Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 4

‫رواية سيامند‬

‫ابن األدغال‬

‫للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي‬

‫‪ ..‬هذه قصة أدبية قديمة‪ ،‬وهي من أمتع قصص الشعوب التي قرأتها‪ ،‬لذلك قمت بتلخيصها ليتمكن الجميع من قراءتها‬

‫في القديم‪ ،‬عاشت عائلة الحاج حامد بكل سعادة وأمان‪ ،‬تنعم بالعيش الرغيد‪.‬إلى أن جاء اليوم الذي انقلبت سعادتها تعاسة‬
‫‪.‬وراحتها تعبا‪ ،‬حينما رحلت ربة البيت وتركت خلفها زوجها حامد وابنها سيامند الذي لم يتجاوز عامه الثاني بعد‬
‫حزن الحاج حامد كثيرا لوفاة زوجته‪،‬وقرر الزواج ثانية حتى يجد من تهتم بابنه سيامند‪ ،‬غير أنه لم يجد في خديجة‬
‫(زوجته الثانية)الحنان والعطف الالزمين‪،‬فقد كانت تهتم بجمالها وأناقتها أكثر من أي شيء آخر‪.‬لذلك أصبح مضطرا إلى‬
‫‪.‬اصطحاب ابنه معه إلى الحقل يوميا‪،‬كي يستطيع تعويضه عن أمه المتوفاة‬
‫مرت األعوام‪ ،‬وبدأت صحة الحاج حامد تتدهور شيئا فشيئا‪،‬فقد أصبح عمله الصعب في الحقل حمال ثقيال عليه‪.‬رغم جهده‬
‫‪.‬الكبير الذي كان يبذله‬
‫أحس الحاج بقرب أجله‪ ،‬فجعل همه الوحيد التفكير في ابنه ومستقبله الذي سيضيع إذا لم يجد شخصا يعتني به في‬
‫صغره‪.‬إلى أن جاء اليوم الذي تعرف فيه على جارته حليمة التي كانت صديقة وفية لزوجته األولى ‪ ،‬فشعر بفرحة‬
‫غامرة ‪ ،‬خاصة عندما طمأنته إلى أنها ستعتني بابنه كما لو أنه ولدها ‪ ،‬فسلم أمره هلل وأوكله مهمة تربية سيامند بعد‬
‫‪.‬وفاته‬
‫جاء اليوم الذي غادر فيه الحاج حامد إلى رحمة ربه‪ ،‬فلم تقصر العمة حليمة في تربية ابنه على أكمل وجه‪ ،‬فقد كانت له‬
‫نعم األم الحنون واألب الشفوق‪ ،‬كما قابلت زوجته خديجة بفيض من الحنان‪،‬مما جعلها تحبها وتعتبرها كأمها تمتما‪.‬أما‬
‫شريف(ابن العمة حليمة)فقد اهتم بحقل الحاج حامد كما لو أنه له‪.‬غير أن تفكيره لم يكن منصرفا إلى رعاية تلك األراضي‬
‫بقدر ما كان منصرفا إل خديجة نفسها‪ ،‬فقد نبهها وفاة زوجها إليها‪ ،‬كما أنه رآها عدة مرات فأعجب بها أيما إعجاب‪.‬‬
‫فطلب من أمه أن تطلب يدها له ‪ .‬ففرحت كثيرا واستجابت لطلبه فتم الزواج‪ .‬والتأم بعد ذلك وضع هؤالء األربع في أسرة‬
‫‪ .‬واحدة في بيت واحد‪ ،‬وغدا رب هذه األسرة المسؤول عنها شريف‬
‫فأخذ يعني باألراضي والموال التي وكلت إليه عناية لمالك لها‪.‬أما أمه فظلت تولي ثقل اهتمامها برعاية سيامند وتربيته‬
‫‪.‬وقد بلغ من العمر إذ ذاك خمس سنوات‬
‫أصيبت العمة حليمة بمرض عضال القلب ‪.‬مما جعلها تفارق الحياة ‪.‬ولم يكن وقع وفاتها شديدا على قلبي كل من شريف‬
‫وخديجة‪ ،‬بقدر ما كان على قلب سيامند الصغير‪ ،‬فقد شعر بفراغ موحش اثر فقده لعمته الحنون‪ ،‬وكان يعاني ضيقا شديد‬
‫ألنه لم يجد من يرشده إليها‪ ،‬أو يفهمه سر غيابها‪،‬فكان يبكي في معظم األحيان‪ ،‬فلم يكن من الزوجين إال أن يتجاهاله أو‬
‫يسكتاه ببعض األطعمة التافهة‪ ،‬مما جعله يسخط عليهما‪ ،‬ويتحمس على القيام بمزيد من التمرد تجاههما‪ ،‬فلم يزدهما ذلك‬
‫إال قسوة عليه ‪ ،‬وكرها له‪ ،‬إلى درجة أنهما كانا يخرجانه من الدار ويغلقان الباب في وجهه‪ ،‬عندما يشتكي من شئ ما‪.‬‬
‫‪.‬فلم يجد له هواية إال لعب األكعاب مع أوالد قريته‬
‫مرت األيام ورزقت خديجة وزوجها بمولود كالقمر أسمياه "طاهر"‪ ،‬وأصبح مبعث اهتمامهما الوحيد‪،‬مما أثر سلبيا على‬
‫نفسية سيامند ‪ ،‬وجعله يشعر بكآبة رهيبة خاصة عندما أخذ أوالد قريته يسخرون منه ويصفونه بالمسكين الذي سلبه‬
‫‪.‬عمه وأخوه حقه في ورثة أبيه‬
‫أدرك سيامند ضياع حقه عندما فكر في كل البساتين والثمار التي سلبها منه عمه المستبد وخصصها كلها لمولوده‬
‫"طاهر" ‪ ،‬من دون أن يفكر حتى في مالبسه هو مما جعله يطالب بمالبس جديدة من خالته خديجة التي أشفقت عليه‬
‫‪.‬كثيرا ‪،‬فأخذت تطالب زوجها بشراء مالبس له‬
‫فور ما سمع شريف بطلب سيامند غضب غضبا شديدا جعله يضربه بكل قسوة‪،‬ويجبره على إيصال الغداء له يوميا في‬
‫الحقل‪.‬غير أن حب سيامند الكثير للعبة األكعاب جعله يتأخر في أحد المرات عن تنفيذ أمر عمه‪ ،‬فقابله شريف بالصوت‬
‫وضربه ضربا مبرحا‪ .‬حينها أخذ قلب سيامند يتقاطر شرا‪،‬ووعد نفسه باالنتقام لها من ظالمها‪ ،‬فذهب إلى خالته خديجة ‪،‬‬
‫وطلب منها أن تذبح بقرتهم الحلوب‪ ،‬بناء على طلب من عمه ‪ ،‬وتطبخها للضيوف الذين سيأتون معه في المساء‪.‬ولم يكن‬
‫‪.‬ذلك إال حيلة من سيامند يحقق بها غايته‬
‫ُذ‬
‫اضطربت خديجة كثيرا ‪ ،‬فأسرعت إلى الفالح وطلبت منه أن يساعدها‪ ،‬وفعال لم تمض عدة ثوان حتى بحت البقرة‪،‬‬
‫‪.‬وُو ضعت في القدر لُتطبخ‬
‫عاد شريف في المساء إلى بيته‪ ،‬فاستقبلته زوجته بسرور‪ ،‬وسألته عن غياب الضيوف الذين كان من المقرر أن يأتوا‬
‫معه‪.‬فاستغرب كثيرا وقد شم رائحة اللحم ‪ ،‬ورأى الدماء على األرض والقدر على النار‪ ،‬فصرخ فيها يسألها عما فعلته ‪،‬‬
‫عندئذ أدركت خديجة كذب سيامند فأخذت تصرخ وتناديه وهي تبكي ‪،‬أما هو فقد كان فوق سطح البيت يسمع صراخها‬
‫‪.‬ويتمتع نشوة رائعة تدغدغ آالم نفسه وتشتت كروبه‬
‫خرج شريف من البيت‪ ،‬وقد اشتاط غيضا بعدما علم بما أقدم عليه سيامند من عمل‪ ،‬وأخذ يصرخ ويبحث عنه في كل‬
‫منازل الجيران لكن دون جدوى‪ ،‬فعاد إلى البيت ونفث كل غيضه في وجه خديجة‪ ،‬ولكنه ندم بعد ذلك إذ أنه أدرك أن عمل‬
‫‪ .‬سيامند هذا كله من أجل اإليقاع بينه وبين زوجته‪.‬فوعدها باالنتقام منه شر انتقام‬
‫وعندما حل الليل‪ ،‬ذهب سيامند إلى الحقل ونام فيه على بساط عمه ‪ ،‬حتى حل الصباح فاقتنى من الحقل ما شاء من خضر‬
‫‪.‬وفواكه ‪ ،‬ووضعها في البساط وأسرع متجها نحو الجبل المطل على قريته‬
‫لم يستطع شريف وزوجته أن يناما كل تلك الليلة‪ ،‬فقد كانا يترقبان مجيء سيامند‪ .‬وعندما حل الصباح ولم يعد سيامند‬
‫إلى البيت‪ ،‬قرر شريف تناسي األمر والذهاب إلى حقله كالعادة‪ ،‬ولكنه عندما ذهب عرف أن سيامند قد عاث بالحقل فسادا‬
‫وأخذ معه بساطه‪ ،‬فأسرع إلى الحقول المجاورة ‪،‬يبحث عنه لكن دون جدوى‪ .‬فراح يتسلق الجبال حتى الظهيرة ثم عاد‬
‫‪ .‬أدراجه‬
‫أما سيامند فقد ظل يصعد في تلك الجبال‪ ،‬إلى أن وجد كهفا صغيرا‪ ،‬فوضع فيه حمله‪ ،‬وأخذ يطل على سهول قريته حتى‬
‫‪.‬إذا رأى عمه ومنزله فرح كثيرا‪ ،‬ألنه يستطيع مراقبته من هناك دون أن يشعر به أحد‬
‫وعندما حل الليل وعاد شريف إلى يته ‪ ،‬ذهب سيامند إلى الحقل وأخذ يمأل بساطه بكل ما لذ له وطاب‪ ،‬ثم عاد إلى كهفه‬
‫فتعشى‪ ،‬ثم استلقى على البساط لينام‪.‬ولكنه لم يستطع من شدة الخوف‪ ،‬حتى إذا طلت خيوط الفجر بدأت أعصابه تتخدر‪،‬‬
‫‪.‬فذهب في سبات عميق‬
‫وفي تلك الساعة وصل شريف إلى الحقل ‪،‬ورأى ما حصل به من قلع وقطف وفساد‪ ،‬فجن جنونه وتأكد من أن سيامند لن‬
‫يترك تلك البساتين واألراضي ولن يعود بعد ذلك اليوم‪ ،‬فخرج من الحقل وراح يتجه مرة أخرى نحو تلك السفوح يفتش‬
‫فيها عنه فقد غلب في ظنه أن يكون مختفيا هناك بعد أن بات ليلته في ذلك الحقل ‪ ،‬فبقي يتسلق حتى إذا وصل إلى بطن‬
‫‪.‬الجبل عاد أدراجه معتقدا أن سيامند ال يستطيع الصعود أكثر من ذلك‬
‫بعد عدة أشهر ألف سيامند حياة الوحشة في البادية والجبال وتبدل خوفه من رهبة الوحوش واعتاد على أخذ كل ما‬
‫يشتهيه من حقل عمه دون مقابل‪ ،‬واتخذ من ذلك الكهف مكانا يؤويه بعد أن أغلق فوهته بالحجارة‪ ،‬ولم يدع إال مكان‬
‫فوهة صغيرة يدخل منها ويخرج بعد أن جعل من عظام الحيوانات الصلبة‪ ،‬التي يعثر عليها في قاع الواد سالحا له يحميه‬
‫‪.‬من أعدائه‬
‫مرت األعوام والسنوات‪ ،‬ولم يعثر شريف على سيامند‪ ،‬ولم يعد سيامند يفكر في الرجوع إلى قريته بعد أن ألف حياة‬
‫‪.‬الوحشة والوحدة‬
‫وفي أحد األيام ذهب أحد شبان القرية إلى بيت شريف طالبا أن يتوسط له في خطبة أخت خديجة زوجته‪ .‬فوعده شريف‬
‫أنه سيحقق رغبته إذا استطاع العثور على سيامند‪ ،‬وإحضاره حيا أمام بيته بعد أن أخبره بأن هذا األخير الزال يتردد على‬
‫‪.‬الحقل كل ليلة‬
‫ظن الشاب األمر سهال‪ ،‬فأخذ يبيت في الحقل يحرسه كل ليلة لكن دن جدوى‪ ،‬فقد كان سيامند ينتظر فرصة نومه لتحقيق‬
‫غايته‪ ،‬وعندما يئس الشاب من هذه الطريقة قرر البحث في سفوح الجبال وبطون األودية ولم يطل هذا األمر كثيرا‪ ،‬فذات‬
‫يوم وبينما هو يتسلق أحد الجبال رأى شبح رجل طويل مخيف غاب معظم وجهه في شعر رأسه المتهدل فوق أكتافه‬
‫وعنقه وتبدى معظم جسمه خالل مزق من الخرق وأوراق الشجر ‪ ،‬وتدلت من عنقه وكل من جنبيه قطع من العظام‬
‫تتفرقع كلما اهتز أو مشى‪،‬فزع الشاب مع سماعه لصوت الوحش البشري الذي كان يسأله عن شخصيته ووجهته ‪،‬فانتبه‬
‫الشاب إلى لهجته التي كانت من لهجة سكان قريته فعرف أنه سيامند نفسه ولم يكد يرد على سؤاله حتى انقض عليه‬
‫انقضاض الوحش المفترس وهو يعاود سؤاله له فأخذ الشاب يترجاه ويخبره أنه صديقه القديم‪ ،‬الذي كان يمارس معه‬
‫‪.‬لعب األكعاب‪ ،‬حينئذ هدأ سيامند وقرر سماع جوابه بهدوء‬
‫أخبر الشاب سيامند عن قصته وعن طلب عمه الصعب‪ ،‬فلم يجد سيامند بدا من القيام بحيلة لتحقيق أمنية صاحبه‪،‬فربط‬
‫نفسه ورافق الشاب الذي كان يمسك بطرف الحبل إلى القرية‪ ،‬وعندما وصال إلى مشارفها ‪،‬ورأيا أهلها ذكر سيامند رفيقه‬
‫بالخطة التي تقتضي أن يترك الشاب الحبل أمام بيت شريف‪ ،‬غير أن الشاب استنكر األمر وأكمل مسيره أمام حشود‬
‫الناس عند ذاك أدرك سيامند خيانة الشاب له‪ ،‬فزمجر غضبا وقطع الحبل بعظم من العظام التي كان يحملها‪ ،‬وفر هاربا‬
‫‪.‬خارج القرية وهو يستذكر خيانة الجبان الذي كاد أن يموت من أجله حتى وصل إلى كهفه‬
‫بات سيامند كل ليلته خائفا فمن الضروري أن يكون شريف قد عرف مكانه بعد أن عرفه ذلك الشاب الجبان‪ .‬ورأى فيما‬
‫يراه النائم ‪،‬شبح والده يأمره بمغادرة الجبل والذهاب من ورائه ووعده بأنه سيجد هناك الراحة والهدوء‪ ،‬فاستجاب‬
‫سيامند عندما استيقظ للنصيحة‪ ،‬واتجه إلى حيث ال يدري حامال معه بساطه وأمتعته مع قالدة كان قد صنعها من جوز‬
‫حقل أبيه كذكرى منه‪ .‬ثم واصل طريقه حتى أنهكه التعب ‪،‬فنام ولم يستفق إال على كتف يربت عليه فأفاق مذعورا فرأى‬
‫شيخا حنونا يطمئنه فسأله سيامند عن شخصيته وعندما عرف أنه راع يتجول مع خرافه اطمئن ألنه لم يكن في قريته‬
‫‪.‬رعاة‬
‫جلس الشيخ مع سيامند وأبدى له كل لطفه وإنسانيته‪ ،‬فارتاح له قلب سيامند وراح يقص عليه قصة حياته منذ وعى على‬
‫نفسه وعلى الحياة إلى الساعة التي يجلس فيها‪ ،‬فتأثر به الراعي وطلب منه أن يرافقه إلى بلدته موش القريبة‪ ،‬وعندما‬
‫وصال إليها‪ ،‬أخذ كل سكانها يقبحون مظهر سيامند غير أن الراعي لم يدع لهم المجال لذلك طويال فقد اتجه معه إلى قصر‬
‫‪.‬األمير وأدخله عليه‬
‫فوجئ األمير بمظهر سيامند وقذارته وسأله عن قصته فحكاها له باختصار‪ ،‬فارتجف فؤاد األمير الصالح لذلك وانتابه‬
‫‪.‬حزن شديد أخفاه بابتسامة هادئة ووعظه بموعظة حكيمة‪ ،‬بعد أن وعده بأن يجعله حاجبا له‬
‫ثم أمر بعض الخدم بحلق شعره واصالح شأنه‪ ،‬فتغير شكل سيامند وتلطف مظهره وبدا شابا آخر ال يشبه ذلك الوحش‬
‫القديم‪ ،‬فأصبح بعد ذلك يجلس كل أوقاته أمام المجلس المؤدي إلى القاعة التي يتخذ فيها األمير مجلسه يستقبل زواره‬
‫ويتعظ بنصائح األمير لهم فتعرف على لغتهم العربية ودينهم اإلسالم فأعجب به وآمن بعد أن تعلم منه الصلوات الخمس‬
‫‪ .‬وفرائض اإلسالم‬
‫أعجب سيامند ببنت األمير كثيرا بعدما تعود على رؤيتها كل يوم تتجول في أرجاء القصر وما إن مرت بعض األيام حتى‬
‫شغفه حبها وانشغل قلبه بها فأنساه ذلك ذكرى األيام القاسية‪ ،‬وأخذ يشعر بطعم جديد للحياة فضاق ذرعا ولم يجد صبرا‬
‫على كتمان هذا الشعور‪ ،‬فأسرع يخبر صاحبه الراعي بذلك فلم يجد الراعي إال أن يلومه ويؤكد له أنه ليس من نفس‬
‫‪ ،‬طبقة األميرة‪ ،‬ويحذره من عدم البوح بكالم كهذا أمام أي شخص خوفا من مصيره‬
‫لكن سيامند لم ييأس وأخذ يتحين في كل يوم فرصة للقاء بنت األمير ولكنها فاجأته بكره كبير وكالم قاس وجهته له غير‬
‫‪.‬أن ذلك لم يزده إال حبا وتعلقا بها‬
‫كانت بين بلدة موش وبلدة وان القريبة منها عالقة تجارية فقد كان بعض تجار موش ينقلون سلعهم إلى وان ويبيعونها‬
‫هناك وكان هذا مصدر األموال الكبير للبلدين‪ ،‬لكن قطاع الطرق منعوا التواصل بين القريتين‪ ،‬فخاف األمير على مستقبل‬
‫بلدته التجاري فوعد بتنفيذ طلب كل من يستطيع القبض على قطاع الطرق ‪،‬فاستجاب سيامند لطلبه فورا فقد وجد في‬
‫‪.‬نجاحه فرصة تحقيق أمنيته الوحيدة أال وهي الظفر بابنة األمير‬
‫انطلق سيامند بجواده متجها إلى قطاع الطرق للقضاء عليهم‪ ،‬ولكنه فوجئ عندما وجد بينهم ذلك الشاب الذي أراد تقديمه‬
‫مهرا لشريف مقابل أخت خديجة‪ ،‬ففرح كثيرا وعرف كيفية القضاء عليهم‪.‬فقتلهم بحيلته الذكية‪.‬بعد أن أوهمهم بأنه قاطع‬
‫‪.‬طريق مثلهم‪ .‬ثم أخذ آذانهم وانطلق مسرعا إلى قصر األمير بعد أن أنقذ سلعته من األشرار‬
‫لم تكن دهشة األمير ومجلسه من عمل سيامند البطولي بقدر ما كانت عندما طلب الزواج بابنة األمير‪ .‬ولكن الحاكم لم يجد‬
‫مهربا من تنفيذ طلبه‪ ،‬فوعده باستشارة ابنته أوال‪ .‬فحزن سيامند وكاد يجن لوال أنه سمع جواب األميرة اإليجابي‪ ،‬فتم‬
‫حفل الزفاف بعد أيام‪ .‬ولكن كرامة سيامند وكبريائه جعله يقوم بعمل لم يكن متوقعا منه‪ ،‬فقد أهان ابنة األمير ليلة عرسها‬
‫بقدر ما أهانته وهو حاجب‪ ،‬بل وربما أكثر‪ ،‬فقد أسمعها كل كالم مجرح على الرغم من حبه الكبير لها‪ .‬ثم ركب فرسه‬
‫‪.‬وغادر غير مهتم لوحشة الطريق‬
‫تعب سيامند كثيرا فاستلقى على أحد الجذوع ليرتاح‪ ،‬ولكنه استفاق على صوت ضبع يريد أكله‪ .‬فأسرع بالهروب بفرسه‪،‬‬
‫‪.‬لكن الضبع لحقه‪،‬وأصابه في كتفه‪.‬فلم يكن من سيامند إال أن يصارعه حتى أرداه قتيال‬
‫أرهق سيامند كثيرا من شدة األلم‪ ،‬ولكنه أكمل طريقه بحثا عن قليل من الماء يزيل به بعض عطشه‪ .‬حتى وصل إلى منبع‬
‫ماء مع طلوع الشمس ‪ ،‬فاستجد بفتاة تدعى "سينم" كانت تمأل جرائها منه‪ ،‬فأسرعت إليه دون تردد واصطحبته إلى‬
‫‪.‬منزلها‪ ،‬وضمدت جرحه ثم أحضرت له الطعام ‪،‬وطلبت منه أن يتناوله وينام ليرتاح ‪.‬فلبى طلبها‬
‫وفي المساء عاد أخ سينم إلى البيت‪ ،‬فرأى سيامند ضيفا لديهم‪.‬فطرده من البيت بعد أن صفع شقيقته وقلل من شأنها‬
‫‪.‬وشرفها‪ .‬فحزنت كثيرا لمغادرة الضيف جريحا‪ ،‬بعد ن تعلق قلبها به‬
‫بقي سيامند يفكر في سينم طوال تلك الليلة‪ ،‬فلم يستطع أن ينم بعد أن تعرف عليها وعلى نبلها‪،‬فقد جعل منها فتاة أحالمه‬
‫عندما عرف بأنها خاطرت بنفسها من أجل إيواءه وهو رجل جريح وغريب‪.‬أما هي فقد بادلته نفس المشاعر‪ ،‬فقد كان كل‬
‫‪.‬منهما يحب اآلخر بالخفاء‬
‫وعندما حل الصباح أسرع سيامند إلى منبع الماء فوجد سينم هناك‪،‬واقترح عليها أن يطلبها للزواج من أخيها مادام‬
‫يحبها‪.‬فعارضته تماما مؤكدة له أن أخاها لن يوافق أبدا ألنه سيزوجها بصديق له‪.‬فطلب منها سيامند أن تهرب معه بعيدا‬
‫عن ظلم بني اإلنسان فوافقته واتفقا على الذهاب في اليوم القادم‪.‬وفعال حصل مثلما خططا وبدأ مسيرهما والحب والسعادة‬
‫تمأل قلبيهما‪.‬وعندما أنهكهما التعب توقفا عند نبع آخر وشربا‪ ،‬لكن النعاس غلبهما فغطا في نوم عميق‪ ،‬وعندما أفاقت‬
‫سينم من نومها رأت وعال برفقة قطيع من األنعام ‪ .‬فتذكرت أخاها الذي كان يحب الحيوانات فانهمرت دموعها على‬
‫سيامند الذي استيقظ وأخذ يسألها عن سبب بكائها‪.‬فأخبرته فلحق بالوعل يريد قتله رغم إصرارها الكبير عليه بعدم‬
‫‪.‬الذهاب وتركها لوحدها‬
‫تأخر سيامند بالرجوع إلى سينم كثيرا‪ ،‬فسلكت نفس طريقه ‪ ،‬فوجدت الوعل مذبوحا قرب أحد اآلبار وسمعت أنين سيامند‬
‫من داخل البئر‪.‬فألقت نظرة عليه فإذا به ملتصق بجذع شجرة طويلة قائمة‪.‬حينئذ خارت قواها ولم تجد ما تفعله خاصة‬
‫عندما توقف صوت سيامند ‪.‬فعرفت أنه مات‪.‬وهنا وقفت على طرف البئر تحاول االنتحار واللحاق به‪،‬غير أن إيمانها‬
‫أسعفها‪ ،‬فقد طاف حول نفسها بار من األمل وانتعش قلبها بنسيم من الرضا‪ ،‬رضى العبد المملوك ألوامر سيده‪ ،‬بل رضا‬
‫‪.‬المحب الواله بحكم محبوبه األول‬
‫‪.‬فنزلت على األرض من ذلك المهوى‪ ،‬وتراجعت في راعة خاشعة إلى الخلف وقد امتزج حزنها بسكينة الرضا واالستسالم‬
‫‪.‬ولم تمض فترة قصيرة حتى كانت سينم تحث الخطى تعود أدراجها وحيدة ال مؤنس لها غير هللا‬
‫‪:‬العبرة من الرواية‬
‫ضرب هللا مثال للقسوة بوحشية الحيوان‪...‬وإنما وحشية الحيوان سالح من الوقاية أمكنه هللا منه ليتقي به أسباب‬
‫‪.‬الهالك‪،‬فإذا ضمن الوحش حياته وطعامه لم يضق ذرعا بحياة اآلخرين‬
‫‪...‬وضربت عبرة الزمن المثل بوحشية اإلنسان‬
‫وإنما وحشية اإلنسان فيض من أنانيته‪ ،‬وظالل لبغيه وحقده‪،‬وكلما ضمن االنسان مزيدا من أسباب حياته ورفاهيته‪،‬‬
‫‪.‬ازدادت في نفسه عوامل البغي والظلم‬
‫‪.‬من أجل هذا كان النسان هو وحده الحيوان االذي ال يصلحه إال لجام محكم من الشريعة والدين والحق‬

You might also like