Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 7

‫املقالة‪:‬‬

‫التنوير)‪ (1‬هو خروج اإلنسان من القصور)‪ (2‬الذي يرجع إليه هو ذاته‪ .‬القصور هو عدم‬
‫قدرة املرء ع ى استخدام فهمه دون قيادة الغ ﺮ‪ .‬يكون هذا القصور راجعا إ ى الذات إذا كان سببه‬
‫ال يكمن ي غياب الفهم‪ ،‬بل ي غياب العزم والجرأة ع ى استخدامه دون قيادة الغ ﺮ! ‪Sapere aude‬‬
‫)‪ ،(3‬تجرأ ع ى استخدام فهمك الخاص!)‪ (4‬هذا إذن هو شعار التنوير‪.‬‬

‫إن الكسل والج ن هما السبب الذي يجعل طائفة كب ﺮة من الناس يظلون‪ ،‬عن طيب خاطر‪ ،‬قاصرين‬
‫طوال حيا م‪ ،‬ح بعد أن تكون الطبيعة قد حرر م‪ ،‬منذ مدة طويلة‪ ،‬من كل قيادة خارجية‬
‫)‪ ،(5)(naturaliter majorennes‬والذي يجعل أخرين ينصبون أنفسهم بسهولة أوصياء عل م‪ .‬إنه‬
‫من املريح جدا أن يكون املرء قاصرا‪ .‬إذا كان لدي كتاب له فهم نيابة ع ‪ ،‬وواعظ له ضم ﺮ نيابة‬
‫ع ‪ ،‬وطبيب يحدد ي نظام تغذي الخ‪ ،‬فإني لن أحتاج إ ى أن أج د بنفﺴ ‪ .‬ليس من الضروري أن‬
‫أفكر ما دمت قادرا ع ى أداء الثمن؛ ذلك أن اآلخرين سيتحملون هذا العمل املزعج نيابة ع ‪ .‬أما‬
‫أن األغلبية الساحقة من الناس )وضم م الجنس اللطيف بأكمله( يعت ﺮون أن الخطوة نحو الرشد‪،‬‬
‫فضال عن أ ا شاقة‪ ،‬خط ﺮة جدا كذلك‪ ،‬فهذا ما سبق أن دبرﻩ أولئك األوصياء الذين يتحملون‬
‫اإلشراف العام عل م بطيبوبة تامة‪ .‬فبعد أن يجعلوا أوال ماشي م مغفلة‪ ،‬وبعد أن يحرصوا بعناية‬
‫ع ى أال يسمح لـهذﻩ املخلوقات الهادئة بأن تتجرأ ع ى القيام بخطوة واحدة خارج عربة امل )‪(6‬‬
‫ال حبسوها داخلها‪ ،‬بعد ذلك يبينون لهم الخطر الذي ي ددهم إذا ما حاولوا امل بمفردهم‪.‬‬
‫صحيح أن هذا الخطر ليس بالذات جد كب ﺮ‪ ،‬أل م سين ون بتعلم امل بعد أن يسقطوا بضع‬
‫مرات؛ إال أن مثاال واحدا من هذا النوع يث ﺮ الوجل لدى املرء ويردعه عموما عن القيام بمحاوالت‬
‫أخرى‪.‬‬

‫إنه إذن ملن الصعب ع ى أي إنسان بمفردﻩ أن يتخلص من القصور الذي أصبح تقريبا بمثابة‬
‫طبيعة له‪ .‬بل أك ﺮ من ذلك‪ ،‬إنه غدا يحبه‪ ،‬وهو ي الوقت الحاضر عاجز بالفعل عن استخدام فهمه‬
‫الخاص‪ ،‬ألنه لم يسمح له أبدا بأن يحاول ذلك‪ .‬إن النظم والقواعد‪ ،‬هذﻩ األدوات امليكانيكية‬
‫الستعمال املواهب الطبيعية‪ ،‬أو قل لسوء استعمالها‪ ،‬ي بمثابة قيود للقصور الدائم‪ .‬وح من‬
‫خلعها‪ ،‬لن يتمكن من القيام إال بقفزة غ ﺮ آمنة فوق أضيق الحفر‪ ،‬ألنه لم يتعود ع ى مثل هذﻩ‬
‫الحركة الحرة‪ .‬لـهذا السبب‪ ،‬لم يوفق إال القليلون ي أن ين عوا أنفسهم من حالة القصور بواسطة‬
‫مجهودهم الخاص وأن يس ﺮوا مع ذلك بأمان‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫أما أن ينور جمهور)‪ (7‬ذاته‪ ،‬فهذا باألحرى ممكن‪ ،‬بل إنه تقريبا أمر محتم إذا كان هذا الجمهور‬
‫متمتعا بالحرية‪ .‬ذلك أنه‪ ،‬ي هذﻩ الحالة‪ ،‬سيوجد دائما‪ ،‬ح ب ن من نصبوا أنفسهم أوصياء ع ى‬
‫األغلبية‪ ،‬بعض الذين يفكرون بأنفسهم‪ ،‬والذين‪ ،‬بعد أن يتخلصوا هم أنفسهم من ربقة القصور‪،‬‬
‫ينشرون حوال م روح تقدير عق ي لقيمة كل إنسان واستعدادﻩ ألن يفكر اعتمادا ع ى نفسه‪ .‬والغريب‬
‫هنا أن الجمهور الذي سبق أن وضع من قبلهم تحت ربقة هذا القصور‪ ،‬يج ﺮهم بعد ذلك‪ ،‬هو أيضا‪،‬‬
‫ع ى أن يظلوا تح ا‪ ،‬إذا حرضه ع ى ذلك بعض أوصيائه العاجزين عن التنوير‪ .‬إ ى هذا الحد يكون‬
‫ترسيخ األحكام املسبقة مضرا‪ ،‬أل ا ي األخ ﺮ تنتقم لنفسها من أولئك الذين كانوا هم أنفسهم أو‬
‫أسالفهم واضع ا‪ .‬لـهذا‪ ،‬ال يمكن لجمهور أن يبلغ التنوير إال بتأن‪ .‬فالثورة قد تطيح باالستبداد‬
‫الشخ واالضطهاد املتعطش للمصلحة املادية أو السلطة‪ ،‬ولكن ال يمكن أن تؤدي أبدا إ ى إصالح‬
‫حقيقي لنمط التفك ﺮ )‪ ،(8‬بل فقط إ ى استخدام أحكام مسبقة جديدة‪ ،‬مثلما كانت تستخدم‬
‫القديمة‪ ،‬كشريط موجه )‪ (9‬لألغلبية ال ال تفكر‪.‬‬

‫وإنه من أجل هذا التنوير ال يتطلب األمر شيئا آخر غ ﺮ الحرية وبالضبط تلك الحرية األقل ضررا‬
‫ب ن كل ما يندرج تحت هذا اللفظ‪ ،‬أي حرية االستعمال العمومي للعقل ي كل امليادين‪ .‬إال أن‬
‫أسمع من جميع الجهات صوتا ينادي‪ :‬ال تفكروا! )‪ (10‬فالضابط يقول‪ :‬ال تفكروا‪ ،‬بل قوموا‬
‫بالتمارين! وموظف املالية‪ :‬ال تفكروا‪ ،‬بل سددوا املبالغ! ورجل الدين‪ :‬ال تفكروا‪ ،‬بل آمنوا! )هناك‬
‫سيد واحد ي العالم )‪ (11‬يقول‪ :‬فكروا بمقدار ما تريدون و ي كل ما تريدون‪ ،‬لكن أطيعوا‪ (.‬وهكذا‬
‫يتم هنا ي كل مجال تقييد الحرية‪ .‬ولكن أي تقييد للحرية يعوق التنوير؟ وأي تقييد ال يعوقه‪ ،‬بل‬
‫باألحرى يفيدﻩ؟ أجيب‪ :‬إن استعمال اإلنسان لعقله استعماال عموميا يجب أن يكون دائما حرا‪ ،‬وهو‬
‫وحدﻩ يمكن أن يؤدي إ ى تنوير الناس؛ أما استعماله الخصو فيمكن غالبا تقييدﻩ بصرامة‬
‫شديدة‪ ،‬دون أن يعوق ذلك بشكل خاص تقدم التنوير )‪ .(12‬أع باالستعمال العمومي لعقلنا‬
‫الخاص ذلك االستعمال الذي يقوم به شخص ما بصفته رجل فكر )‪ (13‬أمام جمهور يتكون من‬
‫عالم القراء بأكمله‪ .‬أما االستعمال الخصو فأع به ذلك الذي يمكن أن يقوم به املرء بصفته‬
‫يتقلد منصبا مدنيا أو وظيفة مدنية ما )‪ .(14‬ذلك أنه من الضروري لبعض الشئون ال تـهم مصلحة‬
‫الجماعة )‪ (15‬أن توجد آلية معينة يجب بواسط ا ع ى بعض أعضاء الجماعة أن يتصرفوا فقط‬
‫بسلبية )‪ ،(16‬ح يمكن‪ ،‬بفضل توافق تصطنعه الحكومة‪ ،‬أن يتم توج هم نحو املصالح العامة‪،‬‬
‫أو‪ ،‬ع ى األقل‪ ،‬منعهم من إتالفها‪ .‬فهنا بالطبع ال يسمح بالتفك ﺮ‪ ،‬بل يجب ع ى املرء أن يطيع‪ .‬ولكن‬
‫من حيث إن هذا الجزء من اآللة يعت ﺮ ذاته ي نفس الوقت عضوا ي جماعة بأكملها‪ ،‬بل و ي املجتمع‬
‫العاملي‪ ،‬وتبعا لذلك يخاطب‪ ،‬من خالل كتاباته‪ ،‬جمهورا‪ ،‬معتمدا ي ذلك ع ى فهمه الخاص‪ ،‬فإنه‬
‫يمكنه‪ ،‬بال شك‪ ،‬أن يفكر دون أن تتأثر بذلك الشئون ال ع ن لتصريفها كعضو سل إ ى حد ما‪.‬‬
‫وهكذا سيكون من املفسد جدا أن يريد ضابط‪ ،‬خالل أداء عمله‪ ،‬املجادلة جهرا ي صواب أو فائدة‬

‫‪4‬‬
‫أمر تلقاﻩ من رؤسائه‪ ،‬بل عليه أن يطيع‪ .‬ولكن ليس من العدل أن نحرمه‪ ،‬بصفته رجل فكر‪ ،‬من‬
‫إبداء مالحظات حول عيوب الخدمة العسكرية وأن يعرض هذﻩ املالحظات ع ى الجمهور ليحكم‬
‫عل ا‪ .‬واملواطن ال يحق له أن يمتنع عن أداء الرسوم املفروضة عليه‪ ،‬بل إن طعنا وقحا ي هذﻩ‬
‫املستحقات‪ ،‬إذا كان عليه أداؤها‪ ،‬أمر يجب أن يعاقب عليه بصفته فضيحة )قد يمكن أن تسبب‬
‫عصيانا عاما(‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإنه لن يخل بواجبه كمواطن‪ ،‬إذا ع ﺮ عموميا‪ ،‬بصفته رجل فكر‪ ،‬عن‬
‫آرائه حول عيوب هذﻩ املستحقات أو أيضا جورها‪ .‬وكذلك فإن رجل الدين ملزم بأن يعلم تالمذته‬
‫وجماعته حسب رمز )‪ (17‬الكنيسة ال يخدمها‪ ،‬ألنه قد تم تعيينه ي هذﻩ املهمة ع ى أساس هذا‬
‫الشرط‪ .‬ولكنه يتمتع‪ ،‬كرجل فكر‪ ،‬بكامل الحرية ي أن يف للجمهور بكل أفكارﻩ املدروسة بعناية‬
‫واملنبثقة عن نية حسنة حول ما هو خاطئ ي ذلك الرمز واق ﺮاحاته الرامية إ ى تدب ﺮ أفضل للنظام‬
‫الدي والكنيﺴ ؛ بل وإن هذا يعت ﺮ جزءا من رسالته‪ .‬وليس ي ذلك أيضا ما يمكن أن يسبب له‬
‫وخز الضم ﺮ‪ .‬ذلك أن ما يلقنه‪ ،‬بناءا ع ى وظيفته كقائم بأعمال الكنيسة‪ ،‬يقدمه ال ك ء يتمتع‬
‫هو بحرية تقلينه وفق ما يحلو له‪ ،‬بل ك ء ع ن لتلقينه حسب تعليمات الغ ﺮ وباسمه‪ .‬إنه سيقول‪:‬‬
‫تعتنق كنيستنا هذا الرأي أو ذاك؛ هذﻩ ي الحجج ال تستند إل ا‪ .‬ثم إنه يجلب لجماعته كل املنفعة‬
‫العملية من القواعد ال قد ال يقبلها هو ذاته باقتناع تام وال تعهد مع ذلك بتدريسها‪ ،‬ألنه ليس‬
‫من املستحيل تماما أن توجد ب ن طياتـها حقيقة كامنة‪ ،‬وألنه ع ى أي حال ال يوجد ف ا ع ى األقل‬
‫ما يتناقض مع الدين الداخ ي‪ .‬أما إذا كان يعتقد بوجود هذا التناقض‪ ،‬فإنه لن يستطيع القيام‬
‫بوظيفته بكيفية تر ضم ﺮﻩ؛ و ي هذﻩ الحالة‪ ،‬سيكون عليه أن يتخ ى ع ا‪ .‬إن استعمال املدرس‬
‫املوظف لعقله أمام جماعته هو مجرد استعمال خصو ‪ ،‬ألن هذﻩ الجماعة تبقى مجرد تجمع‬
‫عائ ي ح وإن كان كب ﺮا جدا؛ وهو كقسيس ليس حرا ي هذا االستعمال‪ ،‬وال يحق أيضا أن يكون‬
‫حرا فيه‪ ،‬ألنه ينفذ مأمورية كلفه ا الغ ﺮ‪ .‬وع ى العكس من ذلك‪ ،‬يتمتع رجل الدين ي االستعمال‬
‫العمومي لعقله‪ ،‬أي بصفته رجل فكر يخاطب الجمهور الحقيقي‪ ،‬أي العالم‪ ،‬بحرية غ ﺮ مقيدة ي‬
‫أن يستخدم عقله الخاص وأن يتلكم باسمه الشخ ‪ .‬ذلك أنه من الحماقة ال تؤدي إ ى تأبيد‬
‫الحماقات أن يكون أوصياء الشعب ) ي األمور الدينية( هم أنفسهم قاصرين أيضا‪.‬‬

‫ولكن أال ينب ي أن تتمتع هيئة من رجال الدين‪ ،‬مجمع كنﺴ مثال‪ ،‬أو طبقة مبجلة )كما تسمى لدى‬
‫الهولندي ن )‪ ((18‬بالحق ي أن يل م أعضاؤها فيما بي م قسما برمز مع ن غ ﺮ قابل للتغي ﺮ‪ ،‬ح‬
‫يمارسوا‪ ،‬بل ويؤيدوا وصاية عليا دائمة ع ى كل األعضاء‪ ،‬وبواسطة هؤالء ع ى الشعب‪ ،‬أقول‪ :‬إن‬
‫ذلك غ ﺮ ممكن تماما‪ .‬إن مثل هذا التعاقد ع ى منع كل استمرار ي تنوير الجنس البشري هو باطل‬
‫تماما‪ ،‬ح وإن تم تأكيدﻩ من قبل السلطة العليا‪ ،‬من قبل برملانات ومعاهدات السلم األك ﺮ رسمية‪.‬‬
‫ال يمكن لعصر أن يتحد ويتفق ع ى جعل العصر الالحق ي حالة تمنعه من توسيع معارفه )خاصة‬
‫امللحة جدا( والتخلص من األخطاء‪ ،‬وعموما التقدم ي التنوير‪ .‬فذلك سيكون جناية ي حق الطبيعة‬

‫‪5‬‬
‫البشرية ال تكمن غاي ا األصلية ي هذا التقدم بالضبط‪ .‬وإن للخلف الحق كل الحق ي أن يرفض‬
‫تلك القرارات وأن يعت ﺮها غ ﺮ مشروعة وطائشة‪ .‬إن محك كل ما يمكن إقرارﻩ ع ى شعب كقانون‬
‫يكمن ي السؤال‪ :‬هل يمكن لشعب أن يفرض ع ى ذاته مثل هذا القانون؟ قد يكون هذا القانون‬
‫ممكنا خالل زمن وج محدد إلرساء نظام مع ن‪ ،‬وذلك‪ ،‬إذا جاز التعب ﺮ‪ ،‬ي انتظار قانون أفضل‪،‬‬
‫ع ى شرط أن ت ﺮك ي نفس الوقت لكل واحد من املواطن ن‪ ،‬وخاصة لرجل الدين‪ ،‬حرية أن يبدي‬
‫عموميا‪ ،‬بصفته رجل فكر‪ ،‬أي من خالل كتابات‪ ،‬مالحظاته ع ى ما هو خاطئ ي التنظيم الحا ي؛‬
‫و ي أثناء ذلك يبقى النظام الذي تم إرساؤﻩ قائما‪ ،‬إ ى أن يبلغ فهم طبيعة األشياء عموميا درجة‬
‫متقدمة وأن تثبت صالحيته إ ى حد يسمح بأن يرفع للعرش بواسطة جمع األصوات ) ح وإن لم‬
‫تكن كلها( اق ﺮاح يرمي إ ى حماية تلك الجماعات ال اتفقت مثال انطالقا من تصورها لفهم أفضل‬
‫لألشياء‪ ،‬ع ى تنظيم دي مخالف‪ ،‬وذلك دون املساس بالجماعات ال تريد ترك األمر ع ى ما هو‬
‫عليه‪ .‬إنه من غ ﺮ املشروع بتاتا االتفاق‪ ،‬ولو خالل مدة حياة إنسان واحد فقط‪ ،‬ع ى نظام دي‬
‫ثابت ال يمكن الشك فيه عموما‪ ،‬وبالتا ي القضاء‪ ،‬إذا صح التعب ﺮ‪ ،‬ع ى حقبة ي مس ﺮة البشرية‬
‫نحو التحسن‪ ،‬وجعلها غ ﺮ مثمرة‪ ،‬بل وبسبب ذلك مضرة بالخلق‪ .‬نعم‪ ،‬يمكن إلنسان أن ير ئ التنوير‬
‫فيما ينب ي عليه معرفته‪ ،‬أما التخ ي عنه‪ ،‬سواء بالنسبة لشخصه‪ ،‬أو أك ﺮ من ذلك‪ ،‬بالنسبة للخلف‪،‬‬
‫فهو خرق للحقوق املقدسة لإلنسانية ودوس عل ا باألقدام‪ .‬والحال أنه ال يحق للملك أن يقرر ع ى‬
‫شعبه ما ال يحق ح لـهذا األخ ﺮ أن يقررﻩ ع ى ذاته‪ ،‬ألن نفوذﻩ التشري ي يقوم بالضبط ع ى أنه‬
‫يوحد ي إرادته اإلرادة الشعبية بأكملها‪ .‬وإنه إذا حرص فقط ع ى أن يكون كل إصالح حقيقي أو‬
‫مف ﺮض مالئما للنظام املدني‪ ،‬فيمكنه‪ ،‬فيما عدا ذلك‪ ،‬أن ي ﺮك رعاياﻩ يقومون بما يرونه ضروريا‬
‫من أجل خالص نفوسهم؛ فإن ذلك ليس من مهامه‪ ،‬ولكن من مهامه بالفعل أن يحول دون أن‬
‫يستعمل شخص العنف ملنع شخص آخر من العمل لغاية خالص نفسه والتقدم ي تحقيقه بكل ما‬
‫يملك من مقدرة‪ .‬إن تدخله ي ذلك األمر بممارسة املراقبة الحكومية ع ى الكتابات ال يعمل رعاياﻩ‬
‫من خاللها ع ى توضيح تصورا م‪ ،‬سينال من جاللته ذا ا‪ ،‬سواء أقام بذلك انطالقا من تصورﻩ‬
‫الخاص األسمى‪ ،‬فيعرض ذاته ي هذﻩ الحالة ملأخذ هو ‪Caesar non est supra Grammaticos :‬‬
‫)‪ ،(19‬أو وهو ما سينال من جاللته بكيفية أك ﺮ بكث ﺮ‪ ،‬إذا ما أنزل سلطته العليا إ ى حد دعم‬
‫االستبداد الدي الذي يمارسه بعض الطغاة ي دولته ضد بقية رعاياﻩ‪ .‬واآلن إذا تساءلنا والحالة‬
‫هذﻩ‪ :‬هل نعيش حاليا ي عصر متنور؟ فسيكون الجواب‪ :‬ال‪ ،‬ولكن نعيش بالتأكيد ي عصر للتنوير‪.‬‬
‫ففي الوضعية الراهنة لألشياء ال زال ينقص الكث ﺮ عموما‪ ،‬لكي يكون الناس ي حالة تسمح لهم بأن‬
‫يستخدموا‪ ،‬ي األمور الدينية‪ ،‬فهمهم الخاص بكيفية آمنة وجيدة‪ ،‬دون قيادة الغ ﺮ‪ ،‬بل ال زال‬
‫ينقص الكث ﺮ ح لكي يصبح من املمكن نقلهم إ ى هذﻩ الحالة‪ .‬ولكن‪ ،‬ي مقابل ذلك‪ ،‬هناك عالمات‬
‫واضحة ع ى أن املجال مفتوح أمامهم اآلن ح يئوا أنفسهم بحرية لتحقيق ذلك‪ ،‬وع ى أن عوائق‬
‫التنوير العام‪ ،‬أو الخروج من القصور الذي يرجع إل م‪ ،‬تتناقص تدريجيا‬

‫‪6‬‬
‫إن امللك الذي ال يرى من املش ن به أن يقول بأنه يعت ﺮ من الواجب أال تفرض ع ى الناس تعليمات‬
‫ي األمور الدينية‪ ،‬بل أن ت ﺮك لهم ي تلك األمور الحرية التامة‪ ،‬والذي يدفع عن نفسه إذن ح‬
‫االسم امل ﺮفع للتسامح‪ ،‬هو ذاته متنور‪ ،‬ويستحق أن يمدح من قبل كل من يع ﺮف بالجميل ي العالم‬
‫و ي األجيال الالحقة بصفته أول من حرر الجنس البشري‪ ،‬ع ى األقل من جانب الحكومة‪ ،‬من‬
‫القصور‪ ،‬وترك لكل شخص حرية استخدام عقله ي كل األمور ال تعود إ ى الضم ﺮ تحت إمرة هذا‬
‫امللك‪ ،‬يحق لرجال دين مح ﺮم ن‪ ،‬دون مساس بواجبات وظيف م‪ ،‬أن يعرضوا ع ى أنظار العالم‪،‬‬
‫بصف م رجال فكر‪ ،‬بكيفية حرة وعمومية‪ ،‬أحكامهم وآراءهم ال تختلف ‪ ،‬ي هذﻩ النقطة أو تلك‪،‬‬
‫عن الرمز الذي ينتمون إليه؛ ويحق ذلك أيضا‪ ،‬وباألخرى‪ ،‬لكل شخص غ ﺮ مقيد بواجبات أية وظيفة‪.‬‬
‫إن روح الحرية هذﻩ تنتشر أيضا خارج هذا املجال‪ ،‬ح حيث يكون عل ا أن تواجه عوائق خارجية‬
‫تفرضها حكومة تﺴ ء فهم دورها‪ .‬إن ذلك يصلح كمثل يدل ع ى أنه ليس هناك ما يخ ع ى األمن‬
‫العام ووحدة الجماعة ي ظل الحرية‪ .‬إن الناس يخلصون أنفسهم من تلقاء أنفسهم أك ﺮ فأك ﺮ من‬
‫الخشونة‪ ،‬ما لم يتم العمل عمدا ع ى تركهم ي هذﻩ الحالة‪.‬‬

‫لقد وضعت النقطة الرئيسية للتنوير‪ ،‬أي لخروج اإلنسان من القصور الراجع إليه هو ذاته‪ ،‬ي‬
‫األمور الدينية أساسا‪ ،‬ألن حكامنا ليس لهم أية مصلحة ي أن يلعبوا دور الوصاية ع ى رعاياهم ي‬
‫مجال الفنون والعلوم؛ وفوق هذا‪ ،‬فإن ذلك القصور‪ ،‬فضال عن أنه األك ﺮ ضررا‪ ،‬فإنه أيضا األك ﺮ‬
‫مساسا بالكرامة‪ .‬ولكن نمط تفك ﺮ عاهل يشجع التنوير يذهب إ ى أبعد من ذلك‪ ،‬ف ﺮى أنه ح ي‬
‫مجال التشريع‪ ،‬ليست هناك خطورة ي أن يسمح لرعاياﻩ باستعمال عقلهم الخاص استعماال‬
‫عموميا‪ ،‬وأن يعرضوا ع ى العالم علنا أفكارهم حول شكل أفضل لـهذا التشريع‪ ،‬ح وإن تضمنت‬
‫نقدا صريحا للتشريع القائم‪ .‬ولدينا ع ى ذلك مثال ساطع لم يسبق فيه أي ملك ذلك امللك الذي‬
‫نجله‪.‬‬

‫ولكن من جهة أخرى‪ ،‬يمكن فقط ملن هو متنور ال يخاف الظالل والذي يتوفر ي نفس الوقت ع ى‬
‫جيش وافر العدد ومحكم التنظيم لضمان األمن العام‪ ،‬أن يقول ماال يمكن أن تتجرأ جمهورية ع ى‬
‫قوله‪ :‬فكروا بمقدار ما تريدون و ي كل ما تريدون؛ ولكن أطيعوا! هكذا يتج ى هنا‪ ،‬وكذلك ي مجاالت‬
‫أخرى‪ ،‬مسار غريب وغ ﺮ منتظر لألمور البشرية‪ ،‬إذا الحظناﻩ ي عموميته‪ ،‬بدا لنا أن كل ء فيه‬
‫تقريبا يحمل طابع املفارقة‪ .‬إن قدرا أك ﺮ من الحرية املدنية يبدو أنه مفيد لحرية روح الشعب‪ ،‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬فإنه يضع أمامها حواجز ال يمكن تخط ا؛ وع ى العكس من ذلك‪ ،‬فإن قدرا أقل م ا يفسح‬
‫املجال للشعب ك ي يتفتح حسب كل مقدرته‪ .‬إذا كانت الطبيعة قد أخرجت من تحت هذﻩ القشرة‬
‫السميكة البذرة ال ترعاها بالكيفية األك ﺮ حنوا‪ ،‬أي امليل واالستعداد للتفك ﺮ الحر‪ ،‬فإن هذا األخ ﺮ‬
‫يؤثر بدورﻩ تدريجيا ع ى خلق الشعب )الذي يصبح بذلك شيئا فشيئا أهال لحرية التصرف(‪ ،‬ويؤثر‬

‫‪7‬‬
‫أخ ﺮا ح ع ى مبادئ الحكومة ال تجد ي ذا ا من املفيد أن تعامل اإلنسان‪ ،‬الذي هو اآلن أك ﺮ‬
‫من مجرد آلة‪ ،‬بما يتالءم مع كرامته‪.‬‬

‫كوينجس ﺮج‪/‬بروسيا‪ ،‬ي ‪ 30‬شتن ﺮ ‪1784‬‬

‫إ‪ .‬كنط‬

‫أقرأ يومه ‪ 30‬شتن ﺮ ي عدد ‪ 13‬شتن ﺮ من "األخبار األسبوعية البوشينجية" )‪ (20‬إعالنا‬


‫عن عدد هذا الشهر من "مجلة برل ن الشهرية"‪ ،‬الذي يضم ضمن موادﻩ جواب السيد مندلسزون‬
‫علة نفس السؤال‪ .‬هذا الجواب لم يقع بعد تحت يدي‪ ،‬وإال لربما جعل أستغ عن كتابة جوابي‬
‫هذا‪ ،‬الذي يبقى هنا مجرد تعب ﺮ عن كيف يمكن أن تحدث الصدفة تواردا ي الخواطر‪.‬‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫‪ : Aufklärung - 1‬تحريا للدقة ينب ي ترجمة هذا املصطلح بلفظ "التنوير"‪ ،‬ليس فقط ألنه يوافق‬
‫اللفظ األملاني من حيث الصيغة‪ ،‬بل ألنه‪ ،‬عالوة ع ى ذلك‪ ،‬يش ﺮ إ ى أن األمر ال يتعلق بحالة أو‬
‫وضعية تسود ف ا األنوار‪ ،‬بل بعملية أو س ﺮورة يتم ي إطارها نشر العلم واملعرفة املستندة إ ى‬
‫العقل‪ ،‬والتحرر من األحكام املسبقة واملعتقدات املستندة إ ى مختلف أشكال السلطة‪.‬‬

‫‪ : majeur : mündig - 2‬راشد‬

‫‪ mineur : unmündig‬قاصر‬

‫‪ : majorité : Mündigkcit‬رشد‬

‫‪ : minorité : Unmündigkcit‬قصور‬

‫‪ - 3‬وردت هذﻩ العبارة ي النص باللغة الالتينية‪ ،‬و ي تع ‪":‬تجرأ ع ى املعرفة "‪ ،‬وقد اتخذت شعارا‬
‫للتنوير قبل كنط‪.‬‬

‫‪8‬‬

You might also like