي ِّني‬
‫أروم ُ‬
‫إذا ما ُ‬
‫فالعائق والحاجز الذي حال بينه وبين قلب الفتاة هو سواد لونه الذي ال يملك‬
‫التصرف فيه‪ ،‬وبياض لونها الذي يدل على مكانتها الرفيعة بين قومها‪ ،‬والعرب كانت تكني‬
‫بالبياض عن الرفعة والسمو‪ ،‬فهذه األخيرة كانت مطمعا لجميع فتيان الحي‪ ،‬فكيف تقبل‬
‫الخلقة أسود اللون‪ ،‬إضافة إلى تهديد قومها ألبيها إن قبل‬ ‫بالزواج منه وقد كان ذميم ِّ‬
‫بتزويجه أن يكون مصيره القتل‪ ،‬وهو ما حدث فعال فيما بعد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫كل هذه الترسبات خلفت آثارا سلبية على ذات الشاعر‪ ،‬وجعلت مشاعر الحقد‬
‫والكراهية تتأجج في صدره‪ ،‬واستبدلت القيم الراقية والفاضلة بقيم سلبية ما كان ُليفكر‬
‫فيها لو كان هناك نظام اجتماعي عادل ال يضع السدود والحدود والقيود ضد أفراد القبيلة‬
‫مهما كان جنسهم أو لونهم‪ ،‬فاملجتمع الذي عاش فيه الشاعر كانت فيهم دنايا ورذائل‬
‫وأمور ينكرها العقل السليم ويأباها الوجدان وهو ما ثار عليه‪ ،‬وما جاء اإلسالم فيما بعد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رافضا لها وداعيا إلى تغييرها واستبدالها بمكارم األخالق‪.‬‬
‫ً‬
‫وإلى جانب العامل الجغرافي والعامل االجتماعي‪ ،‬فهناك عامل ثالث ال يقل خطرا‬
‫ً‬
‫وتأثيرا عن سابقيه وهو العامل االقتصادي فقد كان السكان على فئتين؛ فئة قليلة تملك‬
‫الكثير وتستأثر به والغالبية ال تملك شيئا وهذا ما جعل الحقد ينمو في نفس الشاعر ضد‬
‫تلك الطبقة الغنية البخيلة أو الكريمة في آن معا (‪)8‬‬
‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫لقد أثرت العوامل الثالثة على تفكير الشاعر ونشأته تأثيرا كبيرا‪ ،‬إذ أوجدت بينه‬
‫ً ّ‬
‫إال ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أن هذا ال‬ ‫وبين طبقة األغنياء البخالء وأعيان القبيلة وسادتها صراعا دمويا عنيفا‪،‬‬
‫يمنع اتصاف شاعرنا بمجموعة من املكارم والقيم الخلقية التي نذكر منها‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬الشجاعة واإلقدام‬
‫ُعرف العربي بشجاعته وإقدامه والشجاعة عند الجاهلي تعني «اإلقدام على الحياة‬
‫وحدها اإلقدام في مواضع‬ ‫واإلقبال على كل ما فيها من ملذات وآالم دون خوف أو خجل»(‪ّ )9‬‬
‫اإلقدام‪ ،‬واإلحجام في مواضع اإلحجام‪ ،‬ومن أكبر مظاهرها «حضور الذهن عند الشدائد‪،‬‬

‫(العدد األول)‬ ‫‪278‬‬ ‫المجلد الخامس‬


‫مجلّة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬ ‫القيم الخلقية في شعرالشنفرى‬

‫خطب لم يذهب برشده‪ ،‬بل يقابله برزانة وثبات ويتصرف فيه بذهن‬ ‫ٌ‬ ‫فشجاع من إذا عراه‬ ‫ٌ‬
‫حاضر وعقل غير مشتت»(‪)10‬‬
‫ً‬
‫فالشجاعة إذا هي الجرأة واإلقدام على املواقف الصعبة بقلب ثابت‪ ،‬وبصورة‬
‫ً‬
‫متزنة تنم عن تعقل وإدراك للنتائج‪ .‬والشنفرى نشأ على الجرأة واإلقدام‪ ،‬فكان شجاعا‬
‫أبيا‪ ،‬وكثي ًرا ما ّ‬ ‫ً‬
‫تحدث عن ضروب الشجاعة التي أبداها في غزوه وحربه ضد بني سالمان‬
‫الذين استعبدوه وفرضوا عليه أن ينتحي سبيل الصعلكة‪ ،‬ومن صور الشجاعة قوله‬
‫را بشجاعته ورفاقه في إحدى الغزوات‪)11(:‬‬ ‫ً‬
‫مفتخ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فشن عليهم ه َّزة السيف ٌ‬ ‫ّ‬
‫بالح َس ِّام امل َس َّي ُب‬‫وص ّم َم ف ُيهم ُ‬
‫ِّ‬
‫ثابت*** َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ً َ ًَ ُ َ‬ ‫َْ‬
‫اعة ث َّم خ َّي ُبوا‬ ‫وظل ُت ِّب ِّف ْت َي ٍان َم ِّعي َّأت ِّق ُيهم *** ِّب ِّه َّن قليال س‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ص َر ْع َن ُاه وق ْر ٌم ُم َسل ُب‬‫س*** َكمي َ‬ ‫وفار ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َّ‬
‫ِّ‬ ‫وقد خر منهم ر ِّاجالن ِّ‬
‫يتحدث الشاعر عن شجاعته ورفاقه في املعركة الدائرة بينهم‬ ‫ّ‬ ‫في هذه األبيات‬
‫وبين قبيلة بجيلة‪ ،‬فبعد أن استولى الصعاليك على إبل كانت لبجيلة وساقوها اعترضت‬
‫ً‬
‫لهم خثعم –قبيلة زعيمها ابن حاجز‪ -‬في نحو أربعين رجال‪ ،‬فقرر الصعاليك أن يتفرقوا‬
‫فشن رفاقه هجومهم على أعدائهم بشجاعة منقطعة‬ ‫ثم يحملوا على القوم حملة واحدة‪ّ ،‬‬
‫النظير وهم قلة يواجهون كثرة‪ ،‬وقد كانت نتائج هذه املعركة لصالحهم أين سقط من‬
‫رجل قوي شديد البأس‪ ،‬وكذلك سيد من سادة القوم‪ ،‬وفي تركيزه على هذين الرجلين؛‬
‫الشجاع والسيد دليل على حرص الشاعر ورفاقه على مقارعة األقوياء الذين يتميزون‬
‫ّ‬ ‫بالشجاعة وشدة البأس ‪ ،‬وهذا إن ّ‬
‫دل على ش يء إنما يدل على إقدام الصعاليك‬
‫وشجاعتهم واقتحامهم املخاطر دون خوف أو تردد‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن صور اإلقدام أيضا قوة العزم والشكيمة‪ ،‬وهذا ما نلمسه في قول‬
‫الشاعر‪)12(:‬‬

‫َ ْ ٌ َُ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬


‫الب‬‫وال ظمأ يؤ ِّخرِّني وحر *** وال خمص يق ِّصر من ِّط ِّ‬
‫عائقا يحول بين الشاعر وما ّ‬ ‫ً‬
‫قرر العزم‬ ‫إن شدة العطش والحرارة والجوع لن يكونوا‬
‫ًّ‬
‫التحدي للظروف الطبيعية القاسية التي ال يصمد أمامها أيا كان نوع من‬ ‫ّ‬ ‫عليه‪ ،‬وفي هذا‬
‫الشجاعة املنقطعة النظير التي تجعل من الشاعر مثاال في الشموخ والصمود والتحدي‪،‬‬
‫ونموذج صادق عن اإلصرار في تحقيق األهداف بالرغم من كل العوائق والحواجز‪ ،‬وكل‬
‫ّ‬
‫هذا ال يتأتى إال بالشجاعة واإلقدام‪.‬‬

‫ربيع األول ‪١٤٣٩‬هـ‬


‫‪279‬‬
‫ديسمبر‪2017‬م‬
‫مجلّة‬
‫أ‪ /‬العيفاوي حمزة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬
‫وفي قوله‪)13(:‬‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫األرض ّالتي لن َت ُ‬ ‫ُأ َم ِّّش ي َعلى ْ‬
‫ص ِّادف ُح َّم ِّتي‬ ‫ألن ِّك َي ق ْو ًما أو أ‬ ‫***‬ ‫ض َّرِّني‬ ‫ِّ ِّ‬
‫غاية الشجاعة واإلقدام وحسن التدبير أن يضع املقاتل خطة حربية يتحسب فيها‬
‫ُ‬
‫قدم‬ ‫ألسوء االحتماالت‪ ،‬فشاعرنا يرى أن فرص نجاحه تتساوى مع إمكانية موته‪ ،‬ولكنه ي ِّ‬
‫ماض فيما قطعه على نفسه من وعد‪ ،‬فاألمر لديه سيان أن‬ ‫ثابت الجأش شديد العزم ٍ‬
‫ُينكي قوما كانوا سببا في تعاسته وبؤسه أو أن يموت في سبيل هذه الغاية التي يراها جديرة‬
‫بالتضحية‪ ،‬وقليل من الناس من يثبت إلى آخر لحظة‪ ،‬واملتتبع لسيرة الشنفرى يلحظ أنه‬
‫بقى عزيز النفس مرفوع الهامة حتى في لحظات موته التي يجبن فيه أقوى األقوياء‪.‬‬
‫وفي قوله‪) 14(:‬‬
‫ْ ُ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ض ْنك ُج َم ُ‬
‫أس أخ َوف‬ ‫ت الر ِّْ‬‫اصد أ ْي ٍم قا ِّن ِّ‬ ‫مر ِّ‬ ‫***‬ ‫اع ُه‬ ‫ٍ‬
‫وواد بعيد العمق َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫ّ ُْ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ ُ َّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫للج ِّن واألس ِّد مألف‬ ‫اطنه ِّ‬ ‫بو ِّ‬ ‫***‬ ‫اب م ِّضل ٍة‬ ‫الذئ ِّ‬ ‫وش موى ز ِّاد ِّ‬ ‫وح ٍ‬
‫ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ََ َ ْ َ‬ ‫ََْ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫علي َها امل َت َع ِّ ّسف‬ ‫يل يخش ى‬ ‫غم ِّال‬ ‫***‬ ‫الن َدى‬ ‫ط َّ‬ ‫ت َع َّس ْف ُت منه بعدما سق‬
‫لم يكن قوم الشاعر وحدهم من يتربص به بل البيئة التي يعيش فيها تترصده هي‬
‫األخرى؛ فالوهاد والوديان السحيقة التي تسكنها الضواري بجميع أنواعها من أسود وذئاب‬
‫وجن –على حد تعبير الشاعر‪ -‬هي مهالك محتملة يمكن أن يموت فيها دون أن يجد من‬
‫ّ‬
‫ينجده أو حتى يروي خبر‪ ،‬لكن شجاعته وصالبة عزيمته ذللت أمامه هذه الصعاب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فإحساسه بالظلم ّ‬
‫ظل وقودا لنار الثأر املضطرمة في فؤاده‪ ،‬وكلما تعرض ألخطار تهدد‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫حياته تذكر أسباب شقائه ومحنته فتزيده إصرارا على املض ي قدما وعدم االلتفات إلى‬
‫فإما أن ُيحقق ثأره وإما أن يموت في سبيله‪ ،‬وهذا لعمري أسمى صور‬ ‫الوراء إلى النهاية‪ّ ،‬‬
‫الشجاعة وأجلها‪.‬‬
‫وفي قوله‪)15(:‬‬
‫ََ‬ ‫ََ َ ْ ُ َ‬ ‫َ ٌ َ ْ َ ََّ‬
‫إذا عرضت أولى الطرا ِّئ ِّد‬ ‫***‬ ‫اسل غير أن ِّني‬ ‫وكل ِّأبي ب ِّ‬
‫َأ ْب َسلُ‬
‫يتغنى الشاعر بشجاعته وقوته التي فاقت الضواري من وحوش القفار‪ ،‬فسبقه‬
‫إلى الطرائد دليل شجاعة وقوة واحتراف وأراد الشاعر إظهار تفوقه بذكر الذئاب والضباع‬
‫–في البيت الذي يسبق هذا البيت‪ -‬ملا تمتاز به من قوة وشراسة واحترافية في الصيد‬
‫واقتناص الطرائد‪ ،‬فتكون الصورة واضحة في ذهن املتلقي مما ييسر عليه وصف نفسه‬
‫بأنه األشرس واألسرع واألسبق في هذا املضمار‪.‬‬

‫(العدد األول)‬ ‫‪280‬‬ ‫المجلد الخامس‬


‫مجلّة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬ ‫القيم الخلقية في شعرالشنفرى‬
‫قوله‪)16(:‬‬ ‫وفي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫يظل به املك ُاء ي ْعلو ْ‬‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ويسف ُل‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫وال خ ِّر ٍق ه ْي ٍق كأن فؤاده ***‬
‫يفتخر الشاعر برباطة جأشه وثبات قدمه عند مواجهة الخطوب‪ ،‬فال يضطرب‬
‫فؤاده وال يتسلل الخوف إلى قلبه‪ ،‬إنما يواجه الصعاب واملهالك بكل تجلد وصبر وحكمة‬
‫في التصرف فال يطيش لبه وينبو حسامه بل يضع في حسبانه النصر والهزيمة وهو في جميع‬
‫أحواله مقدام‪ ،‬وال يعرف الخوف سبيال إليه‪.‬‬
‫وفي قوله‪)17(:‬‬
‫ْ‬
‫اع ِّيه في َر ْمضائه َتت َمل َم ُل‬
‫َ‬ ‫الشعرى ُيذ ُ ُ َ ُ ُ‬ ‫ّ‬
‫وب لعابه*** أف ِّ‬ ‫ويوم من ِّ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وال ِّست َر إال األت َح ِّمي امل َر ْع َبلُ‬‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َن َ‬
‫صبت له وج ِّهي وال ِّكن دونه ***‬
‫عم ُل‬ ‫عام َل َت ْين َظ ْه ُر ُه َ‬
‫ليس ُي َ‬ ‫َ َ َ‬
‫وخر ٍق كظ ْه ِّر الت ْر ِّس ق ْف ٍر قط ْع ُت ُه‬
‫ْ َ َ‬
‫ِّب ِّ ِّ‬ ‫***‬
‫إن مواجهة أهوال الطبيعة تتطلب صبرا وجلدا وحكمة‪ ،‬إذ ال سبيل إلى الخالص‬ ‫ّ‬
‫منها بل مقارعتها بقوة العزيمة ومتانة الشكيمة وإعداد ما يعين على ذلك من أسباب‪،‬‬
‫والشاعر يخرج في اليوم القائض الذي ال تقوى األفاعي على احتماله رغم اعتيادها على‬
‫ّ‬
‫بال كثير الثقوب يسير في‬ ‫شدة الحر‪ ،‬بغير غطاء يستر وجهه وال لباس يقي بدنه سوى ثوب ٍ‬
‫ّ‬
‫دروب مبهمة لم تصلها قدم آدمي من قبل‪ ،‬وما هذا إال دليل إقدام منقطع النظير بدافع‬
‫ُ‬
‫ال تقف دونه الحواجز والحوائل‪ ،‬إنما املض ي إلى الغاية املنشودة مهما تكن الظروف‪ ،‬ومهما‬
‫يكن حجم املشقة‪ ،‬وهذه هي صفة الشجعان الذين ال يهابون شيئا‪ ،‬ويبذلون النفس‬
‫والنفيس في سبيل تحقيق غاياتهم وأهدافهم‪.‬‬
‫ومن الشجاعة غير املعهودة لدى الشاعر عدم مباالته باملوت‪ ،‬وقد دل على هذا‬
‫قوله‪)18(:‬‬
‫ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫عليكم ولكن ْأب ِّشري أ َّم َع ِّامر‬ ‫إن ق ْب ِّري ُم َح َّر ٌم ***‬ ‫ال ت ْق ُب ُرو ِّني‬
‫ْ ُ‬ ‫ّ ََْ‬
‫ود َر ِّع ْن َد املُل َت َقى ث َّم َسا ِّئري‬ ‫ُ‬
‫وغ ِّ‬ ‫أس أكث ِّري ***‬ ‫إذا احتملوا رأس ي وفي الر ِّ‬
‫ََ‬
‫يس الليالي ُم ْب َس ًال َ‬ ‫ً َ‬ ‫ُهنالك ال ُ‬
‫بالج َرائر‬ ‫سج ُ‬
‫ِّ‬ ‫أرجو َح َياة ت ُسرِّني ***‬
‫متحسب للحظة وقوعه بين‬ ‫ٌ‬ ‫مدرك للعواقب‬ ‫أقدم الشاعر على مواجهة قومه وهو ٌ‬
‫ً‬
‫أيديهم‪ ،‬وهو صاحب مقولة "كل قاتل مقتول" فحينما وقع أسيرا لديهم لم يجزع ولم يبد‬
‫ً‬
‫ندما وال أعطاهم فرصة أن يعرضوا عليه الفداء‪ ،‬فقد كان ينتظر منيته بكل شجاعة ولم‬
‫ُينلهم شرف التفضل عليه بأن ُيلبوا له مطلب تعيين مكان دفنه‪ ،‬بل آنف أن ُيقبر بينهم‬

‫ربيع األول ‪١٤٣٩‬هـ‬


‫‪281‬‬
‫ديسمبر‪2017‬م‬
‫مجلّة‬
‫أ‪ /‬العيفاوي حمزة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬
‫ّ‬
‫ألنهم لم يعودوا أهال له‪ ،‬ولم يتح لهم فرصة التفضل عليه وإكرامه بالدفن حتى بعد‬
‫وفضل أن يكون جسده وليمة يكرم به من اعتبرهم أهله وعشيرته‪ ،‬وفي تحدي‬ ‫ّ‬ ‫موته‪،‬‬
‫املوت وترحيبه به إذالل لقومه‪ ،‬فاملنهزم إذا ابتسم أفقد املنتصر لذة النصر فكيف‬
‫بشاعرنا وهو فاتح ذراعيه للموت بكل شموخ وكبرياء‪.‬‬
‫وفي قوله‪)19(:‬‬
‫ولم ُتذر خاالتي الد ُم َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫وع َ‬
‫وع َّم ِّتي‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫إذا ما أت ْت ِّني ِّم َيت ِّتي ل ْم أ َب ِّال َها ***‬
‫الحي الذي ُيكابد الظلم والقهر‬ ‫ألن ّ‬ ‫حتى ما عاد يقيم لها وزنا ّ‬ ‫احتقر الشاعر املوت ّ‬
‫أن موته ال تثير الحزن‬ ‫ألن موته وحياته سيان‪ ،‬كما ّ‬ ‫وقلة النصير ال يتشبث كثيرا بالحياة ّ‬
‫الود والوصال بينهم فال ش يء يدعو إلى‬ ‫عمات وخاالت النعدام حبل ّ‬ ‫في نفوس أقاربه من ّ‬
‫الحزن عليه‪ ،‬ولكثرة الجنايات التي اقترفها ضد قومه وتعدد ضحاياه فإن أجمل بشرى‬
‫يتلقوها هي موته‪ ،‬وعدم املباالة باملوت من شيم الشجعان الذين ال ُيثنيهم ش يء‬ ‫يمكن أن ُ‬
‫عما عقدوا عليه العزم وإن كان الثمن حياتهم‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ومن مظاهر الشجاعة واإلقدام األخذ بالثأر‪ ،‬وهي عادة استحكمت في نفوس‬
‫حد بعيد إلى درجة أصبحت فيها عقيدة ينبغي على الشخص القيام بها وإال‬ ‫الجاهليين إلى ّ‬
‫لحقت به اللعنة ونال شتيمة الدهر‪ ،‬والسبب في هذا الحرص الكبير على كرامة الفرد‬
‫شب وأدرك الحقيقة‪،‬‬ ‫حتى ال يستهان بها(‪ )20‬وقد ثأر الشاعر ملقتل أبيه بعد أن ّ‬ ‫وعشيرته‪ّ ،‬‬
‫دل عليه قوله‪)21(:‬‬ ‫وهذا ما ّ‬
‫ص ّ ِّو ِّت‬ ‫الحجيج املُ َ‬ ‫َ َ ً َ ْ َ َ‬ ‫ً َ‬ ‫َ ً‬
‫قتلنا ق ِّتيال ُم ْح ِّرما ِّب ُمل ِّّب ٍد‬
‫ِّجم َار ِّمنى و َسط ِّ َّ ِّ‬ ‫***‬
‫ض َها*** ِّب َما ق َّد َم ْت أ ْي ِّد ُيهم وأزل ِّت‬ ‫َج َزْينا سالمان بن ُم ْفرج َق ْر َ‬
‫ِّ ٍ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫على الرغم من قداسة املكان والزمان اللذان يحرمان القتل‪ ،‬إال أن الشاعر لم يعر‬
‫ّ‬
‫األمر أدنى اعتبار ألنه بتصعلكه كسر جميع األعراف والتقاليد السائدة في املجتمع‪ ،‬وقد‬
‫ثأر ملقتل والده بقتله لغريمه الذي لم يثنه عن قتله حرمة املكان والزمان‪ ،‬وقد كان ينظر‬
‫أن الذي يسعى لطلب الثأر‬ ‫إلى األمر على أساس ّأنه َد ْي ٌن البد من إرجاعه‪ ،‬ومن املعلوم ّ‬
‫ّ‬
‫البد أن يتحلى بالشجاعة والبأس واإلقدام‪ ،‬وهو ما تحقق في شاعرنا الذي نذر حياته للثأر‬
‫ً‬
‫من قومه الذين كانوا سببا في خروجه عن إنسانيته‪.‬‬
‫وفي قوله‪)22(:‬‬

‫واب َن َع ْو ٍف ِّب َم ِّال ِّك‬


‫دا ْ‬ ‫َ َ َ ْ ً‬
‫يزيد وسع‬
‫َ َ‬
‫رو منهم خ ْي َر ف ِّار ٍس ***‬ ‫َ ََْ َ ْ‬
‫قتلنا ِّبعم ٍ‬

‫(العدد األول)‬ ‫‪282‬‬ ‫المجلد الخامس‬


‫مجلّة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬ ‫القيم الخلقية في شعرالشنفرى‬
‫َ ْ ُ ُ ُ ْ َّ ْ َ ْ َ َّ َ‬ ‫بالس ُيوف ُر َ‬ ‫َ‬
‫ظل ْلنا ُن َف ّري ّ‬
‫الدك ِّادك‬ ‫ونرشقهم بالنب ِّل بين‬ ‫ؤوس ُهم ***‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫سيب بن علس الذين‬ ‫يتحدث الشاعر عن ثأره ملقتل رفيقيه عمرو بن كالب واملُ ّ‬
‫ّ‬
‫ّ َ َ‬
‫وظل ِّورفاقه يقطعون‬ ‫قتلتهم قبيلة بجيلة‪ ،‬فثأر لقتلهما بقتل يزيد وسعد وابن مالك‪،‬‬
‫بالسيوف رؤوس أعدائهم‪ ،‬ويرشقونهم بالنبال في األرض الغليظة الصعبة‪ ،‬واملالحظ أنّ‬
‫الشنفرى لم ينتقم من عامة الناس‪ ،‬بل كان يؤم األشراف الذين تحوطهم الحراسة‬
‫املشددة فينال منهم‪ ،‬وما هذا إال فعل مقدام مغوار ال يهاب املوت وال يحسب للعدو حسابا‬
‫ّ‬
‫مهما بلغت قوته أو كان عدد حرسه‪ ،‬كما أنه لم يتخير من قومه إال فرسانهم األشداء‬
‫الذين ال يشق لهم غبار ُفيرديهم صرعى كونه ال يرض ى بالصيد السهل‪ ،‬بل يريد أن يغامر‬
‫حتى إذا ذاع خبر مقتل أحد األشراف أو‬ ‫ويواصل الثأر مادامت فيه حشاشة نفس‪ّ ،‬‬
‫ُ ّ ُ‬
‫خلف‬ ‫الفرسان األشداء كان ذلك أنكى في قومه‪ ،‬فهو ال يريد مجرد القتل بل القتل الذي ي ِّ‬
‫ً‬ ‫احا غائرة في نفوس من ألجؤوه إلى هذه الوضعية البائسة التي ّ‬ ‫ً‬
‫ظل فيها طريدا يترصده‬ ‫جر‬
‫املوت من كل جانب‪.‬‬
‫إن املتأمل لديوان الشنفرى يجده مليئا باأللفاظ الدالة على الشجاعة والقوة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وهو ما يدل على اتصاف شاعرنا بهذه املكرمة التي اختصت باألشراف‪ ،‬وكأنه أراد توجيه‬
‫أن بإمكانهم االنتفاض وتغيير أوضاعهم إلى‬ ‫رسالة لكل الخانعين القانعين بالذل والهوان ّ‬
‫األفضل شريطة التحلي بالشجاعة واإلقدام والثبات‪.‬‬
‫أن الظروف الصعبة والقاسية زادت في شجاعة الشاعر‬ ‫واملثير للدهشة واإلعجاب ّ‬
‫ّ‬
‫وبأسه‪ ،‬فال تراه إال مقدما وماضيا إلى األمام دون االلتفات إلى الوراء‪ ،‬كما أننا من خالل‬
‫دراستنا لديوانه لم نجد موضعا أبدى فيه الشاعر خوفه أو تضجره من وضعه وحاله‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وهذا إن ّ‬
‫دل على ش يء إنما يدل على قوة شخصيته وشجاعته النادرة في مواجهة أجل‬
‫الخطوب‪ ،‬وما عيشه بين الضواري وفي الجبال والوديان خير دليل على ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬الصبر‬
‫ُُ‬
‫الصبر نقيض الجزع‪ ،‬وهو خل ٌق كريم وسبيل الفرج ومفتاح النجاح ومطية النصر‪،‬‬
‫تعسر األمر واشتد فال بد في نهاية املطاف من الفوز والفالح(‪ )23‬وقد ُعرف عن‬ ‫فمهما ّ‬
‫الشنفرى قوة صبره وشدة تحمله إلى درجة تفوقه حتى على أقرانه في هذه الخاصية‪ ،‬وهو‬
‫ما جعل قومه يطيش حلمهم ويتعجبون من قدرته على البقاء حيا وهو يعيش تلك الحياة‪،‬‬

‫ربيع األول ‪١٤٣٩‬هـ‬


‫‪283‬‬
‫ديسمبر‪2017‬م‬
‫مجلّة‬
‫أ‪ /‬العيفاوي حمزة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬
‫ُ‬
‫وكيف يقوى على مواجهتهم والتصدي لهم‪ ،‬وهو ما جعله ظاهرة فريدة لم يسمع لها مثيل‪،‬‬
‫ومن صبره الذي ُعرف به الصبر عن الجوع وإماتته‪ ،‬وهذا ما نستشفه من قوله‪)24(:‬‬
‫ْ ً ْ‬
‫صفحا فأذ َه ُل‬ ‫الذكر‬
‫ْ ُ ُْ ّْ‬ ‫ّ ُ َُ‬ ‫يم م َط َ ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫ال الج ِّوع حتى أ ِّميته***وأض ِّرب عنه ِّ‬ ‫أ ِّد ِّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ ُْ َ َ‬
‫علي من الط ْو ِّل ْام ُر ٌؤ ُم َتط ّ ِّو ُل‬ ‫األ ْرض كيال ُي َرى*** َّ‬
‫ِّ‬ ‫وأستف ترب‬
‫ً‬
‫ما يميز الشنفرى عزة نفسه وإباؤها‪ ،‬فهو لم يخرج عن قومه طلبا للذيذ الطعام‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫أو فاخر الثياب‪ ،‬إنما خرج ليشفي غليال أضرمه قومه في قلبه فال يكاد يخبو حتى تذكيه‬
‫فاجعة جديدة‪ ،‬فلم يكن الزاد همه على خالف من تصعلك ألجل الجمع واإلكثار بل يحتاج‬
‫َ‬
‫من الزاد ما يقيم به أ َو َده إلكمال مسيرة الثأر التي رسمها كهدف ال يحيد عنه‪ ،‬ومن تمام‬
‫عزته وأنفته رفضه أن يمن أحد عليه بإعطائه الزاد‪ ،‬وهذا ما جعله يميت الجوع ويتناساه‬
‫حتى ال يكون همه ما يضع في بطنه‪ ،‬وقد كان خروجه ال لغاية السلب والنهب بل ألمر أجل‪،‬‬ ‫ّ‬
‫هي مسألة شرف وكرامة‪ ،‬ولنا أن نتصور كيف كان الشاعر يتناس ى جوعه ويميته فال يفكر‬
‫في تحصيل الزاد بقدر ما يفكر في إرواء غليله من قومه‪.‬‬
‫وفي قوله‪)25(:‬‬
‫َُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫انطوت*** خيوطة َم ِّار ّ ٍي تغ ُار وت ْف َت ُل‬ ‫ْ‬ ‫الحوايا كما‬ ‫الخ ْمص َ‬
‫ِّ‬ ‫وأطوي على‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الت َنا ِّئف أط َح ُل‬ ‫َأزل َت َه َاد ُاه ّ‬ ‫كما غ َدا ***‬ ‫يد َ‬ ‫َّ‬
‫وت الز ِّه ِّ‬ ‫وأغدو على الق ِّ‬
‫ُ‬
‫ُُ‬ ‫ّ‬
‫يتحدث الشاعر عن صبره النعدام القوت‪ ،‬فأمعاؤه من شدة الجوع وخل ّ ِّوها من‬
‫ٌ ُْ َ ُ‬
‫بال أت ِّق َن ف ْتلها‪ ،‬وعلى الرغم من هذا‬ ‫الطعام يابسة ينطوي بعضها على بعض ّ‬
‫كأنها ِّح‬
‫ّ‬
‫الحال الذي آل إليه إال أنه لم يبد جزعا أو تضمرا بل واجه هذا الوضع بالصبر والتصبر‬
‫شبه الشاعر نفسه بذئب نحيل الجسم ينتقل بين‬ ‫إلى أن يأتي الفرج‪ ،‬وفي البيت الثاني َّ‬
‫بحثا عن الطعام‪ ،‬وهذا التشبيه لم يكن عفو خاطر‪ ،‬ولكنه ّ‬ ‫ً‬
‫دل على علم الشاعر‬ ‫الفلوات‬
‫بصفة من صفات الذئب توصل إليها بعد مخالطته له‪ ،‬وهي الجوع الدائم فهو أبد الدهر‬ ‫ّ‬
‫جائع مما جعل حالهما متفقين‪ ،‬فالقوت زهيد لكليهما وهذا راجع للبيئة التي يعيشون فيها؛‬
‫ً‬
‫إذ أن الصحراء قاحلة مجدبة تفرض على قاطنيها التنقل الدائم بحثا عن الطعام والكأل‪،‬‬
‫وقد ألقت هذه البيئة القاسية بظاللها على الشاعر الذي تأقلم معها بصبره على قلة زادها‬
‫وشح مائها ولم يستسلم لقسوتها‪ ،‬وكل هذا بالصبر واملصابرة‪.‬‬
‫وفي قوله‪)26(:‬‬
‫ُ‬
‫اس ُن ق َّح ُل‬ ‫َ َ‬ ‫َْ ََ ُْ‬ ‫ْ‬
‫ض ِّع ْن َد اف ِّت َر ِّاش َها‬ ‫َ ُ َ ْ َ َْ‬
‫ِّبأهدأ تن ِّب ِّيه سن ِّ‬ ‫***‬ ‫وآلف وجه األر ِّ‬

‫(العدد األول)‬ ‫‪284‬‬ ‫المجلد الخامس‬


‫مجلّة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬ ‫القيم الخلقية في شعرالشنفرى‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫كأن ُف ُ‬ ‫َ ْ ُ َْ ُ ً‬
‫وضا ّ‬
‫الع ٌب ف ِّه َي ُمث ُل‬ ‫اب دحاها ِّ‬
‫كع ٌ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫***‬ ‫وص ُه‬
‫ص َ‬ ‫وأع ِّدل منح‬
‫بظهر‬ ‫تعود عليها؛ فقد ِّألف افتراش األرض‬ ‫صور الشاعر معاناته اليومية التي ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫إن هذه العظام هي التي تستقبل األرض فيرتفع الجسم عنها‪ ،‬وذراعه‬ ‫حتى ّ‬ ‫ظاهرة عظامه‪ّ ،‬‬
‫كأنها من حديد‪ ،‬وهذه‬ ‫التي يتوسدها خالية من اللحم ال تبدو فيها إال مفاصل صلبة ّ‬
‫املعاناة ال يتحملها ّأيا كان‪ ،‬ولو لم يكن ذا قلب صبور ملا تأتى له مواصلة الثأر واإلسراف‬
‫ّ‬
‫فيه‪ ،‬وكأنه جعل من الظروف الصعبة التي يكابدها محفزا له في إتمام ما بدأه‪ ،‬ومن كمال‬
‫الصبر وتمامه الرضا بالحال واملآل وهو ما الحظناه على شاعرنا الذي لم يبد أي سخط‬
‫على الزمن‪ ،‬أو يتضجر من ظروفه القاسية‪ ،‬بل بقى شامخا كالجبل رافعا رأسه‪ ،‬ليرسم‬
‫أجمل مشاهد الصبر والتجلد‪.‬‬
‫وفي قوله‪)27(:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َ ْ ْ َ ُ َ َّ ُ‬ ‫ّ ََْ َ‬
‫والح ْز َم أف َع ُل‬ ‫الس ْمع َ‬
‫ّ‬
‫فإني ملولى الصب ِّر أجتاب بزه ***على ِّمث ِّل قل ِّب ِّ ِّ‬
‫يستطرد الشاعر في تمثل أخالق من اتخذهم أهال‪ ،‬فهو صبور صبر الذئب ابن‬
‫السمع‪ -‬الذي ُيعرف بحرص الذئب وصبره وجسارة وتوحش الضبع‪ ،‬فقد جمع‬ ‫الضبع – ّ‬
‫ِّ‬
‫الصبر والعزم والحزم‪ ،‬فالصبر هو سالحه الوحيد للعيش في صحراء قاحلة ال أنيس فيها‬
‫إال الوحوش الكاسرة‪ ،‬وهو ديدنه ووسيلته للتغلب على كل الصعاب‪ ،‬فبالصبر والتضحية‬
‫ينال املرء مراده ويحقق غاياته ولوال الصبر الذي تميز به الشاعر ملا استطاع التأقلم مع‬
‫حياة البرية والعيش بين الوحوش الضارية والتنقل حافي القدمين واالستغناء عن كل‬
‫املراكب‪ ،‬و‪ ...‬وهذا ليس بغريب على الشاعر الذي أبت نفسه الصبر على الظلم واألذى‬
‫ً‬
‫والضيم‪ ،‬بينما لقنت العالم أجمع دروسا في الصبر والتضحية في سبيل تحقيق الغايات‪.‬‬
‫وفي قوله‪)28(:‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ ٌ‬ ‫َ َّ‬
‫وال َم ِّر ٌح ت ْح َت ال ِّغ َنى أتخ َّي ُل‬ ‫فال َج ِّز ٌع من خل ٍة ُم َتك ِّشف ***‬
‫ُْ‬ ‫ََ‬ ‫ً َْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ ُ ْ‬
‫اب األق ِّاو ِّيل أن ِّم ُل‬ ‫سؤوال بأعق ِّ‬ ‫***‬ ‫ال ِّحل ِّمي وال أ َرى‬ ‫وال ْتزدهي األجه‬
‫يواصل الشاعر ضربه ألروع أمثلة الصبر وترويض النفس على مختلف الصعاب‪،‬‬
‫فنفى في البيت األول أن يكون عديم الصبر من فقره‪ ،‬أو أن يكون الفقر سببا في جزعه‬
‫وسخطه على األيام والبشر‪ ،‬وقد ُروي أنه كان يهب ما كان يغنمه لرفاقه وال يستأثر به‬
‫لنفسه‪ ،‬ألنه لم يخرج من أجل البحث عن الثراء ولهذا لم يشكل له فقره وعوزه أدنى‬
‫عائق ملعرفته كيف يتعامل مع الظروف الطارئة‪ ،‬فال الفقر دائم وال الغنى كذلك‪ ،‬وكان‬

‫ربيع األول ‪١٤٣٩‬هـ‬


‫‪285‬‬
‫ديسمبر‪2017‬م‬
‫مجلّة‬
‫أ‪ /‬العيفاوي حمزة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬
‫يسير في حياته من منطلق فكرة مفادها الصبر على ما ال يملك إلى أن يملك‪ ،‬فلم يعرف‬
‫صرح فيه‬‫الجزع طريقا لقلبه وهذا ما يدل على حلمه‪ ،‬وهو ما أكده في البيت الثاني الذي ّ‬
‫ّ‬
‫بأنه حليم صبور على استخفاف الجهالء به‪ ،‬وال يعير اهتمامه وفكره ملا يقال عنه بل وطن‬
‫نفسه على الصبر على كل ما من شأنه أن يسبب له ضيقا في العيش أو انتقاصا من شرفه‪،‬‬
‫سفهه وانتقص من شخصه‪ ،‬وهذا‬ ‫يرد به على من ّ‬
‫وهدفه من هذا أن تكون أفعاله خير ما ّ‬
‫تزود به الشاعر ليظفر بمراده‪.‬‬ ‫يدل على خزان من الصبر ّ‬‫إن دل على ش يء إنما ّ‬
‫ٍ‬
‫إن الظروف القاسية وصعوبة الحياة جعلت من الصبر سمة يتصف بها الشنفرى‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وقد ساهمت رباطة جأشه وإقدامه في التحلي بهذه الصفة مهما كانت الظروف‪ ،‬وهو ما‬
‫وإن الدارس لشخصية الشاعر‬ ‫جعله يتغلب عليها في النهاية ويرسم أروع األمثلة في الصبر‪ّ ،‬‬
‫يعجب من همته العالية وصبره الدائم على هول الخطوب‪ ،‬وقد نال التقدير واإلشادة حتى‬
‫من أعدائه‪.‬‬
‫َّ‬
‫ثالثا‪ :‬ال ِعفة‬
‫ً‬ ‫ّ ّ‬ ‫رغم ّ‬
‫أن الشنفرى كان ذا ميول إلى الفتك والقتل إال أنه كان عفيفا في نفسه‪،‬‬
‫مترفعا عن الضيم والذل ّ‬ ‫ّ‬
‫حتى لو كان ذلك سببا في القضاء عليه(‪ )29‬لذا كان يترفع عن‬
‫الدنايا‪ ،‬ويمكن تصنيف العفة عند الشاعر إلى صنفين؛ صنف يتعلق بالشاعر وآخر يتعلق‬
‫ًّ‬
‫أبية عفيفة تأنف الضيم وتأبى القهر‬ ‫باملرأة‪ ،‬ففيما يتعلق بالشاعر ذاته كانت نفسه‬
‫الدنايا(‪ )30‬ومن األمثلة التي نسوقها على سبيل االستشهاد قول‬ ‫والقسر‪ ،‬تترفع عن ّ‬
‫الشاعر‪)31(:‬‬
‫ْ ٌ ُ ٌ َّ‬ ‫إلى ّ‬ ‫وأغدو َخميص البطن ال َ‬
‫ؤاد ُم َوك ُل‬‫الز ِّاد ِّحرص أو ف‬ ‫يست ِّفزِّني ***‬
‫لقد تعلقت نفس الشاعر بغاية هي أسمى في نظره من أن يلتفت إلى ما سواها حتى‬
‫لو كان ذلك القوت الذي يقيم عوده ويضمن بقاءه على قيد الحياة‪ ،‬فهو يأبى أن يكون‬
‫تمرد على حياة الجبر والقسر‪ ،‬فلم يعد يقبل فعل ش يء تحت‬ ‫مجب ًرا على فعل ش يء كونه ّ‬
‫تأثير خارج عن إرادته‪ ،‬حتى لو كان هذا املؤثر حاجة بيولوجية تستدعيها ضرورة الحياة‪،‬‬
‫أن الجوع يدفع باإلنسان إلى أن يحط من قيمته أو يقدم على ما تعف نفس األبي‬ ‫فهو يرى ّ‬
‫منه‪ ،‬فآثر الصبر على جوعه رغم سوء حاله وحاجته إلى ما يسد رمقه‪ ،‬وأراد من هذا‬
‫توطين نفسه على هذا الوضع لئال تعوقه هذه األشياء عن إدراك مبتغاه‪ ،‬أو تقوده إلى ما‬
‫يحط من قدر نفسه بأن يقع ضحية الشره والحرص إلى تحصيل الطعام بكل الطرق‬

‫(العدد األول)‬ ‫‪286‬‬ ‫المجلد الخامس‬


‫مجلّة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬ ‫القيم الخلقية في شعرالشنفرى‬

‫املمكنة‪ ،‬وهذا دليل على عفة الشاعر وعزة نفسه‪ ،‬ألنه أراد أن يحقق ثأره وهو على كرم‬
‫الخلق الذي يكسبه االحترام والتقدير حتى من أعدائه‪.‬‬
‫وفي قوله‪)32( :‬‬

‫إال َرْي َثما َّ‬ ‫ّ‬ ‫َْ ً‬


‫سا ُم َّر ًة ال ُت ِّق ُ‬
‫أتحو ُل‬ ‫على الذام‬ ‫يم ِّبي ***‬ ‫ولكن نف‬
‫يصرح بمعدنه األصيل الذي ال يقبل بالرذائل وال يقيم عليها‪ ،‬ألنه لم يجعلها هدفه‬
‫وإن اضطرته الحاجة يوما إلى خلق مذموم فإنه يسارع إلى تركه والتحول عنه إلى مكارم‬
‫األخالق التي هي طبعه وجبلته‪ ،‬فعزة نفسه وكرم أصله يدعوانه إلى التحليق عاليا في سماء‬
‫املكارم واألخالق الفاضلة‪ ،‬فنفسه األبية ال تطاوعه بأن يقيم على الرذائل ويشين عرضه‬
‫ً‬
‫الوافر‪ ،‬وهذا ما جعله يسعى إلى مكارم األخالق انطالقا من عفته التي ّميزته حتى أقرانه‬
‫من الصعاليك‪.‬‬
‫وفي قوله‪)33(:‬‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وإن ُم َّدت األيدي إلى ّ‬
‫أجش ُع الق ْو ِّم أ ْع َج ُل‬ ‫بأ ْع َج ِّل ِّهم إذ‬ ‫الز ِّاد لم أك ْن ***‬ ‫ِّ‬
‫إن الحرص على تحصيل املنافع الشخصية صفة رذيلة عند الفارس العربي‬
‫املعروف بالكرم والجود‪ ،‬والذي يرى أن كمال مروءته هي تمكين غيره من أن ينال حاجته‪،‬‬
‫بل ويمنح أنفس ما يملك ملن طرق بابه‪ ،‬وإن كان ذلك على حسابه الشخص ي فال يسارع‬
‫إلى ما يسارع إليه ضعفاء القوم‪ ،‬فإباؤه وعزة نفسه وترفعه عن الدنايا جعلته يربأ بنفسه‬
‫أن يكون أسيرا لشهواته فيضعف ويستسلم مما يخلف له العار فيما بعد‪ ،‬فهو وإن كان‬
‫أن من يعجل إلى‬ ‫يسابق في اإلمساك بالطرائد‪ ،‬فإنه ال يسابق وال يتعجل أكلها‪ ،‬وفي نظره ّ‬
‫الطعام إال الجشع الذي أعماه الحرص وشدة الطمع‪ ،‬وهي صفات بعيدة عن شهم‬
‫كالشنفرى الذي لم يكن في يوما ما حريصا على مأل بطنه‪ ،‬وحتى قبل تصعلكه لم ُيعرف‬
‫ّ‬
‫عنه أي خلق لئيم‪ ،‬ولوال األحكام القبلية الجائرة التي كانت تنظر إليه على أنه هجين ال‬
‫بالحر وال بالعبد لكان أحد أشراف القبيلة وسادتها‪.‬‬
‫ّ‬
‫ّأما بالنسبة للصنف الثاني فتمثل في نظرة الشاعر للمرأة كقيمة إنسانية‪ ،‬والتي‬
‫ً‬ ‫بالعفة والطهارة وباألخالق الفاضلة وقد ّ‬ ‫يصفها ّ‬
‫تغنى بجمالها الخلقي بعيدا عن الوصف‬
‫َ‬
‫الحس ي الظاهري الذي ُع ِّرف به شعراء الجاهلية‪ ،‬ومن ذلك قوله في وصف ِّع َّف ِّة املرأة في‬
‫قصيدته التائية‪)34(:‬‬
‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫غير ُم ِّل َيم ٍة ***‬‫وأنت ُ‬
‫إذا ذ ِّك َرت وال ِّ‬
‫بذات تقل ِّت‬ ‫فيا جارِّتي ِّ‬

‫ربيع األول ‪١٤٣٩‬هـ‬


‫‪287‬‬
‫ديسمبر‪2017‬م‬
‫مجلّة‬
‫أ‪ /‬العيفاوي حمزة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ْ‬
‫إذا ما مشت وال بذات تلف ِّت‬ ‫***‬ ‫أعجبت ِّني ال َس ُقوطا ِّقناع َها‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫لقد‬
‫لم تكن املرأة تمثل للشنفرى أكثر من نموذج أخالقي ر ٍاق‪ ،‬فلم يفتتن بمحاسنها‬
‫َْ‬
‫الخل ِّقية‪ ،‬وال استعبده هواها كما حدث مع كثير من الشعراء‪ ،‬فهو ناشد حرية يتمنع عن‬
‫كل قيد ويستهجن البقاء في البيت مع املرأة يشاورها في أمره كيف يفعل ويؤانسها‪ ،‬بل‬
‫يراها مثال لألخالق والعفة والحياء‪ ،‬وهو يصف املرأة التي هي جديرة بأن تكون امرأة حيث‬
‫وجه لها اللوم فال تذكر إال بالخير‬ ‫تجسد العفة والبراءة والخجل‪ ،‬فنفى عنها أن تكون ممن ُي ّ‬
‫والقلى بعد األرض عن السماء‪ ،‬ثم يواصل سر قائال في البيت الثاني‬ ‫ويبعد عنها البغض ِّ‬
‫سر إعجابه بها هو حياؤها الشديد‪ ،‬وهي حريصة على أن ال يسقط عنها قناعها الذي‬ ‫أن ّ‬
‫ترتديه‪ ،‬كما أنها ال تتلفت في مشيتها حتى ال تجلب لنفسها الريبة والشك‪ ،‬وهذا لحرصها‬
‫على عرضها وشرفها لئال يجرؤ كل من يعرفها على التحدث عنها‪ ،‬ألنها مثال الطهارة والعفة‬
‫والشرف‪ ،‬وهذه هي املرأة التي يفتتن بها العربي؛ فخلقها كريم ولسانها عفيف وعرضها‬
‫ً‬
‫مصون وحياؤها وافر‪ ،‬ال تكشف محاسنها طلبا لإلغواء وال تبدي لرائيها في مشيتها ما ينم‬
‫عن إرادة للفت االنتباه مما يوحي بإرادة الرذيلة‪.‬‬
‫وفي قوله‪)35( :‬‬
‫ّ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بيت ُب َع َ‬‫َت ُ‬
‫جارتها إذا الهدية قل ِّت‬ ‫ِّل َ ِّ‬ ‫***‬ ‫الن ْو ِّم َت ْهدي غ ُبوق َها‬
‫يد َّ‬
‫وهي فوق ما ذكر من صفات في البيتين السابقين كريمة اليد معطاءة حين يقل‬
‫ويضن الناس بما في أيديهم مخافة االفتقار‪ ،‬فتجود بغبوقها وهو شراب املساء خلسة‬ ‫ّ‬ ‫الزاد‬
‫بعد أن ينام الناس لجارتها‪ ،‬وال تبغي وراء هذا مدحا وال ذكرا‪ ،‬بل الكرم سجيتها التي ُجبلت‬
‫عما بيدها‬ ‫عليها فهي لم تتكلفه من أجل أن ُيقال فالنة كريمة‪ ،‬وإن ما بها عفافها وغناها ّ‬
‫إذا كان هناك من هو بحاجة إليه‪ ،‬فتؤثر الغير على النفس‪.‬‬
‫وفي قوله‪)36( :‬‬
‫ّ‬ ‫ُُ ٌ ََ‬ ‫َ‬
‫وت باملذ َّم ِّة َحل ِّت‬ ‫إذا ما بي‬ ‫منجاة من اللوم‪ْ ،‬بي َتها ***‬ ‫ٍ‬ ‫ت ُحل ِّب‬
‫يشير إلى أن هذه املرأة من كرام النساء حافظة لعرضها صائنة لبيتها من أن يطاله‬
‫ما يعيب البيوت من سوء أخالق وصيانة البيت كناية عن صيانة العرض مما يدنسه‬
‫وصيانة ألخالق أهله من صدق الحديث وكرم الضيافة وحسن الجوار وغير ذلك من أخالق‬
‫العرب الفاضلة‪ ،‬وهذه الخصائص هي التي يبحث عنها الرجل في املرأة‪ ،‬فيفتخر ويعتز بها‪.‬‬
‫وفي قوله‪)37( :‬‬

‫(العدد األول)‬ ‫‪288‬‬ ‫المجلد الخامس‬


‫مجلّة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬ ‫القيم الخلقية في شعرالشنفرى‬
‫ْ ُ َّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ً َ‬
‫وإن تك ِّل ْم َك ت ْبل ِّت‬ ‫على أ ِّّمها‬ ‫***‬ ‫األرض ِّن ْسيا ت ُقص ُه‬
‫ِّ‬ ‫كأن لها في‬ ‫ّ‬
‫يصف الشاعر شدة حياء هذه املرأة التي إذا ما مشت تجدها تنظر أمامها وكأنها‬
‫تبحث عن ش يء أضاعته‪ ،‬مما يوحي بأنها غير مكترثة ملا يدور حولها وال تتلفت يمينا أو‬
‫شماال‪ ،‬بل تمض ي في طريقها وال يدفعها الفضول إلى البحث عن دقائق األمور مثلما هي‬
‫عادة النساء‪ ،‬ويواصل الشاعر الحديث عنها بالقول إنها إن تكلمت ينقطع كالمها لفرط‬
‫حيائها‪ ،‬وهذه الصفة أجمل ما يزين املرأة‪.‬‬
‫وفي قوله‪)38( :‬‬
‫ّ‬ ‫ُ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫ُ‬
‫ان َع َّف ْت وجل ِّت‬
‫الن ْس َو ُ‬
‫إذا ذ ِّكر ِّ‬ ‫أ َم َيمة ال ُيخ ِّزي نثاها َح ِّليلها ***‬
‫َ َّ‬ ‫ُ َ‬
‫يد لم َي َس ْل ْأي َن ظل ِّت‬ ‫ّ‬
‫مآب الس ِّع ِّ‬ ‫عينه ***‬ ‫إذا هو أمس ى آب ق َّرة ِّ‬
‫ً‬
‫يرى الشاعر في هذه املرأة مثاال ُيحتذى به‪ ،‬فهي عالوة على صيانة العرض وحفظ‬
‫عفة وجالال‬ ‫البيت مما يعيبه الناس سر سعادة زوجها الذي يفاخر بها إذا ذكر النسوان ّ‬
‫فقد نالت ثقته واستولت على محبته‪ ،‬فهو سعيد بها عند أوبته ال يسألها عن سائر يومها‬
‫يسره منظرها‪ ،‬فهي‬ ‫أين قضته ألنها مأمونة الجانب صدوقة الحديث‪ ،‬يس ّره مخبرها كما ّ‬
‫جميلة حسناء فاق جمالها كل التصور فجمال الروح على جمال الجسد يعطي تكامال‬
‫عجيبا‪ ،‬حتى أن الشاعر ذهب إلى أبعد حد في االفتتان بهذه الشخصية التي جسدت األنوثة‬
‫في أرقى صورها‪.‬‬
‫من خالل األبيات السابقة التي قيلت في حياء املرأة وعفتها نالحظ أن الشاعر اتجه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اتجاها أخالقيا في تصوير جمال املرأة املعنوي‪ ،‬فيصف حبيبته بالعفة واالحتشام وكرم‬
‫ُُ‬
‫الخلق‪ ،‬ورفعة القدر‪ ،‬ويواصل بخياله الرفيع وألفاظه الدقيقة ومعانيه البديعة ونفسه‬
‫األبية وصف السيدة املصونة‪ ،‬فهي محجبة ال يسقط قناعها وتسير برفق وغير بخيلة‪ ،‬إذ‬
‫بالزاد وهي في نجوة من اللوم والكالم الفاحش‪ ،‬وإذا سارت في الدرب فهي تسير‬ ‫تؤثر جارتها ّ‬
‫وحياء‪ ،‬ثم ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫إن‬ ‫بحياء وال تكمل كالمها إن كلمتها وتقطع حديثها وتوجز في كالمها خجال‬
‫حديث هذه املرأة ال ينزل من شأن زوجها إذ أن حديثها فيه األدب والوقار واألخالق‬
‫َ‬
‫الحميدة(‪ )39‬والشنفرى بهذا التصوير الرفيع قد وصل إلى الذروة القصوى في تصوير خ َف ِّر‬
‫وحياء هذه املرأة وعفتها‪ ،‬فإذا رجع إلى منزله الذي هو مكان سكن الروح وارتياح الفؤاد‬
‫فإنها تخرج وهي مملوءة‬ ‫وطمأنينة الشعور‪ ،‬يجد زوجته مالزمة لبيته ال تبرحه‪ ،‬وإذا خرجت ّ‬
‫ثقة‪)40(.‬‬

‫ربيع األول ‪١٤٣٩‬هـ‬


‫‪289‬‬
‫ديسمبر‪2017‬م‬
‫مجلّة‬
‫أ‪ /‬العيفاوي حمزة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫إن شيوع ألفاظ العفة والطهارة هو تأكيد على ُس ُم ّ ِّو روح هذا الرجل‪ ،‬الذي ترفع‬
‫ّ‬
‫عن نزوات الشباب وخطرات الصبا‪ ،‬إذ أنه ال ينزل إلى مستوى الشباب الالهي العابث في‬
‫ً‬
‫معاملة النساء‪ ،‬لرقي أخالقه وعفته التي جعلته مثاال صادقا عن اإلباء والتعفف على‬
‫الرغم من تصعلكه‪.‬‬
‫ً‬
‫رابعا‪ :‬الكرم‬
‫خلق رفيع يسمو بصاحبه إلى مصاف إيثار اآلخر‪ ،‬ويورثه السعادة والذكر‬ ‫وهو ٌ‬
‫أن الشاعر مسته ظاهرة الصعلكة التي ارتبطت في أهم جوانبها‬ ‫الحسن‪ ،‬وعلى الرغم من ّ‬
‫بالوضع االقتصادي السيئ الذي ساد هذه الفئة‪ ،‬حيث ّأدى عامل الجوع والحرمان إلى‬
‫ّ‬
‫دفعهم للسلب والنهب لسد رمقهم‪ ،‬إال أننا نلحظ وجود ألفاظ دالة على الكرم برغم‬
‫الحرمان‪ ،‬ومن بينها قوله‪)41(:‬‬

‫اس َت َم َّر ِّت‬


‫الع ُزوف ْ‬ ‫س َ‬‫ُومر إذا ْنف ُ‬ ‫وإني َل ُح ْل ٌو إن ُأ َ‬
‫ريد ْت َح َ‬
‫الو ِّت ***‬
‫ّ‬
‫ِّ‬
‫لحلو على اتصافه بالسخاء والكرم والعطاء ملن عامله بالحسنى‪ ،‬في‬ ‫دل قوله إني ٌ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قاس وشرس مع من خالفه وآذاه‪ ،‬ومما عرف به الشاعر أنه يمنح زاده وطعامه‬ ‫حين أنه ٍ‬
‫إن سلبه الذي يغتنمه من إغاراته يوزعه وال يستأثر به لنفسه‪ ،‬ألنه بعيد عن‬ ‫لرفاقه‪ ،‬بل ّ‬
‫ّ‬
‫الجشع‪ ،‬ولم يكن خروجه لسد افتقار عاشه إنما كان لغاية أسمى كان يقدسها العربي‬
‫معطاء يهب قوت يومه‬ ‫ً‬ ‫وتعتبر من كمال املروءة والشهامة وهي الثأر‪ ،‬ولذا فقد كان كريما‬
‫ويبات على الطوى ويظل عليه دون أن تدفعه الحاجة إلى الحرص على تحصيله بكل‬
‫السبل املتاحة‪.‬‬
‫وفي قوله‪) 42(:‬‬
‫ض َل املُ َت َف ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌَ‬ ‫ّ‬
‫ض ُل‬‫ِّ‬
‫األف َ‬ ‫عليهم وكان‬ ‫***‬ ‫وما ذاك إال َب ْسطة عن ت َفض ٍل‬
‫ّ ّ‬
‫وأن الشاعر برغم ظروفه القاسية‪ ،‬إال أنه‬ ‫ّدلت كلمة بسطة على الفضل والسعة‪ّ ،‬‬
‫واد بما يملك‪ ،‬وليس ممن يعمي الجشع والطمع بصيرته‪ ،‬وقد كان يجد السعادة في‬ ‫َج ٌ‬
‫التفضل بما لديه على أصحابه وهذا ابتغاء الرفعة والفضل‪ ،‬فعلى الرغم من حاجته‬
‫أن الكرم يسري في دمه‪ ،‬وما حاله إال خير دليل على هذا‪ ،‬فضمور‬ ‫وفقره وجوعه الدائم إال ّ‬
‫بطنه وخلو أمعائه دائما دليل على أن الشاعر يمنح كل ما لديه وال يستبقي لنفسه إال ما‬
‫يسد رمقه‪ ،‬وقلة أولئك الذين يؤثرون الغير ولو كانت بهم خصاصة‪ ،‬والشاعر واحد منهم‪.‬‬ ‫ّ‬

‫(العدد األول)‬ ‫‪290‬‬ ‫المجلد الخامس‬


‫مجلّة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬ ‫القيم الخلقية في شعرالشنفرى‬

‫إن الشاعر كان يهدف من كرمه إلى إثبات ذاته‪ ،‬واالنتصار على ظروف الحياة‬ ‫ّ‬
‫وفيا لها حتى بعد أن‬‫وظل ّ‬
‫القاهرة التي لم تنسيه مكارم األخالق التي نشأ وترعرع عليها ّ‬
‫حتى في أصعب الظروف وأحلكها‪،‬‬ ‫خرج عن قومه‪ ،‬وهكذا نجد أنه كان ذا نفس كريمة ّ‬
‫ٍ‬
‫وهذا دليل على معدنه األصيل‪ ،‬أما النزعة الدموية فلم تكن بدافع الكره أو البغض إنما‬
‫هو الثأر الذي كانت تقدسه العرب ككل وليس الشاعر فحسب‪.‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫أن الشنفرى كان يتصف بجملة من الفضائل والقيم‪،‬‬ ‫يتبين لنا من خالل ما سبق ّ‬ ‫ّ‬
‫يأتي في مقدمتها الشجاعة واإلقدام‪ ،‬التي لم تكن تعني التهور والطيش‪ ،‬بقدر ما كانت تعني‬
‫اإلقدام في مواضع اإلقدام واإلحجام متى دعت الضرورة لذلك‪ ،‬باإلضافة إلى الصبر الذي‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫يتطلب َجلدا قويا وعزة نفس وإباء‪ ،‬وهي جميع الصفات التي تحلى بها الشاعر طلبا للرفعة‪،‬‬
‫ً‬
‫وإلى تخليد اسمه ضمن عظماء التاريخ بالرغم من الطابع الدموي الذي ّميز سيرته‪ ،‬وعموما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يمكننا القول ّ‬
‫بأن الشاعر اتصف ببعض مكارم األخالق التي حث اإلسالم فيما بعد على‬
‫التقيد بها‪ ،‬ولوال األعراف والتقاليد الجائرة التي كانت تسير نظام القبيلة وتقوم على التمييز‬
‫الطبقي بين أفراد املجتمع‪ ،‬ولوال الظلم الذي تعرض له الشاعر لكان أحد أعالم العرب في‬
‫التقيد بمكارم األخالق‪.‬‬

‫ربيع األول ‪١٤٣٩‬هـ‬


‫‪291‬‬
‫ديسمبر‪2017‬م‬
‫مجلّة‬
‫أ‪ /‬العيفاوي حمزة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬
‫الهوامش‪:‬‬

‫)‪)1‬ابن رشيق القيرواني‪ ،‬العمدة في محاسن الشعر‪ ،‬وآدابه‪ ،‬ونقده‪ ،‬ج‪ ،1‬تح‪ :‬محمد محي الدين عبد‬
‫الحميد‪ ،‬ط‪ ،5‬دار الجيل للنشر والطباعة والتوزيع‪ ،‬سوريا‪ ،1981 ،‬ص‪.20 :‬‬
‫)‪ (2‬محمود حسن أبو ناجي‪ ،‬الشنفرى شاعر الصحراء األبي‪ ،‬الطباعة الشعبية للجيش‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،2007‬ص‪.06 :‬‬
‫)‪ (3‬أبو الحسن املاوردي‪ ،‬أدب الدنيا والدين‪ ،‬شرح وتعليق‪ :‬محمد كريم راجح‪ ،‬ط‪ ،4‬دار إقرأ‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،1985 ،‬ص‪254:‬‬
‫)‪ (4‬محمود أبو ناجي‪ ،‬الشنفرى شاعر الصحراء األبي‪ ،‬ص‪7 :‬‬
‫)‪ (5‬املرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫)‪ )6‬الديوان‪ ،‬ص‪45 :‬‬
‫)‪ (7‬الديوان‪ ،‬ص‪78 :‬‬
‫)‪ (8‬محمود أبو ناجي‪ ،‬الشنفرى شاعر الصحراء األبي‪ ،‬ص‪9 :‬‬
‫)‪ )9‬صالح مفقودة‪ ،‬القيم األخالقية للعربي من خالل الشعر الجاهلي‪ ،‬ع‪ ،1‬مجلة العلوم اإلنسانية‪،‬‬
‫جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص‪191 :‬‬
‫)‪ )10‬أحمد أمين‪ ،‬كتاب األخالق‪ ،‬ط‪ ،9‬مكتبة النهضة املصرية‪ ،‬مصر‪ ،2003 ،‬ص‪193 :‬‬
‫الحسام‪ :‬السيف‪ ،‬املسيب‪ :‬املتروك‬ ‫صمم بالسيف‪ :‬مض ى إلى العظم وقطعه‪ُ ،‬‬ ‫)‪ (11‬الديوان‪ ،‬ص‪ّ ،28:‬‬
‫ُْ َ‬ ‫ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ‬
‫السيد‪ ،‬امل َسل ُب‪ :‬امللقى‪.‬‬
‫القرم‪ّ :‬‬
‫الكم ُّي‪ :‬الشجاع‪ ،‬والالبس للسالح‪ْ ،‬‬
‫خر‪ :‬سقط مات‪ِ ،‬‬ ‫يقطع ما يشاء‪،‬‬
‫َْ‬
‫)‪ (12‬الديوان‪ ،‬ص‪ ،30 :‬الظمأ‪ :‬شدة العطش‪ ،‬الخمص‪ :‬الجوع‬
‫ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫)‪)13‬الديوان‪ ،‬ص‪ ،36 ،35 :‬أمش ي‪ :‬كأنه يغزو على رجليه‪ ،‬ألنكي‪ :‬ألقتل‪ ،‬واملعنى أمش ي على األرض على‬
‫الرغم مما يصيبه من تعب ابتغاء قتل قومي أو أن أقتل في سبيل ذلك‪.‬‬
‫ْ‬
‫اع ُه‪ :‬مجتمعه‪ ،‬األيم‪ :‬ذكر الحية‪ ،‬القانت‪ :‬الذليل املتواضع‪،‬‬ ‫ضيق‪ُ ،‬ج َم ُ‬ ‫ضنك‪ّ :‬‬
‫ٍ‬ ‫)‪ (14‬الديوان‪ ،‬ص‪،55 :‬‬
‫تعسفت‪ :‬ركبت عن غير هداية‪ ،‬الغماليل‪ :‬الروابي‪.‬‬ ‫الحوش‪ :‬بالد الجن‪ّ ،‬‬
‫)‪ (15‬الديوان‪ ،‬ص‪59 :‬‬
‫عرف بشدة‬ ‫ُ‬
‫الهيق‪ :‬الظليم (ذكر النعام) ي َ‬ ‫)‪ (16‬الديوان‪ ،‬ص‪،61 :‬الخرق‪ :‬ذو الوحشة من الخوف‪ْ ،‬‬
‫ِ‬
‫َُ‬
‫نفوره وخوفه‪ ،‬املكاء‪ :‬ضرب من الطيور‪.‬‬
‫الشعرى‪ :‬كوكب يطلع في فترة ّ‬ ‫ّ‬
‫الحر الشديد‪ ،‬اللعاب‪ :‬املقصود به ما ينتشر‬ ‫)‪ )17‬الديوان‪ ،‬ص‪ِ ،72 ،71:‬‬
‫الك ّن‪ :‬الستر‪،‬‬‫تتحرك وتضطرب‪ِ ،‬‬ ‫الحر كخيوط العنكبوت في الفضاء‪ ،‬رمضاء‪ :‬شدة الحر‪ ،‬تتململ‪ّ :‬‬ ‫في ّ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تتخرق فيها الرياح‪ ،‬كظهر‬ ‫األتحمي‪ :‬نوع من الثياب كالعباءة‪ ،‬امل َر ْع َب ُل‪ :‬امل َم ّزق‪ ،‬الخ ْرق‪ :‬األرض الواسعة‬ ‫ّ‬
‫ُ‬
‫الترس‪ :‬يعني أنها مستوية‪ ،‬قفر‪ :‬خالية‪ ،‬مقفرة‪ ،‬العاملتان‪ :‬رجاله‪ ،‬ليس يعمل‪ :‬ليس مما تعمل فيه‬
‫الركاب‪.‬‬

‫(العدد األول)‬ ‫‪292‬‬ ‫المجلد الخامس‬


‫مجلّة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬ ‫القيم الخلقية في شعرالشنفرى‬

‫ّ ً‬ ‫ً‬
‫)‪ )18‬الديوان‪ ،‬ص‪ ،48 :‬أم عامر‪ :‬كنية الضبع‪ ،‬سجيس الليالي‪ :‬طولها‪ُ ،‬مبسال‪ُ :‬م َس ِلما‪.‬‬
‫)‪ (19‬الديوان‪ ،‬ص‪.38 :‬‬
‫(‪ )20‬صالح مفقودة‪ ،‬القيم األخالقية للعربي من خالل الشعر الجاهلي‪ ،‬ص‪.193:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حرم‪ :‬الداخل في الحرم‪،‬‬ ‫الديوان‪ ،‬ص‪ ،37 :‬القتيل هو حزام بن َ جابر قاتل والد الشنفرى‪ ،‬امل ِ‬
‫)‪(21‬‬
‫ّ‬
‫املهدي هو الذي يقدم الهدي في الحج‪ُ ،‬بملبد‪ :‬إشارة إلى عادة العرب في العصر الجاهلي بدهن‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫منى‪ ،‬سالمان بن ُمفرج‪:‬‬ ‫الصمغ للتلبد‪ ،‬الجمار‪ :‬الحص ى التي يرميها الحاج في ً‬ ‫شعورهم بش يء من ّ‬
‫ِ‬
‫أزلت‪ّ :‬‬ ‫ّ‬
‫قدمت‪ ،‬الغليل‪ :‬حرارة العطش‪ ،‬املعدى‪ :‬موضع القتال‪.‬‬ ‫بطن من األزد‪،‬‬
‫ّ‬
‫)‪ )22‬الديوان‪ ،‬ص‪ ،57 :‬عمرو‪ :‬هو عمرو بن كالب قتلته قبيلة بجيلة مع رفيقه املسيب بن علس‪،‬‬
‫َُ‬
‫ويزيد وسعد‪ :‬قتلهما الشنفرى ثأرا ملقتل عمرو واملسيب‪ ،‬نف ِّري‪ :‬نقطع ونشق‪ ،‬الدكادك‪ :‬األرض التي‬
‫فيها ِغلظة‪.‬‬
‫(‪ )23‬عبد هللا العمري‪ ،‬مكارم األخالق في نقائض الفرزدق وجرير «املضمون والفن» رسالة مقدمة‬
‫للحصول على درجة املاجستير‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪1429 ،‬هـ‪ ،‬ص‪.84:‬‬
‫)‪ )24‬الديوان‪ ،‬ص‪.62 :‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ماري‪ :‬اسم رجل اشتهر بصنع الحبال‬ ‫)‪ (25‬الديوان‪ ،‬ص‪ ،63 :‬الخمص‪ :‬الجوع‪ ،‬الحوايا‪ :‬األمعاء‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫وفتلها‪ ،‬تغ ُار‪ُ :‬يحكم فتلها‪ ،‬أغدو‪ :‬أذهب في الغداة‪ ،‬األزل‪ :‬صفة للذئب القليل اللحم‪ ،‬تهاداه‪ :‬تتناقله‪،‬‬
‫التنائف‪ :‬األراض ي أو املفازة في الصحراء‪.‬‬
‫ُْ‬ ‫َ ُ‬
‫أتعو ُد‪ ،‬األهدأ‪ :‬الشديد الثبات‪ ،‬تن ِبيه‪ :‬ترفعه‪ ،‬سناسن‪ :‬فقار العمود‬ ‫ف‪َّ :‬‬ ‫)‪ (26‬الديوان‪ ،‬ص‪ ،67 :‬آل‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ َّ‬
‫الكعاب‪ :‬ش يء ُيل َع ُب‬‫أعد ُل‪ :‬أتوسد ذراعا‪ ،‬املنحوض‪ :‬من ذهب لحمه‪ِ ،‬‬ ‫الفقري‪ ،‬قحل‪ :‬جافة يابسة‪ِ ،‬‬
‫َْ‬ ‫ّ‬
‫به‪ ،‬دحاها‪ :‬بسطها‪ُ ،‬مثل‪ُ :‬منت ِصبة‪.‬‬
‫السمع‪ :‬ولد الذئب من الضبع‪.‬‬ ‫)‪ (27‬الديوان‪ ،‬ص‪ ،69 :‬أجتاب‪ :‬أقطع‪ّ ،‬بزه‪ :‬ثيابه‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫(‪ )28‬الديوان‪ ،‬ص‪َ ،69:‬ج ِزع‪ :‬عديم الصبر‪ ،‬خل ٍة‪ :‬الفقر والحاجة‪ ،‬املتكشف‪ :‬الذي يكشف فقره للناس‪،‬‬
‫املتخيل‪ :‬املختال بغناه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫)‪ (29‬محمود حسن أبو ناجي‪ ،‬الشنفرى شاعر الصحراء األبي‪ ،‬ص‪63 ،62 :‬‬
‫ً‬
‫(‪ )30‬حرشاوي جمال‪ ،‬الخصائص األسلوبية في شعر الصعاليك (الشنفرى أنموذجا) أطروحة مقدمة‬
‫لنيل شهادة الدكتوراه‪ ،‬جامعة وهران‪ ،‬الجزائر‪ ،2016 ،‬ص‪139 :‬‬
‫ثيرني‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫)‪ (31‬الديوان‪ ،‬ص‪ ،61 :‬خميص البطن‪ :‬خالي البطن ضامره‪ ،‬يستفزني‪ :‬ي ُ‬
‫ُْ َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مرة‪ :‬نفسا أبية‪ ،‬الذام‪ :‬العيب الذي ُيذم به‪ ،‬يلفى‪ :‬يوجد‪.‬‬ ‫نفسا ّ‬ ‫)‪ (32‬الديوان‪ ،‬ص‪،63 :‬‬
‫)‪ (33‬الديوان‪ ،‬ص‪59 :‬‬
‫َّ‬
‫القلى وهو البغض‪.‬‬ ‫(‪ )34‬الديوان‪ ،‬ص‪ ،32 :‬تقلت‪ :‬من ِ‬
‫َ ُ‬
‫(‪)35‬املرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪ .‬الغ ُبوق‪ :‬شراب املساء‪.‬‬
‫(‪ )36‬املرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫ََْ‬ ‫الن ْس ي‪ :‬ما ُي ْن َس ى‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫األم‪ :‬القصد‪ ،‬تبلت‪ :‬تنقطع في كالمها ال تطيله‪.‬‬ ‫(‪ )37‬الديوان‪ ،‬ص‪ِ ،33 :‬‬
‫ربيع األول ‪١٤٣٩‬هـ‬
‫‪293‬‬
‫ديسمبر‪2017‬م‬
‫مجلّة‬
‫أ‪ /‬العيفاوي حمزة‬
‫اللّغة العربيّة وآدابها‬
‫(‪)38‬املرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪ ،‬النثا‪ :‬إخبارك عن الش يء بالحسن أو القبح‪ ،‬آب‪ :‬رجع‪ّ ،‬‬
‫قرة العين‪:‬‬
‫ما ُي َس ُّر به اإلنسان ويطمئن‪.‬‬
‫)‪ (39‬محمود أبو ناجي‪ ،‬الشنفرى شاعر الصحراء األبي‪ ،‬ص‪.59:‬‬
‫)‪ (40‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪60 :‬‬
‫ّ‬
‫)‪ (41‬الديوان‪ ،‬ص‪ ،38 :‬العزوف‪ :‬الراجع عن الش يء التارك له عفة‪.‬‬
‫(‪ )42‬الديوان‪ ،‬ص‪ ،60 :‬البسطة‪َ :‬‬
‫السعة‪.‬‬

‫*** *** ***‬

‫(العدد األول)‬ ‫‪294‬‬ ‫المجلد الخامس‬

You might also like