Professional Documents
Culture Documents
G12 - Arabic Story-Adwaa
G12 - Arabic Story-Adwaa
الصف 3الثانوى
قصة «األيــام»
2023 – 2024
الفهرس
األيــــــام (الجــزء األول)
مجمل األحداث
وي ُ
رجح أ نه كان فى الفجــر أ و العشـاء. -1يـــوم مجهول(٭) ال ْيذ ُ
كر وقته ُ
قـات ْتفكيـره العميق وسماعه ْ
لصوت الشاعر.
ْ ُ
-3أ و ُ
السياج واأل ُ
رانب.
ُ
من ذكريات ُطفولته:ْ -2
تفصيل األحداث
وي ُ
رجح أ نه كان ىف الفجـر أ و العشاء 1يوم مجهول ال ْيذ ُ
كر وقته ُ
ًْ يستطيع أن يذكر ْ ُ ُ ْ
من هذا اليوم وقتا ُ حيث وضعه ُ
هللا من الشهر والسنة ،بل ال يستطيع أن يضعه يذكر لهذا اليوم ْاس ًما ،وال
ال ُ
رجح( )1ذلك: فجره أو فى عشائهُ .ي ُ يقع ْ
من ذلك اليوم فى ْ وأكبر ظنه أن هذا الوقت كان ُ ً
تقريب�اُ . بعين�ه ،وإنما ُي ُ
قرب ذلك
ُ
هب به حرارة الشمس. هواء فيه شىء من البرد الخفيف الذى لم ْتذ ْ وجهه تلقى فى ذلك الوقت ً يذكر أن ْ
( أ )ألنه ُ
ً ً
ورا هادئا خفيفا يذكر أنه تلقى حين خرج من ْال ْبيت ُن ً ُ جهله حقيقة النور والظلمةُ ،
يكاد (ب)ويرجح ذلك ألنه على ْ
ْ ْ ً
لطيفا كأن الظلمة تغىش( )2بعض حواشيه(.)3
ً ً ً
حوله حركة يقظة قوية، من ْ يكاد ْيذ ُكر أنه حين تلقى هذا الهواء ،وهذا الضياء لم ْ
يأنس(ْ )4 (جـ)ثم يرجح ذلك؛ ألنه ُ
ْ ً ً
ستيقظة ْ ً
من ْنوم أو ُمقبلة عليه. وإنما آنس حركة ُم
ُ
السيــاج واأل ُ ُ ْ
رانب من ذكريات ُطفولته: 2
ْ وإذا كان قد بقى له ْ
من هذا الوقت ذكرى واضحة بين�ة ال سبي�ل إلى الشك فيها ،فإنما هى ذكرى هذا السياج( )5الذى كان
يكن بين�ه وبين باب الدار إال ُخ ُطوات قصار .هو يذكر هذا السياج كأنه رآه أمسُ .
يذكر أن يقوم أمامه من القصب ،والذى لم ْ ُ
ُ ْ قصب هذا السياج كان أطول ْ
ويذكر أن قصب هذا السياج كان من قامته فكان من العسير عليه أن يتخطاه إلى ما وراءه.
ويذك ُر أن قصب هذا السياج كان يمتد ْ ُ ْ َّ ُ ً
تالصقا ،فلم ْ ُم ْق ً
عن شماله يستطيع أن ينسل( )6فى ثن�اياه(.)7 يكن تربا كأنما كان ُم
نهاية ،وكان يمتد عن يمين�ه إلى آخر الدني�ا ًْ إلى حيث ال ُ
من هذه الناحية. يعلم له
ْ ْ ْ ً ُ
قناة عرفها حين تقدمت به السن ،وكان لها فى حياته وكان آخر الدني�ا من هذه الناحية قريب�ا ،فقد كانت تنتهى إلى ٍ
ُ ْ
-أو قل فى خياله -تأثير عظيم.
يخرج منها ،وتتخطى السياج ْوث ًب�ا ْ
من فوقه،
ْ
رج من الدار كما تخ ُ ْ ْ ُ
يح ُسد األرانب التى كانت يذكر هذا كله ،ويذكر أنه كان
ً ُ ُ ُ ْ ُ ُ ْ ُ أو ْان ً
سيابا( )8بين قصبه ،إلى حيث تقرض( )9ما كان وراءه من نب ٍت أخضر ،يذكر منه (الكرنب) خاصة.
( )5السياج :ما حييط َ بالىشء من خشب أو حديد أو شجر أو بن�اء (وهو (٭) اليوم املشار إليه :أول ما يت�ذكر من احلياة.
ْ َ ٌ ُ ٌ
وسوج. السور) ،اجلمع :أس ِوجة (ُ )1يرجح :يؤيد.
( )6ينسل :خيرج وينفذ. ( )2تغىش :تغطى.
()7ثن�اياه :تضاعيفه ،المراد :فتحاته ،المفرد :ثني�ة. ( )3حواشيه :جوانب�ه ،املفرد :حاشية.
ً ُ ً
انسيابا :دخول ىف هدوء. ()8 ( )4يأنس :املراد :حيس ،املضاد :يستوحش.
ْ
( )9تقرض :تقطع.
3
قــات ْتفكيـره العميق وسماعه ْ
لصوت الشاعر
ْ ُ
3أو
َّ
وتعشى ُ ُ ُ
الناس ،فيعتمد( )10على قصب هذا السياج، الشمس ثم يذكر أنه كان ُيحب الخروج من الدار إذا غربت
ْ َّ صوت الشاعر قد جلس على مسافة ْ ُ رقا( )11فى التفكير ،حتى ُيرده إلى ما ْ ُ ً ُ ْ ً
من شماله ،والتف حوله ٍ حوله مفكرا مغ
ُ ُ ُ ْ ُ ْ ْ ْ ُ
الناس ،وأخذ ينشدهم فى نغمة عذبة غريب�ة أخبار (أبى زيد ،وخليفة ،ودياب) ( ،)12وهم سكوت إال حين يستخفهم()13 ُ ُ
ٍ ٍ ٍ ٍ
ُ ْ ُ ْ ُ
الشـاعـر حتى يفرغوا من ويتمارون( )16ويختصمـون ،ويسكت الشهوة( ،)15فيستعيدون الطرب أو تستفزهم()14
ُ العذب بنغمته التى ال ُ ْ ُ
تتغير. تكاد طويل ،ثم يستأنف إنشاده ٍ قصـير أو
ٍ وقت
لغطهم بعد ٍ
ٌ ٌ
يـــه
تؤذ ِ 4ذكريـــات أليـــمـة ِ
سي ُ حسرة الذعة()17؛ ألنه كان ُيقدر ْأن ُ موقفه من السياج إال وفى ْنفسه ْ ْ ُ ً
ليلة إلى ْ ثم ُ
قطع عليه يذكر أنه كان ال يخرج
ْ ُ ُ
فتشده ْ ُ ْ ُ ْ
ذراعيها فتحمله ْبين فيم ُ
تنع عليها، من ثوبه ْ الدخول فيأبى ُ
فتخرج استماعه لنشيد الشاعر حين تد ُعوه أخته إلى ُ
عيني�همد( )19هذه إلى ْ ْ ُ
نيمه على األرض وتضع رأسه على فخذ أمه ،ثم تع حيث ُت ُ ُ
وتعدو به إلى كأنه الثمامة(ْ ،)18
ُ ْ ً
سائل ُيؤذيه وال ُي ْجدى عليه ً ْ ً الم ْظ ْ
خيرا ،وهو يأ ُلم ولكنه ال يشكو وال طر فيهما وتق ُ لمتين فتفتحهما واحدة بعد األخرى، ُ
َّ َّ ْ ُ ْ
يبكى؛ ألنه كان يكره أن يكون كأخته الصغيرة بك ًاء شك ًاء(.)20
ً
لحافا آخرَ ،وت ُ ُْ ُ ُ ُْ ثم ُ
ذره()21 حصير قد ُبسط عليها لحاف ،وتلقى عليه ٍ نيمه أخته على ينقل إلى زاوية فى ُح ْجرة صغيرة ،فت
ُْ ُ ْ يكاد يخترق به الحائط لعله ْ مدا ُ ْ ُ ًّ وإن فى نفسه لحسرات ،وإنه ُ
الحلوة التى تطيع أن يصله بهذه النغمات يس ليمد سمعه ٍ
ُ ومن ْ والناس ني�امْ ،
ُ ُ ُ رددها الشاعر فى الهواء الطلق ْ ُي ُ
حوله إخوته النوم ،فما ُيحس إال وقد استيقظتحت السماء ،ثم يأخذه ُ
ْ ْ وأخواته ُيغطون(ُ )22في ْسرفون فى الغطيطُ ،فيلقى اللحاف ْ ُ
وتردد؛ ألنه كان يك ُره أن ين�ام مكشوف ٍ خيفة
ٍ عن وجهه فى
ْ
الوجه.
ُ
( )19تعمد :تقصد. ( )10يعتمد :يستن�د.
ً ً ً
شكاء :كثري الشكوى. ( )20 ( )11مغرقا :املراد :متعمقا.
َ
شخصيات ثالث لها مواقف بطولية خيالية اختذها أهل الريف ( )21تذره :ترتكه .الماىضَ :وذ َر. ً
()12
ْ مجال للتسلية.
( )22غط النائم :تردد نفسه العاىل حىت يسمعه من حوله.
( )13يستخفهم :يهزهم )14( .تستفزهم :تثريهم.
(ْ )23تع ُمر :تمأل.
( )15الشهوة :الرغبة )16( .يتمارون :يتجادلون.
( )24أوت :جلأت. ( )17الذعة :شديدة مؤملة.
ْ
( )18الثمامة :نبت ضعيف يشبه اخلوص .اجلمع :الثمام ،املراد )25( :كهفها :املراد :مكان غروبها.
(ُ )26
السرج :املصابيح ،املفرد :السراج. خفة وزنه.
( )33الضجيج والعجيج :الصياح ورفع الصوت. ( )27حيفل :يهتم ،املضاد :يغفل.
ْ
( )34اإلبريـق :إنـاء لــه أذن وخرطوم َين َص ُّب منه السائل. ( )28ينقصم :يتحطم وينكسر.
ُ ُ
( )35ختفت :تسكن وتضعف وتهدأ. ( )29حصن :ملجأ ،اجلمع :حصون.
(ِ )36و ْر َده :الدعاء الذى كان يدعو به عقب كل صالة. ( )30السحر :وقت السحور قبل الفجر.
ُ
الفراش :ما يفرش من متاع البيت ،اجلمع :الف ُرش. (ِ )37 ( )31األوجال :املخاوف .املفرد :الوجل.
( )38انسابت :جرت وجالت. ُ
جرارهن :املفرد :جرة ،وهى وعاء من الفخار. ()32
5
الفصل الثانى
ُ
ذاكرة صبىٍّ الجزء األول
مجمل األحداث
ُ
-2القناة فـى خيال الصبــى. -1حقـيـقة القنـاة.
سمكة.ٍ -3الصبى يتمنى أ ن يجد خاتم (سليمان) فى ْبطن
ُ ُ ْ ُ
-5ذاكرة اإلنسان وأ ْحداث الطـفولة. ناحية.
ٍ من كل ُ
مخاطر على شاطئ القناة -4
ُ ْ
-6الصبى يعبر القناة علـى كتف أحد إخــوته.
تفصيل األحداث
ُ
1حقـيــــقة القنـــاة
ْ ُ ُ ًّ
طمئن�ا إلى أن الدني�ا ْتنتهى ْ
معدودة ...ولم ال؟ وهو يك ْن بين�ه وبينها إال خ ُطواتعن يمين�ه بهذه القناة التى لم ُ كان ُم
من ْإحدىالنشيط ْأن يثب ُْ ُ
يستطيع الشاب
ُ ِّ ُ
عرض هذه القناة ،ولم يك ْن ُيقد ُر أن هذا العرض ضئي�ل بحيث يك ْن يرى ْ ُ
لم
من وراء هذه القنــاة على ْتتصل ْ
ُ ِّ ْ
نحو ما هى يكن ُيقد ُر أن حياة النــاس والحيوان والنب�ات الحافتيــن فيبلغ األخرى ،ولم
ُ ُ ُِّ الماء ْ ُ ْ ً
يعبر هذه القناة ُم ْمتلئة ُدون أن يبلغ ُ ْ
يستطيع أن ُ
ُ ولم ْ
يكن ُي ُ من ُدونهاْ ،ْ
إبطيه ،ولم يكن يقدر أن الماء قدر أن الرجل
ْ ُ ُ ْ من حين إلى حين ْ ينقطع ْ
عن هذه القناة ،فإذا هى ُحفرة ُمستطيلة ْيعبث فيها الصبي�ان ،ويبحثون فى ْأرضها الرخوة عما ٍ ٍ
ُ
ْ تخلف ْ
من صغار السمك فمات النقطاع الماء عنه.
سمكة
ٍ ٣الصىب يتمىن أ ن جيد خاتم (سليمان) ىف ْبطن
ْ ْ ْ ً ُ ُ ُ
بطفل ،حتى تزدرده ازدرادا ،والتى قد ُيت�اح لبعض األطفال أن يظفروا ُ
ومنها هذه األسماك الطوال العراض التى ال تكاد تظفر ٍ
يسعى إليه ُدون ْلمح البصر خادمان من الجن أصبعه حتى ْ دير ُه فى ْ ُ
اإلنسان ُي ُ الم ْلك ،ذلك الخاتم الذى ال ُ
يكاد فى ُبطونها بخاتم ُ
(سليمان) ُفيسخر له الجن والريح وما يشاء ْ
من قوى الطبيعة. يتختمه(ُ )٢
ُ ْيقضيان له ما ُ
يشاء ،ذلك الخاتم الذى كان
َ من هذه األسماك ْتز ُ سمكة ْ ً ْ
درده فيظفر فى ْبطنها بهذا الخاتم ،فقد وما كان أحب إليه أن يهبط فى هذه القناة لعل
أحد ْ ُ يطمع على أقل ْتقدير فى ْأن ْ ُ ْ ُ ً ُ ْ
هذين الخادمين إلى ما وراء هذه القناة يحمله ٍ ألم يكن كانت حاجته إليه شديدة ....
ْ ْ يخشى ً ْ
كثيرا من األهوال قبل أن يصل إلى هذه السمكة المباركة. ليرى بعض ما هناك من األعاجيب؟ ولكنه كان
ُ
يتختمه :يلبسه. ()٢ (ْ )١تز ُ
درد :تبتلع.
ُ ُ
٥ذاكـرة اإلنـسـان وأ ْحــداث الطـفـولـة
ُ ُ ُ ُ ْ
تتمثل حاول ْاستعراض( )٧حوادث الطفولة ،فهى ولكن ذاكرة األطفال غريب�ة ،أو قل إن ذاكرة اإلنسان غريب�ة حين ت
ُ ْ ُ ْ
اآلخر كأن لم يكن جليا( )٨كأن لم ْيمض ْبينها وبين�ه من الوقت شىء ،ثم َي َّمحى منها ْبعضها واضحا ًّ
ً بعض هذه الحوادث
بينها وبين�ه ْ
عهد.
ً ْ بسط ْوالمزرعة التى كانت ْتن ُ ْ ْ ُ
من ورائه ،والقناة التى كانت تنتهى إليها الدني�ا( ،وسعيدا، يذك ُر صاحبن�ا (السياج)،
ْ
فر من ذلك بشىء .وكأنه قد نام ذات ليلة ثم حاول ْأن يت�ذكر مصير هذا ُكله فال ْيظ ُ ُ وكوابس ،وكالب العدويين) .ولكنه ُي
ً ً ً ْ ً ً أفاق ْ
سياجا وال مزرعة (وال سعيدا ،وال كوابس) ،وإنما رأى مكان السياج والمزرعة ُبيوتا قائمة وشوارع من ْنومه فلم َير
كثيرا من الذين كانوا قصيرا من الشمال إلى الجنوب ،وهو ْيذ ُكر ً ً ً
جسر القناة ُم ْمتدة امتدادا من ْ ً
نظمةْ ،تنحدر ُكلها ْ ُم
ُ ً يس ُكنون هذه ُ
البيوت رجال ونساء ،ومن األطفال الذين كانوا ْيعبثون فى هذه الشوارع. ْ
ْ ْ ْ ً ً ُ ْ ْ ُ
(سعيد)
ٍ يستطيع أن يتقدم يمين�ا وشمال على شاطئ القناة ُدون أن يخشى كالب العدويين أو مكر وهو يذك ُر أنه كان
من نغمات (حسن) الشاعر
ْ ْ
تهجا بما سمع
ً
سعيدا ُم ْب ً من نهاره على شاطئ القناة وامرأته ،وهو ْيذ ُكر أنه كان ْيقضى ساعات ْ ْ
ٍ
ليسقى به ْزرعه على الشاطئ اآلخر للقناة. بشادوفه(ْ )٩فع الماء ُ
يتغنى بشعره فى (أبى زيد وخليفة ودياب) ،حين ْير ُ
7
الفصل الثالث
ْأســـــــرتـــــــــى الجزء األول
مجمل األحداث
ُ
ُ
وإحساسه بذلك. -1مكانة الصبى بين أ ْسرته ،ومعاملتها له،
-2رحمة وإهمال واحتي�اط.
ْ ُ
-3الصـبــى يكتشف سبب هذه المعاملـة.
تفصيل األحداث
ُ
ُ
وإحساسه بذلك 1مكانة الصىب بني أ ْسرته ،ومعاملتها له،
ْ من أبن�اء أبي�ه ،وخامس أحد عشر ْ
كان سابع ثالثة عشر ْ
عر بأن له ْبين هذا العدد الضخم من
يش ُ من أشقته .وكان
ْ ُ ْ ُ
يمتاز ْ ً
من مكان إخوته وأخواته .أكان هذا المكان ُي ْرضيه؟ أكان ُيؤذيه؟ الحق أنه ال مكانا ًّ
خاصا()1 الشباب ْ
واألطفال
ً ْ ْ ُ ُُ
يحكم فى ذلك ُحك ًما صادقا. ُ
يستطيع اآلن أن وإبهام( ،)2والحق أنه ال
ٍ وض ُ
يتبين ذلك إال فى غم ٍ
الصـبــى ْ
يك ُ
تشف سبب هذه املعاملـة ٣
ْ ْ ً كله؛ فقد َّ بث ْأن تبين سبب هذا ُ ْ ْ ْ
أحس أن لغيره من النـــاس عليـــه فضـــا( ،)7وأن إخـوتـــه وأخواته على أنه لم يل
ْ ُ ُ ْ َّ ُ ُ ْ ُ
تحظرها وأحس أن أمه تأذن إلخوته وأخواته فى أشياء يســتطيع ،وينهضون من األمر لما ال ينهض له. يســتطيعون ما ال
ْ ُ ْ ْ ْ ()9 ُ ْ ُ ()8
عميق؛ ذلك أنه سمع إخوتهصامت ٍٍ زن
عليه ،وكان ذلك يح ِفظه ،ولكن لم تلبث هذه الحفيظة أن استحالت إلى ح ٍ
يصفون ما ال علم له به ،فعلم أنهم ُْ
يرون ما ال يرى.
9
الفصل الخامس
الشيــخ الصغيــــر الجزء األول
مجمل األحداث
ْ ُ
عهد آخر ْبين سيدنا والعريف.
عهد وثيق بين سيدنا والصبىْ -3 .
حفـظ القـرآنْ -2 . ْ -1فرحة سيدنا بالصبى عندما ْاستعاد
تفصيل األحداث
ْ ْ ُ
فرحة سيدنا بالصىب عندما ْاستعاد حفـظ القـرآن 1
ْ ً ً ً ُ َّ ُ
مبتهجا ،فدعا الشيخ الصبى بلقب (الشيخ) هذه المرة قائل :أما اليوم ،فأنت مسرورا أقبل سيدنا إلى الكتاب
ْ ْ ْ ً ُْ
لحيتى(ْ )2أمس ،واضطر أبوك إلى أن ُيعطينى وشرفت ْ وجهى()1 وبيضت ْ تستحق أن تدعى شيخا ،فقد رفعت رأسى ْ
ُ ُ ُ ْ ْ ُْ ُ ُ ُ ْ
ال ُجبة .ولقد كنت تتلو القرآن أمس كسالسل الذهـب .وكنت على النار( )3مخافـة أن تزل( )4أو تنحرف ،وكنت أحصنك
ُ
بالحى القيوم( )5الذى ال ين�ام حتى انتهى هذا االمتحان .وأنا أ ْعفيك اليوم من القراءة.
ْ
عــهــد وثيـق بني سـيـدنــا والــصبـى ٢
على الوفاء .قال سيدناْ :
وفيا .قال الصبى فى استحياء :لك َّ فعدنى بأن تكون ًّْ ً ُ ْ ُ
فأعطنى ولكن أريد أن آخذ عليك عهدا،
شعر ُتغ ُ
ؤه ْ ْ ُ ْ َ
ور مل ُ يدك .وأخذ بي�د الصبى .فما راع( )6الصبى إال شىء فى يده غريب ،ما أحس مثله ق ُّط ،عريض يترجرج
ُ ُ ُ
لحيتى أ ْس ُلمك إياها ،وأريد أال تهينها ،فقل:لحيت�ه وقال :هذه ْ فيه( )7األصابع ،ذلك أن سيدنا قد وضع يد الصبى على ْ
ْ ُ ُ ً
«وهللا العظيم -ثالثا -وحق القرآن المجيد ال أهينها» .وأقسم الصبى كما أراد سيدنا .حتى إذا فرغ من قسمه قال له
من ْيوم؟ قال الصبىْ : ُ
الكتاب ْ ُ ْ ْ
خمسة أيام .قال نشتغل فى من ُجزء؟ قال :ثالثون .قال سيدنا :وكم سيدنا :كم فى القرآن
ُ ْ ْ ْ ْ
سيدنا :فإذا أردت أن تقرأ القرآن مرة فى كل أسبوع ،فكم تقرأ من ج ٍزء كل يوم؟
ْ ُ ْ ُ ُْ قليل ثم قال :ستة ْ ً َّ
سم لتتلون على (العريف)( )8ستة أجزاء من القرآن فى كل أجزاء .قال ســيدنا :فتق فكر الصبى
ُ َّ ْ ُ
يوم من أيام العمل ،ولتكونن هذه التالوة أول ما تأتى به حين تصل إلى الكتاب ،فإذا فرغت منها فال ُجناح( )9عليك أن
تصرف الصبي�ان عن ْأعمالهمْ ..أعطى الصبى على نفسه هذا العهد. ْتل ُهو وتلعب ،على أال ْ
ْ ْ
عـهـد آخـر بي سيدنـا والـعـريـف ٣
مثلهُ ،لي َس ِّمعن للصبى فى كل يوم ستة أجزاء من القرآنْ ،ً ْ
وأودعه شرفه ،وكرامة ٍ ودعا سيدنا (العريف) فأخذ عليه عهدا
ُ ُ ُ ُ ُ َّ
وي ْعجبون.
وصبي�ان الكتاب ينظرون َ
المنظر ْ
ُ وقبل العريف الوديعة( .)10وانتهى هذا ْ
لحيت�ه ،ومكانة (الكتاب) فى البلدِ ،
ُ ْ
( )7تغور فيه :تدخل ىف سهولة وتغوص. ( )1بيضت وجهى :املرادْ :أسعدتىن.
ُ َّ ْ ْ
( )8العريف :مساعد شيخ الكتاب الذى يقوم مقامه عند غيابه، ( )2شرفـــت حليتـــى :املـراد :أكرمتىن ورددت ىل احرتاىم ووقارى.
العرفاء.فريعى الصبي�ان ،اجلمعُ : ً ُ ً ُ
( )3كنت على النار :املراد :أنه كان قلقا خائفا أن يطئ الصىب عند امتحانه.
( )9ال جناح :ال إثم وال ذنب. ( )4تزل :ختطئ ،املضاد :تصيب.
َّ
( )10الوديعـة :املـراد :شــرف الشيــخ وكـرامــة لحيت�ه ومكانة الكتاب. ()5أحصنك بالىح القيوم :املراد :أدعو هللا أن حيميك من الوقوع ىف اخلطأ.
جـمـع الوديعة :الودائع. َ
( )6راع :أفزع وأخاف ،واملضاد :طمأن.
مجمل األحداث
-2الصبى ُي ْظ ُ
هر ُع ُيوب ِّ ِّ ُ
سيدنا والعريف. -1فقيه جديد ُيحفظ الصبى فى البيت.
ْ ً ُ -4الصبى ُيع ُ ُ ُ -3ش ُع ُ
ود إلى الكتاب مرة ثالثة ليستعيد حفظ القرآن. لـــم تــــــد ْم.
ـور الـصـبى بسعـادة ْ
ٍ
ُ -5دروس تعلمها الصبى.
تفصيل األحداث
فقيه جديد ُي ُ
فظ الصىب ىف الــبيت 1
ً ُ ُ تلف إلى ْْ ُ ألن ً َّ ُ َّ انقطع(ّ )1
البيت فى كل يوم؛ فيتلو فيه سورة من القرآن مكان سيدنا. فقيها آخر يخ الصبى عن الكتاب
ُ ْ ًّ ْ ُ ْ
ويل ُ ً ُْ ُ
الفقيه الجديد .حتى إذا عب فى البيت متى انصرف عنه ويقرئ الصبى ســاعة أو ساعتين .وظل الصبى حرا يعبث
ْ ُ َّ ُ ُ َّ أصحاب ُه ورفاقه ُم ْن َ كان ْ
الكتاب ،فيقصــون علـيه مــا كــان فى الكتاب ،وهـو يل ُهـو بـذلك، صر ُ
فهم من ُ العصر أقبل عليه
ُ َّ ْ ُ
ويعبث بهــم وبكتابهــم ،وبسيدنا وبالعريف.
٢الصىب ُي ْظ ُ
هر ُع ُيوب ّ
سيدنا والعريـف
الكتاب ْ ُ بت( )2بين�ه ْ ْ َّ ُ
ومن فيه ،فلن ُيعود إليه ،ولن يرى الفقيه وال العريف. وبين وكان قد خيل إليه أن األمر قد ان
ُ ُ ْ هر ْشنيعا( ،)4وأخذ ُي ْظ ُ ً
لسانه من ُعيوبهما وسيئ�اتهما ما كان ُيخفيه ،وما له ال ُي ْطلق ً الرجلين ْإطالقا
فأطلق لسانه( )3فى ُ ْ
ْ
الرجلين ،وليس ْبين�ه وبين السفر إلى القاهرة إال شهر واحد؟ فسيعود أخوه األزهرى من القاهرة بعد أيام؛ حتى إذا ْ فى
ُ
أخبار الفقيه والعريف. وحيث ْتن ُ
قطع عنه
ُ بح ُم ً
جاورا(،)5 اصطحبه إلى األزهر ،حيث ُي ْص ُ قضى إجازته ْ
ً
فظيعا ،اجلمع :شنائع. ً
شنيعا: ()4 ( )1انقطع عن :توقف عن الذهاب.
ً َ ْ َ ً
( )5مجاورا :من يعيش ِمن الطالب جبوار األزهر طلبا للعلم فيه. ( )2انبت :انقطع ،املضاد :اتصل.
( )6أترابه :أمثاله وزمالؤه ،جمعْ :ترب. ( )3أطلق لسانه فيهما :املراد :عابهما.
11
طق ً ُ ْ ُ ولكن هذه السعادة لم ُتد ْم إال ْ
صبرا على هذه القطيعة ،ولم ريثما يعقبها( )7شقاء شنيع؛ ذلك أن سيدنا لم ي
ُ ُ ُ ْ
يتوسل بفالن وفالن إلى الشيخ .وما هى إال أن النت يستطع أن يحتمل انتصار (الشيخ عبد الجواد)( )8عليه ،فأخذ
ُ
قناة الشيخ(.)9
فر ٍق
ً
أبدا؟ وها ُهو ذا قد عاد ،وأى ْ ُ َّ
يكن الشيخ قد أقسم أال يعود الصبى إلى الكتاب عهد .ألم ْ يأخ ُذون أنفسهم به ْ
من ْ ُ
وما
ً ويحنث( )11وبين سيدنا ُيرسل الطالق ْ ُ سم ْ ْ
بين الشيخ ُيق ُ
واأليمان( )12إرسال ،وهو يعلم أنه كاذب؟ وهؤالء الصبي�ان ِ
ظفروا منه( )14بذلكُ ، (ْ )13
بشتمهما ،حتى إذا ُ ْ ُ
تقربوا به إلى الرجلين يتحدثون إليه فيشت ُمون له الفقيه والعريفُ ،ويغرونه
ْ ُ
الصبي�ان، سيدنا حين أقبل يتحدث إليها بما نقل إليه حك منهُ ،وت ْغرى به ّ
ْ ُ َ
وابتغ ْوا( )15به إليهما الوسيلة( .)16وهذه أمه تض
ُ
يغيظونه ُ عيدون عليه مقالة (سيدنا) ْ (ُ ُ )17 ْ ُ ْ ُ
ويثيرون سخطه( .)18ولكنـه حين،
ٍ إلى حين
ٍ من وي ، به ون مت وهؤالء إخوته يش
وليس بين�ه وبين فراق هذه البيئ�ة كلها ،إال شهر أو بعض يصبر وال يتجلدَ ، صبر وجلد .وما له ال ْ
ْ ْ ُ
كـان يحتمـل هـذا كلـه فـى ٍ
شهر؟! ْ
( )13يغرونه :يشجعونه ويزينون له األمر. (ْ )7ريثما يعقبها :يأىت بعدها.
( )14ظفروا منه :املراد :أنه استجاب لهم. ( )8الشيخ عبداجلواد :اسم الفقيه اجلديد الذى أىت إليه ىف بيت�ه.
ْ
( )15ابتغوا :طلبوا. ( )9النت قناة الشيخ :املراد :أن والده رىض عن سيدنا بعد غضبه
ُ
( )16الوسيلة :ما يتقرب به اإلنسان إىل غريه ،اجلمع :الوسائل. عليه.
( )17يشمتون به :يفرحون ىف مصيبت�ه. ( )10اخلطل :قلة العقل وفساده.
( )18سخطه :غضبه ،املضاد :رضاه. ( )11حينث :يكذب وال ينفذ قسمه .املضاد :يصدق.
( )12األيمان :جمع :اليمني ،وهو احللف والقسم.
مجمل األحداث
سنة ُأ ْخرى فى ْ
القرية.
ً
بقاء الصبىُ -1
ُُ
المتون. بحفظ األ ْلفية ْ
ومج ُموع
ْ ُ ُ ُ
-2استعدادات الصبى لدخول األ زهر
مولد النبى ﷺ ومظاهر االحتفاء به. -3أ ُخوه األ ْزهرى فى ْاحتفال ْ
تفصيل األحداث
سنة ُأ خرى ىف ْ
القرية
ً ُ
بقاء الصىب 1
ّ ُ
حيث هو كما ُهو ،لم ُي ْ
سافر إلى األزهر ،ولم يتخذ ولكن الشهر مضى ،ورجع األزهرى( )1إلى القاهرة ،وظل صاحبن�ا
ُ
إرساله إلى القاهرة ،ولم يكن ُ ُ ً (جبة أو قفطان)؛ كان ال ُ العمة ولم يدخل فى ُ
أخوه يحب صغيرا ،ولم يكن من اليسير يزال ِ
ْ ً ْ ْ ْ
أن يحتمله ،فأشار بأن يبقى حيث هو سنة أخرى ،فبقى ولم يحفل أحد برضاه أو غضبه.
ُُ
المتــون حبفظ األ ْلفيـة ْ
ومج ُمــوع
ْ ُ
٢استعدادات الصىب ُلد ُخـول األ زهر
ْ ُ ْ
على أن حياته تغيرت بعض الشىء ،فقد أشار أخوه األزهرى بأن يقضى هذه السنة فى االستعداد لألزهر ،ودفع إليه
ً ُ ً (ْ ْ )2 ْ ْ ُ
هر( )3من اآلخر ُصحفا ُمختلفة. تظ ُ يحفظ أحدهما جملة ،ويس كتابين
ُ ُ ُ ُ ْ ُ ْ ٌّ ُ ُ
ابن مالك)( ،)4وأما الكتاب اآلخر فمجموع (المتون)( ،)5وأوصى فأما الكتاب الذى لم يكن بد من حفظه كله (فألفية ِ
ً ْ
األزهرى قبل سفره بأن يب�دأ بحفظ (األلفية) ،حتى إذا فرغ منها وأتقنها إتقانا ،حفظ من الكتاب اآلخر أشياء غريب�ة ،بعضها
ْ ُ ّ ُ ْ ُ
وبعضها ُيسىم (الرحبي�ة) ،وبعضها ُيسىم (السراجية) وبعضها ُيسىم (اخلريدة) ،وبعضها يسىم ُيسىم (اجلوهرة)،
ً
معن ،ألنه ُي ُ من ْنفس الصىب مواقع تي�ه( )6وإعجاب؛ ألنه ال ْيف ُ تقع ْ األسماء ُ
ُ
قدر هم لها (المية األفعال) ،وكانت هذه
ْ عالما وظفر بهذه املكانة ُ العلم ،وألنه ْيعلم أن أخاه األزهرى قد حفظها وفهمها ،فأصبح ً ْ ُ
الممتازة ىف نفس أنها تدل على
ْ جميعا يتحدثون ْ ً ُ جميعا؛ ْ
ً
بعودته قبل أن يعود بشهر ،حىت إذا جاء أقبلوا إليه فرحني ألم يكونوا أبويه وإخوته وأهل القرية
ُ ْ ً (ُ ُ )7 ُ ْ
ويعيد ُه على الناس ىف إعجـاب وفخار؟ ألم يكن أهل القرية رب كالمه شربا ، يش ُ ُم ْبتهجني ُمتلطفني؟ ألم يكن الشيخ
الـتوحيد أو الفقه؟ وماذا عىس أن يكون التوحيد؟ وماذا عىس ْأن يكون الفقه؟ ثم ْ درسا ىف ْ يتوسلون إليه ْأن يقرأ لهـم ًُ
ألم
ْ ً ً ً ُ ُ ُ
لحا ُم ْستعطفا ُم ْسرفا ىف الوعد ،باذل ما استطاع وما لم يستطع من األماىنُ ،ليلقى على الناس يتوسل إليه ُم ًّ يكن الشيخ
ُ
خ ْطبة اجلمعة؟
ُ
( )5املتون :كتاب صغري يضم أصل العلم وقضاياه الكلية وفروعه ،فنجد ( )1األزهرى :املراد :هو الشيخ الفىت.
ً ً
منه ىف التوحيد (متن�ا) ،والفقه (متن�ا) وهكذا. ()2حيفظ أحـدهمـا جملـة :املراد :حيفظـه جميعه.
ْ ( )3يستظهر :حيفظ.
( )6تي�ه :زهو -فخر ،املضاد :تواضع. ْ
ً
ِ ( )7يشرب كالمه شربا :املراد :اإلعجاب بكالمه وسهولة ترديده.م النظ مـن بيت ألــف مـــن مكــون كتاب مالك: ( )4األلفية البن
يضم قواعد النحو والصرف.
13
٣أ ُخوه األ ْزهرى ىف احتفال ْ
مولد النىب ﷺ ومظاهر االحتفاء به
ْ ْ (َّ َ ْ )8 مولد النبى .ماذا لقى األزهرى ْ
ومن ت ِجلة( )9وإكبار؟ كانوا قد اش َتروا من ٍ
إكرام وحفاوة ، ثم هذا اليوم المشهود يوم ْ
ْ ً ومر ُك ً ً
جديداْ ، ْ ً ً
جديداُ ، ً ُ
وبا جديدا ،وكانوا يتحدثون بهذا اليوم وما سيكون منه قبل أن وطربوشا وجبة جديدة، له قفطانا
ً ُ
األسرة إلى طعامها فلم ُت ْ
صب منه إال قليل ،ولبس الفتى ظلهم( )10بأيام .حتى إذا أقبل هذا اليوم وانتصفْ ،أسرعت ُي ُ
ُ الكشميرُ ،
وأمه ُ ْ ً ً ْ
تدعو وتتلو األزهرى ثي�ابه الجديدة واتخذ فى هذا اليوم عمامة خضراء ،وألقى على كتفيه شال من
ُ مضطربا .حتى إذا تم للفتى ْ ً ْ
يخ ُ
من زيه وهيئت�ه ما كان ُيريد ،خرج فإذا فرس ينتظره رج ويدخل جذالن التعاويذ( ،)11وأبوه
وآخرون ْ
يس ْ تنفونه( )13من يمين ومن شمالُ ، ْ ُ بالباب ،وإذا رجال يحملونه فيضعونه على ْ
عون بين السرج( ،)12وإذا قوم يك
من ُكل ناحية ،وإذا الجو يت ُ
�أرج()14 ردن ُْ ْ ْ ُ
من خلفه ،وإذا البن�ادق ت ْطلق فى الفضاء ،وإذا النساء يزغ يديه ،وآخرون ْيم ُشون ْ
ُ ً
بـعرف( )15البخور ،وإذا األصوات ترتفع ُمتغني�ة بمدح النبى ،وإذا هذا الحفل كله يتحرك فى ُب ْط ٍء وكأنما تتحرك معه ْ
ُ ً ُّ ْ ُ ُ ُ
ور .كل ذلك ألن هذا الفتى األزهرى قد اتخذ فى هذا اليوم خليفة( ،)16فهو ُيطاف به فى المدين�ة األرض وما عليها من د ٍ
ٌّ خليفة دون ًْ المهرجان الباهر .وما ُ وما حولها من القرى فى هذا ْ
غيره من الشبان؟ ألنه أزهرى قد قرأ العلم وحفظ باله اتخذ
ْ
والجوهرة والخريدة)! (األلفية
مجمل األحداث
-2أ نواع ُ ُ ُ ُ ُ
اختالف منزلة ُ
العلماء ومكانتهم وتأ ثيرهم فى الناس. والمدن والعاصمة. العلماء فى القرى -1
ْ ُ ُ
-3المنافسة الشديدة بين كاتب المحكمة الشرعية ْ
وبين الفتى األ زهرى.
ُ َّ
مالمح الشخصية الثالثة (شيخ مالكى المذهب). -5 -4مالمح شخصية إمام المسجد الشافعى المذهب.
ثير هؤالء ُ
العلماء على تكوين عقلية الصبى. ثيرهم فى عامة الناس -7 .تأ ُ مالمح ُعلماء غير رسميين لهم ْتأ ُ
ُ -6
تفصيل األحداث
ُ ُ ُ ُ ْ
منلة ُ
والمدن والعاصمة العلماء ىف القرى 1اختالف
ُْ ُ ْ
للعلم فى القرى ُومدن األقاليم جالل ليس له مثله فى العاصمة وال فى بيئ�اتها العلمية المختلفة .وليس فى هذا شىء من العجب
وي ْشترى ،فبينما ُيروح ُ العلم كما يجرى على غيره مما ُيب ُ�اع ُْ ون ُْ ُ
العلماء العرض والطلب(*) ،يجرى على وال من الغرابة ،وإنما هو قان
ُ ُ ُْ ُ ُ ْ
ويغ ُدون فى القاهرة ال ْ
يحفل بهم أحد أو ال يكاد يحفل بهم أحد ،وبينما يقول العلماء فيكثرون فى القول ،ويتصرفون فى فنونه،
ويروحون فى جالل دون ْأن ْيلتفت إليهم أحد غير تالميذهم فى القاهرة ،ترى ُعلماء الريف ،وأشياخ القرى ُوم ُدن األقاليمْ ،يغ ُدون ُ
ْ ْ صاحبن�ا ً ومهابة ،ويقولون ْ
متأثرا بنفسية الريفُ ،يك ُبر العلماء كما ُيك ُبرهم ُ تمع لهم الناس مع شىء من اإلكبار ُمؤثر جذاب ،وكانفيس ُ ٍ
ً ُ ُ ()١ ُ ُ ُ ُْ
ممتازة غير الطين�ة التى فطر منها الناس جميعا.
ٍ نقية
الريفيون ،ويكاد يؤمن بأنهم فطروا من طين ٍ�ة ٍ
أ نــواع ُ
العلـمـاء ومكانتهم وتأ ثيـرهـم فـى الناس 2
ْ ْ
شىء من اإلعجاب والدهش ،حاول أن يجد مثله فى القاهرة أمام كبار العلماء فيأخ ُذه ُْ
وكان يسمع لهم وهم يتكلمون
ْ
وجلة( )٢الشيوخ فلم ُيوفق.
أحدهم فكان ً ُ
كاتب�ا فى المحكمة كان علماء المدين�ة ثالثة أو أربعة قد تقسموا فيما بينهم إعجاب الناس ومودتهم؛ فأما
ُ ُْ ْ ُ جه َّ ضخما ،غليظ الصوتْ ، ً ً
وريه( ،)٣يمتلئ شدقه( )٤باأللفاظ حين يتكلم؛ فتخرج إليك هذه األلفاظ قصيرا الشرعية،
ُ ُْ ُ ُ ْ ُ ْ ً
ضخمة كصاحبها ،غليظة كصاحبها ،وتصدمك معانيها كما تصدمك مقاطعها .وكان هذا الشيخ من الذين لم يفلحوا
ْ ْ
فى األزهر؛ قضى فيه ما يشاء أن يقضى من السنين ،فلم ُيوفق إلى العا ِل ِم َّية( )٥وال إلى القضاء ،فقنع بمنصب الكاتب فى
ُ ْ ُ ُ ً ُ
يستطيع أن يجلس فى قضاء أحد األقاليم ،ولم يك ْن هذا الشيخ ُ قاضيا ممتازا ،قد ُجعل إليه ً المحكمة ،على حين كان أخوه
ْ ُ ْ
مجلس إال فخر بأخيه وذم القاضى الذى هو معه .كان (حنفى المذهب) ،وكان أتب�اع (أبى حنيفة) فى المدين�ة قليلينْ ،أو
ْ وي ْح ُنقه على ُخ ُصومه ُ ُ ْ ُ
العلماء اآلخرين ،الذين كانوا يتبعون يغيظه ُ ْلم يك ْن (ألبى حنيفة) فى المدين�ة أتب�اع؛ فكان ذلك
ْ ً ُ ً ُ ً
وطالبا للفتوى عندهم ،فكان ال يدع فرصة إال َم َّجد فيها فقه ً (الشافعى أو مالكا) ويجدون فى أهل المدين�ة صدى لعلمهم،
ُ ْ َ ٌ ْ ْ َ َّ
أذكياء؛ فلم يك ْن يخفى عليهم أن الشيخ إنما ُ وأهل الريف َمك َرة ُ من فقه (مالك ،والشافعى). (أبى حنيفة) ،وغض فيها
ْ ُ ُ ْ ويأتى ما يأتى من األمر ُم ً ْ ُ
والموجدة( ،)٦فكانوا يعطفون عليه ،ويضحكون منه. ِ تأثرا بالحقد يقول ما يقول،
15
ْ ْ ُ
الشديدة بني كاتب املحكمة ْ ُ
الشرعية وبي الفىت األ زهرى 3املنافسة
ْ ً ُ ْ ً ً ُ
سنة ،فغاظه أن ُينتخب هذا الفتى نتخب خليفة فى كل ٍ األزهرى .كان ُي ُ وكانت المنافسة شديدة عنيفة بين هذا الشيخ وبين الفتى
يوم ُ شيئ�ا ،حتى إذا كان ُُ ْ ً ُ ُْ ُ خليفة ُدونه ،ولما تحدث ُ ً
الجمعة سيلقى خطبة الجمعة ،سمع الشيخ هذا الحديث ولم يقل الناس أن الفتى
صوت سمعه ُ ْ ُ ْ ُ ُ ْ
الناس« :إن هذا وامتأل المسجد بالناس؛ وأقبل الفتى يريد أن يصعد المنبر ،نهض الشيخ حتى انتهى إلى اإلمام وقال فى ٍ
ْ ْ ْ حديث السن ،وما ينبغى له أن ْ ُ
يصعد المنبر وال أن يخ ُطب ،وال أن ُيصلى بالناس وفيهم الشيوخ وأصحاب األسنان( ،)٧ولئن الشاب
ْ ُ ْ ُ ً
خليت بين�ه وبين المنبر والصالة ألنصرفن» ..ثم التفت إلى الناس وقال« :ومن كان منكم حريصا على أال تبطل صالته فليتبعنى».
ْ َ ُ ْ ْ ُ ُ ُ ُ
وحيل( )٨بين الفتى وبين المنبر هذا سمع الناس هذا فاضطربوا ،وكادت تقع بينهم الفتن�ة لوال أن نهض اإلمام فخطبهم وصلى بهمِ ،
الخطبة على أبي�ه ْ ُ الخ ْطبة واستعد لهذا الموقف ً ُ ْ
غير مرة ،وكان أياما ُمتصلة ،وتال العام .ومع ذلك فقد كان الفتى أجهد نفسه فى حفظ
ْ ْ ً ُ ً ُ ًْ ُ أبوه ْين ُ
ابتهاجا ،وكانت أمه ُمشفقة تخاف عليه العين ،فما كاد يخ ُرج شوقـا ،وأعظم ما يكون بها تظر هذه الساعة أشد ما يكون إليها
ً جمر وضعته فى إناء ،وأخذت ُت ْلقى فيه ُض ً
روبا من َ إلى المسجد ذلك اليوم ،حتى نهضت إلى ْ
البخور ،وتطوف به البيت ُحجرة حجرة، ٍ
ِّ ً همهم( )٩بكلمات ،وظلت كذلك حتى عاد ْاب ُنها ،فإذا هى ْتل ُ
قاه ْ تقف فى ُكل حجرة لحظات ُوت ْ ُ
من وراء الباب ُمبخرة ُمهمهمة ،وإذا الشيخ ٍ
ُ ْ ُمغضب ْيل ُ
عن هذا الرجل الذى أكل الحسد قلبه ،فحال بين ابن�ه وبين المنبر والصالة.
ْ ْ
٤مالمح شخصية إمام املسجد الشافعى املذهب
ً ُّ ُ
آخر (شافعى) كان إمام المسجد ،وصاحب الخ ْطبة والصالة ،وكان معروفا بالتقى والورع، وكان فى المدين�ة عالم ُ
تمسون عنده شفاء مرضاهم وقضاء
ْ
يتبركون به ،ويل ُُ ْ ْ ٍّ
وإجالله إلى حد ُيش ُبه التقديس ،كانوا الناس فى إكباره ْ
هب ُ ْيذ ُ
ُ ْ
بالخير ،ويتحدثون شيئ�ا من الوالية ،وظل أهل المدين�ة بعد موته سنين ْيذ ُك ُ
رونه
ً ْ
حاجاتهم .وكأنه كان يرى فى نفسه
ُ ً ً ْ ْ
اجعله منزل ُمباركا» .وكانوا يتحدثون ً
جميعا« :اللهم الم ِّ
شي ُعون بصوت سمعه ُ ُم ْقتنعين بأنه عندما ُأنزل فى ْ
قبره قال ْ
ٍ
من نعيم.من حظ هذا الرجل عند هللا ،وما ُأعد له فى الجنة ْ النائم ْ
ُ بما رأوا فيما يرى
ُ ّ ْ
مالمح الشخصية الثالثة (شيخ مالكى املذهب) ٥
ُ ُ ُ ْ ً ُ ْ ْ
يعمل فى حرفة ،وإنما كان ينقطع للعلم وال يتخذه وشيخ ثالث كان فى المدين�ة ،وكان (مالكى المذهب) ،ولم يكـن
الخمس ،ويجلس إلى الناس ْ تلف إلى المسجد ُفيؤدى ْ ْ ُ ُ
من حين إلى حين ،فيقرأ لهم الحديث، ويتجر ،ويخ األرض،
ً ُ ْ ُ َّ ً ُ وي ُُ
فقههم فى الدين متواضعا غير تي ٍ�اه وال فخور ،ولم يكن يح ِفل به إال األقلون عددا.
كالما ًّ
خفيا ،املراد :تدعو هللا. تتكلم ً
ُ ( )٩تهمهم: ( )٨حيلُ :منع. (ْ )٧
أصحاب األسنان :كبار السن.
مجمل األحداث
ْ ْ ُ حياة الصبى َُ
-2أخت الصبى الصغرى ..وصفاتها. بين آالم الحياة وسعادتها. -1
ْ ْ ْ ْ ُ ْ
-4إهمال األ طفال فى الريف. -3استعدادات األ سرة الستقبال العيد.
سيطر على أ سرة الصبى. الح ْز ُن ُي ْ
ُ -6 شبح الموت ُيحلق على دار الصبى. ُ -5
ٌ ٌ ُ ُ
سرة الصبى لوفاة الطفلة.
حياة أ ِ
-8يوم بائس حزين فى ِ -7الطفلة المسكين�ة تعانى سكرات الموت.
ُ ُ المصائب تتوالى على أ سرة َّ
ُ
وباء الكوليرا. -10 الصبى. -9
ْ
-12أم حائرة وأ سرة بائسة. -11اشتداد المرض على أ خيه الـشاب.
ُ ُ ْ ُ ْ ُ ْ ُ
الحزن بدار الصبى. -14استقرار تضر ويلفظ أ نفاسه األ خيرة. -13الشاب يح
ُ ْ ْ
-15الصبى تتغير نفسيت�ه ويقضى حق الوفاء أل خيه.
تفصيل األحداث
َ ُ
وسعادتها
ِ احلياة ِ
آالم بني الصىب حياة 1
ْ المفتش ومجالس ُ والكتاب والمحكمة والمسجد وبيت ُ ُ ْ
اتصلت ُ
العلماء وحلقات الذكر) ،ال أيام الصبى بين (البيت وكذلك
ً ْ ً ُّ َ َ ً ُ ْ ُ ُْ
بالحلوة وال هى بالمرة ،ولكنها تحلو حين�ا وتمر( )1حين�ا آخر ،وتمضى فيما بين ذلك فاترة( )2سخيفة ،حتى كان يوم من األيام هى
ُ ْ ً ْ ْ ْ ُ ُ ًّ
ذاق الصبى فيه األلم حقا ،وعرف منذ ذلك أن تلك اآلالم التى كان يشقى بها ،ويكره من أجلها الحياة ،لم تكن شيئ�ا ،وأن الدهر
ْ ُُ ويحبب إليهم الحياة ُويهون(ْ )3 وي ْؤذيهمُ ،
قادر على ْأن ُي ْؤلم الناس ُ
من ْأمرها على نفوسهم فى وق ٍت واحد.
ْ ْ ُ
٢أخت الصىب الصغرى ..وصفاتـهــا
من ُعمرها .كانت خفيفة الروح طلقة(ْ )4 للصىب أخت هى ُص ْغرى أبن�اء األسرة ،كانت ىف الرابعة ْ ْ
كانت َّ
الوجه ،فصيحة
ً ْ ْ ُ ْ
ساعات طوال فى ْلهو وعبث،ٍ اللسان ،عذبة الحديث ،قوية الخيال ،كانت ْلهو األ ْسرة كلها ،كانت تخلو إلى نفسها
ً عث فى ُكل اللعب التى كانت ْبين يديها ُر ًْ ُ َّ ُ ُ ُ
وحا قوية، تجلس إلى الحائط فتتحدث إليه كما تتحدث أمها إلى زائرتها ،وتب
ُ ُ ً ُ ْ ُ ً ْ ُ ُ
اللعبة امرأة ،وهذه اللعبة رجل ،وهذه اللعبة فتى ،وهذه اللعبة فتاة ،والطفلة بين هؤالء وت ْسبغ( )5عليها شخصية .فهذه
وأخرى فى ْْ ُ
غيظ وغضب ،ومرة ثالثة فى وتصل بينها األحاديث مرة فى ْلهو وعبث، تذهب وتجىء، ُ ً
جميعا األشخاص
ُ ً ُ ُ ُُ
وء واطمئن ٍ�ان .وكانت األسرة كلها تجد لذة قوية فى االستماع إلى هذه األحاديث ،والنظر إلى هذه األلوان من اللعب هد ٍ
ً ُ ُ ُ
ُدون أن ترى الطفلة ،أو تسمع ،أو تحس أن أحدا ْيرق ُبها.
17
ْ ْ
الستقبال العيد استعدادات األ ْسرة
ْ ٣
ُ وأخذت ُأم الصبى تستعد لهذا العيد؛ ُت ُ
هيئ له الدار وتعد له
ْ
سنة من السنين، فما هى إال ْأن ْأقبلت ُ
بوادر (عيد األضحى) فى ٍ
ْ ً َّ ً ْ ُ
وة الصبى ْ ُ
كبارهم إلى الخياط حين�ا ،وإلى الحذاء حين�ا آخر ،ويل ُهو
يستعدون لهذا العيد ،يختلف ُ الخ ْبز وألـــوان الفطير ،وأخـذ إخ
ُ ْ ُ
صغارهم بهذه الحركة الطارئة( )6على الدار ،فينظر صبين�ا( )7إلى أولئك وهؤالء فى شىء من الفلسفة( )8كان قد تعوده؛ فلم يك ْن
ُ ْ ُْ ً َّ
حاجة إلى أن يختلف إلى خياط أو حذاء ،وما كان ميال إلى اللهو بمثل هذه الحركات الطارئة ،وإنما كان يخلو إلى نفسه ويعيش ٍ فى
ْ ُ ْ
عالم من الخيال يستمده من هذه القصص والكتب المختلفة التى كان يقرؤها ُفيسرف( )9فى قراءتها. فى ٍ
( )6الطارئــــة :اجلديــدة املفاجــــئــة املضــاد )10( :فلسفة آثمة :املراد :النظـــرة اخلــاطئــة إىل ( )14لذع األلم :إحراقه وشدته.
ُ
احلياة ،وعدم االهتمام باملرىض ُ من األطفال )15( .يتقبض :املراد :ينكمش. املتوقعة.
َّ
( )7صبينـــا :يـــقـصـــد نفســـه (وهـــو طــه (ُ )11ي ِب�ل :من (أبل من مرضه) شفى منه )16( .يتصبب :يسيل.
مبهوتة :متحرية. (ْ )17 باحلىم. ُ
ً ْ ُ ً ُ محمومة :م ًصابة ً ً
()12 حسني).
( )13شبحـــا مخيفا :خـيـال مرعبـا .اجلـــمـــع )18( :مهمهما :الهمهمة :الكالم بصوت خفى. الفلسفة :املراد :االجتاه اخلاص الذى
ْ ()8
النكبات ً جتسدت لها ْ أن املراد: أشباح، سه. نف به ألزم
ىف صورة مرعبة مألتها حزنا. (ُ )9ي ْسرف :يزيد.
ُ ّ
الطفلة املسكين�ة تعاىن سكرات الـمـوت 7
التعسة أن قد سمع ُ ُ ِّ ُْ ْ ْ ُ ُ
هللا لها وتقدم الليل وأخذ صياح الفتاة يهدأ ،وأخذ صوتها يخفت ،وأخذ اضطرابها يخف ،وخيل إلى هذه األم ِ
ُ ْ ُ ْ ْ
ولزوجها ،وأن قد أخذت األزمة تنحل .وفى الحق أن األزمة كانت قد أخذت تنحل( ،)21وأن هللا كان قد رأف بهذه الطفلة ،وأن خفوت الصوت
صوت وال حركة، وهدوء هذا االضطراب كانا آيتى( )22هذه الرأفةْ .تنظر األم إلى ابنتها ُفي ُ
خيل إليها أنها ستن ُ�ام ،ثم تنظر فإذا ُهدوء ُمتصل ال ْ ُ
ُ ً شديد الخفة ُ ُ
ينقطع هذا النفس ،وإذا الطفلة قد فارقت الحياة. يتردد بين شفتين ُمفتحتين قليل ،ثم وإنما هو نفس خفيف
19
وبــــــاء ُ
الكولريا ُ 10
( )٤٣احلشرجة :صوت يرتدد ىف احللق. ( )٣٩الطلعة :الهيئ�ة. ( )٣٥فتك :قتل على غرة ،املضاد :أبقى.
املرادْ :أوشك أن يموت. ()٤٠جنيب :نفيس ونبي�ه ،اجلمع :أجناب ً
منتشرا. ً
سريعا (ً )٣٦
ذريعا:
ً ً ُ
جديرا. ( )٤٤خليقا: وجنباء ونب. ()٣٧احلجب وكتابة املخلفات :األدعية الىت
ُ ُ
( )٤٥مفطور :مشقوق من شدة احلزن. تكتب ىف حجاب وتعلق لتمنع الشر )٤١( ،وطأة الوباء :شدته وحدته.
( )٤٦آوى ابن�ه :أنزله. وكانت من البدع املنتشرة ىف الريف )٤٢( .الدهلزي :املدخل بني الباب والدار.
اجلمع :الدهالزي. ( )٣٨النازلة :املصيب�ة ،اجلمع :النوازل.
ُْ ُ ْ ُ
تضر ويلفظ أ نفاسه األ خرية 13الشاب ي
ً ُ دلكن له ْ ُُ ُ ْ يش ُكو ًْ ْ ُ
صاحئا ساقيه ،وهو يشكو ألما ىف ساقيه .وأقبلت إليه أخواته ي الصبح بعد أل ٍى( ،)٤٩وأخذ الفىت وأقبل
ً ُ ْ ْ ُ ُْ مرةً ،
كاتما أمله مرة أخرى ،والقىء يهده وخيلع ىف الوقت نفسه قلب أبويه .وقضت األسرة كلها صباحـا لم تقض مثله
واسونه .وأما دحم بالناس أقبلوا إىل الشيخ ُي ُ ظلما فيه ىشء ُم ْفزع ُمروع .فأما خارج الدار فكان ْيز ُ واجما ُم ً صباحا ً ً قط؛
ُ ْ ً ُ ْ
داخل الدار فكان مزدحما بالنساء أقبلن يواسني أم الفىت.
ُ ُ ُ ْ ُ
عن أولئك وهــؤالء فى شغ ٍل .وكــان الطبيب يتردد بين ساعة وساعة ،وكــان الفتى قد طلب وكــان الشيخ وزوجــه
حين إلى حين ينظر ْ
يطلب الساعة من ُ عمه فى أعلى اإلقليم ،وكان ْأن ُي ْبرق( )٥٠إلى أخيه األزهــرى فى القاهرة ،وإلى ِّ
ُْ ٍ َّ ْ ُ ْ
كرة! هذه يتعجل الوقت ،وكأنه ُيشفق أن ُيموت دون أن يرى أخاه الشاب وعمه الشيخ .يا لها من ُ
ساعة من ٍ ٍ فيها كأنه
ْ ُ َّ ً ُ
الساعة الثالثة من الخميس 21أغسطس سنة 1902م!! انصرف الطبيب من الحجرة يائسا ،وكأنه قد أسر إلى رجلين من
أصحاب الشيخ إليه بأن الفتى ُي ْحتضر ،فأقبل الرجالن حتى دخال الحجرة على الفتى ومعه أمه .ظهرت فى هذا اليوم ْأقرب ْ
ألول مرة فى حياتها أمام الرجال.
ْ ُ ُ ُ ُ ْ ْ ُْ ُ ُ
والفتى فى سريره يتضور :يقف ثم يلقى بنفسه ،ثم يجلس ثم يطلب الساعة ،ثم يعالج القىء ،وأمه واجمة ،والرجالن
ْ ْ لست ً ُ ُيواسيانه ُ
خيرا من النبى .أليس النبى قد مات؟! ويد ُعو أباه ُيريد أن ُيواسيه فال ُيجيب�ه الشيخ .وهو جيبهما: وهو ُي ُ
من هذه الحجرة ،واجم وي ْلقى ْنفسه فى السرير مرة ومن دون السرير مرة أخرى ،وصبين�ا ُم ْنزو( )٥١فى ناحية ْ يقوم ويقعد ُ ُ
ٍ ً ُ ُ ُ ُْ
الحزن قلبه ْتمزيقا. كئيب دهش يمزق
ُ ُ ً ُ ْ (ُ ْ ً )٥٢ ْ ْ
حين إلى حين .وكان صوت هذا األنين يبعد شيئ�ا ٍ من فت يخ �ا أنين يئن وأخذ الحركة، عن وعجز السرير على سه نف قى أل ثم
ً ً ْ ْ ْ ً
فشيئ�ا .وإن الصبى لينسى كل شىء قبل أن ينسى هذه األنة األخيرة التى أرسلها الفتى نحيلة ضئيلة طويلة ثم سكت.
هوت أو كادتْ ، ْ ْ ُ َُ َ َ ْ
وأسندها ووهى َجلدها( ،)٥٣فلم تكد تقف حتى صب ُرهانهضت أم الفتى وقد انتهى ْ فى هذه اللحظة
َ ْ ْ ْ ْ ُ ً ُ ْ ً ْ ْ
الرجالن ،فتمالكت نفسها وخرجت من الحجرة مطرقة ساعيـة فى هـدوء ،حتـى إذا جاوزتها انبعـثت من صدرها شكاة
ُ
خالعا .واضطرب الفتى قليل ومرت فى جسمه ِر ْعدة تبعها سكوت الموت .وأقبل
ً ال ْيذ ُكرها الصبى إال ْانخلع لها ْقل ُبه ْان ً
من نواحى لثاما( ،)٥٤وخرجا إلى الشيخ .ثم ذكرا أن الصبى ُم ْنزو فى ناحية ْ وجهه ً الرجالن إليه فهيآه وعصباه وألقيا على ْ
ٍ ْ
ْ جذ ًبا وهو ذاهل حتى انتهى به إلى مكان بين الناس فوضعه فيه كما ُي ُ ُ
الشىء. وضع الحجرة ،فعاد أحدهما إليه فجذبه
ُ ْ ْ ُ
كادوا ْيبلغون به فياللقضاء! ما ُ الرجال به على أعناقهم. ُ وما هى إال ساعة أو بعض ساعة حتى ُهيئ الفتى للدفن وخرج
َ َ ُ باب الدار حتى كان أول ْ
يتمهل الموت دقائق ليراه. من لقى النعش( )٥٥هذا العم الشيخ الذى كان الفتى
21
ُ ُ ْ
احلزن بدار الصىب 14استقرار
ً ْ الحـزن العميـق فى هذه الدارْ ، من ذلك اليوم استقر ُ ْ
حادث من الحوادث شيئ�ا ينبغى ٍ وأصبح إظهار االبتهاج أو السرور بأى
ً ْ
جميعـا. أن يتجنب�ه الشبان واألطفال
ويبكيه ساعة أو بعض ساعة ،وأمامه امرأته يجلس إلى غدائه وال إلى عشائه حتى ْيذكر ابن�ه ْ ُ
الشيخ أال ْ من ذلك اليوم تعود ْ
ً ً
شيئ�ا ْ ُُ ُ ُتعين�ه على البكاءْ ،
جميعا بالبكاء.. فيجهشون ومن حوله أبن�اؤه وبن�اته ُيحاولون ْتعزية هذين األبوين فال يبلغون منهما
ُ من حين إلى حين ،وكانت ْ ُ
األسرة ْأن ْتع ُبر الني�ل إلى مقر الموتى ْ ْ ْ
تعيب الذين يز ُورون
ُ من قبل ذلك من ذلك اليوم تعودت هذه
الموتى.
ْ ْ
١٥الصىب تتغري نفسيت ُ�ه ويقىض حق الوفـاء أل خيه
ْ ْ ًّ تغريا ًّ
تغريت نفسية صبين�ا ً ْ ْ
تاما؛ عرف هللا حقا ،وحرص على أن يتقرب إليه بكل ألوان التقرب: ومن ذلك اليوم
هللا مــا كان ْيد ُ ً
مرة ثالثة .ولقد شهد ُ ً ً
فعـه إىل ذلك خوف وال إشفـاق وال بالصدقة حين�ا ،وبالصالة حين�ا آخر ،وبتلاوة القرآن
إيث�ار للحياة ،ولكنه كان ْيع ُلم أن أخاه الشاب كان من أبن�اء املدارس ،وكان ُيقصر ىف أداء واجباته الديني�ة ،فكان الصىب يأىت
يريد أن َ ُي َّط عن أخيه بعض السيئ�ات .كان أخوه ىف الثامنة عشرة ْ
من ُع ْمره ،وكان الصىب قد
ُ
من ضروب العبادة
ْ ُ
ما يأىت
سمع من الشيوخ أن الصالة والصوم فرض على اإلنسان مىت بلغ اخلامسة عشرة.
ُ ِّ فقدر الصىب ىف نفسه أن أخاه مدين هلل بالصوم ثالثة ْأعوام كاملة ،وفرض الصىب على نفسه ُليصلني ْ
اخلمس ىف كل
ُْ ً ً
وشهرا ألخيه ،وليكتمن ذلك عن أهله شه ًرا لنفسه شهرينْ : وليصومن من السنة ْ مرة لنفسه ومرة ألخيه! ُ يوم مرتني: ٍ
تصل إليه يده ْ
ُ يتيمـا َّ
فقريا أو ً ولي ْطعمن ً ً
عه ًدا بين�ه وبني هللا خاصةُ ، َّ
وليجعلن ذلك ْ ً
طعام أو فاكهة قبل ٍ من مما جميعـا،
من ذلك أن ْيأ ُخذ حبظه منه .وشهد هللا ،لقد وىف الصىب بهذا العهد ْأش ُه ًرا ،ومـا غـيـر سريته هذه إال حني ذهب إىل األزهرْ .
مجمل األحداث
َّ -2
الصبى فى المحطـة حـزيـن يت ُ ْ ُ ْ -1أمني ُ�ة والد َّ
�ذكر. وحيرة الصبى إزاءها. الصبى،
ْ
العلوم التى ُيحبها وسيد ُر ُسها.
-4الصبى ُيحدد ُ -3الصبى فى القاهرة فى رحاب األزهر يصلى الجمعة.
ُ ُ ُ
-6شيخ أ خيه عالم جليل تعرفه األ سرة. -5حضوره مع أ خيه درس الفقه.
تفصيل األحداث
ْ ُ ْأمني ُ�ة والد َّ
وحية الصىب إزاءها الصىب، 1
ُ ْ ْ ُ وست ْص ُ
بح ُم ً ُ ُ
أرجو أن أعيش حتى جاورا ،ستجتهد فى طلب العلم ،وأنا فستذهب إلى القاهرة مع أخيك، «أما فى هذه المرة
()2 ُ ()1 ْ ْ ْ ُ ً
قاضيا وأراك من علماء األزهر ،قد جلست إلى أحد أعمدته ومن حولك حلقة واسعة بعيدة المدى ». أرى أخاك
ْ ُ ْ ْ ُ ُ
قال الشيخ ذلك البن�ه آخر النهار فى يوم من خريف سنة ،1902وسمع الصبى هذا الكالم فلم يصدق ولم يكذب ،ولكنه آثر
ُ ْ ً ْ ً
وكثيرا ما وعده أخوه األزهرى مثل هذا الوعد ،ثم فكثيرا ما قال له أبوه مثل هذا الكالم، أن ينتظر تصديق األيام أو تكذيبها له،
ُ ُ ْ
سافر األزهرى إلى القاهرة ،ولبث( )3الصبى فى المدين�ة يتردد بين البيت والكتاب والمحكمة ومجالس الشيوخ.
َّ
الصىب ىف املحطـة حـزيـن يت ُ
�ذكر 2
ْ يفهم لماذا صدق ْ وفــى الحــق أنه لم ْ
وعد أبي�ه فى هذه الســنة ،فقد أخبر الصبى ذات يوم أنه ُمســافر بعد أيام .وأقبل
ُ َّ ُ ْ ْ ًّ ُ ُ
الشــمس. ــرق
يــوم الخميــس ،فــإذا الصبى يرى نفســه يت�أهب للســفر حقــا ،وإذا هو يرى نفســه فى المحطة ،ولما تش ِ
ً ويسمع أكبر إخوته ْين ُ ً ً َّ ً ُ ْ
هره( )6فى لطف قائل ُ كئيب�ا محزونا، جالسا الق ْرفصاء(ُ )4منكس( )5الرأس وهو يرى نفسه
ً ُ ُ ْ ُ
شــجعه فى ل ْطف قائل :ماذا ُ ويســمع أباه ُي
ُ نكس رأســك هكذا ،وال تأخذ هذا الوجه الحزين فت ْحزن أخاك، ْ له :ال ت
ُ
الطويل؟ ُ
اللعب ألم يكفك هذا
ْ تريد ْأن ْتلعب؟ ْ
ُ ْ ُ
قادرا على أن تفارق أمكْ ،أم أنت رجل؟ ألســت ً ً
ألســت ُي ْح ُزنك؟ ْ
من وراء حزين�ا ألنه لن ْيلعب ،إنما كان ْيذ ُكر هذا الذى ين ُ�ام هنالك(ْ )7
ً ً
هللا ،ما كان الصىب حزين�ا لفراق أمه ،وما كان الصىب شهد ُ
ُ تلميذا ىف مدرسة الطب .كان ًُ ُ ُ الني�ل .كان ْيذ ُكره ،وكان ُ
يذكر أنه ً
يذكر هذا كله فيحزن ،ولكنه كثريا ما فكر ىف أنه سيكون معهما ىف القاهرة
ْ
وأخويه. وألبكى من ْ
حوله :أباه هر ُح ْز ًنا ،وإنما تكلف االبتسام( .)8ولو قد أرسل نفسه مع طبيعتها لبكى ْ ُ ْ ً
شيئ�ا ولم ُي ْظ ْ لم يقل
منكبا ويلصق بطنهًّ ( )1حلقة واسعة :كان نظام الدراسة ىف األزهر أن جيلس الشيخ إىل جوار ( )4القرفصاء :أن جيلس املـرء علـى ركبتيـه
بفخذيه ويت�أبط كفيه. عمود ويلتف حوله الطالب الذين يأخذون عنه العلم ىف حلقة
(ُ )5منكسُ :مطأطئ ،املراد :يشعر باحلزن. كبرية.
( )6ينهره :يزجره ويغضبه. ْ
( )2املدى :املسافة والغاية ،اجلمع :األمداء.
()7الذى ين�ام هنالك :املراد :أخوه الشاب الذى مات بالكولريا. ( )3لبث :مكث وبقى.
( )8تكلف االبتسام :تظاهر به.
23
3الصىب ىف القاهرة ىف رحاب األزهر يصلى اجلمعة
ْ جماعة من ُ ُ ْ ُ ْ
المجاورين قد أقبلوا إلى أخيه ٍ صاحبن�ا نفسه فى القاهرة بين القطار ،ومضت ساعات ،ورأى وانطلق
وأكلوا ما كان قد احتمله لهم ُْ َّ
من طعام. فحيوه،
ْ ً ْ
يسمع الخطيب شيخا ضخ َم ُ اليوم -وكان يوم الجمعة -وإذا الصبى يرى نفسه فى األزهر للصالة .وإذا هو وانقضى هذا ُ
ُ ُ َ ْ
طبة فهى ما كان َّ
تعود أن يسمع فى عالي ُه ،فخم (الراءات والقافات) ،ال ْفرق بين�ه وبين خطيب المدين�ة إال فى هذا .فأما الخ الصوت
ْ ْ ُ ُ
المدين�ة .وأما الحديث فهو هو ،وأما النعت( )9فهو هو ،وأما الصالة فهى هى ،ليست أطول من صالة المدين�ة وال أقصر.
ْ
وسيد ُر ُسها العلوم الىت ُيبها
4الصىب ُيدد ُ
تجويد القرآن ْ
ودرس وعاد الصبى إلى بيت�ه -أو ُق ْل -إلى ُح ْجرة أخيه خائب الظن بعض الشىء .وسأله أخوه :ما ُ
رأيك فى ْ
ُ ُ ُْ ُ ُ لست فى حاجة إلى شىء ُْ ْ
حاجة إليها ،وهل
ٍ من هذا ،فأما التجويد فأنا أتقنه ،وأما القراءات( )10فلست فى ٍ القراءات؟ قال الصبى:
ُ ْ ْ ْ ْ
حاجة إلى العلم ،أريد أن أدرس الفقه والنحو والمنطق والتوحيد.
درست أنت القراءات؟ أليس يكفينى أن أكون مثلك؟ إنما أنا فى ٍ
ْ
(ِ )12جلفة :جافة. ( )9النعت :املراد :اخلطبة الثاني�ة الىت تكون يوم اجلمعة.
( )13التي�ه :الكرب ،املضاد :التواضع. ( )10القراءات :علم دراسة روايات القرآن الكريم.
ْ ( )11هوجاء :حمقاء ،اجلمعُ :هوج ْ
وهوجاوات ،املذكر :أهوج.
مجمل األحداث
ْ -2األ ُب ُي ْخفى عن ابنت�ه بعض مراحل ْ ُْ ُ
من حياته حتى تكبر. ُ -1طفولة بريئ�ة ساذجة وقدوة حسنة من اآلباء.
ُّ ْ ُ
سر إخفاء األ ب عن ْابنت�ه بعض مراحل حياته. -4 البنت�ه قصة «أ وديب» فتبكى. -3األ ُب يحكى ْ
ْ ً ْ ُ يحكى ْ -5األ ُب ْ
من ُطفولته البائسة. البنت�ه بعضا
ْ -6
صب ُر الوالد فى طفولته البائسة وتقبلـه لها وتحمله مصاعبها.
ُ ْ ْ
-7السر فى تغيير حياته إلى األ فضل ُهو أ مها (المالك).
تفصيل األحداث
ُ
ُ 1ط ُفولة بريئ�ة ساذجة وق ْدوة حسنة من اآلباء
النفس .أنت فى التاسعة من ُع ْمرك ،فى هذه السن التى ُي ْع ُ ُ ْ ُ
جب فيها إنك يا ابنتى لساذجة( )1سليمة القلب طيب�ة
ًُ ْ ُ ُ ُ
األطفال بآبائهم وأمهاتهم ويتخذونهم ُمثل ُعليا فى الحياة ،يت�أثرون بهم( )2فى القول والعمل ،ويحاولون أن يكونوا مثلهم
وي ُ
خيل إليهم أنهم كانوا أثن�اء ُطفولتهم كما هم اآلن فاخرون بهم إذا تحدثوا إلى أقرانهم( )3أثن�اء اللعبُ ، وي ُفى ُكل شــىءُ ،
ً ً ُ ُ ُْ ً ُ ًُ ُْ ْ ُ
يصلحون أن يكونوا قدوة حسنة وأ ْسوة( )4صالحة. مثل عليا
ْ ُ ْ ُ ْ ْ ُ
أليس األمر كما أقول؟ ألست ترين أن أباك خير الرجال وأكرمهم؟ ألست ترين أنه قد كان كذلك خير األطفال
ُ ْ ُ يعيش كما تعيشين أو ً ُ ْ ً
خيرا مما تعيشين؟ ألست تحبين أن تعيشى اآلن كما كان يعيش وأنبلهم؟ ألست ُمقتنعة أنه كان
ُ ُ ُ
الجهد ما ْيملك ،ويتكلف من المشقة ما ُيطيق( )5وما ُأبوك حين كان فى الثامنة من عمره؟ ومع ذلك فإن أباك ْيب ُ�ذ ُل من ُ
حياته حين كان ًّ
صبي�ا. ُ ال ُيطيقُ ،ليجنبك
ْ
( )5يطيق :يقدر عليها. ( )1ساذجة :بريئ�ة وفطرية.
( )6الطور :املرحلة ،اجلمع :األطوار. ( )2يت�أثرون بهم :يقلدونهم ويقتدون بهم.
ٌ
( )7جينبك :يبعدك. ( )3أقرانهم :أمثالهم ،املفردِ :ق ْرن.
ُ
( )8فتجهىش بالبكاء :فتهىم به ،املراد :تبكني بصوت مرتفع. ( )4أسوة :قدوة ،املضاد :تابع.
25
ُ 3األ ُب حيكى ْ
البنت�ه قصة «أ وديب» فتبكى
ْ من ْملكا) وقد خرج ْ ُ (*) ً ُ ُ جالسة على ًْ ُ
قصره بعد أن فقأ حجر أبيك وهو يقص عليك قصة (أوديب لقد رأيتك ذات يوم
ً وأرشدته .رأيتك ذلك اليوم ْ ْ
فقادته ْ (أن ُْ ُ ْ ْ
تسمعين هذه القصة مبتهجة تيجون) يسير ،وأقبلت ابنت�ه عيني�ه ال يدرى كيف
ْ ْ ً ً ُّ ْ ْ ُ ً ً ُ ْ
أجهشت بالبكاء جبهتك السمحة ْتربد( )9شيئ�ا فشيئ�ا ،وما هى إال أن من أولها ،ثم أخذ لونك يتغير قليل قليل ،وأخذت
ْ ْ
وأقبلت أمك فانتزعتك ْ ً ْ
روعك ،وفهمت من بين ذراعيه ،وما زالت بك حتى هدأ ُ وانكببت( )10على أبيك لث ًما( )11وتقبيلا،
ْ
ُ ْ ْ ً
فوفا ال ُي ْب ُ ُ ً
أيضا أنـك إنمـا ْ ْ ُ
يستطيع أن صر ،وال بكيت ألنـك رأيت (أوديب الملك) كـأبيك مك وفهمت أنا أمك وفهم أبوك
ْ
يهتدى وحده .فبكيت ألبيك كما بكيت لـ «أوديب».
ّ ْ
سر إخفاء األ ب عن ْابنت�ه بعض مراحل حياته 4
ْ ً
وشيئ�ا من ْ ألعرف أن فيك عبث األطفال ْ ُ ْ
قسوتهم ،وإنى ألخشى يا ابنتى إن وميلهم إلى اللهو والضحك نعم! وإنى
ْ ُ ً ً ْ ْ ُْ
حدثتك بما كان عليه أبوك فى بعض أطوار صباه أن تضحكى منه قاسية الهية ،وما أحب أن يضحك طفل من أبي�ه ،وما
ْ ُ ُ ْ ُ ْ ْ ُ
أستطيع أن أحدثك به ُدون أن أثير عرفت أباك فى ْ
طو ٍر من أطوار حياته أحب أن يلهو به ْأو يق ُسو عليه .ومع ذلك فقد
ُ ً ْ
فى نفسك ُحزنا ،ودون أن أغـريـك بالضحك أو اللهو.
( )13تقتحمه العني :حتتقره وتسخر منه. (*)أوديب :ملك طيب�ة ىف األساطري اليوناني�ة القديمة ،وعقدته عقدة
نفسية تقوم على تعلق االبن بأمه وجتنب أبي�هُ ،
ويقال إنه قتل والده
( )14قاتم :حالك شديد السواد.
وتزوج أمه دون أن يدرى صلته بها ،وأجنب منها ولدين وبنتني إحداهما
( )15نعليه :حذاؤه ،مثىنْ :نعل ،اجلمع :نعال. تسىم (أنتيجون) ،وعندما عرف ذلك فقأ عيني�ه وهام على وجهه ىف
( )16الباليتني :التالفتني. األرض ً
ندما على جريمته.
( )17رثة :بالية حقرية تالفة. ( )9تربد :تتغري وتعبس.
ً ً (ْ )10انكببتً :أقبلت.
متضجرا. متربما: ()18 ( )11لث ًما :تقبيلا.
( )19يشرئبون :يتطلعون إليـه ،مــن اشرأب ،املضاد :ينصرفون. ( )12إن كـان :أى إنـه كـان فـى ذلك الوقت صىب جد وعمل.
ُْ
صب الوالد ىف طفولته البائسة وتقبلـه لها وحتمله مصاعبها 6
ُ ْ ُ مح ً
تسما للحياة والدرسْ ، ًّ
جادا ُم ْب ً ُ
يشعر باحلرمان ،حىت إذا انقضت السنة وعاد روما ال يكاد كذلك كان يعيش أبوك
ْ يأكل وكيف يعيش ،أخذ ْين ُ
إىل أبويه وأقبال عليه يسأالنه كيف ُ
ظم لهما األكاذيب( )23كما تعود أن ينظم لك القصص،
ْ ُ ْ ُ
حبياة حيياها ،كلها رغد ونعيم ،وما كان يدفعه إىل هذا الكذب ُحب الكذب إنما كان ْيرفق بهذين الشيخني ويكره
فيحدثهما ٍ
ُ ْ ُ ْ ْ ُُْ ْ ْ
أن ُينبئهما بما هو فيه من حرمان ،وكان يرفق بأخيه األزهرى ،ويكره أن يعلم أبواه أنه يستأثر دونه بقليل من اللنب،
()24 ُ
كذلك كانت حياة أبيك ىف الثالثة عشرة من عمره.
وحقد حسد من حياة راضية؟ وكيف استطاع ْأن ُيثير فى نفوس كثير من الناس ما ُ
يثير من ُيهيئ لك وألخيك ما أنتما فيه ْ
ٍ ٍ ٍ ٍ
وتشجيع؟! إن سألت :كيف انتقل ْ ْ ْ ً َ
من تلك الحال ٍ له وإكرام عنه ا رض ناس آخرين ما يثير منوضغين ٍ�ة ،وأن يثير فى نفوس ٍ
ْ ْ ُ
أستطيع أن أجيبك! وإنما هناك شخص آخر هو الذى يستطيع هذا الجواب ،فسليه(ُ )25ينبئك. ُ إلى هذه الحال؟ فلست
ُْ َ ُ
ونوم يحنو على سريرك إذا ْأمسيت لتستقبلى الليل فى ُه ُدوء ٍ ُ
القائم الذى أتعرفين�ه؟ انظرى إليه! هو هذا الملك
َ
الملك بما أنت فيه ْ ً ُْ
من ويحنو على سريرك إذا أصبحت لتستقبلى النهار فى ُسرور وابتهاج .ألست مدين�ة لهذا لذيذ،
ُهدوء الليل ْ
وبهجة النهار؟!
ً ً ْ الب ْؤس(ً )26لقد حنا يا ابنتى هذا الملك على أبيك ،فبدله من ُ
نعيما ،ومن اليأس أمل ،ومن الفقر غنى ،ومن الشقاء
�الغين ْ من َد ْينك ،فلتتعاونا يا ابنتى على أداء هذا ْ
الدين ،وما أنتما بب ْ َ
الملك بأقل ْ َ ْ ً
من سعادة وصف ًوا .ليس د ْي ُن أبيك لهذا
ُ
ذلك بعض ما تريدان.
27
الفصل األول
من البيت إلى األزهر الجزء الثانى
مجمل األحداث
وي ْس َمع َص ْو ًتا ً
غريب�ا. غريب�ا َ
بيت�ا ًَّ ُّ َ ْ ُ ً
-2الصبى يسكن
ْ َ ُ ََ
ال الفتى للقاهرةِ . -1ان ِتق
َ ُّ َّ ُّ َ َ ُ
السلم. زول مـن
الصعود والن ِ
ِ
ُ
متاعب -4 وعقباتها. الطريق إلى َبيت�ه
ِ َ -3و ْصف
َّ ُ َّ ُ َ َ ُ
بيت ِ�ه.
-6الطبقة الثاني�ة من ِ بيت�ه.
-5الطبقة األولى من ِ
َ ُ َ ِّ ُ
بيت الفتى. -7مكونات ِ
تفصيل األحداث
ْ َ ُ َ َ
ال الفت للقاهرةِ 1ان ِتق
َ
العاصمة ِل ُي ِطيل فيها
َ َ َ ُ َ
أكثر ْ
من أسبوعين ،ال يعرف من أمره إال أنه ترك الريف وانتقل إلى َأ َ
قام فى القاهرة أسبوعين أو
ِ
َ َ ُ َ َْ ً ُ َ َ
الثالثة التى َيتخ َّيلها
ِ األطوار
ِ ذه َ
الدرس فى األزهر ،وإال أنه يقضى يومه فى أحد ه ِ
ِ مجالس
ِ للعلم ُمختلفا إلى ً
المقام طالبا ِ
وال يحققها.
َ َ ُ
وعقباتها الطريق إىل َبيت�ه
ِ َ 3و ْصف
ُّ ُ ُّ َ
المسقوف الذى لم ْ َ َ
يصب فيه لكثرة ما كان
ِ القدم تستقر فيه تكن الرطب خطوات وجاوز ذلك المكان
ٍ فإذا مضى أمامه
ُ َ ٌ ُ َ َّ ٌ ُ ُ ٌ ٌ َ ُ
مكشوفة ولكنها ضيقة قذرة تنبعث منها روائح غريب�ة معقدة ال يكاد صاحبن�اٍ طريق
ٍ صاحب القهوة من الماء ،خرج إلى
ُّ
ويشتد ُّ ُ ُ ً ً ُ يقبل ُ
وحين ُ
َ َّ َّ ً ً ُ ُ َ ِّ ُ ()5
حر النهار يتقدم الليل ،وتنبعث شديدة عنيفة حين هار
يحققها ،تنبعث هادئة بغيضة فى أو ِل الن ِ
الشمس.
( )4قرقرة :ترديد الصوت ،اجلمع :قراقر. ( )1صفحة وجهه :ناحيت�ه.
( )5حيققها :يت�أكد منها. ( )2خياشيمه :أقىص األنف ،املفرد :خيشوم.
( )3ينكره :جيهله.
َ ُّ َّ ُ
السلم والزنول من
ِ ِ
الصعود متاعب 4
ً
الطريق مكانا هذه
َ
بلغ م ْ
ن إذا حتى . أمره
ِّ
كل عن ُ
يغفل
َ
كاد أو
َ
غفل قد النفس صاحبن�ا يمضى بين هذا كله ُم َش َّرد ()18 ُ وكان
ِ ِ ِ ِ ِ
ُ ْ َ ُ ُ َ ََ ُ َ ً َ َ
الشمال،
ِ طوتين إلى
ِ وة أو خ
شماله ،فعرف أنه سينحرف بعد خط ٍ ِ باب قد ف ِتح عن بعين ِ�ه ســمع أحاديث مختلطة تأتي ِ�ه من ٍ
ُ ُ ُّ َّ َ َ
السلم الذى سينتهى به إلى حيث يقيم. ليصعد فى
َُ
الح َج ِر ،ولكن كث َر رج ُه من َ الضيق ،قد ُّاتخ َذ َد ُ ِّ
بشــديد الس َــع ِة وال
بشــد يد َّ َ ً
متوســطا ،ليس ُ
الســلم وكان هذا
ِ ِ ِ ِ
َ ُ َ ٌ ٌ َ ُ َ َ َّ (َ )19 ُ ُ
بالتنظيف ،فتراكم عليه تراب كثيف ،ثم انعقد ولزم بعضه ِ ســل وال التصعيد فيه والهبوط منه ولم يتعهد بالغ ِ
الطين .ومع أن الصبى من ا مخذ ُس َّــل ً َّ ُ
والهابط منه أنه إنما يت الم ْص ِعد فيه وخ ِّي َل إلى ُ ً ُ ُ
الحجر اســتخفاء ، بعضــا حتى اســتخفى
ً
ِ ِ
َ
يقيم فى ذلك المكان ،وصعد فى ذلك
َ هللا له أن َ أقام ما شاء ُ هبط منه ،فقد َ صعد فى ُسلم أو َ َ َّ
بإحصاء الد َرج كلما كان َكل ًفا()20
ٍ ِ ِ
ُّ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ َ َ
السلم.ِ السلم وهبط منه ما شاء هللا له أن يصعد أو يهبط ولم يخطـر له قط أن يح ِصى درج هذا ِ
َ ُ
5الطبـقـة األول من بيـتـِ ه
ً ً َ َّ َ َّ َ َ َ
َ
ليمىض ىف التصعيد تاركا الشمال
ِ حنو قليل ينحرف أن من بد فال درجات
ٍ منه صعد إذا أنه مرات
ٍ أو مرتني
ِ
ات ُ
ذه علم ْبعد أن وإنما
أقام فيه أعواماً
كانت تؤدى إىل الطبقة األولى( )22من ذلك البن�اء الذى َْ ْ َ
عن يمين�ه فجوة لم يلجها( )21قط ،ولكنه كان ُ ً
ِ ِ يعلم أنها ِ
ً
ِطوال.
ُُ َ َ َُ ْ َ ُ َ ْ َ ْ ُ
العلم ،وإنما كان يسكنها ُ
الطبقات الىت لم يكن يسكنها طالب ِ ِ الطبقة من
ِ كان يرتك إذن عن يمين ِ�ه َمدخل تلك
والباعة.
ِ الع َّم ِال أخالط( )23من ُ ٌ
ُ َ ُ َّ َّ
( )15ت ْعتل :تمل فوق السيارة. مـــاض (ما) كافة وليس لهذا الفعل ٍ ( )6قلمــا :قـــل :فــعــل
( )16احلوذى :سائق العربة. فاعل ،ومثله( :كرثما وطالما).
ً ً
( )17تزئ :حتدث صوتا. ( )7مستعرضا :يسري بعرض الطريق.
( )18مشرد :تائه -غري منتب�ه لما حوله. ( )8املنكرة :الكريهة القبيحة.
( )19يتعهد :يعتىن ويهتم. ()9مصطخبة :متصاحية ومتضاربة ،املقصود :العالية املختلطة.
ً
ًّ
ومحبا. كلفاً :
مولعا ()20 (َ )10ع ٍل :أعلى.
ً َ
( )21ي ِلجها :يدخلها ،املصدر :ولوجا. ( )11تنعقد :ترتاكم وتتجمع.
( )22الطبـقــة األولـــى :املرتب�ة أو الدرجة .املقصود :الطابق أو الدور ( )12مرتاكم :مجتمع بعضه إىل بعض.
األول من البيت. ( )13غىش :غطى.
( )23أخالط :املراد :أنواع مختلفة. ( )14حتط :تزنل من أعلى.
29
َّ
الطبقـة الثانيـة مـن بيتـه 6
ً ُ يبلغها حتى َتج َد ُ ُ ُ َ َ َ ً ُ َْ
الراحة يأتي�ه
ِ نفسه المكدودة( )24شيئ�ا من ِ صعدا حتى يبلغ الطبقة الثاني�ة ،فال يكاد ويم ِضى م ِ
َْ تنق فى ذلك ُّ َ َ ْ ُ َ الت َ ُ ُ َ َّ
غاء
صوت تلك البب ِ ِ القذر ،ويأتي�ه من ِ الس ِلم نفس بعد أن كاد يخ الطلق الذى كان يبيح له ِ الهواء
ِ من هذا
(الفارسى ) الذى َ َ ُ ً َ ُ ُ ُ ُ
سجنها فى ِّ احبها انقطاع ،كأنما تشهد الناس جميعا على ظ ِلم ص ِ ٍ التى كانت ت َص ِّوت فى غير
َ َ َ َ ْ ُ ً َ
قفص بغيض ،حتى إذا تخفف منها وقبض ثمنها لرجل آخر يسجنها فى ٍ غد ٍ البغيض ،ليبيعها غدا أو بعد ٍ ِ القفص
ِ ذلك
ُ ُ َ ُ وتدعو فيه َ مقامها َُ ً
نقدا اشترى بدلها خليفة ُ َ ً
تنتظر صاحبتها :أن وتنتظر فيه مثلما كانت دعاءها السجن
ِ تقوم فى ذلك
ُ ُ ُ ُ َ َ ََ ُ َ
مكان.
مكان إلى ٍ نتقل معها دعاؤها الحزين الذى يبتهج الناس به من ٍ قفص ،وأن ي ِ تنقل من ٍيد إلى ٍيد ومن قف ٍص إلى ٍ
َ ْ ُ َ َ َ ُّ َّ
اليمين ،فيفعل ِ الببغاء إلى أن ينحرف نحو ِ الهواء الطلق ِب َو ْج ِهه ود َعاه صوت َ السل ِم استقبل صاحبن�ا إذا بلغ أعلى ُ كان
ْ َ
الس ُّن،
واآلخر قد تقدمت به ِّ ُ شابا،يزال ًّ يسكنهما رجالن من فارس؛ أحدهما ال ُ
ِ ِ
ُ بيتين
ضيقة فيمر أمام ِ ٍ ويمضى فى طريق
ُّ ٌ ٌ َّ ٌ َ َ ٌ ْ ٌ ْ ٌ
فى أحدهما شراسة وغلظة وان َ
ورقة وتبسط(ِ )26
للناس. اآلخر دعة ِ ِ قباض عن الناس( ،)25وفى
َ ُ
ُ 7م َك ّونات ِ
بيت الفت
ُ ْ َ ِّ ْ ُ ُ
للبيت ،وهى تنتهى ِ المادية()28 غرفة هى أشبه بالده ِلزي( ،)27قد ت َج َّمعت فيها املرافق ثم يبلغ الصبى بيت�ه ،فيدخل إلى ٍ
ُ املرافق العقلية()29 ُ ْ َْ
النوم ،وغرفة للبيت .وهى على ذلك (غرفة ِ ِ مستقيمة قد تجمعت فيها ٍ غير
غرفة أخرى واسعة ِ به إلى ٍ
ُ َ ُ ُ ُ ُ َّ ُ
رقائق والدرس) ،فيها الكتب وفيها أدوات الشاى ،وفيها بعض ِ ِ القراءة،
ِ مر ،وغرفة الحديث ،وغرفة الس ِ ِ الطعام ،وغرفة ِ
واختلف إليها .كان َم ْجل ُ َ َ ِّ ً ً ُ
سه ِ غرفة سكنها كمجلسه من كل ٍ ِ الغرفة معروفا محدودا ِ مجلس الصبى من هذه ِ
الطعام .وكان
َ ْ ُ ُ ً ُ َ َ
ديم ولكنه بساط ق ٌ ٌ األرض أل ِق َى عليه ُ َ
خطوتين فيجد حصيرا قد ب ِسط على ِ
ً
ِ شماله إذا دخل الغرفةَ ،ي ْمضى خطوة أو ِ َع ْن
َ َ َ
يجلس أثن�اء النهار ،وهنالك ين ُ�ام أثن�اء الليل. ُ ق ِّي ٌم .هنالك
َ (ُ َ ُ ُ ْ َ )30 َ ُ ُّ ٌ وسادة ُ ُت ْل َقى له َ
الشيخ، ِ أخيه مجلس رفة
ِ الغ ن م
ِ ه س ل
ِ ج م اذى ي وكان يه. ف ِ يلتف ولحاف يضع عليها رأسه
بساط ال َ ٌ ُْ َ ً
بأس به ،ثم ألقى على البساط صير قد ُب ِس َط على األرض وأل ِق َى عليه كثيراَ :ح ٌ ليل أو ً وهو أرقى فى َم ْج ِلسه ق
َ ٌ ٌ ُّ ٌ
شـــ َّي ِة ( )32كان َ
القطن ،ثم بسطـــت من فوقها مــالءة .على هــــذه احل ِ
ُ
ِ فراش آخر من الل َب ِد( ،)31طويلة عريضة من
ُ ُ ُ ُ ُ ُ
يفعل الصبى، الحائط كما كان ِ ويجــلس معه أصفياؤه( .)33ولم يكونوا يسندون ظهورهم إلى يجلــس الفتى الشيخ
�ام عليه سريرا ين ًُ ُ
المجلس
َ
رصا ،فإذا كان الليل استحال هذا
َ وإنما كانوا يسندونها إلى َو َسائ َد قد ُر َّص ْت على الحشية ًّ
ِ
ُ
الفتى الشيخ.
31
َ ً ً ً َ َُُ ُ ُ
صحن األزهرِ
ُ
يتلقاه فى النسيم الذى كان ُ نفسه أمنا وأمل وحنانا ،وكان ذلك ِ
ُ
وتشــيع فى قلب ُه
نعش َ كانت تلك القبلت ت
َ َ ُ ُ ُ ُّ ُ َّ ُيش ُ
وس .ومع ذلك فلم االبتسام بعد العب ِ ِ االضطراب ،وإلى
ِ الهدوء بعد
ِ التعب ،وإلىِ الراحة بعد
ِ نفسه هذا كله ويرده إلى ِ يع فى ِ
ُ َ ْ َ َ َ َّ َ َ َ َ ُ ً ْ ً َْ َُ َْ َ ْ ُ ْ َ
يكفيه أن تمس قدميه الحافيتين أرض هذا ِ أمر األزه ِر شيئ�ا ،ولم يكن يعرف مما يحتويه األزهر شيئ�ا ،وإنما كان يكن يعلم ِمن ِ
َ َ ً يحس األزهر من حوله ً نسيم هذا الصحن ،وأن َّ وجه ُه ُ وأن َي َم َّس َ ْ
ينشط ليعود نائما يريد أن يستيقظ ،وهادئا يريد أن ِ الصحن،
ِ
ُ ً ً ُّ ُ ُ َ
أهله ،ال يحــــس غربة وال يجد ألما ،وإنما هى نفســه وطنه وبين ِ ِ نفســه أو لتعود إليه نفســه .وإذا هو يشــعر أنه فى ِ إلى
َّ ُ َ ُ ْ ُ َ ْ ً َ َ َ َ َّ َ َ َّ َ ُ ُ
قطاره ليتلقى ..ليتلقى ماذا؟ ليتلقى شــيئ�ا لم يكن يعرفه ،ولكنه كان ِ جميع أ
يتشــو قُ َ ُمن َ ِ جميع أنحائها ،وقلبه من ِ تتفتح
ْ َ َ َ َ َ ً َ ُ ُْ
العلم.االســم ،وهو ِ
ِ يحبه ويدفع إليه دفعا ،طالما س ِــمع اسمه وأراد أن يعرف ما وراء هذا
َ ُ
العلم الذى ال ساحل ُله
حبر ِالغرق ىف ِ
ِ ٢شوقه إىل
َ َّ َ ْ ُ َ حد له ،وبأن َ َّ هذا َ ٌّ َّ َ ُ ُ ً َ ً
الناس قد ُين ِفقون حيات ُهم كلها وال يبلغون منه إال العلم ال عورا غ ِامضا ولكنه قوى بأن وكان يشعر ش
ً ْ َُ َ ُ َ َ َ ُ َّ َ ُ َ
نفسه يسيرا. ِ العلم أكثر ما يستطيع أن يبلغ مهما يكن فى أيسره .وكان يريد أن ينفق حياته كلها وأن يبلغ من هذا ِ
ْ َ (العلم ٌ
َ َُ ُ َ َ سمع من أبي�ه الشيخ ْ وكان قد َ َ
بحر ال ساحل له) فلم يأخذ العلم أن
أهل ِ أصحابه َالذين كانوا يجالسونه من ِ ِ ومن ٌ َ ِ
ِّ ُّ ُ َ
الكالم على أنه تشبي�ه أو ت َج ُّوز( ،)15وإنما أخذ ُه على أنـه الحق كل الحق. َ هذا
ُ َ َ ْ َ َ َ ََ ْ ََ ُ َ َ ُ ُْ َ
البحر فيشرب منه ما شاء هللا له أن يشرب ثم يموت فيه ِ األزهر يريد أن يل ِقى نفسه فى هذا ِ القاهرة وإلى
ِ وأقبل إلى
َ ٌ َْ َ ُّ ً َ ُّ
العلم؟!
العلم ويأتي�ه وهو غ ِرق فى ِ الموت الذى يأتي�ه من ِ ِ الرجل النبي ِ�ل من هذا ِ موت أحب إلى غرقا .وأى ٍ
َ َ َ َ ُ ُ َْ َُ ُْ َ ً ُ ُّ ْ
وحشة وتلك الطريق الناشئة فجأة ،فتملؤها وتم ِلكها وتن ِسيها تلك الغرفة الم ِ ِ نفسه
ِ الخواطر كلها تثور فى كانت هذه
ُ َ ً ْ الية َ َ ً ً َُ ُ ْ َّ َ ُْ َ َ
حين كانت تتحرق شوقا الريف ،وتش ِع ُرها بأنها لم تك ْن ُمخطئة وال غ ِ ات المضطربة الملتوية ،بل تن ِسيها الريف ولذ ِ
ً
األزهر وضيقا بالريف. ِ إلى
َ
( )18الدوى :الصوت العاىل ،املضاد :الهمس. ( )15ت َج ُّوز :غير حقيقى وزيادة ومبالغة ،املضاد :اعتدال.
( )19التنفل :صالة النوافل ،والنافلة :ما زاد على الفرض. ( )16ينفتل :ينصرف.
( )17ليتحلقوا :ليجلسوا ىف حلقة.
ُُ ٌ
الفقه)
ِ (أصول
ِ ِ
لـدرس احلديـث وتـشـوق
ِ درس ىف ٥
َُ َ ُ ُ َ
ود من هذه جانب عم ٍ ِ اللتني يبت�دئ بهما اإليوان( ،)20وهناك إىل ِ الدرجتني
ِ وكان يسعى مع صاحبه حىت َي ْرق هاتني
فستسمع ً
ُ ْ ُْ ُ َ ُ َّ
احلديث،ِ درسا ىف انتظر هنا اح ُبه ويقول له: املباركة قد شد إليه كرىس بسلسلة غليظة ي ِلسه ص ِ ِ األعمدة
ِ
ُ ُ
فإذا فرغت من درىس فسأعود إليك.
َ َ َّ ُ َ
الكتاب الذى ُيد ِّر ُسه ُ صاحبـه (الش ْيخ َراضـى) ـ َر ِح َمه هللا ـ وكان ِ الفقـه ،وكان أستـاذ ِ أصـول
ِ صاحب ِه ىفِ درس وكان ُ
َ َ َ ُ َ َّ الشيخ راىض َ َ ُ
فيمتلئ لها ق ُلبه َره ًبا َورغ ًبا هذه األلفاظ كلها ُ
(كتاب التحرير للكمال بن الهمام) .وكان الصىب يسمع ِ
َ
ِ
ُ َ ُ َ َ ً ُ َ ً
ُ
التحرير! الع ُلم؟ (الشيخ راىض)! َم ْن َعىس أن يكون هذا الشيخ؟ الفقه)! ما عىس أن يكون هذا ِ ِ وم َهابة وإجالل( .أصول
ُ ُّ َ العلم ٌ
حقا إن َ ًّ َ
للرجل
ِ اخلري
ِ حبر ال ساحل له ،واخلري كل ما معىن هذه الكلمة؟ الكمال بن الهمام! ما أعظم هذين االسمني!
ُ َ َ ُ ُ ُ َ َ ْ
يسمع أخاه يوم حني كان يوم إىل ٍ ويعظم من ٍ يزداد الدرس خاصة ِ إجالل الصىب لهذا الذكى أن يغرق فيه .وكان
َّ ْ الدرس قبل ُح ُضوره فيقرءون ً َ َ
غريب�ا ولكنه ُحل ُو املوقع ىف النفس. كالما ً َ ورفاق ُه يطالعون
َ َّ ْ َ َ ً َ َْ ً ُ ُ
يفهمه وأن ُيل ألغازه ليستطيع أن َ َ أعوام أو سبعة ٍ الس ُّن ستة تتقدم به ِّ َ يسمعه فيتحرق شوقا إىل أن كان الصىب
ُ َ َ ُ ُ ُ َ َ َ ُ َّ ُ َ
جيادل فيه ويجادل فيه أساتذته كما كان ويت َص َّرف فيه كما كان يتصرف فيه أولئك الشبان البارعون، موزهَ ، ويفك ر
ْ َ
يفه َم. يسمع وال ََ مضطر إىل أن ٌّ الشباب البارعون ،ولكنه اآلن ُ أولئك
ٌّ
( )21معىن العبارة :إزالة الباطل حق. ( )20اإليوان :الساحة الداخلية للمسجد.
33
َ ُ َْ َ
ففهمه وجادل فيه، بإشكال( )22من إشكاالت «الكفراوى»( ،)23أق َبل عليه
ٍ المريض ،حتى ُص ِرف عنها ذات يوم
ِ رأس
ِ
ُ ْ َ ُ ُ َّ
العلم.
وأحس أنه بدأ يشرب من ذلك البحر الذى ال ساحل له وهو بحر ِ
ْ َ َ ْ ُ
الفقه بعد ِ
درس ِ ِ
البيت الصىب مع َصاحبه إىل
دة َّ ٩عو
ْ ْ احبه فيأخذه بي�ده فى َغ ْير ٍ َ ْ ُ َ
وهنالك ُ
غير ِرف ٍق ،ويمضى به حتى ُيخ ِر َجه من األزهر
كالم ،ويج ِذبه ِفى ِ ِ
يعود إلى الصبى َص ُ
َّ
الغرفة على
ِ فيلقيه فى مكانه من
ِ طوره األول،ِ والبيت ،ثم إلى
ِ وحتى َي ُرده إلى طوره الثانى ،فيقطع به الطريق بين األزهر
العذاب.ذلك البساط القديم الذى ُألق َى على َحصير بال عتيق .ومنذ ذلك الوقت يتهيأ الصبى الستقبال َح ِّظه من َ
ِ ِ ِ ٍ ٍ ٍ ِ
( )24عنعنة الراوى :قوله ىف روايت�ه :رواه فالن عن فالن عن فالن ...إلـخ. ( )22إشكال :أمر حيتاج إىل فهم عميق.
ُ ُ ُ ُ ًّ
خب ُر.
علم وت ِ
تؤذن :ت ِ
(ِ )25
ُ
( )23الكفراوى :عنوان كتاب ىف النحو مسم باسم مؤلفه.
مجمل األحداث
َّ
يتحس ُر. العصر َّ
والص ِب ُّى يجتمعون َح ْو َل شاى ْ َ ُ
القوم -2 الص ِب ِّى.الوح َد ُة َم ْص َد ُر َع َذاب َّ ْ -1
ِ ِ
َ َ ُ َّ َ ً ْ َ
بقريت ِ�ه.
ِ منزله
ِ -4آالم الصبى وح ِنين�ه ِإلى ُ بى َي ْست ِحـى أن يسـأل أحدا. الص ُّ َّ -3
الذكريات َّ ِّ ُ َ
العصر.
ِ
الصبى ُ
ونوم ُّ -6 للص ِّ
بى. ِ يستدعى
ِ َ -5ص ْوت األذان
ُ ُّ ْ َ ْ َ ٌ َ ْ ٌ ً الط َ ُ ُ ِّ
قد ُم ُله َّ
-8للظلمة وحشة وصوت يؤذيه. إرضاء له. عام ويأكله الصبى كله -7أخوه ي
ْ أمل َّ ُ -10 ُ ْ َ َ َّ َّ ْ ٌ ْ ُْ ُ
أخيه.
عودة ِ
ِ الصبى عند -9أصوات أخرى تف ِزع الصبى يخاف أن يتحدث عنها.
أخيه. بى ُ
يأمن وين ُ الص ُّ َّ -11
نوم ِ ِ بعد �ام
تفصيل األحداث
الوح َد ُة َم ْص َد ُر َع َذاب َّ
الص ِّ
ب ْ
ِ ِ 1
َ َ يستقر ىف مجلسه َ ُّ ُّ ْ َ َ َ ُ ُ
العصر بقليل ،ثم ِ �ل ي قب ة الغرف من ِ الصىب مصدر ذلك العذاب ،فقد كان وكانت الوحدة املتصلة
َ َّ ْ ُ ُ
أحد أصحابه. غرفات «الرب ِع»( )1عند ِ ِ غرفة أخرى من ٍ فيذهب إىل ينصرف عنه أخوه
َ َ َ َّ ُ َ َ َ ُ ُّ ُ َ
ثان منهم إذا أ ْم َس ْوا، ُ
رفة بعينها من غرفاتهم ،وإنما هو عند أح ِدهم إذا أصبحوا ،وعند ٍ اجلماعة ال يستقر ىف غ ٍ ِ وكان َم ْج ِل ُس
ُ َْ ُ َ ُ تقد َم ُ َّ
الليل .وكان أخو الصىب يرتكه ىف غرفته بعد درس الظهر ويذهب إىل حيث َيلقى أصحابه ىف إحدى وعند ثالث منهم إذا
أصواتهم َت ْر َتفعُ
ُ ْ ُّ َّ ً َ ً ً َ ُُ
ِ الراحة والدعابة والتن�در( )2بالشيوخ والطالب ،وكانت ِ ىشء من
فات ،فينفقون وقتا طويل أو قصريا ىف ٍ الغر ِ
وي َز ُن َلها ُ فتبتسم لها َش َف َت ُاه َ ْ ً ََ ُُ َ وضحكاتهم ُت َد ِّوى ىف َّ ُ
ُ
يسمع قلبه؛ ألنه ال ُ الصىب وهو َجاثم( )3ىف مكانه،َّ «الر ْبع» تدوية فت ْبلغ
ً َ ُّ ُ َ ُّ َ َ
يستطيع ىف الض َح أن يشارك صامتا ُ كما كانيستطيع َ
ُ نادرة()4؛ ألنه ال
كما كان يسمع ىف الضح ما أثارها من فكاهة أو ٍ
ُ
الغليظ العريض(.)5 ِ ضيقة ىف هذا الضحك ٍ حنيلة
بابتسامة ٍ ٍ
35
َ ُّ
الصـبى فى دخيلة()10 وربمـا َّ
حرقا(َّ )9 َ ُ ً َُ ً َ ً ِّ ُ ًّ ُّ
نفسه الحاجة ِ ِ أحـس وبــه ك ِلفــا وإليــه مشــوقا مت
الصبــى لهــذا كله محبا ِ وكــان
َ َ ً
بحا يشربه ُم ْص ً
َ بالحاجة إلى أن
ِ
َ
وشعر أكواب الشاى تلك التى تدار ُهناك ،فقد كان هو أيضا قد ك ِلف بالشاى ِ كوب من
ٍ إلى
َ َ ُ ُ ُ َ َ ِّ َ ْ َ ً ُ ْ
فهؤالء القوم يتن�درون ويتن�اظرون ويدرسون ويشربون ِ تكمل منه النصاب( .)11ولكنه حرم هذا كله، وممسيا ،وإلى أن يس ِ
َ ْ َ َ ُ َ ُ
يحضر يطلب إلى أخيه اإلذن له بأن يستطيع أن شىء من هذا ،وال ٍ يستطيع أن يشارك فى الشاى غير بعيد ،وهو ال
ً َ َّ َ
والجسم معا.
ِ العقل
ِ الشباب ،ويستمتع بما فيه من لذ ِة ِ َم ْج ِلس هؤالء
َ ً ْ َّ ُّ َ
ىب َي ْست ِحـى أن يسـأل أحدا 3الص
أخيه لرده عنه َ ً ْ َْ ُ َ ُ َ ُ ْ
أحد شيئ�ا ،ولو قد طلب ذلك إلى ِ شىء إليـه أن يطلب إلى ٍ ٍ يطلـــب ذلك ،فأبغـــض يستطــيع أن ال
َ َ َ ْ َ َ ُ ِّ ُ ُ ٌ ً ً ًّ
عقله
نفسه أمر ها .ويكتم حاجة ِ ِ فالخير فى أن يملك على حال ،
ٍ لنفسه على كل ِ ؤذ
رد ا رفيقا أو عنيفا ،ولكــنه مــؤلم له م ٍ
ْ ً ً َّ َ ُ
مجلسه ُم ْط ِرقا(ُ )13مغرقا فى تفكيره ،ولكن ِ قابعا( )12فى ويظل ً العلم ،وحاجة أذنه إلى الحديث ،وحاجة جسمه إلى الشاى، إلى ِ
ً َ َ َ ُ
الغرفة مفتوحا إلى أقصى غايت�ه. ِ كيف السبي�ل إلى ذلك ،وقد ترك أخوه باب
ِّ َ ُ َ َّ َُ ْ َ َّ ٌ ُ ْ َ ٌ َ ْ ُ ُ ُ ْ ُ
القوم تبلغه ،وهذه ضحكاتهم تصل إليه ،وهذه دقات مصمتة تنتهى إليه فتؤذنه بأن صاحب الشاى يحطم أصوات ِ وهذه
ِّ
وكل هذه األصوات التى تنتهى إليه تثير فى نفســه من الرغبة والرهبة ،ومن األمل واليأس ما ُيعني�ه()14 ُ ُّ َّ
الخشــب ل ُيوقد النار؟ ُ َ َ
ِ ِ ِ
َْ ُ َ يتحر َك م ْ يســتطيع حتى ْأن َّ ُ ُ ُ ًْ ُ
ويمــأ ُ
قلبــه ُب ً ْ
هذه
مجلســه ،وأن يخطو ِ ِ ــن ِ وحزنا ،ويزيد فى بؤســه وحز ِنه أنه ال ؤســا ُويضنيــ�ه(،)15
ُ ُ َْ ُ َ يبلغ َ ْ ْ َ ُ َ
تحمله األصوات ،وأجدر أن يسمع ما ِ ِ الغرفة ويقف أمامه حيث يكون أدنى إلى هذه ِ باب الخطوات القليلة التى تمكنه ِمن أن ِ
َ ُ َ ُ َّ َ َ ً ْ َ ُ َّ ُ ُ َ ِّ ُ ُ
مما يتحدث به القوم .لقد كان ذلك خ ِليقا أن يسره ويسليه ،ولكنه ال يستطيع أن ينتقل من مكانه ،ال ألنه يجهل الطريق إلى
أحد َّ َ َ ْ َ َْ َُ َُ ُ أني�اْ ، يستطيع َأ ْن َ
يقطع َها ُم َت َم ِّه ًل ُم ْس َت ً َ َ َ َ
المارة ُ
فيراه ولكن ألنه كان يستحى أن يف ِاجئه ُ الباب ،فقد كان َح ِفظ هذه الطريق ،وكان ِ
ً ً َ ْ ُّ َ َ َُ ُ َ ُ ً
حين ليأخذ كتابا أو أداة أو حين إلى ٍ
ُ
وكان َّ َيشفق أن يفاجئه أخوه الذى كان ي ِلم بالغرفة ِمن ٍ وهو َيسعى متمهل مضطرب الخطا.
َ َ ْ
َ ()16 ْ ُ َّ ُ َ َ ً
شاء.اإلفطار أو الع ِ ِ أوقات
ِ غير
الطعام التى كانت تدخر ِليتبلغ بها أثن�اء الشاى فى ِ ِ ألوان
لونا من ِ
ُ َّ َ َ ُ
بقريت ِ�ه
ِ مزنله
٤آالم الصىب وح ِنين�ه ِإىل ِ
مضطربا ً ً ْ ْ َْ َ ُّ
خطبك()17؟ وإلى أين حائرا فيسأله :ما ُ الصبى من أن َيف َج ُأه أخوه وهو َي ْس َعى ِّ شىء أه َون على ٍ وكان كل
ُ َ َ ُ يبقى فى مكانه ُ َ َ ُ
الحسرات الالذعة التى كان يجدها، ِ ويردد فى نفسه تلك ويؤثر العافية، ِ الخير فى أن تريد؟ فكان إذن يرى
ُ ْ َّ
الريف.
ِ منزله ذلك ،فى قريت ِ�ه تلك ِم ْن قرى ِ حسرات الحنين إلى ِ
ً
وإيالما، أقل منها ً
لذعا وحسرات أخرى لم تكن ٍ
ً َّ َ ُ ُ ()18 ْ ُ َّ َ َ َ َ ُ َ َ ْ َ ْ َّ ُ ُ َ َ
ِمن الخ ِبز المجف ِف مازحا مع اللعب ،فيتبلغ ِبكس ٍرة ِ ــاب وقد أرضى حاجته إلى هنالك حين كان يعود مــن الكت ِ
َ
الدار فأغلق من خرج
َ
،
َ
أراد ما
َ ْ َ
ذلك ن م بلغ فإذا اب
َّ
الكت فى ه يوم �اء ب أن نْ م عليها يقص أحب أن َّ قاصا على ُأ ِّمه ما َّ أخواته ًّ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ً َ ً ُ ُ َ َ ُ ْ َ الباب َ َ
الجنوب ،حتى إذا بلغ مكانا بعين�ه ِ البيت الذى كان يقوم أمامه ،فلزمه ماضيا نحو ِ وراءه ،ثم مضى حتى يبلغ جدران
ِّ ِّ ُ ُ َ
الشاب (احلاج وأخيهِ عبدالواحد) حانوت (الشيخ محمد ِ ِ وات حىت ينتهى إىل يمني ،ثم مىض أمامه خط ٍ ٍ إىل احنرف
َ ُ َ ُ ُ ْ ً ً ً ُ َ ِّ ُ
النساء من هذه ِ واملشرتيات من ِ الرجال
ِ محمود) ،فيجلس هناك متحدثا متن�درا مستمعا لما كان يقوله المشرتون من
ً ُ
الساذجة الىت ت ْم ِت ُع باختالفها وطرافتها وسذاجتها أيضا. ِ الريفية
ِ األحاديث
ِ
ِّ
(ُ )14ي َعني�ه :يشق عليه. ( )9احلرقة :ما جيده اإلنسان من لذعة احلب.
ْ
(ُ )15يض ِني�ه :يعذبه. ( )10دخيلة :قرارة -داخل.
ُ َ ْ ِّ
( )16ليتبلغ بها :ليسد جوعه بها. ( )11الن َصاب :القد ُر ،اجلمع :نصب.
ُ
َ َ َ ً
()17ما خ ْـطبـك؟ مــا شـأنــك؟ واخلطــب :احلـال والشـأن ،اجلمع:
ُ ْ قابعا :قبع الرجل :أدخل رأسه ىف ثوبـه ،املراد من ً
قابعا( :ساكتا (ً )12
ً ُ ْ ًّ
خطوب. تكنا).ساكنا مس ِ
ً
( )18يتبلغ بكسرة :يكتفى بالقليل. ()13مطرقا :أى قد أمال رأسه إىل صدره ،وسكت فلم يتكلم.
ِّ
الذكريات َّ ُ َ
للص ِّ
ىب ِ يستدعى
ِ َ ٥ص ْوت األذان
ً وربما َ
أشد السكونَّ ، ٌ َّ َّ َ َ َّ ُ ُّ
صرفه عنها لحظة االضطراب ،وهو ساكن ِ الص ِب ِّى أشد تضطرب فى نفس كانت كل هذه الحسرات
َ ِّ َّ ُّ ً َْ َ َ َ َ ُ
الصبى َّ صالة العصر فى جامع (بيبرس) ،ولكنه كان صوتا ُمنك ًرا أشــد النكر ،فكان ُيذك ُر ِ حين كان يدعو إلى المؤذن
ِ صوت
ً َ بصوت المؤذن فى بلده ،ولم َي ُك ْن ً
فكم ْ واللعب ،
ِ كثير ا ما أتاح للصبى ألوانا من اللهو ً الصوت ،ولكنه
ِ خير ا ِم ْن هذا ِ ِ ِ
ُْ ُ َ َ َ َ َّ َ
األذان! ولكنه هنا فى هذه الغرفة ال عى به بعد ِ الدعاء الذى يد
ِ المؤذن ،وكم أذن مكانه وكم شاركه فى هذا ِ صعد المنارة مع
ُ َ ْ َ َ ُ
يستحب هذا الصوت ،وال يستطيع أن يشارك فى األذان ،وال يعرف حتى من أين يأتى هذا الصوت.
ْ َ َ َ ُ َ ْ
(بيبرس) ،وهو ال يعرف الطريق إلى ِمئذنت ِ�ه ،وهو ل ْم َي ْب ُ�ل د َرج هذه المئذنة ،ولم يعرف َ قط مسجد يدخل ُّ وهو لم
ُ َْ ُ ْ ْ
الريف؟
ِ كشأن مئذنت�ه فىِ توى به وتضيق عليه ِ وتتسع له أم تل أتستقيم ِلل ُمص ِعد فيها ُ
َّ ُ َ ُ ُّ ُ ُ ً َ ْ َْ َ ً ُ
أللم ! إن ال يعرف شيئ�ا من ذلك وال سبي�ل إلى أن يعرف منه شيئ�ا ،إنما هو السكون ،والسكون المتصل الطويل .يا ل ِ
ً ً َّ ْ َ َ ِّ ُ
العل َم ل ُيكلف ُطلبه أهوال ثقال. ِ
العصر الصىب ُ
ونوم ُّ
ِ 6
ْ ٌ ْ َ ُ ُ
السكون َي ُط ُ
جالس فى مكانه ،وربما اشتدت عليه فيجهده ،وربما أخذته إغف َاءة وهو ِ ول على الصبى وكان هذا
ٌ ُ ْ َ ِّ َّ َْ ُ َ َ ْ تلقى ُ ْ َ ْ
هذه اإلغفاءة فاضطرته إلى أن يس َ
العصر بغيض مؤ ٍذ لألجسامِ يسمع من أمه أن نوم ويس ِلم نفسه للنوم .وكان
ً َ َ ْ َّ ْ َ
مذعورا ؛ فقد َس ِم َع صوتا
ً النوم البغيض! ولكنه َي ُه ُّب ف ِز ًعا َ ولكن كيف السبي ُ�ل إلى أن َي ُرد عن نفسه هذا والنفوس.
ِ
ٌ َْ َ َ َْ ً ً َّ ْ ُ
آذانه أعواما وأعواما« :مولنا ،أنائم أنت؟». يدعوه بهذه الكلمة التى رنت فى ِ
ً ُ
ويأكله َّ الط َ ُ ُ ِّ
قد ُم ُله َّ
إرضاء له الصىب عام 7أخوه ي
ً ًّ
عشاء ُه .وكان عشاؤه لذيذا حقا؛ فقد كانَ ُ
خاه أقبل ينظر إليه ويسأل ُه عن شأ ِنه َو َي ْح ِم ُل إليه
َ ُ ألن َأ ُ
َّ
مذعورا؛ ً َ
َي ُه ُّب ف ِز ًعا
َ َ ََ وقطع م َن ُ �ألف ْ ُ
الحلوة الطحيني�ة .وكان هذا عشاءه فى قطعة ِمن
ٍ (الج ْبن الرومى) ،أو الج ْبن الذى ُي َس َّمى ُ
ِ
من رغيف َ
ٍ يت
ُ َ
ليذهب إلى األزهر ف َي ْحض َر َ َ ً ْ ِّ ُ َ
درس األستاذ اإلمام. ويود ُعه ُمن َص ِرفا عنه يضع ذلك أمامه ُ أثن�اء األسبوع ،فكان أخوه ُ
َ ِ
كل حال .كان ُ
يبيح
ِّ
على ه
ُ
يستنفد كان ُ
ولكنه ،آخر
ً
حين�ا َ فيه ا ً
وراغب �ا
ً
حين عنه ا بل على َطعامه ً
راغب الصبى ُي ْق ُ
ُّ وكان
ٍ ِ
َ َ ُ ُ ِّ ْ َْ َُ َ َ َ َ َّ َ
أخيه ،ولم يكن أخوه يكلمه فى ذلك أو يسأله عنه ،فأما إذا خال إلى طعامه فقد عام إذا أكل مع ِ لنفسه اإلقالل من الط ِ
َّ َ ُ ً َ ْ ُ َ ْ َ َ َ ُ ِّ
كله ،حتى ولو ر غب عنه أو ضاق به مخافة أن يب ِقى منه شيئ�ا ويعود أخوه ويرى ذلك فيظن ِبه كان يأتى عليه
َ ً ًَّ ُ َ ْ َ ُ َ المرض أو ُيظ َّن به ُ َ
نفس أخيــه هما أو قلقا. شــىء إليه أ ن ي ِثير فى ِ ٍ الحزن ،وكان أبغض
َ ْ َ َ
المغزى. ( )21املغازى :احلروب ،املفرد: ( )20عدل عن كذاَ :ب ُعد عنه َ -حاد. ( )19الطارئون :الغرباء ،املفرد :الطارئ.
37
ُّ ْ َ ْ َ ٌ َ ٌ
وص ْوت ُيؤذيه 8للظلمة وحشة
َ َ ُ ْ َ َ َ ْ ْ ُ ُ َّ َ َ ْ َ
النهار َين َص ُرم وأخذت وده فى ُرك ِنه الذى اض ُط َّر ِإليه ،وقد أخذ ُُ
طعامه ،حتى ِإذا فرغ ِمنه عاد إلى سكو ِنه وجم ِ قبل على ِ كان إذن ُي
ؤذن المغرب إلى الصالة ،فيعرف َّ ٌ ُ َْ ُ ُ ٌ ٌ ٌ َ َ َ ُ ْ
بى الص ُّ شاحب هادئ حزين ،ثم يدعو م شعور نفسه
ِ الشمس تن َح ِدر إلى مغربها ،وأخذ َيت َس َّر ُب إلى
بعض المبصرين ُأل ِض َ ُ كان َ َ َْ ُ ُ ِّ ْ ُّ َ َْ َ ُ َ ِّ
ىء الغرفة
ِ معه فى ويقد ُر فى نفسه أن لو ويقد ُر فى نفسه أن الظلمة قد أخذت تكتنفه، أن الليل قد أقبل.
ُ َ ْ َ ُ ُّ َُ َ ٌ ُ َ ُّ َ ُ َ ُ ْ َُ
المصباح فيما يظن المبصرون ،وإن كان ليراهم مخطئين فى هذا لى إِ له حاجة ال وحيد ولكنه ،فة ثِ كا تالم لمة الظ هذه د المصباح ليطر
َ ُ ً ُ ْ ً َ َ ُ َ ِ ُ ً ُ ِّ َ ْ ً َّ َ َ ْ َ
الظن؛ فقد كان ذلك الوقت يفرق تف ِرقة غامضة بين الظلمة والنور .وكان يجد فى المصباح إذا أ ِضىء جليسا له ومؤنسا ،وكان ي ِجد
ً ً ُ َ ُ ْ َ َ ْ ً
للظلمة صوتا يبلغ أذني�ه ،صوتا ِ والغريب أنه كان يجد ُ المضطرب،
ِ الظلمة َوحشة لعلها كانت تأتي�ه ِم ْن َعق ِله الناشئ َو ِم ْن ِح ِّسه ِ فى
ويبلغ َق ْل َبه فيملؤه َر ْو ًعا ،وإذا هو ُمضطرٌّ ُ
يؤذيهما، َ َ ُ ُ َ َ ٌ َُْ ٌ ُ َ َ َ ُ ً ُ ْ
َْ أذني�ه ف ِ وض لوال أنه غليظ ممت ِلئ .وكان هذا الصوت يبلغ
ُ ْ َ َْ متصل يشبه ط ِنين البع ِ
ُ ْ َ َْ ُْ َ ُ ُ َ ََْ ُ ِّ ْ َ
الصوت الذى يأخذه ِ غير ِجل َست ُه فيجلس القرفصاء ويعتمد ِبمرفقيه على ركبتي�ه ويخ ِفى رأسه بين يديه ،ويسلم نفسه لهذا
َ ُ َ إلى أن ي
ٌ َ ُ ُ ْ ُ َ َ ََْ َ َ ُ ُ ُ ً َ َ َ َ ِّ
اليقظة التى ال تش ِبهها يقظة. ِ شية يضطره إلى النوم فقد كان سكون الع ِ العصر كان كثيرا ما يضطره إلى ِ ِ من كل مكان .ومع أن سكون
ُ ْ َ َّ ْ ٌ
وات ْأخرى ُت ْفز ُع َّ
الصىب خياف أن َيتحدث عنها ِ 9أص
ُ َ ْ ً ويطمنئ إليهَّ ، َّ َ ُّ َ
الغرفة أصواتا أخرى كانت تفزعه وت َر ِّو ُعه؛ أصوات مختلفة، ِ ولكن ىف لمة
ِ وكان ينتهى إىل أن يألف صوت الظ
ْ َ ُ َ ُ َ ً َ َّ ُ َ ْ
غرفات األوقاف .ومعىن ذلك أنها كانت قديمة ،قد طال عليها العهدَ ،وب ُعد بها األ َمد ،وكرثت ىف جدرانها ِ فقد كانت هذه الغرفة من
ُ َ َ ْ َ ُ َ ُ َ َ ْ
الصغار من احليوان ُ صغار احليوان .وكانت هذه احلشرات وهذه ِ احلشرات وغريها ِم ْن ِ مرت هذه الشقوق طوائف من الشقــوق ،وع
ُ ٌ ُ َ ِّ َ ُ ْ
الضئيلـة،
ِ الغـرفـة؛ فـهـى تبعث مـن األصـوات ِ الركن من أركان وحده ىف ذلك ُ ِ كـأنـمــا وكـلـت بالصىب إذا أقبل الليل عليه وهو قابع
َ ْ َُ ِ َ َ َ ً ْ ُ ً َ َ ً ً
الخفيفة السريعة حين�ا والبطيئ�ة حين�ا آخر ــ ما يمأل قلب الصبى هلعا ورعبا .فإذا أقبل أخوه وحده أو مع أصح ِابه ِ وتأتى من الحركات
أشياء ُأ ْخرى َغ ْير هذا ال َي ْجرؤُ
َ أجل أجل هذا ومن ُّ ْ َ ُ
الم ْصباح انقطعت هذه األصوات والحركات كأنها لم تكن .وكان الصبى من
ُ ْ ُ
ِ ِ فأضىء ِ
َّ ُ َ َْ ُ َ ْ ُ َ ُ ْ َّ ُ ً َ ْ َ َ
بعقله
ِ ببعض ذلك أن يسفه رأيه وأن تظن مر ه ِذه األصوات والحركات شيئ�ا .وأيسر ما كان يخاف إن تحدث ِ على أن يذكر ِمن أ
ُ ُ َ َ ُ ِ َ ُّ
الحيوان.
ِ وصغار
ِ وبشجاعته الظنون فكان يؤثر العافية ويكظم خوفه من الحشرات ِ
َ الصىب ُ
أخيه يأمن وين ُ�ام بعد ِ
نوم ِ ُّ 11
َ ُّ
يدل على أنه َ َ ُّ َ َ
نام ،فقد أخذ ُ
املنتظم ُ
املضطرب أو فإذا استلقى أخوه على فراشه بعد أن أ ْطفأ مصباحه وأخـذ تنف ُسـه
ِّ َ ُ َ َ ُّ ُ ُّ
الوادع وتفكري الهادئ املطمنئ.
ِ اآلم ِن
الصىب يس األمن والدعة ،ويدير ىف نفسه خواطر ِ
َ ْ ُ ُ
االتصال.
ِ اللذيذ دون أن يشعر بهذا
ِ تتصل يقظته اآلمنة بنومه وهنالك
مجمل األحداث
َ َ ُ الصبى ََ -2خ ْوف َّ َ َّ َ
وج ْهله َم ْصدرهما. الصوتين
ِ من ريب�ان. الغ َ الص ْوت ِان -1
َ ٌ َ َ ً َ َ َ ٌ ََ
وص ْـوت ُيـنــادى. يـظـة
-4طـرق علـى البـاب ِبعصــا غ ِل ٍ للـصوتين.
ِ الصبى ْيع َج ُب ُّ -3
ِّ
الحاج َ ُ در َّبى َي ْعرف َم ْص َ ُ َّ -5
(ع ِل ٍّى). ِ -6صفات الص ْوتين. الص ُّ
ٍّ ُ
بشباب األزهر. ِ (على) -7عالقة الحاج
ََْ َّ ََ َّ ْ َّ ُّ
ويغت ُابهم. عورات الناس
ِ على) يتكلف التقوى ويتت َّب ُع (الحاج ٌّ -8
َ
والشباب.
ِ ٍّ
(على) الح ِّب َبين الحاج وطد ُ -9ت ُّ
َ َ َ ُ ُّ َ َ -11 يوم ُ الجمعة ُ ُ -10
اهر.
طاه م ِ
اشتراك الجميع فى طعام ي ِعده ٍ ِ البطون. ِ يوم
َ َ َّ ُ
القادرين. الطعام َيتلذذ بها غ ْير َ -12رائحة َّ
ِ
َ َ ْ َ َ ْ َ ُ َّ َ ْ َ ِّ ُ ِّ ٌّ ُ َ
أحد.
-13الحاج على يقسم الطعام بالعدل ويمنع التعدى ِمن أ ى ٍ
َ َ ُّ ُ َّ بى ُم ْض َطر ٌب فى َم ْع َركة َّ الص ُّ َّ -14
أطراف المدين ِ�ة.
ِ الجماعة فى
ِ -15تـفرق كة. اح ِ
عام الض ِ الط ِ ِ ِ
الحاج ٍّ ِّ ُ
على رحمه هللا. -16وفاة
تفصيل األحداث
َ َّ َ
الص ْوت ِان الغ ِر َيب�ان 1
ً ً فجأة إلى يقظة فزعة :أحدهما صوت ً ً َّ ولكن َص ْو َتين َغ َ َّ
ضــربا عنيــفا ،واآلخر تضرب األرض ُ غليظة
ٍ عصا ٍ ريب ْي ِن َي ُردانه
َ ًّ
وتسبيح ُه مدا
ُّ
بحمده ،ويمد ذكره وي َس ِّب ُح بالنحيفَ ،ي ْذ ُ
كر هللا ُ َّ
بالغليظ وال هو ٌ
مضطرب ال هو هد ٌج()1 ٌّ ُ َ ِّ
صــوت إنسانى مت
ٌ
ِ ِ ِ
ً ينبعث َُ ُّ ُ َ َّ ُ َ
وشمل()2 طويل ً ً
متهدجا وحين
ٍ حين
ٍ بين اإلنسانى الصوت هذا وجعل ،شىء ٍ كل الليل هدوء شىء كل سكن وقد �ا، غريب
ً ً َْ
االضطراب .ثم يدنو قليل قليلَ شيئ�ا ُ
يشبه
ً
الهادئ الليل ُ ًّ َْ ُ َ ُ ِّ ً (ُ ْ َ )3
ِ مرجعا ،تقطعه ضربات العصا على األرض ،وهو يب�دو قويا فيذيع فى ِ
ً
متصل بعد أن َ ً
مرة أخرى ًّ ُ ُ ً ً (ُ ْ َ )4 ِّ
هبط قويا ينقطع ،ثم يب�دو ويضعف شيئ�ا فشيئ�ا ،حتى يكاد الصبى ،ثم ينحرف حتى يكاد يبلغ غرفة
فشيئ�ا َح َّتى ينقطعَ.
ً ُ ً ُ ْ
«الر ْب ِع» واستقامت له طريقه فى الحارة ،ثم يبعد شيئ�ا صاحبه ُس َّل َم َُّ
39
أحدهما َ َ َ ُ َّ َّ ُ
(األصول) ِ درس وما هى إال دقائق حىت كانا يهبطان السلم ويجدان( )7ىف طريقهما إىل األزهر ،ليسمع
َ ُّ ُ َّ َّ َّ َّ َ ُ َ َ َ
الليل ،وجعل األخري من ِ ِ يوم ىف َّأول الثل ِث كل ٍ وقظان الصىبِ وتان ُي
هذان الص ِ وليسمع اآلخر درس (احلديث) .وجعل ِ
ُ َّ َ ْ يسأ َل أخاه أو َ َ ُ ً ُ ُّ ُ
غري أخيه عنهما .حت كانت ليلة مصدرا ،وال جيرؤ على أن الصوتني وال يعرف لهما ِ لهذين
ِ الصىب يراع
صباح ،ولكن
ِّ
كل ىف ه كدأب َ
والهدوء َ
األمن إليه
ُ
املؤذن
َّ
ورد ، ليلة كل ىف هما()8 فأيقظه الصوتان َور َّو َع ُاه َك َدأب َ َ
اجلمعة،
ٍ ِ ٍ ِ ِ ِ
ُ دروسَ ، َ
ولكن أخ ُاه لم َي ُه َّب عجل عنيفا؛ فليس ىف ف ْجر اجلمعة وال ىف صباحه ٌ ً ً َ َ َّ ً ِّ َ
وليس الشيخ ِ ِ ِ الصىب ل ْم َي ُه َّب ُمرتفقا، َّ
عه الصوتان ،وأما أخوه فلم َي ْ قط ُ الصىب َف َقد َ ََ َ ُ
سمعهما ِّ نومهما؛ فأ َّما ن ْو ُم اجة إىل أن يقطعا َ ُّ َ َ
الصىب ىف ح ٍ الفىت وال الشيخ
َ ً ً ً ُّ ُ َ َ الليلة كما لم َي ْ َ
مشفقا أن يوقظ احلركةِ ، ِ السكون ،عاجزا عن ِ فراشه ضيقا بهذا الصىب ىف ِ قبل .ول ِبث سمعهما من هذه
ً ُ ً ُ َّ ْ َ َ َّ ْ َ َ ُ ِّ ُ
يسمع هذين الصوتني مرة ُّ
الصىب أشعتها إىل الغرفة فاترة ،وإذا مس ونفذت ِ أخاه ،حىت صليت الفجر وانتشر ضو ُء الش ِ
الهواء ُ
فيصافح َ ُ ً َ َ ً
الع َصا فتداعب( )9األرض ُمداعبة يسرية ،وأما الصوت أخرى ،ولكنه يسمعهما َهاد َئ ْي رفيقنيَ :فأ َّما َ
ِ
ً ُ ْ ً َ ُْ ْ ُُ
مصافحة حلوة ال تلو ِمن فتور.
َ ٌ َ َ ً َ َ َ ٌ ََ
وص ْـوت ُيـنــادى يـظـة
ـاب ِبعصــا غ ِل ٍ
4طـرق علـى الب ِ
ٌ ً ً ُ َ ُ ْ ٌ وهو بهذا َض ِّي ٌق ،وله ٌ
كاره ،وعليه ُم ٌ
الباب يطرق طرقا عنيفا ،وصوت من كره ،وأخوه ُمغرق ىف نومه ال يفيق ،ولكن
ُْ َ ُ ُ ُ َّ ً مرتفعا َس ًً َ
هؤالء ،أفيقوا ،إىل مىت تن�امون؟! أعوذ باهلل من الكفر ،أ ُعوذ باهلل من ِ «هلم( )13يا صاخبا: اخطا ورائه ُين�ادى
َُ َ َ ُّ َ ْ َ ُّ ْ َّ َّ
تفع الضىح ال ُيؤدون الصـالة لوقتـها ،هل َّم يا هؤالء! أعوذ باهلل من الكفر ،أعوذ باهلل الل! ُطـــل ُب ِعل ٍم ين�امون حىت ير الض ِ
من الضالل!».
َ ُ َّ ٌ َ ْ َ ََُْ َ ُ ْ َ ُ
َّ
ومن حو ِله ضحكات ترافقه .وقد هب الشيخ الفتى ألول الصوت تقرع( )14الباب وعصاه تقرع األرضِ ، ِ َو َيد هذا
ُ ُ ً ً ُ ُ َ ْ ()15
َ
يسمع ويستزيد منه غرق فى ضحك مكتوم مكظوم( )16كأنه يستحب ما نب�أ ٍة ،ولكنه ظل فى مكانه ساكنا ثابت�ا ي ِ
َ ُ ْ
ويريد أن يتصل.
«عل ٍّى»
6صفات احلاج ِ
ُ ِّ
احتفظ ِبقوته كل َها:
َّ ْ َ َ
عين ،ولكنه الس ْب َالس ُّن َح َّتى َج َاو َز َّ شي ًخا َق ْد َت َق َّد َم ْت به ِّ لى) َر ُج ًل ْ (ع ٌّ الح ُّاج َ ان َع ِّمى َ َ َ
وك
ِِ
ديد النشاطَ ،مت ُ َّ ُ َ َ َ
بقوة ج ْسمه ف ُهو ُم ْع ُ َ َ َ َ
ْاح َت َف َظ بق َّوة َعقله ف ُهو َماك ٌر(َ )20ماه ٌر ظريف لبق(ْ ،)21
ٌ ٌ َ َ ْ ُ
ين ِ ِ تدل الق َام ِة ،ش ِ ِ ِ
واحتفظ َّ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ً َ َ َ ُ ُ ْ ُ ْ ُ َ َ (َّ ُ َ ْ َ )23 َ ْ َ ْ (ُ ْ َ َ َّ َ َ َ ٌ َ َ َّ َ َ َ ٌ َ )22
البني ِ�ة ،ع ِنيف ِإذا تحرك ،عنيف إذا تكلم ،ال يع ِرف الهمس ،وال يح ِسن أن يخ ِافت صوته ،وإنما هو صا ِئح دائما. ِ
َّ ََْ ْ َ ْ (َ ُ ْ َ ً َ ً ُ َ ُ ْ َ َ َ ُّ َّ َ َ َ َ )24 َ َ َ ٌّ َ َ ُّ ِّ َ َ
اجر ا ،قد و ِلد ِفى اإلسكند ِر ية وكان عمى الحاج (على) فيما مضى ِمن ده ِره -كما ع ِلم الصبى فيما بعد -ر جل ت ِ
ْ َْ ُْ َّ َ ْ َ َّ َ ْ َ َ َ
ومن أجل ذلك ُ
وظرف .وكان يت ِجر فى األ ر زِ ، ٍ صراحة
ٍ وم ْن وعنفِ ، ٍ قوة ْ
اإلسكندرية ِمن ٍ
ِ واحتفظ ِب َما أله ِل وشب ِفيها
ِّ ُ ْ َ ِّ َ ِّ ُّ ْ َ ََ َّ َ َ َّ َ ْ َ الح ُّاج َع ٌّ َّ
ارة ْأو ْأع َرض ِت الت َج َارة َعن ُه. لى (الرزاز) .فلما تقدمت ِب ِه السن أعرض( )25عن التج ِ
ُس ِّم َى َع ِّمى َ
َ ُ َ ُ َ َ َّ ْ ُ ًَ َّ َ َ َ َ ًْ ْ َ الق َ ُ ُّ َ َ ْ َ َ َ َُ ْ ٌ
الذى ل ْم َيك ْن َي ْسكنه ِم ْن غ ِير فسه غرفة ِفى هذا الرب ِع ِ اهر ِة يغل علي ِه( )26شيئ�ا ِمن م ٍال ،فاتخذ ِلن ِ وكان له بيت ِفى ِ
ََ ُ الر ُ ين إ َّل َه َذا َّ َ
الحديث.
ِ الفارسيان اللذان ذ ِك َرا فى َب ْع ِض هذا ِ وهذان
ِ جل ُ َ
المج ِاو ِر ِ
ٍّ ُ
بشباب األزهر
ِ (على) 7عالقة احلاج
َ ُّ َّ َ َ َّ َ َ َ َ ُّ ْ
إليــه ـت ْ (الر ْبــع) َعـ ْـن ِشـ َـم ٍال ِإذا َصعــدت الســلم حــى لفـ غرفتــه ىف آخــر َّ
ِ ـتقر ِف ـاج علـ ٌّـى) يسـ ُّ ولــم يكــد َعـ ِّـى (احلـ
ٌ ٌ ٌ ْ َّ َ ْ َ َ ْ َ َُ ْ َ ُ َّ ْ َّ َ َ
وبينهــم مــودة حلــوة متينــ�ة نقيــة وراقــوه( ،)27فات َصلــت َب ْينــ�ه العلــم ،أضحكهــم ِ ب
هــؤالء الشــباب ِمــن طــا ِ ِ
ْ َّ ُ َ ْ ُ َ ًّ ٌ َ ٌ (ِّ َ ُ )28 ٌ ْ ٌ
هــؤالء
ِ القلــوب حقــا .فقــد كان هــذا الشــيخ يعــرف ِمــن ِ ــران ىف
فيهــا ظــر ف كثــر ،وفيهــا رقــة وحتفــظ يؤث ِ
ُ ُ َ َ ْ ُ َ َ ُ َ َ َّ ُ ْ َّ
ـب ِمن ُهــم ذلــك .فــإذا َبــدأ أ ْسـ ُـبوع الع َبــث ،وكان يـ ُّ
ِ
دوف ُهــم(َ )29عــن َ
ِ ـدرس ،وص اب حبهــم للعلـ ِـم ،وجدهــم ىف الـ ِ
الشـ َـب ُ َّ ُ
ِ
َ َ رف ُهــمَّ ،إل َأ ْن َي ْسـ َـع ْوا ُهـ ْـم إليــهَ ،أ ْو ُي ُّ َ َّ َ َ َّ ُ َ َ ْ ُ ْ َ العمــل َلـ ْـم َي ْسـ َـع ْ
لحــوا ُهــم َعل ْيـ ِـه فــى أن إلي ِهــمَ ،ولـ ْـم ْيعـ ِـرض ل ُهــم ،حــى كأنــه ال يع ِ
َ َُْ ُ ُ َ ِّ َ ْ َ ْ ُ َ ْ ُْ ْ ُ َ َ َ َ َّ ُ ُ َ ً َ َ ُ َ َ َ ْ َ
ـاركهم فــى الشــاى .فــإذا كان يــوم الجمعـ ِـة لــم يم ِهلهــم ولــم يخــل بينهــم وبيــن أنف ِسـ ِـهم، يشــهد معهــم طعامــا أو يشـ ِ
ْ َّ ُ ُ َ َ َ َّ َ َ َّ وإن َمــا ْان َت َظـ َـر بهـ ْـم َح َّتــى َي َت َقـ َّـد َم النهـ ُ
َّ َّ
احـ ِـة .هنالــك َيخـ ُـر ُج ِمـ ْـن وسـ ُـه ْم مـ َـن النــوم َّ
والر َ
ِ
وحتــى َي ْعلـ َـم أن ُهـ ْـم قــــد أ ْرضـ ْـوا نف َ ـارَ ،
41
ُ َ ُْ ُ َّ �دأ بأقرب ُغ َ ُ َُْ
ينتقل والضجيج اللذين َرأيت ُه َما ،ثم ِ فِ ن الع هذا ى ف ِ ا فيوقظ َصاح َ
به ِ إليه، باب
ِ الش هؤالء فِ ر ِ ب في ه تِ ف غر
َّْ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ
وما َيز ُ َ َ
وم َع ُه َصاح ُبه الذى ْأيقظهَ ، َّ َ
فيوقظه َعلى هذا النح ِو بى ِ الص ِّ كذلك َحتى َي ْبلغ غرفة أخى َّ
ِ ال ِ ِ
إلى الغرفة التى تليها َ
ِ ِ
ُ ْ ُ َْ َ َ َ َّ َ ُ ْ َ ْ َ
للحياة ،وابتسمت لهم الحياة. ِ احتهم مبتهجين ،قد ابتسموا والشباب ِمن حو ِل ِه ف ِرحون م ِرحون يستقبلون يوم ر ِ
َ ُ َّ بري()30 ان َت ْد َُّ ْ َ َ ََ
اإلفطار
ِ الجمعة ،فهو ال ِذ ى يقترح عليهم طعام ِ ولهوهم البرىء فى ِ
يوم ِ طعامهم
ِ وإلى هذ ا الشي ِخ ك
َ َْ ْ َْ ُ َّ لهم فى ُغ ْر َفته ْأو فى ُغ ْر َفة َأ َحد ْ ُ ُّ
ويشير عليهم َب َما َين َب ِغى أن َي ْصنعوا ُ العشاء ،
ِ
َ
طعام همَ ،و ُه َو ال ِذ ى َيقت ِر ح عليهم ِ ِ ِ
عده ْ وقد ي
ُ َ ِّ َ ُ ُ َ َ ُ َّ ُ َ ُ َ يمكن أن ْيع َو َّجَ ، ْ َ َ اإلع َدادُ ، َ
ويشرف َعلى َهذا ْ َ ُ َ
صباحهم ،ثم يف ِارقهم ليصلى الجمعة ،ثم يصح ُبهم ُ ويق ِّو ُم ( )31منه ما ِ ِ
إلعدادهُ ،
ِ
َّ ُ
إليهم فيشاركهم ِفى َعشا ِئهم وفيما يكون بعده ِم َن الشاىَّ ،ثم إذا
َ ُ يعود ْ لحظةُ ،ث َّم ُ ً
ارقهم العص ُر َف ُ حتى إذا َو َجبت ْ َ ْ َ ُ ُ ْ َّ
يصحبهم،
ِ
ُ َ َ ُّ َ َ َ َّ
الغد.
ليعدوا الدروس التى سيسمعونها من ِ شاء فارقهم ِ
ُ الع ُ وجبت ِ
ِ صالتهم ،فإذا ِ المغرب أم ُهم( )32فى ُ َو َج َب ِت
والشباب ٍّ
(على) احل ِّب َبني احلاج َت ُّ
وطد ُ
ِ 9
ْ ُ َ َ َّ ُ ِّ َ ْ َ ُ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َّ َ ُ ُ ُّ َ َ
ويكلفون ِب ِه حبونه على ذلك ،أو ُي ِح ُّبونه ِم ْن أ ْجل ذلك ،أ ْو قل إنهم يحبون ذلك ِمنه أشد الحب، وكان أولئك الشباب ي
َ ُ ِّ َ كأنه َك َان ُي ْخ ُ
َّ َ
بابا من اللهو ما كانوا يستطيعون ويفتح لهم ً والدرس،
ِ ويريحهم ِم ْن ِجد العلم ُ رج ُه ْم ِم ْن أ ْط َو ِارهم، الكلف ،
ِ ْأعظ َم
الشيخ، الرجل هذا ل
َ ُّ َ ْ َ
و ح ون ف يلت كانوا حين يستطيعون َأ ْن ُ
يلجوه َ َ
وا
ُ
كان ما ل
َ ْ
ب أنفسهم، إلى يخ ُلون()39 ْ
كانوا حين أ ْن َيل ُجوه()38
َ
ِ ِ ِ
()41 ُ ُّ
نوبهم لتكاد تنقد من ويضحكون َل ُهَ ،ح َّتى َّإن ُج َ
َ َ
وحين كان َي ُص ُّب عليهم ُه َر َاءه( )40هذا بغير حساب ،كانوا يسمعون ذ ِلك منه
َ َ
َ ُ ً ً َ َ َّ َ َّ
ألفاظه النابي ِ�ة ،فكأنما كانوا يرون كلماته البذيئ ِ�ة ،أو لفظا من ِ الض ِحك ،ولكنهم على ذلك لم يكونوا يعيدون على الشيخ كلمة من ِ
ُ َ ُْ ْ َ يحون ألنفسهم أو ال ُت ُ يس َتمت ُعون به من بعيد ،وال ُيب ُ وي ْلهيهم َف ْ َ ً ُْ ُ
بيح لهم ظروفهم أن َيدنوا ِمن ُه أ ْو َيسعوا إليه. ِ ِ ٍ ِ
ُ
شيئ�ا يع ِجبهم ِ
يوم ُ
البطون يوم اجلمعة ُ
10
َ َ َ
الشيخ .فكانوا إذا أ ْص َبحوا ْاجت َم ُعوا إلى ِ صديقهم حياة وفى الطالب
ِ هؤالء
ِ حياةِ فى ون ط الب ُ يوم ُ يوم الجمعة َ
ِ وكان ُ
َ َّ ُ ُ ُ ُ إف َطار غزير َدسم َصاخب ،ق َو ُامه()50 ْ
التى كانت الجافة ِ ِ الفول والبيض ث َّم الشاى ،وما كانوا قد ادخروا من هذه الفطا ِئر ِ ٍ ِ ٍ ِ ٍ
َ َ َ
وحنان .وك ْم ذك َر وعطف ب الس َاذ َج َة وما يملؤها من ُح ٍّ قلوب ُه َّن َّ صنعها وفى تعبئتها َ ْ
فى ن ُأ َّم َه ُاتهم َيز ِّو ْد َن ُه ْم ب َها َو َي َض ْع َ
ٍ ٍ ِ ِ
ِّ َّ ُ ()51 َ ُ َ َ َ َ ِّ َ ُ ْ َ ُ ُّ ُ َ ْ َّ ْ َ ْ ٌّ ُ ْ ُ َ ْ َ ْ َ َّ ُّ ُ ْ َ
وجد أم ِه فى ب ما لم يكن بد ِمن كس ِبه ِمن النق ِد لتستطيع أمه أن تهيئ البنيها زادهما ِ ، بى جهد أبي�ه فى كس ِ الص
َ ِّ ُ َ ْ ُ
الصامت وه َى ت َع ِّب ُئ�هُ ، َ َ ْ الفرح وهى ت َه ِّي ُئ�هُ ، ُ َ َ ُّ َ َ ُ ْ
أح َمال ُه إلى َم ْن المن َهمرة وهى ت َسل ُم ْ
ِ
وعها ُ ود ُم َ
ِ
وحزنها َّ الزاد وتكلف َها صنع هذا ِ
القطار. ُ
سيذهب به إلى
ِ
َ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َّ ُّ َ َ َّ
وصيهم ِ التهاما ،يغمسونه فى الشاى ك َما كان ُي ً الشباب يلتهمون هذا الزاد ُ هؤالء
ِ ين كان بى هذا كله ِح كم ذكر الص
ُ َ ُّ َّ َ ْ َ ْ َْ ُ َ ُ
يغه()53 ليبلوه فى أفواههم ولت ِس أكواب الشاى ِ ِ راسهم قض ًما ،ثم َي ُع ُّبون فى الشيخ ،أو يق ِضمونه( )52بأسنا ِنهم وأض ِ
يذكرون آباءهم َ َ َ سهل ًّ ً ُ ُ
وما الشيخ وفكاهته ،ال ِ دعابة
ِ من يتضاحكون ذلك �اء
ِ ن أث فى وهم �ا، هني ذلك بعد هم لوق ح
ْ َ ٍّ َ َ ُّ
احتملن ِم ْن كد وما ذ َرف َن(ِ )54م ْن دموع. َ أمهاتهم وما ِ َجدوا ،وال يذكرون
ْ ُ َ َّ َّ ُ َ َ ُ
والثالثة من الشــاى الذى ُيقبلون عليه بعد ِ الدورة الثاني�ة ِ الطالب ُيد ِّبرون عشــاءهم أثن�اء وكان الشــيخ وأصدقاؤه
اإلفطار.
ُّ ْ
السخ ِف :اإللقاء بالنفس عليه. ( )48التساقط على ( )42كظم الشهوات :إمساكها والتحكم فيها.
َ َ
(ِ )49سريت ُه ْم :طريقتهم. ( )43على وجهه :المراد :كما ينبغى.
(ِ )50ق َو ُامه :عماده ونظامه. ( )44التورط :الوقوع.
َ
( )51ز َاد ُه َما :طعامهما ،اجلمع :أزواد وأزودة.
َ ْ (َ )45ي ِف ُّل :يكسر ويضعف وينهى.
(َ )52يق ِض ُمونه :يكسرونه ،املراد :يأكلونه.
ُ َ ( )46العزائم :الهمم واإلرادات ،املفرد :العزيمة.
( )53ولت ِسيغه :تستعذبه وتقبله.
َ َ ْ َّ ُ
أسلن الدموع بغزارة. ( )54ذ َرف َن: ( )47الت َهال ِك :اإلقبال الشديد واحلرص.
43
َ َ َ ٍ ُ ُّ َ ُ
اك َ
اهر
طاه م ِ
ميع ىف طعام ي ِعده ٍ
ِ اجل اشت
ِ 11
ْ
الس ُّن َو َجد لذك َر ُاه ك َر فيه َب ْع َد َأ ْن تقدمت به ِّ َ َّ ِّ َ َ ُ َ ً
وي ْملؤها خ َجل ،فلما ف نفس الصىب العشــاء َي ْقب ُض َ تدبريهم لهذا َ وكان ُ َ
ِ ِ
َّ ً ً ُ َ َ ً ً
لونان من حنانا وإعجابا .كانوا يت�داولون ويتشاورون .ولم يكن ميدان مداوالتهم ومشاوراتهم واسعا وال عريضا .وإنما هما ِ
َ ُ َ ْ ُّ
خليط من ٍ والبصل ،وإما الق ْرع ىف ِ والطماطم
ِ اللحم
ِ خليط من
ٍ
ُ
البطاطس ىف ألوان الطعام لم َيشــذوا َعن ُهما ق ُّط( :)55فإما
َ ِّ َ ِّ ْ َ َ
األصناف كلها ،ثم ُيقدرون ِ أقدار ما َيشــرون من هذه ِ احل َّم ِص .وكانوا يتفقون على وىشء من ِ ٍ والبصل
ِ اللحم والطماطم
َ ْ ُ َ َ ٌّ ُ ُ َ
َ
اجتمع الغرامة فإذا
ِ الثمن إال الشيخ فكانوا ي ِر ُجونه ِم ْن هذه ِ منهم ِح َّصته(ِ )56م ْن هذا رج كل ُ ثمن ما سيشــرون ،ثم ي ُ َ
ََ َ َ َ ُ ََ َ َ َ َ ُ َْ َ
وق ِد ِه فأوقد لهــم ما حيتاجون إليه من نق ٍد ،ذهب أحدهم فاشــرى لهم طعامهم .فإذا عاد بما اشــرى نهض أحدهــم إىل م ِ
َ
وأصحابه ينظرون إليه مجتمعني أو
َ ُ ُ
عام ُي َه ِّيئ�هالط ِ ت َج ْذ َو ُته(ْ )57أق َب َل على َّ َ َ ْ ِّ َّ
نــاره ِم ْن هذا الف ْح ِم البلدىَ ،حت إذا صف
ََ َ فيــه َ
َّ َ َ َ َّ بي حني وحنيَ ،ح َّت إذا َت َّم لــه م ْن َت ْه َيئ�ة َّ َ َ َ َْ ُ َ
الط َع ِام ما أ َراد خلــى بين�ه وبني ه ِذه النار ِ ِ ٍ ٍ يلقــى إليه نصاحئه متفرقني ،والشــيخ ِ
حني
َ َْ ُ َْ َ َُُْ َ َ َْ ُ َ ُتنض ُجه على َم َ
اه ِيهم يطف نفسه بني ٍ الشيخ يعبثون ،أو إىل أنفسهم يدرسون ،وط ِ َ ِ صديقهم إىل القوم واجتمع ، ل ٍ ه ِ
ََ ُّ ْ َ َْ َ ْ َ َ ً
ماء .وكلهم َيتن َّس ُم قطرات ِمن ٍ ٍ وحني
ٍ حني َ َ
الطعام مخافة أن حيرتق أو يفسد ،وليلقى عليه بني ٍ ِ ليلقى نظرة على هذا َ وحني
ٍ
ْ ُ َّ َّ ُ َ َ
اإلنضاج.
ِ الطعام كلما تقدمت ِبه إىل ِ هذه الراحئة الذكية( )58الىت ت ْبعثها الن ُار ِم ْن هذا
َ َ ْ َ َ ْ َ ُ َّ َ ْ َ ِّ ُ َ ِّ ُ
أحد
13احلاج على يقسم الطعام بالعدل ويمنع التعدى ِمن أ ى ٍ
ِّ َ َّ َ ُّ َ َ ُ ُ َ َّ َ َ َ ً ِّ
آخرين .حتى إذا ُصل َي ِت وي ُمد أل َم طيل لذة ٍ
قوم البال ،فكان ذلك ي ُ
وكانت نار هذا الفحم البلدى بطيئ�ة طويلة ِ
ُ َ ُ َ َ ُ َ ُ َ ْ ُ ُ
مائدتـهـم وأقبلـوا علىِ الــقـوم حــول فاجتمـــع الطعام قـــد نضج، الغروب كان
ِ الشمس إلى يت
العصر ود ِع ِ
الطعام ،وكلهمِ
َ َّ
توف َى َحظ ُه ِم ْن هذا َْ ْ ٌ َّ ُّ َْ َ َ َّ ُ ْ
الجد الهازل أو الهزل الجاد ،كلهم حريص على أن يس ِ طعامهــم فى نشاط ي ِ ِ
ه ب ش ِ
َ َ َ ُّ
أصحابه أن يسبقوه أو َيشتطوا عليه( ،)61وكلهم يستحيى أن ُي َ َ
الحرص أو ُي ِب ِ�دى هذه المراقبـة. ظهر هذا راق ُب
ي ِ
ُ
َ َ ُ
ِ
املـديـنـة ِ
أطــراف ِ
اجلمـاعـة ىف 15تـف ُّـرق
كل م ْن هؤالء الشباب لوجهه ،وتركوا َّ ٌّ ُ ََ َ
�اعدة
أطراف متب ٍ
ٍ (الر ْب َع ) واستقروا فى ِ ِ ِ ثم تف َّر قت الجماعة ،وذهب
َ ْ
انقطعت ،ثم تن َ ُ ْ
�اس ْوه( )68ثم ن ُسوه. من المدين ِ�ة ،وقلت زيارتهم للشيخ ،ثم
45
الفصل الخامس
اإلمام (محمد عبده) واألزهر الجزء الثانى
مجمل األحداث
ُُ ُ َ ُ ُ َ َُ
ب األزهر.
-2الشبان يضيقون بكت ِ وس َمات َس ِاكنها. -1الغرفة مصدر الفكاه ِة ِ
شبـان األزهـر. النجباء مـن الطالب قر ُب إلىَ -4ساك ُن الغرفة َي َت َّ اإلمام. بتلمـذتهم علـى
َ ُ
-3الشبان يفخرون
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َّ
الصبى.
ْ َ
وي َح ِاول أن يشارك
َ ُّ
الن َجباء ُ ْ ُ
َ -6س ِاك ُن الغرفة َيت ُرك الطالب الع ُروض. الغ ْر َفة وع ْلم َ َ ُ ُ
-5س ِاكن
ِ
ِّ
أصحابـه.
ِ األثريـاء مـع
ِ الشـاب وات َصالــه َبط َبقــة
ِّ ْ -7ار ِتقــاء َحيــاة
ُ ُ ُ ُ
وباملحافظة.
ِ باإلمام وخبصومهِ ساكن الغ ْرفة يتصل -8
ُ
الغرفة.
ِ صاحب
ِ -9موت
تفصيل األحداث
ُ ُ َ َُ
وس َمات َس ِاكنها
1الغرفة مصدر الفكاه ِة ِ
َ ُ َ َ
الس َلم ،وكانت َم ْصد َر فكاه ٍة وم فيه َغ ْير َبعيد عن شمالك إذا َصعدت ُّ وغ ْر َف ٌة ُأ ْخ َرى م ْن ُغ ْر َفات هذا الربع كانت َت ُق ُ ُ
ِ ِ ِ
َ ً ُ َ
الشباب أ ْيضا. ِ ابة َو ْلهو لهؤالء ودع ٍ
ً ْ َ َ ََْ ْ َ ً َ َ َ ْ ُ ُ َ ٌّ َ َ َّ َ َ ْ َ َ ْ َ
الب ش ْيئ�اَ ،وقد كان أقد َم ِمن ُهم عهدا باألزهر ،ولكنه كان من ِج ِيلهم ومن ُّ
كان يسكنها شاب لعله كان أكبر ِمن هؤالء الط ِ
هللا للون من الع ْقل ،لم َي ْأ َذن ُالصوت َي ْكفى َأ ْن َت ْس َم َعه ل َت ْض َح َك م ْن َص ْوته .وكان َض ِّي َق َ
ِ ِ ِ ِ
َطبقتهم على ُك ِّل َحال .كان َنح َيف َّ
ِ ِ
ِ ِ ٍ
َ َْ ُ ْ َْ َُْ َ َ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ ُْ ً َ ْ ُ ً َ َ َ ْ َ َّ َ ْ َ ْ َّ َ َ ْ َ ْ
بالعل ِم أن يستقر ِفى رأ ِسه؛ ألن عقله كان محدودا محصورا( .)1وكان قصير الذك ِاء لم يأذن هللا ِلذه ِنه أن ينفذ ِإلى أقر ِ ألوان ِ
َْ ُ ْ َ ًّ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ ِّ َ َ َ َ َ َ ْ الكت َ ُ ُ ُ ْ َ َ َ
قبله ،مطم ِئن�ا فى غير الفها .وكان مع ذلك واسع الثق ِة ِبنف ِسه بعيد الطم ِع فى مست ِ ب على اخ ِت ِ ِ ش ْى ٍء َو َر َاء َما كان َيق َرأ فى
ْ َ ُ ََْ َ ُ َ ُ ُ َ َ َّ َ َ َ َ ُّ
الدروس.
ِ ويش ِاركهم فى أكثر ما َيختلفون إليه من تكل ٍف إلى أنه كأ ْص َح ِابه هؤالء الذين يعيش معهم
َ َ َ
الدرس كان ك ْن َي ِخف لدرس األصول؛ ألن هذا
ُّ اإلمام) ،ولم َي ُ األســتاذ ِ ََْ َ َ َ
البالغ ِة ود ْر َس الفقه ودرس َ ْ ُ َ
ِ كان يشــهد معهم (درس ِ
َ ً ْ َْ َ َ َ َُْ َ َ َْ َْ َُ ََْ
احت ِه ُمؤ ِث ًرا وبها ض ِنين�ا(.)2 جر ،وقد كان ِلر ِ يقت ِضيه أن يخرج من غرف ِته مع الف ِ
َ َّ
ات التى ال تت ِص ُل ُ َ َ َ ْ َ ٍّ ُ َ ُ ُ َ َ َْ َ ُ َ ُ َ ْ َ َُ
عتهم( ،)3وكان يش ِاركهم ِبنو ٍع خاص فى هذه المطالع ِ وكان يش ِارك أصحابه فى بعض مطال ِ
ُ ْ
بالكتب التى كان الشيوخ َيقرءونها. ِ المنظمة وال
ِ بالدروس
ِ
ُُ ُ َ
ب األزهر
2الشبان يضيقون بكت ِ
ً ً
( )5يألفوها :يعتادوها. ( )3مطالعتهم :قراءتهم. محصورا :املراد :ضيقا. ()1
ً ً
( )4قيمة :ثمين�ة ،مادتها :قوم. ( )2ضنين�ا :خبيل ،واجلمع :أضناء.
ُ
3الشبان يفخرون بتلمـذتهـم علـى اإلمام
َ الصادقة فى الع ْلم واالطالعَّ ،
ورب َما َ ُ ُ ُ يدفعهم إلى ذلك ُّ كان ُ َ
دفعهم إلى ذ ِلك مع ِ ِ ِ هم ورغبت ِ
اإلمام لألستاذ
ِ الصادق هم حب
َ َْ َ ُ ٌ
وللشيخ بخيت وللشيخ أبى خطوة ِ ِ
اإلمام (لألستاذ
ِ م هالشباب ،فقد كانوا يفخرون بتل ِ
ت
ِ مذ ِ رور
العاطفة شىء من غ ِ ِ هذه
َ َّ ُ َ َُ
الم ْصطف ْي َن.األئمة وبأنهم من تالميذهم المقربين ُ ِ هؤالء
ِ الميذ
وللشيخ راضى) ،وكانوا يملئون أفواههم بأنهم ت ِ
َ َ ُ َ ُُ ُ َ َُْ َ
زورون شيوخهم فى بيوتهم ،وربما شاركوهم وسهم ،وإنما كانوا ي الشيوخ فى در ِ ِ هؤالء
ِ إلى باالختالف
ِ ون ولم يكونوا يكتف
ُ َّ ُ َّ استم ُعوا منهم ً فى بعض البحث ،وربما َ
دروسا خاصة فى يوم الخميس بعد أن تصلى الظهر أو بعد أن تصلى العشاء، ِ ِ
َ َ ْ َّ ُ َ َّ َّ َ َ
الكتاب أو وكانوا ال يكرهون أن َيعرف عنهم زمالؤهم هذا كله ،وأن يتحدث عنهم زمالؤهم بأنهم َيقرءون فيما بينهم هذا
ِّ َ َ َ ِّ َ َ
األزهر
ِ ظاهر من االمتي�از( )8بين زمالئهم ،حتى ُعرفوا فى ٍ شىء
ذاك فى هذا الفن أو ذاك .وكانوا قد وصلوا بهذا كله إلى ٍ
َ َُ ْ َ ُ ُ َّ ِّ َّ
األوساط(ِ )10م ْن
ُ سعى إليهم المعقول أن َي َ
ِ
فكان م َن َ
ِ األزهر وأخلق ُهم( )9بالمستقبل السعيد. ِ ب كله بأنهم أنجب طل ِ
َ ُ ِّ َ َّ َ َ ُ
الناس أنهم من أصدقا ِئهم وأصفيا ِئهم( ،)11ويلتمسون عرف ُ لتم ُسون التف ُّوق فى االت َص ِال بهم واالمتي�از حين ي َ
زمال ِئهم ي ِ
َ َُ َ َّ ُ َ َ
األوساط قد اتصل بهذه ِ الطالب
ِ احبن�ا ِمن هؤالء األساتذة ،وكان ص ِ وأئمة
ِ الشيوخ
ِ بكبار
ِ وا ل ص
ِ ت ي أن إلى ة يل بذلك الو ِس
َ ِّ َ َ ُ ْ ٌ َّ
(لألستاذ
ِ الطالب ،ليقول زمالؤه إنه واحد منهم ،وليستطيع ِبحك ِم هذه الصل ِة أن يصحبهم فى ِزياراتهم ِ الجماعة منِ
الشيخ بخيت). ِ ِ
اإلمام أو
ْ َ
( )10األوساط :املتوسطون. ( )6ن َّوه بها :رفع ِذكرها.
( )7أعياهم :أعجزهم.
( )11أصفيائهم :جمعَ :ص ِف ٍّى وهو الصديق املختار ،مادتها :صفو.
( )8االمتي�از :التفوق.
( )12اإلبانة :اإلفصـاح. ( )9أخلقهم :أجدرهم.
47
َ َّ َ ََ َ ِّ ُ ْ ً
ُ
يشعر َمال ،أو قل إنه كان ُيقت ُر على نفسه إذا خل إليها ،فإذا ات َصل بأصحابه َي َّس َر على نفسه وأنفق عن َس َع ٍة( ،)13وربما كان
ً َ
حاجة ُم ِل َّح ٍة ،فيقدم إليهم من ذلك ما يريدون رفيقا بهم
ٍ بحاجتهم إلى النقد( )14لشراء كتاب ،أو ألداء د ْي ٍن َع ِاج ٍل ،أو إلرضاء
َ ُ ُ َ ُ َ ُ َ ً
ويحمدون ُه ،ولكنهم لم يكونوا ُي ِطيقون َج ْهله ،وربما لم َي ْم ِلكوا أنفسهم فض ِحكوا من هذا ُمتلطفا لهم ،وكانوا يعرفون ذلك له
ّ ً عنيفا ،فيه ٌ ً ْ َ ًّ ُّ
راضيا ،ويتلقاه كثير من االزدراء( )15القاسى ،ولكنه كان يقبل ذلك بمحضر منه ،وردوا عليه ُسخفه ردا
ٍ الجهل
ِّ َ باسما .وما أظن أنهم قد عرفوا فى وجهه الغضب ً ً
يوما ،على كثرة ما كانوا ُيثقلون عليه بالغض منه( )16واالزدراء له.
ْ َ َ ُّ
الن َجباء ُ َ ْ ُ
َّ
الصىب وي ِاول أن يشارك الغرفة َي ُتك الطالب
ِ َ 6س ِاك ُن
َ ْ ً ً ُّ
األمر أنه ليس من يغاضبوه .وكأنه أحس ِآخر ِ وقد أقام هذا الشاب على ذلك مع أصدقائه أعواما طوال لم يغاضبهم ولم ِ
التع َّلت()22 َ َ َ َّ ُ َّ ً ً ُ ََ
تلك الحلبة( ،)21وأنه ال يستطيع أن يجرى فى ذلك الميدان ،فأخذ يتخلف قليل قليل عن الدروس ،ويتكلف ِ
ً
أحيانا والزيارات ً ُ
يشارك َ َ
دائما. القوم فى مطالعتهم ،ويكتفى بالمشاركة فى الشاى والطعام والمعاذير( ،)23ال
َ ْ ً َ َّ
الشاب يظهر العطف عليه والقد َر له، ُّ ُ
الدرس أيضا ،وإذا هذا َ
وتقدم به الس ُّن بالصبى فى أثن�اء ذلك،
قدمت ِّ وقد ت
َّ َُ َ ُ ُ َْ
عرض عن مشاركة أقرا ِن ِه( )24وأنداده( )25إلى مشاركة هذا الغلم الناشئ، وإذا هو يع ِرض عليه أن يقرأ معه الكتب ،وي ِ
ََ ويأخذ الغالم فى أن يقرأ معه ً
كتب�ا فى الحديث وأخرى فى المنطق وأخرى فى التوحيد ،ولكنه ال يجد عنده غن ًاء(.)26
راغبا فيه ،وإذا هو َي ْح ُ َّ
والتن ُّ�در به ،وليس هو ً
قادرا على ذلك وال ً ً
تال( )27فى التخلص منه وليس الغالم فارغا للضحك منه
ضى لشأنه. ُ
والم ِّ
( )20أغرى به :جعلهم يسخرون منه. سعة :غ ًن ،مادتهاَ :
(و ِس َع). (َ )13
ِ
( )21احللبة :املراد :ميدان السباق. ( )14النقد :المال.
َ َّ َّ َّ َّ
( )22التعالت :جمع( :التعلة) وهى ما ُيت َعل ُل به وما يتشاغل به. ( )15االزدراء :التحقيـر.
احل َجج ،املفرد :املعذرة.( )23املعاذيرُ : ( )16الغض منه :احلط من قــدره.
( )24أقرانه :أمثاله ،املفردِ :ق ْرن. ()17العـــــروض :العـــلم الـــذى يـــدرس موسيــقا (الشعر).
ٌّ َْ ٌ
( )18شاهد :دليل على قاعدة حنوية من ِش ْع ٍر أو ن ٍث ،اجلمع :شواهد،
ٌ
( )25أنداده :أمثاله ،املفردِ :ند.
َْ َ ُ ُ
( )26غناء :نفع وكفاية. أما الشاهد الذى يؤدى الشهادة فجمعه :شهود وأشهاد.
( )27حيتال :يلتمس حيلة. الع ُروض :املراد أوزانه وتفعيالته الىت ُ
ينتج عنها موسيقا الشعر. أبر َُْ
ِ (ِ )19
ِ ُ ُ ُ ُ
وباملحافظة
ِ باإلمام وخبصومه يتصل ساكن الغ ْرفة 8
صل باألســتاذ وش َ ُ ُ َّ ٌ اإلمام َ ُ َ
ــيع ِته(،)28 ِ من األزهر ىف تلك املحنة السياســية املعروفة ،وإذا صاحبن�ا مت ُ وقد خ َرج األســتاذ
ً
يعتهم أيضا. وش ِ متصل خبصوم األستاذ اإلمام ِ
َ ْ
ُّ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ
ـاح ُبنـا
وقد أخذ األزهر يضطرب ،ودخل ِت السياسة ىف ذلك االضطراب ،واختصمت فيه السلطتان( ،)29وإذا ص ِ
َ َ َ َّ ُ ْ ً
ويتكشف األمر ذات يتـصـل باملضربيـن مشاركا لهم ىف اإلضراب ،ويتصل خبصوم اإلضراب ُمف ِش ًيا لهم أسرار املضربني.
ُ ُّ ً ُ ْ َ ُ ِّ ُ يوم! -عن َّأن صاحبن�ا قد كان ُم َّتص ًل ُ َ
وي َرد قطعا عنيفا بين�ه وبني أصدقا ِئ ِه، لة ً بالم َحافظة ،فتقطع الص ِ يـوم -ويا ل ُه ِمن ٍ
ٌ َْ
جميعا ولم ي َس ْره أحد، ً (الربع) ،قد َخس َر َ
الناس وي ْق َب ُع ىف غرفته تلك ىف َّست ْق َب ُل فيهاَ ،
ُ َ
عن البيوت الىت كان َي ْس َعى إليها وي
ِ
ً
مكتسبا ضض()30 َ َ ً ُ َْ ً ُ ُ ً َ َ ُْ َّ ُ َ َّ َ
وقد قصرت به همته عن درجة األزهر ،فهو ين ِفق حياته اخل ِاملة وحيدا بائسا محت ِمل خموله على م ٍ
َّ ْ َ
عيش ُه ىف َمشقة.
ُ
الغرفة
ِ صاحب
ِ 9موت
َ َّ َ ثم ُي ْن ُ
حسرة؟ أم مات من الحرمان؟ ولكن أصدقاءه ٍ بئ المنبئ ذات يوم بأنه قد مات .أمات من عل ٍة؟ أمات ِم ْن
الن ْع َى( )31فال يأخذهم وجوم ،وال يمس ُن ُفوسهم ُح ْزن ،وإنما َي ُتلون هذه اآلية الكريمة التى َن ْت ُلوها َد ً
ائما حين
َّ
يسمعون
ْ
ُينعى إلين�ا الناس ﴿ :ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾(.)32
ُ
َّ
( )31النعى :خرب املوت. (ِ )28شيعته :أتب�اعه وأنصاره ،اجلمع :أشياع.
( )32سورة البقرة من اآلية .156 ()29السلطتـان :املراد :سلـطـة احلكومــة وسلطة رجال الدين.
( )30مضض :ألم.
49
الفصل السادس
انتساب َّ
الصبى لألزهر الجزء الثانى
مجمل األحداث
ُ ُ َّ ُ
وس َماته.
-2األستاذ الجديد للصبى ِ
تأثر الصبِّى َّ
بالربع. ُ -1
-4منهج األستاذ فى التدريس. الصبى أستاذه؟َ -3ك ْي َـف َع َر َف َّ
-6امتحــان َّ
الص ِب ِّى فى القرآن. أستــاذه. راض عـن َّ
ِ -5الصبــى ٍ
معصم َّ
السوار الجديد َح ْول َ َ ُ
اللة ِّ َ ْ َ َ ُ
الص ِب ِّى. -8د احه.
ِ -7ضيـق الصبـى باالمتحـان والممتحنين رغم نج ِ
َْ ْ
وان ُ -9االمتحان الطبى َّ
تسابـه لأل زهـر. للصبى
تفصيل األحداث
الصىب َّ
بالربع ِّ ُ
تـأثـر 1
تراكم َم َع ذلك وي ُ طيعاَ ، تهد ًجا(ُ )1م َت َك ِّس ًرا ُي َق ِّط ُع الحروف َت ْق ً َ َ ُ ُ ِّ
الصوت إذا ت َحدث .كان صوته م
َ َّ َ وكان إلى هذا َغريب َّ َ
ِ
يكاد َي ْس َم ُعه المتحدث إليه حتى يضحك ،وال ُ وق َب ْعضَ ،و َت ْن َفر ُج َش َف َت ُاه َع ْن َكالمه ْأك َثر م َّما َي ْن َبغى ،فال ُ َْ ُ ْ َ
يكاد ِ ِ ِ ِ ِ ٍ بعضه ف
ُ َْ ْ َ ُ َ ُُ
َي ْم ِضى فى الحديث معه حتى يقلد فتور صوته وتكسره وانفراج الشفتين عنه.
ّ َ َ
ُ ِّ ً ُ َ َْ
متعجل ل ْب َسها ،ولم َيك ِن «الفرج َّية(»)2
ِ العلماء فاختذها ولبس ِ شارة
ِ العاملية حىت أسرع إىل بدرجة ِ ِ ولم َيكد يظفر
َ ٌ ُْ ٌ ُ ُ َ َ ُ َ َ
العلم سابقة وقد َمة( )4ت َي ِّس ُر لهم حياتهم بالدرجة( )3وتعرف لهم ىف ِ ِ العلماء يتخذون هذه الشارة إال ْبعد أن يبعد َع ْهد ُهم ُ
ً
المادية شيئ�ا.
( )3يبعد عهدهم بالدرجة :املراد :تمر فرتة زمني�ة طويلة. ً
متقطعا. ً
متهدجا: ()1
ُْ َ ٌ َّ َّ َ َ
( )2الفر ِجية :ثوب واسع طويل األكمام يزتيا به علماء الدين (وهى ( )4قدمة :السابقة ىف األمر (األقدمية).
كلمة محدثة).
َّ
الص ِّ
ب ىف القرآن 6امتحــان ِ
ً َ ْ َّ ُ ُْ َ
االمتحان فى حفظ القرآن ت ْو ِطئة
ِ
ُ
سيذهب إلى الفق ِه أنه
درس ِ ُّ
الصبى بعد ِ المشهود ،فأنبئ ُ
اليوم وقد أقبل
َ ُْ َ النتسابه إلى األزهر ،ولم يكن الصبى قد ُأ ْنب َئ بذلك من ُ
قبل ،فلم َي َت َّ
االمتحان ،ولو قد أن ِبئ به لقرأ القرآن على
ِ هيأ لهذا ِ ِ ِ
ً َّ ً َ َ
احتقارا. (ً )7
شزرا :النظر بمؤخرة العني ،املراد: حافيا ىف نعل ْيه :املرادَ :يرتدى الن ْعلني بال َج ْورب. ( )5
َ
( )6أناته :وقاره ،المادة( :أن).
51
َ َّ ً
تالوة القرآن منذ وصل إلى القاهرة .فلما أنبئ بأنه َس ُي ْمتحن ِ
اليوم ،ولكنه لم ْ
يفكر فى نفسه مرة أو مرتين قبل ذلك ِ
َ َّ ً َ ُ ًَ
مضطرب النفس أشد الع ْميان) خائفا أشد الخوف، (زاوية ُ وجل ،وسعى إلى مكان االمتحان فى بعد ساعة خفق قلبه
َْ َ َُْ َ ْ ً ًَ ََ ْ ً ُ ْ
الو َج ُل فجأة ،وامتأل قلبه حسرة وألما ،وثارت ِفى نف ِسه ذهب عنه َ االضطراب ،ولكنه لم يكد َيدنو من الممتحنين حتى َ
َ َ عة لم ْين َ ٌ َخ ُ
أمامهما ،وإذا هو َي ْس َم ُع أحد الممتحنين َ الممتحنان من الطالب الذى كانِ
َ
انتظر أن يفرغ قط ،فقد سها ُّ الذ واطر ِ
ِ
َْ ْ َْ ْ َْ ْ َََ ْ ْ ُ ُ
ومن قل ِبه أسوأ وقع« :أق ِبل يا أعمى». يدعوه بهذه الجملة التى وقعت من أذنه ِ
َّ ُ َ ْ َ
هذه الدعوة قد ِسيقت كالم ،لما صدق أن ِ الم ْمت ِحنين فى غير ٍ ولوال أن أخاه أخذ بذراعه فأنهضه فى غير ِرف ٍق وقاده إلى
قطكان لم َي ْن َس ُّ َ كثيرا من الرفق به َوت َج ًنب�ا لذكر هذه اآلفة بمحضره .وكان ُ
يقدر ذلك وإن تعو َد من أهله ً إليه ،فقد كان َّ
ْ ْ َ وط َ َ
الممتحنين ُ ومع ذلك فقد َج َل َس َ قط عن ذكرهاَ . شغل ُّ ُ َ
فلم يكد لب إليه أن يقرأ (سورة الكهف)، أمام آفته ولم ي
ْ ْ َ
اآليات األولى منها حتى ُطلب إليه أن يقرأ (سورة العنكبوت) ،فلم يكد َي ْم ِضى فى اآليات األولى ِمنها حتى ِ يمضى فى
َ ْ َ ُ َ َ
قال ل ُه أحد الممتحن ْين« :انصرف يا أعمى ،فتح هللا عليك».
َّ
الص ِّ
ب َ َ ْ َ َ ُ ِّ
8دل لة السوار اجلديد حول معصم ِ
َ ُ َ َ َّ َ َ َ ْ ْ
ولم َيخرج من (زاوية العميان) ق ْبل أن يعطف به أخوه على بعض أركا ِنها ،فتلقاه هناك أ َحد الفراشين ،أو أحد
سوارا من الخيط جمع طرفيه بقطعة مختومة عصمه ً وأدار َح ْو َل م َ
اليمنىَ ، ذراعه ُ «المش ِّدين» ب ُلغة ذلك الوقت ،فأخذ َ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
ََ َ ْ
من الرصاص ،وقال له :ان َص ِرف ،فتح هللا عليك.
يمر َكامل حتى َّ ً ً حول َْ ُّ َ َّ َ َ ً الصب ُّى لهذا ِّ ولم ْيف َهم َّ ْ
أمام أسبوعا معصمه السوار سيظل ولكن أخ ُاه أنب�أه بأن هذا السوار معنى، ِ ِ
ُ َ ُ ِّ َّ
(الجدرى). التطعيم الواقى ِم َن
َ وي َط ِّعمه سنه ُ يمتحن صحته ويقدر ُ الطبيب الذى َس
ِ
َ َ َْ َ ُ َّ ٌ َ ُّ َ َ ِّ َ ً َّ َ َ
لالنتساب إلى األزه ِر ،وقد جاز
ِ الجديد الذى كان يدل على أنه مرشح ِ وار
يبتهج بهذا الس ِ َوقد كان الص ِبى خليقا أن
ُّ
َ ً َ َّ َ َّ
أسبوعه كما تعود أن َ وص ْر ِفه َّإياه .وأنفق مشغول َعن السوار بدعوة الممتحن له َ
ِ ِ المرحلة األولى ِم ْن مراحله ،لوال أنه ظل
ائدا منه بعد درس الفقهُ ،ث َّم َذ ً
اهبا
َ ً
ذاهبا إلى األزهر مع الفجر ،ع الحاج على)ً ، ِّ
(عمى مستيقظا على َص ْوت ِّ ً
أيامه،ينفق َ
ً َ َ َّ
فغاديا على فنائما فى َم ْجلسه ذاك، ً لس ِه ذاك، َ ْ ُ ً
درس النحو ،ثم م ِقيما فى مج ِ
ً
إلى األزهر مع الظهر ،ثم راجعا منه بعد ِ
بأن الصالة ٌ َّ يسمع َ ُ األ ْز َهر ح َ َ
خير من ِ
النوم. المؤذن
ِ نداء ين ِ ِ
َْ ْ
وان ُ االمتحان الطىب َّ
تسابـه لأل زهـر للصىب 9
َ َْ
الممتحن.
ِ الطبيب كما د َعاه
ُ وفى نفسه شىء من اإلشفاق أن َيدعوه الطبى ،فذهب إليه َّ
الص ُّ
بى ِ
االمتحان ِّ
َ َو َج َاء ُ
يوم
َ َ
وخ َّط فيها ُخ ً ً ُ ْ
طوطا ،وقال: دفعا ،فأخذ ذراعهأحدا ،وإنما دفعه أخوه إلى الطبيب ً الطبيب لم َيد ُعه ألنه لم َيك ْن يدعوَ ولكن
َ ُ َْ
«خمسة عشر» ،وانتهى األمر ِعند هذا الحد.
ُ ٌّ َّ ِّ ْ َ ََ طالبا ُم ْن ً
الصب ُّى ً وأصبح َّ َ
تسبا إلى األزهر ،ولم يكن قد بلغ السن التى ذكرها الطبيب والتى لم يكن بد منها لصحة ِ
َ ٌّ ْ ُ َ َ َّ َ َّ
وعاد إلى غرفته وفى نفسه شك ُمؤ ِل ٌم االنتساب ،وإن َما كان ِفى الثالثة عشرة من عمره ،وقد ُحل السوار َع ْن ِم ْع َص ِمه،
ْ َ ٌ
لذيذ فى أ َمانة الممتحنين وفى ِصدق الطبيب.
مجمل األحداث
ُ َّ َّ
-2الصبى ال يتحدث إلى أحد عن وحدته وقسوتها. -1الحياة الشاقة على الصبى وأخيه.
هد الوحدة القاسية. ُ َ َ -3س ْي َط َرة الحزن على َّ
انقضاء ع ِ -4 الصبى.
تفصيل األحداث
َّ ُ ُ
يه
وأخ ِ
1احلياة الشاقة على الصىب ِ
العل ِم
ْ َ ُ َّ ُّ َّ َّ ُّ َ َ ْ َ َ بى وعلى َأخيـه ً الص ِّ شـاق ًة على َّ َّ َ ُ
الح َياة
َ َ ْ َ
بى فقد كان يستقـل مـا كان يقدم إليه مـن ِ معا .فأما الص وكانت ه ِـذه
َ ُ َ َ َ ْ ْ ُ َ َ َْ َ ُ ُ َ ُ
وحدته ِفى الغ ْرفة َب ْعد أكثر مما كان قد َبدأ ِم َن الفنون .وكانت �دأ َ الدروس ،ويبِ أكثر مما كان يشهد من يشهد َ ويتشوق إلى أن
َ َ َ َ ُّ ً َّ َ ُ َّ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ
َ
والكالم يستطيع لها احتمال ،وكان َيود لو استطاع الحركة أكثر مما كان يتحرك ُ رس الن ْح ِو قد ثقلت َعل ْي ِه ،حتى ل ْم َيك ْن د ِ
َُ َ َ
وم ْم ِس ًيا .وثقل الصبى إلى األزهر وإلى البيت ُم ْصب ًحا ُ
ِ ِ ِ
يقود َّ اضطراره إلى أن ُ أكثر مما كان يتكلم .وأما أخوه فقد ثقل عليه َ
ْ ُ َ ُ َْ َ أيضا أن َي ْت ُر َك َّ
ً َ
المالئم
ِ الممكن وال ِم َن
ِ فلم َيك ْن من يفعل َ
غير هذا، يستطيع أن َ ُ الوقت ،ولم يك ْن
ِ الص ِب َّى َوحده أكث َر َعليه
مالزما للصبى ُم ْؤ ً ً َ َ َ َ َْ َ
نسا له. الغرفة
ِ ويقيم فى تلك دروسه
ِ لحياته ود ْر ِسه أن َي ْه ُج َر أ ْص ِدق َاء ُه ويتخلف عن ِ
َ َ ُ َّ
سوتها
حدته وق ِ
أحد عن و ِ
2الصىب ال يتحدث إىل ٍ
ً َ ُ َّ َ َّ َ َّ َ يتحدث َأ ُخو َّ
ْ َ َ َْ َ َ ْ َ َ َّ
كبر الظ ِّن أن ُه ت َحدث إليه بذات نفسه أيضا .وأ بى ِ الص ِّ ــد ،ولم سه إلى أح ٍ بى بذات نف ِ
حدث َّ
الص ُّ ولم يت ِ
الص ُّ
بى
َ
يقول َّ َ ِّ َ َ َ ْ
قصاها ذات ليلة وانتهت إلى الحل َب ْعد ذ ِلك دون أن ولكن المشك َل َة َب َل َغ ْت َأ َ َّ َ
ائه غ ْي َر َم َّر ٍة.
َ ْ َ َ
ِ ِبذلك ِإلى أصدق ِ
ً َ ً
ألخيه شيئ�ا أو أن يقول له أخوه شيئ�ا.
ُ َ َ َ ْ ُ ُ َ َّ َ ٍّ َ ْ َ ُ َ ُ
الج َماعة د ْعوة
وقبلت َ
ِ الر َبع وال يسكن الحى.
يسكن َُّ صديق لها ُسورى ال
ٍ يوم إلى أن ت ْسمر ِعند يت الجماعة ذات ٍ د ِع ِ
ْ ُ ُ ْ َ َ
األستاذ (اإلمام) ،ثم َعادت ِمن ُه بعد
ِ درس
وذهبت الجماعة إلى ِ ِ األيام أن ت ْم ِض َى. تعودت
ِ اليوم كما ومضى ُ الصديق،
َ ْ ُ ْ َ ْ َ َّ َ َ َ ُّ
وراق ِه.
واحد ِمنها ِمما كان يح ِمل ِمن محفظته وأ ِ العشاء؛ ليتخفف كل ٍ ِ صالة
َس ْي َط َرة احلزن على َّ
الصىب 3
َ َ َ ْ ُ ُ َّ َ َ َْ ْ َ ْ ََ َ َ َْ َ ُ ُ الف َتى َأخاه َّ
ُ َ
المص َباح ك َما كان َين َصرف كل أطفأ ْ ليلة وان َص َرف َعن ُه َب ْعد أنلنومه كما كان يفعل كل ٍ ِ الص ِب َّى وهيأ الشيخ َّ
َ َ َ َ َّ َ َ ََ َ ََ َْ ُ َ ْ َ َ َ َّ َ َ َّ ْ َ َ َّ ُ َ َ ْ ُ
سه فأ ْج َهش ِب ُبك ٍاء كظ َم ُه َما ْاست َطاع ،ول ِكن ُه َو َصل ليل ٍة ،ول ِكنه لم يكد يبلغ الباب حتى كان الحزن قد غلب الص ِب َّى على نف ِ
َّ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ َّ ِّ َ ُ ُ َ
الف َتىَ ،ف َل ْم ُي ِّ
ومضى فى َو ْج ِه ِه. غي ْر َر َأي ُه َول ْم َي ْص ِرف ُه عن سمرهِ ،وإنما أغلق الباب ِفى أكبر الظن ِإلى أذ ِن
مث ُل َها فى ُك ِّل ليلةَ ،ف َلمْ َ َ ُ ِّ ُ َّ َ َّ ً ُ َ ًْ َ َ ُ َ َّ ُّ َ َ َ َ ْ َ َ
ٍ وأ ْرضى الص ِبى حاجة نف ِسه ِإلى البك ِاء ثم عاد ِإليه اطمئن�انه شيئ�ا فشيئ�ا ،ومثل ِقصته التى كان ي
َ َْ ْ ََْ ََ ً َ َْ َ َ َ َ َ ِّ َّ َ َ َ َْ َ َُ َّ
الحل َوى كان ق ِد يستسلم ِإلى الن ِوم إال َب ْعد أن َعاد أخوه .ولكنه أ ْص َبح فإذا أخوه ُيقدم إليه َب ْعد د ْر ِس الفقه وبعد أن أفطر ألوانا ِمن ْ
َ ً
لص ِاح ِب ِه ش ْيئ�ا. الصب ُّى َع ْن َأخيه َو َفه َم ُأخوه عنهَ ،ف َلم َي ُق ْل َأ َح ُ
ده َما َ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ َ ْ َ
ِ ِ اشتراها له فى طريقه إلى العود ِة ِمن سم ِره .وقد ف ِهم ِ
53
الفصل الثامن
َف ْر َح ُة َّ
الصبىِّ الجزء الثانى
ِ
مجمل األحداث
الصبى َي ْن ُ
َّ -2 َ َ ْ ُ
تظر ابن خالته. الصبى َم َع ْابن خال ِته.
ريات َّ ِ -1ذك
َ -4ت َغ ُّير حياة َّ
الص ِبى. الصبى َيص ُل إلى َّ
«الربع». -3ابن َخالة َّ
ِ
تفصيل األحداث
َ َ ْ ُ
الصىب َم َع ْابن خال ِته
ريات َِّ 1ذك
َ َْ َ ً َ َ َ َ َ ُ َ َ
بلدته ِف أ ْعلى اإلقليم ِلز َي َارة ً َْ ُ
وعنده أثريا( ،)1وكان كثريا ما يه ِبط من ِ
ً
وكان ابن خال ِته هذا رفيق ِصباه ،وكان له ص ِديقا ِ
الم ْسجد ُفي َص ِّل َ (الك َّتاب) َفيلعبان ،وإلى َ ُ هرَ ،ي ْختلفان ً األ ْش َ َ َ َّ
يعودان مع ِ ثم ان، ي ِ إلى ا مع الشهر أو الصىب ،فينفق معه
ُ َْ َ َْ َ ُْ َ األصيل( )2إىل البيت َف َي ْق َ َ
ات العبث ،أو يرجان للزنه ِة عند شجي ِ ِ يمضيان ىف ألوان من
ِ والسمر ،أو
ِ القصصِ كتب
ِ ىف آنِ ر ِ ِ
ََ ََ َ ْ َ ً َ ُ ََ َ ََْ ً َ ُ َُ ُّ
الم .وكانا قد تعاهدا على أن اإلبراهيمية .وكانا كثريا ما أدارا بينهما ألوانا من األماىن واألح ِ ِ حافة
ِ وت الىت تقوم على الت ِ
األزهر. معا ىفالعلم ً ويطلبا َ َ معا إىل القاهرة، يذهبا ً
َ
ِ
َّ ْ ً ً َ َّ ْ َ ْ َ ََْ َ ُ َ
يف وقد أ ْع َطت ُه أ ُّمه نقودا ،وأ َعدت له زادا ،وود َعت ُه َّ
آخر الص ِ ِ ىف يم اإلقل
ِ ى ل ابن خال ِته من مدينت ِ�ه ىف أع ً
وكثريا ما هبط
ب
َ َ ْ َ ُ َّ ُ َ ُ َ َ ً َ َ َ َْ َ ُ َ َ
على أنه سيذهب مع ابن خالته ِإىل القاهرة ليطلبا فيها العلم معا .ولكنه كان يش ِارك ص ِديقه ىف االن ِتظار ثم ىف الغض ِ
ُ َ َ َْ َ َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ َّ َ ْ َ َّ
ثم ىف احلزن والبكاء؛ ألن األسرة َرأت أو ألن الشيخ الفت رأى أن الوقت ل ْم َي ِئ(ِ )3لذه ِاب ِه َما إىل القاهرة .ث َّم كانا َيف ِتق ِان
ُ ً َ ُ ُ وي ُع ُ
ود الصديق إىل أ ِّمه َم ْحزونا ك ِئ ًيب�ا. َ
الصىب َي ْن ُ
تظر ابن خالته َّ
2
ََْ ُ َ ُ َ ْ َ َ
ُ َ يل وتـأ ِت. ( )10ستنع ِطف :ت ِم يلةُ :ع ْمق ،اجلمع :دخا ِئل. َ
( )7د ِخ ِ
الط َرف :املستحدث ِمن ُك ِّل َ ْ
ش ٍء ،املفرد( :طرفة). (ُّ )11 ( )8باب البحر :اسم شارع من شوارع القاهرة.
( )9باب الشعرية :اسم ميدان شهري بالقاهرة.
55
الفصل التاسع
َت َغ ُّي ُر َ
حياة َّ
الصبىِّ ِ الجزء الثانى
مجمل األحداث
َ ْ ُ َ -2ت ُّ َ
(الر ْبع) وشئون أ هله. عرفه َّ الر ْب ِع.
يعود إلى َّ األزهر حتىِ أكثـر يومه فى الصبى يقضى َ
ُّ ِ -1
(الحس ْين).
َ وخـط َس ْيرهما حتى الصبى مع صديقه إلى األزهـر ُّ -3خروج َّ
َ الصبى يتن ُ ُّ ََْ َّ َ -4ك َانا َي ْـأ ُكالن َطرائف َّ
اإلفطار.
ِ طعام �اول -5 الطعام والشراب فى أ ثن�اء سيرهما. ِ
ِّ ُ َ ِّ َّ ْ على ُحضور َد ْ ُ َ
والشيخ التقليدى. ِ د د ج الم الشيخ مع حو
ِ والن ه الفق س ر ِ الحرص ِ -6
َّ
الن َّ اسية لطالبه -8 .أ ُثر الشيوخ على َحياة ََّ ُ ُ َ َ -7مالم ُح َش ْخص َّية (شيخ النحو) ُ
حوية. الصبى ِ وم َع َاملته الق ِ ِ
َ ُ ُ َّ ٌ ْ َ
كالكبار.
ِ المغرب
ِ المنطق بعد صالة ِ درس ُ
-10حضور ِ الصديقين ُمختلف َحسبما يتبقى معهما من نقود. ِ َ -9عش ُاء
بالقاهرة. البقاء والصبى ُي ُ
فكر فى َ -12أ ْق َبلت َ
اإلجازة َّ ُ
وصفاته العلمية. ُ المنطق شيخ
ُ
خصية ش
َ
-11
ِ ِ ِ ِ ِ
َ َّ -13
الريف.
ِ صاحبه إلى قريت ِ�ه فى ِ الص ِب ُّى يذه ُب مع
تفصيل األحداث
َ َّ
الر ْب ِع
يعود إىل َّ األزهر حت
ِ يومه ىف
ِ
الصىب يقض َ
أكثـر ُّ ِ 1
ادية أنه َه َجر َم ْجل َسه م َن الغرفة على البساط القديم الذى ُب َ
سط على الحصير البالى()1 سر ما َت َغ َّير م ْن حياته َ
الم َّ ْ
وأي ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
َّ َ ْ ْ
العتيق ،فلم َي ْعرفه إال ِحين كان َي ْجلس لإلفطار أو العشاء ،وحين كان َيأوى( )2إلى َمضجعه( )3حين يتقدم الليل؛ وإنما
َ ْ ُ َ َ ُ َّ
الدروس.
ِ بعض
األزهر ،وفيما حوله ِمن المساجد التى كان يختلف فيها إلى ِ
ِ كان يقضى يومه كله أو أكثره فى
ُّ
الصىب يتن�اول طعام اإلفطار 5
َ َّ ُ ً ًّ َ
َ
ومعهما يسريا جدا :زيارة لبائع ِم ْن هؤالء الباعة الذين كانوا َي ْعرضون (الفول النابت)، اإلفطار فقد كان أ ْم ُره
ُ فأما
َّ ُ ُ ْ ً ْ ُ ْ ْ َ ِّ َ ْ َ َ َ ُ
مليم حزمة أو حزمتني من كراث ،وهذا بنصف ٍِ مليم) ،وقد اشرتيا
(مليمي ونصف ٍ رغيفاهما وهما يدفعان إىل هذا البائع ِ
ٌ ُْ ات ََّ ٌ َ ً َ َ ْ ْ ُ ُ ََ
الفول ،وأل ِقى عليه قليل من الزيت ،فهما ِ من بحت فيه حب عميق قد امتأل مرقا ،وس ٍ بإناء ضخ ٍمالبائع يقبل عليهما ٍ
ُ َْ َ َُ ُ ْ َ َْ َ َ ْ َ ٍّ َ َ َ َّ َ
واههما ِم ْن الك َّراث ،وما
يغمسان خزبهما ىف المرق ،ويتصيدان ما تيسر ِمن حب ،ويلتهمان ما تمله يدهما اليسرى إىل أف ِ
َ
ْ َّ َُْ
غان آخر الرغيف وآخر الكراث حىت يبلغا حظهما من الطعام وقد امتآل حىت كادا َيكتظان. يبل ِ
( )10طرائــف :املستحــدث والطيـب والغريب من الطعام ( )6دأب عليها :استمر عليها َّ
وتعود.
والشراب ،املفرد :طريفة. ()7جراية :ما كان يأخذه طالب العلم ىف األزهر من طعام (عدد من
يستعذبانه.
يسيغانهً ً : ()11 األرغفة جترى على كل طالب).
ناعما لين�ا. (ُ )8رواق الحنفية :مكان خاص لطالب األزهر الوافدين الذين (ً )12
وثريا:
ْ
(َ )13يلتهمانهَ :ي ْبلعانه مرة ًواحدة. يدرسون المذهب الحنفى ،الجمعْ :أر ِوقة ُ -روق.
( )14يعبان :يشربان منه مرة بعد مرة. ُ َ ( )9تتوق :تشتاق.
57
ُ ُ ْ ُ َ
ولكن ىف اإلناء بقية من َمرق ،فكان الصىب َي ْست ِح أن ييب صاحبه إىل ما يعرض عليه من ش ْرب هذا املرق .وكان
ً َّ َ ْ
صاحبه َيضحك منه ويرفع اإلناء ف َي ُع ُّب فيه حىت يرده إىل البائع نظيفا.
َ َ َ َ َ ً ْ
فقد أفطرا إذا ولم ُينفقا أكث ِمن (ثالثة مليمات) ،وقد غ ِن َما ما طعما قبل الدرس ،وما َعل ْيهما اآلن إال أن َي ُعودا إىل
َ ْ َ لي َ األزهر ُ ْ
رضيت أجسامهما. ضيا عقولهما بعد أن
َ ُ
املغرب كالكبار
ِ درس املنطق بعد صالة
10حضور ِ
ً َ َْ ُ ُ َ ِّ ُ ُ ُ
المؤذن َي ْصعد إلى ِمئذنت�ه ،ف ُلي ْسرع الصديقان إذا إلى األزهر ،فهما الشمس ت ْس ِرع إلى غروبها ،وكاد وقد جعلت
َ ُ ً َ ْ ُ ُ يحضران ً
صالة المغرب كما يفعل أولئك الطالب الكبار .هما يحضران درسا فى المنطق ،يحضران (متن ِ درسا بعد
َْ ُّ َّ
شيخ كان َي َرى نفسه َعا ِل ًما وإن لم َي ْعترف له األزهر على الدرس هذا يحضران كانا أنهما الحق ومن لألخضرى)، م ل الس
َْ َ َ ْ َ ْ َْ ٍَ ْ إلح ُ ُ
بالعالم َّية( ،)27طال عليه الوقت ،واشتد َ َ
احه فى طلب الدرجة فلم يظفر بها ،ولكنه لم ييئس منها ،ولم يرض بحكم ِِ ِ
ُ ُ َ ُ َ
لالمتحان،
ِ بحضور الدرس والتقدم ويغيظهم من جهة أخرىُ ،يطاولهم الممتحنين فيه ،فجعل ُي َط ِاولهم(ِ )28م ْن ِج َه ٍة،
َ
من الطالب وهو يقرأ لهم ً
كتابا فى المنطق
ٌ
جماعة َ وم ْن حوله ُ ُ ِّ َ َ ُ
ِ أحد األعمدة إذا صليت المغرب ِ بالجلوس إلى ِ
ِ وي ِغيظهم
الع َل ُ ُ
ُ
العلماء الممتازون. المنطق إال هؤالء
ِ تعليم
ِ ماء الممتازون! فلم يكن َي ْه ُج ُم على يقرأ ُ كما
ُْ ْ
( )27العا ِلمية :الشهـادة النهـائي�ة العاليـة خلريج األزهر ،وهى تعادل ويغىن. يكفى
( )24جي ِزئِ :
الدكتوراه. ( )25ترف :نعيم.
( )28يطاولهم :جيادلهم ويغالبهم وين�افسهم ويب�اريهم. ( )26البؤس :شدة احلاجة ،املضاد :النعيم.
59
ُ ُ ُ
املنطق وصفاته العلمية
ِ شيخ
ِ شخصية 11
ْ َ َ َّ
وع ْجزه كانا َيظهران حتى ماهرا فى التعليم ،وأن َج ْهله بارعا فى العلم وال ً الطالب الشيخ لم يكن ً َ َو ِم َن الحق أن ذلك
َ ْ ْ ً ْ َ
بلهجته كما عرفها قبل أن ُيقبل على ِ حتفظا ُ
التالميذ المبت�دئين ،ومن الحق أنه كان ِمن أقصى الصعيد ،وكان م ِ ِ لهؤالء
ً ُ ِّ َُ ْ َُ
األزهر ،ولم يكن يغير منها شيئ�ا فى قراءته وحديث�ه.
ْ ُ َ ْ َ ْ َ ْ ()29 َّ َ َ َ َ َ
الحد ِة ،ولكنه لم يكن يشتم التالميذ وال يضربهـم ،أو لم يكن ب ِشديد ِ ومن الحق آخر األمر أنه كان سريع الغض ِ
ْ َ ِّ َ َ َ َّ َ ْ ً َ ًّ َ ْ َ ْ
وصدقا ،الذى نال الدرجة ،ونال معها اإلذن الض ْم ِن َّى يجرؤ على شتم التالميذ وضربهم؛ فما ينبغى ذلك إال للعا ِلم حقا ِ
َ ُْ
َ
التالميذ أو ض ْربهم. ِ شتمب ِ
َ
ُ َ ْ ُ ُ ُّ ًّ ُ ُّ
بة
والمواظ ِ ور الدرس ْ َْ ُ
الكبار ،ولكنه لم يمنعهما ِمن حض ِ ِ الطالب
ِ كل هذا كان حقا ،وكل هذا َس ِم َعه الصديقان ِم ْن أولئك
َُ َ َ ْ
ودان
المغرب ويع ِ ِ صالة
ِ ألنفسهما إنهما يذهبان إلى األزهر َبعد ِ عليه؛ ليقوال ألنفسهما إنهما َيدرسان المنطق ،وليقوال
ُ
الكبار المتقدمون. ُ
الطالب ُ
يفعل العشاء ،كما منه بعد صالة
ِ
والصىب ُي ُ
فكر ىف البقاء بالقاهرة َأ ْق َبلت َ
اإلجازة َّ
ِ 12
ُ َ أسرع ما ُخت َم ْت ُ ُ َْ َ َ َ
دروس (الفقه والنحو)! وما أسرع ما ُد ِعى التالميذ إلى ِ
السنة األولى! وما َ وما أسرع ما انقضت
ُّ َ َ َّ ُ َّ ُ َ َ َّ َ ُ
شوق إلى هذه دن والق َرى! وما أشد ما كان الصبى يت ُ ْ
أهلهم ِفى الم ِ حيل إلى حيث ينفقون الصيف بين ِ
َّ
التفرق ثم إلى الر ِ
ُّ
ً َ َ َ َّ ُ
حرق َح ِنين�ا إلى الريف! اإلجازة ويت
َّ ُّ ً َ َ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ َّ
القاهرة .أكان صادقا فى هذا التمن ِع أم كان ِ ولكن اإلجازة قد أقبلت ،وإذا هو ُيريد أن َيمتنع َعن الرحيل وأن يبقى فى
كلفا ً َُ ً ً ِّ ً
معا. متكلفا له؟ كان صادقا وكان مت
َ ِّ ً الرحيل ً َ َ ُ َ َّ َ َ صادقا ألنه َّ ً
دائما ،وكان ُمتكلفا ،فقد كان أخوه أحب القاهرة َوكلف بها وشق( )30عليه ِفراقها وقد ك ِره كان
َ ُ َْ ٍّ َ َ ْ ُ ُ يقضى َ
واجتهاد ،وكان يريد أن يصنع صنع أخيه ،وأن ٍ أكثر إجازاته فى القاهرة ،وكانت األسرة تك ِب ُر منه ذلك وتراه آية ِجد
ً
غن عنه( )31شيئ�ا. ُ ُّ َ ُ َ ُّ ُ َّ
يظن به ما كان يظن بأخيه ،ولكن تمنعه لم ي ِ
َّ ُّ َ
الريف
ِ ب يذه ُب مع صاحبه إىل قريت�ه ىف 13الص ِ
ُ َ َ ْ َ ُ َّ ْ ً
ومعهما ثي ُ�ابهما قد لفت فى ُحزمت ْين وقد َبلغا المحطة ،وأ ِخذت ُ النقل
عربات ِ ِ صاحبه عربة ِم ْنوها هو ذا يركب مع ِ
ُ َ
الثالثة.
ِ الدرجة
ِ عربات
ِ لهما تذكرتان ثم ُدفعتا إليهما ،ثم و ِضعا فى عربة مزدحمة من
َ ُ
َْ َ ً ً َ ُ ْ ُ َ
محطتين حتى ن ِس َى الصديقان أزهرهما ِ أو القاهرة
ِ بعد محطة بلغ يمضى قليل وي ثم تحرك القطار ،ولم يكد ِ
َ َّ ُ ُ ً ً ُ َ
ونعيم.
ٍ عهما ،ولم َيذكرا إال شيئ�ا واحدا هو الريف ،وما سيكون فيه ِم ْن لذ ٍة ور ْب ُ
اهرتهما َ
وق َ
ْ َّ
يغن عنه :لم ُي ِفده.
( )31لم ِ احلد ِة :الغضب. (ِ )29
َ ُ َ َ َّ َ ُ َ َّ
( )30شق :صعب واشتد ،املضاد :سهل والن.
مجمل األحداث
َ ِّ ْ َ ُ -1و ُص ُ
كالعهد بها.
ِ الته إلى دارهما وكانت الصبى وابن خ ِ ول
ُُ ْ َ ُ َّ ْ َُ
أحزنه. ور
-2األسرة تستقبل الصبى بفت ٍ
هابه لألزهر.
َْ َ َ
ذ ل ب ق هى كما القرية فى بى الص َ -3أ ْص َب َح ْت َحياة َّ
ِ
واألولياء. لتوس ِلهم باألنبي ِ�اء على َوالده َوأ ْهل قريت�ه ُّ َ
مرد الصبى َ -4ت ُّ
ِ ِ ِ
َ ُ َ َ
-5غض ُب َوالده منه وتهديده َّإياه.
َ ُ ُ َ ً ِّ ُ
جيب�ه أ حيانا فى دهاء. األزهرى والصبى ي ِ -6الوالد َيسأله عن أخيه
َ الصبى للتوسل باألنبي�اء َي ْخ ُ َ -7ن ْقد َّ
رج ِمن األسرة إلى القرية ومشايخها. ِ
للت ُّ َّ إنكار َّ َ ُ ُ ُ
وسل. الصبى -8موقف شيوخ القرية من ِ
َْ َ ُ
الصبى َو ِجدا ِله َح ْول نقده. مسرور من ح َوار َّ
ِ ِ
ٌ َ -9والد الصبى
َْ َّ َ ْ َ َ َْ
الناس بالتفكير فى نق ِده. غل َ خروج الصبى ِم ْن ُعزل ِته بعد أن ش ُ -10
َ ََ
-11تغ ُّي ُر َم ْوقف َوا ِلده منه وموافقته على َع ْود ِته لألزهر.
ظاره ُم َر ِّح ًبا به.
ْ ُ ََ َُ ُ
-12الفتى يعود إلى القاهرة وأخوه فى ان ِت ِ
تفصيل األحداث
ِّ ْ َ
ِ
كالعهد بها وابن خالتِ ه َد َارهما وكانت ُ 1و ُص ُ
ول الصىب
َّ ً َ ً َ َ َ َ ِّ ْ َ َ
الص ِب َّي�ان ِم َن القطار ،فلم يدا ىف املحطة أحدا ،فأنكرا ذلك شيئ�ا ،ولكنهما وصال إىل زل َّ العش ُاء قد ُصل َيت حني ن وكانت ِ
ََ ْ َ ُ َ كان ْت جترى ُ َ َ ُ ُّ
طويل ،وأت َّم
ٍ يوم؛ قد ف َرغت األسرة من َعشائها ُمنذ وق ٍت ك ِّل ٍ ور ىف ُ األم ُ ىشء كان ْيرى فيها كما الدار ،فإذا كل ٍ
َ ُ ُْ َ (ُ ِّ )1 َ َ َ َ َ ُ
الص ْبي�ة ،وجعلت أختهم الصغرى ْت ِملهم الدار ،وتن�اوم بعيد من ِ
ْ َ
الشــيخ صالته ثم خرج كعادته فجلس مع أصحابه غري ٍ
يح ،والنوم ُي ُّلم بها( )2ثم ُي ْص َرف حتت السماء َت ْس َت ُ َ
فراش من اللبد ُّ َ َ ً ً
ِ واحدا واحدا إىل مض ِاجعهم ،واضطجعت أم الصىب على ٍ
الدار، َ ُ َ َ َ ُ ِّ َّ ََ َ عنها(ْ ،)3
ومن حولها بن�اتها قد جلسن يتحدثن كعادتهن فى كل ليلة ،حتى يقضى الشيخ سمره القصير ثم يعود إلى ِ ِ
َ َ َ ُ ِّ ُ َّ ُ َْ ٌ ُُ َ َ َ
داخل الدار
كة فى ِ الب وتصايح الدي ِ الك ِ ضاجعها .ويشمل الدار سكون وهدوء ال يقطعهما إل تن�ابح ِ ِ م إلى كلها األســرة تأوى ف
القرية.
ِ أطرافِ وفى
َّ ُ
كن قد أنبئت(َ )4بعودتهما ،فلم تعد لهما َعشاء ًّ ْ َ ْ ُ َ
األسرة لدخولهما ،ولم ت ْ ُ جمت ْ الصب َّي�ان َو َ فلما دخل َّ
خاصا ،ولم ِ ِ
عند نزولهما َ َ ِّ ُ ْ ً ْ
من القطار. المألوف ،ولم ترسل أحدا لتلقيهما ِ تنتظرهما بالعشاء
61
ُُ ْ َ ُ
تستقبل َّ ْ َُ
أحزنه ور
ٍ ت بف ىبالص ة 2األسر
قدر من أنه َس ُي ْس َت ْق َب ُل كما كان ُي ْس َت ُ
قبل
ُ ِّ
يع على الصبى ما كان ُي ِد ُير فى نفسه(ِ )5م َن األمانى ،وما كان ي وكذلك أض َ
ِ
ْ َ ُ َ َ َ َ ْ َ َّ َ ْ َّ َّ َ َ َ َ َُ
فاوة( )6واستعداد عظيم .على أن أمه نهضت فقبلته ،ونهضت إليه أخواته فضممنه إليهن، ابتهاج وح ٍ
ٍ فى الشيخ وه خ أ
ْ َ َ َ ُ َ ِّ ُ
القاهرة.
ِ كعشائهما فى القاهرة ،وأقبل الشيخ فأعطى ْابن�ه َيده ِل ُيق ِّب َلها ،ثم سأله َعن أخيه فى وقد َم إليه وإلى َصاحبه َعشاء َ
َ وهو يكتم فى َص ْدره ً الصبى فى َم ْض َجعه القديمَ ، َ ُ َ
وكثيرا ِم ْن
ً كثيرا من الغ ْيظ ِ ِ
ُّ مضاجعها ،ونام
ِ وأ َو ِت( )7األسرة كلها إلى
َ ً َ
خ ْيب�ة األمل أيضا.
ََ َ َ ُ
حياة َّ ْ
لألزهر
ِ ذهابه
ِ قبل ى ه
ِ ا مك القرية
ِ ىف ىبالص أصبحت 3
العلم فى
ْ َْ ُ َ ْ َْ َ َ ْ َْ ُ َ َ
والقرية كما كانت تم ِضى قبل أن يذهب الصبى إلى القاهرة ويطلب ِ ِ ومضت الحياة بعد ذلك فى الدار
ٌّ ْ َ
ضطر العلماء ولم يدرس (الفقه والنحو والمنطق والحديث) ،وإذا هو ُم ِ األزهر ،كأنه لم َيذه ْب إلى القاهرة ولم َيجلس إلى
كالمه قبل ،ويسمع منه َ يفعل من ُ ُ َُ َ
ويق ِّبل َيده كما كان (س ِّيدنا) بالتحية واإلكرام، كما كان ُيضطر م ْن َقبل إلى أن َي ْلقى َ
ِ
ُ َ ُ َّ َ َ َْ َ َ ْ ٌّ ُ ْ ْ َ
الفارغ الكثير كما كان يسمعه ِمن قبل ،وإذا هو مضطر إلى أن يذهب بين وق ٍت وآخر إلى (الكتاب) لينفق الوقت ،وإذا ِ
َ َ َ َ َ َ َ َ ً َْ َْ ُ
التالميذ يلقونه كما كانوا يلقونه قديما ،ال يكادون يشعرون بأنه غاب عنهم ،وال يكادون يسألونه عما رأى أو س ِمع فى
ََ
بالكثير.
ِ القاهرة ،ولو قد سألوه لخ َّبرهم
غاب عنها عاد إليها وقد َ َ ْ َ
الصبى الشيخ بعد أن أحد من أهل القرية على الدار ُلي َس ِّلم على َّ ُ ْ ُ ْ ٌ
قبل ُ ْ
ِ ِ وأكثر ِمن هذا كله أنه لم ي ِ
َ ْ َ َ َ ُُ َُْ ُ َْ ً َّ ً
وإعراض هذا السؤال :ها أنت ذا؟ أ ُعدت ٍ ور
سنة دراسية كاملة ،إنما كان يلقاه منهم هذا الرجل أو ذاك فيل ِقى عليه فى فت ٍ
َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ
صوته :وكيف ت َركت أخاك الشيخ؟ رافعا به ْعني�ا به ً اآلخر َم ًّ من القاهرة؟ كيف أنت؟ ثم ُيل ِقى عليه هذا السؤال
ُّ َ َ َ َ َ َ َ َ ِّ َْ وقد ْاس َّ
الشأن ال يستحق ِ �ل يئ ِ ض طر
ِ الخ القاهرة -قليل
ِ الصبى أنه ما زال -كما كان قبل رحلته إلى تقر إذن فى نف ِس
َ ُ ُ ً عانا( )8فى َّْ ً ُ ُ َ ً ُ َ ً ً
وعكوفا( )9على الصمت روره شديدا ،وزاده ذلك إم عناية به وال سؤال عنه؛ فآذى ذلك غ ُر َوره ،وقد كان غ
ً َْ
نفسه وانصرافا إليها.
( )11ينبو :ينفر منه ويعرض عنه. ( )5يدير ىف نفسه :املراد :يفكر فيه ويتمناه.
( )12اإلذعان :اخلضوع واالنقياد. ( )6حفاوة :مبالغة ىف اإلكرام.
( )7أوت :جلأت.
( )13اخلضوع :الرضا بالذل والهوان واالستسالم. ً ً ً
( )8إمعانا :تأكيدا واستمرارا.
( )14غال :زاد وجتاوز احلد وتشدد. ً ً ً
والزتاما. ( )9عكوفا :إقبال على نفسه
ْ
( )15الشذوذ :االنفراد واملخالفة للجماعة واخلروج عن القاعدة. ( )10ازورار :ميل واحنراف ونفور.
َ ُ َ َ
5غض ُب َوالده منه وتهديده َّإيـاه
ْ َ ْ َ َ ََ ً ُ َ َ
بابتسامته وقال فأضحك األسرة كلها« :اخ َرس ً
هنالك غ ِضب الشيخ غضبا شديدا ،ولكنه كظم غضبه واحتفظ ِ
َّ َ
األزهر ،وألجعلنك عن ك
َّ
وألقطعن ،القرية فى ك
َّ
كن س مهللا ل َسانك ،ال َت ُع ْد إلى هذا الكالم ،وإنى ُأقس ُم لئن َفعلت ُأل ْ
َق َط َع ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
ْ َ َ الصبىَّ ، ُ
األسرة من حول َّ َ َ ً َْ
ولكن هذه القصة على قسوتها ِ وتضاحكت
ِ والبيوت» ثم انصرف،ِ المآتم
ِ فقيها تقرأ القرآن فى
رارا. الساخرة لم َتز ْد صاحبن�ا إال ع َن ًادا ْ
وإص ً َّ
ِ ِ
( )16دالئل اخلريات :كتاب لإلمام اجلزوىل يشتمل على األوراد اليومية ( )17ازدراء :عتاب وسخط واحتقارْ ،فعله :ازدرى.
الىت تتضمن التوسل بالنىب ﷺ وطلب الشفاعة منه ىف قضاء ( )18الوثني�ة :عبادة األوثان والشرك باهلل.
(ُ )19يدركهُ :يصيب�ه. احلاجات.
63
َ ُ َ سعيدا ،وله ُم ْغ ً
ً ُ ِّ
الليلة
ِ حريصا ،فلما َجل َست األسرة للعشاء فى تلك ً تبطا( ،)20وعلى تجديده وكان الشيخ بهذا كله
ُ
وخ ْبث َو ْ َ َ ُ أسئلت ُه عن ابن�ه الفتى :ماذا َي ُ َ ُ َ َّ َ
كي ٍد ٍ ُّ
الصبى فى ده ٍاء الكتب؟ قال
ِ القاهرة؟ وماذا َيقرأ من
ِ صنع فى ِ وجدد الشيخ
َ فق َ ُْ ُ يزور َ
إنه ُ َ
نهاره فى ِقراءة (دالئل الخيرات). قبور األولياء ،وين
َ األسرة ُّكلها فى َضحك شديد َشر َق َل ُه ِّ
الص ُ ُ ُْ َ ُ ُّ َ
غار( )21بما كان فى ٍ ِ ٍ الجواب حتى أغ ِرقتِ الصبى ينطق بهذا ولم يكد
ً َ َّ ُ ُ َ
الضحك وأشدهم إغراقا فيه.ِ نفسه أ ْس َرعهم إلى وشراب ،وكان الشيخٍ ٍ
طعام أفواه ِهم من
ِ
َ َْ
ي ُ َن ْقد َّ
الص ِّ
اخيها
القرية ومش ِ
ِ رج ِمن األسرة إىل للتوسل باألنبي ِ�اء
ِ ىب 7
ً ً ً َْ ُ َ َ َْ ُ
وأعواما. أعواما ـرة َو َع ِبث َها
راد) موضوعا ِللهو األسـ ِ
ْ
(للدالئل واألو ِ ِ ألبي ِ�ه فى قراءتهِ
ِّ
الصبى د وكذلك استحال نق
وي ْؤذيه فى َن ْفسه وفيما َورث م ْن َعادة واعتقاد ،ولكنَّ حقاُ ، َ (ًّ )22 َ َ ُ ْ ُ َّ ْ ُ
ٍ ٍ ِ ِ ِ األمر أن هذا النقد كان يح ِفظ الشيخ والظريف ِمن هذا ِ
ً َ َّ ً ُ َُْ َْ َ َ
ومتاعا. األلم لذةالنقد ويغ ِريه به ،ويجد فى هذا ِ الشيخ -على ذلك -كان يدعو ابن�ه إلى هذا ِ
ً تجاوز َ َ ْ ْ ْ َّ ُ ُ َ ومهما ْ
الشيخ
ِ دكان
الشيخ قريب�ا منها ،وإلى ِ ِ مجلس
ِ الدار إلى الصبى لم َيلبث أن ِّ شىء فإن شذوذ ٍ يكن ِمن
َ ُ ُ ُ
للص ْب َي ِ�ة
القرآن ِّ الفقهاء فى المدين ِ�ة ُيقرئ ِ
الشيخ (محمد أبو أحمد) ُ
رئيس المسجد حيث كان
ِ (محمد عبدالواحد) ،وإلى
ٌ ُ ُ َ ً ُ َ ِّ ُ ِّ
وي َصلى بالناس فى أثن�اء األسبوع ويفقههم فى ِدينهم أحيانا ،وحيث كان (الشيخ عطية) -رجل من التجار والشباب،
ِ
ُ ُ ْ َ ُ َ ً ْ ُ َ
الدين -يجلس ِ أمور
صرفوا عن ِ بأمور الدني�ا ولم ين ِ ِ الريف فاشتغلوا ِ العلم فى األزهر أعواما ،ثم عادوا إلى الذين طلبوا ِ
شيئ�ا َ ً َ ُ ُ َُ
من الحديث. ويفقههم ،وربما قرأ لهم يعظهم حين إلى حين ،ف ِالعصر من ٍ ِ صالة
ِ للناس َب ْعد
ِ
َّ
للت ُّ َ
إنكار َّ ُ ُ ُ
وسل الصىب 8موقف شيوخ القرية من ِ
َ
كان َي ْك ُ ُ ً َ ُ ُ ْ
تب وسمع ُه خاصة ذلك الشيخ الذى َ القاضى ِ الصبى إلى (المحكمة الشرعية) ،فسمعه ذوذ َّ بل وصل ش
َ َ ُّ ِّ َ ْ للقاضى ،ويرى َأنه َأ ْع َل ُم َ
الورقة التى
ِ بالقضاء ،لوال أنه ْلم َيظف ْر بهذه ِ بالشرعَ ،وأفق ُه منه بالدين ،وأحق منه القاضى من
والتملق()23 َّ َ ِّ ً ِّ ُ ُ ِ ِّ َ ْ ُ َُ َ َّ ُ َّ َ
واالجتهاد قليل وبالحظ ِ القضاء ،والتى تن�ال بالجد ِ صب
تسمى درجة (العالمية) ،والتى تشترط لتولى من ِ
األحيان.
ِ أكثر
فى ِ
()24 َ َ ْ َ ِّ ً ُ َ َ َ
ــات األولياء ، واستهـزائـه ِبكـرام ِ ِ لكثـير مما يـعـرفون، ٍ وإنكـاره
ِ بمقاالت هذا الصبى ِ هؤالء الناس جميعا ِ تسامع
مع ذهب إلى القاهرة َف َس َ ضال(ُ )25مض ٌّل ،قد َ ٌّ َّ
الصبى
ُ
ريمه التوسل بهم وباألنبي�اء ،وقال بعضهم لبعض :إن هذا
َّ َ َ ْ
ِ وتح ِ
لل َ ُ َ َ َ َ َ ُ ْ ارة َ (َ َّ )26
الناس. المف ِسدة ،ثم عاد بها إلى المدين ِ�ة ِليض الفاسدة ِ وآراءه مقاالت (الشيخ محمد عبده) الض ِ
َّ َّ َ َ ُ ُ َ َ ً َ ُ َ َ ُ َّ
الدار وطلبوا إلى الشيخ أن ي ِريهم ابن�ه ذلك الشاذ وربما سعى بعضهم إلى مجلس الشيخ وأصحابه قريب�ا من ِ
َ
فيرى ابن�ه ِآخذا فى اللعب أو الحديث مع أخواته ،فيأخذ ُه بي�ده فى
ً الدارَ ، باسما حتى يدخل َ ً
هادئا ً ُ
بل الشيخ الغريبَ .ف ُي ْق َُ
ً َ ُ َ يقوده إلى مجلسه؛ فإذا َس َّلم على القادمين َ ْ َ ُ
األمر ،فإذا التحدث إليه رفيقا أول ِ ِ أجلسه ،ثم أخذ بعض القادمين فى ِرفق و
حر ًجا يستغفرُ ينصرف َغاض ًبا ُم َت ِّ ُ َّ ُ َ ُ ً ُ ُ َ َ َ ُ َ ُ َ
ِ الحوار العنيف ،وكثيرا ما كان مح ِاور الصبى اتصل الحديث ذهب الرفق وقام مقامه ِ
ُ
الرجيم.
ِ الشيطان
ِ العظيم ،ويستعيذ به من ِ هللا ِم َن الذنب َ
( )24كرامات األولياء :األمور اخلارقة للعادة يظهرها هللا على أيدى ً
مغتبطا :شديد الفرح. ()20
الصاحلني من أوليائه ،املفرد :كرامة. ( )21شرق له الصغارُّ :
غصوا به.
ُ ّ َ
( )25ضال :فاسد منحرف ،اجلمع :ضلل وضالون. ُْ ُ
()26الشيخ محمد عبده :هو اإلمام محمد عبده ،وكان ُم ً
فتي�ا ملصر، غض ُبه. ُ
( )22ي ِفظ الشيخ :ي ِ
وتوىف 1905م. ( )23التملق :التودد واللطف ،املراد :النفاق واملداراة.
َ ََ
11تغ ُّ ُي َم ْوقف َوا ِلده منه وموافقته على َع ْود ِته لألزهر
ُ وي ْق َط ُع عن األزهر َفق ًالصبى فى أول اإلجازة بأنه قد َي ْب َقى فى القرية ُ
ُّ النذير( )29الذى َ
ُ َ
وانق َ
يها يقرأ ِ ِ ِ سمعه طع ذلك
ً ُ ُ ُّ
ضت األسرة كلها مع الفجر أيضا ،ورأى ََ َََ َ َ ْ َ َ
القرآن فى المآتم والبيوت؛ وآية ذلك أنه أصبح ذات يوم فنهض مع الفجر ،ونه ِ
نفسه فى المحطة مع صاحبه ،وأبوه الصبى َ
ُّ ً
دموعا صامتة ،ثم رأى ً وت ْذر ُف()30ُ ِّ ُ َ ُّ َ ْ َ َ ْ َ َ َ
الصبى نفسه بين ِذراعى أمه وهى تقبله ِ
َْ َ ُ َ ً
يقا( )31به ،ثم ُي ْعطيه َيده ِّ
هللا أن َيفتح عليه.ينصرف عنه وهو َيسأل َ ليقبلها ،ثم جلسه فى القطار ر ِف ي ِ
ُ
َ
( )27الشيب :الشيوخ كبار السن ذوو الشعر األبيض ،املفرد :أشيب )30( .تذرف :تسيل وت ُصب ،املضاد :جتمد.
َ ً ً ً
( )31رفيقا :لطيفا لني اجلانب ،اجلمعُ :رفقاء. غاضبا. ً
ساخطا: ()28
ُّ ُُ
( )29النذير :اإلنذار بالشر ،اجلمع :النذر.
65
الفصل الحادى عشر
ِّ
الصبى على األدب ُ
إقبال الجزء الثانى
مجمل األحداث
ِّ ْ ْ
(ع َمر).
المنوع َورأيه الغريب فى َص ْرف كلمة ُ
َّ ِ -1علم الشيخ (الشن ِقيطى)
وط َر َفة بن َ
الع ْبد). -2ح ْف ُظ الصبى ُم َع َّل َق َتى ْ
(امرئ القيس َ
ِ
َ ُ
إقبال ّ
الص ِّ
بى على دروس (األ دب واإلنشاء ونهج البالغة والمقامات). -3
-4بيت فى قصيدة (أبى فراس) يثير تفكير َّ
الصبى.
الح َم َاسة).
وإقباله على (ديوان َ
بى أللوان األدبَ ، -5ح ْف ُظ َّ
الص ِّ
ِ ِ ِ
َ َ َ ُ ْ َ
سباب ان ِص َراف الطالب عن د ْر ِس األدب وش ْي ِخه (المرصفى). -6أ
-7قوة ذاكرة الصبى.
َ ُ َ ُ ُّ َّ ِّ َ
وح ُّب ش ْيخه ل ُه. بى ِلد ْرس األدب للمرصفى، -8حب الص
-9كيفيـة تدريـس األدب ،وأثــره فى النفوس.
َ َ َّ َ
القديمة.
ِ التقاليد
ِ األدب وثورتهم َعلى ِ َ -10م ْج ُموعة الثالث ِة ِم ْن ُم ِح ِّبى
ٌ َ ٌ َ ٌ َ َ
ومثل أ ْعلى. -11الشيخ المرصفى ِأديب وعا ِلم
ََُ َْ ْ َْ ُ
اضع. لتالميذه فى منز ِله المتو ِ -12اس ِتقباله ِ
ُ
-13الشيخ المرصفى ُي ْط ِع ُم أ َّمه ِب َي ِ�ده.
ٌ ًَْ ْ َ ِّ
اض َسعيد. َ
الناس فقرا ،ولكنه ر ٍ -14الشيخ المرصفى ِمن أ شد ِ
ُ َ ُ
ومشاركتهم حياته ،ونقدهم له. التالميذ ِب ِه،
ِ عجاب ِ -15إ
َ ْ -16إق َبال ُّ
الطالب على ُدروس األ دب والشعر.
ِّ ٌ
العلماء.
ِ وكبار
ِ األزهر
ِ شيخ
ِ أمام �ه ِ ي وصاحب للصبى اتهامات -17
َ ِّ ُ َ ْ َُ
اح َب ْي�ه؛ مما ُيؤدى إلى َم ْحو أسمائهم من األزهر. َ َّ
-18الطالب يشهدون على الصبى وص ِ
َّ ُ َ َْ
لقيه الشيخ (المرصفى). -19إلغ ُاء درس (الكامل) الذى ي ِ
َ َ َ َّ
(ب ِخيت)؛ ِم َّما أ دى إلى ُم َجادلته وغض ِبه. وصاح َب ْي�ه للشيخ َ
ِ
الصب ِّى َ َّ
-20اس ِتعطاف ِ
ْ ْ َ
ُ ْ ََ
وحـزن الفتى. الشيوخ منـه، خوف وـوم على َش ْيخ الجامع األزهرَ ، ُ -21ه ُـج ٌ
ِ
َ َْ َ َ َ -22م ْوق ُف ْ
األص ِدقاء الثالثة َب ْعد َم ْح ِو أ ْسمائهم ِمن األ زهر. ِ
ُ
بالحرية.
ِ األزهر ،ومطالبت ُ�ه َ الصبى ِّ -23مهاجمة
َ َ ِّ
-24شيخ األزهر كان ُيهد ُد الثالثة فقط ،ولم َي ْم ُح أ ْس َماءهم.
الع َمامة.
َ َْ َ ََْ ُ َّ
-25الصبى الشيخ يلبس الطـربوش بعد ِ
67
َ ُ َّ ِّ َّ َ َ
العبد)
ِ (امرئ القيس وطرفة ِبن
ِ ب معلقت 2حفظ الص ِ
ُ ِّ َُ َ َّ ُ َ ُ ُ
الصىب وبعض أصدقائه يسمعون (املعلقات) ،وكان أخو الطالب هذه القصائد الىت تعرف بـ
ِ لبعض
وكان الشيخ يقرأ ِ
ُّ
الدرس ىف يوم اخلميس أو ىف يوم اجلمعة من كل أسبوع ،وكانوا َي ُعدون هذا الدرس كغريه من الدروس ،وكذلك سمع َ هذا
الصىب ألول مرة:
َ ُ َّ َ ِّ
بسقــط الل َـوى بـيـن الـدخـول ف َح ْـو َمـل()10 ْ ْ َ ْ ْ َ ْ َ
ِ ِ ِ ِ ــزل
حــــبيب ومن ِ
ٍ ــك ِمــن ِذكـرى ِقفـا نب ِ
َ َ ْ َّ َ ُ َ َ
ولكن أخا الصبى حاول أن يحفظ وما أسرع ما انصرف هؤالء الطالب الكبار عن هذا الدرس الذى لم ُي ِسيغوه!
(المعلقات) ،فحفظ منها معلقة (امرئ القيس) ،ومعلقة (طرفة).
َ ْ ْ ُ َ َ ّ
الصبى معه فى الحفظ ،ولكنه لم َّ يسمع فيحفظ ،ثم لم يلبث أن أشرك ُ بصوت ُم ْرت ِفع والصبىٍ كان ُيرد ُد األبي�ات
ْ ْ
المعلقتين ،وان َص َرف إلى ُدروسه األزهرية األخرى ،واستقـرت المعلقتـان فـى نفس الصبـى يحفظهمـا وال ِ يتجاوز هاتين
ً
يفهم منهما إال قليل.
َ ُ
إقبال ّ
الص ِّ
ىب على دروس (األ دب واإلنشاء ونهج البالغة واملقامات) 3
ِّ ْ
وكان هؤالء الطالب يتحدثون عن درس آخر كان ُيلقى فى األزهر ُلي َعل َم األزهريين صناعة اإلنشاء(.)11
ْ َ ٌّ ٌ ْ
َ
الدفاتر وكــان ُيلقيه شيخ (ســـورى) ِمـ ْـن خاصة األســتــاذ اإلم ــام ،وقــد اختلف إليه هــؤالء الــطــاب ،فــاشــتــروا
ِّ ْ َ ُ
موضوعات (اإلنــشــاء) ،ولكنهم َعــدلــوا عــنــه( )12بعد قليل كما َعــدلــوا عن د ْرس (الشنقيطى) .وأقبل ِ وكتبوا
ً َ َْ َ َ ُ َ
أخــو الصىب ذات يــوم ومعه (مقامات احل ــري ــرى) ( ،)13فجعل يــفــظ بعضها رافــعــا صــوتــه بــالــقــراءة ،والصىب
ْ َّ ً
حيفظ صــامــتــا ،ثــم أشــركــه ىف احلــفــظ كما أشــركــه ىف حفظ (الـ ُـمـ َـعــلــقــات) .ومضيا ىف ذلــك حــى حفظا َعــشـ َـر
ُ ْ
(األص ــول والفقه والتوحيد) كما انصرف عن املعلقات ودرس اإلنشاء. مقامات ،ثم انصرف الشيخ الفىت إىل
ُ َ ْ َ َّ ْ
مرة أخرى ومعه كتاب ضخم ُي َس َّم (ن ْهج البالغة) فيه خ َط ُب (اإلمام على) وقد شرحها األستاذ اإلمام نفسه، وأقبل
َ ُ ْ ُ َ َ
فجعل حيفظ ِمن هذه اخلطب وحيفظ الصىب معه ،ثم أعرض عن هذا الكتاب كما أعرض عن غريه بعد أن حفظ الصىب
طائفة من اخلطب.
َ ُ َ َ
وصنع الشيخ الفىت هذا الصنيع نفسه بمقامات بديع الزمان الهمذاىن.
( )10البيت :مطلع معلقة (امرئ القيس) من شعراء اجلاهلية )12( ،عدلوا عنه :مالوا عنه ،املراد :تركوه.
( )13املقامات :فن من فنون النرث يشبه القصة. ويبكى فيه على األطالل.
( )14شيمة :خلق وطبيعة ،اجلمع شيم. �ة ي أدب بعبارات فيها يعرب ما وهى التعبري، ( )11اإلنشاء :املراد :مادة
بليغة.
69
َ ْ ْ ُ َو َك ُانوا َم َع ذلك ح ً
يحضروا هذا الدرس؛ ألن األستاذ اإلمام كان َي ْحميه ،وألن الشيخ كان ُمق َّر ًبا ِمن األستاذ راصا على أن ِ
َ ُ َ ً ْ َ ْ ُ َّ
فرصة ُلين ِشئ فى َمد ِحه قصيدة َي ْرف ُع َها إليه ث َّم ُيمليها على الطالب ،ويأخذ بعضهم يحفظها على أنها ٍ اإلمام ،ينتهز كل
ً َ
ِمن َج ِّيد الشعر َورائعه .وكانوا َي َر ْونها َج ِّيدة ورائعة ألنها كانت فى مدح األستاذ اإلمام.
ْ ُ ُ
للمواظبة على هذا الدرس ،ولكنهم لم ُي ِطيقوا عليه َص ْب ًرا ،فان َص َرفوا عنه وعادوا
ِ وقد بذلوا ما استطاعوا من الجهد
ْ ُْ َ ُّ َ َ َ ْ َ َ
الحماسة)
ِ (ديوان
ِ وانقطع عن صاحبن�ا ِذكر األدب بعد أن حفظ من مهل، إلى ش ِايهم يستمتعون به فى الضحى على ٍ
جزءا َص ً
الحا. ً
(الم َّ
أيام األسبوع لقراءة ُ ُ َ َّ َ ُ
فصل للزمخشرى فى النحو)؛ سيخصص يومين من ِ يوم أن (الشيخ المرصفى) ثم أشيع ذات ٍ
َّ َ َ ً ً
األدب ِفى َّأيامه من
ِ درسوحضر َ
َ أحبه وك ِلف به، الجديد ،ولم َي ْسمع للشيخ مرة ومرة حتى
ِ فسعى صاحبن�ا إلى هذا الدرس
األسبوع ،ولزم الشيخ منذ ذلك الوقت.
ِّ ُ
الصىب ذاكرة
ِ 7قوة
ً َ َ َ ُّ َ َّ َ َ
تفسيرا إال ق َّيد ُه فى نفسه. رأيا إال َ
وعاه( ،)23ول يسمع من الشيخ كلمة إال حفظها ،وال ً
ِ ِ
ُ ال فكان الذاكرة؛ ى َوكان الصبى ق ِو
ُ َ ٌ ُ
قصة قد ق َّص َها الشيخ فيما قدم من درسه، وكثيرا ما كان يعرض البيت وفيه كلمة قد مضى تفسيرها ،أو إشارة إلى ٍ
ً
َْ َ َ َ َْ َ ُ َ
لصاحب الحماسة
ِ فكان صاحبن�ا يعيد على الشيخ ما حفظ ِم ْن ِق َصصه وتفسيره ،وما قيد ِم ْن آرائه وخواطره()24ونقده
ُ
وش َّراحها( ،)25وتصحيحه لرواية أبى تمام ،وإكماله للمقطوعات التى كان (أبو تمام) يرويها.
َ ُ َ ُ ُّ َّ ِّ َ
وح ُّب ش ْيخه ل ُه ىب ِلد ْرس األدب للمرصفى، 8حب الص
َ يحب الفتى َو َي ْك َل ُف بهُ ، َّ ُ
وي َو ِّج ُه إليه الحديث فى أثن�اء الدرس ،ويدعوه إليه بعد الدرس ف َي ْص َح ُبه ُّ وإذا الشيخ
َ
يوم إىل أن ُي ْب ِعد معه ىف السري ،حىت بعض الطريق ،وقد َدعــاه ذات ٍ َ ْ ََ
باب األزهــر ،ثم يدعوه إلى أن يصحبه فى ِ إلى ِ
َ َ
انتهى الشيخ وتلميذه هــذا وتالميذ آخــرون إىل قـ ْـهــوة فجلسوا فيها ،وكــان هــذا أول َع ْهد الفىت بالقهوات ،وقد
َّ سعيدا ُم ْغ َت ً
ً ِّ
بطا قــوى األمــل شديد طال املجلس منذ ُصليت الظهر حىت دعا املــؤذن إىل صالة العصر ،وعــاد الفىت
ـاوز َد ْر َس األدب إال األزهــر وشيوخه ُ ََ َ ٌ
وســوء مناهج التعليم للشيخ حديث إىل تالميذه إذا ت ـ ِ النشاط ،ولــم يكن
(َ )27 ً (ْ َ )26 َْ ً ُ
على أساتذته وزمالئه قاسيا إذا طــرق هــذا املــوضــوع ،وكــان نقده الذعـ ــا ،وتش ِنيعه فيه ،وكــان الشيخ
َ َْ َ ِّ حقا .ولكنه كــان َيــد مـ ْـن نفوس تالميذه َه ً ً ًّ
ــوى ،وكــان يؤثر ىف نف ِس هــذا الفىت خاصة أبلغ تأثري وأ ْعمقه. ِ ِ أليما
َّ ً َْ ً ْ
وإذا الفىت ُيؤ ِث ُر هذا الدرس على غريه من الدروس شيئ�ا فشيئ�ا ،ويتص اثنني من التالميذ املقربني إىل الشيخ ِب َمودته
ُّ
ثم ِب َوقته .وإذا هم يلتقون إذا كان الضىح فيسمعون للشيخ ،ثم يذهبون إىل دار الكتب فيقرءون فيها األدب القديم ،ثم
العصر فيجلسون ىف هذا املمر بني اإلدارة والرواق العباىس ،يتحدثون عن شيخهم وعما قرءوا ىف دار ِ األزهر بعد
ِ يعودون إىل
ُ َ ِّ ُ
املغرب دخلوا وي ْع َبثون بالداخلني واخلارجني من الشيوخ والطالب .فإذا ُصليت الكتب ،ويعبثون بشيوخهم اآلخرينَ ،
ُ َ العباس فسمعوا َ الرواق َّ
درس الشيخ (خبيت) الذى كان يقرأ ىف تفسري القرآن مكان األستاذ اإلمام بعد أن توىف. ِ
ُ
( )25ش َّر ِاحها :مفسريها. ( )23وعاه :حفظه وفهمه.
ً ً
( )24خواطر :املفرد :خاطر ،وهو الهاجس وما خيطر ىف القلب من تدبري ( )26الذعا :موجعا.
( )27تشنيعه :فضحه لهم وتشويه سمعتهم. أو أمر.
َ َ ُ َّ َ
القديمة
ِ التقاليد
ِ األدب وثورتهم َعلى
ِ َ 10م ْج ُموعة الثالث ِة ِم ْن ُم ِح ِّب
ً ُ َ َّ
الشيخ من تالميذه الذين كرثوا أول األمر إال ٌ ْ َ َ ْ
هؤالء الثالثة خاصة،
ِ نفر قليل ،وامتاز منهم أجل هذا لم يثبت حولو ِمن ِ
ً ُ ُ ْ َ َْ َّ ً ً
ُ
الطالب والشيوخ ،وتسامعوا خاصة بنقدها فكونوا ُع ْصبة صغرية ،ولكنها لم تلبث أن بعد صوتها ىف األزهر ،وتسامع بها
َّ
ٌ ُ
والطالب ،وإذا هى بغيضة إىل األزهريني
ِ تنظم من الشعر ىف هجاء الشيوخ لألزهر وثورتها على التقاليد ،وبما كانت
ِ
مهيب�ة( )33منهم ىف وقت واحد.
ٌ َ ٌ َ ٌ َ َ ُ
ومثل أ ْعلى ُّ
املرصفى ِأديب وعا ِلم 11الشيخ
َ يصطنع َ
ُ َ َ ً ً ً َّ ُ ْ
العلماء إذا ل ِق َى الناس أو جلس
ِ وقار أديب�ا أيضا ،ومعىن ذلك أنه كان ولم يكن الشيخ أستاذا فحسب ،ولكنه كان
ِّ
للتعليم ىف األزهر ،فإذا خال إىل أصدقائه وخاصته عاش معهم عيشة األديب ،فتحدث ىف حرية مطلقة عن كل إنسان وعن كل
ُ ِّ ِّ ً ُ ُ ُ
ىشء وىف كل إنسان
موضوع ،وروى خلاصته من شعر القدماء ونرثهم وسريتهم ما يثبت أنهم كانوا أحرارا مثله ،يقولون ىف كل ٍ
()35 ُ َ َ ِّ ٍ (َ ُ )34
ال متنط ِعني وال متحفظني ،كما كان يقول.
َ َْ َ َّ ُ ْ ْ َ َ َ َ
والسيما إذا أحبوه وأكبروه ،ورأوا فيه المثل األعلى شيخهمِ ، ()36الطالب َمذهب
َ َ
يذهب يسر ش ْىء وأهونه أن وكان أ
ْ َ ()37 َّ ُّ ِّ َ
عما ال يليق بالعلماء ،وأصحاب السلطان. بالقليل ،والتعف ِف
ِ المكروه والرضا
ِ للصبر على
ُ
( )34متنطعني :متكلفني ،غالة. ( )28رياضة :تدريب وتمرين.
( )35متحفظني :مقيدين ألقوالهم وال يطلقونها. ()29باطن :كل ما خفى ،اجلمع :بواطن وأبطنة.
( )30كالل :ضعف.
( )36مذهب :طريقة ،واملعتقد الذى يذهب إليه ،اجلمع :مذاهب.
( )31نفاذ :فطنة وذكاء.
( )37التعفف :الصرب والزناهة عن الىشء. ()32التجنى :االدعاء عليهم بالباطل بما لم يفعلوه.
َّ ٌ
( )38اخلرب :اخلاىل ،اجلمع :األخربة. ( )33مهيب�ةُ :م َعظمة.
71
ُ
التراب. يتساقط منه ُ حائط ُْ َ َّ ِّ
شىء إال هذه الدكة الخشبي�ة الضيقة الطويلة الع ِارية التى قد أس ِندت إلى ٍ
َّ يسم ُع لهم ً ًّ
مطمئن�اَ ، ً ُ َّ ِّ َ ُ ُ َ َّ ُ
باسما ويتحدث راضيا يجلس ذه الدكة ،ولكنه وكان الشيخ ينزل لتالميذه فيجلس معهم على ه ِ
ُ ً َّ ُّ َ َ َ َ َ َّ
الحديث وأ ْعذ َبه وأ ْصفاه وأ ْبرأه( )39من التكلف( .)40وربما كان مشغول حين ُيقبل تالميذه لزيارته ،فيدعوهم ِ إليهم أرق
ُ َّ ً َّ َ ِّ
مس.ضوء الش ِ انتشر فيهَ خاليا ِم ْن كل شىء قد
دهليزا(ً )41 إلى غرفته ،فيصعدون إليه فى ُسل ٍم ُمت َهدم ،ويسلكون إليه
ُ ُ ُ
وم ْن َح ْوله عشرات الكتب َيبحث فيها عن مقطوعة َ ْ ُْ َ َ ُ َ ُ
حتى إذا بلغوا غرفته دخلوا على شيخ منح ٍن قد جلس على األرضِ ،
َ ُ
لفظ يريد أن يحققه ،أو حديث يريد أن ُيصحح الرأى فيه ،وعن يمين�ه أدوات
ُ ُ ُ َ ِّ َْ ُ ُ َّ
يريد أن ي ِتمها ،أو بي ٍت يريد أن يفسره ،أو ٍ
َ َ َ مستبشرا ً
ً ُ
أحدهم فرحا ،ثم دعاهم إلى الجلوس حيث يستطيعون ،ودعا القهوة ،فإذا دخلوا عليه لم َيق ْم لهم ،وإنما تلقاهم
َ ُ
ظات ،ثم دعاهم إلى أن ُيش ِاركوه فيما كان ِب َس ِبيله ِم ْن َب ْح ٍث َ َ َ َ َّ َ ُ ْ
إلى صن ِع القهوة وإدارتها عليه وعليهم .ثم تحدث إليهم لح ٍ
أو تحقيق.
ُ ُ
املرصفى ُي ْط ِع ُم أ َّمه ِب َي ِ�ده
ُّ 13الشيخ
َ َ َ ً ِّ َ ْ
العصر .لما َصعدا إليه لقيا ش ْيخا قد َجلس على فراش ُ يوم حين ُصليت ولم َين َس الفتى وأحد صديقيه أنهما زارا الشيخ ذات ٍ
ُ َ ُ ْ ٌ
متواضع ألقى فى هذا الدهليز ،وإلى جانب�ه ْامرأة ُم َح َّطمة قد ان َحنت حتى كاد رأسها يبلغ األرض والشيخ ُي ْط ِع ُمها ِبي�ده.
ً ً ُ َْ َ َ َّ
فلما رأى تلميذيه هش( )42لهما ،وأ َمرهما أن ينتظراه فى غ ْرفته شيئ�ا ،ثم أقبل عليهما بعد حين وهو يقول ضاحكا
ُ ُ ُ ِّ ُ
راضى النفس« :كنت أ َعشى أ ِّمى».
ُ ْ َّ َ َ َ
وصفاء الضمير ،وكان مأنين�ة القلب َ كان هذا الشيخ -إذا خرج ِم ْن داره -صورة الوقار والدعة( ،)43وأمن النفس وط
َ
وه َ َ َ َ ُ ُ ِّ َ َ ًُ ُ ْ ُّ ()44 َ َ َ
ناء ٍة من
الغنى واليسار ،ال يحس من يتحدث إليه إال رجل قد يسر عليه فى الرزق ،فهو يعيش عيشة أ ٍ صورة ِ
دوء. ُ
وه ٍ
ُّ ْ َ ِّ
شد الناس َف ْق ًرا ،ولكنه َراض َس ٌ ُ
عيد ٍ ِ 14الشيخ املرصفى ِمن أ
ً َ ْ َ ْ ِّ َ ْ َ َّ َ َ َ َّ َ َّ
العلم أنــه كــان من أشــد الناس فــقـ ًـرا وأض َي ِقهم َي ــدا .وأنــه كان ولكن تالميذه وخاصته كانوا يعلمون حــق ِ
ِّ ْ َ ـوع أو األســابــيــع ال َيـ ْـطــعـ ُـم إال ُخـ ْـبـ َـز الــجــرايــة ْيغم ُ َ ْ ُ
سه فــى ش ـ ْـىء مــن الـ ِـمــلــح ،وكــان على ذلــك ُي َعلم ِ ُيــنـ ِـفــق األســبـ
ــل()45 وي َــد ِّل ُ ً
حسنةُ ، ً
األزهــر ِرعــايــة العلم فى َ ويـ ْـرعــى غيره مـ ْـن أبن�ائه الذين كانوا َي ُ
طلبون
َ َ ً ُ ً
متازاَ ، ابن�ه تعليما م
ِ ِ
َ ً
ــؤثــرا .يصنع هــذا كله بـ َـر ِاتـ ِـب ـ�ه الضئي�ل الــذى لــم يكن َيــتـ َـجــاوز (ثــاثــة جنيهات ونصف جني�ه). تدليل ُم ً ابنت�ه
درس (جنيها ونصف جني�ه) لذلك ،وكان األستاذ اإلمام قد َك َّل َفه َ ً اب الدرجة األولى ،فكان يتقاضى
َّ َ ْ
كان ِمن أصح ِ
يختلط بالعلماء ُ َ َْ َ َّ ْ َْ َ َ َ َ َ ْ َ
وهم يتهافتون ويكره أن هر،
األدب فكان يتقاضى لذلك جنيهين ،وكان يست ِحى أن يقبض راتب�ه أول الش ِ
َ َ َ َ َ َ
الراتب الضئي�ل تلميذ من خاصته ليقبض له هذا ٍ باشر»( )46ليتقاض ْوا منه َرواتبهم ،فكان يدفع (خاتمه) إلى ُ
على «الم ِ
َ ُّ
الظهر.
ِ ويؤديه إليه بعد فى الضحى
َ ِّ ُ َ ْ َُ
اح َب ْي�ه؛ مما ُيؤدى إىل َم ْحو أسمائهم من األزهر َ َّ
18الطالب يشهدون على الصىب وص ِ
الشيوخ ،ومما كانوا َي ُ َ ً ًّ ْ َ ً ًّ َ َ
عيبون كثيرا جدا مما كانوا َي ِع ُيبون به الفت َي�ة َ
وكان هذا الطالب ماهرا حقا ،فقد أحصى على هؤالء ِ
جميعا حاضرين ،فسمعوا بآذانهم ً به (الشيخ بخيت والشيخ محمد حسنين والشيخ راضى والشيخ الرفاعى) ،وكانوا
ً ْ ُ ْ ُ ٌ َ َ
الب آخ ُرون ِب ِصد ِق هذا الطالب فى كل ما قالهَ .و ُس ِئل الفتي�ة فلم ُين ِك ُروا ِم َّما َس ِم ُعوا شيئ�ا. آراء هؤالء الفتي�ة فيهم ،وش ِهد ط
َ
( )52يرتبصون :ينتظرون. (َ )47ع َارض :املراد :أىت بمثل ما أىت.
( )48طرفة :هو طرفة بن العبد ،شاعر جاهلى من أصحاب املعلقات )53( .الدوائر :الهزائم ،املفرد :الدائرة.
( )54نظراءهم :جمع :نظري ،وهو الند واملثي�ل واملساوى. ( )49فارتد :فرجع.
ً ً
( )55موجدة :غضبا وحقدا. ( )50خطيئت�ه :ذنب�ه.
ً
()51ينظرون إليهم شزرا :ينظرون إليهم بمؤخرة العني نظر الغضبان )56( .واجمني :ساكتني على غيظ.
73
أسماء هؤالء الطالب الثالثة ولكن الشيخ لم يحاورهم ولم ُيداو ْرهم ،وإنما دعا إليه (رضوان) فأمره فى ش َّدة بمحو()57
ِ ِ ٍ ِ
يريد مثل هذا الكالم الفارغ ،ثم َص َرفهم عنـه فـى ُع ْنفَ ،ف َخـرجـوا َوجـلـيـن قـد ُسق َط فـى أيديهم()58
ُ
ِمن األزهر؛ ألنه ال
ِ
ْ
ال َي ْعرفون ماذا َي ْصنعون ،وال كيف يصورون هذه القصة أله ِلهم.
ِّ َ ُ
َّ َ
إلغ ُاء َد ْرس (الكامل) الذى ُي ِ
لقيه الشيخ (املرصفى) 19
َ َ ْ
أمرهم عند هذا الحد وال ِعند نظر الطالب إليهم فى ض ِح ٍك منهم وش َماتة بهم ،ولكنهم أقبلوا بعد صالة
ولم يقف ُ
ُ َ َ
العشاء َليلق ْوا شيخهم (المرصفى) وليسمعوا منه درس (الكامل) ،وأقبل الشيخ ،فلقيه (رضوان) وأنب�أه فى أدب
َ ُ َْ َ ُ
ول ْطف بأن شيخ الجامع قد ألغى درس (الكامل) ،وبأنه ينتظره فى مكتب�ه إذا كان الغد.
َ َ َ َّ َ
(بيت)؛ ِم َّما أ دى إىل ُم َجادلته وغض ِبه وص َ ْ
احبي�ه للشيخ ِ
ِ
ب َ َّ
الص ِّ ْ ْ َ
20اس ِتعطاف ِ
الثالثة َخجلين َوجلين ،والشيخ ُي ِّ ُ ُ ُ َ ْ ً َ َ ْ َ
سرى( )59عنهم مع ذلك ،حتى إذا ِ ِ ه تالميذ معه ى ض وم ا، زون ح م الشيخ صرف فان
ُ ِّ َ ُ
كانوا فى بع ِض الطريق خطر لهم أن يذهبوا إلى الشيخ (بخيت) ليستعطفـوه ويوسطوه عنـد شيخ الجامع ،وقال لهم ْ َ
ُْ ُ َ ً َ ُ
شيخهم( :ال تفعلوا ،فلن تبلغوا ِم ْن َسعيكم هذا شيئ�ا) ،ولكنهم َمض ْوا مع ذلك إلى دار الشيخ (بخيت) ،فلما أد ِخلوا
ُُ ً
عليه َعرفهم فتلقاهم ضاحكا ،ثم سألهم عن َج َّلية أمرهم( )60فى فتور ،فلما أخذوا يدافعون عن أنفسهم قال لهم فى
ْ
رس ِكتابه إث ٌم. المعتزلةَ ،ف َد ُ للم َب ّرد ،وقد كان المبرد من ُ رسون (الكامل) ُ أيضا :ولكنكم َت ْد ُ ً
فتور
ِ ِ
الغ َضبَُ َ ُ َ ُ َ ُ ُ ْ َ ُ َ َ
عطفين ،وأخذوا يج ِادلون الشيخ حتى أحفظوه ،وانصرفوا عنه وقد مأله وهنالك ن ِسى الفتي�ة أنهم جاءوا مست ِ
َ ُ ْ ُ َّ َ َ َ َ
ومألهم اليأس ،ولكنهم مع ذلك تضاحكوا من الشيخ وأعادوا بعض ِكلماته ،وتفرقوا وقد تعاهدوا على أن يخفوا األمر على
ً
أمرا كان مفعول. أهلهم حتى َي ْقضى هللا ً
ِ
ُ ْ َ َّ َ َ َ َ ْ َّ َ َُ َ
(الكامل) ،وكلفه قراءة (المغ ِنى) البن هشام، ِ الغد ،فأنب�أهم بأن شيخ الجامع قد حظر عليه قراءة ولقوا شيخهم من ِ
ود فى داخل األزهر. َُ َ
ونقله من الرواق العباسى إلى عم ٍ
ُ ْ َ َ
وحـزن الفت الشيوخ منـه، خوف ـوم على َش ْيخ اجلامع األزهرَ ،
و ُه ُـج ٌ
ِ 21
عم لتالميذه أنه لم ُي ْخ َلق للع ْلم وال للمشيخة ،وإنما ُخ َلق ليبيع َ
العسل الجامعَ ،و َي ْز ُ ُ
يعبث بشيخ َ ُ
ثم جعل األستاذ
ِ
َ ْ ُ َ ََ ُ
(س ْر َياقوس) ،وكان قد فقد أسنانه فكان َين ِطق السين ثاء ،وكان يتكلم لغة القاهرة فكان يجعل القاف همزة، األسود فى ِ
ْ
بعوا بها الشيخ (حسونة) تالميذه َق ُّط هذه الجملة التى َط ُُ ْ
هامسا ،فلم َين َس ً ويمد الواو بينها وبين السين ،وكان يتكلم
َ
رحمه هللا ،ف َس َّم ْوه (بائع العثل فى ثرياؤوث).
ً ً ديدا َحاز ًما وكان َم ً َ ً
جميعا ومنهم (الشيخ صارما( )62خيافه الشيوخ هيب�ا()61
ِ ولكن (بائع سرياقوس) هذا كان ش
ْ َ ُ َ َ ُ ْ
(المغ ِن) وذهب إليه تالميذه مطمئنني ،وما يعنيهـــم أن يقـــرأ الشيخ هــذا الكتـاب املرصفى) ،فقد أخذ يقرأ كتاب
أو ذاكَ ،ح ْس ُب ُهم ْأن يقرأ الشيخ وأن يسمعوا منه ويقولوا له وقد سمعوا منه ،فلما هم الفىت أن يقول له بعض ْ
الىشء َّ َ
َ َ ُ َ َ ُ ْ
أسكته ىف ِرفق وهو يقول« :أل ،ألَ ،عاوزين ناكل عيش» .ولم َي ْعرف الفىت أنه َح ِزن ُمنذ عرف األزهر كما َح ِزن حني سمع
ٌ ٌ وإن َ َّ
قلوبهم ليملؤها حزن عميق. هذه اجلملة من أستاذه ،فانصرف عنه ومعه صديقاه،
ْ
هيب�ا :املرادَ :مخ ِش اجلانب.
(َ )61م ً ( )57محو :شطب وإزالة (يمحو الىشء)ُ :يذهب أثره.
ً ً (ً )62 (ُ )58سقط ىف أيديهم :ندموا وحتريوا.
ماضيـــا فـى تنفــيـذ أمــره ،ورجل صارم :شجاع صارمـا :جلـدا
(ُ )59ي َس ِّرى :خيفف.
ماض فيه دون تردد. َق ٌ (َ )60ج َّلية األمر :حقيقته.
اطع ىف أمره ٍ
ِ
َ ِّ
24شيخ األزهر كان ُيهد ُد الثالثة فقط ،ولم َي ْم ُح أ ْس َماءهم
َ ْ ْ َّ َ َ َ
تبي َن وت َّبي َن معه صاحباه أن شيخ الجامع ل ْم ُيعاقبهم ولم َي ْم ُح أسماءهم ِم ْن وقد انصرف الفتى ،ثم لم يلبث أن
َ َّ
وجعل يترد ُد عليه ،حتى يفهم َليس َغ ْير .ومنذ ذلك الوقت اتصل الفتى بمدير الجريدة َ َ ْ َ َّ
ِس ِجلت األزهر ،وإنما أراد تخ ِو
ُ َّ ٌ
وقت كان ُ
يلقاه فيه كل يوم. َجاء
الع َمامة
َْ َ ََْ ُ َّ
25الصىب الشيخ يلبس الطـربوش بعد ِ
َ ْ َّ َ َ َّ َ
سئ َم بيئ�ة العمائم،
وفى مكتب مدير الجريدة ظفر( )66الفتى ِبش ْى ٍء طالما تمناه ،وهو أن يتصل ببيئ�ة الطرابيش بعد أن ِ
ُ
ًّ
متوسط الحال فى أسرتهَ ،س ِّيئ الحال جدا إذ أقام
ُ راء ،وكان وهو ٌ
فقير نزلة َوأ ْث َراها َث ً
َ َ َ ً
ولكنه اتصل من بيئ�ة الطرابيش بأرقاها م
فى القاهرة؛ فأتاح له ذلك أن يفكر فيما يكون م ْن هذه الفروق َ
الحائلة بين األغني�اء المترفين( )67والفقراء البائسين(.)68 ِ
75