Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 22

‫‪DAFATIR BARLAMANIA‬‬ ‫دفاتر برلمانية‬

‫‪specialized in constitutional and political sciences‬‬ ‫مجلة متخصصة يف العلوم الدستورية والسياسية‬
‫‪Vol 1, Double issue 1 & 2, October 2022‬‬ ‫المجلد‪ ،1‬عدد مزدوج ‪ 1‬و‪ ،2‬أكتوبر ‪2022‬‬

‫‪The Moroccan Parliament’s Evaluation‬‬ ‫المغرب للسياسات العمومية‪:‬‬ ‫البلمان‬


‫‪of public policies: its implications,‬‬ ‫ر‬ ‫تقييم ر‬
‫‪mechanisms, and problems‬‬
‫)*(‬
‫دالالته وآلياته وإشكالياته‬

‫)‪Rachid MEDOUAR (‬‬ ‫)**(‬


‫د‪ .‬رشيد المدور‬
‫)‪Hassan II University of Casablanca (Morocco‬‬ ‫الثان بالدار البيضاء (المغرب)‬
‫جامعة الحسن ي‬

‫‪Accepted:‬‬ ‫‪21/09/2022‬‬ ‫القبول‪:‬‬ ‫‪Received:‬‬ ‫‪21/08/2022‬‬ ‫االستالم‪:‬‬


‫مستخلص‪:‬‬
‫من مستجدات الدستور املغريب لسنة ‪ 2011‬إسناد صالحية جديدة للربملان هي "تقييم السياسات‬
‫العمومية"‪ ،‬وهو إسناد يتغىي‪ ،‬يف أبعاده الكربى‪ ،‬التخفيف من الطابع الرائسي للملكية واالجتاه هبا حنو‬
‫طابع برملاين‪ ،‬من خالل إشراك الربملان‪ ،‬ابعتباره جيسد السلطة التشريعية‪ ،‬يف رسم السياسات العمومية‪.‬‬
‫وهبذا املعىن‪ ،‬فهو وسيلة لتحقيق مبدأ ربط املسؤولية ابحملاسبة‪ .‬ويكرس املفهوم املرن لفصل السلط القائم‬
‫على توازهنا وتعاوهنا‪ ،‬وجيسد مفهومي الدميقراطية املواطنة والتشاركية‪ ،‬كما يعترب مقوما للحكامة اجليدة‪.‬‬
‫وقد وضع املشرع الدستوري مجلة من اآلليات لتفعيله‪ ،‬منها‪ :‬اجللسة السنوية ملناقشة السياسات العمومية‬
‫وتقييمها‪ ،‬وعرض رئيس احلكومة احلصيلة املرحلية أمام الربملان‪ ،‬واجللسة الشهرية املخصصة لألسئلة املتعلقة‬
‫ابلسياسة العامة‪ ،‬ومناقشة الربملان لتقارير عدد من املؤسسات الدستورية‪ ،‬ودسرتة وجوب عرض قوانني‬
‫تصفية امليزانية على الربملان يف السنة الثانية اليت تلي تنفيذها‪ ،‬كما أن عددا من املؤسسات الدستورية‬
‫تكون رهن طلب الربملان ملساعدته يف تقييم السياسات العمومية‪ .‬وقد أاثرت املمارسة الربملانية مجلة من‬
‫اإلشكاالت‪ ،‬منها‪ :‬إشكالية مناقشة أعضاء الربملان لعرض رئيس احلكومة ورد هذا األخري على تلك‬
‫املناقشة‪ ،‬هل تتم يف جلستني مشرتكتني جمللسي الربملان أم يف جلستني خاصتني بكل منهما؟ وبعد‬
‫التحقيق‪ ،‬تبني أن ممارسة التقييم يف جلسات مشرتكة خمالف للدستور‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬الربملان؛ تقييم السياسات العمومية؛ السلطة التشريعية‪ ،‬جملس النواب؛ جملس املستشارين‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪Morocco's 2011 constitution affirms the power of parliament to 'evaluate‬‬
‫‪public policies', a mandate that changes the presidential nature of the monarchy‬‬
‫‪and its tendency towards a parliamentary character, by involving parliament, as a‬‬
‫‪legislative authority, in public policymaking. In this sense, it is a mechanism for‬‬
‫‪achieving the principle of linking responsibility to accountability. It comes to‬‬

‫)*( هذه املقالة سبق نشرها مبجلة البحوث القانونية واالقتصادية‪ ،273-246 ،)3(3 ،‬وأعيد نشرها‪ ،‬ابتفاق مكتوب مع اجمللة املذكورة‪،‬‬
‫ألمهيتها يف حمور هذا العدد من جملة دفاتر برملانية‪.‬‬
‫)**( أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية احملمدية جبامعة احلسن الثاين ابلدار البيضاء‪.‬‬
‫‪() rachid.medouar@univh2c.ma‬‬ ‫‪https://orcid.org/0000-0002-6614-0343‬‬
‫رشيد المدور‬ ‫المغرب للسياسات العمومية‪ :‬دالالته وآلياته وإشكالياته‬
‫ري‬ ‫البلمان‬
‫تقييم ر‬

‫‪enshrine the flexible concept of separation of power based on its balance and‬‬
‫‪cooperation, and also to embody the concepts of citizenship and participatory‬‬
‫‪democracy, as well as the embodiment of good governance. The constitutional‬‬
‫‪legislator has put in place a number of mechanisms to activate it, including: the‬‬
‫‪annual session to discuss and evaluate public policies, the prime minister's‬‬
‫‪presentation to Parliament of the progress report of the government, the monthly‬‬
‫‪session devoted to the questions of general policy, the parliamentary debate on the‬‬
‫‪reports of a number of constitutional institutions, and the need for budget‬‬
‫‪liquidation laws to be presented to parliament in the second year following its‬‬
‫‪implementation, and a group of constitutional institutions are subject to‬‬
‫‪parliament's request to assist him in assessing public policies. One of the problems‬‬
‫‪produced by parliamentary practice was that of members of Parliament discussing‬‬
‫‪the Prime Minister's presentation and the latter's response to that debate, whether‬‬
‫‪it took place in two joint sessions of the Houses of Parliament or in their own‬‬
‫‪sessions? The practice of doing so in joint meetings has proved unconstitutional.‬‬
‫‪keywords: parliament, public policies evaluation, legislative power, house of‬‬
‫‪representatives, house of councilors‬‬

‫االستشهاد املرجعي‪:‬‬
‫املدور‪ ،‬رشيد‪ .)2022( .‬تقييم الربملان املغريب للسياسات العمومية‪ :‬دالالته وآلياته وإشكالياته‪ .‬جملة‬
‫دفاتر برملانية‪ ،‬اجمللد ‪ ،1‬عدد مزدوج ‪ 1‬و‪ ،2‬ص ص‪.26-5 .‬‬

‫مق ّدمة‪:‬‬
‫جاءت دسرتة صالحية الربملان يف تقييم السياسات العمومية ابعتباره صالحية جديدة له يف سياق‬
‫املراجعة الشاملة للدستور املغريب سنة ‪ ،2011‬واليت متيزت بثالث مسات رئيسة‪ :‬فمن جهة أوىل‪ ،‬متيزت‬
‫بكوهنا جاءت إثر احلراك الشعيب املعروف حبركة "‪ 20‬فرباير"‪ ،‬الذي كان االنتقال إىل "ملكية برملانية"‬
‫ووضع دستور جديد على أسس دميقراطية أهم مطالبه‪ .‬ومن جهة اثنية‪ ،‬كان اخلطاب امللكي للتاسع من‬
‫مارس ‪ 2011‬مبثابة خارطة طريق لإلصالح الدستوري املنشود؛ ألن امللك أعلن فيه عن املرتكزات السبعة‬
‫هلذا اإلصالح‪ ،‬ويهمنا هنا أن نشري إىل املرتكز الرابع الذي نص بنده األول على توطيد مبدأ فصل السلط‬
‫وتوازهنا‪ ،‬وتعميق دمقرطة وحتديث املؤسسات وعقلنتها‪ ،‬من خالل إقامة برملان انبع من انتخاابت حرة‬
‫ونزيهة‪ ،‬يتبوأ فيه جملس النواب مكانة الصدارة‪ ،‬مع توسيع جمال القانون‪ ،‬وختويل الربملان اختصاصات‬
‫جديدة‪ ،‬كفيلة بنهوضه مبهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية‪ .‬ومن جهة أخرية‪ ،‬متيزت تلك املراجعة الدستورية‬
‫ابملنهجية التشاركية يف إعدادها؛ حني قرر امللك حممد السادس تكوين جلنة استشارية خاصة ملراجعة‬
‫الدستور‪ ،‬هي األوىل من نوعها يف اتريخ املراجعات الدستورية املغربية‪ ،‬ودعاها "إىل اإلصغاء والتشاور مع‬
‫املنظمات احلزبية والنقابية‪ ،‬ومع الفعاليات الشبابية‪ ،‬واجلمعوية والفكرية والعلمية املؤهلة‪ ،‬وتلقي تصوراهتا‬
‫يف هذا الشأن"‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬تلقت هذه اللجنة االستشارية أكثر من ‪ 200‬مذكرة‪ ،‬حرص عدد من‬
‫األحزاب السياسية واملركزايت النقابية ومجعيات اجملتمع املدين على تضمينها مطلب إسناد وظيفة جديدة‬
‫إىل الربملان هي تقييم السياسيات العمومية‪ ،‬وهو ما استجاب له املشرع الدستوري بشكل جلي‪ ،‬بدليل‬
‫أن موضوع "السياسات العمومية" أصبح حاضرا بقوة‪ ،‬على حنو غري معهود يف الدساتري السابقة؛ إذ مت‬

‫‪6‬‬
‫‪ISSN: 2820-7270‬‬ ‫دفاتر برلمانية‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬عدد مزدوج ‪ 1‬و‪ ،2‬أكتوبر ‪2022‬‬

‫تناوله يف سبعة فصول من دستور ‪ ،2011‬لدرجة أن بعض الباحثني اعتربه "دستورا للسياسات العمومية"‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فإن هذا الدستور جاء مبستجدات أساسية خبصوص العالقة بني الربملان والسياسات‬
‫العمومية‪.‬‬
‫تقوت القناعة أبن تقييم السياسات العمومية مل يكن جمرد وظيفة‬ ‫ويف ضوء هذه السمات املميزة‪َّ ،‬‬
‫تقنية حمايدة تنضاف إىل وظائف الربملان‪ ،‬وإمنا هو صالحية تنطوي على أبعاد دستورية كربى وعلى‬
‫دالالت سياسية عميقة؛ وألجل ذلك‪ ،‬فإن االجتهاد يف هذه املقالة يتوخى سرب أغوار هذا اإلسناد؛ إلبراز‬
‫أبعاده ودالالته ‪ ،‬وبيان اآلليات الدستورية اليت وضعها املشرع لتفعيل هذه الصالحية اجلديدة‪ ،‬بصفة‬
‫مباشرة أو غري مباشرة‪ ،‬مث إلقاء الضوء على بعض اإلشكاليات الدستورية املتعلقة بتقييم السياسات‬
‫العمومية اليت أظهرهتا املمارسة ومناقشتها‪.‬‬
‫املبحث األول‪:‬‬
‫دالالت دسرتة اختصاص الربملان بتقييم السياسات العمومية‬
‫لقد كان الفتا املنهج الذي سلكه املشرع الدستوري عندما اختار‪ ،‬خالفا لسنّته اليت درج عليها يف‬
‫الدساتري السابقة‪ ،‬أ ْن جيمع اختصاصات الربملان وصالحياته يف فصل واحد‪ ،‬واألكثر إاثرة من املنهج يف‬
‫نص على صالحية جديدة للربملان‪ ،‬إضافة إىل االختصاصني التقليديني املتمثلني يف‬ ‫هذا الفصل‪ ،‬أنه ّ‬
‫التصويت على القوانني ومراقبة عمل احلكومة‪ ،‬هي تقييم السياسات العمومية‪ ،‬وهكذا نص الفصل ‪70‬‬
‫يص ّوت على القوانني‪ ،‬ويراقب عمل احلكومة‪ ،‬وي َقيّم السياسات العمومية‪.‬‬
‫من الدستور على أ ّن الربملان َ‬
‫املطلب األول‪ :‬تقييم السياسات العمومية وتقوية املالمح الربملانية للملكية املغربية‬
‫يتع ّني االنتباه إىل أن إسناد تقييم السياسات العمومية للربملان ليس جمرد صالحية جديدة‪ ،‬وإمنا هي‬‫َ‬
‫آلية دستورية تندرج يف صلب اإلصالح الدستوري الشامل الرامي إىل التخفيف من الطابع الرائسي للملكية‬
‫يف النظام السياسي املغريب واالجتاه هبا تدرجييا حنو طابع برملاين‪ ،‬ولعل أبرز إقرار دستوري هلذا التوجه هو‬
‫إضافة مسة "الربملانية" ابعتبارها بُعدا جديدا يف توصيف نظام احلكم يف املغرب‪ .‬وتعترب هذه اإلضافة‬
‫حداث دستوراي اترخييا ابمتياز؛ إذ هي املرة األوىل اليت عمد فيها املشرع الدستوري‪ ،‬منذ دستور ‪،11962‬‬
‫إىل تعديل الفصل األول من الدستور الذي كان يكتفي يف وصف نظام احلكم يف املغرب أبنه نظام ملكية‬
‫عدا جديدا‪ ،‬ميثل‬
‫دستورية دميقراطية واجتماعية‪ ،‬فأضاف يف هذه املراجعة الدستورية إىل هذا التوصيف بُ ً‬
‫بشكل ما استجابة ملطلب "امللكية الربملانية" الذي رفعه وطالب به احلراك االجتماعي لـ "‪ 20‬فرباير"‪،‬‬
‫وهكذا أصبح الفصل األول من الدستور ينص على أن "نظام احلكم ابملغرب نظام ملكية دستورية‪،‬‬
‫دميقراطية برملانية واجتماعية"‪ ،‬وهو ما ترمجته املراجعة الدستورية الشاملة ذاهتا يف فصول أخرى من‬
‫الدستور‪ ،‬القاسم املشرتك واخليط الناظم ملقتضياهتا هو‪ ،‬كما سبقت اإلشارة‪ ،‬التخفيف من الطابع الرائسي‬
‫للملكية يف النظام السياسي املغريب واالجتاه هبا تدرجييا حنو طابع برملاين‪ ،‬وذلك من خالل اإلعالء من‬
‫مكانة الربملان وتقوية سلطاته يف النظام السياسي املغريب؛ لتجاوز مكانته "املتواضعة" يف الدساتري السابقة‬

‫‪ -1‬دستور اململكة املغربية‪ ،‬الصادر بتاريخ ‪ 14‬ديسمرب ‪ .1962‬ج‪ .‬ر‪ :‬عدد ‪ 2616‬مكرر‪ 19 ،‬ديسمرب ‪ ،1962‬ص‪.2993 .‬‬
‫‪7‬‬
‫رشيد المدور‬ ‫المغرب للسياسات العمومية‪ :‬دالالته وآلياته وإشكالياته‬
‫ري‬ ‫البلمان‬
‫تقييم ر‬

‫مقارنة مع احلضور املهيمن للملكية‪ ،‬وكذا إلعادة بعض التوازن املفقود يف عالقة الربملان ابحلكومة الناتج‬
‫عن "اإلفراط" يف استعمال تقنيات "العقلنة الربملانية"‪.‬‬
‫ومن الشواهد الدالة على هذا التحول‪ ،‬أن املشرع الدستوري انتقل يف نظرته للربملان من اعتباره جمرد‬
‫مؤسسة‪ ،‬كما كان عليه األمر يف الدساتري السابقة‪ ،‬إىل اعتباره "سلطة تشريعية" مستقلة تقوم على ركيزة‬
‫املشاركة يف السلطة ومتلك آليات ممارستها فعليا‪.‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬أييت إسناد تقييم السياسات العمومية للربملان‪ ،‬ابعتباره صالحية جديدة‪ ،‬توسعة‬
‫لصالحيات الربملان احملدودة‪ .‬فالربملان املغريب نشأ يف ظل تبين املشرع الدستوري لفلسفة "العقلنة الربملانية"‬
‫من حيث هي "جمموعة من اآلليات الدستورية الرامية إىل احلد من سيادة الربملان يف ممارسة التشريع‬
‫والرقابة‪ ،‬وإخضاع أعماله للرقابة الدستورية؛ ملنع هيمنته على السلطة التنفيذية‪ ،‬وضمان استقرارها"‪2‬؛‬
‫وألجل ذلك‪ ،‬فإن صالحياته‪ ،‬إن على مستوى التشريع أو الرقابة على أعمال احلكومة حمدودة يف الوسائل‬
‫واألدوات اليت حددها له املشرع الدستوري على سبيل احلصر وال ميكنه التوسع فيها‪ ،‬حتت طائلة مراقبة‬
‫القضاء الدستوري‪.‬‬
‫وأتسيسا على ما سبق‪ ،‬فإن إسناد هذه الصالحية اجلديدة للربملان يندرج ابألساس يف إطار التوجه‬
‫اجلديد للمشرع الدستوري‪ ،‬الرامي إىل التخفيف من قيود "العقلنة الربملانية" اليت حتد من سلطات الربملان‪.‬‬
‫ولبيان أمهية إدراج هذه الصالحية والنص عليها صراحة يف الدستور من ضمن صالحيات الربملان‬
‫األصيلة‪ ،‬ينبغي اإلشارة إىل أنه قبل هذا الدستور‪ ،‬كانت الفرصة الدستورية‪ ،‬وتكاد تكون الوحيدة‪ ،‬املتاحة‬
‫صراحة أمام الربملان ملناقشة السياسات العمومية هي أثناء مناقشة الربانمج احلكومي‪ ،‬املتضمن للخطوط‬
‫الرئيسية للعمل الذي تنوي احلكومة القيام به يف ميادين السياسة االقتصادية واالجتماعية والبيئية والثقافية‬
‫واخلارجية‪ .3‬وأما ابلنسبة لتقييم السياسات العمومية‪ ،‬فإن الفرصة الدستورية النادرة احلدوث اليت كانت‬
‫تتاح أمام الربملان هي عند مناقشة ملتمس الرقابة‪ 4،‬اخلاص مبجلس النواب‪ ،‬أو ملتمس املساءلة اخلاص‬
‫يتح ّني‬
‫مبجلس املستشارين‪ ،‬من حيث كوهنما فرصة إلغناء النقاش العمومي‪ .‬وعدا ذلك‪ ،‬فإن ‪5‬الربملان كان َ‬
‫فرصة مناقشة مشاريع قوانني املالية ليستغلها يف مناقشة السياسات العمومية وتقييمها ‪ ،‬ال سيما عندما‬
‫يتعلق األمر مبشاريع قوانني التصفية املتعلقة بتنفيذ قوانني املالية‪ ،‬لكن بسبب التماطل يف عرض هذه‬
‫األخرية على الربملان ‪ -‬كما سيأيت بيانه‪ -‬مل تكن تلقى ما ينبغي من اهتمام الربملانيني‪.‬‬

‫‪ -2‬الربملان يف ظل امللكية الربملانية املغربية‪ ،‬رشيد املدور‪ ،‬دفاتر برملانية (‪ ،)1‬الدار البيضاء‪ ،2022 :‬ص‪.77 .‬‬
‫‪ -3‬مبوجب الفصل ‪ 65‬من الدستور األول ‪ ،1962‬والفصل ‪ 59‬من دستوري ‪ 1970‬و‪ ، 1972‬غري أنه‪ ،‬وابتداء من دستور ‪1992‬‬
‫ومبوجب فصله ‪ ، 59‬أصبح الربانمج احلكومي‪ ،‬إضافة إىل املناقشة‪ ،‬يصوت عليه‪ ،‬وهو ما كرسه بعد ذلك دستور ‪ 1996‬مبوجب فصله‬
‫‪ ،60‬وكرسه أيضا الدستور احلايل مبوجب الفصل ‪ 88‬منه‪.‬‬
‫‪ -4‬مل يفعل "ملتمس الرقابة" يف اتريخ احلياة الربملانية إال مرتني اثنتني‪ :‬األوىل بتاريخ ‪ 15‬يونيو ‪ 1964‬ضد حكومة أمحد ابحنيين يف‬
‫نطاق دستور ‪ ،1962‬والثانية بتاريخ ‪ 14‬مايو ‪ 1990‬ضد حكومة عز الدين العراقي يف نطاق دستور ‪ .1972‬تنظر الواثئق الكاملة‬
‫ِّ‬
‫‪5‬املتعلقة مبلتمسي الرقابة املذكورين يف‪ :‬ملتمس الرقابة‪ ،‬عبد العزيز ّ‬
‫املسيوي‪ ،‬الرابط ‪.2000‬‬
‫‪ -‬لتثبيت هذا التوجه الذي جيعل من مناقشة مشروع قانون املالية السنوي مناسبة ملناقشة السياسات العمومية للحكومة‪ ،‬دأب جملس‬
‫النواب على النص يف نظامه الداخلي على أن منـاقشة مشروع قانـون املاليـة داخل اللجان الدائمة تبتدئ ابالستماع إىل وزير املالية‬
‫الذي يقدم بياانت إضافية حول املشروع‪ ،‬مث يشرع يف مناقشة عامة للميزانية وللسياسة احلكومية‪[ .‬تنظر مثال‪ :‬املادة ‪ 175‬من النظام‬
‫الداخلي جمللس النواب لفاتح أغسطس ‪.]2013‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ISSN: 2820-7270‬‬ ‫دفاتر برلمانية‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬عدد مزدوج ‪ 1‬و‪ ،2‬أكتوبر ‪2022‬‬

‫ومما سبق‪ ،‬يظهر كيف أن الربملان كان تواقا بشدة ويتحني كل الفرص املتاحة أمامه ليجعل من تلك‬
‫املناسبات مدخال ملناقشة السياسيات العمومية وتقييمها‪ ،‬إال أن ذلك كله مل ميكنه من ممارسة هذه املناقشة‬
‫والتقييم على حنو ما جيري به العمل الربملاين يف األنظمة الدميقراطية‪.‬‬
‫وهو األمر الذي يفسر كيف كان مطلب إضافة تقييم السياسات العمومية‪ ،‬ابعتباره صالحية أصيلة‬
‫للربملان‪ ،‬حاضرا بقوة يف جل املذكرات اليت رفعتها األحزاب السياسية واملنظمات النقابية إىل اللجنة‬
‫االستشارية ملراجعة الدستور‪ .‬وعلى سبيل املثال ال احلصر‪ ،‬ميكن اإلشارة إىل أن توجهات مذكرة حزب‬
‫العدالة والتنمية حول اإلصالحات الدستورية كانت واضحة يف تطلعها إىل إقرار دميقراطية قائمة على برملان‬
‫ذي مصداقية بصالحيات واسعة؛ وألجل ذلك‪ ،‬طالبت بتوسيع االختصاصات التشريعية والرقابية للربملان‬
‫ورفع فعاليته‪ ،‬وذلك ابلتنصيص الدستوري على إسناد صالحية "تقييم السياسات العمومية للربملان"‪ .6‬والتوجه‬
‫ذاته ابلنسبة ملذكرة حزب االحتاد االشرتاكي بشأن مراجعة الدستور‪ ،‬اليت كانت بدورها صرحية يف اقرتاح أن‬
‫يقوم الربملان‪ ،‬إضافة إىل التشريع ومراقبة األداء العمومي للحكومة‪ ،‬بتقييم السياسات العمومية‪.7‬‬
‫وهكذا‪ ،‬وابإلضافة إىل أن دستور ‪ّ 2011‬قوى سلطة الربملان على مستوى منح الثقة للحكومة‪،‬‬
‫عندما نقل تصويت جملس النواب على الربانمج احلكومي من تصويت سليب‪ ،‬كان يكفي فيه عدم تصويت‬
‫األغلبية املطلقة لألعضاء الذين يتألف منهم جملس النواب ضد الربانمج احلكومي لتنال احلكومة الثقة‬
‫الربملانية‪ 8،‬إىل تصويت إجيايب يفرض أن ال حتصل احلكومة على تلك الثقة الربملانية إال بتصويت األغلبية‬
‫املطلقة لألعضاء الذين يتألف منهم جملس النواب لصاحل الربانمج احلكومي‪ ،9‬أعقب املشرع الدستوري‬
‫ذلك ودعمه إبسناد هذه الصالحية اجلديدة إىل الربملان‪ ،‬وابلتايل جعل تلك الثقة الربملانية‪ ،‬إعماال للمبدأ‬
‫الدستوري "ربط املسؤولية ابحملاسبة"‪ ،10‬متبوعة ابلضرورة ووجواب بلحظة تقييم مجاعي مشرتك للربانمج‬
‫احلكومي بني الربملان مانح الثقة وبني احلكومة املستفيدة منها؛ إذ‪ ،‬وطبقا للفصل ‪ 101‬من الدستور‪ ،‬من‬
‫جهة‪ ،‬جيب على رئيس احلكومة أن يعرض أمام الربملان احلصيلة املرحلية لعمل احلكومة‪ ،‬إما مببادرة منه‪،‬‬
‫أو بطلب من ثلث أعضاء جملس النواب‪ ،‬أو من أغلبية أعضاء جملس املستشارين‪ ،‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫جيب على الربملان أن خيصص جلسة سنوية ملناقشة السياسات العمومية وتقييمها‪.‬‬

‫‪ -6‬مذكرة حزب العدالة والتنمية حول اإلصالحات الدستورية مؤرخة يف ‪ 29‬مارس ‪( 2011‬وثيقة)‪ ،‬البند رقم ‪ 3‬من الفقرة رقم ‪ ،2‬من‬
‫رابعا من ‪ -III‬التوجهات التفصيلية‪ 10 ،‬صفحات‪.‬‬
‫‪ -7‬مذكرة تصور واقرتاحات االحتاد االشرتاكي للقوات الشعبية بشأن مراجعة الدستور (وثيقة)‪ ،‬البند السابع واألخري من املطالب‬
‫العامة املتعلقة ابلربملان‪ 8 ،‬صفحات‪.‬‬
‫‪ -8‬كان الفصل ‪ 60‬من دستور ‪ 1996‬ينص على أن يتقدم الوزير األول أمام كل من جملسي الربملان بعد تعيني امللك ألعضاء احلكومة‬
‫ويعرض الربانمج الذي يعتزم تطبيقه‪ ،‬وعلى أن يكون الربانمج املشار إليه أعاله موضوع مناقشة أمام كال اجمللسني ويتلو مناقشته يف‬
‫جملس النواب تصويت جيب أن يقع وفق الشروط املنصوص عليها يف الفقرتني الثانية والثالثة من الفصل ‪ 75‬ويرتتب عليه األثر املشار‬
‫إليه يف الفقرة األخرية منه‪ .‬وكانت الفقرة الثانية من الفصل ‪ 75‬تنص على أنه "ال ميكن سحب الثقة من احلكومة أو رفض النص إال‬
‫ابألغلبية املطلقة لألعضاء الذين يتألف منهم جملس النواب"‪ .‬واملعىن أن احلكومة كان يكفيها لتنال ثقة جملس النواب أن ال يصوت‬
‫ضد الربانمج تلك األغلبية املوصوفة‪.‬‬
‫‪ -9‬ينص الفصل ‪ 88‬من دستور ‪ 2011‬ينص أن احلكومة تعترب منصبة بعد حصوهلا على ثقة جملس النواب‪ ،‬املعرب عنها بتصويت‬
‫األغلبية املطلقة لألعضاء الذين يتألف منهم‪ ،‬لصاحل الربانمج احلكومي‪.‬‬
‫‪ -10‬تنص الفقرة الثانية من الفصل األول من الدستور على أن النظام الدستوري للمملكة املغربية يقوم على أساس فصل السلط‪،‬‬
‫وتوازهنا وتعاوهنا‪ ،‬والدميقراطية املواطنة والتشاركية‪ ،‬وعلى مبادئ احلكامة اجليدة‪ ،‬وربط املسؤولية ابحملاسبة‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫رشيد المدور‬ ‫المغرب للسياسات العمومية‪ :‬دالالته وآلياته وإشكالياته‬
‫ري‬ ‫البلمان‬
‫تقييم ر‬

‫املطلب الثاين‪ :‬تقييم السياسات العمومية كأفق للتعاون بي السلطتي التشريعية والتنفيذية‬
‫كما سبق‪ ،‬فإن إسناد هذه الصالحية اجلديدة أييت جتسيدا ملفهوم املشرع الدستوري املرن ملبدأ فصل‬
‫السلط القائم على توازهنا وتعاوهنا‪ ،‬مما يقتضي أن تكون ممارسة الربملان هلا يف إطار هذا املفهوم املرن‪.‬‬
‫إن صالحية تقييم السياسات العمومية وإن جاءت تعزيزا لدور الربملان يف جمال مراقبة أعمال احلكومة‪،‬‬
‫ودعما له‪ ،11‬مما جيعلها تبدو وكأهنا مشتقة من الوظيفة الرقابية للربملان على أعمال احلكومة‪ ،‬فإن املشرع‬
‫الدستوري حرص على إظهار استقاللية هذه الصالحية عن الوظيفة الرقابية‪ ،‬واختالفها عنها من حيث‬
‫األهداف والغاايت‪ ،‬وقد توخى املشرع الدستوري من ذلك التأكيد على املفهوم اجلديد ملوقع الربملان يف‬
‫حتول إىل سلطة‪ ،‬جمرد مؤسسة‬ ‫بنية النظام السياسي وممارسة السلطة فيه‪ ،‬وعلى كون الربملان مل يعد‪ ،‬بعد أن َّ‬
‫تقوم ابلتشريع والرقابة‪ ،‬وإمنا أضحى شريكا مسؤوال إىل جانب السلطة التنفيذية على إجناح السياسات‬
‫العمومية‪ ،‬يف إطار مقومات النظام الدستوري للملكية املغربية القائمة على أساس فصل السلط‪ ،‬وتوازهنا‬
‫وتعاوهنا‪ ،‬والدميقراطية املواطنة والتشاركية‪ ،‬وعلى مبادئ احلكامة اجليدة‪ ،‬وربط املسؤولية ابحملاسبة‪.‬‬
‫وهذا املعىن التعاوين بني الربملان واحلكومة عند ممارسة الربملان صالحية تقييم السياسات العمومية‪،‬‬
‫هو ما حرصت احملكمة الدستورية على أتكيده حني بتها يف دستورية املادة ‪ 290‬من النظام الداخلي‬
‫جمللس النواب ‪ 8‬أغسطس ‪ 2017‬اليت نصت على أ ْن حيسم مكتب جملس النواب يف اختيار موضوع‬
‫التقييم بناء على دراسة قابلية املواضيع املقرتحة للتقييم وفق املعايري السياسية والتقنية والسياقية‪ .‬ويعد‬
‫مكتب اجمللس انتدااب لتقييم السياسة أو الربانمج العمومي املقرتح‪ ،‬حيدد من خالله أسباب التقييم ورهاانته‬
‫وغاايته‪ ،‬وكذلك حميطه ونوعيته واألسئلة التقييمية األساسية الضابطة له‪ .‬مث يدعو إىل تشكيل جمموعة‬
‫عمل موضوعاتية لتتبع إجناز التقييم يف املوضوع الذي حدده ووفق االنتداب الذي أعده؛ إذ أكدت‬
‫احملكمة الدستورية على ضرورة إخبار الربملان املبكر للحكومة بكل ما يتعلق ابختيار السياسة العمومية‬
‫اليت ستكون موضوع التقييم الربملاين‪ ،‬ورهاانت هذا التقييم وأسبابه وغاايته وحميطه وكذلك نوعيته واألسئلة‬
‫التقييمية اجلوهرية اليت تؤطره‪ .‬ولتحقيق هذا الغرض‪ ،‬استعملت احملكمة الدستورية تقنية التحفظ التأويلي‬
‫أو املوافقة املشروطة بتفسري بناء‪ ،‬فصرحت أبن هذه املادة "ليس فيه ما خيالف الدستور‪ ،‬مع مراعاة إخبار‬
‫احلكومة مبوضوع التقييم لتمكينها من التحضري للجلسة السنوية املخصصة ملناقشة السياسات‬
‫العمومية"‪.12‬‬
‫ولعل التعبري الصريح عن هذه الشراكة املسؤولة بني السلطة التشريعية والتنفيذية هو ما جاء يف الفصل‬
‫‪ 77‬من الدستور‪ ،‬عندما نص صراحة على أن الربملان أضحى ‪-‬كما احلكومة‪ -‬يسهر على احلفاظ على‬
‫توازن مالية الدولة‪ ،‬أي أنه مل يعد ميارس مهمة دراسة امليزانية السنوية ومناقشتها وإدخال ما يراه من‬
‫تعديالت مناسبة عليها مث يصوت عليها مبنطق االجتهاد يف كسب التأييد الشعيب دون األخذ ابالعتبار‬
‫اإلمكاانت احلقيقية للدولة‪ ،‬بل أصبح ميارس كل ما سبق ذكره‪ ،‬مبنطق املمكن واملتاح‪ ،‬أي‪ :‬أنه يوازن بني‬
‫التطلعات وإمكاانت الواقع‪ ،‬وال يطالب ابملستحيل ومبا ال تقدر أي حكومة على حتقيقه‪ ،‬يف ظل الظروف‬
‫‪" -11‬وتعميقا لدور الربملان يف جمال مراقبة احلكومة‪ ،‬فقد مت تدعيمه دستوراي‪ ،‬ليتوىل مهمة تقومي السياسات العمومية"‪ .‬من خطاب‬
‫امللك مبناسبة افتتاح الدورة األوىل من السنة التشريعية الثانية من الوالية التشريعية التاسعة بتاريخ اجلمعة ‪ 12‬أكتوبر ‪ .2012‬انبعاث‬
‫أمة‪ ،‬اجلزء ‪( 57‬القسم الثاين)‪ ،‬منشورات القصر امللكي‪ ،‬الرابط ‪ ،2012‬ص‪.255 .‬‬
‫‪ -12‬قرار احملكمة الدستورية رقم‪ 17/37 :‬بشأن النظام الداخلي ملـجلس الـنواب لـ ‪ 8‬أغسطس ‪ ،2017‬الصادر بتاريخ ‪ 11‬سبتمرب‪.2017‬‬
‫‪10‬‬
‫‪ISSN: 2820-7270‬‬ ‫دفاتر برلمانية‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬عدد مزدوج ‪ 1‬و‪ ،2‬أكتوبر ‪2022‬‬

‫نفسها‪ ،‬لو قدر على سحب الثقة من احلكومة احلالية‪ ،‬وأعطاها حلكومة جديدة من اختياره‪ ،‬وهنا‪ ،‬ويف‬
‫هذه احلالة‪ ،‬ميكننا أن نتحدث عن مفهوم "الربملان املواطن"‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن املمارسة املسؤولة لصالحية الربملان يف تقييم السياسات العمومية جتعلها بعيدة عن‬
‫األجواء املشحونة واملتوترة اليت متارس فيها عادة اآلليات الرقابية‪ ،‬خاصة تلك اليت ترتتب عنها إاثرة‬
‫املسؤولية السياسية احلكومية‪ ،‬حيث تكون "الرغبة يف االنتصار" أو "اخلوف من اهلزمية" هي السمة الغالبة‬
‫أثناء املمارسة‪ .‬ويف مقابل ذلك‪ ،‬فإن األجواء اليت يفرتض أن متر فيها ممارسة تقييم السياسات العمومية‬
‫‪-‬كوهنا ال تثري املسؤولية السياسية للحكومة‪ -‬ينبغي أن تكون إجيابية وهادئة مطبوعة بطابع التعاون بعيدة‬
‫عن منطق الربح واخلسارة مبعنامها احلزيب السياسي الضيق؛ ألن النجاح يف هذا التقييم اجلماعي املشرتك‬
‫بني الربملان واحلكومة‪ ،‬من حيث هو مترين دميقراطي‪ ،‬سيكون جناحا للوطن أوال وأخريا‪.‬‬
‫وأكثر من ذ لك‪ ،‬فإن موضوع تقييم السياسات العمومية من القضااي اليت تستوجب التعاون ليس‬
‫فقط بني اجمللس الربملاين املعين بتقييم سياسات عمومية ما واحلكومة وإمنا أيضا التنسيق والتكامل بني‬
‫جملسي الربملان معا‪ .‬وهذا الذي جعل اجمللس الدستوري يصرح يف قرار له أبن انفراد جملس النواب بتحديد‬
‫القطاعات اليت يشملها سنواي تقييمه لسياساهتا العمومية‪ ،‬كما جاء يف املادة ‪ 151‬من نظامه الداخلي‪،‬‬
‫يعد خمالفا للدستور الذي يستفاد مما تنص عليه الفقرة الثانية من فصله ‪ 101‬من أنه "ختصص جلسة‬
‫سنوية من قبل الربملان ملناقشة السياسات العمومية وتقييمها"‪ ،‬أن هذه اجللسة حتدد بتنسيق وتكامل بني‬
‫جملسي الربملان وليس إبرادة منفردة من أحد اجمللسني‪.13‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تقييم السياسات العمومية من مقومات احلكامة اجليدة‬
‫ومن الدالالت أيضا‪ ،‬أن إسناد وظيفة تقييم السياسيات العمومية للربملان يصبح آلية دستورية أخرى‬
‫لتحقيق "مبادئ احلكامة اجليدة" اليت تعترب‪ ،‬طبقا للفصل األول من الدستور‪ ،‬من األسس اليت يقوم عليها‬
‫النظام الدستوري للمملكة؛ إذ ال خيفى أن عملية تقييم للسياسات العمومية ستفضي ال حمالة إىل‬
‫استنتاجات وتقدمي توصيات إىل احلكومة تكون مفيدة هلا لتدارك النقائص‪ ،‬وإصالح األعطاب‪ ،‬وجتاوز‬
‫اختالالت املمارسة‪ .‬وهذا املعىن هو ما أشار إليه امللك حممد السادس يف خطابه مبناسبة افتتاح الدورة‬
‫ا لتشريعية‪ ،‬عندما قال‪ :‬إبن اختصاص الربملان بتقييم السياسات العمومية سيفتح "آفاقا واعدة أمام إمكانية‬
‫إدخال التعديالت املالئمة والضرورية على الربامج‪ ،‬يف الوقت املناسب‪ ،‬وذلك من أجل ضمان حسن‬
‫سريها وإجناحها"‪.14‬‬
‫وهو املعىن ذاته الذي استحضره جملس النواب عندما أراد أن حيدد غاايت اجمللس من ممارسة هلذه‬
‫الصالحية؛ إذ نصت املادة ‪ 288‬من نظامه الداخلي على أن تقييم السياسات العمومية يهدف إىل "إجناز‬
‫أحباث وحتاليل دقيقة‪ ،‬هبدف التعرف على نتائج السياسات والربامج العمومية‪ ،‬وقياس آاثرها على الفئات‬
‫املعنية وعلى اجملتمع‪ ،‬كما يهدف إىل معرفة مستوى اإلجناز الذي مت حتقيقه‪ ،‬قياسا ابألهداف املرسومة‪،‬‬

‫‪ -13‬قرار اجمللس الدستوري رقم‪ 12/829 :‬بشأن النظام الداخلي ملـجلس الـنواب لـ ‪ 12‬يناير ‪ ،2012‬الصادر بتاريخ ‪ 04‬فرباير ‪.2012‬‬
‫‪ -14‬اخلطاب امللكي مبناسبة افتتاح الدورة األوىل من السنة التشريعية الثانية من الوالية التشريعية التاسعة بتاريخ اجلمعة ‪ 12‬أكتوبر‬
‫‪ .2012‬انبعاث أمة‪ ،‬اجلزء ‪( 57‬القسم الثاين)‪ ،‬منشورات القصر امللكي‪ ،‬الرابط ‪ ،2012‬ص‪.255 .‬‬
‫‪11‬‬
‫رشيد المدور‬ ‫المغرب للسياسات العمومية‪ :‬دالالته وآلياته وإشكالياته‬
‫ري‬ ‫البلمان‬
‫تقييم ر‬

‫وحتديد العوامل اليت مكنت من بلوغ تلك األهداف‪ .‬وذلك بغاية إصدار توصيات وتقدمي اقرتاحات‬
‫بشأن التحسينات اليت ميكن إدخاهلا على السياسة العمومية موضوع التقييم"‪.‬‬
‫إن ما متت اإلشارة إليه آنفا من أن املشرع الدستوري حرص على إظهار استقاللية وظيفة تقييم‬
‫السياسات العمومية ومتييزها عن الوظيفتني التشريعية والرقابية للربملان‪ ،‬ال يعين ذلك االستقالل احلاد‬
‫املؤدي إىل القطيعة بينها‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬حرص على إبراز عالقة التالزم والتكامل بني كل‬
‫هذه الوظائف؛ إذ ال ريب أن إضافة اختصاص تقييم السياسات العمومية للربملان سيكون داعما لوظيفتيه‬
‫يف الرقابة والتشريع‪ ،‬ذلك أن النتائج املتحصلة من تقييم أي سياسية عمومية ميكن اإلفادة منها وتوظيفها‬
‫يف الرقابة على عمل السلطة التن فيذية‪ ،‬كما أهنا ميكن أن تؤدي إىل مراجعة التشريعات املعنية ابلسياسة‬
‫العمومية موضوع التقييم إما ابلتغيري أو اإلمتام أو اإللغاء‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪:‬‬
‫آليات ممارسة الربملان لصالحية تقييم السياسات العمومية‬
‫مل يكتف املشرع الدستوري إبقرار هذه الصالحية اجلديدة املتعلقة بتقييم السياسات العمومية‪ ،‬وإمنا‬
‫عمل‪ ،‬من أجل تفعيلها‪ ،‬على وضع وحتديد عدد من اآلليات الدستورية املتنوعة واجلديدة املساعدة على‬
‫ممارستها إما بصفة مباشرة أو بصفة غري مباشرة منها‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اجللسة السنوية ملناقشة السياسات العمومية وتقييمها‬
‫لعل أبرز آلية وضعها املشرع الدستوري ملمارسة الربملان لصالحيته يف تقييم السياسات العمومية ومناقشتها‪:‬‬
‫اجللسة الربملانية السنوية املخصصة ملناقشة السياسات العمومية وتقييمها‪ ،‬حيث نص يف الفقرة األخرية من‬
‫"ختصص جلسة سنوية من قبل الربملان ملناقشة السياسات العمومية وتقييمها"‪.‬‬ ‫الفصل ‪ 101‬على وجوب أن ُ‬
‫وتفعيال هلذا املقتضى الدستوري‪ ،‬نص جملس النواب يف املادة ‪ 287‬من نظامه الداخلي‪ 15‬على أنه‬
‫سيخصص ملمارسة صالحيته يف تقييم السياسات العمومية جلسة سنوية ملناقشة السياسات العمومية اليت‬
‫قام بتقييمها‪ .‬ونظري ذلك جنده أيضا عند جملس املستشارين مبوجب املادة ‪ 308‬من نظامه الداخلي‬
‫(‪ .)2020‬وهذا التصريح من النظامني الداخليني اباللتزام بتخصيص كل من جملسي الربملان جللسة سنوية‬
‫لتقييم السياسات العمومية يتطابق مع داللة النص الدستوري اليت تفيد الوجوب‪.‬‬
‫أما ابلنسبة للفرتة الزمنية اليت ستعقد فيها هذه اجللسات السنوية املخصصة ملناقشة السياسات‬
‫العمومية وتقييمها‪ ،‬فلئن كان نظام جملس النواب لفاتح أغسطس ‪ 2013‬قد حددها‪ ،‬مبوجب مادته ‪،211‬‬
‫يف "النصف األول من دورة أبريل"‪ ،‬وهي الفرتة ذاهتا اليت قررها جملس املستشارين‪ ،‬مبوجب املادة ‪ 264‬من‬
‫نظامه الداخلي‪ ،16‬إال أن جملس النواب أغفل هذا التحديد الزمين كما يظهر من املادة ‪ 287‬من نظامه‬
‫لسنة ‪ ،2017‬وهو ما تبعه فيه جملس املستشارين‪ ،‬كما تدل املادة ‪ 315‬من نظامه الداخلي لسنة ‪.172020‬‬

‫‪ -15‬النظام الداخلي جمللس النواب لـ ‪ 8‬أغسطس ‪ ،2017‬كما مت تعديله بتاريخ ‪ 16‬أكتوبر ‪.2017‬‬
‫‪ -16‬النظام الداخلي جمللس املستشارين يوليو ‪.2014‬‬
‫‪ -17‬النظام الداخلي جمللس املستشارين يونيو ‪.2020‬‬
‫‪12‬‬
‫‪ISSN: 2820-7270‬‬ ‫دفاتر برلمانية‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬عدد مزدوج ‪ 1‬و‪ ،2‬أكتوبر ‪2022‬‬

‫وملا أراد جملس النواب وضع إجراءات تفعيل أحكام الفقرة الثانية من الفصل ‪ 101‬من الدستور‪ ،‬نص‬
‫يف املادة ‪ 48‬من نظامه الداخلي لـ ‪ 12‬يناير ‪ 2012‬على أنه ميكن للجان الدائمة مبجلس النواب أن‬
‫ختصص اجتماعات لتقييم السياسات العمومية للقطاعات اليت تدخل ضمن اختصاصاهتا‪ .‬لكن اجمللس‬
‫الدستوري‪ ،‬حني فحصه للمادة ‪ 48‬املذكورة‪ ،‬صرح أبن ما تتضمنه هذه املادة من إمكان تقييم السياسات‬
‫العمومية يف إطار اللجان الدائمة خما لف للدستور؛ ألن الذي يستفاد من الفقرة الثانية من الفصل ‪101‬‬
‫من الدستور‪ ،‬اليت تنص على ختصيص جلسة سنوية من قبل الربملان ملناقشة السياسات العمومية وتقييمها‪،‬‬
‫أن مناقشة السياسات العمومية وتقييمها يتم من قبل جملسي الربملان يف جلسات عمومية تعقد يف نفس‬
‫الفرتة وليس يف نطاق اللجان الربملانية الدائمة‪ ،‬مما يكون معه ما تتضمنه هذه املادة من إمكان تقييم‬
‫السياسات العمومية يف إطار اللجان الدائمة خمالفا للدستور‪.18‬‬
‫وقد اعترب حسن طارق‪ ،‬يف تعليقه على هذا القرار‪ ،‬أن قراءة اجمللس الدستوري للفصل ‪" 101‬توضح‬
‫بشكل جلي حدود االنتقال من منظومة برملانية رقابية تقليدية إىل منظومة برملانية تقييمية وحديثة"‪،‬‬
‫وسع من أتويل هذه‬ ‫وذلك على اعتبار أن جملس النواب‪ ،‬من خالل املادة ‪ 48‬من نظامه الداخلي‪َّ ،‬‬
‫الصالحية املتعلقة ابلتقييم‪ ،‬جبعله من صالحية اللجان الدائمة جمللس النواب‪ ،‬أن ختصص اجتماعات‬
‫لتقييم السياسات العمومية للقطاعات اليت تدخل ضمن اختصاصاهتا‪ .‬لكن قراءة اجمللس الدستوري للفصل‬
‫‪19‬‬
‫‪ 101‬حالت دون ذاك االنتقال املشار إليه؛ ألنه اعترب أن الصالحية املمنوحة للجان خمالفة للدستور‪.‬‬
‫السعيد حني اعترب أن توجه اجمللس الدستوري يف قراره املذكور يندرج يف "عوائق‬ ‫واتبعه يف ذلك‪ ،‬أمني ّ‬
‫التحول الربملاين يف تقييم السياسات العمومية"؛ ألنه "تشدد يف مقاربته النصية واملعيارية"‪ ،‬وتعامل "بشكل‬
‫حذر‪ ،‬حيث تشبت يف اجتهاده مبنطق نصي معياري ضيق‪ ،‬وحرص أن ال خيرج عن احلدود الدستورية‬
‫دون أن جيتهد يف البحث عن مقاصد روح دستور ‪ 20."2011‬وذهب طه حلميداين‪ ،‬أبعد من ذلك‪،‬‬
‫‪21‬‬
‫فوصف تعليل اجمللس الدستوري‪ ،‬أبنه "تربير مل يراع ال روح الدستور‪ ،‬وال التجارب الدستورية املقارنة"‪.‬‬
‫أعتقد أن األمر خالف ذلك متاما؛ ألنه مبوجب منطوق الفقرتني األوىل والثالثة من الفصل ‪ 68‬من‬ ‫و ُ‬
‫الدستور‪ ،‬فإن األصل يف اجتماعات اللجان الربملانية أن تكون يف جلسات سرية‪ ،‬وال يعدل عن هذا‬
‫األصل لتصري علنية إال يف احلاالت والضوابط اليت حيددها النظام الداخلي لكل من جملسي الربملان‪ ،‬وتبعا‬
‫لذلك‪ ،‬ال تنشر احملاضر التفصيلية الجتماعات اللجان يف اجلريدة الرمسية‪ .‬أما جلسات جملسي الربملان‬
‫فعمومية‪ ،‬وينشر حمضر مناقشات اجللسات العامة برمته يف اجلريدة الرمسية للربملان‪ .‬وما من شك‪ ،‬أن تقييم‬
‫السياسات العمومية الذي جيري على مستوى اجللسات العامة للربملان يكون أكثر قوة وأتثري من الذي‬
‫ميكن أن يكون يف اجتماعات اللجان الربملانية السرية‪.‬‬

‫‪ - 18‬قرار اجمللس الدستوري رقم‪ 12/829 :‬بشأن النظام الداخلي جمللس النواب ‪ 12‬يناير ‪ ،2012‬الصادر بتاريخ ‪ 4‬فرباير ‪.2012‬‬
‫اجلريدة الرمسية‪ :‬عدد ‪ ،6021‬بتاريخ ‪ 13‬فرباير ‪ :2012‬ص‪.655 .‬‬
‫‪ -19‬السياسات العمومية‪ :‬مفاهيم وتطبيقات‪ .)2014( .‬حسن طارق‪ ،‬ضمن‪ :‬مبادئ ومقارابت يف تقييم السياسات العمومية‪.‬‬
‫سلسلة شباب من أجل الدميقراطية‪ ،‬الرابط‪ :‬الوسيط من أجل الدميقراطية وحقوق اإلنسان‪ .‬ص‪.31 .‬‬
‫‪ -20‬التوازن بي السلطات يف النظام الدستوري املغريب‪ ،‬أمني السعيد‪ ،2019 ،‬ص ص‪.310-309 .‬‬
‫‪" -21‬الربملان املغريب واجرتاح تقييم السياسات العمومية"‪ ،‬طه حلميداين‪ ،‬اجمللة املغربية للتدقيق والتنمية‪ ،‬ع‪ ،)2012( 33 .‬ص‪.73 .‬‬
‫‪13‬‬
‫رشيد المدور‬ ‫المغرب للسياسات العمومية‪ :‬دالالته وآلياته وإشكالياته‬
‫ري‬ ‫البلمان‬
‫تقييم ر‬

‫وأتسيسا عليه‪ ،‬فإن جملس النواب حني رخص للجانه الدائمة ختصيص بعض اجتماعاهتا لتقييم‬
‫ضيّق واسعا‪،‬‬ ‫السياسات العمومية مل يوسع من أتويل هذا االختصاص‪ ،‬بل العكس من ذلك‪ ،‬يكون قد َ‬
‫"ختصص جلسة سنوية من‬ ‫وأضعف من قوة هذه اآللية التقييمية؛ ألن املشرع الدستوري ملا نص على أ ْن ُ‬
‫قبل الربملان ملناقشة السياسات العمومية وتقييمها" يكون قد وسع من ممارسة هذا االختصاص؛ إذ املناقشة‬
‫يف عرف استعماله تكون على مستوى اجللسات العامة العمومية اليت ينشر حمضرها برمته يف اجلريدة الرمسية‬
‫للربملان‪ ،‬األمر الذي يكون معه املشرع الدستوري هو من وسع صالحية الربملان يف ممارسة صالحية تقييم‬
‫السياسات العمومية؛ ألن جعل هذا التقييم واملناقشة يكون على مستوى اجتماعات اللجان السرية يشكل‬
‫قيدا آخر من قيود العقلنة الربملانية‪ ،‬وانتصارا صرحيا للمنظومة الربملانية بشكلها التقليدي‪ .‬أما من عمل‬
‫على جعل تقييم السياسات العمومية جيري على مستوى اجللسات العامة‪ ،‬فهو احلريص على االنتقال‬
‫إىل منظومة برملانية تقييمية حديثة‪ .‬وتبعا لذلك‪ ،‬يكون "تشدد" اجمللس الدستوري يف التمسك مبنطوق‬
‫الفصل ‪ 101‬تشددا يف اجتاه تقوية مكانة الربملان يف النظام السياسي املغريب‪ ،‬والتخفيف من قيود العقلنة‬
‫الربملانية‪ ،‬ومها مستان من السمات األساسية لدستور ‪.2011‬‬
‫أما على مستوى املمارسة الربملانية‪ ،‬فتتعني اإلشارة إىل أن الربملان املغريب مارس هذه الصالحية منذ‬
‫إقراره مبوجب دستور ‪ 29‬يوليو ‪ 2011‬إىل حدود اترخيه أحد عشر مرة فقط‪ ،‬ثالثة جمللس النواب ومثانية‬
‫جمللس املستشارين‪.‬‬
‫اب لنسبة جمللس النواب‪ ،‬فإنه مل يتمكن من القيام أبول مترين عملي ملمارسة صالحية التقييم إال يف‬
‫أواخر الفرتة التشريعية األوىل اليت تلت صدور األمر بتنفيذ الدستور‪ ،‬وكان ذلك يف الدورة الربيعية (دورة‬
‫أبريل ‪ )2016‬من السنة التشريعية اخلامسة (‪)2016-2011‬؛ حيث اختار أن تكون أول عملية تقييم‬
‫على السياسات العمومية املنجزة يف جمال التنمية القروية‪ ،‬وأحدث هلذا الغرض‪ ،‬مبوجب املادة ‪ 290‬من‬
‫نظامه الداخلي‪ ،‬جلنة موضوعاتية خاصة‪ ،‬اختارت بدورها أن جترب عملية التقييم وحتصرها يف برانجمني‬
‫للتجهيز بشبكات الكهرابء واملاء الصاحل للشرب اللذين ينفذمها املكتب الوطين للماء الصاحل للشرب‬
‫والكهرابء ومها‪ :‬الربانمج الوطين لتزويد العامل القروي ابملاء الصاحل للشرب؛ وبرانمج الكهربة القروية‬
‫الشمويل‪ .‬وهكذا‪ ،‬وبعد أن قامت جمموعة العمل املوضوعاتية املسؤولة عن تقييم الربانجمني املذكورين‬
‫بصياغة األسئلة التقييمية‪ ،‬وحتديد املعايري املستخدمة يف كل منهما لتقييم النجاحات أو صعوابت التنفيذ‪،‬‬
‫املعززة بتحليل املعاينات النوعية والكمية‪ ،‬مت عرض التقريرين‬
‫مما أسفر عن عدد من اخلالصات والتوصيات َّ‬
‫املتعلقني بتقييم الربانجمني وجرت مناقشتهما مبشاركة احلكومة‪ ،‬يف جلسة عمومية جمللس النواب بتاريخ ‪3‬‬
‫أغسطس ‪ .222016‬واجللسة الثانية املتعلقة بتقييم السياسيات العمومية‪ ،‬فكانت بتاريخ ‪ 24‬أبريل‬
‫‪ ،232018‬يف دورة أكتوبر ‪ 2018-2017‬وتعلقت بتقييم مسامهة الربانمج الوطين للطرق القروية الثاين يف‬
‫فك العزلة عن املناطق اجلبلية‪ ،‬أما اجللسة الثالثة‪ ،‬فكانت بتاريخ ‪ 15‬يونيو ‪ ،2021‬وتعلقت ابلسياسات‬
‫العمومية املتعلقة ابلتعليم األويل‪.‬‬

‫‪ -22‬اجلريدة الرمسية للربملان‪ :‬نشرة مداوالت جملس النواب‪ ،‬العدد ‪ ،27‬الصادر بتاريخ ‪ 15‬أغسطس ‪ ،2016‬ص‪.2437 .‬‬
‫‪ -23‬اجلريدة الرمسية للربملان‪ :‬نشرة مداوالت جملس النواب‪ ،‬العدد ‪ ،59‬الصادر بتاريخ ‪ 28‬أبريل ‪ ،2018‬ص‪.3429 .‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ISSN: 2820-7270‬‬ ‫دفاتر برلمانية‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬عدد مزدوج ‪ 1‬و‪ ،2‬أكتوبر ‪2022‬‬

‫ومن اخلالصات اليت توصل إليها جملس النواب بعد تلك التجارب األوىل‪ ،‬ابعتباره شريكا حموراي يف‬
‫تدبري تقييم السياسات العمومية‪ ،‬أن احلاجة صارت ماسة إىل مالءمة هيكلة إدارة اجمللس مع هذه الصالحية‬
‫اجلديدة‪ ،‬وألجل ذلك‪ ،‬قرر مكتب جملس النواب إدخال تعديل على املادة ‪ 6‬من قراره بشأن تنظيم‬
‫واختصاصات إدارة جملس النواب‪ ،‬إبضافة "التقييم" إىل مديرية املراقبة‪ ،‬وتصبح مديرية للمراقبة والتقييم‪ ،‬تضم‬
‫قسما خاصا بتقييم السياسات العمومية والعالقات مع املؤسسات الدستورية وهيئات احلكامة‪.24‬‬
‫أما ابلنسبة جمللس املستشارين‪ ،‬فقد متكن من إجناز مثانية مهام لتقييم السياسات العمومية‪ ،‬اجللسة‬
‫السنوية األوىل‪ ،‬انعقدت خالل السنة التشريعية ‪ 2015-2014‬بتاريخ ‪ 23‬يوليو ‪ ،2015‬وخصصها جملس‬
‫املستشارين لتقييم السياسات العمومية‪ ،‬املتعلقة ابحلكامة الرتابية ومتطلبات التنمية اجلهوية‪ .‬وكان موضوع‬
‫اجللسة السنوية الثانية املخصصة لتقييم السياسات العمومية‪ ،‬املنعقدة خالل السنة التشريعية ‪-2015‬‬
‫‪ 2016‬بتاريخ ‪ 5‬أغسطس ‪ ،2016‬يتعلق ابلسياسات العمومية املرتبطة إبنتاج الثروة‪ .‬وكان موضوع اجللسة‬
‫السنوية الثالثة‪ ،‬املنعقدة خالل السنة التشريعية ‪ 2019-2018‬من دورة أكتوبر ‪ 2018‬بتاريخ ‪ 11‬فرباير‬
‫‪ ،2019‬يتعلق ابلسياسة العمومية املرتبطة ابملرفق العمومي‪25‬؛ والرابعة كان موضوعها هو تقييم االسرتاتيجية‬
‫الوطنية للماء يف جلسة عمومية بتاريخ ‪ 9‬فرباير ‪262021‬؛ واجللسة اخلامسة حول تقييم "السياسات‬
‫العمومية حول التشغيل" بتاريخ ‪ 14‬يوليوز‪272021‬؛ والسادسة حول "األمن الغذائي" بتاريخ ‪ 18‬يوليو‬
‫‪ ،2022‬والسابعة حول "األمن الصحي" بتاريخ ‪ 19‬يوليو ‪2022‬؛ أما الثامنة‪ ،‬فخصصت ملناقشة وتقييم‬
‫السياسات العمومية املرتبطة ابلشباب يف جلسة أخرى بتاريخ ‪ 19‬يوليو ‪.282022‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬عرض احلصيلة املرحلية لعمل احلكومة أمام الربملان‬
‫من اآلليات اليت وضعها املشرع الدستوري ملمارسة الربملان لصالحيته يف تقييم السياسات العمومية‬
‫ومناقشتها‪ :‬عرض رئيس احلكومة أمام الربملان احلصيلة املرحلية لعمل احلكومة؛ وألجل ذلك‪ ،‬نص يف‬
‫الفصل ‪ 101‬من الدستور على أ ْن "يعرض رئيس احلكومة أمام الربملان احلصيلة املرحلية لعمل احلكومة‪،‬‬
‫إما مببادرة منه‪ ،‬أو بطلب من ثلث أعضاء جملس النواب‪ ،‬أو من أغلبية أعضاء جملس املستشارين"‪.‬‬
‫وهذا اإلجراء‪ ،‬كما سبقت اإلشارة إىل ذلك آنفا‪ ،‬هو من مستلزمات الثقة اليت حتصل عليها احلكومة‬
‫من جملس النواب على إثر مناقشة برانجمها‪ ،‬املتضمن للخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي احلكومة القيام‬
‫به‪ ،‬يف خمتلف جماالت النشاط الوطين‪ ،‬وابألخص يف ميادين السياسة االقتصادية واالجتماعية والبيئية‬
‫والثقافية واخلارجية؛ إذ مبوجب التصويت اإلجيايب‪ ،‬ابألغلبية املطلقة لألعضاء الذين يتألف منهم جملس‬
‫النواب‪ ،‬لصاحل الربانمج احلكومي تعترب احلكومة منصبة‪ ،‬طبقا للفصل ‪ 88‬من الدستور‪.‬‬

‫‪ -24‬مبوجب قرار مكتب جملس النواب رقم ‪ 19.06‬الصادر يف ‪ 26‬من رجب ‪ 2( 1440‬أبريل ‪ )2019‬املتمم لقرار مكتب جملس النواب‬
‫رقم ‪ 18.04‬بتاريخ ‪ 22‬من ذي احلجة ‪3( 1439‬سبتمرب ‪ )2018‬بشأن تنظيم واختصاصات إدارة جملس النواب‪ .‬اجلريدة الرمسية‪ ،‬عدد‬
‫‪ 24 - 6807‬ذو احلجة ‪ 26( 1440‬أغسطس ‪ ،)2019‬ص‪.5926 .‬‬
‫‪ -25‬اجلريدة الرمسية للربملان‪ :‬نشرة مداوالت جملس املستشارين (دورة أكتوبر ‪ ،)2018‬عدد ‪ 11‬فرباير ‪.2019‬‬
‫‪ -26‬اجلريدة الرمسية للربملان‪ :‬نشرة مداوالت جملس املستشارين (دورة أكتوبر ‪ ،)2020‬عدد ‪ 15 ،106‬مارس ‪.2021‬‬
‫‪ -27‬اجلريدة الرمسية للربملان‪ :‬نشرة مداوالت جملس املستشارين (دورة أبريل ‪ ،)2021‬عدد ‪ 27 ،116‬شتنرب ‪.2021‬‬
‫‪ -28‬حماضر هذه اجللسات الثالث األخرية (‪ 6‬و‪ 7‬و‪ )8‬مل تنشر بعد يف اجلريدة الرمسية للربملان إىل حدود اتريخ ‪ 19‬أغسطس ‪.2022‬‬
‫‪15‬‬
‫رشيد المدور‬ ‫المغرب للسياسات العمومية‪ :‬دالالته وآلياته وإشكالياته‬
‫ري‬ ‫البلمان‬
‫تقييم ر‬

‫أما على مستوى املمارسة‪ ،‬فقد مت تفعيل هذه الصالحية‪ ،‬إىل حدود اترخيه‪ ،‬ثالث مرات‪ ،‬كانت‬
‫مجيعها مببادرة من رئيس احلكومة‪:‬‬
‫األوىل‪ ،‬يف الوالية التشريعية اليت تلت صدور األمر بتنفيذ الدستور‪ ،‬أي‪ :‬الوالية التشريعية‪-2011 :‬‬
‫‪ ،2016‬حيث عقد الربملان‪ ،‬يف دورة أبريل من السنة التشريعية‪ 2013-2014 :‬بتاريخ االثنني ‪ 8‬يوليو‬
‫‪ ، 2014‬جلسة عمومية مشرتكة بني جملس النواب وجملس املستشارين خصصت لعرض رئيس احلكومة‬
‫السيد عبد اإلله ابن كريان للحصيلة املرحلية لعمل احلكومة‪ .‬مث بتاريخ ‪ 20‬يوليو ‪ ،2014‬عقد الربملان‬
‫جلسة عمومية اثنية مشرتكة لغرفتيه‪ ،‬خصصت ملناقشة عرض رئيس احلكومة للحصيلة املرحلية للحكومة‪.‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬عقد الربملان جلسة عمومية اثلثة مشرتكة بتاريخ ‪ 23‬يوليو ‪ 2014‬خصصت لالستماع لرد‬
‫رئيس احلكومة على مداخالت الفرق واجملموعات الربملانية حول احلصيلة املرحلية لعمل احلكومة‪.29‬‬
‫والثانية‪ ،‬فكانت يف الوالية التشريعية‪ ،2016-2021 :‬حني عقد الربملان‪ ،‬يف دورة أبريل ‪ 2019‬من‬
‫السنة التشريعية الثالثة بتاريخ االثنني ‪ 13‬مايو ‪ ،2019‬جلسة عمومية مشرتكة بني جملس النواب وجملس‬
‫املستشارين خصصت لعرض رئيس احلكومة السيد سعد الدين العثماين للحصيلة املرحلية لعمل احلكومة‪.‬‬
‫مث بتاريخ ‪ 22‬مايو ‪ ،2019‬عقد جملس النواب مبفرده خصصت ملناقشة عرض رئيس احلكومة للحصيلة‬
‫املرحلية للحكومة‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬عقد جملس النواب جلسة عمومية أخرى مبفرده بتاريخ ‪ 27‬مايو ‪2019‬‬
‫خصصت لالستماع لرد رئيس احلكومة على مداخالت الفرق واجملموعات النيابية حول احلصيلة املرحلية‬
‫لعمل احلكومة‪ .30‬أما جملس املستشارين‪ ،‬فقد عقد جلسته اخلاصة ابملناقشة العامة للفرق واجملموعات‬
‫الربملانية بتاريخ االثنني ‪ 3‬يونيو ‪ ،2019‬مث عقد‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬جلسة خاصة لالستماع إىل رد رئيس احلكومة‬
‫السيد سعد الدين العثماين على تلك املناقشة العامة بتاريخ األربعاء ‪ 26‬يونيو ‪.312019‬‬
‫أما الثالثة‪ ،‬وكانت بدورها يف يف الوالية التشريعية‪2016-2021 :‬؛ إذ عقد الربملان جلسة مشرتكة‬
‫بني جملسيه لالستماع على عرض رئيس احلكومة سعد الدين العثماين للحصيلة املرحلية لعمل حكومته‬
‫بتاريخ ‪ 06‬يوليوز ‪ ،2021‬وتعترب الثانية يف عهد هذه احلكومة‪ ،32‬وعقد‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬جملس النواب جلسة‬
‫خاصة به ملناقشة تلك احلصيلة ورد رئيس احلكومة عليها بتاريخ ‪ 12‬يوليوز ‪ ،2021‬فيما عقد جملس‬
‫املستشارين جلسة خاصة به ملناقشتها ورد رئيس احلكومة عليها بتاريخ ‪ 14‬يوليوز ‪.2021‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬اجللسة الشهرية املخصصة لألسئلة املتعلقة ابلسياسة العامة‬


‫مبوازاة مع ما سبق ذكره‪ ،‬فإن ما نص عليه املشرع الدستوري يف الفصل ‪ 100‬من أ ْن ُختصص جلسة‬
‫واحدة كل شهر يف كل من جملس النواب وجملس املستشارين جييب فيها رئيس احلكومة شخصيا عن‬
‫أسئلة أعضاء الربملان املتعلقة ابلسياسة العامة يندرج بدوره يف نطاق الوسائل واألدوات اليت وضعها املشرع‬
‫الدستوري رهن إشارة الربملانيني ملمارسة اختصاص تقييم السياسات العمومية وإن بطريقة غري مباشرة‪.‬‬

‫‪ -29‬حمضر هذه اجللسات ذات األرقام ابلتتابع ‪ ،182‬و‪ ،189‬و‪ 193‬لدورة أبريل ‪ 2014‬املنشورة على املوقع اإللكرتوين للربملان‪.‬‬
‫‪ - 30‬ينظر احملضر الكامل هلذه اجللسات ذات األرقام ابلتتابع ‪ ،157‬و‪ ،159‬و‪ 161‬يف حماضر مداوالت جملس النواب لدورة أبريل‬
‫‪ .2019‬اجلريدة الرمسية للربملان ‪-‬نشرة مداوالت جملس النواب‪ ،‬العددان ‪ 88‬و‪ ،89‬الصادران على التوايل بتاريخ ‪ 14‬و‪ 29‬مايو ‪.2019‬‬
‫‪ -31‬ينظر احملضر الكامل للجلستني رقم ‪ 225‬و‪ 232‬املذكورتني يف نشرة مداوالت جملس املستشارين‪ -‬دورة أبريل ‪.2019‬‬
‫‪ - 32‬اجلريدة الرمسية للربملان ‪-‬نشرة مداوالت جملس املستشارين‪ ،‬العدد ‪ 104‬بتاريخ ‪ 02‬أغسطس ‪ ،2021‬ص‪.9568 .‬‬
‫‪16‬‬
‫‪ISSN: 2820-7270‬‬ ‫دفاتر برلمانية‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬عدد مزدوج ‪ 1‬و‪ ،2‬أكتوبر ‪2022‬‬

‫وألجل أن تبقى هلذه اجللسة خصوصيتها من حيث كوهنا ال تدرج فيها إال األسئلة املتعلقة ابلسياسة‬
‫العامة؛ فإن اجمللس الدستوري ذهب إىل حد التصريح بعدم املطابقة للدستور ملا نصت عليه الفقرة األوىل‬
‫من املادة ‪ 203‬من النظام الداخلي جمللس النواب لفاتح أغسطس ‪ 2013‬من "أن جملس النواب خيصص‬
‫كل سنة أربع جلسات شهرية لألسئلة املتعلقة ابلسياسة العامة"‪ ،‬وذلك بعلة أن هذا التحديد العددي‬
‫قد يؤول إىل عقد جلسات شهرية من دون أن تكون لدى اجمللس الربملاين املعين "أسئلة تتعلق‪ ،‬يف طبيعتها‬
‫ومداها‪ ،‬ابلسياسة العامة اليت ال ميكن أن جييب عنها إال رئيس احلكومة"؛ وألجل ذلك‪ ،‬على مكتب‬
‫كل جملس من جملسي الربملان‪ ،‬قبل اإلعالن عن عقد تلك اجللسات الشهرية‪ ،‬أن يتحقق مسبقا بكون‬
‫‪33‬‬
‫األسئلة املوجهة إىل رئيس احلكومة تكتسي ابلفعل صبغة سياسة عامة‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬مناقشة الربملان لتقارير عدد من املؤسسات الدستورية‬
‫من مظاهر حتول الربملان من جمرد مؤسسة إىل سلطة تشريعية‪ ،‬وختويله آليات ممارستها إلزام املشرع‬
‫الدستوري عددا من املؤسسات واهليئات الدستورية بتقدمي عروض سنواي عن أعماهلا أمام الربملان وتكون‬
‫تلك العروض موضوع مناقشة من قبل جملسي الربملان‪ .‬ومما ال شك فيه‪ ،‬أن هذا األمر سيقوي الفرص‬
‫اليت أصبحت متاحة أمام الربملان ملناقشة السياسات العمومية ويزيدها كثرة‪.‬‬
‫ويف مقدمة هذه املؤسسات أييت اجمللس األعلى للحساابت الذي يوجه تقريرا سنواي‪ ،‬يتضمن بياان عن‬
‫مجيع أعماله‪ ،‬إىل رئيسي جملسي الربملان‪ ،‬وذلك‪ ،‬بعد أن يرفعه إىل امللك ويوجهه إىل رئيس احلكومة‪ ،‬مث‬
‫ينشر ابجلريدة الرمسية للمملكة‪ .‬وإضافة إىل ذلك‪ ،‬يُقدم الرئيس األول للمجلس األعلى للحساابت عرضا‬
‫عن أعمال هذا اجمللس أمام الربملان‪ ،‬ويكون هذا العرض متبوعا مبناقشة‪ ،‬طبقا للفصل ‪ 148‬من الدستور‪.‬‬
‫‪170‬‬ ‫وأما سائر املؤسسات الدستورية وهيئات احلكامة اجليدة املشار إليها يف الفصول من ‪ 161‬إىل‬
‫من الدستور‪ ،‬واليت مبوجب فصله ‪ 160‬تكون ملزمة بتقدمي تقرير عن أعماهلا‪ ،‬مرة واحدة يف السنة على‬
‫األقل‪ ،‬ويكون هذا التقرير موضوع مناقشة من قبل جملسي الربملان فهي‪ :‬اجمللس الوطين حلقوق اإلنسان‬
‫(الفصل ‪)161‬؛ مؤسسة الوسيط (الفصل ‪)162‬؛ جملس اجلالية املغربية ابخلارج (الفصل ‪)163‬؛ اهليأة‬
‫املكلفة ابملناصفة وحماربة مجيع أشكال التمييز (الفصل ‪)164‬؛ اهليئة العليا لالتصال السمعي البصري‬
‫(الفصل ‪)165‬؛ جملس املنافسة (الفصل ‪)166‬؛ اهليئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة وحماربتها (الفصل‬
‫‪)167‬؛ اجمللس األعلى للرتبية والتكوين والبحث العلمي (الفصل ‪)168‬؛ اجمللس االستشاري لألسرة‬
‫والطفولة (الفصل ‪)169‬؛ اجمللس االستشاري للشباب والعمل اجلمعوي (الفصل ‪.)170‬‬

‫‪ -33‬النص الكامل لتلك احليثية كما وردت يف قرار اجمللس الدستوري هو‪" :‬يف شأن املادة ‪( 203‬الفقرة األوىل)‪ :‬حيث إنه‪ ،‬لئن كان‬
‫رئيس احلكومة‪ ،‬عمال أبحكام الفقرة األخرية من الفصل ‪ 100‬من الدستور‪ ،‬يتعني عليه مبدئيا تقدمي األجوبة عن األسئلة املتعلقة‬
‫ابلسياسة العامة يف جلسة واحدة كل شهر أمام اجمللس الذي يعنيه األمر‪ ،‬فإن ذلك يرتتب عنه حضور رئيس احلكومة مرة واحدة أمام‬
‫كل من جملسي الربملان‪ ،‬طاملا أن اجمللس املعين لديه أسئلة تتعلق‪ ،‬يف طبيعتها ومداها‪ ،‬ابلسياسة العامة اليت ال ميكن أن جييب عنها‬
‫إال رئيس احلكومة‪ ،‬ويعود ملكتب كل جملس من جملسي الربملان‪ ،‬هبذا الشأن‪ ،‬التحقق مسبقا بكون األسئلة املوجهة إىل رئيس احلكومة‬
‫تكتسي ابلفعل صبغة سياسة عامة؛ وحيث إنه‪ ،‬بناء على ذلك‪ ،‬يكون ما نصت عليه الفقرة األوىل من املادة ‪ 203‬من أن جملس‬
‫النواب خيصص كل سنة أربع جلسات شهرية لألسئلة املتعلقة ابلسياسة العامة غري مطابق للدستور"‪ .‬قرار اجمللس الدستوري رقم‪:‬‬
‫‪ 13/924‬بشأن النظام الداخلي جمللس النواب لفاتح أغسطس‪ ،2013‬الصادر يف ‪ 22‬أغسطس ‪.2013‬‬
‫‪17‬‬
‫رشيد المدور‬ ‫المغرب للسياسات العمومية‪ :‬دالالته وآلياته وإشكالياته‬
‫ري‬ ‫البلمان‬
‫تقييم ر‬

‫املطلب اخلامس‪ :‬دسرتة طلب استماع اللجان الربملانية إىل مسؤويل اإلدارات‬
‫من األدوات اليت وضعت رهن إشارة الربملانيني للمساعدة يف ممارسة اختصاص تقييم السياسات‬
‫العمومية بفعالية‪ ،‬النص يف صلب الدستور على حق اللجان الربملانية املعنية يف كال اجمللسني يف أن تطلب‬
‫االستماع إىل مسؤويل اإلدارات واملؤسسات واملقاوالت العمومية‪ ،‬حبضور الوزراء املعنيني‪ ،‬وحتت‬
‫مسؤوليتهم‪ ،‬مبوجب الفصل ‪ 102‬من الدستور‪.‬‬
‫وأمهية اإلقرار هبذا احلق يف صلب الوثيقة الدستورية أتيت من أنه على الرغم من أن جملس النواب نص‬
‫عليه صراحة يف نظامه الداخلي منذ سنة ‪ 342004‬وصرح اجمللس الدستوري مبطابقته للدستور‪ ،35‬فقد‬
‫ظل مثار خالف يف التطبيق واملمارسة بني الربملان وبعض مسؤويل املؤسسات العمومية الذين كانوا ميانعون‬
‫يف احلضور إىل الربملان‪.36‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬دسرتة األجل الذي جيب عرض قواني تصفية امليزانية فيه على الربملان‬
‫تعترب مناقشة مشاريع قوانني التصفية املتعلقة بتنفيذ قوانني املالية من أهم املناسبات اليت متَُ ِّّكن الربملان‬
‫من ممارسة االختصاص املتعلق بتقييم السياسات العمومية للحكومة؛ ألهنا القوانني اليت يثبت وحيصر فيها‬
‫املبلغ النهائي للمداخيل املقبوضة والنفقات املتعلقة بنفس السنة املالية واملؤشر على األمر بصرفها وحيصر‬
‫حساب نتيجة السنة‪ .‬كما تثبت‪ ،‬إن اقتضى احلال‪ ،‬التجاوزات يف االعتمادات املفتوحة‪ ،..‬وكانت املادة‬
‫‪ 47‬من القانون التنظيمي السابق لقانون املالية‪ 37‬توجب أن يودع مشروع قانون التصفية لدى الربملان يف‬
‫هناية السنة الثانية املوالية لسنة تنفيذ قانون املالية على أبعد تقدير‪ ،‬وإضافة إىل ذلك‪ ،‬تلزم أن يرفق مشروع‬
‫القانون املذكور بتقرير يعده اجمللس األعلى للحساابت حول تنفيذ قانون املالية وابلتصريح العام مبطابقة‬
‫حساابت احملاسبني الفردية للحساب العام للمملكة‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬وبسبب أن احلكومة مل تكن تلتزم أبي أجل لعرض مشاريع قوانني التصفية على الربملان‬
‫ملناقشتها‪ ،‬وتبعا لذلك‪ ،‬كانت تتلكأ يف إعدادها‪ ،‬وتتماطل يف عرضها على الربملان للمناقشة‪ ،38‬وال تعزم‬
‫على ذلك إال ابلنسبة لقوانني التصفية املتعلقة بتنفيذ قوانني املالية اليت أعدهتا احلكومات السابقة؛ إذ مل‬
‫تعد أي جدوى يف مناقشتها من لدن برملان مل يصادق على قوانني املالية املتعلقة هبا‪.‬‬
‫ومن أجل جتاوز هذا االختالل ومعاجلته‪ ،‬عمل املشرع الدستوري على دسرتة األجل الذي جيب على‬
‫احلكومة فيه تقدمي هذا النوع من القوانني إىل الربملان‪ ،‬وضبطه على حنو يسمح للربملان مبناقشة كل مشروع‬
‫قانون تصفية خالل السنة الثانية اليت تلي سنة تنفيذ قانون املالية املتعلق به‪ ،‬وهكذا نص الفصل ‪ 76‬من‬
‫الدستور على أن "تعرض احلكومة سنواي على الربملان‪ ،‬قانون التصفية املتعلق بتنفيذ قانون املالية‪ ،‬خالل‬
‫‪ -34‬نصت الفقرة الثالثة من املادة ‪ 41‬من النظام الداخلي جمللس النواب ‪ 2004‬على أن "للكل جلنة احلق يف أن تطلب بواسطة رئيس‬
‫اجمللس يف كل مسألة تعنيها االستماع إىل عضو من أعضاء احلكومة‪ ،‬أو ممثل عن جملس من اجملالس العليا أو مندوب سامي أو مدير‬
‫مؤسسة عمومية أو شبه عمومية أو شركة الدولة حبضور عضو احلكومة الوصي على القطاع"‪.‬‬
‫‪ -35‬اجمللس الدستوري‪ ،‬القرار رقم ‪ ،04/561‬الصادر بتاريخ ‪ 8‬مارس ‪.2004‬‬
‫‪ -36‬تنظر تفاصيل أخرى حول هذا اإلشكال يف كتابنا‪ :‬العمل الربملاين يف املغرب‪ :‬قضااي وإشكاالت‪ ،‬الرابط ‪ ،2006‬ص‪.93-91‬‬
‫‪ - 37‬القانون التنظيمي رقم ‪ 7.98‬لقانون املالية‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهري الشريف رقم ‪ 1.98.138‬يف ‪ 26‬نوفمرب ‪ ،1998‬املنشور ابجلريدة‬
‫الرمسية عدد ‪ 4644‬بتاريخ ‪ 1998/12/03‬الصفحة ‪.3297‬‬
‫‪ -38‬مثال‪ ،‬بلغت مدة التأخري يف قانون تصفية ميزانية السنة املالية ‪ 1984‬مدة مثان سنوات؛ إذ مل يتم إيداعه لدى الربملان إال يف ‪.1993‬‬
‫‪18‬‬
‫‪ISSN: 2820-7270‬‬ ‫دفاتر برلمانية‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬عدد مزدوج ‪ 1‬و‪ ،2‬أكتوبر ‪2022‬‬

‫السنة الثانية اليت تلي سنة تنفيذ هذا القانون‪ .‬ويتضمن قانون التصفية حصيلة ميزانيات التجهيز اليت‬
‫انتهت مدة نفادها"‪ ،‬وزادت املادة ‪ 65‬من القانون التنظيمي لقانون املالية توضيحا فنصت على أ ْن "يودع‬
‫مشروع قانون التصفية املتعلق بتنفيذ قانون املالية سنواي ابألسبقية مبكتب جملس النواب يف أجل أقصاه‬
‫هناية الربع األول من السنة الثانية اليت تلي سنة تنفيذ قانون املالية املعين"‪.39‬‬
‫ويف سياق دعم الربملان يف مناقشة قوانني التصفية‪ ،‬نصت املادة ‪ 66‬من القانون التنظيمي لقانون‬
‫املالية نفسه‪ ،‬أن يتم إرفاق مشروع قانون التصفية املتعلق بتنفيذ قانون املالية ليس فقط بتقرير اجمللس‬
‫األعلى للحساابت حول تنفيذ قانون املالية والتصريح العام للمطابقة بني احلساابت الفردية للمحاسبني‬
‫واحلساب العام للمملكة‪ ،‬وإمنا أيضا ابحلساب العام للدولة مدعما ابحلصيلة احملاسبية والبياانت املالية‬
‫األخرى وبتقييم لاللتزامات اخلارجة عن احلصيلة احملاسبية؛ وملحق يتعلق ابالعتمادات اإلضافية املفتوحة‬
‫مرفقا بكل اإلثبااتت الضرورية عند االقتضاء؛ والتقرير السنوي حول جناعة األداء املعد من طرف الوزارة‬
‫املكلفة ابملالية‪ ،‬الذي يقوم بتلخيص وجتميع تقارير جناعة األداء املعدة من طرف القطاعات الوزارية أو‬
‫املؤسسات؛ وتقرير حول املوارد املرصدة للجماعات الرتابية؛ مث تقرير افتحاص جناعة األداء‪.‬‬
‫ومما يعزز هذا الدور الذي لقانون التصفية يف تقييم السياسات العمومية‪ ،‬أن القانون التنظيمي اجلديد‬
‫لقانون املالية غري مقاربة تدبري املالية العمومية من تدبري يرتكز على الوسائل إىل تدبري ميزانيايت يرتكز على‬
‫النتائج‪ ،‬استنادا إىل برجمة ميزانياتية متعددة السنوات حتَ ّني يف كل سنة؛ لدعم استدامة السياسات العمومية؛‬
‫وألجل ذلك‪ ،‬عدل التبويب التقليدي للميزانية القائم على النفقات إىل تبويب جديد وهيكلة جديدة‬
‫‪.40‬‬
‫للميزانية قائمة على برامج ومشاريع وعمليات ‪...‬‬
‫ويف ضوء هذه املستجدات الدستورية‪ ،‬ميكننا القول أبن قانون التصفية يشكل آلية من اآلليات الربملانية‬
‫األساسية لتقييم السياسات العمومية من خالل القانون املايل؛ لكونه يقدم جردا مفصال مبا مت إجنازه على‬
‫ضوء األهداف والسياسات املسطرة‪ ،‬واليت انل على أساسها مشروع القانون املايل ترخيص الربملان‪.41‬‬

‫املطلب السابع‪ :‬مؤسسات دستورية لدعم الربملان ومساعدته يف تقييم السياسات العمومية‬
‫لدعم الربملان ومساعدته يف ممارسة الوسائل واألدوات آنفة الذكر‪ ،‬وضع املشرع الدستوري عددا من‬
‫املؤسسات واهليئات الدستورية رهن إشارة الربملان لتقدمي املساعدة إليه يف جمال تقييم السياسات العمومية‪،‬‬
‫وخنص ابلذكر‪ :‬اجمللس األعلى للحساابت‪ ،‬واجمللس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،‬واجمللس األعلى‬
‫للسلطة القضائية‪ ،‬وسائر هيئات احلكامة اجليدة واملؤسسات الدستورية املنصوص عليها يف الفصول من‬
‫‪ 161‬إىل ‪ 170‬من الدستور‪ ،‬واليت مبوجب الفصل ‪ 160‬من الدستور ملزمة بتقدمي تقرير عن أعماهلا‪ ،‬مرة‬
‫واحدة يف السنة على األقل‪ ،‬يكون موضوع مناقشة من قبل الربملان‪ .‬وبصفة خاصة منها تلك اليت خوهلا‬
‫املشرع الدستوري صالحية إبداء الرأي حول توجهات السياسات العمومية اليت تندرج يف اختصاصها‪.‬‬

‫‪ -39‬املادة ‪ 65‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 130.13‬لقانون املالية‪ ،‬الصادر األمر بتنفيذه الظهري الشريف رقم ‪ 1.15.62‬بتاريخ ‪ 14‬من‬
‫شعبان ‪ 2( 1436‬يونيو ‪ .)2015‬اجلريدة الرمسية عدد‪ 18 ،6370 :‬يونيو ‪ ،2015‬ص‪.5810 .‬‬
‫‪ -40‬ملزيد من التفاصيل ينظر‪" :‬ركائز القانون التنظيمي لقانون املالية" يف موقع وزارة املالية‪http://lof.finances.gov.ma :‬‬
‫‪ - 41‬تقييم السياسات العمومية من خالل قانون املالية‪ ،‬عثمان كاير (مرجع سابق)‪ ،‬ص‪.70 .‬‬
‫‪19‬‬
‫رشيد المدور‬ ‫المغرب للسياسات العمومية‪ :‬دالالته وآلياته وإشكالياته‬
‫ري‬ ‫البلمان‬
‫تقييم ر‬

‫ولبيان هذه الصلة بني الربملان وتلك املؤسسات ونوع املساعدة والدعم اليت تقدمها للربملان يف جمال‬
‫تقييم السياسات العمومية‪ ،‬ميكن استحضار مقتضيات الدستور ذات العالقة‪ .‬فبالنسبة للمجلس األعلى‬
‫للحساابت‪ ،‬نصت الفقرة األوىل من الفصل ‪148‬من الدستور على أ ْن "يقدم اجمللس األعلى للحساابت‬
‫مساعدته للربملان يف اجملاالت املتعلقة مبراقبة املالية العامة؛ وجييب عن األسئلة واالستشارات املرتبطة بوظائف‬
‫الربملان يف التشريع واملراقبة والتقييم املتعلقة ابملالية العامة"‪ .‬وابلنسبة للمجلس االقتصادي واالجتماعي‬
‫والبيئي‪ ،‬نص الفصل ‪ 152‬من الدستور على أنه إضافة إىل احلكومة‪ ،‬جمللس النواب وجمللس املستشارين أن‬
‫يستشريوا هذا اجمللس يف مجيع القضااي‪ ،‬اليت هلا طابع اقتصادي واجتماعي وبيئي‪ .‬كما يديل هذا اجمللس‬
‫أيضا برأيه يف التوجهات العامة لالقتصاد الوطين والتنمية املستدامة‪ .‬أما ابلنسبة للمجلس األعلى للسلطة‬
‫القضائية‪ ،‬فالفقرة األخري من الفصل ‪ 113‬من الدستور تنص على أن يُصدر هذا اجمللس‪ ،‬بطلب من امللك‬
‫أو احلكومة أو الربملان‪ ،‬آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق ابلعدالة مع مراعاة مبدإ فصل السلط‪.‬‬
‫وأما ابلنسبة لسائر هيئات احلكامة اجليدة واملؤسسات الدستورية امللزمة بتقدمي تقرير عن أعماهلا‪ ،‬مرة‬
‫واحدة يف السنة على األقل‪ ،‬يكون موضوع مناقشة من قبل الربملان‪ .‬وبصفة خاصة منها تلك اليت خوهلا‬
‫املشرع الدستوري صالحية إبداء الرأي حول توجهات السياسات العمومية اليت تندرج يف اختصاصها نذكر‪:‬‬
‫اجمللس الوطين حلقوق اإلنسان‪ ،‬وكما ينص على ذلك الفصل ‪ 161‬من الدستور‪ ،‬فهو مؤسسة‬ ‫•‬
‫تتوىل النظر يف مجيع القضااي املتعلقة ابلدفاع عن حقوق اإلنسان واحلرايت ومحايتها‪ ،‬وبضمان‬
‫ممارستها الكاملة‪ ،‬والنهوض هبا وبصيانة كرامة وحقوق وحرايت املواطنات واملواطنني‪ ،‬أفرادا‬
‫ومجاعات‪ ،‬وذلك يف نطاق احلرص التام على احرتام املرجعيات الوطنية والكونية يف هذا اجملال؛‬
‫جملس اجلالية املغربية ابخلارج الذي يتوىل‪ ،‬مبوجب الفصل ‪ 163‬من الدستور‪ ،‬إبداء آرائه حول‬ ‫•‬
‫توجهات السياسات العمومية اليت متكن املغاربة املقيمني ابخلارج من أتمني احلفاظ على عالقات‬
‫متينة مع هويتهم املغربية‪ ،‬وضمان حقوقهم وصيانة مصاحلهم‪ ،‬وكذا املسامهة يف التنمية البشرية‬
‫واملستدامة يف وطنهم املغرب وتقدمه؛‬
‫جملس املنافسة‪ ،‬املكلف‪ ،‬مبوجب الفصل ‪ 166‬من الدستور‪ ،‬بتحليل وضبط وضعية املنافسة يف‬ ‫•‬
‫األسواق‪ ،‬ومراقبة املمارسات املنافية هلا واملمارسات التجارية غري املشروعة وعمليات الرتكيز‬
‫االقتصادي واالحتكار؛‬
‫اهليئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة وحماربتها اليت تتوىل‪ ،‬مبوجب الفصل ‪ 167‬من الدستور‪،‬‬ ‫•‬
‫مهام املبادرة والتنسيق واإلشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات حماربة الفساد‪ ،‬وتلقي ونشر‬
‫املعلومات يف هذا اجملال‪ ،‬واملسامهة يف ختليق احلياة العامة‪ ،‬وترسيخ مبادئ احلكامة اجليدة‪،‬‬
‫وثقافة املرفق العام‪ ،‬وقيم املواطنة املسؤولة؛‬
‫اجمللس األعلى للرتبية والتكوين والبحث العلمي الذي‪ ،‬مبوجب الفصل ‪ 168‬من الدستور‪،‬‬ ‫•‬
‫يساهم يف تقييم السياسات والربامج العمومية اليت هتم الرتبية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬ويبدي‪،‬‬
‫من حيث هو هيئة استشارية‪ ،‬اآلراء حول كل السياسات العمومية‪ ،‬والقضااي الوطنية‪ ،‬وكذا‬
‫حول أهداف املرافق العمومية املكلفة هبذه امليادين وسريها؛‬

‫‪20‬‬
‫‪ISSN: 2820-7270‬‬ ‫دفاتر برلمانية‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬عدد مزدوج ‪ 1‬و‪ ،2‬أكتوبر ‪2022‬‬

‫• اجمللس االستشاري لألسرة والطفولة الذي يتوىل‪ ،‬مبوجب الفصل ‪ 169‬من الدستور‪ ،‬مهمة أتمني‬
‫تتبع وضعية األسرة والطفولة‪ ،‬وإبداء آراء حول املخططات الوطنية املتعلقة هبذه امليادين‪ ،‬وتنشيط‬
‫النقاش العمومي حول السياسة العمومية يف جمال األسرة ‪...‬؛‬
‫• اجمللس االستشاري للشباب والعمل اجلمعوي الذي يعترب‪ ،‬مبوجب الفصل ‪ 170‬من الدستور‪،‬‬
‫هيئة استشارية يف ميادين محاية الشباب والنهوض بتطوير احلياة اجلمعوية‪ ،‬وهو مكلف بدراسة‬
‫وتتبع املسائل اليت هتم هذه امليادين‪ ،‬وتقدمي اقرتاحات حول كل موضوع اقتصادي واجتماعي‬
‫وثقايف‪ ،‬يهم مباشرة النهوض أبوضاع الشباب والعمل اجلمعوي‪ ،‬وتنمية طاقاهتم اإلبداعية‪،‬‬
‫وحتفيزهم على االخنراط يف احلياة الوطنية‪ ،‬بروح املواطنة املسؤولة‪.‬‬
‫وأتكيدا ألحكام هذه الفصول املذكورة من الدستور‪ ،‬نص كل من جملس النواب يف املادة ‪ 292‬من‬
‫نظامه الداخلي لسنة ‪ 2017‬وجملس املستشارين يف املادة ‪ 309‬من نظامه الداخلي لسنة ‪ ،2020‬على أنه‬
‫ميكن لرئيس اجمللس أن يوجه بشكل تلقائي‪ ،‬أو بطلب من جمموعة العمل املكلفة ابلتقييم‪ ،‬طلبا إىل‬
‫اجمللس االقتصادي واالجتماعي والبيئي أو إحدى هيئات احلكامة واملؤسسات الدستورية‪ ،‬حبسب احلاجة‪،‬‬
‫إلبداء الرأي أو إعداد دراسة أو حبث حول الربانمج العمومي موضوع التقييم‪ ،‬ونص جملس املستشارين‪،‬‬
‫إضافة إىل ما ذكر‪ ،‬على للمجلس األعلى للسلطة القضائية (املادة ‪.)339‬‬

‫املبحث الثالث‪:‬‬
‫دسرتة اجللسات الربملانية املشرتكة بي االستماع واملناقشة‬
‫يف ضوء مبدأ استقاللية جملسي الربملان‬
‫يف ثنااي هذه املقالة‪ ،‬متت مناقشة عدد من اإلشكاالت الدستورية املتعلقة بوظيفة تقييم السياسات العمومية‬
‫ومت حبث كل واحدة يف موضعها ومكاهنا املناسبني‪ .‬وقد آثران أن خنصص واحدة أخرى من أهم اإلشكاالت‬
‫املثارة هبذا اخلصوص؛ نظرا ألمهيتها واحلاجة إىل بسط القول فيها‪ ،‬ابلبحث واملدارسة يف مبحث خاص هبا‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬إشكالية االجتماعات املشرتكة بي جملسي الربملان لتقييم السياسات العمومية‬
‫عند احلديث عن وجوب عرض احلصيلة املرحلية لعمل احلكومة أمام الربملان‪ ،‬ابعتباره آلية من اآلليات‬
‫اليت وضعها املشرع الدستوري ملمارسة الربملان لصالحيته يف تقييم السياسات العمومية ومناقشتها‪ ،‬ذكران‬
‫أنه على مستوى املمارسة مت تفعيل هذه الصالحية‪ ،‬إىل حدود اترخيه‪ ،‬ثالث مرات‪ ،‬أنتجت لنا ممارستني‬
‫خمتلفتني على مستوى مناقشة أعضاء الربملان لعرض رئيس احلكومة ورد هذا األخري على تلك املناقشة؛‬
‫إذا متت يف األوىل منها اليت كانت يف الوالية التشريعية‪ ،2016-2011 :‬يف جلستي مشرتكتي جمللسي‬
‫الربملان ‪ ،‬يف حني‪ ،‬أن املناقشة واالستماع لرد رئيس احلكومة على تلك املناقشة يف املرة الثانية اليت جرت‬
‫يف الوالية التشريعية‪ ،2016-2021 :‬كانت يف جلستي خاصتي بكل من جملسي النواب واملستشارين‪.‬‬
‫األمر الذي جيعلنا أمام إشكالية دستورية على قدر من األمهية‪ ،‬تستوجب حبثها ودراستها‪ ،‬وميكننا صياغتها‬
‫يف السؤال التايل‪ :‬هل الكيفيتان معا مقبولتان دستوراي‪ ،‬أم أن إحدامها هي فقط املقبولة دستوراي‪ ،‬وابلتايل‪،‬‬
‫تكون الثانية خمالفة للدستور؟ وإذا كان األمر كذلك‪ ،‬فما هي األسس واالعتبارات املعتمدة يف هذا احلكم‬
‫عليهما‪ ،‬إجيااب أو سلبا؟‬

‫‪21‬‬
‫رشيد المدور‬ ‫المغرب للسياسات العمومية‪ :‬دالالته وآلياته وإشكالياته‬
‫ري‬ ‫البلمان‬
‫تقييم ر‬

‫املطلب الثاين‪ :‬اجللسات الربملانية املشرتكة يف ضوء الدستور واجتهادات القضاء الدستوري والفقه‬
‫من املبادئ اليت يقوم عليها نظام الثنائية الربملانية‪ ،‬مبدأ استقالل اجمللسني بعضهما عن بعض‪ ،‬واألصل‬
‫أن جملسي الربملان ال ميكنهما أ ْن ميارسا بصفة مشرتكة االختصاصات املخولة هلما دستوراي‪ ،‬وال ميكن‬
‫اخلروج عن هذا األصل إال يف احلاالت املذكورة صراحة يف الدستور‪ .‬ومعىن ذلك‪ ،‬أن كل جملس من‬
‫جملسي الربملان ميارس االختصاصات األصيلة املخولة له دستوراي بصفة منفردة عن اجمللس اآلخر؛ وألجل‬
‫ذلك‪ ،‬مل يكن يسمح للربملان أن يعقد جلسات مشرتكة بني جملسيه إال يف مناسبتني اثنتني فقط‪ :‬األوىل‬
‫منهما مبوجب الدستور‪ ،‬وهي مناسبة االستماع إىل اخلطب امللكية املوجهة للربملان‪ .42‬أما الثانية‪ ،‬فكانت‬
‫عُرفا دستوراي‪ ،‬وهي مناسبة االستماع إىل رؤساء الدول واحلكومات األجنبية بطلب من امللك‪.‬‬
‫واملالحظ‪ ،‬هو أن هذه اجللسات املشرتكة بني جملس النواب وجملس املستشارين تكون خمصصة فقط‬
‫جملرد االستماع املشرتك‪ ،‬إما للخطب امللكية وإما لكلمات رؤساء الدول واحلكومات األجنبية يف الربملان‬
‫إبذن من امللك‪ ،‬ومل تكن جتري خالهلا أي مناقشة‪.‬‬
‫وقد كان سوء تدبري الزمن من االختالالت اليت أظهرهتا املمارسة يف ظل الثنائية الربملانية‪ ،‬بعد العودة‬
‫إليها مبوجب دستور ‪ ،1996‬إذ كان الوزير األول‪ ،‬مبوجب الفصل ‪ 60‬من هذا الدستور ملزما أبن يتقدم‬
‫أمام كل من جملسي الربملان‪ ،‬بعد تعيني امللك ألعضاء احلكومة‪ ،‬ويعرض الربانمج الذي يعتزم تطبيقه‪.‬‬
‫وتبعا لذلك‪ ،‬كانت مجيع التصرحيات اليت يديل هبا الوزير األول أمام الربملان تتم‪ ،‬وفقا للنظامني الداخليني‬
‫جمللسي الربملان‪ ،‬ابلطريقة والشكل نفسه‪ ،‬أي‪ :‬أمام جملس النواب منفردا وبعد ذلك أمام جملس املستشارين‬
‫منفردا‪ .‬كما أن عرض وزير املالية ملشروع القانون املايل السنوي كان‪ ،‬بدوره‪ ،‬يتم أمام كل جملس من جملسي‬
‫الربملان على حدة‪ ،‬مبوجب النظام الداخلي لكل من جملس النواب‪ 43‬وجملس املستشارين‪.‬‬
‫‪2011‬‬ ‫ومعاجلة هلذا االختالل‪ ،‬املتمثل يف سوء تدبري الزمن والتكرار‪ ،‬عمل املشرع الدستوري لسنة‬
‫على توسيع دائرة اجللسات واالجتماعات املشرتكة بني جملسي الربملان املخصصة فقط لالستماع‪ ،‬وذلك‬
‫بغرض ترشيد الزمن الربملاين واحلكومي معا‪ .‬وهكذا‪ ،‬أصبح الربملان ملزما‪ ،‬طبقا للفقرة الرابعة من الفصل‬
‫‪ 68‬من الدستور‪ ،‬أب ْن يعقد جلسات مشرتكة مبجلسيه‪ ،‬وعلى وجه اخلصوص‪ ،‬يف احلاالت املتعلقة ابفتتاح‬
‫امللك للدورة التشريعية يف اجلمعة الثانية من شهر أكتوبر‪ ،‬واالستماع إىل اخلطب امللكية املوجهة للربملان‪،‬‬
‫واملصادقة على مراجعة الدستور وفق أحكام الفصل ‪ ،174‬واالستماع إىل التصرحيات‪ ،‬اليت يقدمها رئيس‬
‫احلكومة‪ ،‬وعرض مشروع قانون املالية السنوي‪ ،‬واالستماع إىل رؤساء الدول واحلكومات األجنبية‪ .‬كما‬
‫نص أيضا‪ ،‬على أنه "ميكن لرئيس احلكومة أن يطلب من رئيسي جملسي النواب واملستشارين عقد‬
‫اجتماعات مشرتكة للربملان‪ ،‬لالستماع إىل بياانت تتعلق بقضااي تكتسي طابعا وطنيا هاما"‪ .‬ونص كذلك‪،‬‬
‫على أنه‪ ،‬عالوة على ما سبق ذكره‪ ،‬ميكن للجان الدائمة للربملان‪ ،‬أن تعقد اجتماعات مشرتكة لالستماع‬

‫‪ -42‬سواء اخلطب اليت تكون مباشرة عند رائسة امللك الفتتاح الدورة األوىل من كل سنة تشريعية للربملان‪ ،‬أو تلك اليت يقرر فيها‬
‫امللك أن خياطب الربملان مباشرة أو بصفة غري مباشرة عندما أيمر بتالوة خطابه أمام كال اجمللسني‪.‬‬
‫‪ -43‬كانت املادة ‪ 125‬من النظام الداخلي جمللس النواب ‪ 2004‬تنص على أن يعقد اجمللس جلسة عمومية خاصة تقدم فيها احلكومة‬
‫مشروع قانون املالية‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫‪ISSN: 2820-7270‬‬ ‫دفاتر برلمانية‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬عدد مزدوج ‪ 1‬و‪ ،2‬أكتوبر ‪2022‬‬

‫‪44‬‬
‫إىل بياانت تتعلق بقضااي تكتسي طابعا وطنيا هاما‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬ميكن مالحظة كيف أن القاسم املشرتك‪ ،‬املربر لتلك اجللسات واالجتماعات املشرتكة بني‬
‫جملسي الربملان‪ ،‬يف احلاالت املذكورة هو االستماع املشرتك‪ ،‬وأن االستثناء الوحيد من ذلك‪ ،‬هو‬
‫االختصاص املتعلق مبصادقة الربملان‪ ،‬املنعقد‪ ،‬بدعوة من امللك‪ ،‬يف اجتماع مشرتك جمللسيه‪ ،‬على مشروع‬
‫مراجعة بعض مقتضيات الدستور‪ ،‬وفقا ألحكام فصله ‪.45174‬‬
‫ويف غري هذه احلالة املقررة صراحة يف الدستور‪ ،‬فإن مبدأ استقالل اجمللسني بعضهما عن بعض يفرض‬
‫أن ميارس كل جملس اختصاصاته بشكل منفرد‪ ،‬وهذه القاعدة قررها املشرع الدستوري وأكد عليها مبناسبة‬
‫بيان أحكام عرض الربانمج احلكومي ومناقشته أمام الربملان؛ لتكون أصال يقاس عليه‪ .‬وهكذا‪ ،‬ميز بني‬
‫حاليت العرض واملناقشة‪ ،‬فبالنسبة لعرض الربانمج احلكومي‪ ،‬الذي هو عبارة عن جمرد استماع‪ ،‬قرر أن‬
‫يكون "أمام جملسي الربملان جمتمعي"‪ ،‬أما ابلنسبة ملناقشة هذا الربانمج‪ ،‬فقرر أن تكون "أمام كال‬
‫اجمللسني"‪ ،‬وإليكم النص الكامل للفقرتني األوىل والثانية من الفصل ‪ 88‬من الدستور‪" :‬بعد تعيني امللك‬
‫ألعضاء احلكومة‪ ،‬يتقدم رئيس احلكومة أمام جملسي الربملان جمتمعي‪ ،‬ويعرض الربانمج الذي يعتزم تطبيقه‪.‬‬
‫وجيب أن يتضمن هذا الربانمج اخلطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي احلكومة القيام به‪ ،‬يف خمتلف جماالت‬
‫النشاط الوطين‪ ،‬وابألخص يف ميادين السياسة االقتصادية واالجتماعية والبيئية والثقافية واخلارجية‪ .‬يكون‬
‫الربانمج املشار إليه أعاله‪ ،‬موضوع مناقشة أمام كال اجمللسني‪ ،‬يعقبها تصويت يف جملس النواب"‪.‬‬
‫غري أن جملس النواب مل ينتبه إىل هذا التمييز الدقيق‪ ،‬الذي يفرق بني ما جيوز أن يكون موضوع‬
‫اجللسات املشرتكة وما ال جيوز‪ ،‬وهكذا عندما أراد أن يضع يف نظامه الداخلي املقتضيات املتعلقة‬
‫"ختصص جلسة‬ ‫ابإلجراءات اخلاصة مبا نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل ‪ 101‬من الدستور من أنه ُ‬
‫سنوية من قبل الربملان ملناقشة السياسات العمومية وتقييمها"‪ ،‬ذهب يف اجتاه أن هذه اجللسة املخصصة‬
‫للمناقشة ستكون مشرتكة بني جملسي الربملان‪.‬‬
‫وأتسيسا عليه‪ ،‬فإن اجمللس الدستوري ملا أحيل إليه النظام الداخلي جمللس النواب‪ ،‬الذي أقره هذا‬
‫اجمللس يف فاتح أغسطس ‪ ،2013‬يف إطار إحالة وجوبية للبت يف مطابقته للدستور‪ ،‬طبقا للفقرة الثانية‬
‫من الفصل ‪ 132‬من الدستور‪ ،‬صرح أبن "ما تضمنته املواد من ‪ 211‬إىل ‪ 217‬من مقتضيات تتعلق بعقد‬
‫الربملان جللسة مشرتكة سنواي ملناقشة السياسات العمومية وتقييمها‪ ،‬غري مطابق للدستور"‪ .‬ويف تعليله هلذا‬
‫احلكم ذكر يف احليثيات أبنه "إذا كان للربملان أن يعقد جلسات مشرتكة مبجلسيه‪ ،‬إما يف احلاالت الواردة‬
‫صراحة يف الفقرة الرابعة من الفصل ‪ 68‬من الدستور أو يف تلك اليت ميكن استخالصها ضمنا من بعض‬
‫أحكامه‪ ،‬فإن الربملان ال ميكنه أ ْن ميارس بصفة مشرتكة االختصاصات املخولة له دستوراي‪ ،‬إال يف احلالة‬

‫‪ -44‬قبل دسرتة إمكانية عقد اجتماعات مشرتكة بني اللجان الدائمة مبجلسي الربملان‪ ،‬كان النظام الداخلي جمللس النواب ‪ 2004‬يف‬
‫مادته ‪ 143‬ينص على أنه "ميكن اجتماع جلنتني خمتلطتني أو أكثر من أعضاء اجمللسني إما بطلب من احلكومة أو بعد اتفاق رئيسي‬
‫اجمللسني"‪ ،‬ختصص لالستماع للعروض والبياانت السياسية اليت يقدمها الوزراء يف بعض القضااي اخلاصة‪ .‬وقد اعتربت هذه املادة حني‬
‫وضعها من التعديالت النوعية اليت أبدعها جملس النواب‪ ،‬من حيث إهنا األوىل اليت فتحت ابب التنسيق بني جملسي الربملان‪.‬‬
‫‪ -45‬تنص الفقراتن الثانية والثالثة من الفصل ‪ 174‬من الدستور على أن "للملك‪ ،‬بعد استشارة رئيس احملكمة الدستورية‪ ،‬أن يعرض‬
‫بظهري‪ ،‬على الربملان‪ ،‬مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور‪ .‬ويصادق الربملان‪ ،‬املنعقد‪ ،‬بدعوة من امللك‪ ،‬يف اجتماع مشرتك‬
‫جمللسيه‪ ،‬على مشروع هذه املراجعة‪ ،‬أبغلبية ثلثي األعضاء الذين يتألف منهم‪.".‬‬
‫‪23‬‬
‫رشيد المدور‬ ‫المغرب للسياسات العمومية‪ :‬دالالته وآلياته وإشكالياته‬
‫ري‬ ‫البلمان‬
‫تقييم ر‬

‫املذكورة صراحة يف الدستور املتمثلة يف املصادقة على مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور اليت جلاللة‬
‫امللك أن يعرضه عليه بظهري‪ ،‬وفق أحكام الفصل ‪ 174‬من الدستور"‪.46‬‬
‫وقد عاد اجمللس الدستوري يف قراره املذكور إىل التأكيد على قاعدة أن العرض‪ ،‬مقصود منه جمرد‬
‫االستماع‪ ،‬ويكون أمام الربملان مبجلسيه‪ ،‬أما املناقشة‪ ،‬فتكون داخل كل جملس من جملسي الربملان على‬
‫حدة‪ .‬وكان ذلك‪ ،‬عندما عمل جملس النواب على أجرأة أحكام الفقرة األخرية من الفصل ‪ 148‬من‬
‫الدستور اليت تنص على أن "يقدم الرئيس األول للمجلس عرضا عن أعمال اجمللس األعلى للحساابت‬
‫أمام الربملان‪ ،‬ويكون متبوعا مبناقشة‪ ،".‬نص يف املقطع األول من املادة ‪ 225‬من النظام الداخلي جمللس‬
‫النواب على أن العرض الذي يقدمه الرئيس األول للمجلس األعلى للحساابت عن أعماله يكون أمام‬
‫جملس النواب‪ ،‬مما يعين أن الرئيس األول للمجلس األعلى للحساابت سيكون ملزما بتقدمي عرض آخر‬
‫أمام جملس املستشارين‪.‬‬
‫وحيث إن هذا التوجه يتناقض مع القاعدة اليت قعد هلا املشرع الدستوري بدسرتة اجللسات‬
‫واالجتماعات املشرتكة‪ ،‬صرح اجمللس الدستوري أبن ما نص عليه املقطع األول من املادة ‪ 225‬من النظام‬
‫الداخلي من "كون الرئيس األول للمجلس األعلى للحساابت يقدم عرضا عن أعمال هذا األخري أمام‬
‫جملس النواب‪ ،‬غري مطابق ألحكام الفقرة األخرية من الفصل ‪ 148‬من الدستور اليت يستفاد منها أن هذا‬
‫العرض يقدم أمام الربملان يف جلسة مشرتكة مبجلسيه"‪.47‬‬
‫مث بعد ذلك‪ ،‬نبه اجمللس الدستوري إىل أن االختصاصات املخولة للربملان دستوراي ال ميكن أن متارس‬
‫بصفة مشرتكة بني جملس النواب وجملس املستشارين‪ ،‬فصرح أن "ما نصت عليه نفس املادة من أن هذا‬
‫العرض يكون متبوعا مبناقشة فمطابق للدستور‪ ،‬مع مراعاة أن هذه املناقشة جتري داخل كل جملس‬
‫على حدة بي أعضائه وبي احلكومة‪.48‬‬
‫وهذا الذي قرره اجمللس الدستوري‪ ،‬ابلنسبة للتقرير الذي يقدمه اجمللس األعلى للحساابت ومناقشته‬
‫من أ ّن العرض يكون يف جلسة مشرتكة بني جملسي الربملان‪ ،‬وأن املناقشة جتري داخل كل‬ ‫أمام الربملان‪ْ ،‬‬
‫جملس على حدة‪ ،‬ينسحب كذلك على مجيع املؤسسات الدستورية اليت تقدم تقاريرها أمام الربملان وتكون‬
‫موضوع مناقشة من قبل الربملان‪ ،‬طبقا للفصل ‪ 160‬من الدستور الذي ينص أنه "على املؤسسات واهليئات‬
‫املشار إليها يف الفصول ‪ 161‬إىل ‪ 170‬من هذا الدستور تقدمي تقرير عن أعماهلا‪ ،‬مرة واحدة يف السنة‬
‫على األقل‪ ،‬الذي يكون موضوع مناقشة من قبل الربملان‪.".‬‬
‫وأتسيسا على ما سبق بيانه‪ ،‬خنلص إىل أن املمارسة اليت أنتجتها التجربة األوىل لعرض احلصيلة‬
‫املرحلية لعمل احلكومة ومناقشتها أمام الربملان يف الوالية التشريعية‪ ،2016-2011 :‬حني متت املناقشة‬
‫العامة لتك احلصيلة والرد على تلك املناقشة يف جلسات مشرتكة بني جملس النواب وجملس املستشارين‪،‬‬
‫تعترب ممارسة خاطئة وخمالفة للدستور؛ ألهنا مست مببدأ دستوري هو استقاللية جملسي الربملان بعضهما‬
‫عن بعض‪ ،‬وإضافة إىل ذلك‪ ،‬تنطوي على إهدار للحجية اليت تكتسيها قرارات احملكمة الدستورية‪ ،‬واليت‬

‫‪ -46‬قرار اجمللس الدستوري رقم‪ 13/924 :‬بشأن النظام الداخلي جمللس النواب لفاتح أغسطس‪ ،2013‬الصادر يف ‪ 22‬أغسطس ‪.2013‬‬
‫‪ -47‬قرار اجمللس الدستوري رقم‪( 13/924 :‬املصدر السابق)‪.‬‬
‫‪ -48‬قرار اجمللس الدستوري رقم‪( 13/924 :‬املصدر السابق)‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫‪ISSN: 2820-7270‬‬ ‫دفاتر برلمانية‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬عدد مزدوج ‪ 1‬و‪ ،2‬أكتوبر ‪2022‬‬

‫بصريح منطوق الدستور ال تقبل أي طريق من طرق الطعن‪ ،‬وتلزم كل السلطات العامة ومجيع اجلهات‬
‫اإلدارية والقضائية‪ ،‬وخاصة وأن قرار اجمللس الدستوري الذي مت التصريح فيه أبن الربملان ال ميكنه أ ْن ميارس‬
‫بصفة مشرتكة االختصاصات املخولة له دستوراي‪ ،‬إال يف احلالة املذكورة صراحة يف الفصل ‪ 174‬من‬
‫الدستور‪ ،49‬كان قرارا سابقا على تلك املمارسة‪ ،‬وقد مت تبليغه إىل كل من جملسي الربملان بتاريخ ‪ 22‬أغسطس‬
‫‪ ،2013‬يف حني أن املناقشة املشرتكة بني اجمللسني كانت يف جلستني‪ ،‬بتاريخ ‪ 20‬و‪ 23‬يوليو ‪.2014‬‬
‫وتبعا لذلك‪ ،‬فإن املمارسة الثانية اليت جرت يف الوالية التشريعية اجلارية‪ ،2016-2021 :‬واليت جعلت‬
‫تقدمي عرض احلصيلة املرحلية لعمل حلكومة جيري يف جلسة مشرتكة بني جملسي الربملان‪ ،‬يف حني جعلت‬
‫كل من املناقشة والرد على املناقشة جيراين يف جلستي خاصتي بكل من جملس النواب وجملس‬
‫املستشارين‪ ،‬تكون ممارسة مطابقة للدستور‪.‬‬
‫خامتة‪:‬‬
‫حاصل القول‪ ،‬مما سبق‪ ،‬أن إسناد املشرع الدستوري اختصاص تقييم السياسات العمومية‪ ،‬ابعتباره‬
‫اختصاصا جديدا يتم إقراره ألول مرة لصاحل الربملان‪ ،‬ليس جمرد إسناد الختصاص تقين جديد‪ ،‬بل هو‬
‫إسناد يتغىي ابألساس دعم التخفيف من الطابع الرائسي للملكية واالجتاه هبا حنو طابع برملاين‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل إعطاء للربملان‪ ،‬ابعتباره سلطة تشريعية قائمة وليس جمرد مؤسسة‪ ،‬دورا حقيقيا أكرب من‬
‫السابق يف رسم السياسات العمومية‪ ،‬اليت كانت احلكومات تنفرد يف وضعها‪ ،‬وهبذا املعىن‪ ،‬يعترب آلية‬
‫من آليات حتقيق مبدأ ربط املسؤولية ابحملاسبة‪ .‬وأييت هذا اإلسناد الدستوري أيضا‪ ،‬من جهة‪ ،‬لتكريس‬
‫املفهوم املرن لفصل السلط يف النظام الدستوري للملكية املغربية القائم على توازن السلط وتعاوهنا‪،‬‬
‫حيث يغدو تقييم الربملان للسياسات العمومية‪ ،‬واحلالة هذه‪ ،‬أفقا متميزا لتعاون السلطتني التشريعية‬
‫والتنفيذية‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬لتجسيد املفهوم اجلديد ملمارسة السلطة القائم على الدميقراطية املواطنة‬
‫والتشاركية‪ .‬وإضافة إىل كل ذلك‪ ،‬وتكامال معه‪ ،‬فإن صالحية تقييم السياسات العمومية تعترب مقوما‬
‫ال غىن عنه من مقومات احلكامة اجليدة‪.‬‬
‫وقد تبني من خالل البحث‪ ،‬أن املشرع الدستوري مل يكتف إبقرار هذه الصالحية اجلديد للربملان‪،‬‬
‫وإمنا عمل‪ ،‬من أجل تفعيلها‪ ،‬على وضع وحتديد عدد من اآلليات الدستورية املتنوعة واجلديدة املساعدة‬
‫على ممارستها إما بصفة مباشرة أو بصفة غري مباشرة منها‪ :‬اجللسة السنوية ملناقشة السياسات العمومية‬
‫وتقييمها‪ ،‬وعرض احلصيلة املرحلية لعمل احلكومة أمام الربملان‪ ،‬واجللسة الشهرية املخصصة لألسئلة‬
‫املتعلقة ابلسياسة العامة اليت خيتص ابإلجابة عليها رئيس احلكومة شخصيا‪ ،‬ودسرتة طلب استماع‬
‫اللجان الربملانية إىل مسؤويل اإلدارات‪ ،‬ودسرتة األجل الذي جيب عرض قوانني تصفية امليزانية فيه على‬
‫الربملان‪ ،‬ومناقشة الربملان لتقارير عدد من املؤسسات الدستورية‪ ،‬وأكثر من ذلك‪ ،‬أن املشرع الدستوري‬
‫وضع عددا من تلك املؤسسات رهن إشارة الربملان لدعمه ومساعدته يف تقييم السياسات العمومية‪.‬‬

‫‪ -49‬قرار اجمللس الدستوري رقم‪( 13/924 :‬املصدر السابق)‪.‬‬


‫‪25‬‬
‫رشيد المدور‬ ‫المغرب للسياسات العمومية‪ :‬دالالته وآلياته وإشكالياته‬
‫ري‬ ‫البلمان‬
‫تقييم ر‬

‫الئحة املصادر واملراجع‬


‫(القسم ‪ ،)1‬الرابط‪ :‬القصر‬ ‫‪56‬‬ ‫بنمنصور‪ ،‬أبوبكر؛ بريول العلوي‪ ،‬عبد للا‪ .)2011( .‬انبعاث أمة‪ .‬ج‪.‬‬
‫امللكي‪.‬‬
‫بنمنصور‪ ،‬أبوبكر؛ بريول العلوي‪ ،‬عبد للا‪ .)2012( .‬انبعاث أمة‪ .‬ج‪( 57 .‬القسم ‪ ،)2‬الرابط‪ :‬القصر امللكي‪.‬‬
‫اخلدي‪ ،‬جنيب‪" .)2017( .‬تقييم السياسات العمومية من طرف الربملاانت‪ :‬حالة جملس النواب‬
‫ابململكة املغربية"‪ .‬بنجالديش‪ :‬ورقة يف اجتماع مجعية األمناء العامني للربملاانت الوطنية يف مارس‬
‫‪.2017‬‬
‫السعيد‪ ،‬أمني‪ .)2019( .‬التوازن بي السلطات يف النظام الدستوري املغريب بي الوثيقة الدستورية‬
‫لسنة ‪ 2011‬واملمارسة السياسية‪ .‬الرابط‪ :‬مطبعة مشس برانت‪.‬‬
‫طارق‪ ،‬حسن؛ كاير‪ ،‬عثمان‪ .)2014( .‬مبادئ ومقارابت يف تقييم السياسات العمومية‪ .‬سلسلة شباب‬
‫من أجل الدميقراطية‪ ،‬الرابط‪ :‬الوسيط من أجل الدميقراطية وحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫حلميداين‪ ،‬طه‪" .)2012( .‬الربملان املغريب واجرتاح تقييم السياسات العمومية"‪ .‬الرابط‪ :‬اجمللة املغربية‬
‫للتدقيق والتنمية = ‪ ،REMA‬العدد ‪ ،33‬الصفحات ‪.67-75‬‬

‫جملس النواب‪ .)2016( .‬اإلطار املرجعي لتقييم السياسات العمومية‪ .‬الرابط‪ :‬جملس النواب (‪.)1‬‬
‫املدور‪ ،‬رشيد‪ .)2016( .‬إشكالية النظام الداخلي للربملان يف ضوء الدستور‪ .‬سلسلة مؤلفات وأعمال‬
‫جامعية‪ ،‬العدد ‪ ،111‬الرابط‪ :‬اجمللة املغربية لإلدارة احمللية والتنمية = ‪ 744 ،REMALD‬صفحة‪.‬‬
‫املدور‪ ،‬رشيد‪ .)2022( .‬الربملان يف ظل امللكية الربملانية املغربية (الطبعة الثانية)‪ .‬تقدمي‪ :‬أمينة املسعودي‪.‬‬
‫الدار البيضاء‪ :‬سلسلة دفاتر برملانية (‪.)1‬‬
‫املسيوي‪ ،‬عبد العزيز‪ .)2000( .‬ملتمس الرقابة‪ .‬الرابط‪ :‬مطبعة إمربايل ‪.2000‬‬
‫واثئق‪:‬‬
‫قرار مكتب جملس النواب رقم ‪ ،19.06‬الصادر يف ‪ 2‬أبريل ‪ ،2019‬املتمم لقرار مكتب جملس النواب رقم‬
‫‪ 18.04‬بتاريخ ‪3‬سبتمرب ‪ ،2018‬بشأن تنظيم واختصاصات إدارة جملس النواب‪ .‬اجلريدة الرمسية‪،‬‬
‫عدد ‪ 26 - 6807‬أغسطس ‪ ،2019‬ص‪.5926 .‬‬
‫‪28‬‬ ‫مذكرة تصور واقرتاحات االحتاد االشرتاكي للقوات الشعبية بشأن مراجعة الدستور‪ ،‬مؤرخة يف‬
‫مارس ‪ 13 ،2011‬صفحة‪.‬‬
‫مذكرة حزب العدالة والتنمية حول اإلصالحات الدستورية‪ ،‬مؤرخة يف ‪ 29‬مارس ‪ 14 ،2011‬صفحة‪.‬‬

‫‪26‬‬

You might also like