Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 80

‫وزارة األوقاف‬

‫اجمللس األعلى للشئون اإلسالمية‬

‫مفاهيم جيب أن تصحح‬


‫يف مواجهة التطرف‬
‫إعـداد‬
‫أ‪.‬د‪ /‬حممد سامل أبو عاصي‬ ‫أ‪.‬د‪ /‬عبد اهلل مربوك النجار‬
‫عميد كلية الدراسات العليا جبامعة األزهر‬ ‫عضو جممع البحوث اإلسالمية‬

‫مشاركة ومراجعة وتقديم‬


‫أ‪.‬د‪ /‬حممد خمتار مجعة‬
‫وزير األوقاف‬
‫وعضو جممع البحوث اإلسالمية‬

‫القاهرة‬
‫‪4111‬هـ ‪0200 /‬م‬
‫‪-1 -‬‬
-2 -
‫الر ِحي ِمِ‬ ‫ْح ِِ‬
‫نِ َّ‬ ‫بِ ْس ِمِاهللِ َّ‬
‫الر ْ َ‬

‫حِ َِماِ ْاس َتـ َط ْع ُ‬


‫ت َِو َماِ‬ ‫اْل ْص ََل َِ‬ ‫‪ِ‬إِ ِْنِ ُأ ِر ُِ‬
‫يدِإِ َّ ِ‬
‫ّلِ ْ ِ‬

‫يب‪ِ ‬‬‫تِ َوإِ َل ْي ِِهِ ُأنِ ُ ِ‬


‫ّلِبِاهللَِّ َع َل ْي ِِهِ َت َو َّك ْل ُ ِ‬‫يقيِإِ َّ ِ‬‫َتوفِ ِ‬
‫ْ‬
‫ِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِ ِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِ‬

‫ِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِ(هودِ‪ِ)88ِ:‬‬

‫‪-3 -‬‬
-4 -
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫تقــديــــــم‬

‫احلمد ِهلل ِرب ِالعاملني ِ‪ِ ،‬والصَلة ِوالسَلم ِعىل ِخاتم ِأنبيائه ِورسله ِ‪ِ،‬‬
‫سيدناِحممدِبنِعبدِاهللِ‪ِ،‬وعىلِآلهِوصحبهِ‪ِ،‬ومنِتبعِهداهِإىلِيومِالدينِ‪ِ.‬‬
‫وبعـد‪ِِ:‬‬
‫فمن ِخَلل ِتوصيات ِاملؤمتر ِالدويل ِالرابع ِوالعرشين ِللمجلس ِاألعىلِ‬
‫للشئون ِاْلسَلمية ِبوزارة ِاألوقاف ِ‪ِ ،‬والذي ِعقد ِحتت ِعنوان ِ‪"ِ :‬عظمةِ‬
‫اْلسَلمِوأخطاءِبعضِاملنتسبنيِإليه ِ‪"ِ:‬طريقِالتصحيح" ِيرسناِأنِنقدمِ‬
‫للقارئ ِالكريم ِما ِقدمه ِالزميَلن ِالعزيزان ِ‪ِ :‬األستاذ ِالدكتور‪/‬عبد ِاهللِ‬
‫مربوكِالنجارِ‪ِ-‬عضوِجممعِالبحوثِاْلسَلميةِ‪ِ،‬واألستاذِالدكتور‪/‬حممدِ‬
‫سامل ِأبو ِعايص ِ‪ِ -‬عميد ِكلية ِالدراسات ِالعليا ِاألسبق ِبجامعة ِاألزهرِ‬
‫الرشيفِ‪ِ،‬منِرشحِوتفصيلِوإيضاحِهلذهِالتوصياتِرجاءِتصحيحِبعضِ‬
‫األفكار ِاخلاطئة ِواملنحرفة ِالتي ِقد ِتؤدي ِإىل ِبعض ِالشطط ِأو ِالغلو ِأوِ‬
‫التوجهِنحوِالتكفريِأوِالتطرفِ‪ِ،‬آملنيِأنِيكونِهذاِالكتيبِبدايةِلسلسلةِ‬
‫ُ‬
‫مطبوعاتِأخرىِحولِتصحيحِاملفاهيمِ‪ِ،‬ونرشِسامحةِاْلسَلمِ‪ِ،‬وإبرازِ‬
‫أوجهِحضارتهِالراقيةِالتيِتؤصلِللحوارِاحلضاريِوالتعايشِالسلميِبنيِ‬

‫‪-5 -‬‬
‫البشـرِمجي ًعاِ‪ِ،‬ونشـرِالقيمِاألخَلقيةِواْلنسانيةِ‪ِ،‬بمـاِحيققِسعادةِالبرشيةِ‬
‫مجعاءِ‪ِِ.‬‬
‫أ‪.‬د‪ /‬حممد خمتار مجعة‬
‫وزير األوقاف‬

‫‪-6 -‬‬
‫توصيات املؤمتر العام الدولي الرابع والعشرين‬
‫للمجلس األعلى للشئون اإلسالمية‬
‫( عرض وحتليل )‬
‫ِ‬

‫يف ِالثامن ِوالعرشين ِمن ِشهر ِفرباير ِ‪ِ 5102‬املوافق ِ‪ِ ٩‬مجادى ِاألوىلِ‬
‫‪0٣٤١‬هـ ِانعقد ِاملؤمتـر ِالـرابـع ِوالعرشون ِللمجلس ِاألعىل ِللشـئونِ‬
‫اْلسـَلميةِحتتِعنوانِ‪ِ "ِ:‬عظمةِاْلسَلمِوأخطاءِبعضِاملنتسبنيِإليهِ‪ِ:‬‬
‫طريقِالتصحيح"‪ِ.‬‬
‫حيثِاجتمعتِكوكبةِمنِعلامءِاألمةِومفكرهياِعىلِاختَلفِانتامءاهتمِ‬
‫الفكريةِوالدينيةِيفِهذاِاملؤمترِ‪ِ،‬وتدارسواِخَللِاجتامعاهتمِماِيمرِبهِالعاملِ‬
‫يفِاآلونةِاألخريةِمنِأزماتِسياسيةِوأمنيةِوفكرية ِنتجتِعنهاِممارساتِ‬
‫خاطئة ِ‪ِ،‬وظواهرِحمزنةِ‪ِ ،‬كالتكفريِواْلرهابِوالعنفِواْلحلاد ِ‪ِ...‬وغريِ‬
‫ذلك ِ‪ِ ،‬مما هِهيدّ د ِالسلم ِالعاملي ِ‪ِ ،‬ويرضب ِاستقرار ِكثري ِمن ِاملجتمعاتِ‬
‫اْلنسانية ِيف ِمقتل ِ‪ِ ،‬حتى ِأصبح ِأكثر ِالعامل ِمهدّ ًدا ِبالدخول ِيف ِدوامةِ‬
‫الفوىضِاملدمرةِوالعنفِالذيِّلِ هيبقيِوّلِيذر‪ِ.‬‬
‫وأكدِاملجتمعونِعىلِأنهِمماِزادِاألمرِسوءاِيفِخضمِهذاِالواقعِاملريرِ‬
‫ً‬
‫الذي ِحتياه ِأمتنا ِاْلسَلمية ِاليوم ِمن ِتشويه ِاملفاهيم ِالصحيحة ِوقلبِ‬
‫املنتسبةِظلام ِلإلسَلمِبكلِ‬
‫ً‬ ‫احلقائقِالثابتةِجماهدةِبعضِاجلامعاتِاملغرورةِ‬

‫‪-7 -‬‬
‫سبيلِلزيادةِالـ ُِه َِّوة ِ‪ِ،‬وتعميقِالفجوة ِ‪ِ،‬وإنشاءِالفرقة ِ‪ِ،‬وتوسيعِاخلرق ِ‪ِ،‬‬
‫ِيل ِأعناق ِالنصوص ِالرشعية ِبام ِيتفق ِمع ِأفكارهم ِاملزعومة ِ‪ِ،‬‬
‫وحماولتها ِّ‬
‫وآرائهمِاملنحرفةِ‪ِ،‬وتصويرهاِللناسِعىلِأهناِالدينِالصحيحِواحلقِاملبنيِ‪ِِ.‬‬
‫وانطَل ًقاِمنِاملسئو ليةِالرشعيةِوالوطنيةِواْلنسانيةِامللقاةِعىلِعاتقِالعلامءِ‬
‫واملفكرين ِ‪ِ،‬وإيامنًاِمنهمِبرضورةِاملواجهةِالعلميةِلألفكارِاملنحرفةِواملفاهيمِ‬
‫اخلاطئة ِحول ِكثري ِمن ِالقضايا ِكاجلهاد ِ‪ِ ،‬والتكفري ِ‪ِ ،‬واحلاكمية ِ‪ِ ،‬واملواطنة ِ‪ِ،‬‬
‫وغري ِذلك ِ‪ِ ،‬والعمل ِعىل ِكشف ِتوظيف ِبعض ِاملنتسبني ِلإلسَلم ِالدينِ‬
‫ألغراضِنفعيةِأوِسلطويةِللوصولِإىلِأغراضهمِاخلبيثة‪ِ.‬‬
‫ِ‬

‫أعلن املؤمتر عن جمموعة من التوصيات ‪ ،‬جاءت كالتالي‪-:‬‬


‫‪ -1‬يعلنِاملؤمترِأنِاْلسَلمِدينِيكفلِحريةِاّلعتقادِ‪ِ،‬فـِِﱡﭐ ﳎ ﳏ ﳐ‬

‫ﳑ ﭐﱠ ِ‪ِ ،‬وأنه ِيسوي ِبني ِالناس ِيف ِاملواطنة ِواحلقوق ِوالواجبات ِعىلِ‬
‫ﳒ‬

‫اختَلف ِمعتقداهتم ِدون ِمتييز ِ‪ِ ،‬وأن ِعامده ِالعدل ِوالرْحة ِوصيانة ِالقيمِ‬
‫والدفاعِعنها ِ‪ِ،‬وقبولِالتنوعِواعتبارهِسـ ِّر ِالكون ِ‪ِ،‬كامِحيرمِاّلعتداءِعىلِ‬
‫الدماء ِواألعراض ِواألموال ِإّل ِردِا ِلعدوان ِظاهر ِعىل ِالدولة ِ‪ِ ،‬ووفق ِماِ‬
‫يقررهِرئيسهاِواجلهاتِاملختصةِبذلكِفيهاِ‪ِ،‬إذِإنِإعَلنِاحلربِدفا ًعاِعنِ‬
‫األوطان ِإنام ِهو ِحق ِللدولة ِوفق ِما ِيقرره ِدستورها ِورئيسها ِوليس ِحقِاِ‬
‫لألفــرادِ‪ِ.‬‬

‫‪-8 -‬‬
‫وأنه ِحيرتم ِالعقل ِأداة ِللفكر ِالصحيح ِ‪ِ ،‬ويشبع ِالوجدان ِ‪ِ ،‬ويغذيِ‬
‫املشاعر ِ‪ِ ،‬ويعانق ِبني ِالدنيا ِواآلخرة ِ‪ِ ،‬وكل ِترصف ِعىل ِغري ِذلك ِجمافِ‬
‫لصحيحِاْلسَلمِ‪ِ.‬‬
‫‪ -2‬اْلسَلم ِبريء ِمما ِيرتكبـه ِبعض ِاملنتسبني ِإليـه ِمن ِالتكفـري ِ‪ِ،‬‬
‫وترتيبِبعـضِاألفعـالِاْلجراميـةِعليـهِمنِذبحِوحـرقِومتثيـلِبالبرشِ‬
‫وتـدمـري ِوختـريب ِ‪ِ ،‬إذ ِهو ِافـتـئات ِعىل ِحق ِاهلل ِ– ِتعاىل ِ‪ِ -‬املتفـردِ‬
‫بالعـلـــمِبمـاِيفِقلوبِعبادهِ‪ِ،‬كامِأنهِافتئاتِعىلِحقِويلِاألمرِ‪ِ.‬‬
‫‪ّ -3‬ل ِيصح ِأن هِحيتج ِعىل ِاْلسَلم ِبأخطاء ِبعض ِاملنتسبني ِإليه ِ‪ِ ،‬وّلِ‬
‫بسوءِفهمهمِلهِ‪ِ،‬أوِانحرافهمِعنِمنهجهِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ -4‬عىل ِمجيع ِأتباع ِالديانات ِالنظر ِإىل ِاألديان ِاألخرى ِبمعيارِ‬
‫موضوعيِواحدِدونِحتميلهاِأخطاءِبعضِأتباعها‪.‬‬
‫‪ -5‬توظيفِبعضِاملنتسبنيِلإلسَلمِالدينِألغراضِنفعيةِأوِسلطويةِ‬
‫إساءةِإليهِ‪ِ،‬وإجرامِيفِحقه‪.‬‬
‫‪ -6‬أمجع ِاملجتمعون ِمن ِالعلامء ِواملفكرين ِوالباحثني ِوالكتَّاب ِعىلِ‬
‫إنكار ِطرد ِالناس ِمن ِأوطاهنم ِ‪ِ ،‬أو ِهدم ِدور ِعبادهتم ِ‪ِ ،‬وسبي ِنسائهم ِ‪ِ،‬‬
‫واستباحةِأمواهلم ِبسببِاختَلفِدينهمِحتتِمسمىِالدولةِاْلسَلميةِأوِ‬
‫أيِمسمىِآخرِ‪ِ،‬واْلسَلمِبريءِمنِكلِهذا‪.‬‬
‫‪-9 -‬‬
‫‪ -7‬اتفق ِاملجتمعون ِعىل ِحتريم ِازدراء ِاألديان ِملا ِفيه ِمن ِاعتداء ِعىلِ‬
‫مشاعرِأتباعهاِوملاِينشأِعنهِمنِتكديرِالسلمِاّلجتامعيِواْلنساينِالعام ِ‪ِ،‬‬
‫وماِيرتتبِعليهِمنِإشاعةِالفتنةِوالعنفِوصدامِاحلضاراتِ‪.‬‬
‫‪ -8‬أمجعِاملجتمعونِعىلِتصحيحِاملفاهيمِاآلتية‪ِِ:‬‬
‫أ‪ -‬اْلرهابِهوِ‪ِ:‬اجلريمـةِاملنظمـةِالتيِيتواطأِفيهـاِجمموعةِمنِاخلارجنيِ‬
‫عىل ِنظام ِالدولة ِواملجتمع ِ‪ِ ،‬وينتج ِعنها ِسفك ِدماء ِبريئـة ِ‪ِ ،‬أو ِتدمريِ‬
‫منشآتِ‪ِ،‬أوِاعتداءِعىلِممتلكاتِعامةِأوِخاصة‪ِِ.‬‬
‫ب‪ِ -‬اخلَلفة ِ‪ِ:‬وصفِحلالةِحكمِسيايسِمتغريِيمكنِأنِيقومِمقامهاِ‬
‫أي ِنظام ِأو ِمسمى ِحيقق ِمصالح ِالبَلد ِوالعباد ِوفق ِاألطر ِالقانونيةِ‬
‫واّلتفاقاتِالدولية‪ِ.‬‬

‫وما ِورد ِفيها ِمن ِنصوص ِحيمل ِعىل ِرضورة ِأن ِيكون ِهناك ِنظام ِلهِ‬
‫رئيس ِومؤسسات ِحتى ِّل ِيعيش ِالناس ِيف ِفوىض ِ‪ِ ،‬فكل ِحكم ِحيققِ‬
‫مصالحِالبَلدِوالعبادِويقيمِالعدلِفهو حكمِرشيد ِ‪ِ،‬وعليهِفَلِحقِلفردِ‬
‫أو ِمجاعة ِيف ِتنصيب ِخليفة ِأو ِدعوى ِإقامة ِدولة ِخَلفة ِخارج ِأطرِ‬
‫الديمقراطياتِاحلديثةِ‪.‬‬
‫ج‪ -‬اجلزيةِ‪ِ:‬اسمِّللتزامِمايلِانتهىِموجبهِيفِزمانناِهذاِوانتفتِعلتهِ‬
‫بانتفاءِماِرشعتِألجلهِيفِزماهناِ‪ِ،‬لكونِاملواطننيِقدِأصبحواِمجي ًعاِسواءِ‬

‫‪-11 -‬‬
‫يف ِاحلقوقِوالواجبات ِ‪ِ،‬وحلتِضوابطِونظمِماليةِأخرىِحملها ِ‪ِ،‬مماِأدىِ‬
‫إىلِزوالِالعلة‪ِ.‬‬
‫وماِوردِيفِالقرآنِالكريمِمنِحديثِعنهاِحيملِعىلِاألعداءِاملحاربنيِ‬
‫واملعتـدينِالرافضـنيِللمواطنـةِ‪ِ،‬وليسِيفِاملواطنـنيِاملساملنيِاملشـاركنيِ‬
‫يفِبناءِالوطنِوالدفاعِعنهِ‪ِ.‬‬
‫د‪ِ-‬دارِاحلـربِ‪ِ:‬مصطلحِفقهيِمتغـريِ‪ِ،‬وقدِأصبحِيفِوقتنــاِاحلاضـرِ‬
‫ّلِوجودِلهِبمفهومهِاملصطلحي القديمِيفِظلِاّلتفاقاتِالدوليةِواملواثيقِ‬
‫وّلُِي ُّلِتغريهِبالتأكيدِعىلِحقِالدولِيفِاسرتدادِأرضهاِاملغتصبةِ‪ِ،‬‬
‫األمميةِ‪ُ ِ،‬‬
‫وأخصها ِحقوق ِالشعب ِالفلسطيني ِ‪ِ ،‬والرشع ِيوجب ِالوفاء ِبالعقود ِ‪ِ،‬‬
‫وعليهِفَلِهجرةِمنِاألوطانِبدعوىِاّلنتقالِلدارِاْلسَلمِ‪ِِ.‬‬
‫هـ‪ِ-‬املـواطنــةِ‪ِ:‬تعنيِأنِيكـونِاملواطنـونِمجي ًِعـاِسـواءِيفِاحلقـــوقِ‬
‫والواجباتِداخلِحدودِدوهلم‪ِ.‬‬
‫و‪ِ -‬اجلهاد ِ‪ِ:‬ر ِّد ِالعدوانِعنِالدولةِبامِيامثلهِدونِجتاوزِأوِشطط ِ‪ِ،‬وّلِ‬
‫جمال ِلَلعتداء ِ‪ِ ،‬وّل ِحق ِلألفراد ِيف ِإعَلنه ِ‪ِ ،‬إنام ِهو ِحق ِلرئيس ِالدولةِ‬
‫ِ‬ ‫واجلهاتِاملختصةِبذلكِوفقِالقانونِوالدستور‪.‬‬
‫ز‪ِ -‬عىل ِاملؤسسات ِالعلمية ِالدينية ِوضع ِضوابط ِالتكفري ِلتكون ِبنيِ‬
‫يديِالقضاءِ‪ِ،‬وبامِيشكلِوع ًِيـاِثقافيِاِوجمتمعيِـاِيميزِبنيِماِيمكنِأنِيصلِ‬

‫‪-11 -‬‬
‫ِ‬ ‫باْلنسانِإىلِالكفرِ‪ِ،‬وماِّلِيصلِبهِإليه‪.‬‬
‫أما ِاحلـكم ِعىل ِاألفراد ِأو ِاملنظامت ِأو ِاجلمــاعات ِفَل ِيكون ِحقِــاِ‬
‫لألفرادِأوِاملنظامتِأوِاجلامعاتِ‪ِ،‬وإنامِيكونِبموجبِحكمِقضائيِمستندِ‬
‫عىلِأدلتهِالرشعيةِوالضوابطِالتيِتضعهاِاملؤسساتِالدينيةِاملعتربةِ؛ِحتىِ‬
‫ِ‬ ‫ّلِنقعِيفِفوىضِالتكفريِوالتكفريِاملضادِ‪.‬‬
‫معِالتأكيدِأنِاستحَللِقتلِالبرشِأوِذبحهمِأوِحرقهمِأوِالتنكيلِهبمِ‬
‫ِخروجاِعنِاْلسَلم‪ِ.‬‬
‫ً‬ ‫منِقبلِاألفرادِأوِاجلامعاتِأو التنظيامتِ ُيعدُّ‬
‫ح‪ِِ -‬احلاكمية ِ‪ِ:‬تعنيِاّللتزامِبامِنزلِمنِرشعِاهللِ(عزِوجل)ِ‪ِ،‬وهــذاِ‬
‫ّل ِيمنع ِاحتكام ِالبرش ِإىل ِقوانني ِيضعوهنا ِيف ِإطار ِمبادئ ِالترشيع ِالعامةِ‬
‫وقواعده ِالكلية ِوف ًقا ِلت َِغ ُّ ِ‬
‫ري ِالزمان ِواملكان ِ‪ِ ،‬وّل ِيكون ِاّلحتكام ِلتلكِ‬
‫الترشيعاتِالوضعيةِخمال ًفاِلرشعِاهلل ِتعاىل ِماِدامِأنهِحيققِاملصالحِالعامةِ‬
‫للدولِوالشعوبِواألفرادِواملجتمعاتِوفقِاملقاصدِالعامةِللترشيع‪.‬‬
‫‪ -9‬رضورة ِتطوير ِاخلطاب ِاْلسَلمي ِبحيث ِيكون ِخطابا ِمتوازناِ‬
‫جيمعِبنيِالعقلِوالنقلِومصلحةِالفردِواملجتمعِوالدولةِ‪ِ،‬ويسويِبنيِ‬
‫ِقادرا ِعىل ِحماربة ِكلِ‬
‫الرجل ِواملرأة ِيف ِاحلقوق ِوالواجبات ِ‪ِ ،‬ويكون ًِ‬
‫ألوانِالتطــرفِوالغلوِ‪ِ،‬والتسيبِواْلحلاد‪ِ.‬‬

‫‪-12 -‬‬
‫‪ -11‬يويص ِاملجتمعون ِبإقامة ِمرصد ِدائم ِبكل ِلغات ِالعامل ِتكونِ‬
‫مهمته ِرصد ِأخطاء ِبعض ِاملنتسبني ِإىل ِاْلسَلم ِوالر ِّد ِعليها ِباحلجةِ‬
‫والربهانِ‪ِ،‬بحيثِيربطِبنيِمجيعِاهليئاتِواملؤسساتِاْلسَلميةِيفِالعامل‪ِ.‬‬
‫‪ -11‬جيبِإعادةِالنظرِيفِمناهجِالدراسةِالدينيةِوالثقافيةِيفِاملؤسساتِ‬
‫التعليميةِيفِالعاملِالعريبِواْلسَلمي ِ‪ِ،‬وتنقيتهاِمنِاملسائلِاملرتبطةِبظروفِ‬
‫تارُييةِوزمانيةِومكانيةِمعينةِ‪ِ،‬مماِيتطلبِإعــادةِالنظرِفيهاِوفقِظروفناِ‬
‫وزمانناِومكانناِوأحـــوالناِبامِيؤديِإىلِنرشِثقـــافةِالتسامح ِ‪ِ،‬وتكوينِ‬
‫ِقادرا ِعىل ِالتفكري ِ‪ِ ،‬وإنزال ِاألحكام ِالرشعية ِعىلِ‬
‫العقـــــل ِبام ِجيعله ًِ‬
‫املستجداتِوالنوازلِمنِغريِجمافاةِللواقعِأوِالتضاربِمعه‪ِ.‬‬
‫‪ -12‬يطالب ِاملجتمعون ِبتفعيل ِما ِنادى ِبه ِالسيد ِرئيس ِاجلمهوريةِ‬
‫وراعيِاملؤمترِالرئيسِ‪/‬عبدِالفتاحِالسييس ِ‪ِ ،‬برضورةِقيامِالدولِالعربيةِ‬
‫بتشكيلِقوةِردعِعربيةِمشرتكةِملقاومةِاْلرهاب‪ِ.‬‬
‫‪ -13‬يطالب ِاملجتمعون ِباختاذ ِخطوات ِعربية ِوإسَلمية ِباجتاه ِتكوينِ‬
‫تكتَلت ِسياسية ِواقتصادية ِوفكرية ِوثقافية ِيف ِظل ِجامعة ِالدول ِالعربيةِ‬
‫ومنظمةِالتعاونِاْلسَلميِ‪ِ،‬بامِجيعلِمنهاِجمتمعةِرقامِصع ًِباِيصعبِجتاوزهِ‬
‫ًِ‬
‫أوِاّلفتئاتِعليه ِيفِاملحافلِالدوليةِ‪ِ،‬أوِالتكتَلتِاّلقتصاديةِالعامليةِ‪ِ،‬أوِ‬
‫الغزوِالفكريِوالثقايفِألبناءِأمتناِالعربيةِواْلسَلمية‪ِ.‬‬

‫‪-13 -‬‬
‫‪ -14‬التنسيق ِبني ِالوزارات ِاملعنية ِبالثقافة ِوالرتبية ِ‪ِ ،‬بحيث ِتعملِ‬
‫وزاراتِاألوقاف‪ِ،‬والرتبيةِوالتعليمِ‪ِ،‬والتعليمِالعايلِ‪ِ،‬والثقافةِ‪ِ،‬والشباب‪ِ،‬‬
‫كفريقِعملِ‪ِ،‬عىلِأنِيقومِاْلعَلمِبدورهِيفِتأصيلِالقيمِ‪ِ.‬‬
‫ِواستخداما ِلعواملِ‬
‫ًِ‬ ‫‪ -15‬التوصية ِباّلهتامم ِالبالغ ِتدري ًِبا ِوتثقي ًِفا‬
‫التواصلِاحلـديثـةِوالعصـريـةِ‪ِ،‬وبخاصـةِيفِاملؤسساتِالدينيـةِوالفكريةِ‬
‫والثقافية‪ِِ.‬‬
‫‪ -16‬وافقِاملجتمعونِعىلِتشكيلِجلنةِمتابعةِلتنفيذِالتوصياتِجتتمعِ‬
‫كلِأربعةِأشهرِ‪ِ،‬وتهصدرِبيا ًِناِ ُِيرسلِإىلِمجيعِاملشاركنيِولوسائلِاْلعَلمِ‬
‫املختلفةِللوقوفِعىلِماِيتمِتنفيذهِ‪.‬‬

‫*ِِِِِِِِ*ِِِِِِِِ*ِ‬
‫ِ‬

‫‪-14 -‬‬
‫متهيـــــد‬

‫قبل ِأن ِنبدأ ِببيان ِوحتليل ِالتوصية ِالثامنة ِوالتي ِجاء ِفيها ِالتأكيد ِعىلِ‬
‫تصحيـحِبعضِاملفاهيمِاملغلوطـة ِ‪ِ،‬نقفِمعِالتوصيـةِاألوىل ِ؛ِألمهيتـهـاِ‬
‫يفِتصحيحِالصورةِاملشوهةِلإلسَلمِ‪ِ،‬فقدِأعلنِاملؤمترِيفِتوصيتهِاألوىل‪ِ:‬‬
‫ِِِأن ِاْلسَلم ِدين ِيكفل ِحرية ِاّلعتقاد ِ‪ِ ،‬ويسوي ِبني ِالناس ِيف ِاملواطنةِ‬
‫واحلقوقِوالواجباتِعىلِاختَلفِمعتقداهتمِدونِمتييزِ‪ِ،‬وأنِعامدهِالعدلِ‬
‫والرْحةِوصيانةِالقيمِوالدفاعِعنهاِ‪ِ،‬وقبولِالتنوعِواعتبارهِرسِالكونِ‪ِ،‬كامِ‬
‫ُحيرمِاّلعتداءِعىل ِالدماء ِواألعراضِواألموال ِإّل ِردِاِلعدوانِظاهرِعىلِ‬
‫الدولةِ‪ِ،‬ووفقِماِيقررهِرئيسهاِواجلهاتِاملختصةِبذلكِفيهاِ‪ِ،‬إذِإنِإعَلنِ‬
‫احلربِدفـا ًِعاِعنِاألوطانِإنمـاِهوِحـقِِللدولةِوفـقِماِيقـررهِدستورهـاِ‬
‫ورئيسهاِوليسِحقاِلألفرادِ‪ِِ.‬‬

‫وبيان ذلك مبا يلي‪:‬‬


‫لقد ِجاء ِاْلسَلم ِليكون ِرْحة ِللعاملني ِ‪ِ ،‬وليسقط ِاألغَلل ِوالعنتِ‬
‫واملشقةِعنِالبرشيةِكلهاِ‪ِ،‬ويفِترشيعاتهِاحلكيمةِوتعاليمهِالكريمةِمظاهرِ‬
‫عظيمةِللرْحةِوالسامحةِمعِغريِاملسلمني‪ِ.‬‬

‫فنصوصِالقرآنِالكريمِتقررِأنِمنِسنةِاهللِتعاىلِيفِخلقهِأنِتنوعتِ‬
‫أجناسهمِوألسنتهمِوألواهنمِكامِتنوعتِدياناهتمِ‪ِ،‬وأنِاّلختَلفِباقِِبقاءِ‬

‫‪-15 -‬‬
‫اْلنسانِعىلِهذهِاألرض ِ‪ِ،‬قالِتعاىل ِ‪ِ :‬ﭐﱡ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬

‫ﱔ‬ ‫ﱓ‬ ‫ﱐ ﱒ‬
‫ﱑ‬ ‫ﱇ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ‬
‫ﱈ‬
‫ﱕﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝﱠ ِ[هود‪ِ:‬‬
‫‪ِ.]00٩ِ،008‬‬
‫وّلِيتصورِمعِوجودِذلكِاّلختَلفِأنِينعزلِاملجتمعِاملسلمِعنِغريهِ‬
‫منِاملجتمعاتِ ‪ِ،‬ولذلكِفقدِجاءِاْلسَلمِلينظمِعَلقةِاملسلمِمعِغريهِمنِ‬
‫بنيِجنسهِمنِاملسلمنيِوغريِاملسلمنيِ‪ِ،‬وكانتِأحكامِاْلسَلمِيفِمعاملةِ‬
‫ًِ‬
‫غريِاملسلمنيِبمختلفِأصنافهمِودياناهتمِمنِأهلِالكتابِوغريهمِدليَلِ‬
‫واضحاِوبرها ًِناِساط ًِعاِعىلِاحرتامِاْلسَلمِلآلخرِواملختلفِ‪.‬‬
‫ًِ‬
‫ومن تلك األحكامِ‪ِِ:‬‬
‫أنهِكفلِحريةِالتدينِلكلِفرد ِ‪ِ،‬فَلِإكراهِيفِالدخولِيفِاْلسَلم ِ‪ِ،‬إنامِ‬
‫هيِالقناعةِالتامةِهبدايته ِ‪ِ،‬فلكلِذيِدينِدينه ِ‪ِّ،‬لِجيربِعىلِتركهِليتحولِ‬
‫منهِإىلِغريه ِ‪ِ،‬وقدِأبانِالقرآنِالكريمِيفِآياتهِعنِذلكِاملعنىِبقوله ِتعاىل‪ِ:‬‬

‫ﳑ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘﱠ (البقرةِ‪ِ.)52١‬‬
‫ﳒ‬ ‫ﱡﭐ ﳎ ﳏ ﳐ‬
‫وهني ِالنبي ِ(صىل ِاهلل ِعليه ِوسلم) ِعن ِإكراه ِالناس ِللدخول ِيف ِهذاِ‬
‫ُِ‬

‫الدينِبقولهِسبحانهِيفِسورة ِيونسِاملكيةِﱡﭐ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬

‫‪-16 -‬‬
‫ﱟ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱠﭐ‬
‫ﱠ‬ ‫ﱝ ﱞ‬
‫[يونس‪ِ.]٩٩ِ:‬‬
‫ولقدِأوجبتِترشيعاتِاْلسَلمِعىلِاملسلمنيِسلوكِالعدلِيفِالتعاملِ‬
‫معِغريهم ِ‪ِ،‬وملِجتعلِاّلختَلفِيفِالدينِسب ًِباِيفِالظلمِأوِالتعديِ‪ِ،‬بلِ‬
‫ًِ‬
‫جعلتِالعدلِمعِاملخالفِدليَلِعىلِالتقوىِالتيِرتبِعليهاِأعظمِاجلزاءِ‪ِ،‬‬

‫كام ِقال ِاهلل ِتعاىل‪ِ :‬ﱡﭐﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝﲞ‬

‫ﲧﲩﲪﲫ‬
‫ﲨ‬ ‫ﲟﲡﲢﲣﲤﲥ ﲦ‬
‫ﲠ‬

‫ﲯ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﱠ [املائدةِ‪ِ.]8ِ:‬‬
‫ﲬﲮ ﲰ‬
‫ﲭ‬

‫فاألمرِبالعدلِبنيِالناسِمجي ًِعاِ‪ِ،‬دونِالنظرِإىلِذواهتمِأوِأجناسهمِأوِ‬
‫دينهمِأوِحسبهمِ‪ِ،‬والدليلِعىلِذلكِ‪ِ:‬أنِاهللِ(عزِوجل)ِأمرِرسولهِ(صىلِ‬
‫اهلل ِعليه ِوسلم) ِأن ِحيكم ِبالعدل ِإن ِجاءه ِأهل ِالكتاب ِحي ِِّكمونه ِبينهم ِ‪ِ،‬‬

‫ﱙﱛﱜﱝ‬
‫ﱚ‬ ‫فقـال ِتعاىل ِ‪ِ :‬ﱡﭐﱕ ﱖ ﱗ ﱘ‬

‫ﱞﱠ [املائدةِ‪.]٣5ِ:‬‬
‫بلِلقدِشدِّدِرسولِاهللِ(صىلِاهللِعليهِوسلم) ِيفِالوعيدِعىل ِمنِظلمِ‬
‫معاهدًِاِ‪ِ،‬فأخربِأنهِسيخاصمهِيومِالقيامةِ‪ِ،‬وّلِشكِأنِمنُِياصمهِرسولِ‬
‫اهللِ(صىلِاهللِعليهِوسلم) ِفقدِخابِوخرس‪ِ،‬قالِرسولِاهللِ(صىلِاهللِعليهِ‬

‫‪-17 -‬‬
‫َ‬
‫‪ِ،‬أوِأخذِ‬ ‫ِفوق ِطاقتِ ِِه ِ‬
‫ِانتقص ُِه ِ‪ِ،‬أوِك َّل َف ُه َ‬
‫َ‬ ‫نِظلم ُِمعاهدً ِ‬
‫ا‪ِ،‬أو‬ ‫َ‬ ‫أّلِم‬
‫وسلم)‪َ ِ "ِ:‬‬
‫جيج ُه ِ–ِأيِأناِالذيِأخاصمهِوأحاجه‪ِ-‬‬
‫ناِح ُ‬
‫فأ َ‬‫ِطيب ِنفسِ ِ‪َ ِ ،‬‬
‫َري ِ‬‫من ُه ِشيئًاِبغ ِ‬
‫ِ‬
‫ِالقيامةِ"ِ(رواهِأبوِداود)‪ِ.‬‬ ‫يو َم‬
‫ويفِالقرآنِالكريمِآياتِكثريةِيفِاألمرِبالربِوالصلةِواْلحسانِوالعدلِ‬
‫والقسطِوالوفاءِبالعهد ِ‪ِ،‬والنصوصِيفِذلكِمطلقةِتستوعبِكلِأحد‪ِ،‬‬

‫قال ِتعاىل‪ِ :‬ﱡ ﲙ ﲚﲛ ﲜ ﲝ ﲞﱠ [البقرة ِ‪ِ ،]0٩2ِ :‬وقال‬

‫تعاىلِ‪ِ:‬ﱡﲶ ﲷ ﲸﱠِ[البقرةِ‪ِ.]8٤:‬‬
‫ويف ِظل ِهذا ِاملفهوم ِالعام ِلإلحسان ِأمر ِاْلسَلم ِباْلحسان ِإىل ِغريِ‬
‫املسلمنيِالذينِملِيعرفِعنهمِأذيةِللمسلمنيِوّلِقتاهلم ِ‪ِ،‬قالِتعاىل‪ِ:‬ﱡﭐ ﱩ‬

‫ﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷ‬
‫ﱹ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾﱠ [املمتحنة‪ِ]8ِ:‬‬
‫ﱺ‬ ‫ﱸ‬
‫كام ِأباح ِاْلسَلم ِالتعامل ِمع ِغري ِاملسلمني ِيف ِالبيع ِوالرشاء ِواألخذِ‬
‫والعطاءِ‪ِ،‬وأباحِطعامِأهلِالكتابِوأمرِبحسنِمعاملتهم ِ‪ِ،‬وضمنِلغريِ‬
‫املسلمنيِيفِاملجتمعِاْلسَلمي ِأمنهمِعىل ِأنفسهم ِوأمواهلمِوأعراضهمِ‪ِ،‬‬
‫فَلِيتعرضِهلاِبسوءِّلِمنِاملسلمنيِوّلِمنِغريهم‪ِ.‬‬

‫ِِِوشددِالوعيـدِوأغلظِيفِالعقوبةِملنِاستباحِحرمةِدمائهمِأوِتعرضِهلمِِ‬

‫‪-18 -‬‬
‫ِاجلن َِِّة ِ‪ِ،‬‬
‫اِمل ِْ َي َر ْح َِرائِ َح َة َْ‬
‫اهدً َ‬
‫باألذىِقالِ(صىلِاهللِعليهِوسلم)‪َ "ِ:‬م ْن ِ َقت ََل ُِم َع َ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬
‫نيِ َع ًاما"ِ[رواهِالبخاري]‪ِ.‬‬ ‫وجدِم ْن َِمس َرية َِأ ْر َبع َ‬ ‫َوإِ َّن ِِر َ‬
‫حي َهاِ َل ُي َ‬
‫ومنِثمِملِيعرفِالتاريخِأمةِمنِاألممِعاملتِاملخالفنيِهلاِيفِدينهاِكامِ‬
‫عامل تِأبناءهاِواملنتسبنيِإليهاِيفِشأنِقواننيِالعدالةِونوالِحظوظِاحلياةِ‬
‫بالقاعدة ِاملعروفة ِ‪(ِ :‬هلم ِما ِلنا ِوعليهم ِما ِعلينا)‪ِ ،‬مع ِبقائهم ِعىل ِدينهمِ‬
‫وعاداهتم ِمثل ِأمة ِاْلسَلم ِ‪ِ ،‬وإن ِدل ِذلك ِعىل ِيشء ِفإنام ِيدل ِعىل ِعظمةِ‬
‫اْلسَلمِالتيِتتجىلِيفِسامحتهِ‪ِ،‬مماِتذهبِمعهاِكلِالدعاوىِالباطلةِالتيِ‬
‫حياول ِأن ِيلصقها ِبه ِأعداؤه ِمعتربين ِأن ِاْلسَلم ِدين ِإرهاب ِوعنفِ‬
‫وتعصبِعىلِعكسِماِيتميزِبهِمنِسامحةِورْحة‪ِِ.‬‬

‫*ِِِِِِِِ*ِِِِِِِِ*ِ‬

‫‪-19 -‬‬
‫حتديد املفاهيم‬
‫وأسانيدها الشرعية‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬التكفري ‪.‬‬
‫إنِاملؤسساتِالعلميةِالدينيةِإذاِوضعتِضوابطِالتكفريِوكانتِتلكِ‬
‫الضوابطِبنيِيديِالقضاءِفإنِذلكِسوفِيشكلِوع ًياِثقافيِاِوجمتمعيِاِيميزِ‬
‫بنيِماِيمكنِأنِيصلِباْلنسانِإىلِالكفرِ‪ِ،‬وماِّلِيصلِبهِإليه‪ِ.‬‬
‫أماِاحلكمِعىلِاألفرادِأوِاملنظامتِأوِاجلامعاتِفَلِيكونِحقِاِلألفرادِأوِ‬
‫املنظامتِأوِاجلامعاتِ‪ِ،‬وإنامِيكونِبموجبِحكمِقضائيِمستندِعىلِأدلتهِ‬
‫الرشعيةِوالضوابطِالتيِتضعهاِاملؤسساتِالدينيةِاملعتربةِ؛ِحتىِّلِنقــعِ‬
‫يفِفوىضِالتكفريِوالتكفريِاملضادِ‪ِ.‬‬

‫معِالتأكيدِأنِاستحَللِقتلِالبرشِأوِذبحهمِأوِحرقهمِأوِالتنكيلِهبمِ‬
‫ِخروجاِعنِاْلسَلم‪ِ.‬‬
‫ً‬ ‫منِقبلِاألفرادِأوِاجلامعاتِأوِالتنظيامتِ ُيعدُّ‬
‫ويف بيان ذلك نقول‪ِِ:‬‬
‫التكفري ِهو ِاحلكم ِعىل ِاْلنسان ِاملسلم ِبالكفر ِ‪ِ ،‬واحلكم ِبالكفر ِعىلِ‬
‫ُ‬
‫ِخطريِ‪ِ،‬يرتتبِعليهِآثارِدنيويةِوأخروية‪ِ.‬‬ ‫مسلمِهلوِأمرِجدُّ‬
‫ه‬
‫فمن ِآثاره ِالدنيوية ِ‪ِ :‬التفريق ِبني ِالزوجني ِ‪ِ ،‬وعدم ِبقاء ِاألوّلد ِحتتِ‬
‫سلطانِأبيهمِ‪ِ،‬و َف ْقدُ ِحقِالوّليةِوالنرصةِعىلِاملجتمعِاملسلم ِ‪ِ ،‬وحماكمتهِ‬

‫‪-21 -‬‬
‫غسلِوّلِ‬
‫أمامِالقضاءِاْلسَلميِ‪ِ،‬وعدمِإجراءِأحكامِاملسلمنيِعليهِ‪ِ،‬فَلِ ُي ّ‬
‫ِ‬
‫ثِوّلِيرث‪ِ.‬‬‫ور‬ ‫ُي ّ‬
‫صىلِعليهِ‪ِ،‬وّلِيدفنِيفِمقابرِاملسلمنيِ‪ِ،‬وّلِ ُي َ‬
‫ومنِآثارهِاألُخروية‪ِ:‬إذاِماتِعىلِكفرهِفإنهِيستوجبِلعنةِاهللِوطردهِ‬

‫من ِرْحته ِواخللود ِاألبدي ِيف ِنار ِجهنم ِ‪ِ ،‬قال ِاهلل ِتعاىل ِ‪ِ :‬ﱡ ﲱ ﲲ‬

‫ﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼ‬
‫ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇﱠِ[البقرة‪ِ:‬‬

‫‪ .]0١5ِ،0١0‬وقالِتعاىل‪ِِ:‬ﱡﭐﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ‬

‫ﲞ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﱠِ[النساءِ‬
‫ﲟ‬ ‫ﲛ ﲜﲝ‬
‫‪ِ،ِ]٣8ِ:‬وهلذاِجيبِعىلِمنِيتصدىِللحكمِبالتكفريِأنِيتمهلِيفِحكمهِ‬
‫مراتِومراتِ‪.‬‬
‫دِهنىِاْلسَلمِعنِالتعجلِبه ِ‪ِ،‬أوِ‬
‫ُِّ‬ ‫وخلطورةِآثارِالتكفريِعىلِاملجتمعِفق‬
‫نُِيـطىءِاْلنسانِ‬ ‫إقرارهِإّلِبعدِالتأكدِمنِأسبـابهِدونِأدنىِشبهـة ِ‪َ ِ،‬ف َ َ‬
‫أل ُ ِ‬
‫يفِالعفوِخريِمنِأنُِيطئِيفِالعقوبةِ‪ِ،‬ومردهِيفِاألمرِإىلِاهلل‪ِ.‬‬
‫والقرآنِالكريمِنعىِعىلِالصحايبِاجلليلِأسامةِبنِزيدِ(ريضِاهللِعنه)ِ‬
‫قتله ِالرجل ِالذي ِألقى ِإليه ِالسَلم ِ‪ِ ،‬وأمره ِوأمرنا ِمجي ًعا ِبالتبني ِيف ِقولهِ‬

‫تعاىل‪ِ:‬ﱡﭐ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ‬

‫‪-21 -‬‬
‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ‬

‫ﲬ ﲮ‬
‫ﲭ‬ ‫ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ‬

‫ﲵﲷﲸﲹ‬
‫ﲶ‬ ‫ﲯﲰﲱﲲﲳﲴ‬

‫ﲺ ﲻ ﲼﱠِ[النساء‪ِ.]٩٣ِ:‬‬
‫ّ‬
‫وحذر ِالنبي ِ(صىل ِاهلل ِعليه ِوسلم) ِمن ِالتكفري ِأشد ِالتحذير ِ‪ِ ،‬فقال‪ِ:‬‬
‫ِهب َ‬
‫اِأ َحدُ ُ َ‬
‫مها"ِ(متفقِعليه)‪ِ.‬‬ ‫ِالر ُج ُل َِأ َخا ُِهِ َف َقدْ ِ َب َ‬
‫اء ِ َ‬ ‫"إِ َذاِ َك َّف َر َّ‬
‫ِفتورعوا ِعن ِاملسارعة ِإىلِ‬
‫وقد ِأدرك ِالعلامء ِخطورة ِاحلكم ِبالتكفري‪ّ ،‬‬
‫القولِبهِإّلِبدليلِ ِساطعِ ِ‪ِ،‬وبرهانِ ِواضحِ ِّلِمدافعِلهِ؛ِإذِالشهادةِبالكفرِ‬
‫عىلِاملسلمِمنِأعظمِالزورِوالظلمِوالبهتان‪ِ.‬‬

‫وقد ِكان ِالصحابة ِالكرام ِ(ريض ِاهلل ِعنهم) ِيمتنعون ِعن ِإطَلق ِلفظِ‬
‫التكفريِأوِالتفسيقِعىلِأحد ِمنِأهلِالقبلة ِ‪ِ،‬فعنِأيبِسفيانِقال‪"ِ:‬قلتِ‬
‫جلابر‪ِ:‬أكنتمِتقولونِألحدِمنِأهلِالقبلة‪ِ:‬كافر؟ِقال‪ِّ:‬لِ‪ِ،‬قلت‪ِ:‬فمرشك؟ِ‬
‫قال‪ِ:‬معاذِاهلل‪ِ.‬وفزع"ِ‪(ِ.‬رواهِابنِعبدِالربِيفِالتمهيدِ(‪ِ.)50ِ/01‬‬

‫وملاِسئلِعىلِبنِأيبِطالبِ(ريضِاهللِعنه)ِعنِاخلوارج‪ِ:‬أمرشكونِهم؟ِ‬
‫ُ‬
‫ِألن ِاملنافقنيِّلِ‬
‫ِمنِالرشكِفروا ِ‪ِ،‬فقيل ِ‪ِ :‬أمنافقونِ؟ِقالِ‪ّ:‬ل ِ؛ َّ‬
‫ُّ‬ ‫قال‪ِّ :‬ل ِ‪،‬‬
‫ً‬
‫يذكرونِاهللِإّلِقليَلِ‪ِ،‬قيلِلهِ‪ِ:‬فامِحاهلمِ؟ِقالِ‪ِ:‬إخوانناِبغواِعلينا"ِ‪ِ،‬فهمِ‬

‫‪-22 -‬‬
‫بغاةِيقاتَلونِقتالِأهلِالبغي ِ؛ِلردهمِعنِبغيهمِ‪(ِ.‬اجلامعِألحكامِالقرآنِ‬
‫(‪ِِ.)٤5٣/0١‬‬

‫وهكذا ِينبغي ِأّل ِنسارع ِبتكفري ِأحد ِ‪ِ ،‬وإذا ِكانت ِبعض ِالفرق ِتكفرِ‬
‫خمالفيها ِ‪ِ ،‬فنحن ِّل ِنكفرهم ِإّل ِإذا ِاستحلوا ِدماء ِالناس ِوأمواهلمِ‬
‫وأعراضهمِبغريِحقِ‪ِ.‬‬

‫قال ِالشوكاين ِـ ِرْحه ِاهلل ِـ ِ‪ِ "ِ :‬اعلم ِأن ِاحلكم ِعىل ِالرجل ِاملسلمِ‬
‫بخروجه ِمن ِدين ِاْلسَلم ِودخوله ِيف ِالكفر ِّل ِينبغي ِملسلم ِيؤمن ِباهللِ‬
‫واليومِاآلخرِأنِ ُيقدمِعليهِإّلِبربهانِأوضحِمنِشمسِالنهار ِ‪ِ،‬فإنهِقدِ‬
‫ثبتِيفِاألحاديثِالصحيحةِاملرويةِمنِطريقِمجاعةِمنِالصحابةِأنِ(منِ‬
‫قالِألخيه ِ‪ِ:‬ياِكافر ِفقدِباءِهباِأحدمها)‪ِ...‬ففيِهذهِاألحاديثِوماِوردِ‬
‫موردها ِأعظم ِزاجر ِوأكرب ِواعظ ِعن ِالترسع ِيف ِالتكفري" ِ(السيل ِاجلرارِ‬
‫(‪ِ.)218ِ/٣‬‬

‫أن َِم ْنِصدرِعنهِماِحيتملِالكفرِ‬


‫ونقلِعنِاْلمامِمالكِـِرْحهِاهللِـِ‪َّ ِ"ِ:‬‬
‫اِ‪ِ،‬وحيتملِاْليامنِمنِوجهِواحدِْحلِعىلِاْليامن"‪ِ.‬‬
‫ُ‬ ‫منِتسعةِوتسعنيِوجه‬
‫ً‬
‫وقال ِحجة ِاْلسَلم ِالغزايل ِـ ِرْحه ِاهلل ِـ‪ِ "ِ :‬والذي ِينبغي ِأن ِيميلِ‬
‫ِ؛ِفإنِاستباحةِالدماءِ‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫‪ِ:‬اّلحرتازِمنِالتكفريِماِوجدِإليهِسبيَل‬ ‫املُ ِّ‬
‫حصلِإليهِ‬
‫واألموال ِمن ِاملصلني ِإىل ِالقبلة ِاملرصحني ِبقول‪ّ(ِ :‬ل ِإله ِإّل ِاهلل ِ‪ِ ،‬حممدِ‬

‫‪-23 -‬‬
‫رسولِاهلل)ِخطـأ ِ‪ِ ،‬واخلطـأِيفِتـركِألفِكافرِيفِاحليـاةِأهـونِمنِاخلطـأِ‬
‫يفِسفكِحمجمةِمنِدمِمسلم"‪(.‬اّلقتصادِيفِاّلعتقادِص‪ِ.)0٤2ِ:‬‬

‫َّ‬
‫‪ِ:‬أنِتكفِلسانكِعنِأهلِالقبلةِماِ‬ ‫أيضاِ‪"ِ:‬الوصيةِ‬
‫ويقولِـِرْحهِاهللِـِ ً‬
‫أمكنك ِ ‪ِ،‬ماِدامواِقائلني‪ّ(ِ:‬لِإلهِإّلِاهللِ‪ِ،‬حممدِرسولِاهلل)ِ‪ِ،‬غريِمناقضنيِ‬
‫هلاِ"‪(ِ.‬فيصلِالتفرقةِبنيِاْلسَلمِوالزندقةِ‪ِ،‬صِ‪ِ.)058ِ:‬‬
‫وقال ِاْلمام ِالباجوري ِعن ِاخلوارج ِ‪"ِ :‬ومل ِيكفروا ِبتكفري ِمرتكبِ‬

‫ِأن َِم ْن ِك َّفر ِمؤمنًا ِ ُِك ِِّفر؛ َّ‬


‫ِألهنم ِقالوا ِذلك ِبتأويل ِواجتهاد"ِِ‬ ‫الذنوب ِ‪ِ ،‬مع َّ‬
‫(حاشيةِالباجوريِعىلِرشحِاجلوهرة)‪ِ.‬‬

‫ومنِاألصولِاملتفقِعليهاِعندِأهلِالسنةِواجلامعة ِأنَّهِّلِجيوزِاحلكمِ‬
‫عىلِاملسلمِبالكفرِمهامِتكاثرتِمؤيداتِاحلكمِعليهِبذلكِماِدامِاحتاملِ‬
‫واحدِلبقائهِعىلِاْلسَلمِموجو ًدا‪ِ.‬‬

‫لكنِالفكرِالتكفرييِيعكسِهذاِاحلكمِ‪ِ،‬فيذهبِإىلِأنهِّلِجيوزِاحلكمِ‬
‫عىل ِاملسلم ِباْلسَلم ِمهام ِتكاثرت ِمؤيدات ِاحلكم ِبإسَلمه ِما ِدام ِاحتاملِ‬
‫واحدِلتحولهِإىلِالكفرِموجو ًدا‪ِ.‬‬
‫ُّ‬
‫منِثمِ‬
‫َّ‬ ‫إ ًذاِفالتكفريِحكمِرشعيِّلِيصدرِإّلِعنِأدلةِرشعيةِقاطعةِ‪ِ،‬و‬
‫فإنِمر َِّدهِإىلِأحكامِالرشيعةِوفقهِنصوصهاِ‪ِ،‬وّلِجيوزِيفِذلكِكلهِاخلوضِ‬
‫َّ‬
‫بَلِعلمِوّلِبرهانِمنِاهللِ‪ِ،‬ومنِهناِفإنهِّلِجيوزِلواعظِأوِعالـمِأوِمجاعةِ‬
‫‪-24 -‬‬
‫أيِاِكانتِأنِحتكمِعىلِالناسِبالكفرِ‪ِ،‬وإنامِيكونِذلكِحلكمِالقايضِأوِ‬
‫املفتيِملاِهلامِمنِعلمِباألحكامِالرشعيةِواْلجراءاتِالقضائية‪ِِ.‬‬
‫ِ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬

‫‪-25 -‬‬
‫ثانيًا‪ :‬نظام احلكم واملتاجرة بقضية اخلالفة‬

‫ملِيضعِِاْلسَلمِقال ًباِجامدً اِصامتًاِحمد ًداِلنظامِاحلكمِّلِيمكنِاخلروجِ‬


‫عنه‪ِ،‬وإنامِوضعِأسساِومعايريِمتىِحتققتِكانِاحلكمِرشيدً اِيقرهِاْلسَلم‪ِ،‬‬
‫ً‬
‫ومتىِاختلتِأصابِاحلكمِمنِاخلللِواّلضطرابِبمقدارِاختَلهلاِ‪ِ.‬‬
‫ولعل ِالعنوان ِاألهم ِاألبرز ِلنظام ِأي ِحكم ِرشيد ِهو ِمدى ِحتقيقهِ‬
‫ملصالحِالبَلدِوالعبادِ‪ِ،‬وعىلِِأقلِتقديرِمدىِعملهِلذلكِوسعيهِإليهِ‪ِ،‬فأيِ‬
‫حكمِيسعىِإىلِحتقيقِمصالحِالبَلدِوالعبادِيفِضوءِمعاينِالعدلِواملساواةِ‬
‫واحلرية ِاملنضبطة ِبعيدً ا ِعن ِالفوىض ِواملحسوبية ِ‪ِ ،‬وتقديم ِالوّلء ِعىلِ‬
‫الكفاءةِ‪ِ،‬فهوِحكمِرشيدِمعترب‪ِ.‬‬

‫وحتتِهذاِالعنوانِالرئيسِتتداعىِتفاصيلِكثريةِهتدفِيفِجمملهاِإىلِ‬
‫حتقيقِالعدلِبكلِألوانهِالسياسيةِواّلجتامعيةِوالقضائيةِبنيِالبرشِمجي ًعا‪ِ،‬‬
‫وعدمِالتمييزِبنيِالناسِعىلِأساسِاللونِأوِاجلنسِأوِالعرق ِ‪ِ،‬وّلِإكراهِ‬
‫يفِالدين ِ‪ِ،‬يقولِاحلقِسبحانهِوتعاىلِعىلِلسانِنبيناِحممدِ(صىلِاهللِعليهِ‬
‫وسلم)ِيفِخماطبةِكفارِمكة‪ِ:‬ﱡ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠِ[الكافرون‪ِ،]١ِ:‬‬
‫فكل ِحكم ِيعمل ِعىل ِحتقيق ِذلك ِويسعى ِإىل ِتوفري ِاحلاجات ِاألساسيةِ‬
‫للمجتمع ِمن ِمأكل ِومرشب ِوملبس ِومسكن ِوبنى ِحتتية ِمن ِ‪ِ :‬صحة ِ‪ِ،‬‬

‫‪-26 -‬‬
‫وتعليمِ‪ِ،‬وطرق‪ِ،‬ونحوِذلكِمماِّلِتقومِحياةِالبَلدِوالعبادِإّلِبهِ‪ِ،‬فإنهِيعدِ‬
‫حكام ِرشيدً اِسديدً اِموف ًقا ِ‪ِ،‬مرضياِعندِاهللِوعندِالناسِإّلِمنِحاقد ِأوِ‬
‫ً‬
‫حاسدِأوِمكابرِأوِمعاندِأوِخائنِأوِعميل‪.‬‬

‫ويؤكدِأهلِالعلمِوالرأيِوالفكرِأنِاهللِ(عزِوجل)ِينرصِالدولةِالعادلةِ‬
‫وإنِكانتِكافرةِ‪ِ،‬وّلِينرصِالدولةِالظاملةِوإنِكانتِمؤمنة‪ِِ.‬‬
‫أما ِمن ِيتخذون ِمن ِقضية ِاخلَلفة ِوسيلة ِللمتاجرة ِبالدين ِواللعبِ‬
‫بعواطف ِالعامة ِحمتجني ِببعض ِالنصوص ِالتي ِيسقطوهنا ِإسقا ًطا ِخاطئًاِ‬
‫دونِأيِدرايةِبفقهِالواقعِأوِحتقيقِاملناطِمنِجهةِوجيعلوهناِأصلِاألصولِ‬
‫الذيِعليهِمناطِاْليامنِوالكفرِمنِجهةِأخرى ِ‪ِ،‬فإنناِنردِعليهمِبامِأكدِ‬
‫عليه ِفضيلة ِاْلمام ِاألكرب ِأ‪.‬د‪/‬أْحد ِالطيب ِشيخ ِاألزهر ِيف ِكلمته ِالتيِ‬
‫ألقاهاِيفِمؤمترِ" ِاألزهرِيفِمواجهةِاْلرهابِوالتطرف" ِمنِأنهِّلِنزاعِ‬
‫بني ِأهل ِالعلم ِاملعتربين ِأن ِاخلَلفة ِأليق ِبالفروع ِوأقرب ِهلا ِ‪ِ ،‬ومذهبِ‬
‫األشاعرة ِعىل ِأهنا ِفرع ِّل ِأصل‪ِ ،‬وذكر ِفضيلته ِما ِورد ِيف ِكتاب ِ"رشحِ‬
‫املواقف"ِالذيِيعدِأحدِأعمدةِكتبِاملذهبِاألشعريِ‪ِ،‬حيثِذكرِمؤلفهِ‬
‫يفِشأنِاْلمامةِأهناِ" ِليستِمنِأصولِالدياناتِوالعقائدِعندنا ِبلِهيِ‬
‫ًِ‬
‫‪ِ،‬ثمِعلقِفضيلةِاْلمامِقائَل ِ‪ِ:‬فكيفِصارتِهذهِاملسألةِ‬ ‫فرعِمنِالفروع"‬
‫ً‬
‫ِفاصَل ِعند ِهذاِ‬ ‫التي ِليست ِمن ِأصول ِالدين ِعند ِأهل ِالسنة ِواجلامعة‬
‫‪-27 -‬‬
‫‪ِ،‬وخ ِّربِالعمران ِ‪ِ،‬‬
‫‪ِ،‬وفتنةِسفكتِفيهاِالدماء ِ ُ‬
‫ُ‬ ‫الشبابِبنيِالكفرِواْليامن ِ‬
‫ُ‬
‫وشوهتِهباِصورةِهذاِالدينِاحلنيف؟!‪ِ.‬‬

‫وعندماِحتدثِالنبيِ(صىلِاهللِعليهِوسلم)ِيفِحديثهِاجلامعِعنِاْليامنِ‬
‫واْلسَلمِواْلحسانِملِجيعلِ(صىلِاهللِعليهِوسلم)ِاخلَلفةِركنًاِمنِأركانِ‬
‫اْليامنِأوِاْلسَلمِ‪ِ،‬فعنِعمرِبنِاخلطابِ(ريضِاهللِعنه)ِقال‪َ "ِ:‬ب ْين ََامِن َْح ُنِ‬
‫َاِر ُج هل َِش ِديدُ ِ‬ ‫ات ِ َي ْومِ ِ‪ِ،‬إِ ْذ ِ َط َل َع ِ َع َل ْين َ‬
‫ول ِاهللِِ(صىلِاهللِعليهِوسلم) ِ َذ َ‬ ‫ِعنْدَ ِرس ِ‬
‫َ ُ‬
‫‪ِ،‬و َّل ِ َي ْع ِر ُف ُه ِِمنَّاِ‬
‫ِالس َف ِر َ‬
‫ِ‬
‫‪ِّ،‬ل ِ ُي َرىِ َع َل ْيه َِأ َث ُر َّ‬ ‫‪ِ،‬ش ِديدُ ِ َس َو ِاد َّ‬
‫ِالش َع ِر َ‬ ‫اض ِال ِّث َي ِ ِ‬
‫اب ِ َ‬ ‫َب َي ِ‬
‫َّىِج َل َسِإِ َىلِالنَّبِ ِّيِ(صىلِاهللِعليهِوسلم)ِ َف َأ ْسنَدَ ُِر ْك َب َت ْي ِهِإِ َىل ُِر ْك َب َت ْي ِه‪ِ،‬‬ ‫‪ِ،‬حت َ‬ ‫َأ َحدهِِ َ‬
‫ِاْل ْس ََل ِِم ِ‪َ ِ ،‬ف َق َالِ‬ ‫رب ِين ِ َع ِن ْ ِ‬ ‫خ َذ ْي ِِه ِ‪َِ ،‬و َق َال‪َ ِ :‬يا ُ َ‬
‫ِحم َّمدُ ِ‪َ ِ ،‬أ ْخ ِ ِْ‬ ‫وو َضع ِ َك َّفي ِه ِع َىل ِ َف ِ‬
‫َ َ َ ْ َ‬
‫ُِو َأ َّنِ‬
‫‪ِ:‬اْل ْس ََل ُم َِأ ْن ِت َْش َهدَ َِأ ْن َِّل ِإِ َل َه ِإِ َّّل ِاهلل َ‬ ‫ول ِاهللِِ(صىلِاهللِعليهِوسلم) ْ ِ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ول ِاهللِ ِ ِ‬
‫‪ِ،‬و َ ُحت َّجِ‬‫ان ِ َ‬ ‫‪ِ،‬وت َُصو َم َِر َم َض َِ‬ ‫‪ِ،‬وت ُْؤ ِ َِت ِال َّزكَا َِة ِ َ‬
‫ِالص ََل َِة ِ َ‬
‫يم َّ‬ ‫‪ِ،‬وتُق َ‬ ‫َ‬ ‫اِر ُس ُ‬
‫حم َّمدً َ‬ ‫َُ‬
‫ج ْبنَا ِ َل ُه ِ َي ْس َأ ُل ُِه ِ‪ِ،‬‬
‫ت ِ‪َ ِ ،‬ق َال‪َ ِ :‬ف َع ِ‬ ‫ِصدَ ْق َ ِ‬ ‫يَل ِ‪َ ِ ،‬ق َال‪َ :‬‬‫ت ِإِ َل ْي ِه َِسبِ ً ِ‬ ‫ت ِإِ ِن ْ ِ‬
‫ِاس َت َط ْع َ‬ ‫ا ْل َب ْي َ‬
‫هلل ِ‪َِ ،‬و َم ََلئِكَتِ ِِه ِ‪ِ،‬‬ ‫ِاْل َيام ِِن ِ‪َ ِ ،‬ق َال‪َِ :‬أ ْن ِت ُْؤ ِم َن ِبِا ِِ‬
‫رب ِين ِ َع ِن ْ ِ‬ ‫َ‬
‫َو ُي َصدِّ ُق ُِه ِ‪َ ِ ،‬ق َال‪َ ِ :‬فأ ْخ ِ ْ‬
‫ِخ ِري ِه ِو َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫و ُك ُتبِ ِه‪ِ،‬ورسلِ ِِه ِ‪ِ،‬وا ْليو ِم ْ ِ‬
‫ت‪ِ،‬‬ ‫‪ِ،‬وت ُْؤم َن ِبِا ْل َقدَِر َ ْ َ ِّ‬
‫رش ِه ِ‪َ ِ،‬ق َال َ‬
‫‪ِ:‬صدَ ْق َ‬ ‫ِاآلخ ِر َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َُ ُ‬ ‫َ‬
‫‪ِ:‬أ ْن ِ َت ْع ُبدَ ِاهللَِك ََأن َ‬
‫َّك ِت ََرا ُه‪َ ِ،‬فإِ ْن َِمل ِْ َتك ُْن ِت ََرا ُهِ‬ ‫ِاْل ْح َس ِِ‬
‫ان ِ‪َ ِ،‬ق َال َ‬ ‫رب ِين ِ َع ِن ْ ِ‬ ‫َ‬
‫َق َال‪َ ِ:‬فأ ْخ ِ ْ‬
‫ُول ِ َعن َْها ِبِ َأ ْع َل َم ِ ِم َنِ‬ ‫ِالسا َع ِِة ِ‪َ ِ ،‬ق َال‪َِ :‬ما ِا َْمل ْسئ ُ‬
‫رب ِين ِ َع ِن َّ‬ ‫َ‬
‫اك‪َ ِ ،‬ق َال‪َ ِ :‬فأ ْخ ِ ْ‬ ‫َفإِ َّن ُه ِ َي َر َ‬
‫ا‪ِ،‬و َأ ْنِت ََر ُْ‬
‫ىِاحل َفاةَِ‬ ‫‪ِ:‬أ ْنِتَلِدَ ْ‬
‫ِاألَ َم ُة َِر َّبت ََه َ‬ ‫السائِ ِل‪َ ِ،‬ق َال‪َ ِ:‬ف َأ ْخ ِرب ِينِ َع ْن َِأ َم َار ِهتاِ‪َ ِ،‬ق َال َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬

‫‪-28 -‬‬
‫ت َِملِيا ِ‪ِ،‬‬ ‫ون ِِيف ِا ْل ُبنْ َي ِِ‬
‫ان ِ‪َ ِ،‬ق َال‪ُ ِ:‬ث َّم ِا ْن َط َل َق ِ َف َلبِ ْث ُ‬ ‫ِالش ِ‬
‫اء ِ َي َت َط َاو ُل َ‬ ‫اء َّ‬‫ا ْل ُع َرا َة ِا ْل َعا َل َة ِِر َع َ‬
‫ت‪ِ:‬اهلل َُِو َر ُسو ُل ُه َِأ ْع َل ُِم ِ‪َ ِ،‬ق َال‪َ ِ:‬فإِ َّن ُهِ‬ ‫ِالسائِ ُل؟ِ ُق ْل ُ‬ ‫يِم ِن َّ‬ ‫ِيل‪َ ِ:‬ياِ ُع َم ُر َِأتَدْ ِر َ‬ ‫ُث َّم ِ َق َال ِ ِ‬
‫ُم"ِ(رواهِمسلم)‪ِ.‬‬ ‫يل َِأتَاك ُْمِ ُي َع ِّل ُمك ُْم ِِدي َنك ِْ‬
‫ِج ْ ِرب ُ‬
‫أماِمجلةِاألحاديثِالتيِتتحدثِعنِاخلـَلفةِوالبيعةِفيمكنِأنِحتمـلِ‬
‫يفِمجلتهاِيفِضوء ِمعطياتِعرصناِاحلارضِعىل ِرضورةِإقامةِنظامِحكمِ‬
‫عادل ِرشيد ِله ِرئيس ِومؤسسات ِ‪ِ ،‬يعمل ِعىل ِحتقيق ِالعدل ِبني ِالناس‪ِ،‬‬
‫وحتقيقِمصالحِالبَلدِوالعباد ِ‪ِ،‬ويستندِإىلِالشورىِواْلفادةِمنِالكفاءاتِ‬
‫وأهلِاخلربةِواّلختصاصِ‪ِ،‬بحيثِّلِيرتكِالناسِفوىضِّلِرساةِهلمِ‪ِ،‬وّلِ‬
‫إشكالِبعد ِذلكِيفِالسامءِواملسمياتِطاملا ِأهنا ِحتققِاألهدافِوالغاياتِ‬
‫التي ِيسعى ِاْلسَلم ِلتحقيقها ِبني ِالناس ِمجي ًعا ِبام ِحيقق ِصالح ِدينهمِ‬
‫ودنياهمِ(‪ِ.)1‬‬

‫*ِِِِِِِِ*ِِِِِِِِ*ِ‬

‫(‪ِ)0‬هذاِاملبحثِمأخوذِمنِكتاب‪"ِ:‬نحوِجتديدِالفكرِالديني‪ِ:‬مقاّلتِيفِالدينِواحلياة" ِلألستاذِ‬
‫الدكتور‪/‬حممدِخمتارِمجعةِوزيرِاألوقافِ(ص‪ِ.")008-002‬‬

‫‪-29 -‬‬
‫ثالثًا‪ :‬احلاكمية‬

‫هيِاّللتزامِبامِنزلِمنِرشعِاهللِ‪ِ،‬وهذاِّلِيمنعِاحتكامِالبرشِإىلِقواننيِ‬
‫يضعوهناِيفِإطارِمبادئِالترشيعِالعامةِوقواعدهِالكلية ِ‪ِ،‬وف ًقاِلتغريِالزمانِ‬
‫واملكانِ‪ِ،‬وّلِيكونِاّلحتكامِلتلكِالترشيعاتِالوضعيةِخمال ًِفاِلرشعِاهللِماِ‬
‫دامِأنهِحيققِاملصالحِالعامةِللدولِوالشعوبِواألفرادِواملجتمعات‪ِ.‬‬
‫وبيان ذلك‪ِ:‬‬
‫أنِفكرةِاحلاكميةِأساءِفهمهاِتلكِاجلامعاتِالتكفرييةِاْلرهابيةِ‪ِ،‬حيثِ‬
‫أدخلواِيفِمضموهناِماِملِ ُِيردهِالرشعِاْلسَلميِاحلنيف‪ِ.‬‬
‫فاحلاكميةِتطلقِباملعنىِالترشيعيِ‪ِ،‬ومعناهاِ‪ِ:‬أنِاهللِسبحانهِهوِاملرشعِ‬
‫خللقهِ‪ِ،‬أي‪ِ:‬هوِالذيِيأمرهمِوينهاهم ِ‪ِ،‬وحيلِهلمِوحيرمِعليهمِمنِخَللِ‬
‫تكاليفهِالرشعية‪ِ.‬‬

‫هذهِهيِاحلاكمية ِ‪ِّ،‬لِتعنيِأنِاهللِ‪ِ -‬عزِوجل ِ‪ِ -‬هوِالذيِيويلِاخللفاءِ‬


‫واألمراءِحيكمونِباسمهِ‪ِ،‬بلِاملقصودِهباِاحلاكميةِالترشيعيةِفحسبِ‪ِ،‬أماِ‬
‫سند ِالسلطة ِالسياسية ِفمرجعه ِإىل ِاألمة ِ‪ِ ،‬فهي ِالتي ِختتار ِحكامها ِوهيِ‬
‫التيِحتاسبهمِوتعاقبهمِ‪ِ،‬فليسِمعنىِاحلاكميةِالدعوةِإىلِدولةِثيوقراطية‪ِ.‬‬
‫احلاكميـةِالتشـريعيةِإذنِهيِالتيِجيبِأنِتكونِهللِوحدهِوليسِألحـدِ‬

‫‪-31 -‬‬
‫منِخلقهِ‪ِ،‬فهذهِهيِاحلاكميةِالعلياِ‪ِ،‬وهذهِّلِتنفيِأنِيكونِللبرشِقدرِمنِ‬
‫الترشيعِأذنِبهِاهللِ(عزِوجل) ِهلم ِ‪ِ،‬وذلكِيفِدائرةِماِّلِنصِفيهِأصَل ِ‪ِ،‬‬
‫َتِ َعنْ ُهِ‬
‫اِسك َ‬
‫وهوِكثريِ‪ِ،‬وهوِاملسكوتِعنهِ‪ِ،‬والذيِجاءِفيهِاحلديثِ‪َ "ِ:‬و َم َ‬
‫َف ُه َو ِ َع ْف هِو" ِ(سنن ِأيب ِداود) ِ‪ِ ،‬ومثل ِذلك ً‬
‫ِأيضا ِ‪ِ :‬ما ِنُص ِفيه ِعىل ِاملبادئِ‬
‫والقواعدِالعامةِدونِاألحكامِاجلزئيةِوالتفصيلية ِ‪ِ ،‬ومنِثمِيستطيعِالناسِ‬
‫أنِيرشعواِألنفسهمِبإذنِمنِدينهمِيفِجماّلتِكثرية ِ‪ِ:‬اجتامعيةِواقتصاديةِ‬
‫وسياسية ِ‪ِ ،‬غري ِمقيدين ِإّل ِبمقاصد ِالرشيعة ِالكلية ِ‪ِ ،‬وقواعدها ِالعامة‪ِ،‬‬
‫وكلها ِ تراعي ِجلب ِاملصالح ِودرء ِاملفاسد ِورعاية ِحاجات ِالناس ِأفرادِ‬
‫ومجاعات‪ِ.‬‬

‫وننبهِإىلِأنِالقواننيِالتفصيليةِاملعارصةِّلِتتناىفِيفِمجلتهاِمعِالرشيعةِ‬
‫يف ِمقاصدها ِالكلية ِ؛ ِألهنا ِقامت ِعىل ِجلب ِاملنفعة ِودفع ِاملرضة ِورعايةِ‬
‫العرف‪ِ.‬‬

‫وقضيةِتكفريِاحلكامِاستنا ًداِإىلِقولهِتعاىل‪ِ:‬ﱡﭐ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ‬

‫ﲙ ﲚ ﲛ ﲜﱠ ِ[املائدة ِ‪ِ]٣٣:‬قضيةِمغلوطة ِ‪ِ،‬فإنِكلِ‬


‫منِحكمِبغريِرشعِاهللِ(عزِوجل) ِيفِدارهِالتيِهوِقيمِعىلِأهلهِفيها ِ‪ِ،‬أوِ‬
‫يفِجمتمعهِالذيِهوِحاكمِفيهِ‪ِ،‬أوِيفِمؤسستهِالتيِهوِمديرِهلـاِ‪ِ،‬فهوِكافرِِ‬

‫‪-31 -‬‬
‫مرتدِيستحقِالقتلِيفِمذهبِهذاِالفكرِاملنحرف‪ِ.‬‬
‫ً‬
‫املِأهنمِإنامِحكمواِبغريِرشعِاهللِتساهَل ِمنهمِأوِ‬ ‫وّلِجدوىِمنِاحت‬
‫ً‬
‫كسَلِأوِبسببِركوهنمِإىلِشهوةِمتغلبةِأوِمصلحةِدنيويةِقاهرةِأوِبسببِ‬
‫إكراهِمنِالظروفِالعامليةِاملحيطةِهبمِمعِيقينهمِبأهنمِآثمونِيفِجنوحهمِ‬
‫عنِاحلكمِبامِأنزلِاهللِ‪ِ.‬‬
‫ومظهرِالغلوِيفِهذاِيتجىلِيفِجتاهلِالفرقِبنيِاملعصيةِالسلوكيةِالتيِّلِ‬
‫جترِإىلِأكثرِمنِالفسق ِ‪ِ،‬واملعصيةِاّلعتقاديةِالتيِتزجِصاحبهاِيفِالكفر‪ِ،‬‬
‫ومنِأصولِأهلِالسنةِأنِاملعايصِتفسقِوّلِتكفر‪ِ.‬‬
‫ِأيضا ِيف ِالتوجه ِباحلكم ِاجلامعي ِعىل ِاملتلبسني ِهبذهِ‬
‫كام ِيتجىل ِالغلو ً‬
‫املعصيةِدونِتفصيلِوّلِتفريق ِ‪ِ،‬ودونِتقديرِللحاّلتِاخلاصةِواألوضاعِ‬
‫الفردية ِ ‪ِ ،‬ومذاهب ِالعلامء ِمبنية ِعىل ِالتفرقة ِبني ِالنوع ِواملعني ِيف ِقضيةِ‬
‫التكفري‪ِ.‬‬
‫كامِيتجىلِذلكِيفِخمالفةِجريئةِهلديِسيدناِرسولِاهللِ(صىلِاهللِعليهِ‬
‫وسلم)‪ِ،‬وحتذيرهِمنِالتورطِيفِهذاِالغلوِ‪ِ،‬وذلكِيفِاحلديثِالذيِرواهِأبوِ‬
‫ول ِاهللِِ(صىلِاهللِعليهِوسلم)‪ِ:‬‬ ‫سعيدِاخلدريِ(ريضِاهللِعنه)ِقال‪َ ِ:‬ق َال َِر ُس ُ‬
‫وب ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُون ِ َع َل ْيك ُْمِ‬ ‫ني َُِهل ُم ُ‬
‫ِاجل ُلو ُِد ِ‪ُ ِ،‬ث َّم ِ َيك ُ‬ ‫ُون ُِأ َم َر ُاء ِ َت ْط َمئ ُّن ِإِ َل ْي ِه ُم ِال ُق ُل ُ ِ َ‬
‫‪ِ،‬وتَل ُ‬ ‫" َيك ُ‬
‫وب ِ‪َِ ،‬و َت ْق َش ِع ُّر ِِمن ُْه ُم ُ‬
‫ِاجل ُلو ُِد ِ‪َِ ،‬و َق َال‪َ ِ :‬ق َال َِر ُج هل‪ِ:‬‬ ‫ُأ َم َر ُاء ِت َْش َمئِ ُّز ِِمن ُْهم ِال ُق ُل ُ ِ‬
‫‪-32 -‬‬
‫‪ِ،‬م َ‬ ‫ِ‬
‫واِالصَل َِة"ِ(مسندِأْحد)‪ِ.‬فدلِهذاِ‬
‫َّ‬ ‫اِأ َق ُام‬ ‫ولِاهلل؟ِ َق َال َ ِ‬
‫‪ِّ:‬لِ َ‬ ‫َأ ُِن َقات ُل ُه ْمِ َي َ‬
‫اِر ُس َ‬
‫احلديثِعىلِأنِجمردِرشودِاحلاكمِعنِبعضِهديِالقرآنِوالسنةِّلِيعدِ‬
‫كفرا‪ِ.‬‬
‫ً‬
‫وقدِبيناِيفِصدرِهذاِاملبحثِأنِاّللتزامِبرشعِاهللِ(عزِوجل) ِّلِيمنعِ‬
‫احتكامِالبرشِإىلِقواننيِيضعوهناِيفِإطارِمبادئِالترشيعِالعامةِوقواعدهِ‬
‫الكلية ِ‪ِ،‬وف ًقاِلتغريِالزمانِواملكان ِ‪ِ،‬وّلِيكونِاّلحتكامِلتلكِالترشيعاتِ‬
‫الوضعيةِخمال ًفاِلرشعِاهللِماِدامِأنهِحيققِاملصالحِالعامةِللدولِوالشعوبِ‬
‫واألفرادِواملجتمعات‪ِ.‬‬

‫*ِِِِِِِِ*ِِِِِِِِ*ِ‬

‫‪-33 -‬‬
‫رابعًا‪ :‬اجلهــــاد‬

‫اتفقِاملجتمعونِعىلِأنهِر ِّد ِالعدوانِعنِالدولةِبامِيامثلهِدونِجتاوزِأوِ‬


‫شططِ‪ِ،‬وّلِجمالِلَلعتداءِ‪ِ،‬وّلِحقِلألفرادِيفِإعَلنهِ‪ِ،‬إنامِهوِحقِلرئيسِ‬
‫الدولةِواجلهاتِاملختصةِبذلكِوفقِالقانونِوالدستور‪ِ.‬‬
‫وبيان ذلك‪ِ:‬‬
‫ِأنِاجلهادِهوِ‪ِ:‬بذلِاجلهدِبأشكالهِاملختلفةِواملتنوعةِْلعَلءِكلمةِاهللِ‬
‫ولنرشِالدينِالصحيحِبنيِالناس‪ِ.‬‬
‫واجلهاد ِيف ِاْلسَلم ِشجرة ِجذعها ِاحلوار ِوالدعوة ِباحلكمة ِواملوعظةِ‬
‫احلسنةِلتوصيلِحقيقةِاْلسَلمِالصحيحِإىلِالعقول‪ِ.‬‬
‫أما ِاجلهاد ِالقتايل ِفإنه ِمتفرع ِعن ِاجلهاد ِالدعوي ِتفرع ِاألغصان ِمنِ‬

‫الشجرة ِ‪ِ،‬والدليلِعىلِذلكِقولهِتعاىلِيفِسورةِالفرقانِاملكيةِ‪ِ :‬ﱡﭐﲡ ﲢ‬

‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﱠ [الفرقان‪ِ.]25ِ:‬‬
‫والضمري ِيف ِقوله‪"ِ :‬به" ِأي ِبالقرآن ِالكريم ِ‪ِ ،‬فهو ِأمر ِرصيح ِللنبيِ‬
‫(صىلِاهللِعليهِوسلم) ِباجلهادِالدعويِللكفارِحالِكونهِيفِمكةِقبلِأنِ‬
‫يرشعِالقتالِ‪ِ.‬‬
‫ِِويفِسورةِالنحلِاملكيةِأيضاِ‪ِ:‬ﱡ ﭐﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ‬

‫‪-34 -‬‬
‫ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬
‫ﲹ ﲺﱠِ[النحلِ‪ِ.]001ِ:‬‬
‫إ ًذاِالقرآنِاملكيِتضمنِكلمةِاجلهاد ِ‪ِ،‬واملرادِهباِجهادِالنفسِبامِفيهِمنِ‬
‫الصربِعىلِالدعوةِوحتملِاألذىِيفِسبيلها‪ِ.‬‬
‫وبعد ِهجرة ِالنبي ِ(صىل ِاهلل ِعليه ِوسلم) ِإىل ِاملدينة ِوجدت ِالدولةِ‬
‫اْلسَلميةِبمقوماهتاِ(الدستورِواألرضِوالشعب)ِ‪ِ،‬ومنِثمِشـرعِاجلهـادِ‬
‫يفِاملدينةِلدفعِالعدوانِوالدفاعِعنِْحىِالدولةِوالوطن ِ‪ِ،‬وهذاِأمرِتقرهِ‬
‫األعرافِوالقواننيِالدوليةِ‪ِ.‬‬
‫ومنِاخلطأِأنِيتصورِكثريِمنِالناسِأنِالعلةِيفِعدمِمرشوعيةِاجلهادِ‬
‫القتايلِيفِمكةِالضعفِوليسِكذلك ِ‪ِ ،‬بلِالسببِيفِعدمِمرشوعيةِاجلهادِ‬
‫يفِالعهدِاملكيِومرشوعيتهِيفِالعهدِاملدينِأنِاملسلمنيِيفِمكةِملِيكنِهناكِ‬
‫يشءِيقاتلونِدونهِ ‪ِ،‬ومنِهناِّلِيوجدِيفِاْلسَلمِجهادِقتايلِْلكراهِالناسِ‬

‫ﳑ ﭐﱠ ِ[البقرة ِ‪ِ،ِ ]52١ِ:‬‬


‫ﳒ‬ ‫عىلِالدخولِفيه ِ‪ِ،‬قالِتعاىل‪ِ:‬ﭐﱡ ﳎ ﳏ ﳐ‬
‫و(ّل) ِنافيةِ‪ِ،‬كامِيقولِأهلِاللغة ِ‪ِ،‬أي ِ‪ِّ:‬لِيتأتىِاْلكراهِيفِالدين ِ؛ِألنِ‬
‫الدينونةِّلِتكونِإّلِيفِالقلب‪ِ.‬‬
‫فإنِقيل‪ِ:‬ملاذاِرشعِاجلهادِالقتايلِيفِاْلسَلمِإ ًذا؟ِ‬
‫قلناِ‪ِ:‬لدرءِاحلرابةِ‪ِّ،‬لِْلزالةِالكفر‪ِ،‬فكلِمنِحياربِاملسلمنيِأوِيعتديِ‬
‫‪-35 -‬‬
‫عىلِديارهمِوأوطاهنمِأوِعىلِأنفسهمِهوِالذيِنحاربهِونر ِّدِعدوانهِعنا‪ِ.‬‬
‫ومرشوعية ِاجلهاد ِّل ِتعني ِأن ِأصل ِاجلهاد ِ‪ِ -‬وهو ِالدعوة ِباحلكمةِ‬
‫َّ ِ‬
‫قدِوىل ِوانتهى ِ‪ِ،‬بلِكانتِالدعوةِإىلِاهلل ِ‪ِ -‬وّلِتزال ِ‪ِ-‬‬ ‫واملوعظةِاحلسنة ِ‪ِ -‬‬
‫هيِاملفتاحِالدائمِلألنواعِاألخرىِمنِاجلهادِ‪ِ.‬‬
‫والفرق ِبني ِاجلهاد ِالدعوي ِوالقتايل ِ‪ِ :‬أن ِاألول ِمن ِأحكام ِالتبليغ ِ‪ِ،‬‬

‫فالدعوةِتتسعِوتضيقِحسبِثقافةِالداعيةِوضمنِقاعدةِ ﭐﱡﭐ ﲦ ﲧ ﲨ‬

‫ﲫﱠِ[البقرةِ‪ِ.]58١ِ:‬‬
‫ﲬ‬ ‫ﲩﲪ‬

‫أما ِاجلهاد ِالقتايل ِفهو ِمن ِأحكام ِالسياسة ِالرشعية ِ‪ِ ،‬والقاعدة ِيف ِبابِ‬
‫ِإرغاماِ‬
‫ً‬ ‫ِحوارا ِوإقنا ًعا ِ‪ِ ،‬وليس‬
‫ً‬ ‫اجلهاد ِأن ِاجلهاد ِالدعوي ِكان ِوّل ِيزال‬
‫ِدرءا ِللحرابة ِواّلعتداء ِ‪ِّ ،‬ل ِعدوا ًِنـاِ‬
‫وإكراها ِ‪ِ ،‬واجلهاد ِالقتايل ِإنام ِيكون ً‬
‫ًِ‬
‫وحر ًِبـاِ‪ِ.‬‬

‫وّل ِيشكل ِعىل ِذلك ِقول ِاهلل ِتعاىل‪ِ :‬ﱡﭐ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ‬

‫ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ‬

‫ﲣﱠِ[التوبةِ‪ِِ.ِ]2ِ:‬‬
‫ﲤ‬ ‫ﲢ‬
‫ِحتَّىِ َي ْش َهدُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واِأ ِْنِ‬ ‫َّاس َ‬ ‫وقولهِ(صىلِاهللِعليهِوسلم)ِ‪ُ "ِ:‬أم ْر ُت َِأ ْن ُِأ َقات َلِالن َ‬
‫‪ِ،‬و ُي ْؤتُواِال َّزكَا َِةِ‪َ ِ،‬فإِ َِذاِ‬ ‫ولِاهللِ ِ‬ ‫ّلِإِ َل َهِإِّلَِّاهللُِ‪َ ِ،‬و َأ َِّنِ ُ َ‬
‫حم َّمدً اِ َر ُس ُ ِ‬
‫واِالصَل َِةِ َ‬
‫َّ‬ ‫يم‬ ‫‪ِ،‬و ُيق ُ‬
‫َ‬
‫‪-36 -‬‬
‫اهب ْم ِ َع َىلِ‬ ‫ِ‬ ‫اء ُه ْم َِو َأ ْم َو َُاهل ْم ِإِّلَّ ِبِ َح ِّق ِا ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َف َع ُلواِ َذلِ َ‬
‫ْل ْسَل ِم َِوح َس ُ ُ‬ ‫ك ِ َع َص ُمواِمنِّيِد َم َ‬
‫اهللِ"ِ(متفقِعليه)‪ِِِ.‬‬
‫ألنِقولهِتعاىلِ‪ِ:‬ﱡﭐ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ‬

‫ﲣﱠ ِخاصِ‬
‫ﲤ‬ ‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ‬

‫باملرشكنيِاملحاربني ِ‪ِ،‬بدليلِماِوردِبعدهاِمنِقولهِتعاىل ِ‪ِ:‬ﱡﭐﲳ ﲴ ﲵ‬

‫ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﱠِ[التوبةِ‪ِِ.ِ]١ِ:‬‬
‫ِحرصا ِدون ِغريه ِلتناقض ِذلك ِمعِ‬
‫ً‬ ‫فلو ِكانت ِغاية ِالقتال ِهي ِالكفر‬
‫احلكمِبإجارةِاملرشكِ‪ِ.‬‬
‫وأماِاحلديثِففرقِيف ِلغةِالعربِبنيِ"أقتل" ِو"أقاتل"‪ِ،‬فالقتلِغريِ‬
‫القتال‪".‬فأقتل" ِتعني‪ِ :‬مَلحقة ِالناس ِيف ِعقر ِدارهم ِحتى ِيدخلوا ِيفِ‬
‫ِقرسا ِ‪ِ ،‬أما ِ"أقاتل" ِفعىل ِوزن ِ"أفاعل"‪ِ ،‬وهي ِصيغة ِتقتيضِ‬
‫اْلسَلم ً‬
‫املشاركة‪ِ.‬‬
‫ومعناه‪ِ:‬أواجهِعدوانِالناسِباملثل ِ‪ِ،‬وقدِنقلِاْلمامِالبيهقيِعنِاْلمامِ‬
‫الشافعيِ(ريض ِاهللِعنه) ِقوله ِ‪":‬ليسِالقتلِمنِالقتالِبسبيل ِ‪ِ،‬فقدِحيلِ‬
‫قتالِالرجلِ‪ِ،‬وّلِحيلِقتله"‪(ِ.‬فتحِالباريِ‪ِ.)1١/0ِ:‬‬
‫ِ‬

‫*ِِِِِِِِِِ*ِِِِِِِِِِ*‬

‫‪-37 -‬‬
‫خامسًا‪ :‬املواطنـــــة‬

‫وتعني ِأن ِيكون ِاملواطنون ِمجي ًعا ِسواء ِيف ِاحلقوق ِوالواجبات ِداخلِ‬
‫حدودِدوهلم‪ِ.‬‬
‫وبيان ذلك‪ِِ:‬‬
‫أنِاملواطنةِهي‪ِ:‬مفاعلةِبنيِاْلنسانِاملواطنِوبنيِالوطنِالذيِيعيشِفيهِ‬
‫وينتمي ِإليه ِ‪ِ،‬وهي ِتقتيض ِأنِيكونِانتامءِاملواطنِووّلؤهِكاملنيِللوطنِ‬
‫حيرتمِهويتهِ‪ِ،‬ويؤمنِهباِ‪ِ،‬وينتميِإليهاِ‪ِ،‬ويدافعِعنها‪ِِ.‬‬

‫وهذهِالعَلقةِمعِالوطنِتتفقِمعِالقولِبأنِحبِاْلنسانِلشعبهِووطنهِ‬
‫هو ِحب ِغريزي ِيولد ِمع ِاْلنسان ِذي ِالفطرة ِالسليمة ِالتي ِتشرتك ِفيهاِ‬
‫األممِوالشعوبِعىلِاختَلفِأعراقهاِولغاهتاِوعاداهتـا ِ‪ِ،‬وهذاِاملعنىِوردِ‬
‫يفِبعضِاألقوالِاملأثورةِالتيِحتثِعىلِحبِاألوطانِوالتمسكِهباِوالدفاعِ‬
‫عنها ِ‪ِ ،‬كقوهلم‪"ِ :‬حب ِاألوطان ِمن ِاْليامن" ِ‪ِ ،‬وقوهلم ِ‪"ِ :‬إذا ِأردت ِأنِ‬
‫تعرفِوفاءِالرجلِفانظرِحنينهِإىلِوطنه"‪ِ.‬‬
‫وهذا ِيدلنا ِعىل ِعدم ِتنايف ِروابط ِاْلنسان ِمع ِوطنه ِوشعبه ِمع ِروابطِ‬
‫العقيدةِوالدين ِ؛ِألنِيف ِالدينِمنِالتعاليمِماِيأمرِاْلنسانِباملحافظةِعىلِ‬
‫تلكِالروابطِالتيِتشكلِمنهاِاهلويةِالوطنية‪ِ.‬‬

‫‪-38 -‬‬
‫ويؤيد ِهذا ِاّلنسجام ِبني ِاهلويتني ِالدينية ِوالوطنية ِأن ِالرشيعة ِقدِ‬
‫أوجبتِاجلهادِالدفاعيِعنِالوطنِوالشعب ِ‪ِ،‬واعتربتِمنِ ُيقتلِيف ِسبيلِ‬
‫الدفاعِعنهامِشهيدً اِ‪ِِِ.‬‬
‫ومنِثم ِ‪ِ،‬فإنِاملواطنةِتنطبقِعىلِمجيعِاملواطننيِالذينِيعيشونِيف ِوطنِ‬
‫واحدِدونِتفاوتِبينهم ِ‪ِ،‬وتستدعي ِاملساواةِبينهمِيف ِاحلقوقِوالواجباتِ‬
‫املنبثقةِمنِهذاِاّلنتامءِالوطني‪ِ.‬‬
‫اِواضحاِمنِوثيقةِاملدينةِاملنورةِالتي ِعقدهاِرسولِ‬
‫ً‬ ‫وهذاِماِيظهرِجلي‬
‫اهللِ(صىلِاهللِعليهِوسلم) ِمعِمكوناتِاملجتمعِاملتعددةِفيهاِيفِبدايةِالعهدِ‬
‫اجلديد‪ِ،‬وإقامةِالدولةِوتنظيمِشئوهناِ‪ِ،‬وقدِكانتِموطنًاِلألوسِواخلزرج‪ِ،‬‬
‫واليهود ِ‪ِ ،‬واملهاجرين ِ‪ِ ،‬وغريهم ِ‪ِ ،‬وقد ِكانت ِاهلوية ِالدينية ِخمتلفة ِبنيِ‬
‫هؤّلء‪ِ،‬ولكنِاهلويةِالوطنيةِكانتِاجلامعِاملشرتكِفيامِبينهم ِ‪ِ،‬وقدِنظرتِ‬
‫هذه ِالوثيقة ِإىل ِاجلميع ِعىل ِأهنم ِمتساوون ِيف ِاْلنسانية ِويف ِاحلقوقِ‬
‫والواجبات ِالوطنية ِبام ِيف ِذلك ِاليهود ِوغريهم ِممن ِمل ِيؤمن ِبالرسالةِ‬
‫اْلسَلمية ِ‪ِ،‬وقدِتضمنتِوثيقةِاملدينةِعقدً اِاجتامعيِاِأرسىِقواعدِاألخوةِ‬
‫بنيِاملهاجرينِواألنصار ِوحافظِعىلِالعيشِاملشرتكِبنيِاملسلمنيِوغريهمِ‬
‫من ِاملواطنني ِاملشرتكني ِمعهم ِيف ِالوطن ِمن ِالذين ِمل ِيكونوا ِبالرسالة ِمنِ‬
‫املؤمنني ِ‪ِ،‬وقدِأعطتهمِالوثيقةِحقِاملساواةِمعِاملسلمنيِيف ِاملصالحِالعامة‪ِ،‬‬

‫‪-39 -‬‬
‫وكفلت ِهلم ِسائر ِحقوقهم ِيف ِعباداهتم ِوحرياهتم ِالشخصية ِوعاداهتمِ‬
‫وتقاليدهم ِعىل ِقاعدة ِالتعايش ِمع ِالرشيك ِيف ِالوطن ِ‪ِ ،‬املستفاد ِمن ِقولهِ‬
‫تعاىل‪ِ :‬ﱡﭐﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬

‫ﱹ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱠ [املمتحنةِ‪ِ،]8ِ:‬‬
‫ﱺ‬ ‫ﱵﱶﱷﱸ‬
‫وماِنصتِعليهِهذهِالوثيقةِمنِأنِاليهودِباملدينةِاملنورةِمعِاملسلمنيِأمةِ‬
‫واحدةِ‪ِ،‬لليهودِدينهمِوللمسلمنيِدينهمِ‪ِ،‬يفِإطارِالعيشِاْلنساينِالسلميِ‬
‫املشرتك‪ِ.‬‬

‫عىل ِأن ِكلمة ِأهل ِالذمة ِتغني ِعنها ِاآلن ِكلمة ِاملواطنة ِواملواطن‪ِ،‬‬
‫فاملواطنة ِتعني ِأن ِاملسلمني ِوغري ِاملسلمني ِيعيشون ِعىل ِأرض ِواحدةِ‬
‫جتمعهمِاملواطنةِوجيمعهمِاملكانِ‪ِ،‬فغريِاملسلمنيِهلمِحقوقِاملواطنةِكاملة‪ِ،‬‬
‫كام ِأن ِمسئولية ِالنظام ِيف ِعنق ِاملسلمني ِوغري ِاملسلمني ِ‪ِ ،‬فالوطن ِملكِ‬
‫للجميعِ‪ِ،‬سواءِالذينِيدافعونِفيهِعنِالعقيدةِأوِالذينِيدافعونِفيهِعنِ‬
‫األرضِوالعرضِ‪ِ.‬‬
‫ِ‬

‫*ِِِِِِِِِِِ*ِِِِِِِِِِِ*ِ‬

‫‪-41 -‬‬
‫سادسًا‪ :‬اإلرهـــاب‬

‫هو ِ ‪ِ:‬اجلريمةِاملنظمةِالتيِيتواطأِفيهاِجمموعةِمنِاخلارجنيِعىلِنظامِ‬
‫الدولة ِواملجتمع ِ‪ِ ،‬وينتج ِعنها ِسفك ِدماء ِبريئة ِ‪ِ ،‬أو ِتدمري ِمنشآت ِ‪ِ ،‬أوِ‬
‫اعتداءِعىلِممتلكاتِعامةِأوِخاصة‪ِِ.‬‬
‫وبيان ذلك‪ِِ:‬‬
‫أن ِظاهرةِاْلرهابِتعتربِمنِأخطرِالظواهرِالتيِيمكنِأنِيتعرضِهلاِ‬
‫َّ‬
‫جمتمع ِمن ِاملجتمعات ِ؛ ِإذ ِتصل ِتداعياهتا ِإىل ِكل ِجماّلت ِاحلياة ِالعامة‪ِ:‬‬
‫السياسيةِواّلقتصاديةِواّلجتامعيةِوغريها‪ِ.‬‬
‫وقد ِهنى ِاْلسَلم ِعن ِاْلرهاب ِواّلعتداء ِ؛ ِألنه ِدين ِالسَلم ِجلميعِ‬
‫البرش‪ِ،‬فَلِجيتمعِمعِالعنفِواّلعتداءِ؛ِألهنامِضدانِ‪ِ،‬واملسلمونِمأمورونِ‬
‫بالبداءة ِبالسَلم ِلكل ِمن ِيقابلهم ِ‪ِ ،‬وهي ِكلمة ِأمان ِورْحة ِواطمئنان‪ِ،‬‬
‫وإشاعةِلألمنِبنيِالناسِمجي ًعا ِ‪ِ،‬فَلِجيتمعِالضدان ِ‪ِ:‬السَلمِوالعنف ِ‪ِ،‬بلِ‬
‫إنِاملسلمنيِمأمورونِبالبحثِعنِالسَلمِواجلنوحِإليهِإذاِجنحِالعدوِإليهِ‬
‫ورغبِفيه ِ‪ِ،‬وذلكِيفِحالِاحلربِاملعلنة ِ‪ِ،‬فكيفِبغريِذلكِ‪ِ،‬قالِتعاىل ِ‪ِ:‬‬
‫ﭐﱡﭐﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳑ‬
‫ﳐﳒﳓﳔﳕ‬
‫ﱇ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ‬
‫ﱈ‬ ‫ﱁ ﱂ ﱃ ﱄﱅ ﱆ‬
‫ﱍﱠ [األنفالِ‪ِِ.]ِ١5ِ،ِ١0:‬‬
‫‪-41 -‬‬
‫وملاِكانِاْلكراهِرض ًباِمنِرضوبِاْلرهاب ِ‪ِ،‬فإنِاْلسَلمِحاربهِبكلِ‬
‫صورهِوأشكالهِ؛ِألنِاْلكراهِيؤديِإىلِنقيضِاملطلوبِ‪ِ،‬وإىلِشيوعِالنفاقِ‬
‫الذيِهوِقاعدةِالغدرِواخليانةِوالرتبص ِ؛ِحتىِيفِمسألةِاعتناقِاْلسَلمِملِ‬

‫يرشعِاملوىلِسبحانهِإكراهِالناسِعىلِذلك ِ‪ِ،‬فقالِسبحانه‪ِ:‬ﭐﱡﭐ ﳎ ﳏ ﳐ‬

‫ﳗﳙﳚﳛﳜﳝﳞ‬
‫ﳘ‬ ‫ﳑﳓﳔﳕﳖ‬
‫ﳒ‬

‫ﳤ ﳦ ﳧ ﳨﱠ‬
‫ﳥ‬ ‫ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ‬
‫[البقرةِ‪ِِ.]52١ِ:‬‬
‫وحرمِاْلسَلمِقتلِالنفسِوسفكِالدمِاملعصومِ‪ِ،‬وجعلِذلكِمنِكبائرِ‬

‫ﲌ‬ ‫ﲋ‬ ‫الذنوب ِ‪ِ ،‬قال ِتعاىل‪ِ :‬ﱡﭐﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬

‫ﲗﲙ‬
‫ﲘ‬ ‫ﲍ ﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖ‬
‫ﲚ ﲛﱠ [اْلرساء ِ‪ِ،]ِ ٤٤ِ :‬وقالِتعاىل‪ِ:‬ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬

‫ﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑ‬

‫ﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚ‬

‫ﱛ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤﱥ‬
‫ﱜ‬

‫ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱠ [املائدة ِ‪ِ،ِ ]٤5ِ:‬وقال تعاىل ِ‪ِ:‬ﱡ ﭐﲃ‬

‫ﲄﲅﲆ ﲇﲈﲉﲊ ﲋ‬

‫‪-42 -‬‬
‫ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﱠ [النساء‪ِِ.]٩٤ِ:‬‬
‫وعن ِأيب ِهريرة ِ(ريض ِاهلل ِعنه) ِقال‪ِ :‬قال ِرسول ِاهلل ِ(صىل ِاهلل ِعليهِ‬
‫اِه َّن؟ِ َق َال‪ِ:‬‬
‫‪ِ،‬و َم ُ‬‫ول ِاهللِ ِ َ‬ ‫اِر ُس َ‬ ‫ات" ِ‪ِ ِ،‬ق َ‬
‫يل‪َ ِ:‬ي َ‬ ‫واِالس ْب َع ِاملُْوبِ َق ِ ِ‬
‫َّ‬ ‫اجتَن ِ ُب‬
‫وسلم)‪ْ "ِ:‬‬
‫‪ِ،‬و َأك ُْل ِم ِ‬ ‫يِح َّر َم ِاهللُِإِ َّّل ِبِ َْ‬ ‫الرش ُك ِبِاهللِ ِ‪ِ،‬والسح ِر ِ‪ِ،‬و َقت ُْل ِالنَّ ْف ِ ِ‬
‫الِ‬ ‫َ‬ ‫قِ َ‬ ‫احل ِّ ِ‬ ‫س ِا َّلت َ‬ ‫َ ِّ ْ ُ َ‬ ‫" ِّ ْ‬
‫َات ِا ْلغَافِ ََل ِ‬
‫ف ِاملُْح ِصن ِ‬ ‫ِالر َبا ِ‪َِ ،‬والت ََّو ِّيل ِ َي ْو َم ِالز َّْح ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫تِ‬ ‫ف ِ‪َِ ،‬و َق ْذ ُ ْ‬ ‫ا ْل َيتي ِم ِ‪َ ِ ،‬و َأك ُْل ِّ‬
‫َات" ِ(أخرجه ِالبخاري)‪ِ ،‬وعن ِعبد ِاهلل ِبن ِعمر ِ(ريض ِاهلل ِعنهام)ِ‬ ‫املُْ ْؤ ِمن ِ ِ‬
‫قال‪ِ:‬قالِرسولِاهللِ(صىلِاهللِعليهِوسلم)‪َ ِ ":‬ل ْن ِ َيز ََال ِاملُ ْؤ ِم ُن ِِيف ِ ُف ْس َحة ِِم ْنِ‬
‫اِح َر ًاما"ِ(أخرجهِالبخاريِ)‪ِ،‬وقالِابنِعمرِ(ريضِاهللِ‬ ‫ِدين ِ ِهِم َ ِ‬
‫ب ِ َد ًم َ‬
‫اِملِْ ُيص ْ‬ ‫َ‬
‫ِخم َر َج ِملَ ِ ْن َِأ ْو َق َع ِ َن ْف َس ُِه ِفِ َيها ِ َس ْف َكِ‬
‫ور ِا َّلتِيِّلَ َ ْ‬ ‫عنهام) ِ‪ِ ":‬إِ َّن ِِمن ِور َط ِ‬
‫ات ِاألُ ُم ِ‬ ‫ْ ََ‬
‫ِح ِّل ِِه"ِ(أخرجهِالبخاري)‪ِِ.‬‬
‫َري ِ‬
‫ِِاحل َرامِِبِغ ْ ِ‬
‫الدَّ م َ‬
‫وحرمِاْلسَلمِترويعِاآلمننيِ‪ِ،‬وجاءتِاألحكامِالرشعيةِمانعةِلألفعالِ‬
‫َّ‬
‫التي ِتسبب ِترويع ِاآلمنني ِوإخافتهم ِ‪ِ ،‬ومن ِذلك ِالنهي ِعن ِاْلشارةِ‬
‫بالسَلح ِ‪ِ،‬ففيِاحلديثِعنِأيبِهريرةِ(ريض ِاهللِعنه) ِأنِرسولِاهلل ِ(صىلِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اهللِعليهِوسلم) ِقال ِ‪َ ِ "ِ :‬م ْن َِأ َش َار ِإِ َىل َِأخيه ِبِ َحديدَ ة ِ َفإِ َّن ِاملَْ ََلئ َك َة ِ َت ْل َعنُ ُه َ‬
‫ِحتَّىِ‬
‫يه َِو ُأ ِّم ِهِ"ِ(أخرجهِمسلم)‪ِِ.‬‬ ‫َان َِأ َخاه ِِألَبِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َيدَ َع ُه َِوإِ ْنِك َ‬
‫ِمعِغريِاملسلمنيِس ُِموِاِملِيرقِ‬
‫ُِ‬ ‫ولقدِس َمتِرشيعةِاْلسَلمِيفِالتعامل‬
‫َ‬
‫إليهِقانون ِمنِالقواننيِالبرشيةِأوِنظامِمنِاألنظمة ِ؛ِإذِحفظِهلمِاْلسَلمِ‬
‫‪-43 -‬‬
‫حقوقهم ِاملالية ِواألخَلقية ِواّلجتامعية ِ‪ِ ،‬كام ِحفظ ِأمواهلم ِوأرواحهمِ‬
‫وأعراضهمِ‪ِ،‬وملِيكرهمِعىلِتركِدينهمِأوِماِهوِأدنىِمنِذلك‪ِِ.‬‬
‫ِِِووجهِالقرآنِالكريمِإىلِحسنِمعاملتهمِوالتعاملِمعهم ِ‪ِ،‬بلِبِرهمِ‬
‫والقسطِإليهم ِ‪ِ،‬يقولِاملوىلِسبحانهِوتعاىل‪ِ:‬ﭐﱡﭐﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ‬

‫ﱹﱻﱼ‬
‫ﱺ‬ ‫ﱯﱰﱱﱲﱳ ﱴﱵﱶﱷﱸ‬
‫ﱽ ﱾ ﱠ [املمتحنةِ‪ِِ.]8ِ:‬‬
‫وشدَّ د ِالنبي ِ(صىل ِاهلل ِعليه ِوسلم) ِالوعيد ِ‪ِ ،‬وأغلظ ِيف ِالعقوبة ِملنِ‬
‫استباحِحرمةِدمائهمِأوِتعرضِهلمِباألذى ِ‪ِ،‬فقالِ(صىلِاهللِعليهِوسلم)‪ِ:‬‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اِمل ِي ِرح ِرائِح َة َ ِ‬
‫ُوجدُ ِم ْن َِمس َرية َِأ ْر َبع َ‬
‫نيِ‬ ‫‪ِ،‬وإِ َِّن ِر َ‬
‫حي َهاِت َ‬ ‫ِاجلن َِّة ِ َ‬ ‫اهدً َِ ْ َ ْ َ َ‬
‫" َم ْن ِ َقت ََل ُِم َع َ‬
‫َع ًاما"ِ(أخرجهِالبخاري)‪ِ.‬‬
‫وقدِهنتِالرشيعةِاْلسَلميةِعنِالغلوِيفِالدينِ‪ِ،‬وحذرتِاملسلمنيِمنهِ‬
‫حتى ِّل ِينجرفوا ِوينحرفوا ِ؛ ِألن ِالغلو ِيف ِالدين ِهو ِالطريق ِإىل ِالتطرفِ‬
‫الفكريِواّلعتقاديِ‪ِِ.‬‬
‫والفهم ِاخلاطئ ِللدين ِقد ِيدفع ِاْلنسان ِإىل ِحماولة ِفرض ِما ِيعتقدهِ‬
‫ويؤمنِبهِبالقوةِ‪ِ،‬وهذاِماِأثبتهِالواقعِاملشاهدِ‪ِِ.‬‬
‫وقد ِجعل ِاهلل ِهـذه ِاألمـة ِوس ًِ‬
‫طـا ِ؛ ِألن ِدينهم ِكذلك ِ‪ِ ،‬قـال ِتعاىل‪:‬ﭐ‬

‫ﱡﭐﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ‬

‫‪-44 -‬‬
‫ﱥ ﱠ [البقرةِ‪ِِ.]0٣٤ِ:‬‬
‫ﱦ‬ ‫ﱣﱤ‬

‫فالغلو ِخَلفِالوسطية ِ‪ِ،‬فإذاِكانتِالوسطيةِتعنيِاّلعتـدالِوالتوازنِ‬


‫ِّ‬
‫‪ِ،‬فإنِالغلو ِيعنيِالشقةِوالتضييقِعىلِالنفسِباتباعِطريقِ‬
‫ِّ‬ ‫يفِاألمورِكلها ِ‬
‫‪ِ،‬فَلِغلوِِ‬
‫ِّ‬ ‫واحدِبعيدً اِعنِالوسط ِ‪ِ،‬ووسطيةِاْلسَلمِتوازنِبنيِاألحكام ِ‬
‫وّلِتشددِ‪ِ،‬وّلِتفلتِوّلِتسيبِ‪ِ،‬فَلِإفراطِوّلِتفريطِيفِاْلسَلم‪ِِ.‬‬
‫ووسطيةِاْلسَلمِحتصني ِللمجتمعِمنِاْلفرازاتِالتيِيمكنِأنِتوجدِ‬
‫بسبب ِالتضييق ِمن ِاملتطرفني ِالذين ِيعتمدون ِعىل ِنظرة ِضيقة ِللكونِ‬
‫وللحياة ِ ‪ِ ،‬وينطلقون ِمنها ِإىل ِختطئة ِكل ِرأي ِخمالف ِهلم ِباسم ِالدين‪ِ،‬‬
‫و ُيدينونِكلِفكرِخمالفِلفكرهمِباسمِاْلسَلمِ‪ِ،‬األمرِالذيِينتهيِهبمِإىلِ‬
‫تكفريِالناسِ‪ِ،‬بلِالنَّيلِمنِأعراضِالعلامءِ‪ِ،‬ووصمهمِبصفاتِغريِّلئقة‪ِ،‬‬
‫فالغلوِيفِالدينِبابِإىلِالتطرفِالذيِيقودِإىلِالعنفِوالسعيِإىلِإلزامِ‬
‫املخالفِرأ ًياِغريِرأيهِبالقوة‪ِِ.‬‬
‫ِِِِ وقد ِرشع ِاْلسَلم ِلكل ِمن ِتسول ِله ِنفسه ِأن ُِيرج ِويشذ ِعن ِتعاليمِ‬
‫اْلسَلمِومبادئهِ‪ِ،‬وأنِيامرسِاْلرهابِمنِخَللِالسعيِيفِاألرضِفسا ًدا‪ِ،‬‬
‫أو ِمن ِخَلل ِاْلفزاع ِوالرتويع ِوالقتل ِوالتدمري ِحدو ًدا ِوعقوبات ِتساعدِ‬
‫عىل ِاجتثاث ِاْلرهاب ِمن ِاملجتمعات ِ‪ِ ،‬وتردع ِكل ِمن ِيرتكب ِأي ِعملِ‬

‫‪-45 -‬‬
‫ُيلِبأمنِالناسِوأماهنمِ‪ِ،‬ومنِأبرزِتلكِالعقوباتِ‪ِ:‬حدِاحلرابةِ‪ِ،‬وقدِجاءِ‬

‫تبيينهِيفِقـولِاهللِتعـاىلِ‪ِ:‬ﱡ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ‬

‫ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ‬

‫ﲂ ﲄ ﲅ‬
‫ﲃ‬ ‫ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ‬

‫ﲈ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﱠِ[املائدةِ‪ِِ.]٤٤ِ:‬‬
‫ﲉ‬ ‫ﲆﲇ‬

‫وقدِعرفتِاحلرابةِبوصفنيِعامني‪ِ:‬مها‪ِ:‬حماربةِاهللِورسوله ِ‪ِ،‬والفسادِ‬
‫واْلفساد ِيف ِاألرض ِ‪ِ ،‬وهذان ِالوصفان ِيقتضيان ِحتديد ِالعمل ِاْلجراميِ‬
‫باخلروجِعىلِأحكامِالرشعِ؛ِألنِحماربةِاهللِورسولهِ(صىلِاهللِعليهِوسلم)ِ‬
‫الواردةِيفِاآليةِالسابقةِليستِعىلِظاهرِالنص ِ‪ِ،‬إنامِيقصدِهباِالعملِعىلِ‬
‫ارتكابِاألعاملِاْلجراميةِاملخالفةِألحكامِاهللِواخلروجِعىلِمنهاجِرسولهِ‬
‫(صىلِاهللِعليهِوسلم) ِبالعدوانِالسافرِعىلِالناسِوعىلِأنفسهمِودمائهمِ‬
‫وأمواهلم‪ِِ.‬‬
‫واحلرابةِتتفقِمعِما ِاصطلحِعىلِتسميتهِباْلرهابِيفِالعرصِاحلديث؛ِ‬
‫‪ِ،‬وخروجاِعىلِالقانون‪ِ.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ذلكِأنِيفِاْلرهابِْحَلِللسَلحِ‪ِ،‬وإخافةِللناسِ‬
‫وهذاِالتقاربِيفِالصفةِالظاهرةِيقتيضِالتشابهِيفِكيفيةِالعقابِبعدِتوافرِ‬
‫الرشوطِالَلزمةِللحكم ِعىلِمرتكبِاجلريمة ِ‪ِ،‬وتطبيقِمثلِهذهِالعقوبةِ‬

‫‪-46 -‬‬
‫هو ِالذي ِسيستأصل ِهـذا ِاملـرض ِويقطـع ِدابره ِ‪ِ ،‬عىل ِأن ِيكـون ِاحلكمِ‬
‫ِ‬
‫‪ِ،‬والتطبيقِمنِقبلِالسلطاتِاملختصةِ‪ِّ،‬لِمنِآحادِالناسِوّلِمنِ‬ ‫للقضاءِ‬
‫عمومهم‪ِِ.‬‬
‫*ِِِِِِِ*ِِِِِِِِ*ِ‬

‫‪-47 -‬‬
‫سابعًا‪ :‬اجلــزيـة‬

‫ِِهي‪ِ:‬اسمِّللتزامِمايلِانتهىِموجبهِيفِزمانناِهذاِ‪ِ،‬وانتفتِعلتهِبانتفاءِ‬
‫ماِرشعتِألجلهِيف ِزماهناِ؛ ِلكونِاملواطنـنيِقدِأصبحــواِمجي ًِعــاِسـواءِ‬
‫يفِاحلقوقِوالواجباتِ‪ِ،‬وحلتِضوابطِونظمِماليةِأخرىِحملهاِ‪ِ،‬مماِأدىِ‬
‫إىلِزوالِالعلة‪ِ.‬‬
‫ِِوماِوردِيفِالقرآنِالكريمِمنِحديثِعنهاِحيملِعىلِاألعداءِاملحاربنيِ‬
‫واملعتدينِالرافضنيِللمواطنــةِ‪ِ،‬وليسِيفِاملواطننيِاملسـاملــنيِاملشاركنيِ‬
‫يفِبناءِالوطنِوالدفاعِعنه‪ِ.‬‬
‫وبيان ذلك‪ِ:‬‬
‫أنِاجلزيةِالتيِفرضتهاِالدولةِاْلسَلميةِعىلِالذينِدخلواِيفِدولتهاِوملِ‬
‫يدخلواِيفِدينهاِملِتكنِاخرتاعاِإسَلميِاِ‪ِ،‬وإنامِكانتِرضيبةِمعروفةِفيامِ‬
‫سبقِاْلسَلمِمنِقواننيِ‪ِ،‬تؤخذِمقابلِاجلنديةِوْحايةِالدولةِوالدفاعِعنِ‬
‫ِبدّل ِمن ِاجلندية ِ‪ِ ،‬ومل ِتكن ً‬
‫ِبدّل ِمن ِاْليامن ِباْلسَلم ِ‪ِ،‬‬ ‫رعيتها ِ‪ِ ،‬فكانت ً‬
‫ويشهدِلذلكِأهناِملِتفرضِإّلِعىلِالقادرينِعىلِأداءِاجلنديةِ‪ِ،‬املالكنيِملاِ‬
‫ً‬
‫يدفعونهِرضيبةِهلذهِاجلنديةِ‪ِ،‬ولوِكانتِبدّل ِمنِاْليامنِباْلسَلمِلوجبتِ‬
‫عىل ِكل ِاملخالفني ِيف ِالدين ِمجي ًعا ِوبَل ِأي ِاستثناء ِ‪ِ ،‬لكن ِمل ِيكن ِأمرهاِ‬

‫‪-48 -‬‬
‫كذلكِ‪ِ،‬فهيِملِتفرضِعىلِالشيوخِوّلِاألطفالِوّلِالنساءِوّلِالعجزةِوّلِ‬
‫املرىضِمنِأهلِالكتابِ‪ِ،‬كام ِأهناِملِتفرضِعىلِالرهبانِورجالِالدينِ‪ِ،‬‬
‫وكلِالفقهاءِاملسلمنيِ‪ِ-‬باستثناءِفقهاءِاملالكيةِ‪ِ-‬قالوا‪ِ:‬إهناِبدلِعنِالنرصِ‬
‫واجلهاد‪.‬‬
‫لقد ِفرضت ِعىل ِالقادرين ِ‪ِ -‬بدنيِا ِوماليِا ِ‪ِ -‬من ِنصارى ِنجران ِمقابلِ‬
‫‪ِ،‬نص ِرسولِاهلل ِ(صىلِاهلل ِعليهِوسلم) ِعىلِذلك ِ‪ِِ:‬‬
‫إعفائهمِمنِاجلندية ِ َّ ِ‬
‫"ّلِيكلفِأحدِمنِأهلِالذمةِمنهمِاخلروجِمعِاملسلمنيِإىلِعدوهمِملَلقاةِ‬
‫وجواراِمنِ‬
‫ً‬ ‫احلروبِومكاشفةِاألقرانِ‪ِ،‬وأنِيكونِاملسلمونِ َِذ َِّبابنيِعنهمِ‪ِ،‬‬
‫دوهنم"‪ِِ.‬‬
‫ِِويفِالبَلدِالتيِآثرِفيهاِغريِاملسلمنيِأداءِاجلنديةِمعِاملسلمنيِملِتفرضِ‬
‫عليهمِاجلزيةِ‪ِ،‬بلِكانواِمتساوينِمعِاملسلمنيِيفِالقتالِويفِنصيبهمِمنِ‬
‫الغنائم ِكام ِحدث ِيف ِ(جرجان) ِحيث ِنصت ِمعاهدة ِالقائد ِ(سويد ِبنِ‬
‫ًِ‬
‫فلهِجزاؤهِيفِمعونتهِعوضاِعنِ‬ ‫مقرن)ِمعِأهلها ِ‪"ِ:‬ومنِاستعناِبهِمنكمِ‬
‫جزائه"‪ِ.‬‬
‫وحدثِذلكِأيضاِمـعِالنصـارىِمنِأهـلِْحصِ‪ِ،‬عندمـاِحاربـواِ‬
‫ً‬ ‫ِِ‬
‫يف ِصفوف ِجيش ِأيب ِعبيدة ِبن ِاجلراح ِيف ِموقعة ِالريموك ِضد ِالرومِ‬
‫البيزنطينيِ‪ِ.‬‬

‫‪-49 -‬‬
‫ِِوأسقطِعمرِبنِاخلطابِ(ريضِاهللِعنه)ِاجلزيةِعنِنصارىِبنيِتغلبِ‬
‫ملاِرأىِمنِنفارهمِوأنفهمِمنهاِ‪ِ،‬فلمِيأمنِشقاقهمِواللحاقِبالرومِ‪ِ،‬أوِأنِ‬
‫يكونواِظهرياِهلمِعىلِأهلِاْلسَلمِ‪ِ،‬وعلمِأنهِّلِرضرِعىلِاملسلمنيِمنِ‬
‫ًِ‬
‫إسقاطِذلكِاّلسمِعنهمِ‪ِ،‬معِاستبقاءِماِجيبِعليهمِمنِاجلزيةِ‪ِ،‬فأسقطهاِ‬
‫عنهمِ‪ِ،‬واستوفاهاِمنهمِباسمِالصدقةِحنيِضاعفهاِعليهم‪(ِ.‬أخرجهِابنِ‬
‫سَلمِيفِاألموالِ‪ِ،‬وأبوِيوسفِيفِاخلراج)‪ِ.‬‬
‫وأماِالذيِسامهِبيانِاهللِتعاىلِصغاراِ‪ِ،‬إنامِرتبهِعىلِاحلرابةِّلِعىلِجمردِ‬
‫ً‬ ‫ِِ‬
‫الكفرِأوِاّلنتسابِإىلِالكتابِ‪ِ،‬فإذاِانتهتِاحلرابةِفَلِصغار‪ِ.‬‬
‫ِِوقدِشددِفقهاءِالرشيعةِالنكريِعىلِمنِييسءِإىلِأهلِالكتابِيفِأيِ‬
‫وجهِمنِأوجهِاملعاملةِ‪ِ،‬بلِأكدواِعىلِرضورةِحسنِمعاملتهمِواْلحسانِ‬
‫إليهمِ‪ِِ.‬‬
‫ِ‬

‫*ِِِِِِِِِ*ِِِِِِِِِ*ِ‬

‫‪-51 -‬‬
‫ثامنًا‪ :‬دار احلـــــرب‬

‫ِِ هي‪ِ:‬مصطلحِفقهيِمتغريِ‪ِ،‬وقدِأصبحِيفِوقتناِاحلارضِّلِوجودِلهِ‬
‫بمفهومهِاملصطلحيِالقديمِيفِظلِاّلتفاقاتِالدوليةِواملواثيقِاألمميةِ‪ِ،‬وّلِ‬
‫ُُي ُّل ِتغريهِبالتأكيدِعىلِحقِالدولِيفِاسرتدادِأرضهاِاملغتصبةِ‪ِ،‬وأخصهاِ‬
‫حقوق ِالشعب ِالفلسطيني ِ‪ِ ،‬والرشع ِيوجب ِالوفاء ِبالعقود ِ‪ِ ،‬وعليه ِفَلِ‬
‫هجرةِمنِاألوطانِبدعوىِاّلنتقالِلدارِاْلسَلم‪ِ.‬‬
‫ويف بيان ذلك‪ِ:‬‬
‫ِأن ِدار ِاحلرب ِ‪ِ :‬هي ِالتي ِوقع ِمنها ِاعتداء ِوحرب ِعىل ِبلدِ‬
‫نوضح َّ‬
‫إسَلمي ِ‪ِ ،‬وأعلن ِرئيس ِالدولة ِالتي ِوقع ِعليها ِاّلعتداء ِالدفاع ِعنها ِ‪ِ،‬‬
‫فالدارِاملعتديةِحينئذِهيِدارِحربِ‪ِ،‬وإنِملِيقمِبنيِأيِدولةِوبنيِاملسلمنيِ‬
‫قتالِأوِاعتداءِفهيِعندئذِدارِأمانِ‪ِ،‬ومنِاملعلومِأنِكلِالدولِالتيِيقومِ‬
‫بينها ِوبني ِاملسلمني ِمتثيل ِدبلومايس ِفهي ِداخلة ِحتت ِاسم ِدار ِأمان ِ‪ِ،‬‬
‫وكذلكِكلِالسفراءِوالسياحِوالتجار ِممنِيدخلونِبَلدِاْلسَلم ِإنامِهمِ‬
‫أهلِعهدِوأمانِّلِجيوزِاملساسِهبمِأوِاّلفتئاتِعليهمِ‪ِ،‬بلِجيبِإكرامهمِ‬
‫واْلحسانِإليهمِطاملاِالتزمواِبالقواننيِاملنظمةِلدخوهلمِوإقامتهمِببَلدناِ‪ِ،‬‬
‫فإذاِخرجواِعنِهذهِالقـواننيِفمحاسبتهـمِهيِاختصـاصِاحلكومــاتِ‬
‫ّلِاألفرادِوف ًقاِلألعرافِالدوليةِوالعَلقاتِالدبلوماسية‪ِ.‬‬
‫‪-51 -‬‬
‫غري ِأن ِاملتطرفني ِيرصون ِعىل ِأن ِدار ِالكفر ِّل ِبد ِأن ِتكون ِدار ِحربِ‬
‫دائام‪ِ،‬وّلِجمالِفيهاِلعهدِأوِأمانِيلتزمهِاملسلمونِماِدامِأهلهاِكافرينِ‪ِ،‬‬
‫ًِ‬
‫ومنِاستطاعِمنِاملسلمنيِأنِينهبِأمواهلمِويسطوِعىلِممتلكاهتمِفليفعلِ‪ِ،‬‬
‫وهكذاِتصبحِالدنياِكلهاِدارِحربِيفِنظرِهؤّلءِاملتطرفنيِالغالنيِحتىِ‬
‫بَلدِاْلسَلمِفهيِدارِحربِيفِنظرهم ِ؛ِألنِأهلهاِغريِمطبقنيِللرشيعةِ‬
‫اْلسَلميةِفيهاِ‪ِ،‬وغريِاملسلمنيِحربيونِ؛ِألهنمِكفارِ‪ِ،‬وهكذاِتصبحِالدنياِ‬
‫كلهاِدارِحربِوقتلِوقتالِيفِنظرِهؤّلءِاْلرهابينيِ‪ِ،‬وهوِماِحيولِالعاملِ‬
‫ً‬
‫إىلِساحةِرصاعِ‪ِ،‬بدّل ِمنِروحِاحلوارِاحلضاريِوقبولِاآلخرِوالتعايشِ‬
‫ُ‬
‫السلميِالذيِأرسىِأسسهِورسخهاِدينناِاحلنيفِ‪ِ،‬حيثِ ُِتعدِِّوثيقةِاملدينةِ‬
‫املنورةِأعظمِوثيقةِبرشيةِيفِفقهِالتعايشِاْلنساينِبنيِالبرشِعىلِاختَلفِ‬
‫أدياهنمِوعقائدهمِوأعراقهم‪ِ.‬‬
‫ِ‬

‫*ِِِِِِِِِ*ِِِِِِِِِ*ِ‬

‫‪-52 -‬‬
‫تاسعًا‪ :‬الديـــن والدولـــة‬

‫الدولة ِالرشيدة ِهي ِصامم ِأمان ِللتدين ِالرشيد ِ‪ِ ،‬والعَلقة ِبني ِالدينِ‬
‫ِصحيحا ِواع ًياِ‬
‫ً‬ ‫والدولة ِليست ِعَلقة ِعداء ِولن ِتكون ِ‪ِ ،‬إن ِتدينا ِرشيدً ا‬
‫وسطياِيسهمِوبقوةِيفِبناءِواستقرارِدولةِعرصيةِديمقراطيةِحديثةِتقومِ‬
‫عىلِأسسِوطنيةِراسخةِوكاملةِ‪ِ،‬وإنِدولةِرشيدةِّلِيمكنِأنِتصطدمِ‬
‫بالفطرةِاْلنسانيةِالتيِتبحثِعنِاْليامنِالرشيدِالصحيحِ‪ِ،‬عىلِأنناِينبغيِ‬
‫ِنفرق ِوبوضوح ِشديد ِبني ِالتدين ِوالتطرف ِ‪ِ ،‬فالتدين ِالرشيد ِيدفعِ‬
‫أن ّ‬
‫صاحبهِإىلِالتسامحِ‪ِ،‬إىلِالرْحةِ‪ِ،‬إىلِالصدقِ‪ِ،‬إىلِمكارمِاألخَلق ِ‪ِ،‬إىلِ‬
‫التعايشِالسلميِمع ِالذاتِواآلخرِ‪ِ،‬وهوِما ِندعمهِمجي ًعا ِ‪ِ،‬أماِالتطرفِ‬
‫واْلرهابِالذيِيدعوِإىلِالفسادِواْلفسادِ‪ِ،‬والتخريبِوالدمارِ‪ِ،‬واهلدمِ‬
‫واستباحةِالدماءِواألموالِ‪ِ،‬فهوِالداءِالعضالِالذيِجيبِأنِنقاومهِمجي ًعاِ‬
‫وأنِنقفِلهِباملرصادِ‪ِ،‬وأنِنعملِبكلِماِأوتيناِمنِقوةِللقضاءِعليهِحتىِ‬
‫نجتثهِمنِجذوره‪ِ.‬‬
‫ويفِهذهِاملعادلةِغريِالصعبةِجيبِأنِنفرقِبنيِالدينِالذيِهوِحقِ‪ِ،‬‬
‫والفكر ِاْلرهايب ِاملنحرف ِالذي ِهو ِباطل ِ‪ِ ،‬موقنني ِأن ِالرصاع ِبني ِاحلقِ‬
‫والباطلِقائمِومستمرِإىلِأنِيرثِاهللِاألرضِومنِعليها ِ‪ِ،‬عىلِأنِالنرصِ‬

‫‪-53 -‬‬
‫للحقِطالِالزمنِأوِقرصِ‪ِ،‬حيثِيقولِسبحانه‪ِ:‬ﱡﭐ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬

‫ﲊ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﭐﱠ [األنبياءِ‪ِ.]08ِ:‬‬
‫ﲋ‬ ‫ﲆﲇﲈﲉ‬
‫إن ِمثل ِاحلق ِوالباطل ِكمثل ِالكلمة ِالطيبة ِالتي ِهي ِحق ِ‪ِ ،‬والكلمةِ‬

‫اخلبيثة ِالتي ِهي ِباطل ِ‪ِ :‬ﱡﭐ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ‬

‫ﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﱁﱂ‬
‫ﱆ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ‬
‫ﱇ‬ ‫ﱃ ﱄ ﱅ‬
‫ﱍﱎﱏﱐﱑ ﱒﱓﱔﱕ‬
‫ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﭐﱠ [إبراهيمِ‪ِ.ِ]5١-5٣ِ:‬‬

‫عىلِأنِالنرصِّلِحمالةِللحقِوألهلهِ‪ِ،‬حيثِيقولِاحلقِسبحانهِ‪ِ:‬ﱡﭐ ﲞ‬

‫ﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪ‬
‫ﲫﱠ [الصافاتِ‪ِ،ِ]01٤ِ-010ِ:‬ويقولِسبحانهِ‪ِ:‬ﭐﱡﭐ ﲧ ﲨ ﲩ‬

‫ﲪ ﲫ ﲬﱠ [حممدِ‪ِ،ِ]1ِ:‬ويقولِسبحانهِ‪:‬ﭐﱡﭐﲛ ﲜ ﲝ‬

‫ﲞ ﲟﱠ [الرومِ‪ِِ.]٣1ِ:‬‬
‫إنناِألصحابِقضيةِعادلةِ‪ِ،‬قضيةِدينِ‪ِ،‬وقضيةِوطنِ‪ِ،‬فكلِماِيدعوِ‬
‫للبناء ِوالتعمري ِ‪ِ ،‬والعمل ِواْلنتاج ِ‪ِ ،‬وسعادة ِالناس ِوحتقيق ِأمنهمِ‬
‫واستقرارهمِ‪ِ،‬هلوِالدينِاحلقِواْلنسانيةِاحلقيقيةِ‪ِ،‬وكلِماِيدعوِللفسادِ‬

‫‪-54 -‬‬
‫واْلفساد ِ‪ِ ،‬والتخريب ِوالقتل ِ‪ِ ،‬يدعو ِإىل ِما ُِيالف ِاألديان ِوسائر ِالقيمِ‬
‫النبيلةِوالفطرةِاْلنسانيةِالقويمةِ‪ِ.‬‬
‫الدينِوالدولةِّلِيتناقضانِ‪ِ،‬الدينِوالدولةِيرسخانِمعاِأسسِاملواطنةِ‬
‫املتكافئة ِيف ِاحلقوق ِوالواجبات ِ‪ِ ،‬وأن ِنعمل ِم ًعا ِخلري ِبلدنا ِوخري ِالناسِ‬
‫أمجعني ِ‪ِ ،‬أن ِنحب ِاخلري ِلغرينا ِكام ِنحبه ِألنفسنا ِ‪ِ ،‬األديان ِرْحة ِ‪ِ ،‬األديانِ‬
‫سامحةِ‪ِ،‬األديانِإنسانيةِ‪ِ،‬األديانِعطاء‪ِِ.‬‬
‫الدينِوالدولةِيتطلبانِمنَِّاِمجي ًعاِالتكافل ِاملجتمعيِ‪ِ،‬وأنِّلِيكونِبينناِ‬
‫جائعِوّلِحمرومِ‪ِ،‬وّلِعارِوّلِمرشدِوّلِحمتاج‪ِِ.‬‬
‫الدينِوالدولةِيدفعانِإىلِالعملِواْلنتاجِ‪ِ،‬والتميزِواْلتقانِ‪ِ،‬ويطاردانِ‬
‫البطالة ِوالكسل ِ‪ِ ،‬واْلرهاب ِواْلمهال ِ‪ِ ،‬والفساد ِواْلفساد ِ‪ِ ،‬والتدمريِ‬
‫والتخريبِ‪ِ،‬وإثارةِالقَلقلِوالفتنِ‪ِ،‬والعاملةِواخليانة‪ِِ.‬‬
‫وختاما ِ‪ِ ...‬نؤكد ِأن ِمن ِيتومهون ِرصا ًعا ِّل ِجيب ِأن ِيكون ِبني ِالدينِ‬
‫ً‬
‫ِإماِأهنمِّلِيفهمونِاألديانِفهامِصحيحاِأوِّلِ‬
‫ً‬ ‫والدولةِويرونهِرصا ًعاِحم ِّتـ ً ِام‬
‫يعون ِمفهوم ِالدولة ِوع ًيا ِتامِا ِ‪ِ ،‬فاخللل ِّل ِعَلقة ِله ِبالدين ِالصحيح ِوّلِ‬
‫بالدولةِالرشيدةِ‪ِ،‬إنامِينشأِاخلللِمن ِسوءِالفهمِلطبيعةِالدينِأوِلطبيعةِ‬
‫الدولةِأوِلطبيعتهامِم ًعا‪ِِ.‬‬
‫غريِأنناِنؤكدِعىلِرضورةِاحرتامِدستورِالدولةِوقوانينهاِ‪ِ،‬وإعَلءِدولةِِ‬

‫‪-55 -‬‬
‫ِ‬
‫القانونِ‪ِ،‬وأّلِتنشأِيفِالدولِسلطاتِموازيةِلسلطةِالدولةِأيِاِكانِمصدرِ‬
‫هذهِالسلطاتِ‪ِ،‬فهوِلواءِواحدِتنضويِحتتهِويفِظلهِكلِاأللويةِاألخرىِ‪ِ،‬‬
‫أماِأنِحتملِكلِمؤسسةِأوِمجاعةِأوِجهةِلواء ِمواز ًياِللواءِالدولةِفهذاِ‬
‫ًِ‬
‫خطرِداهمِّلِيستقيمِمعهِّلِأمرِالدينِوّلِأمرِالدولة‪.‬‬
‫ﭐ‬

‫*ِِِِِِِِِِِِِِ*ِِِِِِِِِِِِِ*‬
‫ِ‬

‫‪-56 -‬‬
‫عاشرًا‪ :‬مشروعية الدولة الوطنية‬

‫يفِالسياقِواملناخِالفكريِالصحيِّلِحيتاجِالثابتِالراسخِإىل ِدليلِ‪ِ،‬‬
‫لكنِاختطافِاجلامعاتِاملتطرفةِللخطابِالدينيِواحتكارهاِلهِولتفسرياتهِ‬
‫جعلِماِهوِيفِحكمِاملسلامتِحمتاجاِإىلِالتدليلِوالتأصيلِ‪ِ،‬وكأنهِملِيكنِ‬
‫ً‬
‫أصَلِثابتًاِ‪ِ،‬فمرشوعيةِالدولةِالوطنيةِأمرِغريِقابلِللجدلِأوِالتشكيكِ‪ِ،‬‬
‫بلِهوِأصلِراسخِّلِغنىِعنهِيفِواقعناِاملعارصِ‪ِ،‬حتىِأكدِبعضِالعلامءِ‬
‫واملفكرينِأنِالدفاعِعنِاألوطانِمقدمِعىلِالدفاعِعنِاألديانِ‪ِ،‬ألنِالدينِ‬
‫ّلِبدِلهِمنِوطنِحيملهِوحيميهِ‪ِ،‬وإّلِملاِقررِالفقهاءِأنِالعدوِإذاِدخلِبلدً اِ‬
‫منِبَلدِاملسلمنيِصارِاجلهادِودفعِالعدوِفرضِعنيِعىلِأهلِهذاِالبلدِ‬
‫رجاهلم ِونسائهم ِ‪ِ ،‬كبريهم ِوصغريهم ِ‪ِ ،‬قوهيم ِوضعيفهم ِ‪ِ ،‬مسلحهمِ‬
‫وأعزهلم ِ‪ِ ،‬كل ِوفق ِاستطاعته ِومكنته ِ‪ِ ،‬حتى ِلو ِفنوا ِمجي ًعا ِ‪ِ ،‬ولو ِمل ِيكنِ‬
‫الدفاع ِعن ِالديار ِمقصدً ا ِمن ِأهم ِمقاصد ِالرشع ِلكان ِهلم ِأن ِيرتكواِ‬
‫األوطانِوأنِينجواِبأنفسهمِوبدينهمِ‪ِِ.‬‬
‫وتعني ِالدولة ِالوطنية ِاحرتام ِعقد ِاملواطنة ِبني ِالشخص ِوالدولة ِ‪ِ،‬‬
‫وتعنيِاّللتزامِالكاملِباحلقوقِوالواجباتِاملتكافئةِبنيِأبناءِالوطنِمجي ًِعاِ‬
‫دونِأيِتفرقةِعىلِأساسِالدينِأوِاللونِأوِالعرقِأوِاجلنسِأوِاللغةِ‪ِ،‬غريِ‬

‫‪-57 -‬‬
‫أنِتلكِاجلامعاتِالضالةِاملارقةِاملتطرفةِاملتاجرةِبالدينِّلِتؤمنِبوطنِوّلِ‬
‫بدولةِوطنيةِ‪ِ،‬فأكثرِتلكِاجلامعاتِإماِأهناِّلِتؤمنِبالدولةِالوطنيةِأصَلِ‬
‫ِأن ِوّلءها ِالتنظيمي ِاأليديولوجي ِفوق ِكل ِالوّلءاتِ‬
‫من ِاألساس ِ‪ِ ،‬أو َّ‬
‫األخرىِوطنيةِوغريِوطنيةِ‪ِ،‬فالفضاءِالتنظيميِلدىِهذهِاجلامعاتِأرحبِ‬
‫وأوسعِبكثريِمنِالدولةِالوطنيةِوالفضاءِالوطني‪ِ.‬‬
‫وتسوقِسائرِاجلامعاتِاملتطرفةِأهناِحاميةِْحىِالدين‪ِ،‬وأهناِإنامِتسعىِ‬
‫ّ‬
‫لتطبيقِحكمِاهللِ(عزِوجل)ِوإقامةِرشعه ِ‪ِ،‬ونتساءلِ‪ِ:‬أينِماِتقومِبهِهذهِ‬
‫اجلامعاتِمنِقتلِونسفِوتفجريِوتدمريِوسفكِللدماءِوانتهاكِلألعراضِ‬
‫وسبيِللحرائرِوهنبِلألموالِوترويعِلآلمننيِمنِرشعِاهللِوحكمه؟‪ِ.‬‬
‫إنِماِتقومِبهِهذهِاجلامعاتِاملتطرفةِهوِعنيِاجلنايةِعىلِاْلسَلمِ‪ِ،‬ذلكِ‬
‫أنِماِأصابِاْلسَلمِمنِتشويهِلصورتهِعىلِأيديِهؤّلءِاملجرمنيِبسببِ‬
‫ْحاقاهتمِملِيصبهِعربِتارُيهِعىلِأيديِأعدائهِمنِالتتارِبامِارتكبوهِمنِجمازرِ‬
‫يفِاملايضِوماِيصيبهِعىلِأيديِداعشِ‪ِ،‬والقاعدةِ‪ِ،‬والنرصةِ‪ِ،‬وبوكوِحرام‪ِ،‬‬
‫وأرضاهبمِيفِاحلارض‪ِ.‬‬
‫ونستطيع أن نؤكد وباطمئنان على أمور‪ ،‬أهمهاِ‪ِِ:‬‬
‫األول‪ِ :‬أن ِاْلسَلم ِمل ِيضع ِقال ًِبا ِجامدً ا ِلنظام ِاحلكم ِّل ِيمكن ِاخلروجِ‬
‫عنه‪ِ،‬إنامِوضعِأسساِومعايريِمتىِحتققتِكانِاحلكمِرشيدً اِيقرهِاْلسَلمِ‪ِِ،‬‬
‫‪-58 -‬‬
‫ويف ِمقدمتها ِمدى ِحتقيق ِاحلكم ِللعدل ِواملساواة ِوسعيه ِلتحقيق ِمصالحِ‬
‫البَلدِوالعباد ِ‪ِ،‬وّلِإشكالِبعدِذلكِيفِاألسامءِأوِاملسمياتِ‪ِ،‬ألنِالعربةِ‬
‫باملعاينِواملضامنيِّلِباألسامءِوّلِباملسمياتِ‪ِ.‬‬
‫الثاني ِ‪ِ:‬أنهِحيثِتكونِاملصلحة ِويكونِالبناءِوالتعمريِفثمِرشعِاهللِ‬
‫وصحيح ِاْلسَلم ِ‪ِ ،‬وحيث ِيكون ِاهلدم ِوالتخريب ِوالدمار ِفثمة ِعملِ‬
‫الشيطانِومجاعاتِالفتنةِوالدمارِواخلرابِ‪ِ.‬‬
‫الثالث ِ ‪ِ :‬أن ِالعمل ِعىل ِتقوية ِشوكة ِالدولة ِالوطنية ِمطلب ِرشعيِ‬
‫ووطني ِ ‪ِ،‬وأنِكلِمنِيعملِعىلِتقويضِبنيانِالدولةِأوِتعطيلِمسريهتا ِ‪ِ،‬‬
‫أو ِتدمري ِبناها ِالتحتية ِ‪ِ ،‬أو ِترويع ِاآلمنني ِهبا ِ‪ِ ،‬إنام ِهو ِجمرم ِيف ِحق ِدينهِ‬
‫ووطنهِم ًعاِ‪ِ.‬‬
‫الرابع ‪ِ:‬أنناِيفِحاجةِملحةِإىلِإعادةِقراءةِتراثناِالفكريِقراءةِدقيقةِ‬
‫واعية ِتفرق ِبني ِالثابت ِواملتغري‪ِ ،‬بني ِما ِناسب ِعرصه ِوزمانه ِومكانه ِمنِ‬
‫اجتهادات ِالفقهاء ِوما ِيتطلبه ِعرصنا ِومستجداته ِمن ِقراءة ِجديدةِ‬
‫للنصوص ِيقوم ِهبا ِأهل ِالعلم ِواّلختصاص ِحلل ِإشكاليات ِاحلارض‪ِ،‬‬
‫وبخاصةِفيامِيتصلِبأحكامِاملواطنةِ‪ِ،‬إىلِجانبِتأصيلِفقهِالعيشِاْلنساينِ‬
‫املشرتك ِ‪ِ ،‬وبيان ِأن ِأمن ِاألوطان ِواملواطنني ِّل ِيتجزأ ِ‪ِ ،‬وأنه ِّل ِيتحملِ‬
‫التجزئةِأوِالتصنيفِ‪ِ،‬وقدِذكرِاْلمامِابنِحزمِ(رْحهِاهلل)ِأنِمنِكانِبينناِ‬

‫‪-59 -‬‬
‫منِأهلِالذمةِوجاءِمنِيقصدوهنمِبسوءِوجبِعليناِأنِنخرجِحلاميتهمِ‬
‫بالسَلح ِوأن ِنموت ِدون ِذلك ِ‪ِّ ،‬ل ِأن ِنستحل ِدماءهم ِأو ِأمواهلم ِأوِ‬
‫أعراضهم‪ِ.‬‬
‫ِ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ِ‬

‫‪-61 -‬‬
‫حادي عشر ‪ :‬وجوب محاية اجملتمع‬
‫من التطرف واإلرهاب (‪)‬‬

‫ّل ِشك ِأن ِاجلامعات ِالضالة ِاملتطرفة ِقد ِحاولت ِاختطاف ِاخلطابِ‬
‫الدينيِوتوظيفهِأيدلوجياِخلدمةِمطامعهاِومطامعِمنِ ُي َم ِّوهلاِويستخدمهاِ‬
‫هلدم ِدولِاملنطقةِوتفتيتِكياهناِومتزيقِبنياهناِ‪ِ،‬ذلكِأنِأيِأحدِيسمعِأنِ‬
‫دينًاِأوِمجاع ًة ِتستبيحِالذبحِواحلرقِوالتنكيلِبالبرشِّلِيسعهِإّلِأنِيكفرِ‬
‫هبذهِاجلامعةِوبامِتدعيهِمنِدينِ ِافرتاءِعىلِاهللِورسلهِوسائرِكتبهِاملنزلةِ‪ِ،‬‬
‫وأماِمنِجهةِالوطنِفهذهِاجلامعاتِاملارقةِّلِتؤمنِبوطنِوّلِبدولةِوطنية‪ِ،‬‬
‫ِصن ِ َعت ِهلدم ِاألوطان ِالتي ِّل ِيروهنا ِسوى ِحفنة ِمن ِالرتاب ِ‪ِ،‬‬
‫بل ِإهنا ُ‬
‫فاألرضِيفِمنظورهمِّلِتعدِعرضاِوّلِمتثلِشاغـ ً ِ‬
‫َل ِوّلِمهاِ‪ِ،‬يفِحنيِأنِ‬ ‫ًِ‬
‫اْلسـَلمِأوجبِالدفـاعِعنِاألوطانِوافتـداءهاِبكلِماِيملكِبنوهاِمنِ‬
‫نفسِِومالِ‪ِ.‬‬
‫والســؤالِ‪ِ:‬هل ِنحـنِيفِحاجـةِإىلِتفكيـكِالفكرِاملتطرفِ‪ِ،‬أمِإىلِ‬
‫تفكيكِاجلامعاتِاملتطرفةِ؟ِواجلوابِالذيِّلِخَلفِعليهِهوِأنناِيفِحاجةِ‬
‫إىل ِتفكيك ِالفكـر ِاملتطـرف ِواجلامعـات ِاملتطرفة ِم ًعـا ِ‪ِ ،‬غري ِأن ِتفكيـكِ‬

‫(‪ِ)‬هذاِاملبحثِكتبهِأ‪.‬دِ‪/‬حممدِخمتارِمجعةِ‪ِ،‬وزيرِاألوقافِ‪ِ.‬‬

‫‪-61 -‬‬
‫الفكـر ِيأِت ِيف ِاملقدمة ِ‪ِ ،‬ذلك ِأنك ِقد ِتفكك ِمجاعة ِإرهابية ِأو ِمتطرفةِ‬
‫فتخـرجِعليكِمجـاعـةِأخرىِأعتىِوأشدِ‪ِ،‬غريِأنناِعندماِننجحِيفِتفكيكِ‬
‫الفكر ِاملتطرف ِوكشف ِزيفه ِوزيغه ِوفساده ِوإفساده ِوأباطيله ِفإننا ِنكونِ‬
‫أتيناِعىلِاملشكلةِمنِجذورهاِ‪ِ.‬‬
‫ويفِسبيلِذلكِّلِبدِأنِنكشفِوأنِنعريِهذهِاجلامعاتِاملتطرفةِ‪ِ،‬وأنِ‬
‫نبني ِعاملتها ِوخيانتها ِلدينها ِوأمتها ِ‪ِ ،‬وأن ِنربز ِشهادات ِمن ِاستطاعواِ‬
‫ّ‬
‫اْلفَلت ِمن ِجحيم ِهذه ِاجلامعات ِاْلرهابية ِالضالة ِ‪ِ ،‬وأن ِما ِ‬
‫ِيعدون ِبهِ‬
‫ِوزورا ِمن ِاحلياة ِالرغدة ِهو ِحمض ِكذب ِّل ِوجود ِله ِعىلِ‬
‫ً‬ ‫الشباب ِكذ ًبا‬
‫أرضِالواقعِ‪ِ،‬فمنِيلتحقِهبمِمصريهمِالتفخيخِوالتفجريِ‪ِ،‬وإنِفكّرِجمردِ‬
‫تفكريِيفِاهلروبِمنِجحيمِهذهِاجلامعاتِكانِجزاؤهِالذبحِأوِاحلرقِأوِ‬
‫ًِ‬
‫املوتِسحَل‪ِ.‬‬
‫كام ِجيب ِتفنيد ِأباطيلهم ِيف ِاستحَلل ِالدماء ِواألموال ِواألعراض ِ‪ِ،‬‬
‫واحلكم ِعىل ِالناس ِبالكفر ِحتى ِيسوغوا ِألنفسهم ِقتلهم ِ‪ِ ،‬واستباحةِ‬
‫نسائهمِوأمواهلمِ‪ِ،‬وهوِماِحذرِمنهِاحلقِسبحانهِوتعاىلِ‪ِ،‬حيثِيقول ِ‪ :‬ﭐ‬

‫ﱡﭐﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ‬

‫ﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦ‬

‫ﲬ ﲮﲯﲰ‬
‫ﲭ‬ ‫ﲧﲨﲩﲪﲫ‬
‫‪-62 -‬‬
‫ﲵ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬
‫ﲶ‬ ‫ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ‬

‫ﲻ ﲼ ﱠ [النساءِ‪ِ،]٩٣ِ:‬ذلكِأنِهذهِاجلامعاتِالضالةِجتعلِ‬
‫من ِتكفري ِاملجتمع ِوسيلة ِّلستحَلل ِالدماء ِواألموال ِواألعراض ِالتيِ‬
‫يسعونِّلستباحتهاِْلشباعِرغباهتمِالدنيئةِ‪ِ،‬ويفِهذاِنؤكدِأنِاحلكـمِعىلِ‬
‫ةِّلِيثبتِإّلِبحكمِقضائيِهنائيِوبات ِ؛ِملاِيرتتبِ‬
‫ِّ‬ ‫شخـصِبالكفرِأوِالر ّد‬
‫عىلِاحلكمِبالكفرِمنِأمورِخطرية‪ِ.‬‬
‫وكذلك ِدعوهتم ِالضالة ِإىل ِاجلهاد ِ‪ِ ،‬مع ِأن ِما ِيقومون ِبه ِهو ِبغيِ‬
‫وعدوانِّلِعَلقةِلهِباجلهادِ‪ِ،‬وليسِمنِاجلهادِيفِيشء‪ِِ.‬‬
‫ومنِثمةِجيبِأنِنبنيِأنِاجلهادِيفِسبيلِاهللِ(عزِوجل)ِأوسعِمنِأنِ‬
‫يكونِقتاّلِ‪ِ،‬فهناكِجهادِالنفسِبحملهاِعىلِالطاعةِوكفهاِعنِاملعصية‪ِ،‬‬
‫والتزامهــــاِمكارمِاألخَلقِمنِالصدقِواألمانةِوالوفاءِبالعهدِوسائـرِ‬
‫األخَلقِالكريمة‪ِ.‬‬

‫ُّ‬
‫أماِاجلهادِالذيِهوِبمعنىِالقتالِفإنامِرشعِللدفاعِعنِالوطنِ‪ِ،‬وعنِ‬
‫الدولِأنِتستباحِ‪ِ،‬وليسِآلحادِالناسِأو ِحلزبِأوِجلامعةِأوِلفصيلِأوِ‬
‫لقبيلةِأنِيعلنِهذاِاجلهادِ‪ِ،‬إنامِهوِحقِلويلِاألمرِوفقِماِيقررهِدستورِكلِ‬
‫دولةِيفِإعَلنِحالةِاحلربِوالسلمِ‪ِ،‬سواءِأعطاهِالدستورِلرئيسِالدولةِ‪ِ،‬‬

‫‪-63 -‬‬
‫أمِملجلسِأمنهاِالقوميِ‪ِ،‬أمِللرئيسِبعدِأخذِرأيِبرملاهناِ‪ِ،‬املهمِأنِقضيةِ‬
‫إعَلنِحالةِاحلربِليستِمل ًِ‬
‫كاِلألفرادِأوِاجلامعاتِ‪ِ،‬وإّلِأصبحِاألمـرِ‬
‫فوىضِّلِدولةِ‪ِ،‬وعدناِإىلِحياةِاجلاهليةِ‪ِ،‬حيثِيقولِالشاعر‪ِِ:‬‬
‫ِالنــاسِ َفـوىضِّلِسـَراة َُِ‬
‫َِهلـمِ‬ ‫ُ‬ ‫ّلِ َيص ُل ُ‬
‫ــح‬
‫ــاهلــــــمِســادواِ‬ ‫ّلِســـــراةَِإِ ُ‬
‫ذاِج ّه ُ‬ ‫َو َ‬
‫ِ‬

‫فام ِأحوجنا ِإىل ِالفكر ِاملستنري ِ‪ِ ،‬والفهم ِالصحيح ِللدين ِ‪ِ ،‬وتصحيحِ‬
‫املفاهيم ِاخلاطئة ِ‪ِ ،‬واسرتداد ِاخلطاب ِالديني ِممن ِحاولوا ِاختطافه ِ‪ِ ،‬وكفِِِّ‬
‫ِّ ِ‬
‫وغل ِيد ِاملتطرفني ِعن ِالدعوة ِوالفتوى ِ‪ِ ،‬وإىل ِأن ِنواجه ِاجلهل ِبالعلم ِ‪ِ،‬‬
‫والظلامت ِبالنور ِ‪ِ ،‬والباطل ِباحلق ِ‪ِ ،‬والفساد ِوالتخريب ِبمزيد ِمن ِالبناءِ‬
‫والتعمريِ‪ِ،‬وأنِنعملِعىلِترسيخِالوّلءِلألوطانِمنِجهةِ‪ِ،‬وترسيخِأسسِ‬
‫املواطنةِوفقهِالعيشِاملشرتكِعىلِأسسِإنسانيةِخالصةِمنِجهةِأخرىِ‪ِ،‬‬
‫وأن ِنسعى ِم ًعا ِومجي ًعا ِملا ِفيه ِأمن ِوسَلم ِاْلنسانية ِمجعاء ِ‪ِ ،‬وأن ِندرك ِأنِ‬
‫العاملِكلهِيفِسفينةِواحدةِ‪ِ،‬ولنِينجوِمنهِأحدِدونِاآلخرِ‪ِ،‬وأنِأي ِخرقِ‬
‫ِّ‬
‫يفِالسفينةِيمكنِأنِهيلكِأهلهاِمجي ًِعاِ‪ِ،‬يقولِنبيناِ(صىلِاهللِعليهِوسلم)ِ‪ِ:‬‬
‫ِاست ََه ُمواِ َع َىل َِس ِفينَةِ ِ‪ِ،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِحدُ ود ِاهلل ِ َوا ْل َواق ِع ِف َيهاِ‪ِ ،‬ك ََم َث ِل ِ َق ْوم ْ‬
‫ِ‬
‫(م َث ُل ِا ْل َقائ ِم ِ َع َىل ُ‬
‫َ‬
‫ين ِِيف َِأ ْس َفلِ َها ِإِ َذاِ‬ ‫َف َأصاب ِبع ُضهم َِأع ََلها ِ‪ِ ،‬وبع ُضهم َِأس َف َلها ِ‪َ ِ ،‬فك َ ِ‬
‫َان ِا َّلذ َ‬ ‫ََْ ُ ْ ْ َ‬ ‫َ َ َْ ُ ْ ْ َ‬

‫‪-64 -‬‬
‫َاِيف ِن َِصيبِن َ‬
‫َاِخ ْر ًقاِ‬ ‫َّاِخ َر ْقن ِ‬
‫اء َِم ُّرواِ َع َىل َِم ْن ِ َف ْو َق ُه ِْم ِ‪َ ِ،‬ف َقا ُلوا‪َ ِ:‬ل ْو َِأن َ‬ ‫اِمنِاملَْ ِ‬ ‫اس َِت َقو ِ‬
‫ْ ْ‬
‫اِ‪ِ،‬وإِ ْن َِأ َخ ُذواِ َع َىلِ‬ ‫اِأرادواِه َلك ِ‬ ‫ِ‬
‫ُواِمجي ًع َ‬‫َ‬ ‫ُوه ْم َِو َم َ َ ُ َ‬ ‫رتك ُ‬ ‫ِ‬
‫َو َمل ِْن ُْؤذ َِم ْن ِ َف ْو َقنَا ِ‪َ ِ،‬فإ ْن ِ َي ْ ُ‬
‫اِمجِي ًعا)ِ(أخرجهِالبخاري)‪ِ.‬‬ ‫اِون ََج ْو َ‬‫َأ ْيدهيِ ْمِن ََج ْو َ‬
‫ِ‬

‫فيجبِعليناِمجي ًعاِأنِنعملِعىلِْحايةِجمتمعاتناِوحتصنيِشبابناِمنِهذاِ‬
‫الفكر ِاْلرهايب ِاللعني ِ‪ِ ،‬كل ِيف ِجماله ِوميدانه ِ‪ِ ،‬وأّل ِنمكن ِأيِا ِمن ِعنارصِ‬
‫التطرفِأوِالتشددِمنِمفاصلِالدولةِاْلداريةِأوِالقياديةِأوِصنـعِالقرارِ‬
‫ِأي ِمن ِمؤسساهتـا ِ‪ِ ،‬وّل ِسيمـا ِاملؤسسات ِالدينية ِوالثقافية ِوالتعليميةِ‬
‫يف ِّ‬
‫والرتبويةِالتيِتعملِعىلِصياغةِالعقولِوتشكيلِالوجدانِ‪ِ،‬وبخاصةِلدىِ‬

‫الشبابِوالناشئةِ‪ِ،‬حتىِنجففِمنابعِهذاِالفكرِونقتلعهِمنِجذورهِﱡﭐ ﲩ‬

‫ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﱠِ[فاطر‪ِِ.]01ِ:‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪-65 -‬‬
‫ثاني عشر‪ :‬كيف حتمي أبناءك من اإلرهاب؟ (‪)‬‬

‫ّل ِشك ِأن ِهذا ِالسؤال ِقد ُِحيمل ِعىل ِمعنيني ِ‪ِ ،‬أحدمها ِ‪ِ :‬كيف ِحتميِ‬
‫أبناءكِمنِأنِيصيبهمِخطرِاْلرهاب؟ِواآلخرِ‪ِ:‬كيفِحتميِأبناءكِمنِأنِ‬
‫يكونواِإرهابينيِأوِأنِيكونِأحدهمِإرهابيِاِ؟ِ‪ِ.‬‬
‫والسؤاّلن ِبينهام ِعَلقة ِوطيدة ِ‪ِ ،‬وهي ِما ِيعرف ِيف ِاصطَلح ِاملناطقةِ‬
‫بالعمومِواخلصوصِاملطلقِ‪ِ،‬فاألولِأعمِ؛ِألنهِيشملِالفاعلِواملفعولِبه‪ِ،‬‬
‫ومهاِهناِسواء ِ‪ِ،‬والثاينِأخصِ؛ِألنِاْلرهابِوإنِكانِلعنةِعىلِالفاعلِِ‬
‫واملفعولِبهِ‪ِ،‬فالطامةِيفِالفاعلِأشدِ ُِعتواِوإجراماِمنهاِيفِاملفعولِبه‪ِِ.‬‬
‫فَلِشكِأنِخطرِالفاعلِعىلِنفسهِوعىلِاملجتمعِوالوطنِواألمةِوعىلِ‬
‫الدينِِشديدِالتدمري‪ِِ.‬‬
‫واْلجابةِعنِالسؤالِاألولِهيِاألسهلِ‪ِ،‬وإنِكانتِتتطلبِالتكاتفِ‬
‫والتعاون ِوالتنسيق ِيف ِمواجهة ِاْلرهاب ِواْلرهابيني ِمواجهة ِرصحيةِ‬
‫َلونِ‪ِ،‬وّلِخمادعةِ‪ِ،‬وّلِحساباتِ‬
‫وواضحةِوحاسمةِ‪ِّ،‬لِترددِفيهاِ‪ِ،‬وّلِت ّ‬
‫سوى ِمراعاة ِمصلحة ِالدين ِوالوطن ِ‪ِ ،‬عىل ِأن ِتكون ِاملواجهة ِشاملة ِ‪ِ:‬‬
‫فكريـةِ‪ِ،‬وثقافيـةِ‪ِ،‬وعلميـةِ‪ِ،‬وتربويـةِ‪ِ،‬وأسـريةِ‪ِ،‬وأمنيةِ‪ِ،‬معِقطـعِمجيـعِ‬

‫(‪ِ)‬هذاِاملبحثِكتبهِأ‪.‬دِ‪/‬حممدِخمتارِمجعةِ‪ِ،‬وزيرِاألوقاف‪ِ.‬‬

‫‪-66 -‬‬
‫الطرقِاملؤديةِإىلِاْلرهابِمنِالتعنتِوالتشددِوالغلو‪ِ.‬‬
‫أماِاْلجابةِعنِالسؤالِالثاينِفيامِيتصلِبحاميةِأبنائكِوأهلكِوذويكِ‬
‫من ِأن ِتتخطفهم ِأيدي ِاْلرهابيني ِ‪ِ ،‬فيجب ِعليك ِأن ِتراقب ِسلوك ِمنِ‬
‫يعنيكِأمرهِعىلِالنحوِالتايلِ‪ِ:‬‬
‫النظر ِيف ِأحوال ِأصحابه ِوأصدقائه ِومرافقيه ِ‪ِ ،‬ومن ِيرتددون ِعليه ِأوِ‬
‫ِأي ِمن ِمجاعات ِاْلسَلمِ‬
‫يرتدد ِهو ِعليهم ِ‪ِ ،‬فإن ِكانوا ِحمسوبني ِعىل ٍّ‬
‫السيايس‪ِ،‬أوِمنِ ُيعرفونِباّلنحرافِعنِطريقِاجلا َّدةِ‪ِ،‬أوِأعاملِالبلطجةِأوِ‬
‫املشبوهني ِ‪ِ ،‬أو ِوجدته ِيميل ِإىل ِاّلجتامعات ِالرسية ِ‪ِ ،‬أو ِأخذ ِالغموضِ‬
‫يبدوِعىلِحتركاتهِ‪ِ،‬فعليكِأنِحتسنِمراقبتهِحتىِتقفِعىلِحقيقةِأمرهِ‪ِ،‬‬
‫وأنِتنقذهِمنِبراثنِاْلرهابِقبلِفواتِاألوانِ‪ِ.‬‬
‫وإن ِوجدت ِشي ًِئا ِمن ِالثراء ِأو ِالسعة ِغري ِالطبيعية ِأو ِتغري ِيف ِطريقةِ‬
‫اْلنفاقِالزائدِالذيِّلِيعدِطبيعياِ‪ِ،‬فعليكِأنِتن ّقبِوأنِتبحثِيفِمصدرِ‬
‫هذهِاألموالِ‪ِ.‬‬
‫وإنِكانِابنكِيتغيبِعنِالبيتِتغي ًباِغريِمعهودِمنِقبلِ‪ِ،‬وبخاصةِإذاِ‬
‫تضمنِغيابهِمبي ًِتاِ‪ِ،‬أوِخروجاِيفِأوقاتِغريِطبيعيةِ‪ِ،‬فعليكِأنِتعرفِأينِ‬
‫ذهب؟ِومعِمنِ؟ِوماذاِيصنعِيفِغيابهِ؟ِويفِهذهِاألوقاتِالتيِيتغيبِفيهاِ‬
‫بطريقةِمريبةِأوِمقلقةِ‪ِ.‬‬
‫‪-67 -‬‬
‫وإذاِوجـدتِتغـرياِطارئـاِومفاجئاِيفِسلوكياتهِوتصـرفاتهِسـلبـاِِأوِ‬
‫ً‬
‫إجياباِ‪ِ،‬فعليكِأنِتبحثِيفِأسبابِهذاِالتغريِ‪ِ.‬‬
‫ِوإذا ِوجدت ِالولد ِقد ِأخذ ِيكذب ِويتامدى ِيف ِالكذب ِ‪ِ ،‬فاعلم ِأنِ‬
‫عدوىِهذهِاجلامعاتِالتيِتستحلِالكذبِوتؤمنِبأنِالغايةِتربرِالوسيلةِ‬
‫قدِانتقلتِإليه‪ِِ.‬‬
‫كامِجيبِعليكِأنِتقرتبِمنِأبنائكِ‪ِ،‬وأنِتناقشهمِيفِاألمورِالعامةِ‬
‫عىل ِأن ِيكون ِنقاشك ِهاد ًِئا ِوهاد ًِفا ِواستكشافيِا ِ‪ِ ،‬وأن ِتعطيه ِالفرصةِ‬
‫الكاملةِليعربِعنِرأيهِدونِقهرِ‪ِ،‬أوِكبتِ‪ِ،‬أوِحجرِعىلِرأيهِ‪ِ،‬وأنِتتحملِ‬
‫منهِحتملِالصديقِلصديقهِ‪ِ،‬أوِاخلادمِملخدومهِحتىِتصلِمنِخَللِاحلوارِ‬
‫العاقلِمعهِإىلِماِتريدِ‪ِ،‬حرصاِعليهِ‪ِ،‬وحباِلهِ‪ِ،‬وأداءِلواجبكِجتاهه‪ِِِِ.‬‬

‫ِكام ِجيب ِعليك ِأن ِتكشف ِهلم ِعن ِحقيقة ِاجلامعات ِوالتنظيامتِ‬
‫اْلرهابيةِالتيِّلِتؤمنِبوطنِوّلِدولةِوطنيةِ‪ِ،‬وأهناِّلِختدمِسوىِأعداءِ‬
‫الدين ِوالوطن ِ‪ِ ،‬وأهنم ِعمَلء ِملن ِيمولوهنم ِ‪ِ ،‬خونة ِلدينهم ِوأوطاهنم ِ‪ِ،‬‬
‫يستخدمهم ِأعداؤنا ِْلضعاف ِأمتنا ِومتزيقها ِوتفتيت ِكياهنا ِمن ِجهة ِ‪ِ،‬‬
‫وتشويهِالوجهِاحلضاريِالنقيِالسمحِلدينناِاحلنيفِمنِجهةِأخرىِ‪ِ.‬‬
‫ولقدِذكرتِمراراِأنِمجاعةِاْلخوانِاْلرهابيةِهيِاألبِالروحيِجلميعِِ‬
‫ً‬

‫‪-68 -‬‬
‫اجلامعات ِوالتنظيامت ِاْلرهابية ِ‪ِ ،‬وأهنا ِالداعم ِواملمول ِالرئيس ِهلذهِ‬
‫اجلامعاتِ‪ِ،‬وأنِأكثرِالتنظيامتِاْلرهابيةِإماِأنِتكونِقدِخرجتِمنِرحمِ‬
‫اْلخـوانِ‪ِ،‬أوِارتبطـتِبهِبأيِلـونِمنِألـوانِاّلرتبـاطِ‪ِ،‬وهوِماِأخـذتِ‬
‫تؤكدهِتقاريرِومقاّلتِوصحفِعامليةِعديدةِ‪ِ.‬‬
‫والذي ِينبغي ِالتأكيد ِعليه ِوالتنبه ِله ِهو ِأن ِهذه ِاجلامعات ِوالتنظيامتِ‬
‫احرتفتِالكـذبِواخلـداعِ‪ِ،‬واستحـَللِالدماءِواألمـوالِ‪ِ،‬يلـوونِأعناقِ‬
‫النصوص ِ‪ِ ،‬وحيرفون ِالكلم ِعن ِمواضعه ِ‪ِ ،‬يامسحك ِأحدهم ِمماسحةِ‬
‫الثعبانِ‪ِ،‬ويراوغكِكامِيراوغكِالثعلبِ‪ِ،‬ويقفزِمنكِقفزِال ُقنْ ُف ْذِ‪ِ،‬يظهرونِ‬
‫خَلف ِما ِيبطنون ِ‪ِ ،‬يعطونك ِمعسول ِالكَلم ِومن ِخلفه ِالسم ِالزعاف ِ‪ِ،‬‬

‫ﳆ ﳈ ﳉﱠ‬
‫ﳇ‬ ‫ﳃ ﳅ‬
‫ﳄ‬ ‫واملوت ِالزؤام ِ‪ِ ،‬ﱡﭐﳁ ﳂ‬

‫[املنافقون‪ِ،]٣:‬فهمِكامِيقولِاحلقِسبحانهِ‪ِ:‬ﱡ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ‬

‫ﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮ‬

‫ﱯﱰﱱﱲﱳ ﱴﱵﱶﱷﱸﱹ‬

‫ﱺ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﱠ [البقرةِ‪ِ:‬اآليتانِ‪ِ.]512ِ،ِ51٣‬‬
‫ﱻ‬

‫وهناكِأمرِآخرِوهوِرضورةِرسمِخريطةِللتطرفِوبيئاتهِ‪ِ،‬وأسبابهِ‪ِ،‬‬
‫وطرق ِووسائل ِعَلجه ِ‪ِ ،‬فالذي ِّل ِشك ِفيه ِأن ِبعض ِالبيئات ِحاضنـةِ‬

‫‪-69 -‬‬
‫للتطرف ِأكثر ِمن ِالبيئات ِاألخرى ِ‪ِ ،‬وأن ِبعض ِاجلامعات ِوالتنظيامتِ‬
‫واجلمعياتِقدِتكونِمناخاِأكثرِخصوبةِْلنتاجِالتطرفِ‪ِِ.‬‬
‫ً‬

‫*ِِِِِِِِِِ*ِِِِِِِِِِ*‬

‫‪-71 -‬‬
‫ثالث عشر‪ :‬اخلطاب الديين‬
‫وثالث معضالت كربى‬
‫ِ‬

‫ّلِشكِأنِاخلطابِالدينيِقدِصارِحديثِالساعةِ‪ِ،‬حديثِاملثقفنيِ‪ِ،‬‬
‫حديثِالعامةِواخلاصةِ‪ِ،‬وّلِشكِأنِذلكِكلهِيأِتِنتيجةِملاِأصابِهذاِ‬
‫اخلطاب ِيف ِالسنوات ِاألخرية ِمن ِسطو ِوتس ّلق ِعليه ِ‪ِ ،‬أو ِحماوّلتِ‬
‫ّلختطافهِ‪ِ،‬أوِاملتاجرةِبهِ‪ِ،‬وماِتبعِذلكِمنِاستخدامِالدينِمنِقبلِأدعيائهِ‬
‫املتاجرينِبهِغطاءِلعاملتهمِوأعامهلمِاملشبوهةِضدِأوطاهنمِيفِأعاملِعنفِ‬
‫أو ِختريب ِ‪ِ ،‬بل ِجتاوز ِاألمر ِذلك ِإىل ِأعامل ِقتالية ِهتدف ِبأسلوب ِمبارشِ‬
‫ورصيحِوفجِ إىلِإسقاطِدوهلمِوأوطاهنمِ‪ِ،‬وتفتيتهاِومتزيقهاِ‪ِ،‬وحتويلهاِإىلِ‬
‫ِّ‬
‫بؤرِومجاعاتِمتصارعةِتصار ًعاِّلِيرجىِاخلَلصِمنهِيفِالقريبِالعاجلِ‬
‫ًِ‬
‫ِودوّل ِ‪ِ ،‬وإدراكًاِ‬ ‫إّل ِبرْحة ِمن ِاهلل ِ(ع ّز ِوجل) ِ‪ِ ،‬ويقظة ِمنّا ِمجي ًعا ِ‪ِ ،‬أفرا ًدا‬
‫حلجمِاملخططاتِواملؤامراتِالتيِتستهدفِأمتناِومنطقتناِالعربيةِعىلِوجهِ‬
‫اخلصوصِ‪ِ.‬‬
‫وّلِينكرِأحدِأنِحجمِاْلجرامِوالتخريبِالذيِيقومِبهِبعضِاملنتسبنيِ‬
‫اِوشعاراِ‬
‫ً‬ ‫دينِستار‬
‫ً‬ ‫إىلِاجلامعاتِوالتياراتِاْلرهابيةِواملتطرفةِالتيِتتخذِمنِال‬
‫قدِفاقِكلِالتصوراتِ‪ِ،‬وجتاوزِكلِمعاينِاْلنسانيةِإىلِدرجةِيوصفِمعهاِ‬
‫منِيقومِهبذاِاْلفسادِوالتخريبِباخليانةِللدينِوالوطنِم ًعاِ‪ِ،‬مماِجعلِبعضِ‬

‫‪-71 -‬‬
‫الكتّاب ِيتجاوز ِباهتامه ِاملخربني ِواملفسدين ِإىل ِاخلطاب ِالديني ِنفسه ِ‪ِ،‬‬
‫ِّ ِ‬
‫ِالغث ِوالثمني ِ‪ِ ،‬وآخر ِيعممِ‬ ‫واختلطت ِاألمور ِ‪ِ :‬ما ِبني ِعاقل ِيفرق ِبني‬
‫األحكامِبَلِإنصافِوّلِرو ّيةِ‪ِ،‬ألنِالفتنةِأحيانًاِجتعلِاحلليمِحريا ًِنا‪ِ.‬‬
‫وأرى أن اخلطاب الديين تكتنفه ثالث معضالت كربىِ‪ِ:‬‬
‫األوىل ِ‪ِ :‬هي ِمعضلة ِاجلمود ِ‪ِ ،‬من ِهؤّلء ِاملنغلقني ِالذين ِأقسموا ِباهللِ‬
‫جهدِأيامهنمِأنِبابِاّلجتهادِقدِأغلقِ‪ِ،‬وأن ِاألمةِملِولنِتلدِجمتهدً اِبعدِ‪ِ،‬‬
‫وأهناِعقمتِعقامِّلِبراءِمنهِ‪ِ،‬متناسينيِأوِمتجاهلنيِأنِاهللِ(ِعزِوجلِ)ِملِ‬
‫ً‬
‫ُيصِبالعلمِوّلِبالفقهِقوماِدونِقومِ‪ِ،‬أوِزمانًاِدونِزمانِ‪ِ،‬وأنِاخلريِيفِ‬
‫ً‬
‫أمةِحممدِ(صىلِاهللِعليهِوسلم)ِإىلِيومِالقيامةِ‪ِ.‬‬
‫املعضلة الثانية ِ‪ِ :‬معضلة ِاخلوف ِمن ِاْلسَلم ِ‪ِ ،‬أو ِما ِيعرف ِبـِ‬
‫"اْلسَلم ِفوبيا"‪ِ ،‬مما ِجيعل ِبعض ِهؤّلء ِاملتخوفني ِيظن ِخطأ ِأن ِعَلجِ‬
‫التشدد ِإنام ِيكون ِبالذهاب ِإىل ِالنقيض ِاآلخر ِ‪ِ ،‬مما ِيعود ِبنا ِإىل ِعقود ِمنِ‬
‫الرصاع ِحدث ِفيها ِخلط ِكبري ِبني ِمواجهة ِالتطرف ِوأمهية ِالتدين ِ‪ِ ،‬حيثِ‬
‫توهم ِبعض ِاملتخوفني ِمن ِاْلسَلم ِأن ِحماربة ِالتطرف ِتقتيض ِوتستلزمِ‬
‫جتفيفِمنابعِالتدينِ‪ِ،‬فاصطدمواِبالفطرةِاْلنسانيةِ‪ِ،‬ﱡﭐﲨ ﲩ ﲪ‬

‫ﲭﱠ [الرومِ‪ِ،ِ]٤1:‬ونسواِأنِأفضلِطـريقِملواجهةِالتطرفِ‬
‫ﲮ‬ ‫ﲫﲬ‬

‫‪-72 -‬‬
‫هو ِنشـر ِسامحة ِاألديان ِ‪ِ ،‬وحتصني ِالناس ِوبخاصة ِالناشئة ِوالشبابِ‬
‫بصحيح ِالدين‪ِ ،‬وأنك ِّل ِتستطيع ِأنِتقيضِعىلِالتطرفِمنِجذوره ِإّلِإذاِ‬
‫عملتِبنفسِالقدرِوالنسبةِعىلِمواجهةِالتسيبِواّلنحَللِواْلحلادِالذيِ‬
‫ِموجها ِخللخلة ِجمتمعاتنا ِشأن ِالتشدد ِسواء ِبسواء ِ‪ِ ،‬ومن ِهنا ِكانِ‬
‫ً‬ ‫صار‬
‫وعي ِاألزهر ِالرشيف ِ‪ِ ،‬ووزارة ِاألوقاف ِ‪ِ ،‬ووزارة ِالشباب ِوالرياضةِ‬
‫بخطورة ِاْلحلاد ِوالتسيب ِ‪ِ ،‬فأطلقت ِوزارتا ِاألوقاف ِوالشباب ِمبادرةِ‬
‫مشرتكةِملواجهةِاْلحلادِحتتِعنوانِ"ِبالعقل ِكده ِ"ِ‪ِ،‬إيامنًاِمنهامِبخطورةِ‬
‫اْلحلادِعىلِأمنِالوطنِواستقرارهِونسيجهِاّلجتامعيِ‪ِ.‬‬
‫ويفِهـذاِنـؤكـدِأنِاملسـاسِبثوابتِالعقيـدةِوالتجـرؤِعليهـاِوإنكارِماِ‬
‫استقرِمنهاِيفِوجدانِاألمةِّلُِيدمِسوىِقوىِالتطرفِواْلرهابِوخاصةِ‬
‫يف ِظل ِالظروف ِالتي ِنمر ِهبا ِ‪ِ ،‬ألن ِاجلامعات ِاملتطرفة ِتستغل ِمثل ِهذهِ‬
‫السقطاتِلرتويجِشائعاتِالتفريطِيفِالثوابتِمماِينبغيِالتنبهِلهِواحلذرِمنهِ‪ِ،‬‬
‫فإذاِأردناِأنِنقيضِعىلِالتشددِمنِجذورهِفَلبدِأنِنقيضِعىلِالتسيبِمنِ‬
‫جـذورهِ‪ِ،‬فلكلِفعـلِردِفعـلِمساوِِلـهِيفِالنسـبةِومضـادِلـهِيفِاّلجتاه‪ِ.‬‬
‫املعضلة الثالثةِ ‪ِ:‬هيِاخلوفِمنِالتجديدِأوِالتجاوزِفيهِ‪ِ،‬فَلِشكِأنِ‬
‫التجديد ِحيتاج ِإىل ِشجاعة ِوجرأة ِحمسوبة ِ‪ِ ،‬وحسن ِتقدير ِلألمور ِيف ِآنِ‬
‫واحدِ‪ِ،‬كمـاِأنهِحيتاجِمنِصاحبهِإىلِإخَلصِالن ّيةِهللِبمـاِيعينهِعىلِحسنِِ‬

‫‪-73 -‬‬
‫الفهمِوعىلِحتملِالنقدِوالسهامِالَلذعةِ‪ِ.‬‬
‫ولكي نقطع الطريق على أي مزايدات فإنين أؤكد على الثوابت‬
‫واألمور التاليةِ‪ِ:‬‬
‫‪ِ -0‬أنِماِثبتِبدليلِقطعيِالثبوتِوالدّللةِ‪ِ،‬وماِأمجعتِعليهِاألمةِ‬
‫وصارِمعلوماِمنِالدينِبالرضورةِكأصولِالعقائدِوفرائضِاْلسَلمِمنِ‬
‫ً‬
‫وجوبِالصَلةِ‪ِ،‬والصيامِ‪ِ،‬والزكاةِ‪ِ،‬وحجِالبيتِملنِاستطاعِإليهِسبيَلِ‪ِ،‬‬
‫كلِذلكِّلِجمالِللخَلفِفيهِ‪ِ،‬فهيِأمورِتوقيفيةِّلِتتغريِبتغريِالزمانِوّلِ‬
‫ّ‬
‫املكان ِواألحوال ِ‪ِ ،‬فمجال ِاّلجتهاد ِهو ِكل ِحكم ِرشعي ِليس ِفيه ِدليلِ‬
‫قطعيِالثبوتِوالدّللةِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ -5‬مع ِتقديرنا ِالكامل ِآلراء ِاألئمة ِاملجتهدين ِفإننا ِندرك ِأن ِبعضِ‬
‫الفتاوىِناسبتِعرصها ِوزماهناِ‪ِ،‬أوِمكاهناِ‪ِ،‬أوِأحوالِاملستفتنيِ‪ِ،‬وأنِماِ‬
‫ِراجحا ِيف ِعرص ِوفق ِما ِاقتضته ِاملصلحة ِيف ِذلك ِالعرص ِقد ِيكونِ‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫مرجوحاِيفِعرصِآخرِإذاِتغريِوجهِاملصلحةِفيهِ‪ِ،‬وأنِاملفتىِبهِيفِعرصِ‬
‫ً‬
‫معنيِ‪ِ،‬ويفِبيئةِمعينـةِ‪ِ،‬ويفِظلِظـروفِمعينـةِ‪ِ،‬قـدِيصبحِغريهِأوىلِمنـهِ‬
‫تِالبيئةِ‪ِ،‬أوِتغريتِالظروفِ‪ِ،‬ماِدامِ‬
‫ّ‬ ‫ِالعرصِ‪ِ،‬أوِتغري‬
‫ّ‬ ‫فتاءِبهِإذاِتغري‬
‫ّ‬ ‫يفِاْل‬
‫ذلكِكلهِيفِضوءِالدليلِالرشعيِاملعتربِ‪ِ،‬واملقاصدِالعامةِللرشيعةِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ-٤‬أنناِنؤمنِبالرأيِوالرأيِاآلخرِ‪ِ،‬وبإمكانيةِتعـددِالصوابِيفِبعضِِ‬

‫‪-74 -‬‬
‫القضايا ِاخلَلف ّية ِ‪ِ ،‬يف ِضوء ِتعدد ِظروف ِالفتوى ِومَلبساهتا ِومقدماهتا ِ‪ِ،‬‬
‫وإذاِكانِبعضِسلفناِالصالحِقدِقالِ‪ِ:‬رأييِصوابِحيتملِاخلطأِورأيِ‬
‫غرييِخطأ ِحيتملِالصوابِ‪ِ،‬فإنناِنذهبِأبعدِمنِذلكِفنقولِ‪ِ:‬إن ِكَلِ‬
‫الرأينيِقدِيكونانِعىلِصوابِ‪ِ،‬غريِأنِأحدمهاِراجحِواآلخرِمرجوحِ‪ِ،‬‬
‫اِمعِعدمِختطئتناِملاِنراهِمرجوحاِ‪ِ،‬ماِدامِصاحبهِأهَلِ‬
‫ً‬ ‫فنأخذِبامِنراهِراجح‬
‫ً‬
‫لَلجتهاد ِ‪ِ ،‬ولرأيه ِحظ ِمن ِالنظر ِوالدليل ِالرشعي ِاملعترب ِ‪ِ ،‬فاألقوالِ‬
‫الراجحةِليستِمعصومةِ‪ِ،‬واألقوالِاملرجوحةِليستِمهدرةِوّلِمهدومةِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ -٣‬أنِعلامءناِالقدماءِأنفسهمِقدِاعتدواِإىلِحدِكبريِبالعادةِوالعرفِ‬
‫يفِمعاجلةِاملتغرياتِواملستجداتِ‪ِ،‬يقولِاْلمام ِالشاطبي ِ(رْحهِاهللِ)ِ‪ِ:‬إنِ‬
‫األصلِيفِالعاداتِاّللتفاتِإىلِاملعاينِ‪ِ،‬وباّلستقراءِوجدناِالشارعِقاصدً اِ‬
‫ملصالحِالعبادِواألحكامِالعاديةِتدورِعليهِحيثامِدارِ‪ِ،‬فرتىِاليشءِالواحدِ‬
‫ُيمنَعِيفِحالِّلِتكونِفيهِمصلحةِ‪ِ،‬فإذاِكانِفيهِمصلحةِجازِ‪ِ.‬‬

‫ويقرر ِاْلمام ِالقرايف ِ(رْحه ِاهلل) ِ‪ِ :‬أن ِإِ َ‬


‫جراء ِاألحكام ِالتي ُِمدْ َركُهاِ‬
‫ِتلكِالعوائدِفهوِخَلف ِا ِ‬
‫ْلمجاعِوجهال هة ِيفِالدّ ينِ… ِبلِ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ ِ‬
‫ِمعِتغري‬ ‫العوائدُ‬
‫ِ‬
‫ِعادةِ‬ ‫ِ‬
‫ِخَلف‬ ‫لو ِخرجنا ِنحن ِمن ِذلك ِالبلد ِإِىل ِب َلد ِآخر ِ‪ِ ،‬عوائدُ هم ِعىل‬
‫ِ‬
‫البلدِالذيِكناِفيهِأفتيناهمِبعادةِبلدهمِ‪ِ،‬وملِنعتربِعادةَِالبلدِالذيِكناِفيهِ‪ِ،‬‬
‫ُهِم َضا َّدةهِللبلدِالذيِنحنِفيهِملِنُفتِهِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وكذلكِإِذاِ َقد َمِعليناِأحده ِمنِبلدِعا َدت ُ‬
‫‪-75 -‬‬
‫ِ‬
‫هِدونِعادةِبلدنا‪ِ.‬‬ ‫ِبعادة ِ‬
‫ِبلد‬ ‫ِ‬ ‫إِ َّّل‬
‫ول ِِيفِا ْل ُكت ِ‬‫َّاسِبِم َجر ِدِاملَْ ْن ُق ِ‬
‫ُبِ‬ ‫‪ِ:‬و َم ْن َِأ ْفتَىِالن َ ُ َّ‬
‫ويقولِابنِالقيمِ(رْحهِاهلل)ِ َ‬
‫اهل ْم َِو َق َرائِ ِنِ‬
‫ف ِعرفِ ِهم ِو ِعوائِ ِد ِهم ِو َأز ِْمنَتِ ِهم ِو َأمكِنَتِ ِهم ِو َأحو ِ‬
‫ْ َ ْ َ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُْ ْ َ ََ‬
‫ِاختِ ََل ِ‬ ‫َع َىل ْ‬
‫ِض َّل َِو َأ َض َّل‪ِ.‬‬ ‫َأحو ِ‬
‫اهل ْمِ َف َقدْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ويقول ِابن ِعابدين ِ(رْحه ِاهلل) ِ‪ِ :‬إن ِاملسائل ِالفقهية ِإما ِأن ِتكون ِثابتهِ‬
‫برصيحِالنصِوإماِأنِتكونِثابتهِبرضبِمنِاّلجتهادِوالرأيِ‪ِ،‬وكثريِمنهاِ‬
‫يبنيهِاملجتهدِعىلِماِكانِيفِعرفِزمانهِ‪ِ،‬بحيثِلوِكانِيفِزمانِالعرفِ‬
‫احلادثِلقـالِبخَلفِماِقـالـ ً ِ‬
‫هِأوّل ِ‪ِ،‬وهلذاِقالواِيفِشـروطِاّلجتهــادِ‪ِ:‬‬
‫إنه ِّل ِبد ِمن ِمعرفة ِعادات ِالناس ِ‪ِ ،‬فكثري ِمن ِاألحكام ِختتلف ِباختَلفِ‬
‫الزمانِلتغريِعرفِِأهلهِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ -2‬أن ِتسارع ِوترية ِاحلياة ِالعرصية ِيف ِشتى ِاجلوانب ِالعلميةِ‬
‫واّلقتصادية ِوالتكنولوجية ِ‪ِ ،‬إضافة ِإىل ِالتقلبات ِوالتكتَلت ِوالتحالفاتِ‬
‫واملتغرياتِالسياسيةِ‪ِ،‬كلِذلكِحيتمِعىلِالعلمـاءِوالفقهاءِإعادةِالنظــرِ‬
‫ّ‬
‫يفِضوءِكلِهذهِاملتغرياتِ‪ِ،‬ويعلمِاجلميعِأنِاْلقدامِعىلِهذاِاألمرِليسِ‬
‫ّ‬
‫سهَلِوّلِيسرياِ‪ِ،‬وحيتاجِإىلِجهودِضخمةِمنِاألفرادِواملؤسساتِ‪ِ،‬غريِ‬
‫ً‬
‫أنناِيفِالنهايةِّلِبدِأنِننطلقِإىلِاألمامِ‪ِ،‬وأنِنأخذِزمامِاملبادرةِللخروجِمنِ‬
‫دائرةِاجلمودِ‪ِ.‬‬
‫‪-76 -‬‬
‫معِالتأكيدِمرةِأخرىِأنِهذاِالتجديدِينبغيِأّلِيتجاوزِثوابتِالرشعِ‪ِ،‬‬
‫وأن ِينضبط ِبميزاين ِالرشع ِوالعقل ِ‪ِ ،‬وأّل ِيرتك ِهن ًبا ِلغري ِاملؤهلني ِوغريِ‬
‫املتخصصنيِ‪ِ،‬فامليزانِدقيقِ‪ِ،‬واملرحلةِيفِغايةِالدقةِواخلطورة ِ‪ِ،‬ملاِيكتنفهاِ‬
‫منِحتدياتِيفِالداخلِواخلارجِ‪ِ،‬فاملتخصصِاملؤهلِإذاِاجتهدِفأخطأِلهِ‬
‫أجرِ‪ِ،‬وإنِاجتهدِفأصابِفلهِأجرانِ‪ِ،‬األولِّلجتهادهِواآلخرِْلصابتهِ‪ِ،‬‬
‫أماِمنِجترأِعىلِالفتوىِبغريِعلمِ‪ِ،‬فإنِأصابِفعليهِوزرِ‪ِ،‬وإنِأخطأِفعليهِ‬
‫وزرانِ‪ِ،‬األولِّلقتحامهِماِليسِلهِبأهلِ‪ِ،‬واآلخرِملاِيرتتبِعىلِخطئهِمنِ‬
‫آثارِكانِاملجتمعِوالدينِم ًعاِيفِغنىِعنهاِ‪ِ،‬يفِظلِأوقاتِحتتاجِإىلِمنِيبنيِ‬
‫ّلِمنِهيدمِ‪ِ.‬‬

‫*ِِِِِِِِِ*ِِِِِِِِِ*‬

‫‪-77 -‬‬
‫فهرس املوضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫املوضـــــــــــــــــوع‬ ‫م‬
‫‪ِ2‬‬ ‫‪ ِ .0‬تقــديــــــم‪ِ.‬‬
‫‪ ِ .5‬توصيات ِاملؤمتر ِالدويل ِالعام ِالرابع ِوالعرشين ِللمجلسِ‬
‫‪ِ1‬‬
‫األعىلِللشئونِاْلسَلميةِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ02‬‬ ‫‪ ِ .٤‬متهيـــــدِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ51‬‬ ‫‪ ِ .٣‬حتديدِاملفاهيمِوأسانيدهاِالرشعيةِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ51‬‬ ‫‪ ِ .2‬أوّلِ‪ِ:‬التكفريِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ5١‬‬ ‫‪ ِ .١‬ثانياِ‪ِ:‬نظامِاحلكمِواملتاجرةِبقضيةِاخلَلفةِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ٤1‬‬ ‫‪ ِ .1‬ثالثا‪ِ:‬احلاكميةِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ٤٣‬‬ ‫‪ ِ .8‬رابعاِ‪ِ:‬اجلهــــادِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ٤8‬‬ ‫‪ ِ .٩‬خامساِ‪ِ:‬املواطنـــــةِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ٣0‬‬ ‫سادساِ‪ِ:‬اْلرهـــابِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ .01‬‬
‫‪ِ٣8‬‬ ‫سابعاِ‪ِ:‬اجلــزيـةِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ .00‬‬
‫‪ِ20‬‬ ‫ثامنا‪ِ:‬دارِاحلـــــربِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ .05‬‬
‫‪ِ2٤‬‬ ‫تاس ًعا‪ِ:‬الديـــنِوالدولـــةِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ .0٤‬‬
‫‪ِ21‬‬ ‫عارشا‪ِ:‬مرشوعيةِالدولةِالوطنيةِ‪ِ.‬‬
‫‪ً ِ .0٣‬‬

‫‪-78 -‬‬
‫الصفحة‬ ‫املوضـــــــــــــــــوع‬ ‫م‬
‫‪ِ١0‬‬ ‫حاديِعرش‪ِ:‬وجوبِْحايةِاملجتمعِمنِالتطرفِواْلرهاب‪ِِ.‬‬
‫‪ِ .02‬‬
‫‪ِ١١‬‬ ‫ثاينِعرش‪ِ:‬كيفِحتميِأبناءكِمنِاْلرهاب؟‪ِ.‬‬
‫‪ِ .0١‬‬
‫‪ِ10‬‬ ‫ثالثِعرش‪ِ:‬اخلطابِالدينيِوثَلثِمعضَلتِكربىِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ .01‬‬
‫‪ِ18‬‬ ‫فهرسِاملوضوعاتِ‪ِ.‬‬
‫‪ِ .08‬‬

‫*ِ‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬

‫‪-79 -‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬

‫مطبعة وزارة األوقاف‬

‫النارشِ‪ِ/‬املجلسِاألعىلِللشئونِاْلسَلميةِ‬
‫الرتقيمِالدوىل‪ِِ:‬‬
‫رقمِاْليداع‪ِ:‬‬

‫‪-81 -‬‬

You might also like