Professional Documents
Culture Documents
رواية سيامند
رواية سيامند
ابن األدغال
..هذه قصة أدبية قديمة ،وهي من أمتع قصص الشعوب التي قرأتها ،لذلك قمت بتلخيصها ليتمكن الجميع من قراءتها
في القديم ،عاشت عائلة الحاج حامد بكل سعادة وأمان ،تنعم بالعيش الرغيد.إلى أن جاء اليوم الذي انقلبت سعادتها تعاسة
.وراحتها تعبا ،حينما رحلت ربة البيت وتركت خلفها زوجها حامد وابنها سيامند الذي لم يتجاوز عامه الثاني بعد
حزن الحاج حامد كثيرا لوفاة زوجته،وقرر الزواج ثانية حتى يجد من تهتم بابنه سيامند ،غير أنه لم يجد في خديجة
(زوجته الثانية)الحنان والعطف الالزمين،فقد كانت تهتم بجمالها وأناقتها أكثر من أي شيء آخر.لذلك أصبح مضطرا إلى
.اصطحاب ابنه معه إلى الحقل يوميا،كي يستطيع تعويضه عن أمه المتوفاة
مرت األعوام ،وبدأت صحة الحاج حامد تتدهور شيئا فشيئا،فقد أصبح عمله الصعب في الحقل حمال ثقيال عليه.رغم جهده
.الكبير الذي كان يبذله
أحس الحاج بقرب أجله ،فجعل همه الوحيد التفكير في ابنه ومستقبله الذي سيضيع إذا لم يجد شخصا يعتني به في
صغره.إلى أن جاء اليوم الذي تعرف فيه على جارته حليمة التي كانت صديقة وفية لزوجته األولى ،فشعر بفرحة
غامرة ،خاصة عندما طمأنته إلى أنها ستعتني بابنه كما لو أنه ولدها ،فسلم أمره هلل وأوكله مهمة تربية سيامند بعد
.وفاته
جاء اليوم الذي غادر فيه الحاج حامد إلى رحمة ربه ،فلم تقصر العمة حليمة في تربية ابنه على أكمل وجه ،فقد كانت له
نعم األم الحنون واألب الشفوق ،كما قابلت زوجته خديجة بفيض من الحنان،مما جعلها تحبها وتعتبرها كأمها تمتما.أما
شريف(ابن العمة حليمة)فقد اهتم بحقل الحاج حامد كما لو أنه له.غير أن تفكيره لم يكن منصرفا إلى رعاية تلك األراضي
بقدر ما كان منصرفا إل خديجة نفسها ،فقد نبهها وفاة زوجها إليها ،كما أنه رآها عدة مرات فأعجب بها أيما إعجاب.
فطلب من أمه أن تطلب يدها له .ففرحت كثيرا واستجابت لطلبه فتم الزواج .والتأم بعد ذلك وضع هؤالء األربع في أسرة
.واحدة في بيت واحد ،وغدا رب هذه األسرة المسؤول عنها شريف
فأخذ يعني باألراضي والموال التي وكلت إليه عناية لمالك لها.أما أمه فظلت تولي ثقل اهتمامها برعاية سيامند وتربيته
.وقد بلغ من العمر إذ ذاك خمس سنوات
أصيبت العمة حليمة بمرض عضال القلب .مما جعلها تفارق الحياة .ولم يكن وقع وفاتها شديدا على قلبي كل من شريف
وخديجة ،بقدر ما كان على قلب سيامند الصغير ،فقد شعر بفراغ موحش اثر فقده لعمته الحنون ،وكان يعاني ضيقا شديد
ألنه لم يجد من يرشده إليها ،أو يفهمه سر غيابها،فكان يبكي في معظم األحيان ،فلم يكن من الزوجين إال أن يتجاهاله أو
يسكتاه ببعض األطعمة التافهة ،مما جعله يسخط عليهما ،ويتحمس على القيام بمزيد من التمرد تجاههما ،فلم يزدهما ذلك
إال قسوة عليه ،وكرها له ،إلى درجة أنهما كانا يخرجانه من الدار ويغلقان الباب في وجهه ،عندما يشتكي من شئ ما.
.فلم يجد له هواية إال لعب األكعاب مع أوالد قريته
مرت األيام ورزقت خديجة وزوجها بمولود كالقمر أسمياه "طاهر" ،وأصبح مبعث اهتمامهما الوحيد،مما أثر سلبيا على
نفسية سيامند ،وجعله يشعر بكآبة رهيبة خاصة عندما أخذ أوالد قريته يسخرون منه ويصفونه بالمسكين الذي سلبه
.عمه وأخوه حقه في ورثة أبيه
أدرك سيامند ضياع حقه عندما فكر في كل البساتين والثمار التي سلبها منه عمه المستبد وخصصها كلها لمولوده
"طاهر" ،من دون أن يفكر حتى في مالبسه هو مما جعله يطالب بمالبس جديدة من خالته خديجة التي أشفقت عليه
.كثيرا ،فأخذت تطالب زوجها بشراء مالبس له
فور ما سمع شريف بطلب سيامند غضب غضبا شديدا جعله يضربه بكل قسوة،ويجبره على إيصال الغداء له يوميا في
الحقل.غير أن حب سيامند الكثير للعبة األكعاب جعله يتأخر في أحد المرات عن تنفيذ أمر عمه ،فقابله شريف بالصوت
وضربه ضربا مبرحا .حينها أخذ قلب سيامند يتقاطر شرا،ووعد نفسه باالنتقام لها من ظالمها ،فذهب إلى خالته خديجة ،
وطلب منها أن تذبح بقرتهم الحلوب ،بناء على طلب من عمه ،وتطبخها للضيوف الذين سيأتون معه في المساء.ولم يكن
.ذلك إال حيلة من سيامند يحقق بها غايته
ُذ
اضطربت خديجة كثيرا ،فأسرعت إلى الفالح وطلبت منه أن يساعدها ،وفعال لم تمض عدة ثوان حتى بحت البقرة،
.وُو ضعت في القدر لُتطبخ
عاد شريف في المساء إلى بيته ،فاستقبلته زوجته بسرور ،وسألته عن غياب الضيوف الذين كان من المقرر أن يأتوا
معه.فاستغرب كثيرا وقد شم رائحة اللحم ،ورأى الدماء على األرض والقدر على النار ،فصرخ فيها يسألها عما فعلته ،
عندئذ أدركت خديجة كذب سيامند فأخذت تصرخ وتناديه وهي تبكي ،أما هو فقد كان فوق سطح البيت يسمع صراخها
.ويتمتع نشوة رائعة تدغدغ آالم نفسه وتشتت كروبه
خرج شريف من البيت ،وقد اشتاط غيضا بعدما علم بما أقدم عليه سيامند من عمل ،وأخذ يصرخ ويبحث عنه في كل
منازل الجيران لكن دون جدوى ،فعاد إلى البيت ونفث كل غيضه في وجه خديجة ،ولكنه ندم بعد ذلك إذ أنه أدرك أن عمل
.سيامند هذا كله من أجل اإليقاع بينه وبين زوجته.فوعدها باالنتقام منه شر انتقام
وعندما حل الليل ،ذهب سيامند إلى الحقل ونام فيه على بساط عمه ،حتى حل الصباح فاقتنى من الحقل ما شاء من خضر
.وفواكه ،ووضعها في البساط وأسرع متجها نحو الجبل المطل على قريته
لم يستطع شريف وزوجته أن يناما كل تلك الليلة ،فقد كانا يترقبان مجيء سيامند .وعندما حل الصباح ولم يعد سيامند
إلى البيت ،قرر شريف تناسي األمر والذهاب إلى حقله كالعادة ،ولكنه عندما ذهب عرف أن سيامند قد عاث بالحقل فسادا
وأخذ معه بساطه ،فأسرع إلى الحقول المجاورة ،يبحث عنه لكن دون جدوى .فراح يتسلق الجبال حتى الظهيرة ثم عاد
.أدراجه
أما سيامند فقد ظل يصعد في تلك الجبال ،إلى أن وجد كهفا صغيرا ،فوضع فيه حمله ،وأخذ يطل على سهول قريته حتى
.إذا رأى عمه ومنزله فرح كثيرا ،ألنه يستطيع مراقبته من هناك دون أن يشعر به أحد
وعندما حل الليل وعاد شريف إلى يته ،ذهب سيامند إلى الحقل وأخذ يمأل بساطه بكل ما لذ له وطاب ،ثم عاد إلى كهفه
فتعشى ،ثم استلقى على البساط لينام.ولكنه لم يستطع من شدة الخوف ،حتى إذا طلت خيوط الفجر بدأت أعصابه تتخدر،
.فذهب في سبات عميق
وفي تلك الساعة وصل شريف إلى الحقل ،ورأى ما حصل به من قلع وقطف وفساد ،فجن جنونه وتأكد من أن سيامند لن
يترك تلك البساتين واألراضي ولن يعود بعد ذلك اليوم ،فخرج من الحقل وراح يتجه مرة أخرى نحو تلك السفوح يفتش
فيها عنه فقد غلب في ظنه أن يكون مختفيا هناك بعد أن بات ليلته في ذلك الحقل ،فبقي يتسلق حتى إذا وصل إلى بطن
.الجبل عاد أدراجه معتقدا أن سيامند ال يستطيع الصعود أكثر من ذلك
بعد عدة أشهر ألف سيامند حياة الوحشة في البادية والجبال وتبدل خوفه من رهبة الوحوش واعتاد على أخذ كل ما
يشتهيه من حقل عمه دون مقابل ،واتخذ من ذلك الكهف مكانا يؤويه بعد أن أغلق فوهته بالحجارة ،ولم يدع إال مكان
فوهة صغيرة يدخل منها ويخرج بعد أن جعل من عظام الحيوانات الصلبة ،التي يعثر عليها في قاع الواد سالحا له يحميه
.من أعدائه
مرت األعوام والسنوات ،ولم يعثر شريف على سيامند ،ولم يعد سيامند يفكر في الرجوع إلى قريته بعد أن ألف حياة
.الوحشة والوحدة
وفي أحد األيام ذهب أحد شبان القرية إلى بيت شريف طالبا أن يتوسط له في خطبة أخت خديجة زوجته .فوعده شريف
أنه سيحقق رغبته إذا استطاع العثور على سيامند ،وإحضاره حيا أمام بيته بعد أن أخبره بأن هذا األخير الزال يتردد على
.الحقل كل ليلة
ظن الشاب األمر سهال ،فأخذ يبيت في الحقل يحرسه كل ليلة لكن دن جدوى ،فقد كان سيامند ينتظر فرصة نومه لتحقيق
غايته ،وعندما يئس الشاب من هذه الطريقة قرر البحث في سفوح الجبال وبطون األودية ولم يطل هذا األمر كثيرا ،فذات
يوم وبينما هو يتسلق أحد الجبال رأى شبح رجل طويل مخيف غاب معظم وجهه في شعر رأسه المتهدل فوق أكتافه
وعنقه وتبدى معظم جسمه خالل مزق من الخرق وأوراق الشجر ،وتدلت من عنقه وكل من جنبيه قطع من العظام
تتفرقع كلما اهتز أو مشى،فزع الشاب مع سماعه لصوت الوحش البشري الذي كان يسأله عن شخصيته ووجهته ،فانتبه
الشاب إلى لهجته التي كانت من لهجة سكان قريته فعرف أنه سيامند نفسه ولم يكد يرد على سؤاله حتى انقض عليه
انقضاض الوحش المفترس وهو يعاود سؤاله له فأخذ الشاب يترجاه ويخبره أنه صديقه القديم ،الذي كان يمارس معه
.لعب األكعاب ،حينئذ هدأ سيامند وقرر سماع جوابه بهدوء
أخبر الشاب سيامند عن قصته وعن طلب عمه الصعب ،فلم يجد سيامند بدا من القيام بحيلة لتحقيق أمنية صاحبه،فربط
نفسه ورافق الشاب الذي كان يمسك بطرف الحبل إلى القرية ،وعندما وصال إلى مشارفها ،ورأيا أهلها ذكر سيامند رفيقه
بالخطة التي تقتضي أن يترك الشاب الحبل أمام بيت شريف ،غير أن الشاب استنكر األمر وأكمل مسيره أمام حشود
الناس عند ذاك أدرك سيامند خيانة الشاب له ،فزمجر غضبا وقطع الحبل بعظم من العظام التي كان يحملها ،وفر هاربا
.خارج القرية وهو يستذكر خيانة الجبان الذي كاد أن يموت من أجله حتى وصل إلى كهفه
بات سيامند كل ليلته خائفا فمن الضروري أن يكون شريف قد عرف مكانه بعد أن عرفه ذلك الشاب الجبان .ورأى فيما
يراه النائم ،شبح والده يأمره بمغادرة الجبل والذهاب من ورائه ووعده بأنه سيجد هناك الراحة والهدوء ،فاستجاب
سيامند عندما استيقظ للنصيحة ،واتجه إلى حيث ال يدري حامال معه بساطه وأمتعته مع قالدة كان قد صنعها من جوز
حقل أبيه كذكرى منه .ثم واصل طريقه حتى أنهكه التعب ،فنام ولم يستفق إال على كتف يربت عليه فأفاق مذعورا فرأى
شيخا حنونا يطمئنه فسأله سيامند عن شخصيته وعندما عرف أنه راع يتجول مع خرافه اطمئن ألنه لم يكن في قريته
.رعاة
جلس الشيخ مع سيامند وأبدى له كل لطفه وإنسانيته ،فارتاح له قلب سيامند وراح يقص عليه قصة حياته منذ وعى على
نفسه وعلى الحياة إلى الساعة التي يجلس فيها ،فتأثر به الراعي وطلب منه أن يرافقه إلى بلدته موش القريبة ،وعندما
وصال إليها ،أخذ كل سكانها يقبحون مظهر سيامند غير أن الراعي لم يدع لهم المجال لذلك طويال فقد اتجه معه إلى قصر
.األمير وأدخله عليه
فوجئ األمير بمظهر سيامند وقذارته وسأله عن قصته فحكاها له باختصار ،فارتجف فؤاد األمير الصالح لذلك وانتابه
.حزن شديد أخفاه بابتسامة هادئة ووعظه بموعظة حكيمة ،بعد أن وعده بأن يجعله حاجبا له
ثم أمر بعض الخدم بحلق شعره واصالح شأنه ،فتغير شكل سيامند وتلطف مظهره وبدا شابا آخر ال يشبه ذلك الوحش
القديم ،فأصبح بعد ذلك يجلس كل أوقاته أمام المجلس المؤدي إلى القاعة التي يتخذ فيها األمير مجلسه يستقبل زواره
ويتعظ بنصائح األمير لهم فتعرف على لغتهم العربية ودينهم اإلسالم فأعجب به وآمن بعد أن تعلم منه الصلوات الخمس
.وفرائض اإلسالم
أعجب سيامند ببنت األمير كثيرا بعدما تعود على رؤيتها كل يوم تتجول في أرجاء القصر وما إن مرت بعض األيام حتى
شغفه حبها وانشغل قلبه بها فأنساه ذلك ذكرى األيام القاسية ،وأخذ يشعر بطعم جديد للحياة فضاق ذرعا ولم يجد صبرا
على كتمان هذا الشعور ،فأسرع يخبر صاحبه الراعي بذلك فلم يجد الراعي إال أن يلومه ويؤكد له أنه ليس من نفس
،طبقة األميرة ،ويحذره من عدم البوح بكالم كهذا أمام أي شخص خوفا من مصيره
لكن سيامند لم ييأس وأخذ يتحين في كل يوم فرصة للقاء بنت األمير ولكنها فاجأته بكره كبير وكالم قاس وجهته له غير
.أن ذلك لم يزده إال حبا وتعلقا بها
كانت بين بلدة موش وبلدة وان القريبة منها عالقة تجارية فقد كان بعض تجار موش ينقلون سلعهم إلى وان ويبيعونها
هناك وكان هذا مصدر األموال الكبير للبلدين ،لكن قطاع الطرق منعوا التواصل بين القريتين ،فخاف األمير على مستقبل
بلدته التجاري فوعد بتنفيذ طلب كل من يستطيع القبض على قطاع الطرق ،فاستجاب سيامند لطلبه فورا فقد وجد في
.نجاحه فرصة تحقيق أمنيته الوحيدة أال وهي الظفر بابنة األمير
انطلق سيامند بجواده متجها إلى قطاع الطرق للقضاء عليهم ،ولكنه فوجئ عندما وجد بينهم ذلك الشاب الذي أراد تقديمه
مهرا لشريف مقابل أخت خديجة ،ففرح كثيرا وعرف كيفية القضاء عليهم.فقتلهم بحيلته الذكية.بعد أن أوهمهم بأنه قاطع
.طريق مثلهم .ثم أخذ آذانهم وانطلق مسرعا إلى قصر األمير بعد أن أنقذ سلعته من األشرار
لم تكن دهشة األمير ومجلسه من عمل سيامند البطولي بقدر ما كانت عندما طلب الزواج بابنة األمير .ولكن الحاكم لم يجد
مهربا من تنفيذ طلبه ،فوعده باستشارة ابنته أوال .فحزن سيامند وكاد يجن لوال أنه سمع جواب األميرة اإليجابي ،فتم
حفل الزفاف بعد أيام .ولكن كرامة سيامند وكبريائه جعله يقوم بعمل لم يكن متوقعا منه ،فقد أهان ابنة األمير ليلة عرسها
بقدر ما أهانته وهو حاجب ،بل وربما أكثر ،فقد أسمعها كل كالم مجرح على الرغم من حبه الكبير لها .ثم ركب فرسه
.وغادر غير مهتم لوحشة الطريق
تعب سيامند كثيرا فاستلقى على أحد الجذوع ليرتاح ،ولكنه استفاق على صوت ضبع يريد أكله .فأسرع بالهروب بفرسه،
.لكن الضبع لحقه،وأصابه في كتفه.فلم يكن من سيامند إال أن يصارعه حتى أرداه قتيال
أرهق سيامند كثيرا من شدة األلم ،ولكنه أكمل طريقه بحثا عن قليل من الماء يزيل به بعض عطشه .حتى وصل إلى منبع
ماء مع طلوع الشمس ،فاستجد بفتاة تدعى "سينم" كانت تمأل جرائها منه ،فأسرعت إليه دون تردد واصطحبته إلى
.منزلها ،وضمدت جرحه ثم أحضرت له الطعام ،وطلبت منه أن يتناوله وينام ليرتاح .فلبى طلبها
وفي المساء عاد أخ سينم إلى البيت ،فرأى سيامند ضيفا لديهم.فطرده من البيت بعد أن صفع شقيقته وقلل من شأنها
.وشرفها .فحزنت كثيرا لمغادرة الضيف جريحا ،بعد ن تعلق قلبها به
بقي سيامند يفكر في سينم طوال تلك الليلة ،فلم يستطع أن ينم بعد أن تعرف عليها وعلى نبلها،فقد جعل منها فتاة أحالمه
عندما عرف بأنها خاطرت بنفسها من أجل إيواءه وهو رجل جريح وغريب.أما هي فقد بادلته نفس المشاعر ،فقد كان كل
.منهما يحب اآلخر بالخفاء
وعندما حل الصباح أسرع سيامند إلى منبع الماء فوجد سينم هناك،واقترح عليها أن يطلبها للزواج من أخيها مادام
يحبها.فعارضته تماما مؤكدة له أن أخاها لن يوافق أبدا ألنه سيزوجها بصديق له.فطلب منها سيامند أن تهرب معه بعيدا
عن ظلم بني اإلنسان فوافقته واتفقا على الذهاب في اليوم القادم.وفعال حصل مثلما خططا وبدأ مسيرهما والحب والسعادة
تمأل قلبيهما.وعندما أنهكهما التعب توقفا عند نبع آخر وشربا ،لكن النعاس غلبهما فغطا في نوم عميق ،وعندما أفاقت
سينم من نومها رأت وعال برفقة قطيع من األنعام .فتذكرت أخاها الذي كان يحب الحيوانات فانهمرت دموعها على
سيامند الذي استيقظ وأخذ يسألها عن سبب بكائها.فأخبرته فلحق بالوعل يريد قتله رغم إصرارها الكبير عليه بعدم
.الذهاب وتركها لوحدها
تأخر سيامند بالرجوع إلى سينم كثيرا ،فسلكت نفس طريقه ،فوجدت الوعل مذبوحا قرب أحد اآلبار وسمعت أنين سيامند
من داخل البئر.فألقت نظرة عليه فإذا به ملتصق بجذع شجرة طويلة قائمة.حينئذ خارت قواها ولم تجد ما تفعله خاصة
عندما توقف صوت سيامند .فعرفت أنه مات.وهنا وقفت على طرف البئر تحاول االنتحار واللحاق به،غير أن إيمانها
أسعفها ،فقد طاف حول نفسها بار من األمل وانتعش قلبها بنسيم من الرضا ،رضى العبد المملوك ألوامر سيده ،بل رضا
.المحب الواله بحكم محبوبه األول
.فنزلت على األرض من ذلك المهوى ،وتراجعت في راعة خاشعة إلى الخلف وقد امتزج حزنها بسكينة الرضا واالستسالم
.ولم تمض فترة قصيرة حتى كانت سينم تحث الخطى تعود أدراجها وحيدة ال مؤنس لها غير هللا
:العبرة من الرواية
ضرب هللا مثال للقسوة بوحشية الحيوان...وإنما وحشية الحيوان سالح من الوقاية أمكنه هللا منه ليتقي به أسباب
.الهالك،فإذا ضمن الوحش حياته وطعامه لم يضق ذرعا بحياة اآلخرين
...وضربت عبرة الزمن المثل بوحشية اإلنسان
وإنما وحشية اإلنسان فيض من أنانيته ،وظالل لبغيه وحقده،وكلما ضمن االنسان مزيدا من أسباب حياته ورفاهيته،
.ازدادت في نفسه عوامل البغي والظلم
.من أجل هذا كان النسان هو وحده الحيوان االذي ال يصلحه إال لجام محكم من الشريعة والدين والحق