المحاضرة ١٠ لعام ١٤٣٩

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 11

‫‪#‬في رحاب جنات النعيم‬

‫المحاضرة الرمضانية العاشرة ‪1439-9-11‬ه ‪2018-5-26‬م‬


‫َأ ُذ‬
‫ُعو ِباِهّلل ِمَن الَّش ْي َط اِن الَّر ِج يِم‬
‫ِبْس ِم ِهللا الَّر ْح مِن الَّر ِحيِم‬
‫الَح ْمُد هلل َر ِّب العالمين‪ ،‬وَأشَه ُد أْن اَل إلَه إاَّل ُهللا الَم ِلُك الحُّق الُمبين‪ ،‬وأشَه ُد َأَّن سيَد نا ُم َح َّمدًا َع ْبُده وَر ُسْو ُله خاتُم النبيين‪.‬‬

‫الّلهم َص ِّل على ُم َح َّمٍد وعلى آِل ُم َح َّمٍد‪ ،‬وباِر ْك على ُم َح َّمٍد وعلى آِل ُم َح َّمٍد‪ ،‬كما َص َّلْيَت وباَر ْك َت على إبراهيَم وعلى آِل‬
‫إبراهيَم إنك حميٌد مجيٌد ‪ ،‬وارَض اللهم برضاك عن أصحابه األخيار المنتجبين‪ ،‬وعن سائر عبادك الصالحين‪.‬‬
‫أيها اإلخوة واألخوات‬
‫الَّس اَل ُم َع َلْي ُك ْم َو َر ْح َم ُة ِهللا َو َبَر َك اُته؛؛؛‬
‫حديثنا اليوم ضمن سلسلة الحديث عن اليوم اآلخر وما يتعلق به‪ ،‬وصل بنا المطاف إلى الحديث عن الجنة‪ ،‬عن جزاء هللا‬
‫لعباده المتقين‪ ،‬والحديث في هذا الموضوع شيٌق وجذاٌب بحسب النصوص القرآنية وما تضمنته‪ ،‬ومن يتأمل في آيات هللا‪،‬‬
‫من يتأمل فيما وصف هللا به ما أعده من النعيم والجزاء العظيم لعباده المتقين‪ ،‬يدرك حقائق مهمة جًّد ا‪ ،‬ومن المهم لإلنسان‬
‫أن يرِّسخها في نفسه؛ ألنها ستمثل حافًز ا ودافًع ا إلى العمل الصالح‪ ،‬إلى االستقامة‪.‬‬
‫أول هذه الحقائق‪ :‬أن االستجابة هلل "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى" والطاعة له‪ ،‬والسير على هديه وفي نهجه‪ ،‬هو فوٌز لإلنسان وخيٌر‬
‫لإلنسان ومصلحٌة مؤَّك دٌة لإلنسان‪ ،‬وهو الكفيل بالوصول باإلنسان إلى السعادة الحقيقية واألبدية‪ ،‬فال خسارة مع هللا وال‬
‫غبن‪ ،‬واإلنسان عليه أن يعي جيًد ا أن هللا غنٌي عنه وعن أعماله الصالحة وعن طاعته‪ ،‬وأنه هو كإنسان المستفيد والمنتفع‬
‫بأعماله الصالحة بطاعته بالنتائج المترتبة عليها‪ ،‬أما هللا فهو الغني الذي ال يحتاج إلى أعمالنا‪ ،‬وال تضره معصيتنا‪.‬‬
‫أن هللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى" فيما أمرنا به ودعانا إليه وهدانا إليه‪ ،‬أمرنا بما فيه الخير لنا والصالح لنا والفالح لنا‪ ،‬وما يلِّبي‬
‫احتياجاتنا‪ ،‬وما يدفع الشر والخطر العظيم عنا في الدنيا واآلخرة‪ ،‬أن هللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى" رحيٌم بهذا اإلنسان وكريٌم عظيٌم‬
‫واسع الرحمة وواسع الخير وهو أكرم األكرمين‪ ،‬وبالتالي فهو يعطينا ويكافئنا على األعمال الصالحة التي هي من األساس‬
‫خيٌر لنا ومصلحٌة لنا وفائدٌة لنا ونفع لنا‪ ،‬يعطينا عليها الجزاء العظيم‪.‬‬
‫ثم حقيقٌة أخرى‪ :‬أن كل ما يمكن أن يبتعد به اإلنسان أو بسببه عن طاعة هللا‪ ،‬عن نهج هللا‪ ،‬عن الطريق التي رسمها هللا‪،‬‬
‫كل ما يمكن أن يدفع باإلنسان إلى معصية هللا ال يساوي شيًئ ا أبًد ا مهما كان من رغبات اإلنسان‪ ،‬وأهوائه وشهواته‪ ،‬لكنه ال‬
‫يمثل شيًئ ا وال يساوي شيًئ ا بجانب ما سيتحقق لإلنسان أصاًل من الرغبات والخير وما يحقق له السعادة‪ ،‬إذا كانت هي‬
‫الرغبة‪ ،‬إذا كانت هي الشهوة‪ ،‬إذا كان االندفاع والسعي وراء السعادة هو الذي يدفع باإلنسان إلى المعصية‪ ،‬سواًء‬
‫المعصية في تجاوز حٍد من حدود هللا‪ ،‬أو في التنصل عن مسؤولية من المسؤوليات‪ ،‬والتفريط في طاعة من الطاعات‪ ،‬إذا‬
‫كانت هي الرغبات واألهواء والشهوات والسعي وراء السعادة واللهث وراء السعادة‪ ،‬فالذي ستصل إليه بالمعصية ال‬
‫يساوي شيًئ ا أبًد ا في مقابل ما ستحصل عليه بالطاعة‪ ،‬ما ستحصل عليه من خالل رضا هللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى"‪ ،‬الذي يمِّث ل‬
‫فعاًل رغبًة حقيقيًة ‪ ،‬سعادة حقيقيًة ‪ ،‬نعيًما عظيًما‪ ،‬يمِّث ل فعاًل ما يلِّبي الرغبة الحقيقية لهذا اإلنسان‪ ،‬ويسد الحاجة الحقيقية لهذا‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫فليس هناك من غبن في طريق الحق‪ ،‬وال خسارة‪ ،‬على العكس؛ خسارة اإلنسان الكبرى والفادحة والرهيبة والهائلة‬
‫والفظيعة هي بمعصيته هلل‪ ،‬هي بابتعاده عن نهج هللا‪ ،‬هي باللهث وراء تلك األهواء التي يستغلها الشيطان‪ ،‬فيردي هذا‬
‫اإلنسان‪ ،‬ويهلك اإلنسان‪ ،‬ويخسر اإلنسان بسبب ذلك‪.‬‬
‫طاعة هللا واإلتباع لهديه ثمرته في الدنيا‪ :‬العزة‪ ،‬الكرامة‪ ،‬الخير‪ ،‬السعادة‪ ،‬السمو‪ ،‬وما أحَّل هللا في هذه الدنيا من الطيبات‬
‫والحالل فيه ما يغني هذا اإلنسان‪ ،‬وفيه ما يلِّبي حاجته الفطرية والغريزية‪ ،‬أَّما ما أعَّد ه في اآلخرة وفيه الوفاء لألجر‪،‬‬
‫وفيه التتمة الحقيقية لألجر‪ ،‬وفيه األجر الحقيقي والعظيم والواسع‪ ،‬فهو الشيء العظيم الذي سنتحدث عن بعٍض منه‪ ،‬عن‬
‫القليل منه بحسب ما تضمنته النصوص الواردة في القران الكريم في بعٍض منها‪ ،‬وإال فالحديث في هذا يطول جًّد ا‪.‬‬
‫‪#‬المتقون‪ ..‬ال يحزنهم الفزع األكبر‬
‫هللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى" ذكر لنا في الكتاب الكريم‪ ،‬في القرآن المجيد‪ ،‬ما يحظى به اإلنسان المتقي هلل في ساحة الحشر من‬
‫رعاية إلهية‪ ،‬من نعيم‪ ،‬من تكريم‪ ،‬من طمأنة‪ ،‬واإلنسان‪ -‬كما تحدثنا باألمس وفيما قبل األمس أيًض ا‪ -‬منذ أن تعود إليه‬
‫حياته في اآلخرة‪ ،‬في القيامة‪ ،‬منذ أن يحييه هللا مرًة أخرى للحساب إلى ساحة الحساب‪ ،‬فور ذلك تأتيه المالئكة لتطمئنه‪،‬‬
‫وهذا أَّك د عليه القرآن في عدٍد من النصوص‪ ،‬منها قول هللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى"‪{ :‬اَل َي ْح ُزُنُهُم اْلَفَز ُع اَأْلْك َب ُر}[األنبياء‪ :‬اآلية‬
‫‪ ،]103‬هؤالء أولياء هللا‪ ،‬عباد هللا المتقون‪{ ،‬اَل َي ْح ُزُنُهُم اْلَفَز ُع اَأْلْك َب ُر}‪ ،‬هول وأحداث يوم القيامة وما فيها‪َ{ ،‬و َتَت َلَّقاُه ُم‬
‫اْلَم اَل ِئَك ُة َه َذ ا َي ْو ُم ُك ُم اَّلِذي ُك نُتْم ُتوَع ُدوَن }‪ ،‬يقول في آيٍة أخرى‪َ{ :‬تَتَنَّز ُل َع َلْي ِه ُم اْلَم اَل ِئَك ُة َأاَّل َتَخ اُفوا َو اَل َت ْح َز ُنوا}[فصلت‪ :‬من‬
‫اآلية‪ ،]30‬فاإلنسان تأتيه الطمأنة في تلك اللحظة الحَّساسة والحرجة جًّد ا‪ ،‬التي هو أحوج ما يكون فيها إلى ما يطمئنه‪ ،‬إلى‬
‫ما يهدئ من روعه‪ ،‬فتأتيه الطمأنة من مالئكة هللا في لحظة مهمة جًّد ا وحَّساسة‪ ،‬فعاًل من يتأمل تعتبر تلك اللحظة وتلك‬
‫الطمأنة نعمة عظيمة جًّد ا ورعاية إلهية كبيرة في وقتها المناسب والحَّساس‪.‬‬
‫ما تحدث عنه القرآن الكريم من تسليم صحائف األعمال إلى عباد هللا المتقين بَأيَم انهم‪ ،‬وما في ذلك من البشارة لهم‪ ،‬ما في‬
‫تيسير الحساب‪ ،‬ما فيه محطات أخرى من تمييزهم وفرزهم‪ ،‬ما في انتصارهم في المحاكمة مع أعدائهم في هذه الدنيا‪ ،‬ما‬
‫في الرعاية اإللهية لهم مما يقدم لهم من شراب وطعام‪ ،‬وورد في األحاديث األخرى الحديث عن حوض النبي "صلى هللا‬
‫عليه وآله وسلم" ومن ينال الشرب من ذلك الحوض‪ ،‬والمقام المحمود لرسول هللا "صلوات هللا عليه وعلى آله"‪ ،‬ومن‬
‫يحظون بذلك التكريم وذلك النعيم‪...‬الخ‪.‬‬
‫‪#‬وإذا الجنة أزلفت!‬
‫من المحطات المهمة جًّد ا بعد انقضاء مرحلة الحساب‪ :‬تقريب الجنة‪ ،‬ومشاهدة عالم الجنة‪ ،‬ذلك العالم العظيم‪ ،‬يقول هللا‬
‫"ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى" في كتابه الكريم‪َ{ :‬و ُأْز ِلَفِت اْلَج َّن ُة ِلْلُم َّت ِقيَن }[الشعراء‪ :‬اآلية‪ ،]90‬وفي آيٍة أخرى يقول‪َ{ :‬و ُأْز ِلَفِت اْلَج َّنُة‬
‫ِلْلُم َّت ِقيَن َغ ْي َر َب ِعيٍد}[ق‪ :‬اآلية‪ ،]31‬يقول في آيٍة أخرى‪َ{ :‬و ِإَذ ا اْلَج َّن ُة ُأْز ِلَفْت }[التكوير‪ :‬اآلية‪.]13‬‬
‫هذه النصوص القرآنية المباركة تفيد أن عالم الجنة‪ ،‬ذلك العالم العظيم‪ ،‬العجيب‪ ،‬الذي أعَّده هللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى" برحمته‬
‫وبكرمه وبفضله الواسع ليكون خير جزاء‪ ،‬وِنعم دار المتقين لعباد هللا المتقين‪ُ ،‬تقَّر ب من ساحة القيامة‪ ،‬من ساحة الحشر‪،‬‬
‫فيأتي ذلك العالم الكبير الواسع العظيم‪ ،‬يأتي ويقَّر ب تمهيًد ا النتقال عباد هللا المتقين إليه؛ حتى ال تكون هناك عملية سفر‬
‫مطولة وبعيدة‪ ،‬وحتى ال تكون عملية االنتقال إلى الجنة عملية صعبة ومعقدة وسفر بعيد وطويل ومرهق‪ ،‬هذا جانب من‬
‫الرعاية اإللهية‪ ،‬من التكريم‪ ،‬من السعادة‪ُ ،‬تقَّر ب الجنة بكلها‪ ،‬ويؤتى بها بنفسها‪ ،‬وهي عالم كبير جًّد ا‪ ،‬سيأتي الحديث عن‬
‫سعته من خالل النصوص القرآنية‪ ،‬وهللا أعلم كيف ستكون سعادتهم‪ ،‬ارتياحهم‪ ،‬بهجتهم‪ ،‬سرورهم‪ ،‬وقد شاهدوا اقتراب‬
‫الجنة‪ ،‬وُط مِئنوا‪ ،‬وأتتهم البشارات والتأكيد والحكم اإللهي بأنهم سينتقلون إليها‪.‬‬
‫ثم تأتي عملية الحشر إلى الجنة واالنتقال إليها‪ ،‬يقول هللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى"‪َ{ :‬ي ْو َم َن ْح ُشُر اْلُم َّت ِقيَن ِإَلى الَّر ْح َم ِن َو ْف دًا}[مريم‪:‬‬
‫اآلية‪ ،]85‬ويقول "جَّل شأنه"‪َ{ :‬و ِس يَق اَّلِذيَن اَّتَق ْو ا َر َّبُهْم }[الزمر‪ :‬من اآلية‪ ،]73‬وتلحظون في اآليات كلها حديث عن‬
‫المتقين‪ ،‬الذين اتقوا‪ ،‬هذا شيء مهم؛ ألنه رسم طريق الجنة‪ ،‬طريقها هي‪( :‬التقوى)‪ ،‬إذا أردت أن تكون من أهل الجنة‪ ،‬إذا‬
‫أردت الفوز بالجنة والنجاة من النار‪ ،‬فالطريق المضمون‪ ،‬المؤَّك د عليه‪ ،‬المنصوص عليه في القرآن الكريم‪ ،‬الذي ارتبط به‬
‫الوعد اإللهي‪ ،‬هو‪ :‬التقوى‪.‬‬
‫إًذ ا‪ ،‬األفضل لإلنسان بداًل من أن يمِّن ي نفسه‪ ،‬أن يتيه في هذه الحياة‪ ،‬أن يخادع نفسه‪ ،‬أن ينخدع ببعٍض من الكالم والقيل‬
‫هنا وهناك‪ ،‬أن يأخذ بالمضمون الموثوق المنصوص المؤَّك د عليه‪ ،‬هذا هو الطريق الصحيح واالتجاه الصحيح‪ ،‬أن يأخذ‬
‫اإلنسان بما هو موثوٌق به‪.‬‬
‫‪#‬مواكب الفوز والكرامة‬
‫{َو ِس يَق اَّلِذيَن اَّتَق ْو ا َر َّبُهْم }‪ ،‬الحديث عنهم (عن المتقين)‪ ،‬طبًع ا في موكٍب أو مواكب متعددة؛ ألن البعض يتقدم‪ ،‬البعض‬
‫يلحق‪ ،‬البعض‪ ...‬بحسب النصوص القرآنية األخرى {ِإَلى اْلَج َّنِة ُز َم رًا}‪ ،‬وحتى هذا النص (ُز َم رًا) زمرة تتقدم‪ ،‬زمرة تلحق‬
‫بها‪ ،‬مجاميع ووفود‪ ،‬هللا أعلم كيف ستكون هذه التصنيفات! بحسب الزمن‪ ،‬أو بحسب المقام‪ ،‬فيما يفهم من بعض النصوص‬
‫أن أول أهل الجنة دخواًل ‪ ،‬وأول من يصل إلى الجنة هو رسول هللا "محمد صلوات هللا عليه وعلى آله وسلم"‪ ،‬والفائزون‬
‫معه ربما من المقام العظيم‪ ،‬هذا بحسب بعض النصوص‪ ،‬ولكن ال يعنينا تصنيف هذا‪ :‬من يدخل أواًل ‪ ،‬كيف ستكون هذه‬
‫المسألة بالتدقيق والتحقيق والتفصيل‪ ،‬النص القرآني يوِّضح أنهم سيذهبون (ُز َم رًا)‪ :‬جماعات جماعات صوب الجنة‬
‫وينتقلون على هذا النحو‪.‬‬
‫{َح َّت ى ِإَذ ا َج اُءوَه ا}‪ ،‬وهذا حين الوصول إلى عالم الجنة‪ ،‬ال يستطيع أبًد ا أن يتخيل‪ ،‬يفكر اإلنسان يتأمل‪ ،‬أن يتخيل مدى‬
‫السعادة‪ ،‬مدى االرتياح‪ ،‬مدى السرور في تلك اللحظة‪ ،‬لحظة الوصول إلى عالم الجنة‪ ،‬وماذا تعنيه تلك اللحظة‪ ،‬إنها تعني‬
‫الوصول إلى السعادة األبدية‪ ،‬تعني الوصول إلى األمن والطمأنينة الدائمة‪ ،‬تعني تحقق الفوز العظيم‪ ،‬تعني النجاة المؤَّك دة‬
‫واألبدية من عذاب هللا وسخطه‪ ،‬تعني الكرامة‪ ،‬تعني الفوز باالرتقاء إلى ذلك المقام العظيم‪ ،‬مقام التكريم اإللهي‪ ،‬تعني‬
‫أشياء كثيرة‪ ،‬وفوق إدراك اإلنسان وفوق شعوره وفوق خياله وفوق مستوى التعبير‪.‬‬
‫{َح َّت ى ِإَذ ا َج اُءوَه ا َو ُفِتَح ْت َأْب َو اُبَه ا َو َق اَل َلُهْم َخ َز َن ُتَه ا َس الٌم َع َلْي ُك ْم ِط ْب ُتْم َف اْد ُخ ُلوَه ا َخ اِلِديَن }[الزمر‪ :‬من اآلية‪ ،]73‬حين‬
‫الوصول مع المجيء وفتح األبواب؛ ألنه يظهر من هذا النص القرآني فتح األبواب قبل لحظة الوصول‪ ،‬وهذا من التكريم‬
‫لهم‪ ،‬من تكريم الضيف أنك لن تنتظر له حتى يصل إلى الباب ويطرق ويبقى منتظًر ا على الباب‪ ،‬يبقى منتظًر ا لبعض‬
‫الوقت‪ ،‬أو ُتَط ّو ل عليه‪ ،‬ما تفتح له إال وقد هو ضابح‪ ،‬يطرق الباب ويطرق وينادي‪[ :‬يا خبير‪ ،‬في البيت أحد‪ ،‬هل أحد‬
‫سمعنا يجيب يفتح‪| .]...‬ال|‪ ،‬المسألة مختلفة‪ ،‬تكريم‪ ،‬والذي يكرمهم هو أكرم األكرمين‪ ،‬أكرم األكرمين‪ ،‬هللا "ُسْب َح اَن ُه‬
‫َو َت َع اَلى" ربنا الكريم العظيم الرحيم ذو الفضل الواسع العظيم‪ ،‬هل أحد سيحتاج أن يعلمه أو يعلم مالئكته آداب الضيافة‬
‫واالستقبال؟! ال‪َ{ ،‬و ُفِتَح ْت َأْب َو اُبَه ا}‪ ،‬كانت قد أصبحت مفتوحة‪ ،‬فوصلوا إليها وأبوابها مفَّت حة لهم‪ ،‬أما المعنيون باالستقبال‬
‫والترحيب فهم مالئكة هللا والمالئكة المعنيون بالجنة‪.‬‬
‫‪#‬التشريفات تستقبل ضيوف الرحمن‬
‫عالم الجنة‪ ،‬ذلك العالم العظيم الذي هو دار ضيافة أبدية‪ ،‬يعيش اإلنسان فيه في حالة ضيافة للدائم واألبد‪ ،‬المعنيون به‪،‬‬
‫المعنيون بإدارته هم المالئكة‪ ،‬إدارة الجنة هي‪ :‬إدارة من المالئكة‪ ،‬ولهذا جاء التعبير القرآني‪َ{ :‬و َق اَل َلُهْم َخ َز َن ُتَه ا}‪ ،‬خزنة‬
‫الجنة هم المعنيون بإدارة شؤونها‪ ،‬ورعاية أهلها‪ ،‬فاإلدارة لن تكن من البشر‪ ،‬ونحن في بعٍض المحاضرات واللقاءات‪-‬‬
‫عادًة ‪ُ -‬نَع ِّلق على هذه المسألة‪ ،‬نقول‪[ :‬البشر تعبوا من بعضهم البعض إدارة إدارة عليهم من أنفسهم]‪ ،‬إدارة المالئكة‪-‬‬
‫بالتأكيد‪ -‬إدارة راقية جًّد ا‪ ،‬واإلدارة‪ -‬في واقع الحال‪ -‬هي مسؤولية‪ ،‬ولذلك لم ُيكَّلف أحد في داخل الجنة بهذه المسؤولية؛‬
‫ألن الجنة ليست داًر ا للمسؤولية‪ ،‬دار المسؤولية هي الدنيا‪ ،‬دار المسؤوليات‪ ،‬واألعمال‪ ،‬والمهام‪...‬الخ‪ .‬هناك تعيش وأنت‬
‫خفيف الحال‪ ،‬لست مثقل الظهر بأي مسؤولية من المسؤوليات‪ ،‬ما عاد به شيء مسؤوليات هناك؛ ألن الحياة هناك حياة‬
‫سعادة‪ ،‬ارتياح‪ ،‬نعيم‪ ،‬هدوء‪ ،‬وال هم‪ ،‬وال غم‪ ،‬وال مشكلة‪ ،‬وال عناء‪ ،‬وال أي مسؤولية‪ ،‬المسؤولية فيها جانب من المشقة‬
‫على اإلنسان‪ ،‬أو العناء‪ ،‬أو أحياًن ا االنشغال‪ ...‬وال يراد ألهل الجنة أن ينشغلوا بأي شيء‪ ،‬غير أن يرتاحوا‪ ،‬وأن يتنعموا‪،‬‬
‫وأن يهنئوا بما هم فيه‪.‬‬
‫فاإلدارة في عالم الجنة موكلة بشكٍل تام ومكلف بها مالئكة من مالئكة هللا‪ ،‬فهم من يستضيفون‪ ،‬ومن يستقبلون‪ ،‬وبحفاوة‪،‬‬
‫ومالئكة الرحمة‪ ،‬مالئكة الرضوان‪ ،‬حتى المسؤول األعلى عن إدارة شؤون الجنة في بعٍض من النصوص أن اسمه‬
‫(رضوان) خازن الجنة‪ ،‬كل ما هناك‪ :‬الرضا‪ ،‬الرحمة‪ ،‬أجواء الخير‪ ،‬الحفاوة‪ ،‬الراحة‪َ{ ،‬و َق اَل َلُهْم َخ َز َن ُتَه ا َس اَل ٌم َع َلْي ُك ْم }‬
‫[الزمر‪ :‬من اآلية‪ ،]73‬يسِّلمون عليهم‪ ،‬ويتلقونهم بالتسليم‪ ،‬وفعاًل وصلوا إلى دار السالم‪ :‬السالم من كل شر‪ ،‬السالم من‬
‫كل ضر‪ ،‬السالم من كل هم‪ ،‬السالم من كل غم‪ ،‬السالم من كل بالء‪ ،‬السالم من كل محنة‪ ،‬السالم من كل ألم‪ ،‬السالم الذي‬
‫يشمل كل شيء وصلوا إليه‪ ،‬الجنة واحٌد من أسمائها (دار السالم)‪َ{ ،‬و ُهّللا َي ْد ُعو ِإَلى َد اِر الَّس َالِم }[يونس‪ :‬من اآلية‪ ،]25‬هذا‬
‫في القرآن الكريم‪َ{ ،‬س اَل ٌم َع َلْي ُك ْم }‪ ،‬بهذه الحفاوة واالستقبال يستقبلهم المالئكة (وِط ْب ُتْم )‪ ،‬وهذا‪ -‬كما قلنا باألمس‪ -‬الفرز في‬
‫عالم القيامة‪ ،‬في ساحة الحشر‪ ،‬بين المتقين وغيرهم على هذا المعيار‪ :‬الطِّيبون إلى الجنة‪ ،‬الذين طابوا في هذه الدنيا‪،‬‬
‫تنظفوا‪ ،‬طهروا من كل الخبث بالصالح‪ ،‬باالستقامة‪ ،‬بالطاعة‪ ،‬بالعمل الصالح‪ ،‬بالتزكية؛ فطهروا وطابت أنفسهم من‬
‫الخبائث‪ِ{ ،‬ط ْب ُتْم َف اْد ُخ ُلوَه ا}‪ ،‬تفضلوا (بحسب تعبيرنا) {َخ اِلِديَن }‪ ،‬ادخلوا إلى الجنة {خاِلديَن فيها}‪ ،‬باقين فيها لألبد في حياة‬
‫سعيدة وهنيئة وطيبة‪ ،‬ال موٌت فيها وال كدر‪.‬‬
‫ويدخلون‪ ،‬لحظة الدخول هذه إلى عالم الجنة ومشاهدة ذلك العالم‪ ،‬هي لحظة في النصوص عن النبي "صلوات هللا عليه‬
‫وعلى آله" ما معناه‪ :‬أن لو بقي موت لمات اإلنسان فيها من شدة االندهاش‪ ،‬والفرحة‪ ،‬والسعادة‪ ،‬وعظيم ما يشاهده‪،‬‬
‫ويدرك أنه قد أصبح من سَّك ان ذلك العالم‪ ،‬ومن أصحاب الجنة‪ ،‬وممن يعيشون ذلك النعيم‪ ،‬لمات اإلنسان بسرعة‪[ ،‬ما‬
‫عاده ما بال يجي له جلطة] يعني‪ :‬يموت فجأة‪ ،‬فوًر ا‪ ،‬لكن ال موت ال موت أبًد ا‪ ،‬يعني‪ :‬سعادة تتملك كل مشاعره‪ ،‬وكل‬
‫وجدانه‪ ،‬وكل أحاسيسه‪.‬‬
‫‪#‬الجنة‪ ..‬العالم الكبير الواسع‬

‫الجنة في النص القرآني عالٌم كبيٌر جًّد ا جًّد ا‪ ،‬يقول هللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى" في كتابه الكريم‪َ{ :‬و َس اِر ُع وْا ِإَلى َم ْغ ِفَر ٍة ِّمن َّر ِّب ُك ْم‬
‫َو َج َّنٍة َع ْر ُض َه ا الَّسَم اَو اُت َو اَألْر ُض ُأِع َّد ْت ِلْلُم َّت ِقيَن }[آل عمران‪ :‬من اآلية‪َ( ،]133‬و َج َّن ٍة َع ْر ُض َه ا الَّسَم اَو اُت )‪ :‬جنة هي بهذه‬
‫الَس َع ة‪ ،‬بهذا الِكَب ر‪ ،‬بهذه العظمة‪ ،‬اتساعها الهائل جًّد ا جًّد ا جًّد ا لهذه الدرجة {َع ْر ُض َه ا الَّسَم اَو اُت َو اَألْر ُض }‪ ،‬وال نستطيع أن‬
‫نتخيل هذه السعة؛ ألن عالم السماوات مع األرض فسيٌح جًّد ا‪ ،‬ال نستطيع أن نتخيله أبًد ا‪ ،‬المسافات التي تحسب اليوم ما‬
‫بيننا وبين الشمس مثاًل ‪ ،‬أو ما بيننا وبين بعض الكواكب‪ ،‬أو بيننا وبين بعض النجوم‪ ،‬ما بين مجرٍة وأخرى تحسب‬
‫بالماليين في بعضها‪ ،‬ما بين المجرات بالماليين والباليين من السنين الضوئية‪ ،‬والسنين الضوئية‪ :‬هي اختصار في‬
‫الحساب الفلكي‪ ،‬حيث تصبح الحسابات بزمننا هذا بالمقدار الذي يمكن أن تقطعه‪ -‬مثاًل ‪ -‬الطائرة من األرض إلى الشمس‪،‬‬
‫وال تستطيع طائرة‪ ،‬لكن فيما لو افترضنا وقطعت‪ ،‬كم ستسافر؟ مدة زمنية طويلة جًّد ا‪ ،‬ما نستطيع نتحقق من األرقام‪،‬‬
‫عشرات السنين‪ ،‬سبعة عشر عاًما في بعض المراحل‪.‬‬
‫على العموم‪ ،‬المدة التي يقطعها الضوء من الشمس إلى األرض ُتحسب في الحسابات الفلكية لقياس المسافات ما بين‬
‫األرض وما بين كواكب أو نجوم بعيدة‪ ،‬ما بين المجرات كذلك‪ .‬بمعنى‪ :‬السعة هائلة جًّد ا جًّد ا جًّد ا‪ ،‬وعالم الجنة عالٌم كبيٌر‬
‫للغاية‪ ،‬هو بهذه السعة‪َ{ :‬ع ْر ُض َه ا الَّسَم اَو اُت َو اَألْر ُض }‪ ،‬فهي بهذه السعة‪ ،‬وهللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى" يقول‪َ{ :‬و َس اِر ُع وْا ِإَلى‬
‫َم ْغ ِفَر ٍة ِّمن َّر ِّب ُك ْم }‪ ،‬األعمال التي يوِّج هنا هللا إليها‪ ،‬كلما عملنا شيًئ ا منها هو خطوة تقِّر بنا من هذه الجنة‪ ،‬يقول في آيٍة أخرى‪:‬‬
‫{َس اِبُقوا ِإَلى َم ْغ ِفَر ٍة ِّمن َّر ِّبُك ْم َو َج َّن ٍة َع ْر ُض َه ا َك َع ْر ِض الَّسَم اء َو اَأْلْر ِض }[الحديد‪ :‬من اآلية‪ ،]21‬يعني‪ :‬ليست عالًما عظيًما ثم‬
‫صغيًر ا‪ ،‬يتزاحم فيه أهله‪ ،‬ويتنافسون فيه‪ ،‬ويتنازعون عليه‪ ،‬والبعض ما معه إال قطعة صغيرة‪ ،‬وشقة صغيرة‪ ،‬أو‪ ...‬ال‪،‬‬
‫سعة هائلة جًّد ا‪ ،‬على درجة عالية جًّد ا‪ ،‬وصفها القرآن فيما هي عليه من تشكيل في قوله َت َع اَلى‪َ{ :‬م َث ُل اْلَج َّنِة اَّلِتي ُو ِع َد‬
‫اْلُم َّتُقوَن }‪ ،‬وهنا تجد الوعد اإللهي أتى لمن؟ للمتقين‪َ{ ،‬م َث ُل اْلَج َّنِة اَّلِتي ُو ِع َد اْلُم َّتُقوَن ِفيَه ا َأْن َه اٌر ِّمن َّماء َغْي ِر آِس ٍن َو َأْن َه اٌر ِمن‬
‫َّلَب ٍن َّلْم َي َتَغ َّيْر َط ْع ُمُه َو َأْن َه اٌر ِّمْن َخ ْم ٍر َّلَّذ ٍة ِّللَّش اِر ِبيَن َو َأْن َه اٌر ِّمْن َعَس ٍل ُّمَص ًّفى َو َلُهْم ِفيَه ا ِمن ُك ِّل الَّث َمَر اِت َو َم ْغ ِفَر ٌة ِّمن َّر ِّب ِه ْم }‬
‫[محمد‪ :‬من اآلية‪.]15‬‬
‫‪#‬الجنة‪ ..‬وأنهارها المتدفقة‬
‫عالم الجنة هو على هذا النحو العجيب جًّد ا‪ :‬فسيح وواسع‪ ،‬ومغطى باألشجار والفواكه والثمار‪ ،‬واألنهار فيه بهذه األشكال‬
‫المتنوعة والمتعددة‪ :‬أنهار كثيرة ومتعددة من الماء النقي‪ ،‬الذي يمكن لإلنسان حتى أن يشرب منه‪َ( ،‬غ ْي ِر آِس ٍن )‪ :‬فال هو‬
‫متغير وال متلوث أبًد ا‪ ،‬عالم الجنة ليس فيه أي شيء يلوثه أبًد ا‪َ{ ،‬غ يِر آِس ٍن َو َأنهاٌر ِمن َلَب ٍن }‪ ،‬أنهار بيضاء متدفقة باللبن‪،‬‬
‫كذلك غير المتغِّير {َلم َي َتَغ َّير َط عُمُه}‪ ،‬وإذا لم يتغّير طعمه بالتأكيد لن يتغير ريحة وال لونه‪ ،‬أول ما يمكن أن يطرأ في تغِّير‬
‫اللبن التغِّير في مذاقه‪ ،‬أن يحمض مثاًل ‪ ،‬ما يأتي التغٍّير في اللون‪ ،‬في الرائحة‪ ،‬إال بعد تغِّير الطعم‪.‬‬
‫فتلك األنهار المتدفقة من اللبن‪ ،‬تلك األنهار المتدفقة والكثيرة من الخمر‪ ،‬من خمر الجنة الذي هو لذة للشاربين‪ ،‬وليس له‬
‫أي أضرار ال على ذهنية اإلنسان وتفكيره‪ ،‬وال على وضعه الصحي‪ ،‬وال‪ ...‬أبًد ا‪َ{ ،‬لَّذ ٍة ِللّش اِر بيَن }‪ ،‬بقي منه لذته‪ ،‬وذهب‬
‫منه سكره وأضراره‪.‬‬
‫{َو َأنهاٌر ِمن َعَس ٍل ُم َص ًّفى}‪ ،‬أنهار أخرى متدفقة من العسل الذي ال تشوبه أي شوائب‪ ،‬يتخيل اإلنسان عالم الجنة بأشجارها‬
‫ونباتاتها الخضراء‪ ،‬وفواكهها وثمارها‪ ،‬ثم األنهار الجارية فيما بينها‪ ،‬أنهار جارية‪ :‬شيٌء منها أنهار الماء‪ ،‬شيٌء آخر‬
‫أنهار اللبن‪ ،‬أنهار الخمر‪ ،‬أنهار العسل‪...‬الخ‪ .‬عالم‪ ،‬كيف سيكون شكله‪ ،‬شكل تلك األنهار‪ ،‬شيء عجيب جًّد ا‪.‬‬
‫الجنة‪ ..‬نعيم فوق الخيال!‬
‫ما يتخيل اإلنسان الشكل العام للجنة بمستواه العظيم وما فيها من النعيم‪ُ ،‬يعِّبر الرسول "صلوات هللا عليه وعلى آله" في‬
‫نٍص روي عنه‪ِ(( :‬فيَه ا َم ا اَل َع يٌن َر َأت))‪ ،‬لم يسبق لك أن شاهدت مثل تلك الروعة‪ ،‬مثل ذلك النعيم‪ ،‬مثل ذلك الشكل في‬
‫عالم الجنة أبًد ا‪َ(( ،‬و اَل ُأُذ ٌن َس ِمَع ت‪َ ،‬و اَل َخ َط َر َع َلى َق لِب َب َش ر))‪ ،‬ما يمكن أبًد ا أن يكون أن قد َخ َط َر ألحد على بال أنه‬
‫سيشاهد على ذلك المستوى الراقي أبًد ا‪ ،‬من كل ما سيشاهده من النعيم‪.‬‬
‫في نصوص عن النبي "صلوات هللا عليه وعلى آله" فيما يتعلق بالجنة حتى في حصبائها‪ ،‬في مكوناتها‪َ(( :‬ح صَب اؤها الُّدر‬
‫والَي اُقوت))‪ :‬األحجار الكريمة‪ ،‬التي هي نادرة الوجود عندنا في هذه الدنيا‪ ،‬وإن وجد شيٌء منها يستخدم للزينة‪ ،‬بحسب ما‬
‫يتمكن منه القليل من الناس في هذه الدنيا‪ ،‬مثاًل ‪ :‬هذا الزبرجد‪ ،‬الُدر‪ ،‬الياقوت‪ ،‬المرجان‪ ،‬اللؤلؤ‪ ،‬الذهب‪ ،‬الفضة‪ ،‬الماس‪،‬‬
‫المعادن واألحجار الكريمة التي هي نادرة في الدنيا‪ ،‬يستخدمها اإلنسان زينة‪ ،‬أو يستخدمها أحياًن ا عملة غالية‪ ...‬أو غير‬
‫ذلك‪ .‬بداًل من أن يكون عالم الجنة مكوًن ا‪ -‬مثاًل ‪ -‬من الطين المشابه لطين هذه الدنيا‪| .‬ال|‪ ،‬الجنة تكوينها تكوين آخر‪ ،‬إذا‬
‫كانت هذه حصباءها‪ :‬الُّدر الجميل جًّد ا‪ ،‬والياقوت كذلك الذي هو من األحجار الكريمة في الدنيا‪ ،‬ونادر الوجود‪ ،‬وقليل‬
‫الحصول عليه‪ ،‬العملية صعبة‪ ،‬وحالة نادرة تتوفر للقليل من الناس في هذه الدنيا‪.‬‬
‫المباني في الجنة كذلك‪ :‬لبنٌة من ذهب‪ ،‬لبنٌة من فضة‪ ،‬خياٌم من اللؤلؤ‪ ،‬خياٌم من الزبرجد‪ ،‬خياٌم من الزمرد‪ ،‬خياٌم‪ ...‬كل‬
‫تكوينات ذلك العالم هو من األحجار الكريمة الراقية‪ ،‬األحجار الكريمة عندنا والمعادن النفيسة قليلة في الدنيا‪ ،‬ومحدودة في‬
‫الدنيا‪ ،‬والقليل من الناس من تتوفر لهم في هذه الدنيا‪ ،‬وفي نفس الوقت ال ترقى إلى مستوى ما هو في الجنة‪ ،‬فما ذهب‬
‫الدنيا كالذهب في الجنة‪ ،‬وال الفضة في الدنيا كالفضة في الجنة‪ ،‬وال أي شيٍء من هذه النفائس واألشياء الكريمة والنادرة‬
‫في هذه الدنيا كمثل ما هو هناك في اآلخرة‪ ،‬في الجنة‪ ،‬في الجنة تتوفر هذه األشياء وتتكون‪ ،‬األغراض المصنعة‬
‫والمتنوعة هناك للطعام‪ ،‬للشراب‪ ،‬للزينة من الذهب‪ ،‬من الفضة‪ ،‬من هذه األشياء الكريمة والجميلة جًّد ا‪ ،‬والقليلة في الدنيا‪.‬‬
‫{َو َأْن َه اٌر ِّمْن َعَس ٍل ُّمَص ًّفى َو َلُهْم ِفيَه ا ِمن ُك ِّل الَّثَمَر اِت}[محمد‪ :‬من اآلية‪ ،]15‬في عالم الجنة تتوفر كل الثمرات‪ ،‬وكل الفواكه‬
‫التي يتغذى منها اإلنسان‪ ،‬ويرتاح بها اإلنسان‪ ،‬مع مغفرة من هللا ""ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى""‪ ،‬والمغفرة يترتب عليها إحساسهم‬
‫بالسعادة‪ ،‬إحساسهم بالخلو من عبء الذنوب والمعاصي‪ ،‬فيه تشريف وتكريم‪ ،‬اإلنسان يعيش وُيِحس نفسه ال ذنب عليه‪،‬‬
‫وال معصية‪ ،‬وال‪ ...‬أبًد ا‪ ،‬ما يبقى في إحساسه وفي وجدانه شعور بالذنب وشعور بالمعصية‪ ،‬ولهذا أثر نفسي‪ ،‬أثر معنوي‪،‬‬
‫أثر في التكريم‪...‬الخ‪.‬‬
‫في عالم الجنة الواسع جًّد ا جًّد ا جًّد ا يمكن لإلنسان أن يسكن في أي بقعٍة من ذلك العالم‪ ،‬في آيٍة أخرى يتحدث عن تعبير‬
‫أهل الجنة في الجنة‪ ،‬قولهم‪َ{ :‬نَت َبَّو ُأ ِمَن الَج َّن ِة َح يُث َن شاُء}[الزمر‪ :‬من اآلية‪ ،]74‬عالم واسع جًّد ا‪ ،‬ما هو ضيق‪ ،‬وليس هناك‬
‫من قيود عليك في التنقل في ذلك العالم‪ ،‬هنا في الدنيا قد تشاهد في التلفاز بقعة هنا أو هناك جميلة فيها بعض الخضرة‪،‬‬
‫بعض األشجار حتى غير المثمرة‪ ،‬ليست بأشجار فواكه وال‪ ،‬إنما بلونها الجميل والمياه المتدفقة فيها‪ ،‬فتتمنى أن لو أمكنك‬
‫الذهاب إلى هناك‪ ،‬وأمامك الكثير‪ :‬التكلفة المالية مشكلة عليك‪ ،‬إذا توفرت التكلفة المالية فأحياًن ا إجراءات السفر‪ ،‬هل هي‬
‫متاحة أم غير متاحة‪ ،‬اإلجراءات والتعقيدات في التنقل في هذه الدنيا من بلد إلى بلد‪ ،‬ومن دولة إلى دولة‪ ،‬من قطر إلى‬
‫قطر‪ ،‬تكاد تكون أحياًن ا مستحيلة في كثيٍر من األحوال‪ ،‬وأمور معَّقدة في هذه الحياة‪ ،‬أما هناك ال‪ ،‬بكل يسر‪ ،‬بكل حفاوة‪،‬‬
‫بكل تكريم‪َ{ ،‬نَت َبَّو ُأ ِمَن الَج َّن ِة َح يُث َن شاُء}‪ ،‬تتنقل‪ ،‬تذهب من هنا إلى هناك‪ ،‬تزور‪.‬‬
‫ثم في ذلك العالم العجيب‪ ،‬ذلك العالم األخضر‪ ،‬ذلك العالم بما فيه من النعيم العظيم تتوفر كل الرغبات لهذا اإلنسان‪،‬‬
‫وتتوفر كل الطلبات لهذا اإلنسان‪ ،‬هذه مسألة مستحيلة في الدنيا‪ ،‬ما يمكن تتوفر لإلنسان كل الرغبات ويرتاح بها‪ ،‬إن‬
‫توفرت رغبة فيشوبها الكثير من المنغصات‪ ،‬وتفوت الكثير من األمور األخرى‪ ،‬ما هناك أحد أبًد ا تتم له كل رغبات نفسه‬
‫مائة بالمائة وال يشوبها أٌي من المنغصات أبًد ا‪ ،‬ما هناك أحد يتحقق له هذا أبًد ا‪.‬‬
‫‪#‬وفيها ما تشتهيه األنفس‬
‫يقول هللا عن الجنة‪َ{ :‬و ِفيَه ا َم ا َت ْش َت ِه يِه اَأْلنُفُس }‪ ،‬كل ما يمكن أن تشتهيه نفسك‪ :‬من طعام‪ ،‬من شراب‪ ،‬من مالبس‪ ،‬من‬
‫ملذات الحياة والراحة النفسية متوفر هناك‪ ،‬هذه نعمة عجيبة جًّد ا‪َ{ ،‬و ِفيَه ا َم ا َت ْش َت ِه يِه اَأْلنُفُس }‪ ،‬فيها ويتوفر‪ ،‬وليس فيها‬
‫تشاهدوه ثم أنت ال تمتلك ثمنه‪ ،‬أو ال يمكنك الحصول عليه‪ ،‬أو هناك عائق‪ ،‬أو هناك مشكلة‪ ،‬أو هناك‪ ...‬ال‪ ،‬هو يتوفر‪،‬‬
‫{َو ِفيَه ا َم ا َت ْش َت ِه يِه اَأْلنُفُس َو َت َلُّذ اَأْلْع ُيُن }[الزخرف‪ :‬من اآلية‪ ،]71‬ما يلتذ به نظرك (بصرك)‪ ،‬كل المشاهد الجميلة التي‬
‫تتمتع بمشاهدتها‪ ،‬ترتاح لرؤيتها‪ ،‬وهذا يشمل أشياء كثيرة جًّد ا‪ ،‬ال نستطيع الحديث عنها‪ ،‬وال نعلم بالكثير منها‪{ ،‬وأنتم فيها‬
‫خالدون}‪ ،‬مع هذا‪ :‬الخلود لألبد‪ ،‬الحياة األبدية التي ال نهاية لها‪ ،‬ال بموت‪ ،‬وال بانتقال‪ ،‬وال بأي شيء‪.‬‬
‫المالئكة يقولون أيًضا لعباد هللا المتقين‪َ{ :‬و َلُك ْم ِفيَه ا}[فصلت‪ :‬من اآلية‪ ،]31‬يعني‪ :‬في الجنة‪َ{ ،‬م ا َت ْش َت ِه ي َأنُفُس ُك ْم }‪ ،‬وهذه‬
‫عبارة جامعة شاملة واسعة‪ ،‬كم سيدخل تحتها من التفاصيل‪َ( ،‬م ا َت ْش َت ِه ي َأنُفُس ُك ْم )‪َ{ ،‬و َلُك ْم ِفيَه ا َم ا َت َّدُعوَن }‪ ،‬ما تطلبونه‪ ،‬ما‬
‫ترغبون به‪ ،‬ما تتمنونه يتوفر‪.‬‬
‫الجنة عالم واسع جًّد ا‪ ،‬لها هذه السعة التي عرضها السموات واألرض بكلها‪ ،‬مع أن سكانها قليل لألسف؛ ألن األكثرية‬
‫البشرية‪ -‬بحسب النصوص القرآنية‪ -‬تذهب إلى جهنم "والعياذ باهلل"‪.‬‬
‫{َو ِلَم ْن َخ اَف َم َقاَم َر ِّبِه َج َّنَت اِن }[الرحمن‪ :‬من اآلية‪ ،]46‬في العالم الواسع‪ ،‬عالم الجنة الواسع‪ ،‬لإلنسان فيه‪ :‬مزارعه‬
‫الخاصة‪ ،‬بساتينه الخاصة‪ ،‬قصوره الخاصة‪ ،‬إضافة إلى ما هو أوسع من ذلك‪ ،‬يعني يكون لك‪ -‬مثاًل ‪ -‬قصورك‪ ،‬يكون لك‬
‫مزارعك‪ ،‬بساتينك التي هي خاصة بك‪ ،‬القصور‪ ،‬المساكن الطيبة‪ ،‬مساكن طيبة من بناء الجنة‪ ،‬من بناء هللا "ُسْب َح اَن ُه‬
‫َو َت َع اَلى" في سعتها‪ ،‬في تكوينها‪ ،‬في شكلها‪ ،‬في جمالها؛ من الذهب‪ ،‬من الفضة‪ ،‬من اللؤلؤ‪ ،‬من الزبرجد‪ ،‬من الياقوت‪ ،‬من‬
‫تلك األحجار الكريمة والمعادن النفيسة‪ ،‬من الذهب والفضة‪...‬الخ‪ .‬ولكن مع ذلك عالم الجنة عالٌم واسع‪ ،‬يعني‪ :‬فيه ما‬
‫يخصك‪ ،‬والبقية أيًض ا أينما ذهبت الفواكه أمامك‪ ،‬األنهار‪ :‬من اللبن‪ ،‬من العسل‪ ،‬من الخمر (خمر الجنة)‪ ،‬من الماء غير‬
‫اآلسٍن ‪ ،‬غير الملوث‪ ،‬الماء النقي‪ ،‬المشروبات المتنوعة‪ ،‬المتنزهات الواسعة في الجنة‪ ،‬العالم كله عالم من المتنزهات‪ ،‬كله‬
‫عالٌم مبهج‪ ،‬فيه كل الرغبات‪ ،‬تتوفر كل الطلبات‪ ،‬وداخل ذلك لكل مؤمن‪َ{ :‬و ِلَم ن خاَف َم قاَم َر ِّبِه َج َّن تاِن } في سورة‬
‫الرحمن‪ ،‬يتحدث عن كال الجنتين بأوصاف معينة‪َ{ ،‬ذ َو اَت ا َأْف َن اٍن }‪ِ{ ،‬فيِه َم ا ِمن ُك ِّل َف اِكَه ٍة َز ْو َج اِن }‪ِ ،‬فيِه َم ا‪ِ ،‬فيِه َم ا‪ ...‬يقول بعد‬
‫ذلك‪َ{ :‬و ِمن دوِنِه ما َج َّن تاِن }[الرحمن‪ :‬اآلية‪ ،]62‬يعني‪ :‬إضافة إليهما‪ -‬كذلك‪ -‬جنتان أقرب إلى قصره‪ ،‬وهكذا في كٍل منهما‬
‫تتوفر كل أنواع الفواكه‪ ،‬كل أنواع الثمار‪ ،‬األنهار‪ ،‬العيون الفوارة‪ ،‬العيون الجارية‪ ،‬المشاهد المبهجة‪...‬الخ‪.‬‬
‫فيما يتعلق بالشراب في الجنة‪ ،‬أنهار‪ -‬كما ذكر‪ -‬أنهار من الماء‪ ،‬من اللبن‪ ،‬من العسل‪ ،‬من الخمر‪...‬الخ‪ .‬عيون جارية‪،‬‬
‫عيون فوارة‪ ،‬وكذلك مشروبات أخرى‪ُ{ ،‬يْس َق ْو َن ِمن َّر ِحيٍق َّم ْخ ُتوٍم }[المطففين‪ :‬اآلية‪ ،]25‬هذا يوفر لهم حتى في ساحة‬
‫المحشر‪ ،‬وبالتأكيد في الجنة‪ ،‬الرحيق‪ :‬نوٌع من شراب أهل الجنة‪ ،‬لذيٌذ جًّد ا جًّد ا‪ ،‬في غاية اللذة‪ ،‬والمذاق‪ ،‬والفائدة‪ ،‬والمتعة‬
‫النفسية‪َّ{ ،‬م ْخ ُتوٍم (‪ِ )25‬خ َت اُمُه ِمْس ٌك}[المطففين‪ :‬من اآلية‪ ،]26-25‬هذه تقدم لهم (ُع َلب) معلبات في الجنة‪ ،‬يفتحونها‬
‫ويشربونها في أوقات معينة‪ ،‬ولكن الغطاء بالمسك‪ ،‬نفس الغطاء‪ ،‬ليس كما في الدنيا غطاء من الحديد‪ ،‬أو النحاس‪ ،‬أو نحو‬
‫ذلك ‪ِ{ .‬خ َت اُمُه ِمْس ٌك}‪.‬‬
‫{َو ُيْس َق ْو َن ِفيَه ا َك ْأسًا َك اَن ِم َز اُج َه ا َز نَج ِبيًال (‪َ )17‬ع ْينًا ِفيَه ا ُتَس َّمى َس ْلَس ِبيًال}[اإلنسان‪ ،]18-17 :‬هناك عيون في داخل الجنة‬
‫لها أسماء خاصة‪ ،‬يتميز شرابها بلذة عجيبة جًّد ا‪ ،‬ومذاق ونكهة متميزة للغاية‪ ،‬مثل هذا الشراب‪ ،‬من عيٍن تسمى‬
‫(سلسبياًل )‪ ،‬وهناك عين أخرى تسمى (تسنيم)‪ ،‬وعيون‪ ..‬هللا أعلم كم أصنافها وكم أنواعها‪.‬‬
‫يقول هللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى"‪َ{ :‬و َس َقاُه ْم َر ُّبُهْم َش َر ابًا َط ُهورًا}[اإلنسان‪ :‬من اآلية‪ ،]21‬وهذا من أنواع الشراب‪ .‬يقول هللا‬
‫"ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى"‪َ{ :‬ي َتَن اَز ُعوَن ِفيَه ا َك ْأسًا اَّل َلْغ ٌو ِفيَه ا َو اَل َت ْأِثيٌم}[الطور‪ :‬اآلية‪ ،]23‬هذا نوع من شراب الجنة‪ ،‬ومن خمرها‬
‫اللذيذ جًّد ا‪ ،‬إلى درجة أنه قال عنه‪َ{ :‬ي َتَن اَز ُعوَن ِفيَه ا}‪ ،‬طبًع ا لن يكون هذا نزاًعا ساخًن ا‪ ،‬إنما إقبالهم عليه لملذته العجيبة‪،‬‬
‫ويروقهم جًّد ا‪ ،‬هذا على مستوى الشراب‪ ،‬في مقابل أهل النار الذين شرابهم‪ :‬من الصديد المتعفن‪ ،‬من القيح‪ ،‬من الحميم‪،‬‬
‫الذي يشوي الوجوه ويقطع األمعاء "والعياذ باهلل"‪.‬‬
‫‪#‬وذللت قطوفها دانية!‬
‫يقول هللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى"‪َ{ :‬و َأْم َد ْد َن اُهم ِبَفاِكَه ٍة َو َلْح ٍم ِّمَّما َي ْش َت ُهوَن }[الطور‪ :‬اآلية‪ ،]22‬أنواع الفواكه‪ ،‬أنواع اللحوم‪ ،‬كل‬
‫أنواع الثمار‪َ{ ،‬و َلُهْم ِفيَه ا ِمن ُك ِّل الَّث َمَر اِت}‪ ،‬كل أنواع الفواكه‪ِ{ ،‬من ُك ِّل َف اِكَه ٍة َز ْو َج اِن }‪ ،‬على مستوى البستان الذي‬
‫يتبعك‪...‬الخ‪.‬‬
‫يقول هللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى"‪َ{ :‬و َفاِكَه ٍة َك ِثيَر ٍة}[الواقعة‪ :‬اآلية‪ ،]32‬ال حصر لها وال عد‪ ،‬أنواع متعددة جًّد ا‪ ،‬في عالم الدنيا‬
‫اليوم الكثير من الناس‪ ،‬الكثير من األسر ال يعرفون الفاكهة‪ ،‬ال تصل إليهم الفاكهة أصاًل ‪ ،‬والبعض يصل إليهم الرديء من‬
‫الفاكهة‪ ،‬والبعض القليل‪ ،‬والبعض في حالة نادرة جًّد ا‪ ،‬واإلنسان يبقى سنوات ويرى فاكهة معينة يحصل على بعٍض منها‪،‬‬
‫وفي كثيٍر من األحيان تصل الفاكهة إلى السوق متضررة‪ ،‬الُمزَاِر ع قد عمل فيها عمله من أنواع الغازات‪ ،‬وأنواع‬
‫المبيدات‪ ،‬والمكافحات الضارة حتى تصبح مصدًر ا لكثيٍر من األمراض‪ ،‬والمشتري قد تنَّقل بها من وضع إلى وضع‪ ،‬ومن‬
‫جو إلى جو‪ ،‬ومن ظروف إلى ظروف‪ ...‬ما تصل إلى المستهلك إلى وحالتها حالة‪ ،‬هذا إن وصلت‪ ،‬وإال الكثير من الناس‬
‫ال يصل إليهم شيء‪ ،‬أما هناك ال‪ ،‬الفاكهة الطازجة المتوفرة في كل مكان‪ ،‬عند قصرك‪ ،‬في أي مكان تنتقل إليه‪ ،‬الفواكه‬
‫متوفرة‪ُ{ ،‬قُط وُفَه ا َد اِنَي ٌة }[الحاقة‪ :‬اآلية‪َ{ ،]23‬و ُذ ِّلَلْت ُقُط وُفَه ا َت ْذ ِليًال}[اإلنسان‪ :‬من اآلية‪ ،]14‬فواكه هناك متوفرة دائًما‬
‫وطازجة‪ ،‬طرّية‪ ،‬يقتطفون في أي وقٍت‪ ،‬أو تقطف لهم‪ ،‬بحسب رغبتهم‪ ،‬إذا أنت في رحلة‪ ،‬أنت خرجت تتمشى في الجنة‬
‫سواًء في مزارعك‪ ،‬أو بساتينك‪ ،‬أو في عالم الجنة قدامك الفواكه‪ ،‬تريد أن تقطف لنفسك قطفت‪ ،‬وتدنو إليك‪ ،‬ومذللة لك‪،‬‬
‫وبدون أي صعوبة‪ ،‬أو فهناك الخدم وهناك القائمون على رعايتك في ذلك العالم الذين يمكن أن يقتطفوا لك أو يوفروا لك‬
‫ما ترغب به هناك‪.‬‬
‫ثم كذلك في الدنيا‪ ،‬مثاًل ‪ :‬قد يكون هناك تاجر‪ -‬مثاًل ‪ -‬أو ملك‪ ،‬أو أمير يمتلك النقود والفلوس التي يستطيع بها أن يشتري‬
‫أنواًعا كثيرة من الفواكه في الدنيا‪ ،‬ولكن ال تتأمن له كما قلنا طازجة متوفرة أشجارها في كل مكان‪ ،‬في عالم الدنيا أصاًل‬
‫المناخ والبيئة لها تأثير بسنة هللا وفطرته ونظامه للدنيا‪ ،‬أن ثماًر ا معينة أو فواكه معينة تصُلح في بلد وال تصلح في بلد‬
‫آخر‪ ،‬يعني‪ :‬ال يمكن أن يجتمع في بلد واحد في بستان واحد من كل أنواع الفواكه‪ .‬ال؛ ألن هناك فواكه يناسبها– مثاًل ‪-‬‬
‫مناطق حارة‪ ،‬فواكه يناسبها مناطق باردة‪ ،‬فواكه يناسبها مناطق معتدلة‪ ،‬فواكه يناسبها مناخ جاف‪ ،‬فواكه يناسبها مناخ‬
‫رطب‪ ،‬فواكه يناسبها مناخ معتدل‪ ،‬فواكه يناسبها تربة معينة‪ ،‬فواكه تناسبها تربة أخرى‪...‬الخ‪ .‬أما في الجنة يتوفر ذلك‪،‬‬
‫فيمكن أن يتوفر في البستان الواحد من كل أصناف الفواكه‪ ،‬وزوجان‪ ،‬يعني‪ :‬نوعان‪ ،‬من كل أنواع الفواكه‪ ،‬فيتوفر لك‬
‫بشكٍل طازج ما ترغب به‪ ،‬هذا في الدنيا غير متاح حتى ألي تاجر‪ ،‬أو أي ملك‪ ،‬أو أي أمير‪ ،‬أو أي أحد من زعماء الخليج‬
‫أو غيرهم‪.‬‬
‫هناك {َي ْد ُعوَن ِفيَه ا ِبُك ِّل َف اِكَه ٍة آِمِنيَن }[الدخان‪ :‬اآلية‪ ،]55‬في الدنيا البعض قد يتوفر له نسبة ال بأس بها من الفواكه‪ ،‬ولكن‬
‫ألنه يعاني من مرض معين مثاًل ‪ ،‬ال تناسبه فاكهة‪ ،‬أو مرض آخر تضره فاكهة معينة‪ ،‬وممنوع عليه طبًيا أن يتناول فاكهة‬
‫كذا وفاكهة كذا وفاكهة كذا؛ ألن فيها أضراًر ا معينة‪ ،‬أما في الجنة ما هناك أي ضرر من أي فاكهة‪ ،‬في عالم الجنة أي‬
‫فاكهة‪ِ{ ،‬بُك ِّل َف اِكَه ٍة}‪ ،‬ما هناك استثناءات‪ ،‬تلك الفاكهة يمكن أن تضر بصحتك‪ ،‬يمكن أن تؤِّث ر عليك‪( ،‬آِمِنيَن )‪ :‬آمنين من‬
‫مضرتها‪ ،‬من أضرارها على المستوى الصحي‪.‬‬
‫‪#‬المأكوالت على أرقى المستويات‬
‫وهكذا هو عالم الجنة‪ ،‬كل المأكوالت متوفرة فيه‪ ،‬كثيٌر من الناس في هذه الدنيا يعصي هللا بشهوة البطن (جحنان) يريد أن‬
‫يأكل بأي ثمن‪ ،‬حتى ولو من الحرام‪ ،‬فيخسر الوصول إلى ذلك النعيم الدائم واألبدي‪ ،‬البعض من الناس الوجبات الدسمة‬
‫جَّر ته إلى أن يقف في صف الباطل‪ ،‬في صف الطاغوت‪ ،‬مع الظالمين‪ ،‬مع المجرمين‪ ،‬وخسر ما كان سيأكل في عالم‬
‫الجنة لألبد ومتوفًر ا على أرقى مستوى‪ ،‬وعلى نحٍو واسٍع وعظيم‪ ،‬ثم يكون مصيره في النار الزقوم‪ ،‬لربما لو‪ ،‬يعني هللا‬
‫أعلم سيكون هناك مالعق في النار أو مالعق جهنمية‪ ،‬أم ال‪ ،‬يعني‪ :‬لربما قطرة واحدة من طعام الزقوم ينسى بها أكثر‬
‫أهل الدنيا ترًف ا‪ ،‬من كان في هذه الدنيا امتلك المال والثروة الطائلة‪ ،‬وفتح لنفسه المجال أن يأكل وأن يشرب من كل ما‬
‫ترغب به نفسه‪ ،‬بحسب أمواله وثرواته‪ ،‬وما عنده حالل وال عنده حرام‪ ،‬وال عنده‪ ...‬قطرة واحدة من الزقوم ستنسيه كل‬
‫ما قد تنعم به من طعام وشراب في هذه الدنيا‪ ،‬جرعة واحدة من الصديد الحميم الذي يغلي‪ ،‬فشربه اإلنسان وتجرعه‬
‫"والعياذ باهلل" في النار‪ ،‬تنسيه كل ما كان قد شربه في هذه الدنيا‪ ،‬من كل ما كان قد َلَّذ له وطاب له في هذه الحياة‪ ،‬البعض‬
‫ما كان عنده ال حالل وال حرام‪ ،‬ما أعجبه شربه‪ ،‬فيخسر اإلنسان‪ ،‬يخسر خسارة كبيرة جًّد ا‪.‬‬
‫في طريق هللا ستصل إلى النعيم العظيم الذي هو أرقى وأسمى وأعظم وأكبر من كل طموحاتك أصاًل ‪ ،‬فوق مستوى‬
‫رغبتك وطموحاتك‪ ،‬يسد احتياجك‪ ،‬رغباتك‪ ،‬يغطي طموحك وعاده الفائض‪ ،‬عاده زائد يعني نعمة‪.‬‬
‫‪#‬الجنة‪ ..‬مالبس وزينة أهلها!‬
‫عن مالبس أهل الجنة في الجنة‪ ،‬هذه األشياء التي هي ذات أهمية عند اإلنسان‪ :‬طعامه‪ ،‬شرابه‪ ،‬سكنه‪ ،‬منطقته التي يقطن‬
‫فيها‪ ،‬البيئة التي يعيش فيها‪...‬الخ‪ .‬كل هذا كيف هو في الجنة؟ المالبس‪ ،‬الكثير من الناس يحرص على أن يحصل على‬
‫المالبس الفاخرة‪ ،‬مع أن الكثير من بني البشر في ظل العالم الذي تزَّعمت فيه أمريكا وجماعة أمريكا في هذه الدنيا‪،‬‬
‫فظلموا عباد هللا‪ ،‬ونهبوا ثروات الشعوب‪ ،‬الكثير من الناس يعيشون حالة البؤس الشديد‪ ،‬البعض ال تتوفر لهم المالبس‬
‫العادية إال بمشقة‪ ،‬البعض إذا كان سيحصل في العام على ثوب جديد‪ ،‬سيعتبر هذه إيجابية كبيرة‪ ،‬البعض يشتري في هذه‬
‫الدنيا من البالة‪ ،‬من الثياب المستعملة‪ ،‬والتي باعتها شعوب أخرى‪ ،‬من الشعوب المترفة‪ ،‬أو المرتاحة اقتصادًيا‪.‬‬
‫المالبس في الجنة متوفرة جًّد ا ومن أرقى ما يمكن‪ ،‬يعني‪ :‬ما لم يصل إلينا في هذه الدنيا‪ ،‬ما ال نعرفه‪ ،‬لربما األغلبية من‬
‫البشر ال تعرفه‪ ،‬من حرير الجنة‪ ،‬الحرير الطبيعي في هذه الدنيا هو أرقى نوع من المالبس‪ ،‬من حيث نعومته‪ ،‬تنسجه‬
‫دودة القز‪ ،‬ال يحصل عليه إال البعض من كبار المترفين في هذه الدنيا‪ ،‬من بعض التجار‪ ،‬وليس كل التجار‪ ،‬البعض من‬
‫الملوك واألمراء والزعماء يمكن أن يحصلوا عليه‪ ،‬وبأثمان غالية جًّد ا‪ ،‬وعلى مستوى محدود‪ .‬أرقى وأغلى وأنعم وأجمل‬
‫المالبس في الدنيا هو الحرير الطبيعي‪ ،‬وهو نادر الوجود‪ -‬كما قلنا‪ -‬وقليل جًّد ا‪ ،‬حرير الجنة الذي هو أرقى من حرير‬
‫الدنيا بما ال يقارن‪ ،‬حرير الدنيا ال يساوي شيًئ ا أصاًل ‪ ،‬الحرير الطبيعي في الدنيا ال يساوي شيًئ ا بالمقارنة بينه وبين حرير‬
‫الجنة‪ ،‬حرير الجنة متوفر جًّد ا في الجنة‪ ،‬ومالبسهم بكلها مصنوعٌة منه‪َ{ ،‬ي ْلَب ُسوَن ِمن ُسنُد ٍس َو ِإْس َت ْب َر ٍق }[الدخان‪ :‬من اآلية‬
‫‪َ{ ،]53‬ع اِلَي ُهْم ِثَي اُب ُسنُد ٍس ُخ ْض ٌر َو ِإْس َت ْب َر ٌق }[اإلنسان‪ :‬من اآلية‪ ،]21‬هذا هو حرير الجنة المتنوع‪ ،‬منه ما يسمى بالسندس‬
‫في شكله‪ ،‬في جماله‪ ،‬في نسيجه‪ ،‬واإلستبرق كذلك‪ ،‬ربما هناك تفاوت في الغلظ والرقة‪ ...‬في اعتبارات متعددة‪.‬‬
‫{َو ِلَب اُسُهْم ِفيَه ا َح ِر يٌر}‪ ،‬يقول هللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى"‪ ،‬يعني‪ :‬مالبسهم كلها في الجنة من حرير الجنة الناعم جًّد ا والجميل جًّد ا‪،‬‬
‫هذا على مستوى المالبس‪ ،‬فيزدهون في تلك المالبس ويذهبون ويجيئون‪ ،‬مالبس ناعمة‪ ،‬راقية‪ ،‬جميلة جًّد ا‪ ،‬ليست مالبس‬
‫ثقيلة‪ ،‬وال خياطها وتفصيلها متعب‪ ،‬أو مقاسه لم يطابق‪ ،‬وال أي مشكلة معهم فيها أبًد ا‪.‬‬
‫الحّلي والزينة مع المالبس‪ ،‬مالبس الجنة تجمع بين النعومة والزينة‪ ،‬ناعمة‪ ،‬مريحة‪ ،‬وجميلة جًّد ا‪ ،‬يتجملون بها مع ذلك‬
‫الحلية {ُيَح َّلْو َن ِفيَه ا ِمْن َأَس اِو َر ِمن َذ َه ٍب َو ُلْؤ ُلًؤ ا}‪ ،‬يلبسون فيها الحلية‪ ،‬والرجال لهم أساور من ذهب‪ ،‬والبعض من فضة‪،‬‬
‫{َو ُح ُّلوا َأَس اِو َر ِمن ِفَّضٍة}[اإلنسان‪ :‬من اآلية‪ ،]21‬في بعضها‪ ،‬الذهب‪ ،‬الفضة المزينة باللؤلؤ ليزيدها جمااًل ؛ ألن اللؤلؤ له‬
‫جماله في بياضه ونعومته أيًض ا‪ ،‬فيلبسون الزينة‪ .‬النساء في الجنة هللا أعلم كيف هي زينتهن! ربما أكثر من الرجال‪ ،‬كما‬
‫في الدنيا‪.‬‬
‫‪#‬الحور والزفاف الميمون‪ ..‬مبروك أولياء هللا!‬
‫مع المالبس‪ ،‬الطعام‪ ،‬الشراب‪ ،‬المساكن‪...‬الخ‪ .‬هناك أيًضا الحور العين‪ ،‬الحور العين في الجنة حديث القرآن عنهن حديٌث‬
‫واسع‪ ،‬وأول أوصافهن هو هذه‪ ،‬ولربما من بعد الوصول إلى الجنة تبدأ األعراس في الجنة‪ ،‬في قصورها ومساكنها‪ ،‬يقول‬
‫هللا‪َ{ :‬و َز َّو ْج َن اُهم ِبُحوٍر ِع يٍن }[الدخان‪ :‬من اآلية‪ ،]54‬أوصاف الحور العين في الجنة‪ ،‬البعض منها هو هذه‪( :‬أوصاف‬
‫عيونهن)‪ ،‬مما يؤخذ بعين االعتبار في الجمال هو جمال العيون‪ ،‬جمال مؤِّث ر وجَّذ اب‪ ،‬معروٌف في الدنيا جاذبية جمال‬
‫العيون‪ ،‬الزوجات في الجنة من أهم ما يتمين به في جمالهن هو جمال العيون‪.‬‬
‫الحور‪ ،‬يقال أن معنى (الَح َو ْر ) هو‪ :‬صفاء عيونهن‪ ،‬من حيث أن األبيض بياٌض صاٍف وخالص‪ ،‬ال يشوبه حمرة‪ ،‬والسواد‬
‫كذلك يبقى خالًص ا‪ ،‬مع نفس العيون المفتحة الجميلة جًّد ا‪ ،‬فوق مستوى خيال اإلنسان‪ ،‬يقول هللا عنهن أيًض ا‪َ{ :‬ق اِص َر اُت‬
‫الَّط ْر ِف ِع يٌن }[الصافات‪ :‬من اآلية‪َ( ،]48‬ق اِص َر اُت الَّط ْر ِف )‪ :‬يختلف المفسرون في تفسيرها‪ ،‬البعض يقول‪ :‬أن المقصود به‬
‫أنهن ال ينظرن‪ ،‬وال يفكّر ن‪ ،‬وال يلتفتن إلى غير أزواجهن‪ ،‬وهذه صفة جذابة جًّد ا ومهمة للغاية‪ ،‬والبعض يقول‪ :‬أن‬
‫الطرف الذي فوق العين (هذا الغشاء) كذلك ُتعِّبر اآلية عن جماله‪.‬‬
‫‪#‬الحور‪ ..‬غاية الُحْس ن وقمة األخالق‬
‫من األوصاف قول هللا َت َع اَلى‪َ{ :‬ك َأَّن ُهَّن اْلَي اُقوُت َو اْلَم ْر َج اُن }[الرحمن‪ :‬اآلية‪ ،]58‬وهذا حديٌث عن الُحمرة التي تشوب بياض‬
‫الخد؛ ألنه يصف لونهن في بياضهن باللؤلؤ‪َ{ ،‬ك َأْم َث اِل الُّلْؤ ُلِؤ اْلَم ْك ُنوِن }[الواقعة‪ :‬اآلية‪ ،]23‬واللؤلؤ هو غاية الصفاء‬
‫والبياض‪ ،‬يقول في آية أخرى‪َ{ :‬ك َأَّن ُهَّن َب ْيٌض َّم ْك ُنوٌن }[الصافات‪ :‬اآلية‪]49‬؛ ألن البعض من الناس في الدنيا ما يعرف‬
‫اللؤلؤ‪ ،‬لكن البيض معروف‪ ،‬بياض شديد‪ ،‬فإذا كان مكنوًن ا يعني‪ :‬لم تصبه ُغ بره‪ ،‬ولم يتلوث بشيء‪ ،‬يبقى في بياضه‬
‫الناصع الواضح جًّد ا‪.‬‬
‫فمع ذلك البياض األصلي‪ ،‬يعني في الدنيا هناك شغل وعمل كبير في عمليات التجميل‪ ،‬في توفير متطلبات التجميل‪:‬‬
‫المساحيق‪ ،‬والمعجنات‪ ،‬والمساحيق‪ ،‬والمكياج‪ ،‬والمدري ماهو ذاك‪ ،‬وال‪ ...‬كم يعني من أكبر األسواق‪ ،‬والبضائع‪،‬‬
‫والمنتجات‪ ،‬والمصانع‪ ،‬متجه نحو هذا الموضوع‪ ،‬موضوع الجمال والتجميل‪ ،‬موضوع مهم عند البشر‪ ،‬يرِّك ز عليه‬
‫البشر‪ ،‬ترِّك ز عليه النساء‪ ،‬ويرِّك ز عليه الرجال أيًض ا من أجل النساء‪ ،‬فمع الناس في الدنيا تعب وهم متجِّملين‪ ،‬مصانع‬
‫كثيرة جًّد ا تصنع المكياج‪ ،‬المرهمات‪ ،‬المساحيق‪ ،‬وسائل وأدوات وإمكانات التجميل‪ ،‬عالم كبير في الدنيا‪.‬‬
‫هناك من أصل الخلقة‪ ،‬بياض ناصع جًّد ا وصاٍف كاللؤلؤ‪ ،‬كالبيض المكنون‪ُ ،‬حْم رة تكسو هذا البياض بداًل عن المكياج‪،‬‬
‫وبداًل من تلك الوسائل والمساحيق‪ ،‬ما تحتاج إليها النساء في الجنة أبًد ا‪ ،‬والحور المخلوقات في الجنة كذلك ما يحتجنن‬
‫إليها‪ ،‬من أصل الخلقة‪َ{ ،‬ك َأَّن ُهَّن اْلَي اُقوُت َو اْلَم ْر َج اُن }‪ ،‬الياقوت في حمرته الصافية جًّد ا والجميلة جًّد ا‪ ،‬المرجان كذلك‪ ،‬فيما‬
‫يكون على الخد‪ ،‬على جزٍء من الخد‪ .‬هذا بالنسبة للون‪ ،‬اللون األصلي من دون تكّلف‪ ،‬من دون عمليات ومساحيق وشغل‬
‫وعمل ومكياج ومدري ايش‪.‬‬
‫يقول هللا تعالى‪ِ{ :‬فيِه َّن َخ ْي َر اٌت ِحَس اٌن }[الرحمن‪ :‬اآلية‪ ،]70‬في خيام الجنة المصنوعة والمكَّو نة من اللؤلؤ‪ ،‬ومن الُز مرد‪،‬‬
‫ومن األنواع األخرى‪َ{ ،‬خ ْي َر اٌت ِحَس اٌٍن }‪ ،‬وهذا من أوصاف الحور في الجنة‪ ،‬خيراٌت في أخالقهن‪ ،‬ما يتميز به نساء أهل‬
‫الجنة والحور في الجنة‪ :‬جماٌل راٍق جًّد ا في الشكل‪ ،‬وأخالق عالية‪ ،‬وهذا شيء عظيم جًّد ا؛ ألنه في الدنيا البعض من‬
‫النساء تكون جميلة‪ ،‬ولكن لجمالها هي مدللة وشايفة حالها‪ -‬حسب التعبير المحلي‪( -‬عسره‪ ،‬وإال منخطة)‪ ،‬وإال أخالقها‬
‫من‬ ‫قليٌل‬ ‫متعبة‪ ،‬إما إن فيها حالة شديدة من االنفعال‪ ،‬أو حالة كسل‪ ،‬أو حالة‪ ...‬أي صفة‪ ،‬يعني‪ :‬ما تجتمع من كل الجوانب‪،‬‬
‫النساء من يجتمع لها جمال في شكلها‪ ،‬في خلقها‪ ،‬ومعه أخالق عالية جًّد ا‪ ،‬ودين‪ ،‬واهتمام بالزوج‪ ،‬وتواضع‪ ،‬وعناية به من‬
‫كل الجوانب‪...‬الخ‪.‬‬
‫أما هناك جمعن بين األخالق الراقية جًّد ا‪َ( ،‬خ ْي َر اٌت )‪ :‬ذوات خير في أخالقهن‪ ،‬في معامالتهن‪ ،‬في نفسياتهن‪ ،‬في كل ما‬
‫يتصل بذلك‪ ،‬سلوكها‪ ،‬أخالقها‪ ،‬نفسيتها‪ ،‬معاملتها‪...‬الخ‪َ( .‬خ ْي َر اٌت )‪ِ( ،‬حَس اٌن )‪ُ :‬حسن الجمال‪ُ ،‬حسن اللون‪ُ ،‬حسن الرشاقة‪،‬‬
‫ُحسٌن في الخلق‪ ،‬في التكوين‪ ،‬فجمعَن بين المسألتين‪ ،‬هذا جانب يمِّث ل جاذبية كبيرة جًّد ا‪.‬‬
‫‪#‬عرًبا أتراًبا‬
‫يقول هللا عنهن أيًض ا‪ُ{ :‬عُربًا َأْت َر ابًا}[الواقعة‪ :‬اآلية‪ُ( ،]37‬عُربًا)‪ :‬يعني ُم َت َو ِّد َدات وُم َت َح ِّب َب ات إلى أزواجهن‪ ،‬أخالقها راقية‬
‫جًّد ا‪ ،‬ما هي عسرة‪ ،‬ما هي جافية‪ ،‬ما هي معرضة‪ ،‬ما هي با تعامل زوجها بجفاء‪ ،‬أو تعامله بإساءة‪ ،‬أو بقلة احترام‪ ،‬أو‬
‫بقلة توقير‪ ،‬أو بقسوة عليه‪ .‬ال‪ ،‬أبًد ا‪ ،‬دائمة التودد‪ ،‬اللطف‪ ،‬حسن التعامل مع زوجها‪ ،‬ترِّغ به أيًضا‪ ،‬تمِّث ل جاذبية مستمرة‬
‫في تعاملها معه‪ ،‬راقية جًّد ا‪َ( .‬أْت َر ابًا)‪ :‬ألنهن متعددات‪ ،‬فبالتالي هَّن متكافئات‪ ،‬ومتقاربات في مستوى الجمال‪ ،‬وفي مستوى‬
‫الشكل والعمر‪ ،‬بمعنى‪ :‬ما هو وحدة منهن عجوز‪ ،‬واألخرى شابة‪ ،‬با يترك صاحب الجنة العجوز ما عاد يبدي عليها‪،‬‬
‫وينجذب للشابة ما عاد يشتي إال عندها‪ .‬ال‪ ،‬وذيك قد هي كبيرة جًّد ا‪ ،‬وذيك عادها صغيرة جًّد ا‪ ...‬ال‪ ،‬متقاربات‪ ،‬أيًض ا‬
‫بينهن ِنِّد َّية في الجمال‪ ،‬ما تلك جميلة مثاًل ‪ ،‬واألخرى حالتها حاله يعني مسكينة؛ فينجذب نحو تلك ويترك األخرى‪ُ ،‬هَّن في‬
‫ِنِّد َّية‪ ،‬ولو أنُهَّن قد يكَّن مختلفات‪ ،‬لكن كٌل لها شخصيتها‪ ،‬لها جمالها‪ ،‬لها ميزتها‪ ،‬لها‪ ...‬وتلك األخرى‪ -‬أيًض ا‪ -‬لها‬
‫شخصيتها‪ ،‬لها جمالها‪ ،‬لها ميزاتها‪ ...‬وتلك األخرى كذلك‪ ،‬إن ذهب إلى قصره في الجنة‪ ،‬في جانب من جوانب الجنة‬
‫(عالم هناك)‪ ،‬أمامه في تلك الجهة من جهات الجنة مثاًل عالم كبير جًّد ا‪ ،‬يعني‪ :‬افترض لو أنك في الدنيا‪ ،‬مثاًل ‪ :‬معك في‬
‫كل قارة في الدنيا سكن‪ ،‬معك بساتين‪ ،‬معك زوجة‪ ،‬ومعك في قارة أخرى كذلك‪ ،‬أو على مستوى دول‪ ،‬مثاًل ‪ :‬في دولة‬
‫كذا‪ ،‬أو أقطار‪ُ :‬قطر كذا‪ ،‬أو مناطق‪ ...‬عالم الجنة عالم واسع جًّد ا‪.‬‬
‫تذهب إلى مزرعة لك في جهة من جهات الجنة‪ ،‬معك فيها خيمة‪ ،‬معك فيها من الحور العين‪ ،‬معك فيها الخدم‪ ،‬معك فيها‬
‫وسائل الحياة كاملة‪ ،‬تذهب إلى جهة أخرى من جهات الجنة‪ ،‬بالد بعيدة جًّد ا في الجنة معك فيها كذلك‪ ،‬عالم غير ُمِمل‬
‫يعني‪ ،‬تتنقل تذهب تجئ‪ ،‬معك هناك‪ :‬القصر‪ ،‬المزارع‪ ،‬الزوجة‪...‬الخ‪ .‬معك هناك كذلك‪ ،‬معك هناك كذلك‪ ،‬وحياة أبدية‪،‬‬
‫يعني‪ :‬تتسع لكل هذا‪ُ{ .‬عُربًا َأْت َر ابًا}‪ ،‬فيدخل في مفهوم (َأْت َر ابًا) ما يتعلق بالنِّد َّية بينهن في‪ :‬مستوى الجمال‪،‬‬
‫والشخصية‪...‬الخ‪.‬‬
‫‪#‬بيئة راقية ورفاهية عالية‬
‫تتوفر لإلنسان كل هذه األشياء‪ ،‬وفي بيئة الجنة الراقية‪ ،‬الجنة بكلها بيئة ومناخ راٍق جًّد ا‪ ،‬يعني‪ :‬في الدنيا بعض البلدان‬
‫تراها‪ -‬مثاًل ‪ -‬في الصور‪ ،‬أو في مشاهد التلفاز خضراء جًّد ا جًّد ا‪ ،‬ويتوفر فيها المياه‪ ،‬لكن فيها مشكلة الحرارة الشديدة‪ ،‬بالد‬
‫حارة للغاية‪ ،‬وفيها أوبئة‪ ،‬وفيها حيوانات خطيرة على حياتك‪ ،‬وفيها يعني‪ ...‬وأكثر األشجار التي تشاهدها جميلة ليس فيها‬
‫أشجار فواكه وال ثمار لألكل (للطعام)‪ ،‬نقص من كل جانب‪ ،‬أما هناك كل شيء متوفر على أرقى مستوى‪ ،‬والبيئة نفسها‬
‫بيئة معتدلة ومريحة جًّد ا‪ ،‬ال أذية الشمس‪ ،‬وال أذية البرد‪ ،‬يقول هللا تعالى‪{ :‬اَل َيَر ْو َن ِفيَه ا َش ْم سًا َو اَل َز ْم َه ِر يرًا}[اإلنسان‪ :‬من‬
‫اآلية‪ ،]13‬فال أذية البرد القارص الذي يؤذي‪ ،‬وال حرارة الشمس مزعجة هناك‪ ،‬راحة‪ ،‬في كل مكان في الجنة بيئة‬
‫مالئمة وراحة‪ ،‬وما هناك أي متاعب‪ ،‬في الدنيا قد تتوفر لك‪ :‬الثروة‪ ،‬اإلمكانات‪ ،‬المتطلبات‪ ،‬الرغبات‪ ،‬ولكن يضاف إلى‬
‫ذلك عبء المسؤولية‪ ،‬أنت تاجر‪ ،‬أنت مشغول بتجارتك‪ :‬تتابع أعمالك‪ ،‬تتابع تجارتك‪ ،‬تحمل َهَّم بيعك وشرائك‪ ،‬تتابع‪...‬‬
‫عندك هموم‪ ،‬عندك مشاكل‪ ،‬عندك انشغاالت كثيرة‪ ،‬أو مزارع كبيرة‪ ،‬عندك مزارع ضخمة‪ ،‬فأنت مشغول بمتابعتها‪،‬‬
‫ومتابعة شئونها‪ ،‬ومتطلباتها‪ ،‬واحتياجاتها‪ ،‬واالنتباه لها‪ ...‬تحمل هًّم ا‪ ،‬أما هناك مع كل ما يعطيك هللا‪ ،‬ويتوفر لك‪ ،‬ويتهيأ‬
‫لك‪ ،‬ما هناك شغل‪ ،‬ما هناك تعب‪ ،‬أنت مرتاح‪.‬‬
‫ولهذا كثيًر ا ما ورد في القرآن الكريم‪ُ{ ،‬م َّت ِكِئيَن ِفيَه ا َع َلى اَأْلَر اِئِك }[اإلنسان‪ :‬من اآلية‪ُ{ ،]13‬م َّتِكِئيَن َع َلى ُسُر ٍر َّمْص ُفوَفٍة}‬
‫[الطور‪ :‬من اآلية‪ ،]20‬آيات كثيرة ُتعِّبر هذا التعبير‪ ،‬جالسين مرتاحين‪ ،‬ما عندهم َه ّم‪ ،‬وال شغل‪ ،‬وال مشاكل‪ ،‬وال متاعب‪،‬‬
‫وال مسؤوليات‪ ،‬وال أعباء‪ ،‬وال ما يشغلهم أبًد ا‪ ،‬ما عاد عندك أي تعب أبًد ا يزعجك ويشغلك‪ ،‬مرتاحين على األرائك‪،‬‬
‫عندهم الكنب والكراسي الفاخرة جًّد ا التي يجلسون عليها‪.‬‬
‫ومخدومين لتوفير متطلباتهم واحتياجاتهم‪َ{ ،‬و َي ُط وُف َع َلْي ِه ْم ِغ ْلَم اٌن َّلُهْم }[الطور‪ :‬اآلية‪ ،]24‬يطوفون عليهم‪ ،‬حتى ما تحتاج‬
‫تقوم لحاجة من حاجاتك‪ ،‬لو عرضت لك حاجة‪ ،‬أو رغبت في شيٍء ما‪ ،‬هو يطوف عليك بين كل آونة‪ ،‬بين كل فترة‬
‫وأخرى [إذا حاجة‪ ،‬إذا خدمة‪ ،‬إذا أنت تريد شيًئ ا]‪ ،‬وخدم على مستوى راقي جًّد ا‪َ{ ،‬ك َأَّنُهْم ُلْؤ ُلٌؤ َّم ْك ُنوٌن }‪ ،‬خدم على درجة‬
‫راقية من النظافة‪ ،‬والجمال‪ُ ،‬يقّرب لك ما يقّرب لك من طعام أو شراب وهو نظيف جًّد ا‪ ،‬ك الُلْؤ ُلٌؤ الَّم ْك ُنوٌن ‪ ،‬ودورهم هو‬
‫الخدمة هذه‪ :‬توفير متطلبات طعام‪ ،‬شراب‪ ،‬أي خدمات تريد أن يأتي بها إليك‪.‬‬
‫‪#‬طمأنينة كاملة وسعادة بال حدود‬
‫مع النعيم المادي في توفير كل المتطلبات والملَّذ ات التي يريدها اإلنسان من‪ :‬أكل‪ ،‬شراب‪ ،‬طعام‪ ،‬الزوجة‪ ...‬كل هذا‬
‫النعيم‪ ،‬هناك أيًض ا الراحة النفسية‪ ،‬ما يشوب هذا النعيم أي منِّغ صات؛ ألنه هناك ال َه ّم‪ ،‬وال حزن‪ ،‬وال مرض‪ ،‬وال َغ ّم‪،‬‬
‫وال هرم‪ ،‬وال وجع‪ ،‬وال أي منغصات أبًد ا‪ ،‬يحكي هللا عن أهل الجنة في الجنة‪َ{ :‬و َق اُلوا الحمد هلل}‪ ،‬هم أدركوا نعمة الراحة‬
‫النفسية‪ ،‬يعني الحظوها أيًض ا هم‪َ{ ،‬و َقاُلوا اْلَح ْمُد ِهَّلِل اَّلِذي َأْذ َهَب َع َّن ا اْلَح َز َن }[فاطر‪ :‬من اآلية‪ ،]34‬حزن الدنيا راح وانتهى‪،‬‬
‫كم يحمل اإلنسان في هذه الدنيا من أحزان‪ ،‬كم وكم!! لكن هناك خالص‪ ،‬راحت‪ ،‬وصل اإلنسان ذاك النعيم‪ ،‬تلك السعادة‪،‬‬
‫طار حزن الدنيا وانتهى أبًد ا‪ ،‬وال حزن يأتي آخر أبًد ا‪َ{ ،‬و َق اُلوا اْلَح ْم ُد ِهَّلِل اَّلِذي َأْذ َهَب َع َّن ا اْلَح َز َن }‪ ،‬هم أدركوا هذه النعمة‪:‬‬
‫نعمة الراحة النفسية‪ِ{ ،‬إَّن َر َّب َن ا َلَغ ُفوٌر َش ُك وٌر (‪ )34‬اَّلِذي َأَح َّلَن ا َد اَر اْلُم َقاَم ِة}‪ ،‬دار االستقرار‪ ،‬ما هناك ما يزعجك‪ ،‬ما هناك‬
‫ما يشِّك ل خطورة عليك‪ ،‬حيث أنت تسكن تضطر إلى االنتقال‪ ،‬ما هناك نازحين‪ ،‬وما هناك مشاكل‪ ،‬وال هناك مسؤوليات‬
‫أيًضا تستدعي أن يذهب اإلنسان ويجيء‪ ،‬ال مسؤوليات معيشية‪ ،‬وال غيرها‪{ ،‬اَّلِذي َأَح َّلَن ا َد اَر اْلُم َقاَمِة ِمن َف ْض ِلِه اَل َيَمُّس َن ا‬
‫ِفيَه ا َن َص ٌب َو اَل َيَمُّس َن ا ِفيَه ا ُلُغ وٌب }[فاطر‪ :‬اآلية‪ ،]35‬ال هناك أعمال متعبة‪ ،‬نحتاج نقوم بها فنتعب للقيام بها‪ ،‬وال لغوب‪ ،‬أي‬
‫آثار الجهد النفسي والعملي‪ ،‬بعد الكد‪ ،‬نتيجة الجهد النفسي والعملي والبدني الذي يصيب اإلنسان‪ ،‬ما بش‪ ،‬مرتاحين على‬
‫طول على طول‪ ،‬ما عاد بش أي أعباء هناك وال متاعب أبًد ا نهائًيا‪.‬‬
‫‪#‬عالم المحبة والطيبة والسلوك الراقي‬
‫وتعيش في هذه الحياة السعيدة‪ ،‬الهنيئة‪ ،‬المتوفر فيها كل الرغبات والمتطلبات‪ ،‬وأنت في واقع محترم ومكَّر م‪ ،‬ما أحد‬
‫يؤذيك‪ ،‬ما أحد يسيء إليك‪ ،‬ما أحد يخدش كرامتك‪ ،‬ما أحد يسيء إليك بما يجرح مشاعرك‪ ،‬وال حتى كلمة مزعجة تجرح‬
‫مشاعرك‪ ،‬ذلك العالم هو عالم السالم الحقيقي‪ ،‬حتى الكلمة المزعجة‪ ،‬أو الكلمة المؤذية‪ ،‬أو الكلمة الجارحة لمشاعرك ما‬
‫تسمعها‪{ ،‬اَّل َت ْس َم ُع ِفيَه ا اَل ِغ َي ًة }[الغاشية‪ :‬اآلية‪{ ،]11‬اَل َي ْس َم ُعوَن ِفيَه ا َلْغ وًا ِإاَّل َس اَل مًا}[مريم‪ :‬من اآلية‪ ،]62‬في الدنيا هذه كم‬
‫تسمع وتسمع مما يزعجك‪ ،‬مما يؤذيك‪ ،‬مما يسيء إليك‪ ،‬مما يجرح مشاعرك‪ ،‬مما مما‪ ...‬كم وكم وكم‪ ،‬يعني‪ :‬مالن الدنيا‪،‬‬
‫وأما هذا الزمن تطَّو رت كل هذه األشياء‪ ،‬الوسائل اإلعالمية‪ ،‬ووسائل التواصل‪ ،‬ووسائل كثيرة ُتستغل للغو‪ .‬هناك ال يوجد‬
‫الكالم المسيء‪ :‬ال كالم منحط‪ ،‬ال كالم بذيء‪ ،‬ال كالم فاحش‪ ،‬ال كالم فيه افتراء‪ ،‬ال كالم ظالم‪ ،‬ال كالم‪ ...‬كل اللغو بكل‬
‫أشكاله‪ ،‬هناك الكالم السليم الذي ال يجرح المشاعر‪ ،‬ال يسيء‪ ،‬ال يؤذي‪ ،‬ال يزعج‪ ،‬ال وال‪ ...‬وال أي شيء‪ .‬والكالم الطيب‪،‬‬
‫السليم‪ ،‬الراقي‪ ،‬النزيه‪ ،‬النظيف‪ ،‬قال هللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى"‪َ{ :‬و ُهُدوا ِإَلى الَّط ِّيِب ِمَن اْلَق ْو ِل َو ُهُدوا ِإَلى ِص َر اِط اْلَح ِميِد}[الحج‪:‬‬
‫اآلية‪ ،]24‬في معامالتهم‪ ،‬في سلوكياتهم راقين‪ ،‬وطيبين‪ ،‬وطاهرين‪ ،‬ونظيفين‪ ،‬وسليمين‪ ،‬السلوكيات السيئة ما بش منها‬
‫هناك في عالم الجنة أبًد ا‪ ،‬العالقة الودية هي السائدة بين أهل الجنة‪ ،‬ما هناك بين هذا وذاك ال غل‪ ،‬وال حسد‪ ،‬وال تنافس‪،‬‬
‫وال مطامع‪ ،‬وال أي شيء‪ ،‬العالقة السائدة هي األخوة‪ ،‬وانعدام كل أشكال الغل واإلحن‪َ{ ،‬و َنَز ْع َن ا َم ا ِفي ُصُدوِر ِهم ِّمْن ِغ ٍّل‬
‫ِإْخ َو انًا}[الحجر‪ :‬من اآلية‪ِ( ،]47‬إْخ َو انًا)‪ :‬كلهم متآخين أهل الجنة‪ ،‬عالم أخوة‪ ،‬وأخوة راقية أخوة أهل الجنة‪ ،‬ماهي مثل‬
‫أخوة البعض في الدنيا‪ ،‬قال‪[ :‬بين أرحمك مثل أخي]‪ ،‬يعني‪ُ :‬أحُبك كأخي‪[ ،‬قالوا‪ :‬كيف كانت محبته ألخوه]‪ ،‬قالو‪[ :‬كان‬
‫بيكرهه كره شديد]‪ .‬هناك ال‪ ،‬أخوة راقية جًّد ا‪َ{ ،‬ع َلى ُسُر ٍر ُّم َتَقاِبِليَن }‪ ،‬لهم مجالس لالجتماعات األخوية والودية‪ ،‬التي‬
‫يتذاكرون فيها أحوال ما هم فيه‪ ،‬ويرتاحون باللقاء مع بعضهم البعض‪ ،‬ويشربون من شراب الجنة‪.‬‬
‫‪#‬اجتماع الشمل ومجاورة األنبياء والصديقين‬
‫مع هذا أيًض ا يجمع هللا شمل األسر المؤمنة‪ ،‬منذ ساحة المحشر‪ ،‬وفي الجنة‪ ،‬األسرة المؤمنة الصالحة المتقية الذين جمعتهم‬
‫رابطة التقوى‪ ،‬فكانوا متقين في هذه الدنيا‪ ،‬يجتمع شملهم في الجنة على الخير‪ ،‬على السعادة‪ ،‬في تلك الحياة الطيبة‬
‫والهنيئة‪ ،‬يقول هللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى"‪َ{ :‬و اَّلِذيَن آَم ُنوا َو اَّت َبَع ْت ُهْم ُذ ِّر َّي ُتُهم ِبِإيَم اٍن َأْلَح ْق َن ا ِبِه ْم ُذ ِّر َّي َت ُهْم َو َم ا َأَلْت َن اُهم ِّمْن َعَمِلِه م ِّمن‬
‫َش ْي ٍء}[الطور‪ :‬من اآلية‪ ،]21‬يعني‪ :‬من دون نقص‪ ،‬ال في عمل اآلباء‪ ،‬وال في عمل األبناء‪ ،‬كذلك في دعاء المالئكة‬
‫المذكور في القرآن الكريم‪َ{ :‬ر َّب َن ا َو َأْد ِخ ْلُهْم َج َّن اِت َع ْد ٍن اَّلِتي َو َع دَّتُهم َو َم ن َص َلَح ِمْن آَباِئِه ْم َو َأْز َو اِجِه ْم َو ُذ ِّر َّياِتِه ْم }[غافر‪ :‬من‬
‫اآلية‪ ،]8‬وكذلك يشير إلى هذا في سورة الرعد‪.‬‬
‫مع هذا وذاك‪ ،‬ومن أعظم ما في الجنة‪ ،‬ومن أكرم ما في الجنة‪ ،‬هو مجاورة أنبياء هللا والصفوة الطاهرة من عباد هللا‪،‬‬
‫نجاور في الجنة‪ -‬نسأل هللا أن يدخلنا الجنة‪ -‬أنبياء هللا‪ ،‬نعيش معهم‪ ،‬يمكن أن تلقاهم‪ ،‬أن تلتقي بهم‪ ،‬أن تزورهم‪ ،‬أن‬
‫تتشرف وتنُعم بالزيارة لهم‪ ،‬والسماع لهم‪ ،‬واللقاء بهم‪ ،‬والمشاهدة لهم‪ ،‬هذه تعتبر من أعظم ما في الجنة‪ ،‬عندما تذهب إلى‬
‫رسول هللا "صلوات هللا عليه وعلى آله"‪ ،‬عندما تشاهد نبي هللا إبراهيم‪ ،‬نبي هللا موسى‪ ،‬أنبياء عظماء‪ ،‬كذلك من‬
‫الصديقين‪ ،‬يمكنك في الجنة تشاهد اإلمام علي‪ ،‬تلتقي باإلمام علي‪ ،‬تلتقي باإلمام الحسن‪ ،‬باإلمام الحسين‪ ،‬بأولياء هللا‬
‫والصفوة الطاهرة من عباد هللا في كل عصر وزمن‪ ،‬وهذه نعمة عظيمة‪ ،‬نسأل هللا أن يجعلنا مجاورين لهم‪ ،‬وأن يُمَّن علينا‬
‫بلقائهم‪ ،‬ويجمعنا بهم في مستقر رحمته‪ ،‬يقول هللا تعالى‪َ{ :‬و َم ن ُيِط ِع َهّللا َو الَّر ُسوَل َف ُأْو َلِئَك َمَع اَّلِذيَن َأْن َع َم ُهّللا َع َلْي ِه م ِّم َن‬
‫الَّن ِبِّييَن َو الِّص ِّد يِقيَن َو الُّش َه َد اء َو الَّصاِلِحيَن َو َح ُس َن ُأوَلِئَك َر ِفيقًا}[النساء‪ :‬اآلية‪ ،]69‬ما أعظمها من رفقة‪ ،‬وما أحسنها من‬
‫رفقة‪.‬‬
‫‪#‬فنعم عقبى الدار‬
‫مع هذا وذاك‪ ،‬مع النعيم المادي‪ ،‬والسعادة‪ ،‬والراحة‪ ،‬والحياة الهنيئة والطيبة‪ ،‬هناك كل هذا يأتي في جٍو من التكريم كلُه‪،‬‬
‫كل هذا النعيم‪ ،‬منذ استقبالك في أبواب الجنة تحظى بالتكريم واالحترام من المالئكة‪ ،‬كل أشكال الحياة في الجنة‪ ،‬حتى‬
‫الخدمة‪ ،‬حتى كل ما يقّدم لك‪ ،‬ما تصل إليه في جٍو من التكريم‪ ،‬وهذا شيء عظيم جًّد ا‪ ،‬واإلحساس بأن هذه ضيافة هللا‪،‬‬
‫كرامة هللا‪ ،‬رحمة هللا‪ ،‬فضٌل من هللا‪ ،‬هذا كلُه يبقى يعني مع كل ما تصل إليه وتنعم به هناك‪ ،‬التكريم هناك هو لدرجة أن‬
‫يزورك المالئكة‪ ،‬أن يدخلوا إليك إلى بيتك‪ ،‬إلى قصرك‪ ،‬إلى مستقرك في الجنة‪ ،‬يقول هللا‪َ{ :‬و الَم َالِئَك ُة َي ْد ُخ ُلوَن َع َلْي ِه م ِّمن‬
‫ُك ِّل َب اٍب}[الرعد‪ :‬من اآلية‪ ،]23‬زيارات ووفود إلى كل واحد من أهل الجنة‪ ،‬كٌل له زواره من مالئكة هللا‪ ،‬للترحيب‪،‬‬
‫لالستقبال‪ ،‬للتكريم {َس اَل ٌم َع َلْي ُك م}‪ ،‬هذه أجواء االستقبال والترحيب‪َ{ ،‬س َالٌم َع َلْي ُك م ِبَم ا َص َب ْر ُتْم }[الرعد‪ :‬من اآلية‪ ،]24‬هذه‬
‫كانت عاقبة صبركم في الدنيا‪ ،‬يوم صبرتم في جهادكم‪ ،‬يوم صبرتم في عنائكم‪ ،‬يوم صبرتم في أعمالكم الصالحة‪ ،‬يوم‬
‫صبرتم وحبستم النفس عن شهواتها وأطماعها وأهوائها‪ ،‬التي هي كانت معصية‪...‬الخ‪َ{ .‬ف ِنْع َم ُع ْق َب ى الَّداِر }‪ ،‬وصلتم إلى‬
‫أحسن عاقبة‪ ،‬إلى أحسن دار (دار الجنة)‪.‬‬

‫{َو ُنوُد وْا} في الجنة‪ ،‬وهم يذهبون بين بساتينها‪ ،‬ومروجها‪ ،‬وينابيعها‪ ،‬وأنهارها‪َ{ ،‬أن ِتْلُك ُم اْلَج َّن ُة ُأوِر ْث ُتُموَه ا ِبَم ا ُك نُتْم‬
‫َت ْع َم ُلوَن }[األعراف‪ :‬من اآلية‪ ،]43‬شوفوا عملكم‪ ،‬نتيجته الطيبة‪ ،‬نتيجته العظيمة ما وصلتهم إليه‪ ،‬شرف كبير‪.‬‬
‫ومع هذا النعيم والتكريم العظيم ليسوا قلقين من إمكانية موتهم‪ ،‬يقول لك‪[ :‬الحياة هناك مؤقتة]‪ .‬ال‪ ،‬أو إمكانية إخراجهم‪َ{ ،‬ال‬
‫َيَم ُّسُهْم ِفيَه ا َن َص ٌب َو َم ا ُهم ِّم ْن َه ا ِبُم ْخ َر ِج يَن }[الحجر‪ :‬اآلية‪ ،]48‬باقين على طول‪ ،‬حالين لألبد‪{ ،‬اَل َي ُذ وُقوَن ِفيَه ا اْلَم ْو َت }‬
‫[الدخان‪ :‬من اآلية‪ ،]56‬ما هو هام إنه [صح هناك نعيم وراحة]‪ ،‬وبعدين با يزداد االنسجام‪ ،‬ما عاد بده يفارق ذلك النعيم‪،‬‬
‫لكنه سيموت‪ ،‬ما بش موت {اَل َي ُذ وُقوَن ِفيَه ا} في الجنة {اْلَم ْو َت }‪َ{ ،‬خ اِلِديَن ِفيَه ا َأَب دًا}‪ ،‬وتكررت هذه (َخ اِلِديَن ِفيَه ا)‪َ( ،‬خ اِلِديَن‬
‫ِفيَه ا) في القرآن الكريم‪.‬‬
‫وأيًضا ال ملل‪ ،‬مع طول الحياة هناك‪ ،‬وعدم انقطاعها نهائًيا ما بش ملل؛ ألن الجنة عالم واسع جًّد ا جًّد ا جًّد ا‪ ،‬يمكن تمضي‬
‫في كل بقعة فترة طويلة جًّد ا‪ ،‬وتأتي بقعة أخرى فيها جو جديد من الحياة‪ ،‬شكل جديد‪ِ ،‬نَع م إضافية‪ ،‬تجدد للعطاء اإللهي‪،‬‬
‫ومع ذلك يقول هللا عنها‪َ{ :‬خ اِلِديَن ِفيَه ا اَل َي ْب ُغ وَن َع ْن َه ا ِحَو ًال}[الكهف‪ :‬اآلية‪ ،]108‬ما يشتوا يرحلوا أبًد ا‪ ،‬ويتجدد النعيم في‬
‫كل مرحلة‪ ،‬في كل فترة تأتي أشياء جديدة من كرم هللا‪ ،‬من رحمة هللا‪ ،‬من عطاء هللا‪َ{ ،‬ف اَل َت ْع َلُم َن ْف ٌس َّما ُأْخ ِفَي َلُهم ِّمن ُقَّر ِة‬
‫َأْع ُيٍن }[السجدة‪ :‬من اآلية‪.]17‬‬
‫‪#‬لكي نفوز بالجنة‬
‫ومع هذا وذاك‪ ،‬يلتقون‪ ،‬يتذاكرون أجواء الدنيا‪ ،‬كيف وصلوا إلى ذلك النعيم‪ ،‬كيف فازوا ذلك الفوز العظيم‪ ،‬يقول هللا عن‬
‫اجتماعاتهم في الجنة وتذاكرهم لما وصلوا إليه‪َ{ :‬و َأْق َبَل َب ْع ُضُهْم َع َلى َب ْع ٍض َي َت َس اءُلوَن }[الطور‪ :‬اآلية‪[ ،]25‬كيف وصلنا إلى‬
‫هذا النعيم‪ ،‬إلى الجنة؟ كيف نجونا من عذاب هللا‪ ،‬كيف فزنا هذا الفوز؟]‪َ{ ،‬ق اُلوا ِإَّن ا ُكَّن ا َقْبُل}‪ ،‬أيام الدنيا {ِفي َأْه ِلَن ا ُم ْش ِفِقيَن (‬
‫‪َ )26‬فَمَّن ُهَّللا َع َلْي َن ا َو َو َق اَن ا َع َذ اَب الَّسُموِم (‪ِ )27‬إَّن ا ُكَّن ا ِمن َق ْبُل َنْد ُعوُه ِإَّن ُه ُه َو اْلَبُّر الَّر ِحيُم}[الطور‪ ،]28-26 :‬جانبان‬
‫أساسيان جًّد ا‪ :‬اإلشفاق في الدنيا‪ ،‬الخوف من هللا‪ ،‬والحذر من المعصية؛ نتج عنه طاعة وإنابة‪ ،‬استمرار في طاعة هللا‪،‬‬
‫اتجاه نحو العمل‪ ،‬توبة عند الزلل‪ ،‬رجوع إلى هللا عند المعصية‪ ،‬حذر من اإلصرار‪ ،‬انتباه‪ ...‬وهكذا‪ .‬ومع هذا الخوف من‬
‫هللا الذي ابتنى عليه عمل صالح‪ ،‬وتوبة من الزلل والمعاصي‪ ،‬وتخلص من المعاصي والمظالم؛ قابل ذلك أيًض ا التجاء إلى‬
‫هللا‪ ،‬اعتماد على هللا‪ ،‬تضرع‪ ،‬دعاء‪ ،‬وهذان جانبان أساسيان للنجاة‪ ،‬ال تتكل على نفسك‪ ،‬وال تركن على نفسك‪ ،‬وال على‬
‫عملك‪ ،‬كن متوجًها دائًما إلى هللا بالدعاء‪ ،‬أرُج رحمته‪ ،‬توكل عليه‪ ،‬أّمل فضله‪ ،‬رِّك ز بشكل كبير دائم ومستمر على الدعاء‪،‬‬
‫أوراد‪ ،‬أوقات‪ ،‬بشكل أو بآخر‪ ،‬عندما تعيش ظروًف ا معينة‪ ،‬حالة مستمرة أنت عليها‪ ،‬وبرنامج مستقر ومستمر ومتواصل‬
‫أنت فيه من الدعاء‪ ،‬في أوقات‪ ،‬في أوراد‪...‬الخ‪ .‬بتضرع من أعماق نفسك‪ ،‬بمشاعرك‪ ،‬بإقبال من قلبك إلى هللا "ُسْب َح اَن ُه‬
‫َو َت َع اَلى"‪ ،‬واهتمام بالعمل‪ ،‬وتنمية لحالة الخوف من هللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى"‪ ،‬ورجوع إلى هللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى"؛ ينتج عن ذلك‬
‫فوز بالجنة‪ ،‬أمٌن من عذاب هللا‪ ،‬إلى جانب ذلك النعيم العظيم األمن من عذاب هللا ومن سخطه ومن ناره‪ ،‬وهذه نعمة كبيرة‬
‫جًّد ا أنهم حظوا بالسالمة من عذاب هللا‪ ،‬ووصلوا إلى ذلك النعيم العظيم‪.‬‬
‫هللا يدعونا إلى هذا النعيم‪ ،‬فتح لنا آفاقه‪ ،‬األعمال التي نصل بها إلى هذا النعيم العظيم هي في وسعنا‪َ{ ،‬ال ُيَك ِّلُف ُهّللا َن ْف سًا ِإَّال‬
‫ُو ْس َع َه ا}[البقرة‪ :‬من اآلية‪ ،]286‬واإلنسان في هذه الحياة إذا لم يتجه في طريق الجنة‪ ،‬هو يتجه إلى طريق النار‪ ،‬يتعب‬
‫فيها‪ ،‬يعاني فيها‪ ،‬يخسر فيها‪ ،‬يضِّح ي فيها‪ ،‬يعاني فيها العناء الشديد‪ ،‬وهي طريق العسرة أصاًل ‪ ،‬أما طريق الجنة فهي‬
‫الطريق الميسرة التي يعطي هللا فيها العون‪ ،‬واإلنسان أصاًل ليس معنى ذلك أنه إذا سار وراء شهواته ورغباته في هذا‬
‫الدنيا أنه ينال كل ما يريد‪| .‬ال|‪ ،‬يحصل في هذه الدنيا على حلوها ومرها‪ ،‬وال يسلم من عنائها أبًد ا‪ ،‬طريق الجنة أفضل‪،‬‬
‫أيسر‪ ،‬خيٌر لإلنسان‪ ،‬واألفضل لإلنسان أن يستجيب لدعوة هللا‪ ،‬فيسارع ليتجه‪ ،‬نحن في هذا الشهر الكريم من المهم أن‬
‫يرِّسخ اإلنسان فيه إيمانه بوعد هللا ووعيده‪ ،‬الجنة تجٍل لرحمة هللا وكرمه ورحمة وفضله‪.‬‬
‫نسأل هللا "ُسْب َح اَن ُه َو َت َع اَلى" أن يوِّفقنا لما يرضيه عنا‪ ،‬وأن يرحم شهداءنا األبرار‪ ،‬وأن يجمعنا بهم في مستقر رحمته‪،‬‬
‫ونسأله أن يشفي جرحانا‪ ،‬وأن يفِّر ج عن أسرانا‪ ،‬وأن ينصرنا بنصره‪ ،‬ويعيننا بعونه‪.‬‬
‫َو الَّس اَل ُم َع َلْي ُك ْم َو َر ْح َم ُة ِهللا َو َبَر َك اُته؛؛؛‬

‫البينات‬
‫‪#‬‬

You might also like