Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 3

‫نقوالت أصولية‪:‬‬

‫باب اإلجماع‬

‫قال ابن عاشور‪( :‬لقد يقع نظر المطلع على أصول لفقه ويقرع سمعه في دروسه‬
‫من مسائل اإلجماع ما يتجرعه إن كان قنوًعا بالظواهر ولوًعا بتعداد المسائل‬
‫وعقد الخناصر ‪-‬وإن لم يجد بينها ذمًم ا وال أواصر‪ -‬ولكنه إن كان ال يحتمل أن‬
‫يتقبل شيًئا جزاًفا‪ .‬وال يسع من المجمالت تجهيًال وال اختالًفا‪ .‬يكاد بعد إعمال نظره‬
‫وخصفه على هذا الباب من ورق شجره يمتلكه اليأس من تحرير باب اإلجماع‪.‬‬
‫وينقطع دون ذلك ما له من األطماع‪.‬‬
‫حتى إذا نسب تفاريعه من مصدرها‪ ،‬وآوى بشعبه إلى منشرها رأى أنهم يطلقون‬
‫كلمة اإلجماع على ثالثة أمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬اتفاق المسلمين جياًل بعد جيل على إسناد قول أو فعل أو هيئة للنبي ‘ على‬
‫أنها بيان مجمل‪ ،‬أو تشريع مؤصل‪ ،‬مثل صفة الصالة وأوقاتها وكيفية الحج وألفاظ‬
‫القرآن وسوره‪ ،‬وهذا أصل عظيم في الدين‪ ،‬به فسرت المجمالت وأِّو لت الظواهر‬
‫وأسست أصول الشريعة‪ ،‬وهو المعبر عنه بالمعلوم ضرورة وبالمتواتر من الدين‬
‫وباإلجماع العام‪ ،‬وهو الذي قالوا بكفر جاحده‪ ،‬وهو الذي اقتصر عليه إمام‬
‫الحرمين في البرهان كما نقل عنه المصنف هنا في الشرح عند ذكر طريقة‬
‫احتجاجه لإلجماع‪ ،‬وهو الذي اعتبر فيه القاضي إجماع العوام ‪-‬أي غير‬
‫المجتهدين‪ ،-‬واعتبر غيره عدد التواتر‪ ،‬وال شك أنه الذي عناه ابن برهان‬
‫والصيرفي وأبو زيد الدبوسي وشمس األئمة فقالوا‪ :‬إنه مقدم على األدلة كلها وال‬
‫أخال مسلًم ا ينكر هذا النوع إال إذا كان يستر إلحاده بكلمة اإلسالم‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬اتفاق مجتهدي عصر من عصور اإلسالم على حكم لدليل عينوه‪ ،‬واتفقوا‬
‫على العمل بمقتضاه من نص أو قياس أو مصلحة‪ ،‬وهذا هو الذي اختلف فيه‬
‫االختالف الشهير‪ ،‬فأنكره جماعة منهم اإلمام أحمد بن حنبل وداوود‪ ،‬وقال جماعة‪:‬‬
‫هو حجة ظنية منهم اآلمدي واإلمام‪ ،‬وهو المفهوم من كالم إمام الحرمين‪ ،‬وألحقه‬
‫جماعة بالقسم األول إال في تكفير مخالفه وهم الجمهور‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬سكوت العلماء في عصر على قول أو فعل صدر من مجتهد‪ ،‬وهو المعبر‬
‫عنه باإلجماع السكوتي‪ ،‬وفي أصل االحتجاج به خالف شديد‪ ،‬والمحققون على أنه‬
‫ال ُيحتج به إال إذا مرت عليه أزمنة كافية كما قال إمام الحرمين‪ ،‬فيكون حجة‬
‫ضعيفة‪.)1()...‬‬

‫(قوله لقوله تعالى {َو َم ْن ُيَش اِقِق الَّرُسوَل } إلخ) عادتهم أن يكثروا من ذكر اآليات‬
‫واألحاديث التي يمكن أن تستروح منها حجة اإلجماع مع أن ذلك ليس شيء منه‬
‫مفيدًا للغرض المطلوب فلذلك قال المص «والعمدة الكبرى إن كل نص إلخ» ومن‬
‫اشية التوضيح (ص‪ ،)582-581‬ثم ذكر أنه تلخص له أن مراتب اإلجماع المتفرعة عن هذا سبعة‪ ،‬فانظرها‪.‬‬
‫‪ )1‬ح‬
‫المعلوم أن سبيل المؤمنين هو أصل الدين وما هو معلوم ضرورة منه وال نزاع في‬
‫ذلك وهو لذي دلت عليه العمدة الكبرى التي ذكره المص‪ .‬أما اإلجماع عن اجتهاد‬
‫فهو سبيل بعض لمؤمنين وهم المجتهدون(‪)1‬‬

‫ويذكرني هذا قول أبي نواس مازًحا‪:‬‬


‫أباح العراقي النبيذ وشربه ‪ ...‬وقال حرامان المدامة والسكر‬
‫وقال الحجازي الشرابان واحد ‪ ...‬فحلت لن من بين قوليهما الخمر‬
‫سآخذ من قولهما طرفيهما ‪ ...‬وأشربها ال فارق الوازر الوزر(‪)2‬‬

‫قوله وإذا حكم بعض األمة وسكت الباقون الخ)‪.‬‬


‫هذا اإلجماع السكوتي وهو حجة ظنية واألولى أن يقصر االحتجاج به على‬
‫صدر األمة الذين عرف من حالهم عدم السكوت على الباطل ويخص أيًضا‬
‫بغير المسائل التي كانوا يرون السكوت فيها أسلم من الكالم نحو مسائل‬
‫الخالفة ألنهم يشخون تفريق كلمة المسلمين كما قال عبد هللا بن عمر‪ .‬وال‬
‫شك أنه منذ ظهر الحكم االستبدادي في زمن عبد الملك بن مروان بطلت‬
‫حجية اإلجماع السكوتي إال في مسائل عرفت سالمتها من األهواء وإال في‬
‫أصول الدين وأركانه‪ .‬ولتحقيق هذا الموضع جولة ال يسعف بها اآلن ضيق‬
‫المجال(‪)3‬‬

‫‪( :‬ظَّن بعضˆهم أن مالًك ا ¬ ال يعتˆˆبر من اإلجمˆˆاع إال إجمˆˆاعهم؛ فأخˆˆذ يحتج عليˆˆه بمˆˆا يحتج بˆˆه على‬
‫قال ابن عاشور في حاشيته (ص‪)603‬‬
‫منكري اإلجماع‪ ،‬وقد وقع هذا للغزالي على جاللة قدره‪ ،‬فأولى غيره)‪.‬‬

‫قيل إن إجماع أهل المدينة إجماع الفقهاء السبعة‪ ،‬ويجمع أسماءهم‪ :‬عينان‬
‫وسينان وألفان وخاء(‪)4‬‬

‫قال ابن التلمساني (قلنا‪ :‬ال ُنْنِكُر أن ُك َّل لفظ احتج به على ِص ّح ِة اإلْج َم اِع‪ ،‬لو ُجِّر َد‬
‫الَّنَظُر إليه من َح يُث هو‪َ ،‬لَتَطَّر َق إليه ُو ُجوٌه من االْح ِتَم االِت ‪ ،‬لكن ُمَو اَفَقَة ُك ِّل َلْفٍظ‬
‫احتج به ِلَم ْج ُم وِع اَألْلَفاِظ مع َك ثَرِتِها‪َ ،‬و َتَض اُفِرِها‪ ،‬وَتَطاُبِق َظَو اِهِرَها على ذلك‪-‬‬
‫َيْدَفُع ِإَر اَد َة تلك االْح ِتَم االِت ؛ فإذن ُك ُّل َنّص منها َيِص ُّح الَّتَم ُّس ُك به ابتداًء ؛ إلشَع اِر ِه‬
‫بالَم طُلوِب الظاهر‪َ ،‬و َد ْفِع ِإَر اَد ِة َم ا َعَد اُه بانضمامه إلى الجملة‪ ،‬وبهذا الَّطِريِق ُيْقَطُع‬
‫اشية التوضيح (ص‪.)588‬‬
‫‪ )(1‬ح‬
‫اشية التوضيح (ص‪.)592‬‬
‫‪ )(2‬ح‬
‫اشية التوضيح (ص‪.)597‬‬
‫‪ )(3‬ح‬
‫فع النقاب (‪.)630-4/628‬‬
‫‪ )(4‬انظر‪ :‬ر‬
‫بكثيَر من اَألْح َك اِم من ُو ُجوِب الَّصالِة‪ ،‬والزكاة‪َ ،‬و الَح ِّج ‪ ،‬والِج َهاِد ‪َ ،‬و َش ْر ِع َأْص ِل‬
‫الَبيِع والِّنَك اِح واِإل جارة وَغ يَر ذلك‪ ،‬وان كان ُك ُّل َلْفٍظ َو َر َد فيها‪ ،‬لو َنَظْر َنا إليه من‬
‫َح يُث هو‪ -‬لكان للَّتْأويل فيه مجال‪ ،‬لكن بالَّنَظِر إلى ما اقترن به من الَّتْك ِريَر اِت‪،‬‬
‫والتأكيدات‪ ،‬وَقَر اِئِن اَألْح َو اِل ؛ فال يبقى لالحتمال فيه َم َج اٌل‪ ،‬وهللا أعلم)(‪.)1‬‬

‫قال الرهوني (فإن قيل‪ :‬إذا كان من باب النقل كما ذكرتم‪ ,‬فما فائدة ذكر‬
‫اإلجماع مع أنه من باب النقل‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬أن موجب ذلك مخالفة العراقيين وغيرهم لنا في مسائل طريقها‬
‫النقل والعمل المستفيض‪ ,‬اعتمدوا فيها على أخبار اآلحاد)(‪.)2‬‬

‫قال ابن عاشور‪( :‬وكأن المصنف يشير بقوله‪© :‬وفهم عنهم اإلمام® بعد أن‬
‫قَّد م تقرير كالمه بما ال يناسب ما فهمه اإلمام إلى نقد فهمه‪ ،‬ولكنه أعرض‬
‫عن التصريح بذلك تحاشًيا مع اإلمام أن ينصر عليه المخالفين‪ ،‬واعتراًفا‬
‫بسابق فضله وسمو مقامه‪ ،‬ونعَّم ا صنع)(‪)3‬‬

‫لمعالم (‪ ،)2/60‬ونقلها حلولو في التوضيح (‪.)2/369‬‬


‫‪ )(1‬ا‬
‫حفة المسؤول (‪ ،)2/255‬ونقله عنه حلولو في التوضيح (‪.)2/401‬‬
‫‪ )(2‬ت‬
‫اشية التوضيح (ص‪.)630‬‬
‫‪ )(3‬ح‬

You might also like